لمحة حول المقاربة الجديدة للتخطيط



لقد تم الانتباه إلى الرهانات التي يتعين مواجهتها في مناخ التحولات الحثيثة لمختلف العوامل، سواء داخليا كالديموغرافيا والتطورات الاجتماعية ومؤهلات الاقتصاد، أو خارجيا كالعولمة والتكتلات الإقليمية والجهوية وما تفرزه على الخصوص من منافسة شرسة. لذا يجب توفير أسباب التموقع الفاعل لنظام التخطيط ببلادنا، مع الاتسام بالمرونة اتجاه المبادرة الحرة والانفتاح على الخارج، دون إغفال الأهداف الاستراتيجية للتنمية الشاملة. ولمواكبة هذا التحول، لابد من تطوير آليات التخطيط وأساليبه.

وتنسجم المقاربة الجديدة للتخطيط مع التوجهات الدولية التي تعتمد في غالبيتها على المخططات المستقبلية.

إن الجانب الأساسي بالنسبة للمخططات المقبلة يتمثل في المقاربة الاستشرافية والتخطيط الاستراتيجي البعيد المدى. وستمكن هذه المقاربة من المساهمة في تعبيد مسالك إرادية لمخططات مرنة ومتوسطة الأمد. وقد تم فعلا الشروع في إعداد دراسات لتحديد المعالم المستقبلية لمغرب 2030، والعمل في نفس الوقت لأجل تطوير نظام التخطيط وآلياته لمواكبة النظرة الاستراتيجية وتوفير مقوماتها.

و إن أولى هذه المقومات يتمثل في نظام المعلومات الذي جاء الإحصاء العام للسكان والسكنى ليجدد قاعدته من المعطيات في شتى الميادين الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما أن هناك مختلف البحوث التي يتعين تحسين جودتها لتلائم متطلبات التحليل البعيد المدى، سواء تعلق الأمر بالمعطيات البنيوية للتشغيل، أو استهلاك ونفقات الأسر أو الأسعار أو الاستثمار العمومي والخاص إلى غير ذلك من المناحي المحددة لصيرورة الحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، مع التركيز على الملامح التنموية الكبرى كرصد وضعية الفقر وتطورها والاستراتيجيات البديلة للحد من آثارها ثم القضاء عليها.

ويشكل تطوير نظام المعلومات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي شرطا لإنعاش التخطيط اللامركزي ورافعة لبناء الجهة. هذه الأخيرة باعتبارها مركزا لاتخاذ القرارات الاقتصادية، عليها أن تنمي قدرتها على اتخاذ القرارات التي تندرج ضمن اختصاصاتها، كما يمكن لها إبداء الرأي بخصوص القرارات الوطنية التي تتعلق بمجالها الترابي.كما أن وضع نظام مندمج للمعلومات يشتغل في إطار أنظمة وشبكات للتواصل بين الجهات والجماعات المحلية الأخرى والمصالح الخارجية والإدارات المركزية يعد أمرا مرغوبا فيه.

ولاشك أن إحداث لجن جهوية للمعلومات الاقتصادية والاجتماعية من شأنه أن يساهم في إنعاش نظام المعلومات الخاصة بمختلف المستويات الترابية ومن تنسيق جهود الشركاء وتوحيد إنتاج هذه المعلومات على المستوى الجهوي.

ويكمن ثاني المقومات في حصر الآليات المتوفرة من الناحية التنظيمية والمادية والبشرية المعتمد عليها في إعداد المخططات وتقييمها و تطويرها، علما أن جانبا من ضعف فعالية هذه الأخيرة يكون مصدره هو وضعية هذه الآليات، أو غيابها، وعلى الخصوص خليات التخطيط القطاعية.

أما ثالث هذه المقومات فيتجلى في إرساء الجانب العملي في ضرورة فسح المجال للمخططات الجهوية والمحلية ووضع الارتباطات اللازمة مع المخطط الوطني في الإعداد والتتبع، مع ما يستلزم ذلك من أساليب كعقود المخطط والتصنيف الملائم لتبويب برامج العمل والاعتمادات، إلى غير ذلك.

