العولمة بين المنظور الغربي والإسلامي

عرض : امحمد برادة غزيول

يحظى موضوع العولمة باهتمام كبير على المستوى الأكاديمي، ومن طرف أجهزة الإعلام والرأي العام ومختلف التيارات السياسية والمحافل الدولية والهيئات والمنظمات الرسمية، على اختلاف تخصصاتها ومشاربها وطنيا ودوليا، فلا يخلو لقاء ثقافي اقتصادي، أو علمي أو سياسي أو اجتماعي من الحديث عن العولمة أو الكونية أو الأمركة، بمناسبة أو بدونها، وذلك من اجل تدعيم طرح ما، أو دحض فكرة، أو تبرير أو تفسير قرار صعب ويتجلى ذلك من خلال عدد اللقاءات التي طرحت فيها فكرة العولمة، فقد نشرت العديد من الأبحاث في الأدبيات التي تتحدث عن هذا الموضوع لدرجة أن جريدة Le monde نشرت خلال شهر فبراير 97، ملحقا خاصا عن العولمة، وأطلقت على سنة 1997 عام العولمة.

ولعل هذه العناية من طرف الباحثين والمهتمين بهذا الموضوع يرجع لخطاب العولمة الملتبس، الذي يحاول من جهة جعل سكان الكون المتنامي الأطراف والمتعدد الهويات واللغات والأديان والثقافة، ينصهرون في قالب واحد تنمحي معه كل الفوارق، بحيث يصبح سكان هذا الكون ا شبه بسكان القرية الكونية، في حين أثبتت الممارسة من جهة أخرى، أن هناك تباينا بين خطاب العولمة وواقع الأمر، وهو ما أدى الى تضارب آراء الباحثين والمهتمين، بين مطالب بالأخذ بها والانفتاح عليها والتفاعل معها، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لمواكبة قاطرة التقدم. وبين معارضين لها منادين بالقطيعة التامة معها اعتمادا على ما أفرزته من تناقض بين الخطاب والواقع المعاش.

وانبرى فريق ثالث نادى بالأخذ بالعولمة مع الحذر التام، لكونها قدر لا مرد له. ووقف العلماء المسلمون يتأملون هذه الظاهرة ولم تتناولها الأدبيات الإسلامية بما تستحقه من عناية رغم وجود كل الدلائل على أن الإسلام كدين وكفكر وتوجه يحمل ما ينبغي أن يكون عليه العالم وما ننتظره جميعا من العولمة في حقيقتها.

وهكذا سنتناول في هذه الدراسة تعريف العولمة وعومل تعميقها كمدخل عام، ثم سنقسم الموضوع الى قسمين:

القسم الأول : سنتناول فيه المنظور الغربي للعولمة حيث سنتعرف على مواقف كل من المتحمسين لها والمعارضين لها والمعتدلين الذين ينادون بالأخذ منها بحذر.

أما القسم الثاني من هذه الدراسة فسنخصصه للمنظور الإسلامي للعولمة على ضوء ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

تعريف العولمة:

لم يستطع أي واحد من رجال السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع الخ... وضع تعريف واضح لمصطلح العولمة نظرا لكونها تهم كل المجالات الحياتية الشيء الذي يطرح صعوبة في تعريفها.

وهكذا فقد عرفها معجم sاwiber بأنها اكتساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا) 1. وهذا التعريف الذي أورده هذا المعجم يعتبر بعيدا كل البعد عن دلالة اللفظ والمقصود منه اعتمادا على ما هو متعارف عليها اليوم.

أما تعريفها اقتصاديا فيعني "استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم " .

وعلى مستوى الترجمة فإن مصطلح“ La globalisation “ الإنجليزية و“La mondialisation” الفرنسية تمت ترجمتها الى العولمة. وترجمها البعض الآخر بالكونية أو الكوكبة. إلا أن مصطلح العولمة هو الراجع في الاستعمال.

ويثير مصطلح العولمة أو الكونية على غرار مجموعة من المصطلحات التي أصبحت متداولة الكثير من التساؤلات والإشكاليات بين الباحثين والمهتمين على اعتبار أن مفهوم العولمة ما زال مفهوما هشاملا في أغلب المجالات التي وظف فيها هذا المصطلح، ( لأنها مجرد إرادة تتجه للتحقيق الفعلي أو أفق قادم حتى يتبلور بوثيرة سريعة ومطالبة ملحة بهذا التحقيق، وليس فعلا حاصلا) فهي بذلك مجرد مشروع لم يكتمل بعد بنيانه، وهو ما قد يشكل خلطا لدى بعض المتعاملين مع هذا المصطلح وجعل ( بعض النقاد والمبدعين المحللين الاجتماعيين يذهبون مذاهب مختلفة في فهمها وتعريفها وتفسيرها ولذلك تأتي أحكامهم أحيانا غامضة ومتباعدة بسبب غموض منطلقاتهم واختلاف هذه المنطلقات حتى أصبح الباحثون في هذا الموضوع والمتحدثون عنه يتساءلون هل من الأفضل أن تترك هذه الألفاظ والمصطلحات وأمثالها تحديد ربما لأنها بطبيعتها غير قابلة للتحديد> وأن يتحدث عن بعض مظاهرها ونتائجها وعلاقاتها بغيرها اعتمادا على وجود قدر مشترك من الفهم بين المتحدثين عن هذه الألفاظ والمصطلحات يتيح توصيل الآراء والتحليلات إلى الآخرين مهما اختلفوا في التفصيلات والفروع)2.

ومن بين التعاريف التي أعطيت للعولمة أو الكونية ما قاله عنها “MARTIN WALTER” من أنها عملية اجتماعية تتوارى فيها القيود والحواجز الجغرافية والأوضاع الثقافية والاجتماعية وبالتالي فإن الظاهرة لن تحدث بصورة مطلقة مرة واحدة ولكن سوف يتدرج حدوثها من المشاكل التي أخذت صفة العالمية).

يعرفها محمد عابد الجابري بأنها ( ما بعد الاستعمار، باعتبار أن آل-ما بعد - في مثل هذه التعابير لا يعني القطيعة مع آل-ما قبل- بل يعني الاستمرار فيه بصورة جديدة ) 3.

كما يعرفها أيضا نفس الباحث المغربي بأنها ( ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا وبالدرجة الأولى إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم)4.

ويعتبرها صادق جلال العظم بأنها ( حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ )5.

أما الباحث "على حرب" فيرى أننا ( إزاء حدث هو من الغنى والكثافة والتعقيد ما يجعله ينفتح على غير معنى واتجاه، ويفتح غير مكان ومجال، بقدر ما يطلق قوى اجتماعية جديدة أو يتيح انبثاق تشكيلات ثقافية مغايرة. والواقع أن من يتابع ما يكتب أو يقال حول العولمة سواء في الصحافة أو في الندوات الفكرية، يجد تعارضا في المواقف هو تجسيد للاختلاف في القراءة والتشخيص)6.

وقد حاول الدكتور محمد عابد الجابري وضع مقاربة للعولمة معتبرا بأنها ( نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد وأنها نظام عالمي يشمل المال والتسويق والمبادلات والاتصال كما يشمل أيضا مجال السياسة والفكر والإيديولوجيا)7.

أما الدكتور صبري إسماعيل فيرى ( أن العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك يكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية الدولية وتحدث فيها تحولات على مختلف الصعد تؤثر على حياة الإنسان في كوكب الأرض أينما كان. ويسهم في صنع هذه التحولات ظهور فعاليات جديدة هي الشركات متعددة الجنسيات “s’tnc” التي تتسم بالضخامة وتنوع الأنشطة والانتشار الجغرافي والاعتماد على المدخرات العالمية وتعبئة الكفاءات من مختلف الجنسيات وتبرز بفعل هذه التحولات قضايا لها صفة " العالمية " مثل قضية الممتلكات العامة البشرية من بحار وفضاء وقارة قطبية جنوبية وقضية صيانة البيئة وتحركات سكان الأرض وقضية الفقر في العالم وقضية الجريمة المنظمة كما تثور تساؤلات لها صفة العالمية حول دور الدولة في ظل هذه التحولات ودور الجماعات الأهلية في أوطانها ودور المنظمات الأهلية متعددة الجنسيات التي قامت مؤخرا في إطار العولمة في الغرب خاصة فضلا عن دور منظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المنبثقة عنها) 8.

والحقيقة أن كل التعاريف التي أعطيت للعولمة تعتبر صالحة لان كل واحد منها يلامس الواقع في أحد جوانبه لأنها واقعة مركبة ومعقدة وتنطبق عليها كل المواصفات التي أشرنا إليها سابقا .

