لدكتور بوشعيب أوعبي
أستاذ جامعي ــ فاس
تعد المحافظة على البيئة إحدى هواجس الحكومة الحالية التي تبذل قصارى
الجهود من أجل إصدار الترسانة القانونية اللازمة،وفقا لما توصي به المعاير
الدولية بهذا الشأن،وهو ما تبلور بمشروع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية
المستدامة الذي اقترحه جلالة الملك مؤخرا ، كإطار تنظيمي يضبط سلوك جميع
الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين بشأن المحافظة على البيئة وحمايتها،من
منطلق أن الحفاظ على البيئة هو ضمان لاستمرار الأجيال المقبلة وضمان للحفاظ
على النوع البيولوجي الآيل للانقراض.
في خضم
هذه المجهودات الإيكولوجية تتضافر الجهود من أجل التغلب على الإرث
الإيكولوجي الذي خلفته الحكومات السابقة ،بسياسات تنموية متخلفة تسببت في
اختلالات بيئية على العديد من المستويات ،كمستوى الغابة التي تراجع بنسبة
تقدر بحوالي 31 ألف هكتار في السنة ،والنفايات الصلبة التي تقذف بنسبة
حوالي 6 مليون طن في السنة ،والتصحر الذي يهيمن بشكل تدريجي مهددا التراب
الوطني بنسبة 95 بالمائة،ومخلفات التدهور الناتج عن سياسة الاعتماد المطلق
على الطاقة الأحفورية والكهربائية بشكل شبه مطلق،وتسبب التلوث في انتشار
بعض الأمراض وفي ثلث وفيات المغاربة.
ومن بين المواضيع المزعجة في الحقل البيئي موضوع تلوث الهواء الذي استفحل
بمختلف أرجاء المعمور،وهو ما يتسبب في الاحتباس الحراري من جراء الانبعاثات
الغازية الثاقبة لطبقة الأوزون،حيث أن مخلفات هذا التلوث الجوي تدعو اليوم
إلى القلق لكونه موضوعا حساسا من جراء انعكاساته السلبية على الاقتصاد الوطني وعلى الصحة العامة وعلى السياحة وعلى البيئة بشكل عام بمختلف تجلياتها.
وتعد وسائل النقل من أهم مسببات التلوث الجوي بدرجة أساسية،حيث أن ارتفاع
وتيرة أسطول وسائل النقل المتحرك في العشرية الأخيرة ب 2 مليون عربة متحركة
،أي بزيادة 4 بالمائة سنويا ابتداء من سنة 2004 ،حيث 52 بالمائة منها
متمركزة بجهتي البيضاء ـ الرباط،بجودة متوسطة إلى ضعيفة ،ببنزين لمدة طويلة
وهو غني بالرصاص وبدييزل غني بالكبريت.
وتعد
الوحدات الصناعية إضافة إلى ما سلف مصدرا تلويث آخر للهواء بالمغرب ،لكون
بلادنا تتوافر اليوم على 7714 وحدة ،37 بالمائة منها ممركزة في الدار
البيضاء الكبرى (أي 2874 مؤسسة)،في تخصصات صناعية كيماوية ومشتقة كيماوية
ونسيجية وجلدية،وفي التغذية الفلاحية وفي الصناعة الكهربائية والإلكترونية
والصناعات المعدنية والمحطات الطاقية ذات المولدات الحرارية ومصفاة المواد
البترولية وغيرها،وحسب دراسة سابقة للاتحاد العام للمقاولات بالمغرب (CGEM) تبين أن 78% من الصناعات اعترف أصحابها أنها ملوثة للبيئة، كما لم ينكر 22% من أرباب العمل المستجوبين كون صناعاتهم غير نظيفة، ولم يقبل بالطابع الزجري للتشريعات الصادرة في مجال البيئة سوى 12% من المقاولين، كما أن 60% مستعدون لوضع مقاولاتهم تحت مراقبة مؤسسة افتحاص بيئية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، علما أن على العموم 55% من المقاولات المغربية لا تحظى بأي إطار أو تقني مسئول في المجال البيئي.
