الجهة مشرع ومنفذ والحساب أمام القضاء المالي



مفاهيم الحكامة والديموقراطية التشاركية لم يتركها الدستور الجديد لحسن النوايا، بل صدقها بواقع مأسسة التدبيرالترابي التنموي المنبني على خيار الجهوية المتقدمة في التنمية، الاقتصاد والاستثمار، فكانت عناوين هذه الجهوية المتقدمة أن من يقود الجهة يجب أن يحصل على شرعية الانتخابات، ثم الاعتراف بالتمثيل الجهوي في مؤسسات القرار التشريعي، وتمكين الجهات من الوسائل، وجعل المجلس الجهوي للحسابات يتولى الرقابة على الحسابات المالية للجهات وباقي الجماعات الترابية

الجهوية أساس اللامركزية الترابية

الدستور الجديد ينهي مع وضعية الجهات في دستور 1996، فبالإعلان في الفصل الأول من دستور 2011على أن التنظيم الترابي تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، يظهر كيف ارتقى المشرع الدستور بالجهوية من واحدة من الجماعات إلى جانب العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، فالجهة وفق هذا التصور تحتل مواقع الصدارة داخل مؤسسات قرار الشأن المحلي.

تحديدا الأولوية للمجلس الجهوي تحت إشراف رئيسه، في إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعدادالتراب.

وفي تجربة الجهوية السابقة كثيرا مااشتكت الأحزاب محدودية سلطة القرار لدى المجالس الجهوية، واتهمتها بأنها مجرد غرف للتسجيل، وحتى مقرراتها تحت وصاية الولاة.هذا الوضع انتهى في الدستور الجديد، فرؤساء الجهات والجماعات الترابية الأخرى يتولون تنفيذ مقررات المجالس، وأن سلطات الإدارة الترابية لاتعدو أن تكون في الوضع الجديد سوى مساعد لهم في التنفيذ، ووحدهم من يتحمل المسؤولية السياسية لاختياراتهم أمام المواطنين في الانتخابات.

الجهة حاضرة في التشريع

يعلن الدستور الجديد عن تصور جديد لمفهوم الثنائية المجلسية، فمجلس النواب إذا كانت له الصدارة ، فمجلس المستشارين يقترب لأن يكون مجلسا لتمثيل الجهات.

التمثيل الجهوي داخل مجلس المستشارين الجديد سيختلف عن نظيره في دستور 1996، فالبرلمانيون المنتخبون من قبل الجهات في هذا الدستور، سرعان ما كانوا يفكون الارتباط مع الجهات، في ظل وضعيتهم البرلمانية التي تسوي بينهم في الاختصاصات والمهام مع زملائهم في مجلس النواب.

هذا التسوية في الاختصاصات والمهام وما كانت تطرحه من غموض، يريد لها الدستور أن تنتهي كيف ذلك؟ الجواب يمكن تلمسه في أن أي مشروع قانون يتعلق بالجماعات الترابية، وبالتنمية الجهوية سيودع داخل الغرفة الثانية، التي يمثل داخلها ممثلوا الجهات و الأقاليم والعمالات.

قيادة الجهات مرتبطة بالانتخابات المباشرة

في الخطاب المصاحب لتطوير المغرب لنظام الجهوية، برزت فكرة أن الجهوية المتقدمة هي تغيير عميق لهياكل الدولة، يظهر هذا في الشرعية التي على أساسها سيأتي رئيس المجلس الجهوي.

وفي ظل دستور 1996 والقانون المنظم للجهات لسنة 1997، تعالت أصوات الأحزاب والمنظمات النقابية تشتكي ضعف الأداء داخل المجلس الجهوي، وفي أحيان كثيرة ارتفعت الأصوات تطعن في سلامة الانتخابات الجهوية فأبواب الاقتراع العام غير المباشر. كانت تفتح أبوابا أخرى لسوق الانتخابات واستعمال المال للتأثير في قرار الناخبين الكبار.

سيضيق الخناق على الإفساد الانتخابي في هذا المستوى ، من خلال اعتماد الاقتراع العام المباشر لإفراز المجالس الجهوية داخل الدستور الجديد، في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات حول طبيعة النظام الانتخابي، وهل سيكون الاقتراع العام المباشر محددا أيضا لرئيس أم من يستطيع تشكيل الأغلبية سيقود المجلس الجهوي؟٠

التضامن والتعاون بين الجهات

تكررت في أكثر من مناسبة دعوات تجاوز التفاوت بين الجهات خاصة في الموارد، جواب الدستور عن هذا الإشكال، أن دستر إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي، يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنية التحتية الأساسية والتجهيزات، فالدستوريربط تطوير الجهوية والرقي بمكانتها داخل أسمى قانون بضرورة توفير الوسائل لتحقق الجهوية المطلوب منها، وهو التصدي لإشكال التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالجهات إلى جانب باقي الشركاء من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.

والجهات مدعوة حسب الدستور الجديد إلى التضامن فيما بينها، والأداة في ذلك هي صندوق التضامن، يحرص على التوزيع المتكافئ للموارد والتقليص من التفاوتات.

ويفتح الدستوربابا آخر للتعاون بين الجهات، في إنجاز بعض المشاريع إما بالاتفاق على ذلك، أو التعاون في الوسائل والبرامج٠

الجهة تحت رقابة مجلس الحسابات

الرقابة السياسية على المنتخبين داخل المجالس الجهوية، تزيدها الرقابة القضائية للمجلس الأعلى للحسابات مناعة في حماية المال العام من يد العابثين.

رؤساء المجالس الجهوية مع الدستور الجديد مثلما سيكون عليهم تقديم الحساب والحصيلة أمام الناخبين، سيكون عليهم تقديم كل الأدلة على نفقات ومداخيل الجهات، فالمجلس الأعلى للحسابات يعطيه الدستور أحقية تولي مراقبة حسابات الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى، وكيفية قيامها بشؤونها.

الأكثر من ذلك يد المجلس الأعلى للحسابات، عبر المجلس الجهوي للحسابات لن تقف عند حدود المراقبة، بل يمكنها توقيع العقاب عن كل إخلال بقواعد تدبير المالية العمومي من قبل رؤساء الجهات وباقي رؤساء الجماعات الترابية الأخرى.

تعليقات