إن التخطيط الجهوي مطالب بأن يأخذ بنفس التوجهات الأساسية، وبنفس الأهداف الاستراتيجية الوطنية، على أن يتم تكييفها مع الخصوصيات المحلية. فالمقاربة هي نفسها في ما يتعلق بتقييم وتحديد السياسات القطاعية، وما بين القطاعات وبرامج العمل المزمع إنجازها. بيد أن الخصوصيات المؤسساتية للجهة تفرض مقاربة أكثر ملاءمة في ما يخص تهيئ ومساطر إعداد تنفيذ المخطط.

وبالتالي فإن على المقاربة الجديدة للتخطيط أن تأخذ بعين الاعتبار النواقص المحددة التي تمت ملاحظتها حين إعداد مخطط التنمية 2000-2004 والتي ترتبط على الخصوص بالإطار المؤسساتي الذي ينظم الهياكل اللامركزية واللاممركزة. فالمقاربة التي يتعين الأخذ بها يجب أن تحدد، أولا، طبيعة المشاريع المراد برمجتها ثم إنجازها، وذلك على صعيد كل مستوى ترابي. وعليها كذلك إعارة الاهتمام للعلاقات المطلوب التعامل بها مع الهيئات المركزية بغرض توافق أحسن بين البرامج. ويمكن أن يتم هذا التوافق بالاطلاع على كافة المشاريع المحلية والجهوية، وكذلك المشاريع التي لها طابع وطني والتي من المفروض أن تستشار الجماعات الترابية في شأنها. هذا الإخبار يعتبر ضروريا لكي يتمكن المخطط المحلي من أخذها في الحسبان عند البرمجة على المستوى الترابي.

ومن جهة أخرى، يشكل جانب التتبع والتقييم أبرز المرتكزات المعول عليها في المنهجية الجديدة للتخطيط، بما يضمن الصدى المطلوب لعمل التخطيط في تكوين المستقبل المنشود. وفضلا عن استكمال آلية التتبع التقليدية المنصبة أساسا على حالة إنجاز المشاريع، فإن من شأن التقييم أن يجيب عن ماهية الاختلالات في مجال السياسات المتبعة وطرق الإنجاز ونجاعة النهج المتبع عامة.

وإذا كان الاستشراف البعيد المدى يتم، على الخصوص، من أجل تأطير المخطط المرن المتوسط المدى مع إبراز الهدف النهائي، فإن الميزانية الاقتصادية تلعب دورا هاما من حيث التأطير الاقتصادي للموازنات المالية السنوية. كما تمكن من التتبع الماكرو اقتصادي لإنجاز البرامج المتعددة السنوات، وإدراج اختيارات الميزانية المدرجة في قانون المالية في المنظور الإستراتيجي للتنمية، وكذا ترجمة أعمال السياسة الاقتصادية المعتمدة إلى منظور ماكرو اقتصادي قصير الأمد. كما توضح الميزانية الاقتصادية كذلك لمتخذي القرار اختيارات السياسات الاقتصادية والاجتماعية وقياس تأثيراتها المحتملة.

وبالاعتماد على التشاور والتعاون والانسجام كانشغالات أساسية لأعمال التخطيط، يصبح المخطط إطارا موحدا يلعب دورا نشيطا في تعبئة مختلف الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين. وهكذا، فهو يقوم بدور الدافع لحركية التغيير على أساس تقوية الشراكة، واعتماد نهج التعاقد بين الفاعلين في إطار التدبير التنموي للجماعات المحلية. ويمكن تحديد التعاقد انطلاقا من التوجهات والأهداف المشتركة المنشودة، وعلى أساس مبادئ التكامل والتلاحم الاجتماعي والتوازن المجالي، ويعد تدخل الدولة في هذا الباب ضرورة ملحة لإنجاح هذه المنهجية.

كما ترتبط المقاربة الجديدة للتخطيط بشكل وثيق بالعامل البشري وإرادة المؤسسات الجهوية قي امتلاك آليات التنمية الترابية مقرونة بالدينامية والتعبئة المطلوبة. وفي جميع الحالات، يبقى دور الدولة متميزا فيما يتعلق بإنعاش ودعم التنمية الجهوية مباشرة أو عن طريق الإدارة اللاممركزة.

تعليقات