المغرب الكفاح من أجل تحقيق الاستقلال واستكمال الوحدة الترابية


1ـ ظروف نشوء الحركة الوطنية المغربية ووسائل عملها

1 ـ ظروف نشأة الحركة الوطنية المغربية ومميزاتها أ ـ ظروف نشأة الحركة الوطنية المغربية

نشأت الحركة الوطنية(أو منظمو عمل الشعب سياسيا)، في كل من المنطقة السلطانية بزعامة حزب كتلة العمل الوطني. وفي المنطقة الخليفية بقيادة كتلة الإصلاح الوطني، لمناهضة المستعمر وتحقيق الاستقلال، من الاستفادة من مجموعة من العوامل المتمثلة في:

+ انهزام المقاومة المسلحة والمقاومة الريفية من 1912 إلى 1934 ؛

+ الاستغلال الاستعماري المسبب للأزمة الاقتصادية والاجتماعية المغربية ؛

+ ظهور الحركة السلفية بقيادة أبوشعيب الدكالي(1878 ـ 1966 ) ومحمد بن العربي العلوي ( 1884م-1964م) ؛

+ صدور الظهير البربري في 16ماي 1930، الذي ينص على:

ـ أن يفصل رؤساء القبائل في النزاعات التي تحدث في المناطق البربرية،

ـ أن تؤسس المحاكم العرفية الابتدائية والاستئنافية للفصل في القضايا التجارية والمدنية والعقارية والأحوال الشخصية وشؤون الإرث وكل الوقائع بالمناطق البربرية،

ـ أن تشكل محاكم فرنسية، لم تكن تخضع لسيادة السلطان، للنظر في القضايا الجنائية التي تحصل في المناطق البربرية، بغرض الفصل بين سكان المغرب عربا وبربرا.

+ تأثير حركات التحرر في المشرق العربي وفي أسيا في الحركة الوطنية؛

+ تضامن شكيب أرسلان مع المقاومة السياسية، إثر حدث صدور الظهير البربري؛ حيث زار مدينة تطوان سنة 1930م ، للاتصال برواد الحركة الوطنية بغرض بلورة نضج الحركة الوطنية.

ب ـ مميزات الحركة الوطنية المغربية

نشأت الحركة الوطنية(أو منظمو عمل الشعب سياسيا)، في كل من المنطقة السلطانية بزعامة حزب كتلة العمل الوطني، وفي المنطقة الخليفية بقيادة كتلة الإصلاح الوطني ، وتتميز بما يلي:

ـ بالنسبة للمنطقة السلطانية: قدمت كتلة العمل الوطني، التي تأسست سنة 1933 ، برنامجا إصلاحيا للسلطات الفرنسية سنة 1934 ، يلغي دور سلطة الحماية واقتصارها على المراقبة والمساعدة، والاهتمام بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أنه في سنة 1937 انقسمت كتلة العمل الوطني إلى الحركة الوطنية لتحقيق الإصلاحات بزعامة علال الفاسي(1910 ـ 1974) ، والحركة القومية المغربية بقيادة محمد حسن الوزاني(1910م ـ 1978م).

ـ بالنسبة للمنطقة الخليفية: سلكت كتلة الإصلاح الوطني نفس الطريق الذي سلكته كتلة العمل الوطني، فانقسمت كتلة الاصلاح الوطني إلى حزب الإصلاح الوطني سنة 1933، بزعامة عبد الخالق الطريس وحزب الوحدة المغربية سنة 1937 بقيادة محمد المكي الناصري.

2 ـ وسائل عمل الحركة الوطنية المغربية :
اعتمدت الحركة الوطنية عدة وسائل لفضح الاعمال السياسة الاستعمارية لسلطات الحماية، وإحباط برنامجها الاندماجي، ونشر الوعي الوطني في صفوف المغاربة بواسطة مجموعة من الوسائل تتمثل في:

+ سخرت الصحافة الوطنية وأنشأت المدارس والمعاهد التربوية والتعليمية في المدن والبوادي بكل من:

ـ المنطقة السلطانية(الفرنسية): ناضل الوطنيون عبر الجرائد والمجلات كجريدة عمل الشعب للوزاني ، وجريدة المغرب لأحمد بلافرج، كما انشأت المدارس الحرة كالمعهد الإسلامي ومدرستي النجاح ، ومدرسة جسوس، بالاضافة إلى ذلك، ناضلت الحركة الوطنية باستعمال الفرق الموسيقية كفرقة المنار والجوق المغربي والجوق السلاوي، وتسخير الجمعيات الثقافية.