وهكذا يتجلى أن العولمة هي مولود جديد جاء نتيجة تلاحق ظاهرتين اثنتين سبقتها: ظاهرة التدويل " internationalisation " وظاهرة تعدد الجنسيات "mutinationalisation " وفي هذا السياق يرى Perla, R بان ( العولمة هي مجموع المراحل التي تمكن من إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات:

- لفائدة أسواق عالمية " أو ستنظم " وفق مقاييس ومعايير عالمية من طرف منظمات ولدت أو تعمل على أساس قواعد عالمية بثقافة تنظيم منفتحة على العالم وتخضع لاستراتيجية عالمية من الصعب تحديد فضائها " القانوني والاقتصادي والتكنولوجي " بحكم تعدد ترابطات وتدخلات عناصرها في مختلف العمليات "الإنتاجية" قبل الإنتاج وحتى بعده)9.

- ومواكبة لهذه العولمة الاقتصادية والمؤسسات الإنتاجية عرف العالم عولمة الرموز والمؤسسات التي تنتج هذه ألا لآت في مجال الإعلاميات والاتصالات السمعية البصرية حيث أصبح ( إرسال المعطيات بسرعة الضوء 300000 كيلومتر في الساعة ورقمنه النصوص والصورة والصوت والالتجاء لأقمار الاتصالات وثورة الهاتف وتعميم المعلوميات في قطاعات إنتاج السلع والخدمات وتصغير الحواسب وربطها داخل شبكات قد مكنت من خلق انقلاب في نظام العالم)10.

- فعولمة راس المال كما يقول "ريكاروبتريلا" (سارعت وتيرة تدويل الاستثمارات والقطاع الإنتاجي موازاة مع تداخل التيارات التجارية عبر الجهات العالمية الكبرى وقد مكن هذا التداخل بدوره -عبر التنمية الخارجية- من تحفيز عولمة المؤسسات والاستراتيجيات والأسواق من استثمارات مباشرة بالخارج ونقل الصناعات وتحالفات واختصاصات الخ...وهكذا فكل مجموعة صناعية ومالية مهمة تتبع استراتيجية في كل جهات العالم وخصوصا بأمريكا الشمالية وأوربا الغربية وشرق وكذا جنوب شرق آسيا)11.

- ويقاسم نفس الرأي الصحفي المغربي يحيى اليحياوي عندما اعتبر (الغازين الجدد " ذوو قدرات مالية هائلة يتصرفون بفضلها في تخصيص وتوزيع الموارد العالمية يحددون القيم والرهانات والأولويات " ويفبركون " على مزاجهم قواعد اللعبة: " أسياد العالم هم اليوم قلة تتمثل في بضعة مئات أشخاص رؤساء وأعضاء لجن تسيير لمؤسسات قليلة العدد تعمل في ميادين الإلكترونيات والمعلوميات والاتصالات والبرامج والسمعي-البصري والصحافة والنشر والتوزيع ربعهم متمركز في اروبا ومثيل له في آسيا والباقي في أمريكا. وعلى اعتبار التحالفات التي يبرمونها بينهم يمكن القول أن عشرة شبكات عالمية متداخلة وضخمة فقط هي التي تسير الاقتصاد وترسم معالمه المستقبلية على أساس أنه قليلة هي المؤسسات التي تستطيع لوحدها فرض منطقها وسلطتها على السوق العالمي بل حتى مفهوم الأقطاب لم يعد ذو قوة تفسيرية ذات بال فقد انصرف عنه لصالح مصطلح شبكات التحالفات المتعددة الأقطاب لم يعد السوق العالمي في ظل العولمة مجرد فضاء مادي تتم من خلاله العمليات التجارية والمالية كما عهدناه في مرحلتي التدويل وتعدد الجنسية بل أصبح ملتقى إعلاميا كوكبيا يتم في إطاره تبادل المعطيات والتحكيمات المالية على حساب الاقتصاد الواقعي أو المادي " réelle économie ". وخرجت من صلبه مافيا نشيطة ذات خبرة واسعة في مجال المضاربات المالية (وحتى العقارية) واندرجت مفاهيم المنافسة الحرة وقيم الشفافية لصالح الممارسات الاحتكارية وثقافة الارتشاء والتهرب من الضرائب. والعولمة التي صنعتها وكرستها وسايرتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال( من بين عوامل أخرى) لم تسحب السجاد من تحت إقدام مفاهيم القومية ( بمعنى القطرية) والسوق الوطني والحدود الجغرافية فحسب بل سحبته أيضا من تحت أقدام الدولة ( أو الدولة/الأمة) بتشريعاتها ومعاييرها ونظم تسييرها فتحولت الدولة الى مجرد متفرج على قرارات تتخذ داخلها من طرف شبكات المال والأعمال العالمية النشاط فأفرغت بذلك من دورها كفاعل رئيسي في عملية تحديد السياسة الاقتصادية وحتى من سلطتها الجبائية على الموارد " المارة " عبر كيانها الجغرافي)12.

ومن خلال التعريفات التي سقناها يتضح أن العولمة واقع يتميز بتزايد الارتباط والاعتماد المتبادل بين المجتمعات البشرية في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية وغيرها من المجالات ساهمت في ترسيخها كتوجه عالمي الثورة التكنولوجيا في مجال المعلومات والتواصل التي منحت للبشرية فرصا وفوائد كبيرة لكنها في نفس الوقت تتضمن أخطارا لا يستهان بها خصوصا إذا لم يتم التعامل معها بحذر.

لقد دق الأمين العام السابق للأمم المتحدة ناقوس الخطر في إحدى محاضراته معلنا " أننا نعيش في غمرة ثورة شملت المعمورة بأجمعه مضيفا بأن كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظيمتان متضادتان/ انهما العولمة والتفكك ".

والوقع الذي ينبغي أن نومن به هو أن ( العولمة أصبحت ظاهرة معاشة تعبر عن تكتل العالم وتثير أخطر قضايا الساعة كالتشغيل وحدة المسالة الاجتماعية وبعض الجوانب من حقوق الإنسان. وإذا كانت قد توسعت فيها الاستفادة من حجم المبادلات والمواصلات فإن الهوة بين الفقر والغنى ربما تزداد عمقا واتساعا هي الأخرى. ولعل مفهوم العولمة قد ارتبط أساسا بالنمو السريع والكبير الذي عرفه الاقتصاد العالمي منذ أواخر السبعينات. كما أن الشركات المتعددة لجنسيات ساهمت في إشاعة هذا المفهوم لأنها كانت المستفيدة بالدرجة الأولى مما يسمى بالأنماط الشمولية التي تنطبق على مجمل الأبعاد سواء الاقتصادية أو المالية أو الثقافية أو الإنسانية وكذا على مستوى البنى سواء كانت وطنية أم جهوية أم عالمية. وبذلك فان العولمة تكون ظاهرة ناتجة عن تعميم اقتصاد السوق حيث شكلت السوق النقدية منذ بداية السبعينات وبدأت مع عولمة التجارة في إطار " الغات " واستمرت مع المنظمة العالمية للتجارة. وفي نفس السياق استفاد الفاعلون الاقتصاديون من الإجراءات ذات التوجه الليبرالي بإدراكهم أن السوق أكثر أهمية من الدولة في تحفيز الصناعة والزيادة في الإنتاج وضمان النمو) 13.

ونستنتج مما ذكرناه أعلاه أن العولمة أصبحت متعددة الأبعاد ولم تبق منحصرة في المجال الاقتصادي بل امتدت الى المجال الثقافي بمختلف فروعه والى المجال القانوني والتواصلي والإعلامي. وحتى الإجرامي وفي هذا السياق يقول الدكتور بطرس غالي " ليست هناك عولمة واحدة بل ثمة عولمات عديدة فعلى سبيل المثال هناك عولمة في مجال المعلومات والمخدرات والأوبئة والبيئة وطبعا وقبل هذا وذلك في مجال المال أيضا. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن العولمة قد صارت تتعاظم في المجالات المختلفة بسرعة متباينة " .

ويمكننا القول بأن العولمة الحقيقية التي ينبغي تبنيها والدفاع عنها هي تلك التي تهدف جعل سكان العالم أشبه بسكان القرية الكونية. ولتحقيق هذا الهدف ينبغي أن يكون هناك وعي بين مختلف طبقات المجتمع المدني العالمي بقضايا هذا العالم في إطار شمولي وموحد يساهم في بنائها وبلورتها وقولبتها المجتمع العالمي بكامله لا أن ينفرد به قطب معين على حساب مصالح الآخرين أو فرض سيطرة جهة على أخرى. وأن يقوم زارعو نبتة العولمة والمدافعين عنها بتغيير لغتهم وخطاباتهم وحوارهم السياسي والأيديولوجي الاستراتيجي مع شعوب العالم وفتح أواصر جديدة للإخاء والتعاطف.

عوامل تعميق العولمة :

العولمة باعتبارها واقع اقتصادي اجتماعي وتقني تعمق منذ نهاية الثمانينات بسبب مجموعة من العوامل نذكر منها :

1- تظافر مجموعة من الأحداث التي عملت على تغيير الخريطة السياسية والتجارية الدولية والمتمثلة في انهيار الكتلة الشرقية بنموذجها السياسي والاقتصادي والقانوني وعلاقتها الدولية.

