نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

مقدمة

تعد نظرية الأنساق العامة general systems theory أكثر النظريات استخداماً في حقل الخدمة الاجتماعية (Rodway, 1986: 515)، فمعظم نماذج الممارسة في الخدمة الاجتماعية تستخدم مفاهيم مستمدة من نظرية الأنساق العامة. فلقد أصبحت "التغذية العكسية" feedback و "نسق العميل" client system و "نسق المساعدة" helping system، على سبيل المثال، من المفاهيم الثابتة والمسيطرة في حقل الخدمة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظرية الأنساق العامة خدمت كإطار نظري العديد من نماذج الممارسة المستخدمة حالياً، وفي الواقع، تعد مداخل العلاج الأسري family therapy approaches من النماذج القائمة أساساً على مفاهيم نظرية الأنساق العامة ويعود ذلك لكون هذه المداخل تتعامل مع الأسرة التي تعد بدورها أكثر الأنساق الاجتماعية وضوحاً. ولا تقتصر إسهامات النظرية على ذلك، فاستخدامها من قبل الأخصائيين الاجتماعيين أحدث نقلة من التركيز ضيق الأفق المعمول به سابقاً على "الشخص- في- الموقف" person–in-situation، إلى تركيز أعم وأشمل ويتمثل في "الشخص- في- البيئة" person-in-environment.

نظرية الأنساق العامة

تقوم نظرية الأنساق العامة على مجموعة من الفرضيات، فهي تفترض بأن الأنساق الحية living systems وغير الحية non-living systems، يمكن النظر إليها والتعامل معها على أساس أنها أنساق لها مواصفاتها الخاصة والتي تستحق الدراسة والتمعن. ويرى قوردن هيرن (Gordon Hearn) أن طبيعة نظرية الأنساق العامة تشير إلى أنها تأخذ اتجاهين رئيسيين الاتجاه التحليلي والاتجاه الشامل. ويأخذ الاتجاه التحليلي طبيعة العمل مع نسق ما على مستوى معين ودراسته لإيجاد ما إذا كان له خصائص معينة تحكمه والتعرف على طبيعة العلاقات بين أجزاء ذلك النسق، ومن ثم الانتقال إلى نسق آخر على مستوى آخر للتعرف على إذا ما كان له نفس الخصائص والسمات لذا فإن حقيقة ما أو ظاهرة ما على مستوى معين قد تقود إلى تكوين فرضية أو مجموعة من الفرضيات لتختبر في مستوى آخر. وباستخدام الاتجاه التحليلي، من الممكن اختبار مجموعة من الفرضيات والوصول إلى نظرية جديدة. أما الاتجاه الشامل فهو يختلف حيث أن هناك محاولة لإيجاد نموذج عام. فبدلا من التركيز على مستوى واحد فقط، يتم التعامل مع عدة مستويات في أنساق مختلفة في نفس الوقت ومحاولة تقنينها داخل نموذجاً نظرياً موحداً قادراً على وصفها كل على حده وكذلك على وصفها مجتمعة (Hearn, 1969: 2).

وتنظر نظرية الأنساق العامة إلى العالم على أساس ترابطي، فكل كيان قائم بذاته ينظر إليه من ناحية علاقاته بالكيانات الأخرى والتي تؤثر وتتأثر به، ولا ينظر إليه من ناحية الخصائص المكونة له (Hartman & Larid, 1983: 63). كما تفترض نظرية الأنساق العامة بأن الكل أكبر من مجموع الأجزاء المكونة له، وأن الارتباط القائم بين الأجزاء المكونة لأي نسق يؤدي إلى وجود خصائص جديدة في النسق هي بالضرورة نتيجة لهذا الارتباط والاعتمادية المتبادلة بين الأجزاء المكونة للنسق. فالأسرة كنسق اجتماعي قائم تتكون من مجموعة من الأفراد. ولكن الأسرة تعني أكثر بكثير من مجرد مجموعة من الأفراد. فالتفاعلات التي تحدث بين أفراد الأسرة من مودة ورحمة وحب وعطف وتضحية هي أكثر بكثير من تلك التي تحدث بين مجموعة من الأفراد. ولا تكون كل مجموعة من الأفراد أسرة، ولكن كل أسرة تتكون من مجموعة من الأفراد.

وتفترض النظرية كذلك بأن أي تغيير يطرأ على أي من الأجزاء المكونة للنسق فإنه يؤدي بالضرورة إلى حدوث تغيير في النسق بصفة عامة، كما يؤدي إلى حدوث تغيير في الأجزاء الأخرى المكونة لنفس النسق. وتفترض نظرية الأنساق العامة بأن لكل نسق يوجد هناك إطارا مرجعيا محددا، ويقصد بالإطار المرجعي مجموعة العادات والتقاليد والقيم وكل ما من شأنه أن يحدد سلوك الأفراد داخل النسق، لذا فإن تحديد الإطار المرجعي يكون ضرورياً لفهم الأنساق.

المفاهيم التي قدمتها نظرية الأنساق العامة

تحوي نظرية الأنساق العامة العديد من المفاهيم والتي تتفاوت في درجة تجريدها وواقعيتها، وسنحاول فيما يلي تحديد بعض هذه المفاهيم وتعريفها:

1. النسق System:

لقد ظهرت العديد من المحاولات لتعريف النسق وهي محاولات تفاوتت في دقتها ووضوحها. ولعل أفضل هذه التعاريف هو ذلك الذي قدمه هارتمان ولاريد (Hartman & Larid). فالنسق استناداً إليهما هو "ذلك الكل والذي يتكون من أجزاء متداخلة فيما بينها ومعتمدة على بعضها البعض" (Hartman & Larid, 1983: 62).