ـ في المنطقة الخليفية ( الاسبانية): اعتمدت الحركة الوطنية في كفاحها على جريد الوحدة المغربية والمدرسة الأهلية و جريدة الحياة للطريس، كما اعتمدت الفرق الموسيقية كالهلال وفتيان حزب الإصلاح.

+ الاحتفال بعيد العرش18 نونبر 1933 ، يمثل الاحتفال بعيد العرش والتمسك بشرعية المؤسسة السلطانية، وسيلة أساسية للكفاح ضد الاستعمار ، انه سبب تحريك للحس الوطني في نفوس المغاربة، بحث أن المداومة على لاحتفال به تأكيد، لسلطات الحمايتين الفرنسية والاسبانية، على عمق الروابط الدينية والروحية والرمزية والتاريخية والسياسية بين الملك والشعب المغربي؛

+ مقاطعة المنتجات الاجنبية: تتمثل وسيلة أساسية للكفاح ضد السلطات الاستعمارية الفرنسية والاسبانية.

II ـ مراحل عمل الحركة الوطنية
1 ـ مرحلة المطالبة بالاصلاحات:

طالبت كتلة العمل الوطني وكتلة الاصلاح الوطني مابين 1930ـ 1939 سلطات الحماية بإدخال مجموعة من الإصلاحات بالمغرب، والتي تمثلت فيما يلي:

أ ـ في المنطقة السلطانية: استغلت كتلة العمل الوطني الوضع السياسي بدولة فرنسا، فطالبت بالإصلاحات التي شملت الميادين التالية:

ـ إصلاحات سياسية و إدارية: تتمثل في احترام النظام الإداري للمعاهدات الدولية، والمطالبة بإلغاء الإدارة الفرنسية المباشرة، و تكوين حكومة مغربية، وتأسيس مجلس وطني ، وكذا إلغاء وسائل التعذيب، ناهيك عن عدم السماح بلمس الحدود المغربية، وبهذا طالبت الكتلة، وبشكل مستعجل سنة 1936 ، الجبهة الشعبية الاشتراكية التي تحكم فرنسا بحرية الصحافة والطبع والتجمعات وتأسيس الجمعيات والتنقل، وإصلاح القضاء، وحرية النقابة.

ـ إصلاحات اجتماعية: تتمثل في السماح بإنشاء مدارس حرة ومستشفيات، مع الزيادة في توزيع الأدوية مجانا ، والمطالبة بإجبارية التعليم الابتدائي، ومحاربة الأمية والبطالة والعمل 8 ساعات في اليوم فقط.

ـ إصلاحات اقتصادية ومالية: تتمثل في إعطاء الدولة المغربية حق استغلال المناجم. ووقف الاستعمار الرسمي والمساواة في الضرائب وتخفيضها بين المعمرين والفلاحين المغاربة، مع دعمهم بقروض ، و حماية الصناعة التقليدية من المنافسة الخارجية، وإلغاء الرسوم بين المناطق المغربية، وكذا تكوين تعاونيات فلاحية.
ب ـ في المنطقة الخليفية: استغلت كتلة الإصلاح الوطني، بشكل مستعجل سنة 1931 ، وصول الحكومة الجمهورية إلى السلطة باسبانيا، فطالبتها بإدخال مجموعة من الإصلاحات شملت الميادين التالية:

ـ إصلاحات سياسية و إدارية: تتمثل في احترام النظام الإداري للمعاهدات الدولية، والمطالبة بإلغاء الإدارة الاسبانية المباشرة ، و انتخاب مجالس استشارية ، وكذا إلغاء وسائل التعذيب، ناهيك عن عدم السماح بلمس الحدود المغربية، ، فطالبت بحرية الصحافة والطبع والتجمعات، وتأسيس الجمعيات والتنقل، وإصلاح القضاء.

ـ إصلاحات اجتماعية: تتمثل في السماح بفتح مدارس ابتدائية وثانوية في المدن والبوادي تدرس فيها البرامج باللغة العربية إلى جانب اللغة الاسبانية، وكذا إرسال التلاميذ إلى المدارس العليا الاسبانية لتلقي العلوم.

ـ إصلاحات اقتصادية ومالية: تتمثل في فتح مدارس فلاحية وصناعية ووقف الاستعمار الرسمي والمساواة في الضرائب وتخفيضها بين المعمرين والفلاحين المغاربة، مع دعمهم بالأدوات الإنتاجية وبالقروض ، و حماية الصناعة التقليدية من المنافسة الخارجية، وإلغاء الرسوم بين المناطق المغربية، وكذا تكوين تعاونيات فلاحيه.
غير أن هذه الإصلاحات لم تلق استجابة من سلطات الحمايتين الفرنسية والاسبانية، لتعنتهما، فتوترت العلاقة بين الوطنيين والاقامة العامة التي استخدمت القمع والاعتقال والنفي
في حق الزعماء المغاربة والمظاهرات الشعبية.