2- هيمنة أيديولوجية اللبرالية واقتصاد السوق والمؤسسات المالية والتجارية.

3- زيادة دمج الاقتصاديات الوطنية في الاقتصاد الدولي على أسس لبرالية.

4- ظهور التكتلات الاقتصادية الدولية التي أصبح معها العالم ينتظم حول ثلاثة أقطاب: أولها أوربا التي تعمل بوثيرة سريعة على بناء قارة جديدة " أوربا القران الواحد والعشرين " وثانيها " أمريكا الشمالية " حيث يتشكل فضاء اقتصادي هائل قائم على قاعدة التبادل الحر وثالثها " الفضاء الأسيوي الهادي " الذي برز فيه عمالقة جدد في الاقتصاد لعالمي ويقوم الآن ببناء سوق عملاقة تتكون من اليابان قائدة القاطرة ومن الصين باعتبارها طاقة اقتصادية صاعدة.

5- انخراط قوى عظمى في منظومة اللبرالية الاقتصادية رغم احتفاظها بنموذجها السياسي ونعني بها الصين الشعبية.

6- التطور السريع في تقنيات التواصل والإعلام ووسائل المواصلات.

7- نقل القواعد اللبرالية للدول الرأسمالية وتعميمها على مختلف الدول عبر المؤسسات الدولية ولاسيما المؤسسات المالية الدولية والمنظمة العالمية للتجارة التي حلت محلها لتقوم بضبط حركة وإيقاع التجارة العالمية وتشجيع الحرية التجارية وإزالة الحواجز الجمركية.

8- ظهور المنظمات الدولية والإقليمية حكومية وغير حكومية التي تعمل في أنشطة متعددة على نطاق لم يسبق للمجتمع الدولي أن شهده في أية مرحلة سابقة ولم تعد معها الدولة هي القوة الوحيدة التي تصدر القرارات في العلاقات الدولية، كما أن هذه المنظمات الدولية تهدف تخفيف التوترات وتعميق مجالات التعاون بين الدول وتنظيم شؤون المجتمع الدولي.

9- تشجيع تنقل الرساميل من بورصة مالية إلى أخرى خلال فترة وجيزة لا تتعدى الثانية وذلك في إطار البحث عن أحسن توظيف وأعلى نسبة من الربح . فقد ( أدت ثورة المعلومات والاتصالات من ناحية والحاجة إلى غزو الأسواق من ناحية أخرى إلى " ثورة مالية " لا تقل خطورة وأهمية عن الثورة الصناعية في مراحلها الأولى. فإلى جانب الثورة العينية من أراضي ومناجم ومصانع وبنية أساسية أصبحت الثورة المالية في شكل أسهم وسندات وأوراق مالية متعددة تمثل حقوقا ومطالبات على هذه الثروة العينية وتسهل من حركتها وانتقالها. وقد ساعد على ذلك وارتبط به تعدد الأوراق والأصول المالية فظهرت أشكال وتطورت الأشكال القائمة من خيارات أو حقوق أو رخص في عدد متزايد من المشتقات المالية وثورة المعلومات والاتصالات ساعدت في نقل هذه الأصول والثروات في لمح البصر دون أن تدركها عين أو تلحظها يد رقيب. فأصول المالية تتداول الآن على مستوى العالم وهي تنتقل من مكان إلى آخر أو من عملة إلى أخرى في شكل ومضة كهربائية أو نبضة إلكترونية. وهكذا أدت هذه الثورة المالية الجديدة إلى تقريب أجزاء المعمورة قفزا على الحدود السياسية وتجاوزا للمكان واختصارا للزمن. ولكن السيولة العالية للاقتصاد العالمي وهذا الإفراط في التداول المالي على حساب الثورة العينية وان أديا إلى درجة كبيرة من التقارب والاندماج فانهما قد ساعدا بالمقابل على زيادة حدة الاضطراب وعدم الاستقرار في الأسواق العالمية )10م.

10- تدويل المؤسسات أي أن المقاولة اليوم يمكنها أن تصنع جزءا من هذا المنتوج أو ذاك في هذا البلد أو ذاك وجزءا آخر في بلد آخر وأجزاء أخرى في بلد آخر وهكذا دواليك ثم تقوم بتجميع هذه الأجزاء فيما بعد في منتوج عالمي من أجل سوق هي نفسها عالمية.

11- ظهور الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات كقوة اقتصادية رئيسية تمتلك قدرات تنظيمية ومادية وتقنية وإيديولوجية تؤهلها لإدارة العالم كوحدة مترابطة وتمهد لإلغاء دور الدولة. فهي قائمة في الأساس على فكرة تحويل العالم إلى سوق واحدة وتدويل المجتمع الإنساني والتخطيط المركزي للإنتاج والاستهلاك العالمي، وتهدف هذه الشركات العملاقة السيطرة الكاملة على النشاط الاقتصادي وتحويله إلى نشاط عالمي يتعدى حدود السلطة المحلية للدول. كما تتميز هذه الشركات بضخامتها وتنوع نشاطها وانتشارها الجغرافي.



القسم الأول

المنظور الغربي للعولمة:

سنتناول في هذا القسم المنظور الغربي للعولمة من خلال مختلف الآراء التي ناقشت هذا الموضوع ونادت بإلزامية الانخراط في هذه المنظومة أو الابتعاد عنه ونادت بمحاربة هذا التوجه كما سنتناول أيضا موقف المعتدلين من العولمة.

1- المتحمسون للعولمة

يرى المتحمسون للعولمة أنها( قدر لا مرد له، وأنها ستصيب أمم المعمور، التي لم يعد أمامها إلا الخضوع والاستسلام لها)14. ولذلك يعتبرونها فرصة ينبغي أن لا تضيع، لأنها حسب رأي هؤلاء المفتاح السحري لكل قضايا البشر الذي سيتمكن من خلاله العالم من فتح بوابة القرن الواحد والعشرين المقبل، بثورته التكنولوجيا والتواصلية على مصراعيه وأنها جنة الأرض الموعودة، ويلوح أنصار العولمة بالتهديد بالدمار الشامل، في حالة عدم الانخراط في هذه المنظومة الكونية(لأنها سوف تقرر ليس مصير حضارة معينة، أو أمم محددة بل مصير البشرية كلها)15. باعتبارها ( ظاهرة العصر وسيمته، وإن الوقوف في وجهها ومحاولة تجنبها، أو العزلة عنها إنما هو خروج على العصر وتخلف وراءه)16. فخبراء الاقتصاد العلمي سواء منهم العاملون في منظمة التنمية التعاون الاقتصادي أو في البنك الدولي أو في صندوق النقد الدولي يشجعون الدول على المضي قدما في عملية التكامل على المستوى العالمي. ( فهؤلاء الخبراء يلحون على أن إزالة الحدود أمام السوق يعبد الطرق أمام العلم الثالث للخروج من مأزق الفقر والتخلف معتبرين أن العولمة تحسن من فرص البلدان النامية للحاق اقتصاديا بركب الدول الصناعية. (فمن خلال العولمة فقط سيكون بوسع ستة مليار مواطن في العالم المشاركة في تلك الانتصارات التي لم ينعم بها حتى الثمانينيات سوى ستمائة مليون في البلدان الصناعية القديمة لا غير)17.

وإذا نظرنا إلى العولمة من زاوية أخرى، فإننا نجد المناصرين لها يؤكدون على(أنها فرصة تاريخية لكسر طوق التخلف عن الدول النامية)18.

ويركز الخطاب الأمريكي على القول: (بأن العولمة ليست مجرد خيار قابل للتبني والرفض، بل هي حتمية لا مناص عنها في توجه النظام العالمي الجديد. ولا خيار للعالم النامي غيرها آلا خيار بقائه محبوسا في تخلفه.ويضيف هذا الخطاب أن العولمة هي اقرب الطرق وأجداها لتحقيق الحداثة السياسية والاجتماعية والفكرية للعالم المتخلف وهي أنجع الوسائل لطيها بسرعة مراحل التنمية الشاملة لأنها وحدها الكفيلة بتأهيله اقتصاديا. وبالتالي فكريا واجتماعيا. بل يذهب الخطاب إلى قول أن تغيير العالم إلى أفضل مرهون بتطبيقها)19.

