في كتابه »العصر الجاهلي« حدد الدكتور شوقي ضيف معنى الصعلوك لغة بأنه الفقير الذي لايملك المال الذي يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة, مؤكداً أن هذه اللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية و أخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين
يقومون بعمليات السلب و النهب…. و يمكن تقسيم الصعاليك إلى فئات ثلاث:
1- فئة الخلعاء الشذاذ و هم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لاتتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي, و قيس الحدادية .
2- و فئة أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباءهم و لم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة ,وتأبط شراً ,والشنفرى
3- و فئة احترفت الصعلكة احترافاً وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك و قبيلتي هذيل وفهم .
وما يلفت النظر في أشعار هؤلاء الصعاليك ترديد صيحات الفقر و الجوع و الحرمان .. كما كانوا ناقمين و ثائرين على الأغنياء و الأشحاء , وامتازوا بالشجاعة و الصبر و قو ة البأس و المضاء, و سرعة العدو و قد ضرب بهم المثل في شدة العدو حتى قيل »أعدى من السليك « و »أعدى من الشنفرى«.
وكانت غاراتهم تتركز في المناطق الخصبة ,وترصد قوافل التجارة و قوافل الحجاج القاصدة مكة المكرمة ,وكثيراً ما تغنوا بكرمهم ,وبرهم بأقاربهم لأن ما يحصلون عليه كان يوزع على الأهل و الأقارب المحتاجين… كما اتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو و الشعور بالكرامة في الحياة وهذا ما نجده عند أبي خراش الهذلي القائل :
وإني لأثوي الجوع حتى يملني
فيذهب لم يدنس ثيابي و لاجرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهي
إذا الزاد أمسى للمز لج ذا طعم
أرد شجاع البطن قد تعلمينه
وأوثر غيري من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم و ذلة
وللموت خير من حياة على رغم
فهو الصابر على الجوح و يكفيه الماء الصافي بينما يصاب كل من حوله من أشحاء النفوس بتخمة الطعام, وإذا ما وجد الطعام فضل إطعامه لغيره و يعني هنا أولاده دون أن يمسه ,وكل ما يعمله من أجل ألا يوصم بالعار و المذلة .
و الحقيقة أن الصعلكة أخذت شكلاً إيجابياً رغم أنها قامت على السلب و النهب, لأن المقصد من هذا الفعل كان يرمي إلى إطعام الفقراء من أموال الأغنياء…وكأنهم يؤكدون أن للفقير حق في مال الغني.
ميزة أخرى غلبت على هؤلاء الصعاليك وهي عدم تعرضهم في غاراتهم و غزواتهم للأسياد الشرفاء ,وإنما للأغنياء الأشحاء ,وهذا المبدأ تمثله سيد الصعاليك عروة بن الورد.
كما عرف عن هؤلاء الصعاليك اعتزازهم بأنفسهم و هذا الاعتزاز نابع من مدى قناعتهم بالفعل الذي يقومون به , يقول الشنفرى:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
حتى أنه يفضل أن يستف التراب على أن يتفضل عليه إنسان لأنه يملك نفساً حرة أبية تأبى الضيم:
أديم مطال الجوع حتى أميته
وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل
و أستف ترب الأرض كي لايرى له علي من الطول امرؤ متطول
كما أنهم أضفوا على أنفسهم صفة الكرم إلى حد الافراط حتى أن » تأبط شراً«
لم يبق على شيء لغده :
يقول أهلكت مالاً لو قنعت به
من ثوب صدق ومن بز وإعلاق
عاذ لتي إن بعض اللوم معنفة
وهل متاع إن أبقيته باق
ونأتي إلى سيد الصعاليك »عروة بن الورد« العبسي… إذ كان أبوه من شجعان قبيلته و أشرافهم كما كان له دور البارز في حرب داحس و الغبراء …أما أمه فكانت من نهد من قضاعة و هي عشيرة وضيعة وهذا ما جعل شاعرنا يشعر بالعار و قد عبر عنه بقوله :
وما بي من عار إخال علمته سوى أن أخوالي إذا نسبوا »نهد«
ويبدو أن هذا العار الذي كان يحسه هو الذي دفعه إلى دروب الصعلكة و الثورة على الأغنياء …وشاعرنا لم يخلع من قبيلته كغيره من الشعراء الصعاليك و إنما ظل يحتل مكانة كبيرة فيها, وقد اتصفت صعلكته بكل جوانب المروءة و الإخاء و التعاون و التضامن الاجتماعي , إذ كان يغير على القوافل ليس بقصد السلب و النهب وإنما كان يغزو لإعانة الفقراء و المرضى و المحتاجين و المستضعفين من قبيلته وهؤلاء كانوا دوماً يصرخون بأعلى أصواتهم :» أغثنا يا أبا الصعاليك«
و لأنه لم يكن يغير إلا على الأغنياء الذين عرفوا بالشح و البخل و عدم مد يد المعونة إلى أحد و خاصة المحتاج لذلك اكتسبت صعلكته نبلاً أخلاقياً أكبر من الفروسية حتى أن عبد الملك بن مروان كان يقول: »من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد« و عروة هو القائل:
أفرق جسمي في جسوم كثيرة
و أحسو قراح الماء, والماء بارد
وهو الذي لايستطيع القعود عن الغزوات لأن عليه حقوقاً و واجبات يجب أن يؤديها إلى المحتاجين من قبيلته ,ونسائها المعوزات لهذا فهو يكره الصعلوك الخامل, بل يحب الصعلوك المشرق الوجه و فيه يقول :
ولله صعلوك صحيفة وجهه
كضوء شهاب القابس المتنور
مطلاً على أعدائه يزجرونه
بساحتهم زجر المنيح المشهر
وإن بعدوا لايأمنون اقترابه
تشوف أهل الغائب المتنظر
فذلك إن يلق المنية يلقها
حميداً و إن يستغن يوماً فأجدر
وهكذا نجد أن عروة بن الورد كان صعلوكاً شريفاً وشجاعاً ومقداماً و قد استطاع أن يجعل من الصعلكة ما رفعها إلى درجة المروءة و السيادة لأن الغرض منها كان نداءً يدعو للتضامن و التكافل الاجتماعي الذي يراد منه في النهاية الخير للجميع وخاصة الناس المعوزين من الأهل و الأقارب…بل هي تأكيد بأن للفقراء حق في مال الأغنياء
المصادر:
- العصر الجاهلي - د.شوقي ضيف
- تاريخ الأدب العربي - حنا الفاخوري
الصعاليك اسم يطلق على جماعة من العرب في عصر ما قبل الإسلام عاشوا واطلقوا حركتهم في نجد وسط الجزيرة العربية ويعودون لقبائل مختلفة، كانوا لا يعترفون بسلطة القبيلة وواجباتها (خارجون عن القانون : بالوصف المعاصر)، فطردوا من قبائلهم. ومعظم أفراد هذه الجماعة، من الشعراء المجيدين وقصائدهم تعدّ من عيون الشعر العربي.