2 ـ مرحلة المطالبة بالاستقلال وعواملها

انتقل عمل الحركة الوطنية من مرحلة المطالبة بالإصلاحات سنة 1934 إلى مرحلة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، بسبب الاستفادة من ظروف وعوامل متعددة، حمست الوطنيين المغاربة في تغيير خطابهم السياسي ، خلال فترة الأربعينات، تتمثل هذه العوامل، فيما يلي:

أ ـ العوامل الداخلية: تتمثل هذه العوامل فيما يلي:

ـ إصدار عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944: تقدمت الحركة الوطنية بقيادة حزب الاستقلال بعريضة الاستقلال للسلطان سيدي محمد بن يوسف والى سلطات الحماية الفرنسية ، تضمنت التأكيد على وحدة واستقلال المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد الخامس، ناشدت السلطان بالتدخل لدى الدول الأجنبية للاعتراف باستقلال المغرب ، وان يقوم بالإصلاحات التي تضمن جميع حقوق وواجبات الشعب المغربي؛

ـ انعقاد مؤتمر أنفا 1943 : عبارة عن عامل هام، عكس الدعم الأمريكي للقضية المغربية؛

ـ تأسيس الجبهة الوطنية بطنجة في 09 ابريل1951: عبارة عن جبهة النضال الوطني الوحدوي من طرف أحزاب المنطقة السلطانية( حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال) بمعية أحزاب المنطقة الخليفية(حزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة المغربية)، والتي تهدف إلى التنسيق والتواصل والتشاور والتمسك بوحدة واستقلال المغرب ورفض المفاوضات مع سلطات الاحتلال الفرنسي والاسباني ؛
ـ دعم السلطان سيدي محمد بن يوسف لمواقف الحركة الوطنية: يتمثل في دعم محمد الخامس لمجهودات الحركة الوطنية أمام الفرنسيين سنة 1944 ، إذ اعتبر أن نظام الحماية
صار متجاوزا عندما شبهها بقميص جعل لطفل صغير، فكبر الطفل ونما وترعرع، وبقي القميص على حاله، كما أكد في فرنسا سنة 1945 على ضرورة إنصاف المغرب ، ناهيك عن إعلانه، وفي خطاب طنجة 1947 ، على وحدة واستقلال المغرب، زد على ذلك أكد ، أثناء رحلته إلى فرنسا في سنة 1950و1952، على إعادة النظر في العلاقات المغربية الفرنسية، و رفض التوقيع على الظهائر التي تمس مصالح المغرب؛

ـ مؤامرة نفي السلطان الشرعي: دبرت الحماية الفرنسية سنة 1953م ، وفي عهد المقيم العام غيوم(1951 ـ 1954) ، مؤامرة تنصيب ملك بديل محمد بن عرفة، ابن عم السلطان ، بمساعدة معاونيهم القواد الكبار كالكلاوي وعبد الحي الكتاني، ثم نفيه وأسرته إلى جزيرة كورسيكا في 20 غشت 1953 ليلة عيد الأضحى، وبقي هناك إلى أواخر يناير1954 ، ليتم نفيه مرة أخى، إلى جزيرة مدغشقر وبقي هناك إلى غاية 29اكتوبر 1955. مما أثاار غضب المغاربة الذين قاموا بثورة الملك والشعب ، فظهر العمل الفدائي والكفاح المسلح بقيادة المقاومة المسلحة السرية ، التي شكلت النواة الأولى لجيش التحرير إلى جانب الكفاح السياسي والعمل النقابي ضد المصالح الاستعمارية ورموز الاحتلال الفرنسي.

ب ـ العوامل الخارجية: تتمثل هذه العوامل فيما يلي:

ـ مشاركة المغرب في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء؛

ـ استغلال المغرب للميثاق الاطلنتي1941 ، الذي نص على حق الشعوب في تقرير مصيرها ؛ ـ مقتل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد سنة 1952 م ، والاحتجاج المغربي عقب ذلك،

ـ الاستفادة من حركات الاستقلال التي بدأت تحقق نجاحات في المشرق العربي وأسيا،

ـ حصول المغرب على تأييد الجامعة العربية وحركة دول عدم الانحياز، لرفع قضية المغرب إلى الأمم المتحدة،