لقد تبنى هذه الطموحات ودافع عنها بحماس كبير نخبة من المثقفين (الذين كانوا إلى عهد قريب من غلاة الاشتراكيين الذين يستقطب الشباب في الجامعة من تلامذته للفكر الاشتراكي أو الماركسي ويدافع عنه في المؤتمرات الحزبية والجماهيرية فإذا به فجأة ينقلب إلى لبرالي متحمس للبرالية والاندماج في السوق الرأسمالي العالمي والتبشير بالعولمة الجديدة ويشيد بشبكة الانترنيت أو يقدمها كدليل على مصداقية العولمة ومظهرها الحداثي أو ما بعد الحداثة أو يتحول إلى محاضر نشيط عن العولمة داخل بلاده وخارجها. فهذا الفريق الذي يدافع عن العولمة يضم صفوة النخبة الثقافية لدينا أو من يوصفون بذلك من أساتذة جامعيين وسياسيين وصحافيين في دول العالم الثالث والذين تستهدف العولمة الإبقاء على شعوبهم راسخة في أغلال الفقر والاستغلال والتبعية ومع ذلك يدافعون عنها بحرارة مطالبين شعوبهم بالاندماج فيها حتى لا يفوتهم قطارها والتأقلم مع ما يعتبرونه من شروطها ومتطلباتها من الانفتاح عليها والاستسلام لها وإطلاق لحرية التجارة ورفع القدرة التنافسية وينسبون لها الفضل بتحقيق الأمل في الديموقراطية وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وحل أزمة البطالة والإسكان والقضاء على الفقر والتخلف وتحرير المرأة حتى أصبحت في نظرهم الدواء الشافي من كل داء)20.

والواقع أن العولمة التي هي الآن في طور البناء ليست حتمية كما يدعي المتحمسون لها وأن الحتمية التي يدعونها هي في نظرنا مجرد تكريس وترويج لمذهب وسياسة خاصة لا ترتكز على أي أساس لأن العولمة ليست أمرا محققا فعلا ومكتملة البنيان وإنما هي إرادة تتوجه نحو التحقيق الفعلي وليست بالشيء المنتهي حتى نكون ملزمين ومرغمين بالخضوع لها.

لكن إذا كانت العولمة كما ينادي بها المتحمسون لها ستعمل على إسعاد البشرية ورفاهيتها وإخراج الدول الفقيرة من فقرها وستعمل على طي مراحل التنمية فإن الانخراط فيها سيكون تلقائيا وعن طواعية لأنها علاج يبتغيه الجميع ومنظومة سينخرط فيها الجميع.

2-المعارضون للعولمة:

وعلى النقيض من ذلك فإن المعارضين للأخذ بالعولمة لا يفتأ ون يحذرون من هذه العولمة ويطالبون بمقاومتها لأنها حسب رأيهم وان بدت براقة إلا أنها لاتحمل في جوانبها قدسية البراءة فهي تعمق الفوارق وتضاعف من عجز الدول أمام ديكتاتورية الأسواق المالية(التي تحصر النشاط الاقتصادي في عدد من الشركات العالمية في الدول الصناعية الكبرى ولما تفرضه من اتجاهات وقوانين تقلص الصناعات الوطنية وتزيد فقر الفقراء وتشييع البطالة)21.

فالأساس الذي اعتمدته العولمة في انطلاقتها هو تآخي وشمول شعوب العالم بالرفاهية ووضع حد لظاهرة الفقر المزرية. في حين أن ما تمت عولمته هو البؤس والفقر وزيادة الهوة بين الدول الفقيرة والغنية وزيادة البطالة والخوف والقلق من المستقبل وتعميق ظاهرة الفساد والاتجار في المخدرات والجريمة المنظمة والحرب وعدم السلام والأمن وزيادة ثراء لدا طبقة محصورة.

فقد أصبح مصطلح العولمة يعني اتساع الفرق بين البشر وبين الدول وهكذا نجد مثلا أن عدد الأثرياء في العلم يصل إلى 358 ملياردير فهؤلاء يمتلكون ثروة توازي ما يملكه مليارين ونصف من سكان المعمور وأن عددا قليلا من دول العالم تستغل %80 من الناتج العالمي الإجمالي و%84 من التجارة العلمية ويمتلك سكانها %85 من مجموع المدخرات العالمية.

ومن بين الناقمين الكارهين للعولمة الوزير الأمريكي " روبير ريتش" الذي يأخذ على العولمة(مضيها في إنشاء نظام من الطبقة السفلة داخل الديموقراطية الصناعية يتسم بالفقر وانعدام الأمل)22.

لقد أدت العولمة ( إلى إعدام بعض المصطلحات المهمة التي شغلت ساحات الفكر والسياسة لفترة طويلة مثل مصطلح" العالم الثالث" " ومصطلح التحرر" " والتقدم " "وحوار الشمال والجنوب" والتنمية الاقتصادية. وهناك من اعتبر أن أيديولوجيتها تتميز بفقرها الرمزي والتصويري ولا ترضي التطلعات البشرية الدفينة ولا تتوفر على عناصر الحكم والأمل التي تلازم الرؤى الجماعية لضبط العلم وتغييره)23.

فالعولمة في رأي المعارضين لها تبتلع السياسة وتحل محل الدولة في ميادين المال والاقتصاد والإعلام الخ....ويترتب على ما تفرزه العولمة من نتائج " تضاءل إمكانات الدول المختلفة على التدخل أكثر فأكثر في حين يتعاظم أكثر فاكثر تجاوز اللاعبين الدوليين حدود اختصاصهم من دون رقيب يذكر. ولعل القطاع العام خير دليل على ذلك كما يقول بطرس غالي الأمين العام السابق لهيئة الأمم المتحدة مضيفا بأن قادة الدول بصفتهم هذه فإنهم لا يزالون يتصورون بأن السيادة الوطنية ما فتئت في أيديهم وأن بمقدورهم السيطرة على العولمة في النطاق الوطني وأن القادة السياسيين لم يعودوا يمتلكون الكثير من مجالات السيادة الفعلية التي تمكنهم من اتخاذ القرار. إلا أنهم يتصورون بأنهم قادرون على حل المسائل الرئيسية. إني أقول أنهم يتوهمون إنهم يتخيلون أن هذا بوسعهم.

( والواقع أن دور الدولة في عصر العولمة قد تقلص في القيام بدور الدركي لنظام العولمة نفسه. وإذا تقلصت مهام الدولة انحصر مجال السياسة. فالعولمة تقتضي الخوصصة أي نزع ملكية الأمة ونقلها للخواص في الداخل والخارج وهكذا تتحول الدولة إلى جهاز لا يملك ومن لا يملك لا يراقب ولا يوجه.وبالفعل فدور الدولة في المراقبة والتوجيه في المجال الاقتصادي يتقلص في نضام العولمة إلى درجة الصفر أو على الأقل يراد منه ذلك. أما في مجال الاتصال والإعلام والثقافة فالمراقبة أصبحت مستحيلة عمليا إذ لم يعد للدولة في هذا المجال سوى خيار واحد وهو تسهيل الاتصال وسريان الإعلام لفائدة الشبكات العالمية .أما السياسة الخارجية في نضام العولمة فتتولاها بصورة مباشرة أو غير مباشرة مؤسسات ما يسمى " المجتمع الدولي " وعلى رأسها مجلس الأمن. هذا فضلا عن التأثير التي تمارسه المؤسسات الاقتصادية " العالمية " مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. جميع هذه الشؤون التي تنتزعها العولمة من الدول تنتزعها أيضا من السياسة فتتركها بدون موضوع لأن العولمة تفرض طريقا واحدا وفكرا وحيدا: اللبرالية ولا شيء غير اللبرالية تعني اليوم الخوصصة والعولمة.

أما المواطنون في عالم العولمة فهم صنفان : المستهلكون للعولمة المندمجون فيها والمشددون إلى " الخارج " خارج الدولة والأمة والوطن هؤلاء مشغولون ومستلبون في عالمهم الا مرئي عالم الاتصال الذي لا يسمح بالانفصال وإمكانيات الاستقلال بالرأي وهؤلاء إذا يعيشون في عالم اللا نسانية. أما الصنف الثاني من المواطنين فهم جموع المحرومين المنبوذين من عاطلين عن العمل ومسرحين ومهمشين ومقهورين الخ....هؤلاء تتركهم العولمة لقانون اصطفاء الأنواع)24. بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك ويعتبر أن %20 من السكان العاملين ستكفي في القرن القادم للحفاظ على النشاط الاقتصادي الدولي. وإنه سيسود العالم مبدأ " إما أن تأكل أو تؤكل ".

ويضيف المعارضون لركوب هذه القاطرة بأنها جرافة المعلوميات والتكنولوجيا الجبارة وإنها ستؤدي إلى تدمير منهجي لثقافة الشعوب باعتبارها قوة استعمارية جديدة أو أصولية جديدة أخطر من أي أصولية ثقافية أو دينية.

وهناك من يرى (إن العولمة عبارة عن القولبة الكلية للأحادية الأكثر اتساعا وشمولية تنجرف إليها الأوضاع الدولية مدفوعة نحوها بالثورتين الاقتصادية والمعلوماتية المذهلة)25.