امتهن الصعاليك غزو القبائل بقصد الاخذ من الاغنياء وإعطاء المنبوذين أو الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر في شكله المتمرد.
واصطبغت أدبيات الصعاليك برؤيتهم عن الحياة فجاءت معظم قصائدهم تحكي عن شجاعتهم وقدرتهم وتحديهم للمجتمع. وشعرهم يمتاز بقوة العاطفة وسعة الخيال وفيه من الحكمة الشيء الكثير.
ومن مميزات شعرهم الخلو من المقدمات الطللية فكانوا أول من كسر بنية القصيدة الجاهلية كما خلا شعرهم من المدح والطول فانتهجوا شعرا جديدا.
من أشهر الصعاليك
- شضاض الضبي التميمي ويضرب فيه المثل في ذلك وقالت العرب : ألص من شضاض:
- أبو خراش الهذلي: واسمه خويلد بن مرة.أشهر صعاليك هذيل شاعرٌ فحلٌ مخضرم أدرك الإسلام فأسلم وحسن إسلامه.قضى طرفاً كبيرا ًمن حياته قبل الإسلام ثائراً بدم إخوته بني لُبنى.توفي في خلافة عمر من لدغة حية.
- عروة بن الورد:، اشهرهم على الإطلاق وكان سيداً لهم يلجأون له وقت الحاجة. مات عام 596 م.
- السليك بن السلكة:، من بني مقاعس من سعد بن زيد مناة من تميم، توفي نحو 605 م؟
- تأبط شراً: قدرت وفاته بين عامي 530 م و535 م.
- الأُحَيمِر السَعدي: من بني تميم. شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، كان لصاً فاتكاً مارداً، من أهل بادية الشام.وهو صاحب البيت السائر على كل لسان : عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذْ عَوى *** وَصَـوَّتَ إِنـسـانٌ فَـكِـدتُ أَطـيرُ.
- الشنفرى الأزدي:، وهو ثابت بن أوس الأزدي، توفي نحو 525 م أي قبل الهجرة.
- مالك بن الريب المازني التميمي: وهو أول من رثى نفسه في الإسلام وكان من أشهرهم وله في خراسان راوايات كثيرة وتوفي في مرو.
- الحارث بن ظالم المري:، توفي نحو 600 م.
- عُبَيد بن أَيوب العَنبَري: من بني العنبر بن عمرو بن تميم، من شعراء العصر الأموي، كان لصاً حاذقاً، أباح السلطان دمه، وبرئ منه قومه، فهرب في مجاهل الأرض، واستصحب الوحوش ومن سائر شعره البيت : لَقَد خِفتُ حَتَّى لَو تَمُرُّ حَمامَةٌ *** لَـقُلتُ عَدُوٌّ أَو طَليعَةُ مَعشَرِ.
- محمد أبوغلم: من تينزرت، معاصر.
- حاجز بن عوف الأزدي:، توفي قبيل الإسلام بفترة قصيرة.
- الأطيلس الأعسر البقمي: وكان من العدائين.
- أبو منازل السعدي:، وهو فرعان بن الأعرف من بني تميم، قيل توفي في خلافة عمر بن الخطاب.
- الخطيم بن نويرة العبشمي: من عكل من الرباب من تميم. شاعر أموي، من سكان البادية، وأحد لصوصها، أدرك جريراً والفرزدق ولم يلقهما، وهو من أهل الدهماء وحركته فيما بين اليمامة وهجر.
- القتال الكلابي: من بني عامر بن صعصعة، توفي نحو 66 هـ.
- فضالة بن شريك الأسدي:، توفي عام 64 هـ.
- صخر الغي: من هذيل، توفي في صدر الإسلام.
- الأعلم الهذلي:، وهو حبيب بن عبد الله الهذلي، وهو أخو الشاعر الصعلوك صخر الغي، وقد عاش حتى عصر صدر الإسلام.
- مسعود بن خرشة: من بني حرقوص بن مازن، من تميم. شاعر بدوي إسلامي، أحد صعاليك بني تميم
- أبو الطمحان القيني.
- أبو النشناش النهشلي الدارمي التميمي: وهو شاعر مجيد ومن شعره : ولم أرَ مثلَ الفقرِ ضاجعَهُ الفتى *** ولا كسواد الليلِ أخفقَ طالبُهْ
تعليقات
إرسال تعليق