نتج عن هذه العوامل إرغام السلطات الفرنسية على إجراء التفاوض مع السلطان وقادة الحركة الوطنية بمدينة إيكس ليبانAix les Bains مابين 22-27 غشت1955 ، حيث اعتبرت الحركة أن معاهدة الحماية 30مارس 1912 لم تعد تلائم مقتضيات الحياة العصرية، ولا تسمح بتنظيم العلاقات الفرنسية المغربية، وبالتالي وافقت حكومة الجمهورية الفرنسية، على عودة الملك محمد بن يوسف إلى المغرب وخلع السلطان المزعوم ابن عرفة، وتشكيل مجلس العرش، وتشكيل حكومة مغربية. وفي 30اكتوبر 1955 غادر السلطان والأسرة الملكية مدغشقر في اتجاه فرنسا وأجريت المفاوضات النهائية بمدينة سان كلودSaint-Cloud الفرنسية ، حيث تم استكمال نقاش ما تقرر في مفاوضات ايكس- ليبان، وانتهت بتأكيد اعتراف الحكومة الجمهورية الفرنسية باستقلال المغرب ، وعودة جلالة محمد الخامس إلى ارض الوطن في 16نونبر 1955، و في 2 مارس 1956 اعترفت فرنسا باستقلال المغرب، كما اعترفت اسبانيا باسترجاع المغرب للقسم الشمالي في 17 ابريل 1956.
3 ـ مراحل استكمال المغرب لوحدته الترابية وأساليبها.

ابتدأت هذه المراحل من 1956 إلى 1979 ، توجت بسعي المغرب إلى استكمال وحدته ، بكيفية تدريجية، وبأساليب سلمية، وعبر مفاوضات، تكرس دور المغرب في تحقيق السلم العالمي، عبر سياسة خارجية قائمة على الحوار والدبلوماسية، و تتمثل هذه المراحل في:
أ ـ المرحلة الأولى: تتمثل في استرجاع المغرب منطقة طنجة سنة 1957 تحت السيادة المغربية وإلغاء النظام الدولي.
ب ـ المرحلة الثانية: تتمثل في استرجاع المغرب إقليم طرفاية في 10 ابريل 1958 بعد مفاوضات سلمية وطويلة مع اسبانيا ، ومقاومة شعبية لقبائل آيت باعمران.
ج ـ المرحلة الثالثة : تتمثل في استرجاع المغرب إقليم سيدي افني في 30 مارس 1969 ، بعد الزيارة التي قام بها الملك الحسن الثاني إلى مدريد ، حيث اقنع الإسبان بضرورة تنفيذ قرار الأمم المتحدة، الذي أقر عودة سيدي افني إلى المغرب.
د ـ المرحلة الرابعة: تتمثل في عرض المغرب قضيته على محكمة العدل الدولية، بعد إصرار اسبانيا على الاستمرار في استعمار المناطق الجنوبية المغربية، ، فأصدرت حكمها يوم 16اكتوبر1975 ، الذي أكد على وجود روابط قانونية وعلاقة الولاء والبيعة بين القبائل الصحراوية وسلطان المغرب، وفي 6 نونبر1975 اندفع 350 ألف مغربي ومغربية، رجالا ونساء في مسيرة خضراء شعبية سلمية نحو مناطق الساقية الحمراء بالصحراء المغربية وقاموا بتحريرها من الاحتلال الاسباني.

خاتمة: بعد فرض الحماية الفرنسية والاسبانية على المغرب سنة 1912، انطلقت المقاومة المسلحة في جميع أنحاء المغرب ملحقة هزائم متعددة بالمستعمرين، لكن عدم تكافؤ القوة العسكرية والمالية، ساهم في القضاء على المقاومة المغربية خلال فترة الثلاثينات1934 ، لتنطلق الحركة الوطنية السياسية مطالبة بالإصلاحات إلى غاية الأربعينات، ثم بالاستقلال، واندلعت من جديد المقاومة المسلحة والمفاوضات الدبلوماسية التي أرغمت فرنسا واسبانيا على الاعتراف بوحدة واستقلال المغرب سنة 1956 ، ولأجل استكمال الوحدة الترابية، استرجع بعض المناطق من طنجة إلى وادي الذهب بطرق سلمية، ولازال يعمل لاسترجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ، باعتماد سياسة قائمة على الحوار والصداقة.

و ـ المرحلة الخامسة: تتمثل في استرجاع المغرب لوادي الذهب في 14 غشت 1979، بعد الانقلاب العسكري بدولة موريتانيا التي تخلت عن الإقليم، وإقدام وفد صحراوي من المنطقة إلى الرباط لتقديم البيعة لسلطان البلاد والدخول تحت السيادة المغربية

تعليقات