واعتمادا على ما ذكر ينبغي في نظر هؤلاء المعارضين الانغلاق على الذات والانكماش داخل بوثقة ضيقة. ولعل لهؤلاء ما يشفع لهم في مواقفهم هذه خصوصا عندما نقرأ أقوالا كتلك التي وردت في كتاب " المشكلون لسلوك الشعب لمؤلفه نانس باكاد " الذي اعتبر في مؤلفه ( أنه من الممكن استخدام معارفنا المتطورة لاستعباد الناس بطريقة لم يحلم بها أحد من قبل بإلغاء شخصياتهم المتميزة والسيطرة على عقولهم بوسائل يتم اختيارها بعناية بحيث لا يدركون أنهم فقدوا شخصياتهم) .أو عندما نسمع العالم الأمريكي "سكنير " يقول (نحن نحتاج إلى تقنية جديدة لتغيير السلوك البشري ولا نحتاج لأجيال متعاقبة من "السوبرمان" تملك الوسائل القادرة على زرع السلوك الذي نريده).

وهكذا نرى أن مفهوم العولمة حسب رأي المعارضين لها هو توسيع الهيمنة الأمريكية وأمركة العالم كله وهو ما أعلنه بالفعل فريدمان ( نحن أمام معركة سياسية وحضارية فظيعة. العولمة هي الأمركة والولايات المتحدة قوة مجنونة نحن قوة ثورية خطيرة وأولئك الذين يخشوننا على حق إن صندوق النقد قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة. في الماضي كان الكبير يأكل الصغير أما الآن فالسريع يأكل البطيء)26.

و يرى المهتمون بالشؤون الاقتصادية أن النهج الذي تسير فيه الولايات المتحدة راعيةالعولمة اخذ ينهار بسبب ما يلاحظ من انتشار الجريمة في هذا البلد. ففي ولاية كاليفورنية فقط التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى المخصصة لقطاع التعليم إن هناك 28 مليون مواطن أمريكي أي ما يشكل عشر السكان قد حصنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. ومن هنا فليس من الغريب أن ينفق المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلحين ضعف ما تنفقه الدولة على الشرطة لكونها تخفي من ورائها أضرارا خطيرة. فهي كما صورها "كرولين طوماس وتبيستر ولكين" في كتابهما الذي صدر سنة 1997 تحت عنوان " العولمة والجنوب " بانما" ليست فقط تكرس الفروقات وانعدام العدالة الاجتماعية والمساواة بين الشمال المتخم بالغنى والجنوب المدقع بالفقر، وإنها تضاعف هذه الفروقات وتجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل ردم الفجوة التي اتسعت وسوف تتسع مع العولمة ليست في دول الجنوب فحسب، وإنما سوف تعمق جيوب الفقر داخل الغرب نفسه بل إن الخوف امتد إلى عدم تخوف الجناح المتطرف من العولمة يرجع لعدم وضوح الرؤيا بالنسبة لخطاب العولمة في الاقتصاد العالمي " فهي لا تتبع بالضرورة مبدءا واحدا يسري على كل أرجاء المعمورة. ففي حين تدعو بلدان الرفاهية القديمة إلى ضرورة تراجع دور الدولة وإعطاء قوى السوق مجالا أوسع تطبق على البلدان الصاعدة حديثا العكس من ذلك. كما أن قادة المؤسسات أنفسهم الذين يرفضون في الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا كل أنواع التدخل الحكومي في قراراتهم الاستثمارية رفضا قاطعا نعم هؤلاء أنفسهم يخضعون في آسيا صاغرين استثمارات تبلغ المليارات للشروط التي يضعها البيروقراطيون الحكوميون الذين لا يتهيبون من تسمية عملهم بالتخطيط الاقتصادي المركزي. ولكن على ما يبدو ترسي الأرباح المتحققة في سياق معدلات نمو تتكون من خانتين كل التحفظات الأيديولوجية".

والخلاصة التي يمكن أن نستنتجها من مواقف المعارضين للأخذ بالعولمة هو أن الغرب مبدع هذا المصطلح ومهندس مضامينها وهويتها ومرتكزاتها الفكرية والاقتصادية: يحاول الاستبداد بها وجعلها قاصرة على حضارته هو فقط دون غيره من سكان المعمور كما يفهم ذلك من مختلف الخطابات التي يروج لها من "نهاية التاريخ " التي لا تؤمن بكل الحضارات السابقة وإنما تؤمن بحضارة الغرب وخطاب " صدام الحضارات " التي يعمل الغرب على خنق أنفاسها وتشتيت صفوفها. ومن هنا فإن المعارضين للأخذ بالعولمة يطلقون صيحاتهم بعدم الأخذ بها ويعارضون الدخول في منظومتها بكل شدة.وصدق أحد الفلاسفة المعاصرين في الغرب عندما أعلن محذرا من العولمة الحديثة " إذا كانت الملائكة الأبرياء تظهر في عموميات العولمة فان الشياطين تختبئ في تفاصيلها ."

3- المعتدلون الذين ينادون بالأخذ بالعولمة بحذر:

ومن المتحمسين لفكرة ركوب قاطرة هذه المنظومة الكونية والمعارضين لها جاء فريق وسط واعتبرها قدرا محتوما ينبغي التعامل معها وتطويعها لخدمة مصالح المجتمع أو الحد من أخطارها لكون التحولات الجوهرية التي يعرفها المسرح العالمي تتطلب المزيد من الحذر والانتباه إلى المفهوم الحقيقي لنوع العلاقة مع الآخرين حينما نكون بصدد وضع الخيارات والتوجهات العامة لأي بلد. ويمكننا القول بأن العولمة الحقيقية التي ينبغي تبنيها والدفاع عنها هي تلك التي تهدف جعل سكان العالم أشبه بسكان القرية الكونية. ولتحقيق هذا الهدف ينبغي أن يكون هناك وعي بين مختلف طبقات المجتمع المدني العالمي بقضايا هذا العالم في إطار شمولي وموحد يساهم في بنائها وبلورتها وقولبتها المجتمع العالمي بكامله لا أن ينفرد به قطب معين على حساب مصالح الآخرين أو فرض سيطرة جهة على أخرى. وأن يقوم زارعو نبتة العولمة والمدافعين عنها بتغيير لغتهم وخطاباتهم وحوارهم السياسي والأيديولوجي الاستراتيجي مع شعوب العالم وفتح أواصر جديدة للإخاء والتعاطف.

وهذا الاتجاه الوسطي هو الذي تبنته بلادنا (عندما انخرط المغرب عن وعي في عصر العولمة واتبع منطق وقواعد اقتصاد السوق منذ عدة عقود وقد كانت الظروف التي فضل فيها هذا الخيار ذات طبيعة معقدة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي إذ تميزت بإعادة توزيع المتدفقات الاقتصادية والتجارية والمالية التي غالبا ما تخضع لتفسيرات التوجهات الأيديولوجية وأحكام القمة التي تضيفها عليها.. لقد انحاز المغرب لصف المنخرطين في عولمة مضبوطة ومعقلنة تمر لزاما عبر تقوية وإعادة تأهيل سلطاته الإدارية وهو خيار أوجبته الثورة التكنولوجية التي أصبحت تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والمبادلات والاستثمار.و تتسم مقاربة المغرب للعولمة بالواقعية القائمة على أساس مشروع مجتمعي متكامل تتكاثف داخله جميع العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تتسم بالواقعية أيضا على المستوى الإقليمي فسواء تعلق الأمر بالمغارب العربي أو الشرق الأوسط أو أوروبا أو منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، يظل التقدم على مستوى التعاون الإقليمي مسألة ضرورية لا محيد عنها لإضفاء طابع التفاؤل على الوضع الذي نشأ نتيجة تسارع مسار العولمة وتعميقه)27.

ولعل وعي المغرب بالأخذ بالعولمة مع الحذر التام تمثل في انخراطه عن وعي في مسلسل العولمة بانتقاله من منطق طلب المساعدة إلى منطق طلب الشراكة مع الاتحاد الأوروبي القائمة على أساس الحقوق والواجبات وأصبح شريكا معه بعد مؤتمر ألا ورو متوسطي وبعد احتضان بلادنا الميلاد الرسمي لسياسة العولمة حيث احتضنت مدينة مراكش مؤتمر الغات في ربيع 1994 الذي تولد عنه ميلاد المنظمة العالمية للتجارة كما احتضنت بلادنا أيضا في أكتوبر1994 التظاهرة الاقتصادية الكبرى التي شكلت منعطفا هاما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة والمتمثلة في مؤتمر القمة الاقتصادية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

القسم الثاني

المنظور الإسلامي للعولمة

رأينا أثناء الحديث عن المنظور الغربي للعولمة كيف أن هذه الأخيرة لا تنطوي على فلسفة أو توجه أخلاقي أو عقائدي تنسجم وتتفاعل مع قيمنا الروحية وهويتنا الثقافية وكيف أنها تنادي بتدمير كل ثقافة ذات طابع إنساني أو أخلاقي وتؤمن بالمادة ووحدة العقل ووحدة القطبية وتدافع عن مرتكزاتها التي هي تضخيم الليبرالية والهيمنة المطلقة على السوق بتقنيات عالية وبشركات متعدد الجنسيات وعابرة للقارات كقوة رئيسية وفعالة في الساحة الدولية وتنادي بحرية التبادل في المعاملات التجارية ممهدة بذلك لتمكين الغرب من فرض سيطرته المادية والتكنولوجية على الدول الفقيرة من خلال ما تؤدي إليه هذه العملية من بطالة وتقليص دور الدولة في المراقبة والتخطيط ومن تدمير ثقافة الشعوب وفرض ثقافة واحدة بواسطة وسائل الإعلام والاتصال.

