يفيد مفهوم المساءلة السياسية أحقية تتبع ومراقبة العمل
السياسي والمحاسبة عليه على المستوى الرسمي وغير الرسمي ، حيث أضحى مجال
تدبير الشأن العام من طرف الحكومة أو المؤسسة التشريعية أو غيرهما مطوقا
بأمرين اثنين : وهما إسناد التدبير والتسيير في إطار المسؤولية لمن أفرزته
صناديق الاقتراع ، وعدم ترك هذه المسؤولية فضفاضة ، حيث تتم في إطار محددات
قانونية تحت مراقبة دائمة ومتواصلة ، وهو ما يستتبع مساءلة الجهة المدبرة
لهذا الشأن العام .
لقد بات مبدأ المساءلة أحد المبادئ الأساسية التي تستلزمها
الديموقراطية ، معمولا بها بصرامة في البلدان التي تحترم نفسها ومعمولا بها
بمنتهى المرونة في الدول شبه الديموقراطية ، مما انتفضت ضده شعوب العالم
العربي مؤخرا في مخاض الربيع العربي والديموقراطي ، إذ اختلط شأن الدولة
بشخص الحاكم ، وتحكمت الأسر الحاكمة في تدبير الشأن العام دون حسيب أو
رقيب، وحتى السلطة القضائية والمجالس العليا الرقابية لم تقو على تنزيل
مبدأ المساءلة ضد المتعالين على القانون.
ويبدو أن المغرب من خلال دستوره الأخير قرر وبشكل نهائي القطع
مع مبدأ التسامح في حق الفئة المدبرة للشأن العام والمال العام لصالحها
دون صالح المصلحة العامة، حيث تبين أن العديد من قرارات المجلس الأعلى
للحسابات والهيئات القضائية التي كانت تبقى على الرفوف إلى الوقت المناسب ،
ستعرف طريقها إلى التنفيذ بمساءلة مختلف الجهات الحكومية والبرلمانية
والقضائية والإدارية التي عاثت في الأرض فسادا ، متعاملة مع المال العام
كأنه من صميم ممتلكاتها ، وذلك أسوة بالدول الديموقراطية المتشددة بهذا
الشأن .
لقد ربط الدستور الجديد تدبير المرافق الحكومية في إطار
الحكامة الجيدة باشتراط الكفاءة والمؤهلات المناسبة لتدبير القطاع وتقديم
التقارير الدورية من أجل السماح للمجالس الرقابية بتتبع ذلك إحقاقا لشفافية
التدبير والتسيير ، وإطلاعا للرأي العام - في إطار الحق في المعلومة - على
مجريات حسن أو سوء التدبير، وهو ما ينتظره المغاربة بعد وضع ثقتهم في
الحكومة الجديدة ، حيث يُنتظر الحرص على تتبع مختلف مؤسسات تدبير الشأن
العام ، وتقديم ملفات المفسدين للمال العام أمام الجهات القضائية الرقابية ،
حتى يتم تنقيح وتطهير هذا المجال من المديرين والإداريين العابثين بالمال
العام، على أن يتم ذلك بنوع من المرونة والتدريج ضمانا لاستقرار اقتصادي
واجتماعي وإداري بالبلاد ، دون أن تصدر الجهات الحكومية بصفتها الوصية على
تدبير المال العام إشارات التسامح الكلي والنهائي مع هذه الفئة بالعفو عما
سلف ، عملا بتنزيل مبدأ القانون فوق الجميع ، وانسجاما مع الشعارات
الانتخابية للأحزاب الحكومية التي تجاوبت مع سياق الربيع الديموقراطي وركبت
عليه استقطابا لأصوات الناخبين.
ويعتبر الشأن العام السياسي الحزبي أحد المجالات التي يدبّر
فيها الشأن السياسي دون محاسبة أو مساءلة ، حيث تستفيد الأحزاب المغربية من
المال العام للدولة ، دعما لها من أجل النهوض بمهامها المنوطة بها سواء
بموجب الدستور أو بموجب قانون الأحزاب السياسية، وبدا واضحا أن معظم زعماء
الأحزاب يتفادون تقديم الحسابات أمام مناضليهم لا على مستوى اللجان المالية
المعنية ولا أمام المناضلين في الوقت المناسب ، و لا يستفيق المناضلون إلا
حينما يتم تسريب معلومة في الموضوع من أحد أعضاء القيادة بشكل غير رسمي ،
مما يتعين معه على الدولة أن تراجع قانون الأحزاب على مستوى فرض عرض
ميزانية الحزب وممتلكاته على الجهة التقريرية للحزب حتى تتمكن من صنع
استراتيجية واضحة بشأن تدبير مالية الحزب.
إن تنزيل مبدأ مساءلة أعضاء المكاتب القيادية للأحزاب
السياسية وغيرهم من المسؤولين الحزبيين بات أمرا ملحا وأكيدا بعد تسجيل
التجاوزات المقترفة من طرف هؤلاء الأعضاء القياديين ، في العديد من
المناسبات سواء خلال السفريات بالداخل أو الخارج أو خلال توزيع تعويضات
التنقل أو التكليف بالمهام أو خلال الحملات الانتخابية أو في غيرها ، وهو
ما يتم تبريره بشكل تقليدي مألوف أمام الجهات الرقابية دون تشديد رقابي من
المجلس الأعلى للحسابات.
ومن المجالات التي يتعين فرض مبدأ المساءلة فيها مجال اتخاذ
القرارات الحزبية من خارج المجالس التقريرية ، وخاصة القرارات المصيرية
التي تعرض على القيادة فقط دون إطلاع برلمان الحزب على ذلك ، حيث برز أن
العديد من مناضلي الأحزاب السياسية يؤاخذون قادتهم على تهميش دور المجالس
التقريرية ، للنظر في العديد من القضايا الهامة التي هي ذات تأثير على مسار
ومسير ومصير الحزب، وهو ما يسهم في النفور من العمل السياسي لغياب مساطر
المتابعة والمساءلة في حق هؤلاء القادة الحزبيين الفاسدين ، إذ يبقى على
مناضلي الأحزاب انتظار عقد المؤتمرات الوطنية من أجل التداول في ذلك وإقصاء
القادة الفاسدين دون غيرهم.
تعليقات
إرسال تعليق