وثمة مصادر أخرى ضارة بالبيئة الجوية كالأنشطة
الحرفية،المتعلقة بصناعة الفخار والحمامات والأفران التقليدية المستخدمة
للوقود الغني بملوثات الجو واستخدام الحطب في المناطق القروية،إضافة إلى
المطارح العمومية التي هي حوالي 300 مطرح ،وتعد مصدر انبعاث غاز الميثان
وغيرها من الغازات الملوثة،.
يعد التلوث الهوائي
إحدى أهم الاختلالات البيئية التي يتعين الاستعداد لها من طرف الجميع بما
فيها القطاع الخاص والمجتمع المدني والجماعات المحلية ،حيث تسجل إحدى
التقارير الرسمية في العشرية السابقة أن المغرب كان يقذف بحوالي مليوني
طن من غاز ثاني أوكسيد الكاربون وحوالي 180 ألف طن من ثاني أوكسيد الكبريت
و 200 ألف طن من مركبات الفليور إضافة إلى انبعاثات أخرى،وهو ما يفيد
اليوم أن المغرب يرسل تقريبا 2،2 طن معادل ثاني اوكسيد الكاربون للساكن الواحد،مضاعفا جهوده بلوغ 52،9 مليون طن معادل ثاني أوكسيد الكاربون سنويا في أفق 2030 على الصعيد الوطني ،وفقا لالتزام المغرب بمعايير اتفاقية كيوطو.
وإن
من بين المدن المتضررة بالتلوث الهوائي الدار البيضاء والمحمدية وآسفي
والجديدة والرباط والقنيطرة لكونها تعرف نشاطا اقتصاديا وإداريا
وبشريا،وهو ما دفع الحكومة المغربية إلى أن تضع بها آليات مراقبة وتتبع
لمستوى جودة الهواء، حيث حسب دراسة سابقة يبلغ بالرباط معدل
التركيز للمواد الجزئية (أي الغازات المنبعثة من عوادم السيارات ) 1300
ميكروغرام في المتر المكعب خلال 24 ساعة ،في حين لا يتجاوز 260 بالعاصمة
الأمريكية رغم تباين عدد السيارات،بينما هي بالبيضاء بحوالي 2500، وهذا
ما دفع إلى وضع 7 محطات لمراقبة مستوى تلوث الهواء، بالدار البيضاء الكبرى
من بين 19 محطة وطنيا،وتجعل هذه النسب العالية من التلوث الهوائي من سكان
الدار البيضاء في طليعة المصابين بأمراض الربو والتنفس والحساسية
البصرية،وحسب بعض الدراسات ( البيضاء ـ إيربول) سنة 2001
تم اكتشاف أن التلوث الهوائي يتسبب في اختناق التنفس وفي وفيات الأطفال
وكبار السن وارتفاع التلوث الهوائي بالرصاص وعناصر غبارية تتجاوز ب 200
مرة المعايير المحددة من طرف منظمة الصحة العالمية.
ومن منطلق هذا الوضع البيئي حدد المرسوم رقم 2.97.377 بتاريخ 28 يناير 1998 نسبة الانبعاثات الغازية في 4,5 % من أحادي أكسيد الكربون بالنسبة لعربات البنزين و70 % من
التعتيم بالنسبة لعربات الغازوال،الأمر الذي تنبهت له الحكومة الحالية
بإصدار ترسانة هامة من القوانين الإيكولوجية من اجل الحد من هذا التلوث،وفي
مقدمتها مدونة السير الجديدة التي تتمسك من خلال المادة 103 في بندها 14
بأحقية ضابط المراقبة الطرقية بإيقاف كل مركبة تتجاوز المقاييس الوطنية في
انبعاثات عوادم السيارات.
تعليقات
إرسال تعليق