كما رأينا أيضا من خلال المعارضين للعولمة كيف أن" العولمة بالمفاهيم السالفة الذكر تتعارض -تعارضا تاما- مع قواعد القانون الدولي، ومع طبيعة العلاقات الدولية، بل إنها تتعارض كليا مع الاقتصاد الوطني، ومع السيادة الوطنية، ومع قانون التنوع الثقافي، وإن العولمة إذا صارت في الاتجاه المرسوم لها ستكون إنذارا بانهيار وشيك للاستقرار العالمي، ( لأن العولمة بهذا المضمون تضرب الهوية الثقافية والحضارية في الصميم وتنسف أساس التعايش الثقافي بين الشعوب. كما أن العولمة بهذا المفهوم الشمولي ذي الطابع القسري، ستؤدي إلى فوضى على مستوى العالم في الفكر والسلوك، وفي الاقتصاد والتجارة، وفي الفنون والآداب، وفي العلوم والتكنولوجيا أيضا) 28.

فالعولمة عند الغرب لا تقوم على التآخي وشمول شعوب العالم بالرفاهية، والقضاء على الفقر كما تصورها واضعوها ومصمموها في بداية الأمر بل أصبحت تكرس الطبقية والفقر والبؤس وزيادة البطالة والخوف والقلق وارتفاع الجريمة وزيادة الفساد الأخلاقي والاتجار في المخدرات والتطاحن والحروب فهل من بديل لهذا الوضع والرجوع بالعولمة إلى حقيقتها التي ينبغي أن تكون عليها ؟ .

أعتقد أن الفكر الإسلامي هو الملجأ الوحيد لإرجاع السكة الى قاطرتها، ومن هنا فإن على الأدبيات الإسلامية وعلمائنا أن يخرجوا من قوقعتهم وأن يواجهوا الواقع المعاش في هذه المنضومة مادام الرصيد الفكري والثقافي للإسلام يتوفر على ثوابت وقيم أخلاقية ومادام الإسلام قائم على التفاعل مع الآخرين الحق ضالته ولايتعمد إلغاء الآخرين ولذلك يعتبر الحل الأنجح والبديل للعولمة التي يريد الغرب فرضها على سكان المعمور.



" إن الإسلام يوجد في كل مكان من المعمور ويمتد عبر القارات، ويتوزع بين الحضارات والثقافات، ويشكل حزاما مترابطا متينا ويتوفر على كبير طاقات وعظيم إمكانات وكل شيء فيه يؤهله ليقدم عطاءاته واهتماماته لخدمة العلم في تعاون مخلص نزيه مع المجموعة العالمية الأخرى، ذلك أن الإسلام ليس دينا فحسب بل هو دين ودنيا " .

والواقع أن الدين الإسلامي يتضمن مجموعة من القيم الأخلاقية والتشريعية والحضارية ، التي يخاطب بها القرآن والسنة كل الناس دون تمييز أو تفاضل في اللون أو الجنس وهو ما اربك الغرب الذي اصبح ينظرللاسلام باعتباره العدو الأول للنظام الرأسمالي وأخذ يحسب له ألف حساب، خصوصا بعد انهيار الجناح الشيوعي .

فالا سلام يضم الآن أكثر من خمسين دولة متنوعة الدخل وبحصيلة سكان تزيد عن المليار نسمة متوفرة على كل المؤهلات التي تجعل منها قوة منافسة للغرب إذا اتحد بسكانه الذين يصل %50 منهم سن العمل والإنتاج ويتوفر على رأسمال كبير وعلى دول تتوفر على ثروات نفطية ومعدنية واستثمارات تصل إلى 620 مليار دولار وبودائع في بنوك دولية غربية أكثر من 280 مليار دولار يستثمر %25 منها في مشروعات قصيرة الأجل وبمناخ وتضاريس متنوعة وسعة في أراضيه التي تبلغ 1500 مليون هكتار وبسدود ومياه وأطر عالية يجمعهم دين واحد.

كل هذه المؤشرات تجعل من الإسلام الذي هو دعوة إنسانية موجهة للبشرية، جمعاء مصدر تخوف من طرف الغرب الذي وصل تخوفه إلى درجة أنه أخذ يروج إشاعات متعددة تمس من قيمته كدين حضاري وتشوه صورته عن طريق تمرير بعض الأفكار من مثل " الرعب في الإسلام " أو ما يسمونه ب:

la mophobia. بل إن بعضهم وصلت به العداوة للإسلام لدرجة جعلته يعتبره خطرا يهدد الغرب والسلام العالمي ويربط الإسلام ببعض الظواهر التي عرفتها بعض جهاته من تطرف وتخريب وقتل وقمع للرأي ويعممون هذه الظواهر على الدين الإسلامي ومعتنقيه. ومن هنا نجد المعادين للإسلام يركزون في إطار خطاب العولمة على تشتيت رأي الدول الإسلامية والصين، واستغلال أي خلاف ينشأ بينهما.

لقد وصلت الخطورة التي يتصورها الغرب من الإسلام أن اخذ بعض المفكرين من الغرب ينبهون القيادة الأمريكية الى ضرورة احتلال حيز هام في التفكير الاستراتيجي الأمريكي لقضية الصين والعالم الإسلامي ومن بين هؤلاء المفكرين نذكر الباحث Muravchik الذي أشار في كتابه المعنون ب " حتمية الزعامة الأمريكية" الى أن دخول التيارات الإسلامية معترك السلطة في الدول الإسلامية سوف يشكل خطرا كبيرا على المصالح الأمريكية مطالبا سلطات هذه الأخيرة بإبلاء هذا الموضوع ما يستحق من العناية وعدم ترك الفرصة لاتحاد هذه الدول.

ونعتقد أن ما أشار إليه هذا الباحث من تخوف من الإسلام يرجع لانهيار القيم الأخلاقية بالغرب الذي أصبح يأله العلم ويؤمن بالمادة. وقد انعكس هذا التخوف للسبب الذي ذكرناه سالفا وتجلى من خلال ما أشار أليه باحث آخر من الغرب ويتعلق الأمر " سبينجلير " الذي نادى من خلال كتابه " أفول الغرب " من أن موت حضارة تقودها الصناعة الآلية وتقودها الأموال موت حتمي في نظر هذا المفكر. ولكن يبقى انبعاث روح خلاقة جديدة يبقى في نظره ممكنا.

كما انعكس نفس الانطباع عند " منتنجتون " من خلال مقال نشرته له مجلة " شؤون خارجية " خلال شهر" نونبر دجنبر 96 " تحت عنوان " الغرب متفرد وليس عالميا " والذي أشار فيه إلى أن شعوب العالم غير الغربية لايمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية واستمتعت إلى الموسيقى الغربية، فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، وحضارة الغرب تتميز بكونها وريثة الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية والغربية، والأصول اللاتينية للغات شعوبها، والفصل بين الدين والدولة وسيادة القانون، والتعددية في ضل المجتمع المدني والهياكل السياسية، والحرية الفردية "ويضيف نفس الباحث " أن التحديث والنمو الاقتصادي لايمكن أن يحقق التغريب الثقافي في المجتمعات الغير الغربية بل على العكس، يؤديان إلى مزيد من التمسك بالقافات الأصلية لتلك الشعوب ولذلك فإن الوقت قد حان لكي يتخلى الغرب عن وهم العولمة، وان ينمي قوة حضارته وانسجامها وحيويتها في مواجهة حضارات العالم.وهذا الأمر يتطلب وحدة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ورسم حدود العالم الغربي في إطار التجانس الثقافي".

وهكذا نلاحظ أن علماء الغرب أصبحوا يؤمنون بأن فكرة العولمة المتوحشة التي تنادي بالهيمنة والقضاء على ثقافة الآخرين وهوياتهم ومحاربة الفكر الديني ليست بالعولمة الموصلة الى ما يبتغيه المجتمع الإنساني المتواجد في كوكبنا والذي ينادي بتقارب البشر واعتبارهم بمثابة سكان القرية الكوكبية.

ونعتقد أن الظرف الحالي الذي لم تكتمل فيه بعد ملامح العولمة كافي لاستغلاله وإبراز معالم الفكر الإسلامي كدين وكفكر وكتوجه مناسب لمتطلبات المجتمع الدولي وطموح جميع الدول حتى يسود الود والتآخي بين سكان كوكبنا الأرضي.

كما نعتقد أن الفرصة مواتية من جهة أخرى لحث علمائنا للمشاركة في هذا الحوار الدائر بشأن العولمة ومساهمة الأدبيات الإسلامية في هذا الموضوع ومواكبة ما يدور في الساحة الدولية من نقاش مع تقديم آرائهم وتمرير الخطاب القرآني والأحاديث النبوية التي تعتبر سباقة في المناداة بالحقوق التي يطالب بها المجتمع الدولي وسكان المعمور،و أن لا يتركوا أعداء الإسلام يستغلون هذا السكوت والنيل من ديننا الحنيف. خصوصا وأن هذا الدين يلح على الانفتاح والمساواة بين البشر دون تمييز عرقي.

إن سبب حثنا على مشاركة علمائنا في هذا الموضوع راجع لما نقرأ لبعض الباحثين الذين يصفون الإسلام بالتخلق وعدم مواكبته لما تفرزه الحضارة والتقدم العلمي مثل ما أشار إليه مشونبي في كتابه الذي صدر له في أواسط هذا القرن والذي عنونه ب " الحضارة في الامتحان " خصوصا في الفصل الذي سماه " الإسلام والغرب والمستقبل " بان الإسلام اصبح مرة مغلوبا، وصفة المغلوب التي يتحملها اليوم اشد بكثير من الانكسار الذي حملته إياه الصليبيات، وذلك لان الغرب أقوى من الإسلام عسكريا وتقنيا واقتصاديا وثقافيا وروحيا. ونعني بالروح تلك الطاقة الداخلية الخلاقة التي تنتج عنها تحقيقات كل مظاهر الحضارة " ويضيف قائلا " بأن الإسلام يقاوم الآن بطريقتين كلاهما مقاومة ضعف لا ينتفع منهما لا الإسلام ولا الحضارة العلمية. فالطريقة الأولى هي طريقة الغيرة على الذات، والطريقة الثانية هي المسايرة والانصياع ".

إن أفكارا من هذا النوع تقتضي تدخل علماء الإسلام للرد على هذه الأطروحات التي لا تنبني على أسس علمية أو منطقية وقد شاءت الصدف وأنا أراجع العرض الذي قدمه السيد محمد مزيان بمناسبة انعقاد دورة الأكاديمية للمملكة المغربية تحت عنوان العولمة والهاوية أن وجدت ما يشفي غليلي في الرد على الذي قام بتقديمه هذا الباحث المغربي في عرضه المعنون " واقع العولمة من الصراع الحضاري الى التقاء الحضارات " وقد أورد بهذا الشان بان الصراع بين الحضارتين الغربية والإسلامية بان واقع الحضارة الإسلامية وواقع الحضارة العالمية التي لا يتزعمها الغرب لا يفسر بهذه البساطة وذلك للأسباب التالية:

أولا: لأن العولمة لازالت تخترع وتحقق مكتسباتها الأولى منذ نهاية الحرب العلمية الثانية ونهاية الاستثمار ومنذ تحرير الشعوب وصعودها الى مستوى المشاركة في صنع الأحداث العلمية.

ثانيا:لأن العالم الأسيوي الإفريقي تحقق الآن، أي في مرحلة ما بعد العرقية تحولا ذهنيا إنسانيا له آثاره في العالمية الجديدة. وبهذه الذهنية يراجع الغرب تصوراته عما كان يسمى بالإنسانية الأخرى المختـفلة، والخارجة عن الحضارة.

ثالثا: لأن العولمة لن تتحقق من الآن فصاعدا بمحو الهويات المختلفة في هوية الأقوياء، بل أصبح من الضروري أن تتصف المكتسبات المدنية والأخلاقية بالإجماع، مع محافظة الحضارات والوطنيات المختلفة على خصوصياتها.

ولنا في هذا دروس من فلسفة التاريخ، يرى التونبي نفسه وهو التكاثر بالجدلية الهيجيلية عن الغالب والمغلوب بأنه لابد من الصراع من الوصول الى أوضاع تركيبية، كما وقع ذلك بين الشرق الديني والغرب المدني، وكما يقع اليوم في التقاء الحضارات العالمية المختلفة، وخصوصا بين الغرب والإسلام في تأثير أعمق وأكثر تعميما من التطرف الى المحافظة المنكمشة أو الانصياع بانتحار الهوية.

ومن الاحتمالات التي يفترضها تونيبي أن الغرب الغالب والإسلام يمكن بعد قرون أن يتساووا في المظاهر المادية والتقنية، ولكن زبدة الحضارة التي هي الروحيات أي الأديان والأخلاق بالدرجة الأولى مع أهم تطبيقاتها المدنية، مشروع ما بعيد، وهو العالمية الحقة، وهو الحلم الكبير الذي تعبر عنه المسيحية " بمدينة الله " ويسميه الإسلام " ارض العدل بعد الجور " وينهي الأستاذ عبد المجيد مزيان رده على مقولة تونبي بأن هذا الأخير يرى أن المسار الإنساني نحو العالمية ينتفع بكل تأكيد من عطاءات الإسلام في موضوعين، الأول والأهم منها هو القضاء على العرقية بجميع تفرعاتها، والثاني هو التخلص من مظاهر الانحطاط التي أحدثتها مجتمعات الكحول والملاهي.

إننا نضم صوتنا الى التحليل الذي قدمه هذا الباحث المغربي في رده على طروحات تونبي ونرى أنه على الدول الإسلامية أن تنخرط في هذه المنظومة لتواكب التطور التكنولوجي والإعلامي و تقوم بتوظيف رصيدها الثقافي والديني في حماية الفكر الإسلامي والمسلمين مع تمرير الخطاب الى غيرهم من سكان الكون ونشر هذا الإشعاع الإسلامي الحضاري بين سكان الكون وتدعيم الفكر الحر البناء لمقاومة التيارات الهدامة والمتطرفة لأنه بقدر ما يتسع الفراغ الروحي وتهتز القيم الروحية ويشع التطرف في أي اتجاه ويسود النظام الاستبدادي بقدر ما يدل على فطرته وينقده من المادية العمياء ومن الأنانية الهوجاء وبهذا المنهج قد تتحول تحديات العولمة الى استنهاض الإرادات نحو النضال من اجل سعادة حرية الإنسان في أن مع هويته ويحقق فيها ذاته عن طريق الإبداع والتمييز والاختلاف.

أن ما جاء به القرآن الكريم من تعاليم وأصول فكرية وقوة روحية من شانها أن تساهم في تحريك العالم الاقتصادي نحو التخليق وإخراجه من الفوضى التي يجتازها والوصول الى ما تنشده البشرية من كرامة إنسانية.

كما أن ما جاءت به السنة النبوية من أحكام وقواعد شرعية من شانها أن تعمل على ترسيخ كل الثوابت الإيجابية التي تؤدي إلى الحفاظ على تماسك المجتمع والأخذ بيد الضعيف والمعاملة الحسنة ولو مع غير المسلم.

فعلاقة المسلم بغيره مبنية على الانفتاح لأن الخطاب القرآني موجه الى عباد الله في إطار التعددية والود والتعاون على الخير والبر انطلاقا من قوله تعالى # ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستسقوا الخيرات # وقوله تعالى # لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا# .

إن القرآن الكريم يخاطب الناس كافة وهكذا فالآية 13 من سورة الحجرات جاء فيها : # يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا # مع مراعاة أن هذا التعارف ينبغي أن ينصب على احترام حق الغير في الاختلاف. كما جاء ذلك في الآية 48 من سورة المائدة# لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجهلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات # وقوله تعالى في الآية 22 من سورة الروم # ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم #.

وجاءت الرسالة المحمدية لتدعيم السلوك الحسن لكل البشر كما عبر عن ذلك رسول الله r في الحديث النبوي الذي رواه مالك في الموطأ وابن حنبل في سنده عن أبي هريرة :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وقوله w في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم والترمدي وأنس :" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" .

إن الإسلام يدعو الى الخير والتواصي بالحق ومقاومة كل ظالم وإزالة الأذى. وفي هذا السياق ورد عن رسول الله r :" مثل المدمن في حدود الله (القائم عليها) والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسان فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا ما لك؟ قال تأذيتم بي، ولابد لي من الماء، فان أخذوا على يده أنجوه ونجوا بأنفسهم وان تركوه أهلكوه واهلكوا أنفسهم" .

فالقرآن الكريم يخاطب الناس كافة وهكذا جاء في فالآية 13 من سورة الحجرات: # يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا # مع مراعاة أن هذا التعارف ينبغي أن ينصب على احترام حق الغير في الاختلاف كما جاء ذلك في الآية 48 من سورة المائدة# لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجهلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات # وقوله تعالى في الآية 22 من سورة الروم # ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم #.

كما أن الإسلام يعتبر أن قيام الحضارة رهين بالتواصل مع اعترافه بوجود الصراع والحوار ويعتبرهما المنفذ الحقيقي لإقامة الحضارة كما جاء ذلك في الآية 251 من سورة البقرة # ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض# والآية 20 من سورة الحج # ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا # .

كما أن الإسلام يركز على الأسلوب الحضاري في الخطاب والحوار بدون قوة أو عنف #وقولوا للناس حسنى# وقوله تعالى في الآية 53 من سورة الإسراء # وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن# وفي الآية 125 من سورة النحل # ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن # وفي الآية 46 من سورة العنكبوت# ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن# .

والإسلام لا يقيم الفوارق بين البشر وإنما يقر للإنسان بإنسانيته وأنه إنما وجد فوق هذه البسيطة للخلافة في الأرض #كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى#.

كما أن التكريم للإنسان جاء في الآية 70 من سورة الإسراء # ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا# لأن الناس في نظر الله سبحانه وتعالى أمة واحدة # يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة# .

وبالإضافة الى الثوابت التي نص عليها القرآن الكريم بشأن الانفتاح والتآخي فإنه كان سباقا في الحث على التعاون وإسعاد البشرية وهكذا فقد جاء في الآية 21 من سورة المائدة # وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان# فهذه الآية تلح على التعاون خلافا لما يوصف به الإسلام من طرف المعادين له. وجاءت السنة النبوية لتدعيم مبدأ التعاون بين بني البشر حيث جاء في حديث رسول الله r " الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه".

وأمر القرآن المسلم بالتسامح والتآخي والسلم ونشر الطمأنينة والسكينة بين سكان المعمور حيث قال تعالى # ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم#.وفي الآية 208 من سورة البقرة # يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة # ويعتبر أن قتل النفس بغير حق أو القيام بالفساد في الأرض بمثابة من قتل الناس جميعا كما جاء ذلك في الآية 92 من سورة المائدة # من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا# وفي الآية 87 من نفس السورة # ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين # .

وجاءت عدة أحاديث تلح على عدم ظلم غير المسلم من ذلك قولهr :" من ظلم هذا أو نقص حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " وقوله عليه السلام " من أذى ذميا فقد أذاني، ومن أذاني أذى الله "

وهكذا نلاحظ أن الإسلام لا يضع أي تمييز بين بني البشر بل يجعل الناس متساوين في الحقوق والواجبات ولا يحمل ما ينادي به أنصار العولمة من تمييز عرقي واحتكار السوق وإنما ينادي بالتآخي وأخذ القوي بيد الضعيف وبرفاهية البشرية وتحسين ظروف العيش بين سكان المعمور محاربة الفقر وعدم التسول ويعطي للإنسان قيمته ويركز على إنسانية الإنسان ويحارب استعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا كما أنه ينادي بعدم الإكراه في الدين في الآية 156 من سورة البقرة # لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي # وفي الآية 64 من سورة آل عمران # قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون# .

كما أن الإسلام ينادي بالاتحاد وعدم التفرقة # واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا# ، وبدون تمييز بين البشر # يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير# .

وهكذا يتضح من خلال سياق هذه الآيات وغيرها من الآيات الكثيرة أن الإسلام قائم على ثوابت هامة تتجلى في التآخي فأتوادد وحب الخير للجميع والأخذ بيد الضعيف والتساوي بين بني البشر والأمانة والإحسان وإصلاح المجتمع وخلافة الإنسان في الأرض مما يجعل المبادئ الإسلامية والتعاليم القرآنية والأحاديث النبوية أرضية صالحة لبناء عولمة جديدة ليس فيها تمييز، تلتقي فيها كل الحضارات وتعزز فيها الديمقراطية وتعيد الثقة والمصداقية في نفوس سكان القرية الكونية ( في ظروف تجتاز فيها حياة البشر ظروفا عسيرة وعصيبة بما يتلاحق من مشاكل، ويتفجر من أزمات، ويتجهم الخلق من سحاب، ويتطاول سماءه من نفوذ، ويتضاءل من جاه للرق وسلطان، ويشيع في النفوس من قلق وخوف، ويتوالى على الألسنة والقلوب من أسئلة لا يطرحها التفاؤل والاستبشار. وما أشد حاجة الإنسان، والظروف التي تحيط بحياته لا تنبش الاطمئنان ولا تزهر بالأمان، الى حظ كبير من الدعة، ونصيب وفير من التفكير فيما يعيد البشاشة، ويفيض الانشراح ويرد عازب الأصل).كما أعلن عن ذلك صاحب الجلالة المغفور له الحسن الثاني في خطابه السامي الذي ألقاه بمناسبة افتتاح أكاديمية المملكة المغربية في أبريل 1980.

ولن يتأتى للمجتمع الدولي الوصول الى عولمة حقيقية إلا إذا تمتنت أواصر الصلة بين سكان هذا الكون وساد الود والتآخي وغيرت دول الغرب لغتها وخطاباتها وحوارها السياسي والإيديولوجي والستراتيجي مع شعوب العالم ولم يعد هناك قطب منفرد بالهيمنة على الآخرين.



هــــوامــــــش



1 -Webster nuth New collegiate dictionary 1991 p521

2- ناصر الدين الأسد مرجع

3- د.محمد عابد الجابري- قضايا في الفكر المعاصر بيروت: مركز الدراسات الوحدة العربية 1997.

4- د.محمد الجابري - العولمة والهوية الثقافية- عشر أطروحات: دار المستقبل العربي بيروت العدد 228- 2/1998.

5- صادق جلال

6- على حرب - صدمة العولمة في خطاب النخبة - السفير، لبنان 6 يونيو 1998.

7- محمد عابد الجابري مقال منشور له بجريدة الشرق الأوسط تحت عنوان" أسئلة يجب الوعي بها 2-2-1997

8- أحمد صدقي الدجاني نقلا عن إسماعيل صبري عبد الله " الكوكبة"

9- la mondialisation de l'économie et de la société, une hypothèse prospective (in futuribles ) septembre 1989

10- Ramonet,1es pouvoirs fin de siècle in, le monde diplomatique Mai 1995

11- LE RETOUR DES CONQUERANT IN LE MONDE DIPLOMATIQUE MAI 1995

12- يحيى اليحياوي " العولمة ورهانات الإعلام " سلسة شراع العدد 33 .

13- مقتطف من العرض الذي ألقاه السيد محمد علال سيناصر بمناسبة أعمال الدورة الربيعية لأكاديمية المملكة المغربية ماي 1997.

14- ناصر الدين الأسد: الهوية والعولمة عرض القي في ندوة أكاديمية المملكة المغربية خلال دورتها المنعقدة في ماي 1997 تحت عنوان" العولمة والهوية "

15 - موقف سألوف كوستا عن مقال منشور بجريدة الحياء 22\1\97

16 - ناصر الاسد مرجع سابق

17 - فخ العولمة الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية تأليف بيتر مارتن وهارالدشومار ترجمة عدنان عباس علي"عالم المعرفة " عدد238

18 - يتبنى هذا الرأي " هولسترثرو"كما وقعت الإشارة إليها بمقال منشور بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2-3-1997

19 - عبد الهادي بوطالب عرض قدمه في ندوة أكاديمية المملكة المغربية في دورة ماي 1997 تحت عنوان"لابد من تكامل العولمة والهوية ليكون العالم واحدا ومتعددا"

20 - عن مقال منشور بجريدة السياسة الجديدة فاتح أكتوبر 1997 تحت عنوان "العولمة هل هي قدر محتوم" للباحث فوزي منصور الحلقة الثانية

21 - ناصر الدين أسد مرجع سابق

22 -جريدة ليكونومست بتاريخ 1-2-1996

23 -جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2-2-1997

24 -محمد عابد الجابري مقال منشور له بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 8-2-1997 تحت عنوان " العولمة نظام وإيديولوجيا الحلقة الخامسة

25 -السيد ولد أباه مأزق إيديولوجية العولمة مقال منشور بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2-2-1997

26 -جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2-3-1997

27 -André Azoulay : la mondialisation ne peut pas être un jeu a somme-nulle عرض قدم في الندوة المشار إليها أعلاه

28 - عبد العزيز بن عثمان التويجري - الهوية من منظور حق التنوع الثقافي في ضوء فلسفة حوار الأديان والحضارات- عرض قدم في ندوة أكاديمية المملكة المغربية في <<ندوة العولمة والهوية>>

29 - محمد الكتاني - أي منظور لمستقبل الهوية في مواجهة العولمة عرض ألقي في نفس الندوة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها