ويبدو أن الربيع المغربي مرّ بسلام بعد توافق المجتمع بأكمله ملكا وشعبا على نظام أساسي يضبط مراسهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري ، حيث بعد الاستفتاء الدستوري لم يعد بمقدور أي فرد أو جماعة التعالي على القانون ، لأن حسب الفصل 6 من الدستور أضحى القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة المغربية ، والجميع بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له ، حيث حسب تصدير الدستور يواصل المغرب "إقامة مؤسسات دولة حديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة وإرساء مجتمع متضامن ، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة.."، إذ بعدما أصبحت حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بأشكالها(ف25) ، وبعدما ضمن المشرع إثني عشر حقا جديدا للمعارضة (ف10) لم يعد اليوم مسموحا لأي جهة الاحتكام إلى العنف ، لما فيه من تحقير لمضامين وروح الدستور ولدلالته بفشل تنزيل هذا الأخير تنزيلا ديموقراطيا ، حيث كل من يريد إضفاء المشروعية على ذاته ما عليه سوى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لأن الانتخابات هي أساس مشروعية التمثيل الديموقراطي(ف11).
لقد راعى المشرع الدستوري بعد تحديده للثوابت الراسخة الحق في الاختلاف ومتّع المعارضة البرلمانية وغير البرلمانية بحقوقها السياسية ، بل سمح بممارسة حريات الاجتماع والتجمهر والاحتجاج السلمي وليس العنفي (ف29) وفقا لمحددات قانونية مضبوطة ، مما لم يعد مسموحا معه اللجوء إلى العنف والترهيب اللفظي أو الجسدي أو الرمزي أو غيره ، ضمانا لحق باقي الأفراد الآخرين والجماعات في السلم والأمن والاستقرار لأن حتى الحق في التظاهر أو الاحتجاج هو حق يكفله الدستور في إطار "روح المسؤولية والمواطنة الملتزمة ، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات"(ف37).
من الصعب في دولة الحق والقانون التعايش مع العنف كيفما كانت الجهة التي تتسبب فيه ، وتبقى الدولة نيابة عن الشعب المغربي المؤسسة الوحيدة المؤهلة لاستعمال القوة لردع المارقين والخارجين عن القانون ، لما يشكله العنف من ترهيب للأفراد والجماعات ، ولهؤلاء حق على الدولة في التمتع بمختلف شروط الأمن والأمان والاستقرار.
بعد مرور الربيع المغربي بأمن وأمان وبعد ركون المغاربة لفضيلة الحوار والتوافق على العديد من المبادئ والقيم في الوثيقة الدستورية الجديدة لم يعد مسموحا افتعال بعض التيارات السياسية أو الطلابية أو غيرها من التيارات مظاهر التشدد من أجل فرض الرأي والذات بالقوة على المجتمع ، لأن الشعب المغربي حسم في يوليوز2011 الثوابت والأسس والمرتكزات الجامعة لمختلف مكوناته المجتمعية واللغوية والثقافية والدينية ، ويشهد الرأي العام الدولي على أن المغرب من بين الدول القليلة التي نجحت من خلال نظامها الملكي الدستوري الديموقراطي ومن خلال إسلامها الوسطي السمح في تدبير التعددية في إطار الوحدة الوطنية ، ويبقى لجلالة الملك بصفته رمز وحدة الأمة والساهر على احترام الدستور وصيانة الاختيار الديموقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات أن يضمن للمغاربة الحق في الاستقرار وردع كل ملوثات المشهد السياسي من عنف أو ما من شأنه تهديد هذا الاستقرار.
وإن السلطة التنفيذية هي المسؤولة على المستوى العملي في إطار موجبات القانون على استتباب الأمن والسكينة والاستقرار اليومي للمواطنات والمواطنين في معيشهم ومعاشهم اليومي ، حيث بقدر ما هي مسؤولة عن مقاومة العنف بقدر ما هي مسؤولة بشكل قبلي عن فتح مختلف قنوات التشاور والتفاهم مع الأطراف المسؤولة عن هذا العنف، إذ عليها فتح أبواب الحوار مع الجهات المحتجّة والعمل على إقناعها بتلبية الممكن من المطالب المشروعة.
إن بعض المؤشرات توحي اليوم بأن المساحة الواسعة من الحقوق والحريات هي السبب في نشوب ما يقع اليوم من اختلاف وشنآن بشأن بعض القضايا الحساسة كمسألة الحق في التّديّن والعقيدة والحق في اللغة القومية وفي الإفصاح عن الهوية وفي الانتماء الفكري والإيديولوجي ، وهي سجالات سمح بها الدستور وعلى هذا الأخير العمل على الحسم فيها ، كما أن بعض المنابر الفكرية والسياسية مقتنعة بأن الحكومة "الإسلامية" هي التي كانت السبب في بروز هذه التيارات الفكرية والسياسية المضادة لها نظرا لما يشكله في نظرها "الإسلام السياسي" من خطر داهم على الأخضر واليابس ، بحيث سيبقى هذا الخلاف السياسي محتدما ، بل ستتضافر جهود العديد من التيارات السياسية المعارضة إلى حين التغلب على ما تراه خطرا في منظورها ، لكن كيفما كان الحال فإن ما يُجمع عليه المغاربة اليوم هو أن بقدر ما للبيت ربا يحميه فإن له ملكا هو الممثل الأسمى للدولة ورمز وحدتها وضامن الحقوق والاختيار الديموقراطي ، كيفما كانت الجهة الحكومية المنتخبة يمينية أو يسارية.
تعليقات
إرسال تعليق