2. الحدود Boundaries:

يتم تحديد الأنساق عن طريق الحدود، وتعرف الحدود على أنها خط يكمل امتداده دائرة كاملة حول مجموعة من المتغيرات بحيث يكون تبادل الطاقة والتفاعل داخل الدائرة بين هذه المتغيرات أكثر من ذلك الموجود بين المتغيرات الموجودة داخل الدائرة وخارجها عبر حدود النسق. والحدود خطوط وهمية لا وجود لها وهي تستخدم لتحديد نسق ما وتعريفها يتم حسب المحكات والمعايير المستخدمة من قبل الأخصائي الاجتماعي (Rodway, 1986: 516).

3. التغذية العكسية Feedback:

تحدث التغذية العكسية عن طريق عمليتي استيراد وتصدير الطاقة والتي عن طريقها يتم تفاعل الأنساق مع البيئة الخارجية. وتعتمد الأنساق على عملية التغذية العكسية لتقويم أدائها وتعديل مسارها.

4. فقدان الطاقة Entropy:

تتفاعل الأنساق مع البيئة المحيطة بها عن طريق عمليتي استيراد وتصدير الطاقة والمعلومات. ويرمز لعملية الاستيراد بالطاقة الداخلة، ويقصد بها كل ما يأتي إلى النسق من البيئة الخارجية من معلومات وطاقة. ويرمز لعملية التصدير بالطاقة الخارجة، ويقصد بها كل ما يصدر من النسق من معلومات وطاقة إلى البيئة الخارجية. وبالتالي من الممكن القول بأن كل نسق لديه مستوى معين من الطاقة. وبعبارة أخرى فإن كل نسق لديه مخزون معين من الطاقة يستخدمه في تفاعلاته مع البيئة الخارجية.

وتصل الأنساق مرحلة فقدان الطاقة إذا بدأت بتصدير طاقة أكثر من تلك التي تستوردها، فمرحلة فقدان الطاقة يقصد بها النقص في مخزون النسق من الطاقة والناتج عن تصديره طاقة أكثر من تلك التي يستوردها.

5. تخزين الطاقة Negentropy:

باستخدام نفس التعبيرات عن استيراد وتصدير الطاقة، تصل الأنساق إلى مرحلة تخزين الطاقة إذا بدأت تستورد طاقة أكثر من تلك التي تصدرها، فعملية تخزين الطاقة هي الزيادة في مخزون النسق من الطاقة والناتج عن ميل النسق للأخذ من البيئة الخارجية أكثر مما يقدم لها.

6. التوازن Equilibrium:

تسعى الأنساق الحية سعياً حثيثاً من خلال عمليتي استيراد وتصدير الطاقة إلى الوصول إلى مستوى التوازن بحيث لا تصدر ولا تستورد طاقة أكثر مما يجب.

طبيعة وخصائص الأنساق الحية

تصور نظرية الأنساق العامة الأنساق الحية على أنها أنساق مفتوحة دائماً، أي أنها لا تصل إلى مرحلة الانغلاق التام أبدا. فعلى الرغم من وجود حدود لهذه الأنساق إلا أن هذه الحدود يجب أن تكون مرنة إلى حد ما بحيث تسمح بمرور المعلومات والطاقة. ويجب أن تستورد الأنساق الحية، إذا ما أرادت المحافظة على وضعها والاستمرار في الوجود، المعلومات والطاقة من خارج محيطها، أي من البيئة المحيطة بها وهو ما يسمى بالطاقة الداخلة. فالأنساق الحية بتفاعلها مع البيئة المحيطة بها تتكون عندها القابلية للنمو growth وزيادة معدل الفروق الفردية differentiation وزيادة التخصصية specialization داخل النسق. فعلى حد تعبير هارتمان ولاريد (Hartman & Larid) إن عدم قدرة الأنساق الحية على المحافظة على وجود الحدود المفتوحة يؤدي بالضرورة إلى العشوائية randomness داخل الأنساق ومن ثم إلى نهاية هذه الأنساق (Hartman & Larid, 1983: 64-65). والأنساق الحية لا تستورد الطاقة فقط بل تصدرها أيضاً عن طريق عملية يطلق عليها الطاقة الخارجة وتشمل جميع ما يصدر من النسق إلى خارج حدوده. وعن طريق الطاقة الداخلة والخارجة يتم التفاعل بين الأنساق الحية وبين البيئة الخارجية. ويمثل تفاعل النسق مع البيئة الخارجية عن طريق عمليتي استيراد وتصدير الطاقة والمعلومات عملية تغذية عكسية feedback والتي عن طريقها تُقوم الأنساق أدائها في المحيط والبيئة التي تعيش فيها.

ويجب أن تصل الأنساق الحية إلى مستوى التوازن equilibrium في عمليتي استيراد وتصدير الطاقة والمعلومات، فإذا بدأ النسق بتصدير طاقة أكثر من تلك التي يستوردها يصل إلى مرحة يطلق عليها مرحلة فقدان الطاقة entropy واستمرار هذه المرحلة يؤدي بالضرورة إلى ذبول ونهاية النسق. وتتحاشى الأنساق الحية وبطريقة تلقائية هذه المرحلة وذلك عن طريق عملية تخزين الطاقة negentropy، وتعني ميل الأنساق الحية لاستيراد طاقة (الطاقة الداخلة) أكثر من تلك التي تصدرها (الطاقة الخارجة). وكلما استطاعت الأنساق الحية الإبقاء على طاقة أكثر من تلك التي تفقدها، كلما كان باستطاعتها أن تنمو وتتطور (Hearn, 1979: 346).

وتكون الأنساق المغلقة ونظراً لقلة تفاعلها مع البيئة الخارجية في حالة السكون بينما تكون الأنساق المفتوحة في حالة تفاعل مستمر مع البيئة. وقد تعطي الأنساق الحية المفتوحة الانطباع أنها في حالة سكون بينما هي في الواقع تكون في حالة حركة وتفاعل مستمر. والواقع أن كل جزء من أجزاء النسق له مستوى سكون وحركة خاص به. فعلى سبيل المثال، فإن الأسرة كنسق اجتماعي قائم تتكون من مجموعة من الأفراد (أجزاء النسق). ويمكن النظر إلى كل فرد من أفراد الأسرة على أنه نسق قائم بذاته، وبالتالي فإن كل فرد من أفراد الأسرة، كنسق قائم بذاته وكجزء من نسق، له مستوى حركة وسكون وتفاعل مع البيئة الخارجية (Rodway, 1986: 517).

ولقد ظل توظيف نظرية الأنساق العامة في ممارسة الخدمة الاجتماعية محدوداً، إلى وقت قريب، وذلك لافتقادها لحلقة الوصل بينها وبين الممارسة. ويمثل نموذج الأنساق الإيكولوجية ecological systems model محاولة لسد النقص الكامن في نظرية الأنساق العامة، حيث يتواءم هذا النموذج مع محاولة الخدمة الاجتماعية للوصول إلى إطار شامل واضح المعالم يساعد في تحديد مفهوم الكل الديناميكي gestalt والذي يضم المشكلة والبيئة والحالة الإنسانية لحالة أو وحدة للخدمة.

وينطلق نموذج الأنساق الإيكولوجية أساساً من نظرية الأنساق العامة ويكمن اختلافه عنها في كونه لا يركز على مراحل التفاعل القائم بين الأفراد وبيئتهم كما هو الحال في نظرية الأنساق العامة (Germain, 1973: 326). فالاهتمام في نموذج الأنساق الإيكولوجية ينصب على قدرة الأفراد على التكيف مع بيئتهم (Hall & Fagin, 1968: 84). فنموذج الأنساق الإيكولوجية يركز على ذلك التوازن الحساس القائم بين الأنساق الحية وبين البيئة وعلى الطريقة التي يمكن المحافظة بها على ذلك التوازن ودعمه (Hartman & Larid, 1983: 69). ويؤكد هذا النموذج على التفاعل المتبادل بين الأشخاص والبيئات التي يصنعها الإنسان بنفسه، ومن ثم فهو يهتم بالعلاقات التي تنشأ بين الأنساق والأنساق الفرعية.

وعلى الرغم من أن نموذج الأنساق الإيكولوجية قدم الخاصية الديناميكية التي كانت نظرية الأنساق العامة تفتقدها، إلا أن نموذج الأنساق الإيكولوجية نفسه تضمن العديد من السلبيات والقصور، فهو ليس نموذجاً أو مدخلاً للمساعدة في حد ذاته، وظل تطوره قاصراً فلم يقدم ما يساعد على تفسير أو التنبؤ بظاهرة التفاعل بصورة قاطعة محددة، وهو في جوهره إطار عام للعديد من النظريات أكثر من أن يكون مدخلا أو نموذجا للممارسة. وحتى الوقت الراهن لم يصل نموذج الأنساق الإيكولوجية في صياغته إلى أبعد من مستوى التصورات العامة ولا يزال يفتقر إلى المبادئ أو الإجراءات اللازمة لعمليات الممارسة (محمد، 1983: 72).

ملائمة نظرية الأنساق العامة مع مهنة الخدمة الاجتماعية

من الممكن استنباط بعض المفاهيم من نظرية الأنساق العامة والتي تم اختيارها لقابليتها للتطبيق خلال ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية من ناحية ولصلاحيتها وتلائمها مع مبادئ الخدمة الاجتماعية من ناحية أخرى. وهذه المفاهيم هي:

1. حساسيتها للأقليات:

لقد انتقدت هيرد تريدر (Harrid Trader) معظم النظريات والنماذج النظرية المستخدمة في الخدمة الاجتماعية بصفة عامة وفي خدمة الفرد بصفة خاصة وذلك لكونها غير حساسة لوضع الأقليات في المجتمعات بصفة عامة ولكونها قامت على أسس ودراسات بنيت من خلال قيم وتجارب الأغلبية في المجتمعات (Trader, 1977: 10). وتعتبر نظرية الأنساق العامة استثناء للقاعدة التي ذكرتها تريدر (Trader) في مقالها حيث أنها تعتبر بالفعل حساسة لوضع الأقليات في المجتمع. فنظرية الأنساق العامة تضم ضمن مقوماتها الفرضية التي تقول أن لكل نسق قائم إطار مرجعي، ويقصد بالإطار المرجعي هنا مجموعة العادات والتقاليد والقيم والأنظمة الخاصة بنسق ما والتي على أساسها ينهج أفراد ذلك النسق سلوك معين. وهذا الإطار المرجعي يختلف بطبيعة الحال من نسق اجتماعي لآخر، وبالتالي فإن القيم والعادات والتقاليد وكل ما هو محدد لسلوك الأفراد يختلف تبعاً لاختلاف النسق الاجتماعي الذي ينتمي إليه هؤلاء الأفراد. لذا يجب عند دراسة أي نسق اجتماعي أو جزء من نسق (أي الأفراد) أن يقوم الأخصائي الاجتماعي بدراسة وتحليل العادات والتقاليد والعرف والقيم والتي تشكل في مجموعها الإطار المرجعي لوحدة الدراسة حتى يتسنى الفهم التام لسلوك الفرد أو الأفراد وحدة الدراسة. وينطبق ذلك تماما وبنفس الدرجة على عضو أو أعضاء جماعات الأقليات إذا ما كانوا وحدة الدراسة. وترجع أهمية هذا المفهوم المستمد من نظرية الأنساق العامة إلى أنه لا يجوز أن يقوم الأخصائي الاجتماعي بالتعامل مع فرد أو مجموعة من الأفراد والذين ينتمون إلى جماعة الأقليات في المجتمع ويحكم عليهم وفقا للمعايير المستخدمة للحكم على، أو للتعامل مع، الأكثرية في ذلك المجتمع. بتطبيق هذا المفهوم في التعامل مع عملاء الخدمة الاجتماعية يكون الأخصائي الاجتماعي قد أظهر بالفعل نوعاً من الحساسية المطلوبة لوضع الأقليات وتفهم وضعهم من وجهة نظرهم لا من وجهة نظره الشخصية أو وجهة النظر السائدة في المجتمع.

2. قابليتها للتطبيق في الثقافات الأخرى:

لقد ذكرنا أن نظرية الأنساق العامة هي غربية المصدر ونتاج للفكر الغربي وهذا قد يجعل البعض يتساءل عن مدى قابليتها للتطبيق وصلاحيتها للمجتمعات العربية. وتكمن أهمية مثل هذه التساؤلات في ضوء التركيز المتزايد مؤخراً على تأصيل العلوم الاجتماعية بصفة عامة والخدمة الاجتماعية بصفة خاصة (رجب، 1991). والجدير بالذكر أن نظرية الأنساق العامة ترتكز كما ذكرنا آنفاً على الفرضية التي تدعو إلى ضرورة اللجوء إلى الإطار المرجعي للأنساق وحدة الدراسة حتى يتسنى للأخصائي الاجتماعي فهم أعمق لهذه الأنساق. وهذه الفرضية، كما شرحنا سابقاً، لا تجعل أساس التعامل مع العملاء في الخدمة الاجتماعية الثقافة الأم للنظرية أو مشتقاتها، بل الإطار المرجعي وما يحويه من عادات وقيم وثقافة خاصة بالنسق وحدة الدراسة. لذا فإن نظرية الأنساق العامة يمكن تطبيقها بالفعل في أي مجتمع بدون إهدار لقيمه وثقافته ودينه وبدون اللجوء إلى تلك الموجودة في الثقافة الأم والتي ولدت فيها النظرية.

مراحل التدخل المهني المستند على نظرية الأنساق العامة

تتقلص فائدة النظرية وقيمتها في مهنة الخدمة الاجتماعية إذا لم تربطها بالممارسة المهنية حلقة وصل، ويقصد بذلك النماذج النظرية والتي تمثل عملية التدخل المهني. فمن الأهمية بمكان تحديد التدخل المهني وتعريفه تعريفاً إجرائياً دقيقاً (Gambrill & Barth, 1980: 16; Nelson, 1985: 3)، وذلك يعود لسببين، أولهما: أنه إذا لم يتم تعريف التدخل المهني تعريفاً دقيقاً واضحاً فلن يكون باستطاعة الآخرين من ممارسين أو باحثين إعادة استخدام نفس التدخل المهني مع عملاء آخرين مما يقلل من قيمة التدخل المهني أي كان نوعه، وثانيهما: أنه بدون التعريف الواضح الدقيق للتدخل المهني لن يكون باستطاعة الممارس المهني تقديم نتيجة جازمة لمدى فعالية تدخله المهني (Polster & Lynch, 1985: 387).

ولقد توصلت الكتابات التي اجتهدت لتضع أسس لنموذج نظري مبني على مفاهيم نظرية الأنساق العامة في مجملها إلى سبع خطوات أو مراحل للتدخل المهني في الخدمة الاجتماعية (Rodway, 1986: 519-526).

التحديد الدقيق لمشكلة العميل:

يقوم الأخصائي الاجتماعي في هذه المرحلة بتحديد مشكلة العميل والتأكد من الآتي:

1. أن يكون هناك مشكلة يعاني منها العميل، فقد يتوهم العميل مشكلة لا وجود لها ودور الأخصائي الاجتماعي هنا هو التأكد من ذلك.

2. أن تقع مشكلة العميل في نطاق الخدمات التي تقدمها المؤسسة التابع لها الأخصائي الاجتماعي. وقد تحدث هذه الحالة نتيجة لجهل العميل بنوعية المؤسسات الاجتماعية القائمة وطبيعة التخصص فيها ونوع الخدمات التي تقدمها.

حيث أن تحديد مشكلة العميل هي أول الخطوات نحو حلها من الأهمية بمكان تحديد المشكلة أو السلوك الذي يتفق العميل والأخصائي الاجتماعي على ضرورة تغييره أو تعديله. هذه المشكلة قد تكون سلوك ظاهر، عملية عقلية، شعور معين، أو معوقات بيئية أو أي من هذه مجتمعة مع بعضها أو مع غيرها من الأنشطة الأخرى (Bloom & Fischer, 1982: 54-56). إذ أن ترك المشكلة غامضة أو معرفة تعريفا عاما يعتبر معوقا رئيسيا لأحداث تدخل مهني ناضج (الدامغ، 1994: 8). بعد ذلك يقوم الأخصائي الاجتماعي بالتأكد من وجود الرغبة الصادقة لدى العميل في إيجاد حل للمشكلة التي يعاني منها، ويمكن التأكد من ذلك عن طريق الأسئلة المباشرة أو غير المباشرة أو عن طريق الملاحظة المتمرسة للعميل وردود فعله خلال المقابلة.

بناء العلاقة المهنية:

بعد تحديد المشكلة والتأكد من وجود الرغبة لدى العميل في حلها، يبدأ الأخصائي الاجتماعي في بناء العلاقة المهنية مع العميل. والعلاقة المهنية في الخدمة الاجتماعية ليست علاقة عادية بين شخصين، بل إنها محكومة بمبادئ الخدمة الاجتماعية (عبدالرحمن وآخرون، 1992: 103؛ غباري، 1982: 97). وهذه العلاقة يتم بنائها تدريجيا عن طريق تطبيق وممارسة مبادئ الخدمة الاجتماعية من قبل الأخصائي الاجتماعي (الصادي وعجوبة، 1983: 49). ويتم تطبيق مبادئ الخدمة الاجتماعية كلها عن طريق ممارسة بعض الخطوات، إلا أن العلاقة المهنية والتي يتم تطبيقها عن طريق التطبيق السليم للمبادئ الأخرى (الصادي وعجوبة، 1983: 49). والعلاقة المهنية هنا هي علاقة هادفة وعلاقة تغيير يسعى أطرافها (الأخصائي الاجتماعي والعميل) إلى تحقيق تغيير مقصود في نسق العميل بهدف حل المشكلة التي يعاني منها العميل (عبدالرحمن، 1992: 99؛ غباري، 1982: 97).

ويتوقف نجاح التدخل المهني، إلى حد كبير، على هذه المرحلة وعلى قدرة الأخصائي الاجتماعي في بناء علاقة مهنية سليمة. فممارسة الأخصائي الاجتماعي لمبدأ السرية تجعل العميل يتقبله، وتقبل العميل الأخصائي يعني الثقة في الأخصائي، والثقة تعني توطد العلاقة المهنية بين الأخصائي الاجتماعي والعميل. والعلاقة المهنية السليمة كفيلة بأن تجعل العميل يدلي بالمعلومات الضرورية لدراسة الحالة (عبدالرحمن وآخرون، 1992: 107-108).

وتمثل هذه المرحلة مع المرحلة السابقة عملية الدراسة والتي يقوم فيها الأخصائي الاجتماعي بجمع الحقائق عن مشكلة العميل ودراستها دراسة وافية مستخدما بذلك مهاراته وقدراته التي تعلمها واكتسبها.

تشخيص مشكلة العميل:

تعتبر عملية التشخيص أكثر عمليات خدمة الفرد حساسية (عثمان، 1982: 211)، حيث تقوم على البيانات أو المعلومات التي جمعها الأخصائي الاجتماعي في مرحة الدراسة من ناحية، ويعتمد عليها التدخل المهني من ناحية أخرى. لذا فهي المرحلة الوسيطة التي تربط عملية الدراسة بالعملية العلاجية (غباري، 1982: 206-207). ومما لا شك فيه أن التشخيص السليم للمشكلة يؤدي إلى تدخل مهني سليم والذي يقود إلى إزالة المشكلة التي يعاني منها العميل. ومن هنا تتجلى أهمية أمرين:

الأول: خبرة الأخصائي الاجتماعي وقدرته، إلى حد كبير، على تحديد المشكلة التي يعاني منها العميل.

الثاني: أهمية اللجوء إلى إطار نظري يقود الأخصائي الاجتماعي إلى ماذا يبحث وعلى ماذا يركز وأين يقع مكمن الخلل في حياة العميل.

وحيث أن الأخصائي الاجتماعي هنا يعتمد على نظرية الأنساق العامة، فإنه يبدأ أولاً بتحديد "نسق العميل" والذي يعرف بأنه ذلك النسق المحدد والذي يتلقى المساعدة. هذا النسق قد يكون الفرد نفسه، الأسرة، الأصدقاء، زملاء العمل. بعد ذلك يقوم الأخصائي الاجتماعي بدراسة العلاقات داخل النسق، ويحاول سبر غور طبيعة العلاقات بين العميل وبقية أجزاء النسق أو الأنساق التي ينتمي إليها العميل من أجل الوصول إلى فهم أعمق لنسق العميل والذي يؤدي بدوره إلى الوصول إلى تشخيص سليم للمشكلة التي يعاني منها العميل والعوامل المسببة لها والمرتبطة بها.

تحديد البدائل العلاجية وطرق تحقيقها:

تتبنى نظرية الأنساق العامة النظرة الشمولية متعددة الأبعاد في النظر إلى المشكلة، حيث يتم التعامل مع العميل والمشكلة والموقف في نفس الوقت. وتعتبر عملية تحديد الأهداف الأساسية والأهداف الفرعية عملية حساسة جداً في عملية المساعدة. فالأخصائي الاجتماعي يجب عليه تحديد الأهداف بدقة ومن ثم ترتيبها حسب أولويتها في حل المشكلة.

وتكمن أهمية تحديد الأهداف في أنه يملي على الأخصائي الاجتماعي المهارات التي يوظفها من خلال التدخل المهني المستخدم مع العميل للوصول به إلى هذه الأهداف (Nelson, 1984: 5).

ويتطلب تحديد الأهداف بالضرورة التعاون بين الأخصائي الاجتماعي والعميل، فالعميل كما تصوره نظرية الأنساق العامة متفاعل ومساهم في العملية العلاجية. يبدأ الأخصائي الاجتماعي عملية تحديد الأهداف باستعراض جميع البدائل العلاجية المتاحة والتي من الممكن أن تنهي المشكلة التي يعاني منها العميل. كما يقوم الأخصائي بمناقشة العميل في هذه البدائل وسبل تحقيق كلا منها. والصعوبات التي قد تعترض تحقيقها. وهذا يتطلب بطبيعة الحال استعداداً تاماً من قبل الأخصائي الاجتماعي لمناقشة تلك الأهداف واحداً بعد الآخر مع العميل واستعراض المميزات والعيوب المتوقعة في كل هدف. بعد ذلك يشترك الأخصائي الاجتماعي مع العميل في تحديد واختيار هدف علاجي أو أكثر حسب طبيعة المشكلة وقدرات العميل ورغباته. وبعد تحديد الأهداف يقوم الأخصائي الاجتماعي بترتيب هذه الأهداف حسب أولويتها في حل المشكلة كما يقوم بتحديد أفضل السبل لتحقيقها، وبهذا يكون الأخصائي الاجتماعي بالاشتراك مع العميل قد وضعا الخطة العلاجية واستعدا للمرحلة القادمة.

ترجمة الخطط العلاجية إلى واقع:

وتتجلى في هذه المرحلة مهارات الأخصائي الاجتماعي والتي يوظفها توظيفاً أمثل لخدمة عملائه حيث يعتمد نجاح الخطة العلاجية بشكل كبير على كيفية توظيف تلك المهارات. وتتطلب هذه المرحلة عملية يطلق عليها "إبرام العقد". وهي عملية يقوم الأخصائي الاجتماعي من خلالها بالانتقال من مرحلة الاتفاق الغير رسمي والشفهي مع العميل إلى مرحلة الاتفاق الرسمي والمكتوب حول مهام كل من الأخصائي الاجتماعي والعميل نحو حل المشكلة. وتتطلب هذه العملية مهارة خاصة من الأخصائي الاجتماعي، حيث أن معظم العملاء لديهم ميل للإتكالية على الأخصائي الاجتماعي للقيام بجميع المسئوليات التي من شأنها أن تحل المشكلة. وهنا يقوم الأخصائي الاجتماعي بممارسة بعض المهارات، فقد يلجأ إلى الضغط على العميل تارة وإقناعه تارة أخرى للقيام بمهامه والاعتماد على نفسه والأخذ بزمام الأمور لحل مشكلته.

وتلعب عناصر خدمة الفرد (العميل، الأخصائي الاجتماعي، المؤسسة، عملية المساعدة)، خلال هذه المرحلة، دوراً هام في حل المشكلة (العنصر المتبقي من عناصر خدمة الفرد) (أحمد، 1991: 73-80). فكل عنصر من هذه العناصر يلعب دوراً معيناً لحل المشكلة. ولكل حقوق وواجبات والتي تتحكم وتحدد المهام المناطة بكل دور.

لذا فإن على الأخصائي الاجتماعي أن يكون مدركاً وواعياً بالأمور التالية:

1. قدرات العميل أو نسق العميل الذي يتعامل معه وإمكانياته وحدوده.

2. قدرات الأخصائي الاجتماعي نفسه وإمكانياته وحدوده.

3. مكانة المؤسسة التي ينتمي إليها الأخصائي الاجتماعي ودورها ووظيفتها وإمكانياتها وحدودها.

4. حدود التدخل المهني المتبع ومزاياه وعيوبه.

حيث أن إدراك الأخصائي الاجتماعي لهذه الأمور يمكنه من الاستفادة منها وتوظيفها توظيفا أمثل. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تسهيل عملية المساعدة وجعل التغيير المطلوب إحداثه في مشكلة العميل أو سلوكه أكثر قابلية للتحقيق.

تعميم وتثبيت التغير:

يهدف التدخل المهني في الخدمة الاجتماعية إلى إحداث تغيير مقصود في حياة العميل، سواء كان ذلك في شخصية العميل (ذاتي) أو في المحيط الذي يعيش فيه العميل (بيئي) أو كلاهما (ذاتي- بيئي). وبما أن العميل يتم التعامل معه هنا على أنه جزء من نسق اجتماعي، فإن الأخصائي الاجتماعي يدرك أن هذا التغيير الحاصل للعميل سيؤثر على بقية أجزاء النسق. ولنأخذ هنا، على سبيل المثال، حالة مدمن الكحول الذي توقف تماماً عن تعاطي الكحول، فهذا التوقف التام عن الكحول يعتبر تغييرا مقصودا في حالة العميل كما أنه يعتبر تغييرا غير مستقر. فمدمن الكحول دائما عرضة للانتكاسة (العودة إلى تعاطي الكحول) (Mooney, Eisenberg & Eisenberg, 1992: 541) إذا لم يتم تدعيم وتثبيت هذا التغيير لدى العميل من ناحية وتهيئة البيئة الخارجية لاستقبال العميل والتعامل معه لا بصفته مدمن للكحول ولكن بصفته متوقف عن تعاطيها (Littrell, 1991: 213- 216).

فالدور الذي كان يقوم به العميل في نسق الأسرة، على سبيل المثال، قد تغير، فبعد أن كان عالة على أسرته ومصدر شقاء لهم، مما جعل الأم على سبيل المثال تقوم بدور الأم والأب معا، بدأ العميل ممارسة دوره الطبيعي في الأسرة.

وقد يحتاج الأخصائي الاجتماعي إلى تدريب العميل على بعض المهارات التي تساعده على الحفاظ على النتائج الإيجابية الناتجة عن مرحلة التدخل المهني الأول بدون مساعدة الأخصائي الاجتماعي الأمر الذي يجعله العميل أكثر اعتماداً على نفسه من ناحية، ويضمن، إلى حد كبير، عدم عودته إلى وضع المشكلة السابق من ناحية أخرى (Bloom & Fischer, 1982: 355).

إنهاء العلاقة المهنية:

تختلف استجابة نسق العميل، بصفة عامة، نحو عملية إنهاء العلاقة المهنية تبعاً لأساليب التدخل المهني المستخدمة، فالتدخل المهني السريع أو قصير المدى يولد استجابات أقل عمقاً وتعقيداً من تلك المصاحبة لتدخل مهني استمر لفترة طويلة من الزمن (محمد، 1983: 365-366). ونموذج الممارسة المبني على نظرية الأنساق العامة يصور إنهاء العلاقة المهنية مع العميل على أنها عملية حساسة، حيث أنها تعتبر نهاية مرحلة من حياة العميل وبداية مرحلة أخرى (Rodway, 1986: 525-526). ومن هنا كانت عملية إبرام العقد والتي ذكرناها سابقا مهمة، حيث أن إبرام عقد بالتدخل المهني وأهدافه ومتى يبدأ ومتى ينتهي بين الأخصائي الاجتماعي والعميل تجعل الأخير يتوقع خدمات معينة منطقية وواقعية من عملية التدخل المهني والأخصائي الاجتماعي على حد السواء. كما أنها تهيئ العميل لعملية إنهاء العلاقة المهنية. فالعميل منذ بداية التدخل المهني قد تهيأ نفسياً لإنهاء العلاقة المهنية مع الأخصائي الاجتماعي حالما يحصل على الخدمات والمساعدات التي ذكرت في العقد.

تعليق

ترتكز الخدمة الاجتماعية على عدد كبير من النظريات ونماذج الممارسة والتي انتقلت إليها خلال الستينات والسبعينات من العديد من التخصصات وثيقة الصلة بها (محمد، 1983: 51). ومما لا شك فيه أن كثرة هذه النظريات والنماذج النظرية تجعل الأخصائيون الاجتماعيون في حيرة من أمرهم فيما يتعلق بعملية تحديد النظرية أو النموذج النظري المناسب لطبيعة تدخلاتهم المهنية (محمد، 1983: 59). ولعل ذلك يوضح ما توصل إليه ثاير (Thyer) حين وجد أن الغالبية العظمى من الأخصائيين الاجتماعيين (الذين درسهم) لا يوظفون نظرية بعينها في الممارسة وأنهم يصفون توجهاتهم النظرية على أنها انتقائية (Thyer, 1987: 150).

وتقدم نظرية الأنساق العامة تصورا معينا هو في الواقع مناسب جدا للعلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية على حد سواء، فهي تبدو وكأنها تنطبق على الظواهر الاجتماعية منها وغير الاجتماعية. ولكن كما استخدمها المهتمون في العلوم الإنسانية بما فيهم الأخصائيون الاجتماعيون، فإنها تركز على التفاعل القائم بين الأفراد وبيئتهم. كما أنها تركز بشكل أكبر على قدرة الأفراد على تبادل المعلومات والطاقة وبقية المصادر المتاحة لديهم مع بيئتهم من خلال الحدود المرنة لأنساقهم الاجتماعية، لذا فإنهم يتغيرون كما أنهم يحدثون تغيرا في بيئتهم في الوقت نفسه.

ولعل أهم إسهامات نظرية الأنساق العامة هي أنها وضحت دور العوامل البيئية وأثرها على مشاكل الأفراد عملاء الخدمة الاجتماعية مما جعل البيئة تأخذ مكانا متقدما من اهتمامات الممارسون المهنيون بعد أن كانت ينظر إليها على أنها تمثل عاملا ثانويا في مشاكل العملاء (Rodway, 1986: 533). كما أسهمت النظرية في إبراز شبكة العلاقات الإنسانية المعقدة والتي يتقلص دور الفرد فيها تبعا لدوره وموقعه.

ويرى مارتن بلوم (Martin Bloom) بأن المراجع العلمية وثيقة الصلة بالعلوم الاجتماعية بوجه عام والخدمة الاجتماعية بوجه خاص مليئة بكم هائل مما لا يفيد الأخصائيين الاجتماعيين من المعرفة العلمية. وأنه يجب أن يكون هناك أسس ومعايير لاختيار ما يفيد من هذه المعرفة العلمية. على هذا الأساس حدد بلوم (Bloom) معيارين أساسيين والتي يرى ضرورة توفرهما في النظرية المثالية. فالنظرية يجب أن تساعد أولا على الفهم وثانيا على التنبؤ (Bloom, 1969: 15-17). ونظرية الأنساق العامة توفر في الواقع أداة قوية لفهم الأنساق، فهي تمكن الأخصائي الاجتماعي الممارس من فهم المشكلات الاجتماعية على أساس ترابطي وليس بمعزل عما يحيط بها من بيئة وتفاعلات وعلاقات اجتماعية. فالمشكلة الاجتماعية، على هذا الأساس، تعتبر عرض أو أحد أعراض مشكلة أخرى متمثلة في مجموعة معقدة من العلاقات والتفاعلات بين الأفراد وثيقي الصلة بالمشكلة وليست قاصرة على الفرد أو الأفراد أصحاب المشكلة. فعلى سبيل المثال، فإن الطالب الذي يعاني من التأخر الدراسي وسوء التكيف مع بقية زملائه في المدرسة (المشكلة الحاضرة الأخصائي الاجتماعي في المجال المدرسي)، قد يكون عرضا أو أحد أعراض مشكلة أخرى وهي عدم توافق الوالدين في المنزل وكثرة الشجار بينهما (المشكلة الأساسية). لذا فإن الأخصائي الاجتماعي لن يتمكن من مساعدة هذا الطالب وحل مشكلته ما لم يتسنى له فهم المشكلة الأساسية والمساعدة في إيجاد حل لها. ومن هذا المنطلق فنظرية الأنساق العامة تمكن الأخصائي الاجتماعي من التفكير بقدر هائل من المعلومات وكم معقد من العلاقات الاجتماعية وفهمها عن طريق ربط الأمور ببعضها وفهم العلاقات المكونة لها (Hartman & Larid, 1983: 63).

أما عن مساعدتها على التنبؤ، فنظرية الأنساق العامة لا تقدم الكثير، فهي وإن بدت أنها قد تساعد على التنبؤ من خلال أحد قوانينها (أي تغيير يطرأ على أحد الأجزاء المكونة للنسق، يؤدي إلى تغيير في النسق ككل)، إلى أنها في الواقع غير ذلك. فهذا القانون يعتبر عام جدا، فنظرية الأنساق العامة وإن كانت تنبئنا بأن هناك تغيير سيطرأ على النسق إذا حدث تغير في أحد الأجزاء المكونة له، إلا أنها لا تنبئنا بمكان هذا التغيير (أي جزء من أجزاء النسق سيطرأ عليه التغيير)، ولا متى سيحدث التغير، أو مدى حجم هذا التغير أو حتى اتجاهه. لذا فإن نظرية الأنساق العامة لا تساعد على التنبؤ وتتأهل فقط للمعيار الأول من معايير بلوم (Bloom).

ولقد تعرضت نظرية الأنساق العامة إلى العديد من الانتقادات، فهي لم تحاول أن تقدم أي تفسير لسبب حدوث المشاكل التي يعاني منها عملاء الخدمة الاجتماعية، فلقد اقتصرت النظرية على تقديم ما يساعد على فهم طبيعة هذه المشاكل وكيفية التعامل معها. كما يعاب على نظرية الأنساق العامة أنها تحوي الكثير من المفاهيم المجردة والتي يصعب توظيف بعضها خلال ممارسة الخدمة الاجتماعية وذلك يعود بطبيعة الحال لكون النظرية أساسا من النظريات ذوات الوحدات الكبرى macro theory الأمر الذي يجعل تطبيقها يتطلب جهدا إضافيا. والواقع أن التغيرات التي طرأت على نظرية الأنساق العامة والمتمثلة في الجهود التي بذلت حتى الآن للنزول بها لأرض الممارسة وجعلها نموذجا نظريا قائما بذاته تعتبر جهودا إيجابية إلا أنها لا تزال قاصرة. فلا يزال هناك الكثير مما يجب عمله لتقنين النظرية كنموذج للممارسة وجعلها أكثر قابلية للتطبيق من قبل ممارسي الخدمة الاجتماعية.

المصادر العربية

الدامغ، سامي عبدالعزيز

1994 "تصميمات النسق المفرد" بحث مقبول للنشر بتاريخ 8-2-1994 في مجلة العلوم الاجتماعية.

الصادي، أحمد فوزي وعجوبة، مختار إبراهيم

1983 الخدمة الاجتماعية وقضايا التنمية في الدول النامية. الرياض: دار اللواء للنشر والتوزيع.

أحمد، محمد مصطفى

1991 خدمة الفرد (النظرية والتطبيق). الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.

رجب، إبراهيم عبدالرحمن

1991 "المنهج العلمي للبحث من وجهة إسلامية في نطاق العلوم الاجتماعية ومهن المساعدة الإنسانية" بحث مقدم إلى ندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية. القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

عبدالرحمن، ابتسام وعبد السميع، فاطمة ومنصور، حمدي ومحمد، جمال

1992 مقدمة في خدمة الفرد. حلوان: جامعة حلوان- كلية الخدمة الاجتماعية.

عثمان، عبدالفتاح

1982 خدمة الفرد في المجتمع النامي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.

غباري، محمد سلامة

1982 المدخل إلى علاج المشكلات الاجتماعية الفردية "خدمة الفرد". الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.

محمد، محمود حسن

1983 "ممارسة خدمة الفرد". بيروت: دار النهضة العربية.

المصادر الأجنبية

Bloom, M.

1969 The Selection of Knowledge From Behavioral Sciences and its Integration in The Social Work Curriculum. Journal of Education for Social Work 5 (Spring): 15-27.

Bloom, M. & Fischer, J.

1982 Evaluating Practice: Guidelines for the accountable Professional.

Englewood Cliffs, NJ: Practice Hall, Inc.

Gambrill, E. & Barth, R.

1980 "Single-Case Study Designs Revisited" Social Work Research and Abstracts 16 (March): 15-29.

Germain, C .

1973 "An Ecological Perspective in Casework Practice" Social Casework 54 (June): 323-330.

Hall, A. D. & Fagen, R. E.

1968 "Definition of a System", pp 62-84 in W. Buckley (Ed.) Modern Systems Research for the Behavioral Scientist: A Sourcebook. Chicago: Aldine.

Hartman, A. & Larid, J.

1983 Family-Centered Social Work Practice. New York: The Free Press.

Hearn, G.

1969 "The General Systems Approach: Contribution Toward an Holistic Conception of Social Work". New York: Council of Social Work Education.

Hearn, G.

1979 "General Systems Theory and Social Work", pp 334-365 in F. J. Turner (Ed.) Social Work Treatment. New York: The Free Press.

Littrell, J.

1991 Understanding and Treating Alcoholism. Volume 2. Hillsdale, New Jersey: Lawrence Erlbaum Associates, Publishers.

Mooney, A., Eisenberg, A. & Eisenberg, H.

1992 The Recovery Book. New York: Workman Publishing.

Nelson, J. C.

1985 "verifying the Independent Variable in Single-Subject Research "Social Work Research and Abstracts 21 (February): 3-8.

Polster, R. A. & Lynch, M.

1985 "Single Subject Designs", pp 381-422 in R. M. Grinnell (Ed.) Social Work Research and Evaluation. Itasca, II: F. E. Peacock Publishers.

Rodway, M. R.

1986 Systems Theory. In F. J. Turner (Ed.). Social work Treatment. New York: The Free Press.

Thyer, B.

1987 "Contingency Analysis: Toward a Unified Theory for Social Work Practice" Social Work 32 (March-April): 150-155.


الأستاذ الدكتور/ سامي عبدالعزيز الدامغ

أستاذ الخدمة الاجتماعية بقسم الدراسات الاجتماعية

كلية الآداب- جامعة الملك سعود

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها