الرُومَانْسِيَّةُ في شِـعْرِ السَّــيَّاب

في البداية ودون الوقوف طويلاً عند الرومانسية ومعناها ونشأتها وتطورها لابدَّ من الإشارة إلى أن الرومانسية الأوربية حركة ثقافية سادت الحياة الأوربية قرابة قرن من الزمان بين القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، واحتلت حقولَ الفلسفة والدين والأدب والموسيقى والفن ، واتسمت بردِّ فعل قوي ضد الكلاسيكية الجديدة .

والرومانسيةُ باختصار تهدف إلى " رؤية الفرد محوراً للحياة ولكلِّ التجارب، لذا تضعه محوراً للفن ، وتولي اهتماماً كبيراً للأدب باعتباره تعبيراً عن مشاعره الفردية ومواقفه الخاصة ، كما تولي أهميّةً فائقة للوظيفة الإبداعية للخيال معتبرةً الفنَّ صيغة لإدراكات الخيال لحدسي ، وتعتبر الطبيعة ثورة الحقيقة ، إنها ( الرداءُ الحيُّ للربِّ ) ، مستخدمة الطبيعة والأماكن العامة البسيطة كمواد أولية للعمل الإبداعي . كما أنها تبحث دائماً عن المطلق . عن المثال، وتجاوز الواقع حتى في علاقات الحب ( انظر Holman. p468 ). أما بالمعنى الشكلي للأدب فالرومانسية تتصف "بالتخلي عن الشعر الملحمي لصالح الشعر المرسل وعدد من الأشكال الشعرية التجريبية ، وهجر الأسلوب التقليدي لصالح لغة حيّة ومفردات جريئة.. إن أكثر الأشكال المحببة للرومانسي هو الشعر الغنائي" (Holman. p469 ).

إن للرومانسية مفاهيمها الخاصة عن الشعر وطبيعة الخيال الشعري، ولها نظرة خاصة للطبيعة وعلاقتها بالإنسان ، ولها إسلوبها الشعري المتميز بطريقة خاصة في استخدام الصور والرموز والأساطير التي تختلف عن طريقة كلاسية القرن الثامن عشر ( انظر Wellek. P171). على أنه يجب الإشارة إلى أن هناك اختلافات بين الرومانسيين لدرجة أن الناقد الكبير لفجوي (Lovejoy) يرى أن كلمة رومانسي أصبحت تعني أشياء كثيرة لدرجة أنها نفسها توقفت عن أداء دلالتها اللفظية ، وإننا يجب ألاّ نتكلم عن الرومانسية بل عن الرومانسيات .. ( انظر ضياء الصديقي، الأصل والبداية ص )( انظر Forst. p1) ، نظراً لتشعب الحركات الرومانسية في اوربا واختلافها بشكل كبير، فالرومانسية الألمانية على سبيل المثال اتجهت نحو الماضي والقرون الوسطى أكثر من الرومانسية البريطانية التي اهتمت أكثر في البحث عن الطبيعة الجوهرية للإلهام الإنساني .

أما في الأدب العربي فقد استخدم المصطلح بشكل غير دقيق ، فاختلط مفهوم الرومانسية كمذهب أدبي له أسسه الفلسفية والفنية ببعض مميزاتها . فقد اعتمد البعض الذاتية وحدها للتمييز بين الرومانسية والمذاهب الأدبية الأخرى ، في حين أهملوا الكثير من مميزاتها النفسية والفنية الملازمة لها ، فعدّوا الرومانسية مدرسة الأدب العربي . والمستشرق هملتون جب الذي وصف الأب العربي القديم والفارسي على أنه أدب رومانسي ، وقع في سوء تفسير المصطلح ، إذ استخدم كلمة (رومانسي) ليشير إلى الأشكال الأدبية القريبة من الأدب الرومانسي للعصور الوسطى في أوروبا أكثر منه للشعر الرومانسي الأوروبي للقرن التاسع عشر ( انظر( Hazaltain. P45.

ورغم أننا نجد بعض العناصر الرومانسية في الشعر العربي القديم مثل الخيال الشعري المُشرق في شعر ابن الرومي، والغنائية المؤطرة بالحب في شعر أبي فراس الحمداني على سبيل المثال ، بل حتى بالنسبة للشعراء الصوفيين ، لكننا لا نستطيع أن نصفهم بالرومانسية بالمعنى الحديث للكلمة (Hazaltain p46 ) .

والحقيقة أننا لا نستطيع أن نجد (مدرسةً رومانسية واضحة المعالم إلاّ في العصر الحديث ومؤسسها جبران خليل جبران ، كان رومانسيا إلى أطراف أصابعه على حد تعبير د/إحسان عباس وصورةً لا تفترق في شيء عن شعراء الرومانسية بفرنسا وإنجلترا ( انظر إحسان عباس. فن الشعر، ص45 ).

هذه المدرسة الرومانسية في أدبنا العربي الحديث كانت وليدة عوامل كثيرة اجتماعية وسياسية وثقافية تضافرت على خلقها، وأخصها فترة ما بين الحربين ، وليس هنا مجال الإفاضة في ذكر تلك العوامل والظروف التي ساهمت في خلق المدرسة الرومانسية في الأدب العربي الحديث ، بل ننتقل مباشرة إلى جيل السياب والسياب نفسه.

ويجب الإشارة في البداية إلى أن جيل السياب من الشعراء العرب الشباب آنذاك حين بدأوا بالكتابة في الأربعينات من هذا القرن كانوا واقعين تحت تأثير عدد من الشعراء والجماعات الشعرية للجيل السابق ، الذين كانوا يقودون حركة التجديد في الشعر العربي الحديث ، مستهدين بالنظريات النقدية للمدرسة الرومانسية الأوربية بنسب متفاوتة ، ونخص بالذكر إسهامات خليل مطران التجديدية شعراً ونثراً ، والآراء النقدية لمدرسة الديوان ، وإسهامات شعراء المهجر (جبران ونعيمة وأبي ماضي ) على وجه الخصوص ، ثم شعر أبي القاسم الشابي ، والياس أبي شبكة، وأخيراً شعر ونقد مدرسة أبولو (أحمد زكي أبي شادي ، وعلي محمود طه ، وإبراهيم ناجي ) ، يضاف إلى ذلك إطلاعهم على الأدب الغربي سواء بشكل مباشر أو من خلال الترجمات، رغم أنهم كانوا متأثرين بأعمال الشعراء العرب الرومانسيين أكثر من تأثرهم بالترجمات من الآداب الأوربية ، إلاّ أننا لا نقلل من تأثير تلك الترجمات . إضافة إلى الظروف السياسية والاجتماعية المضطربة في العالم العربي عموماً وفي العراق خاصة . كل تلك العوامل كان لها تأثيرها بلاشك في الاتجاه الرومانسي الذي ساد الشعر العرب في تلك الفترة . يضاف إلى ذلك - بالنسبة للسياب - ظروفه الخاصة وحياته المضطربة.

رومانسية السياب

لتلمس الرومانسية في شعر السياب ، سنعمد إلى تقسيم دواوينه الشعرية إلى ثلاث مراحل : مرحلة قصائده المبكرة، ومرحلة أُنشودة المطر ، ومرحلة دواوينه الأخيرة.

في قصائده المبكرة كان السياب يكتب في موضوعات خاصة مثل الطبيعة، جمال المرأة وعذرها، الإخفاق في الحب ومعاناته، الحنين إلى الأيام السعيدة الغابرة ، الشك في الوجود، مشاعر الغربة. وكل هذه الموضوعات عولجت ضمن التقليد الرومانسي ، غير أنه وإن كان متأثراً إلى حد بعيد بعلي محمود طه ، وإبراهيم ناجي وأبي شبكة على وجه الخصوص ، وبعض الشعراء الرومانسيين الإنجليز ـ لم يكن مجرد ناسخ أو مقلد لأدب الآخرين ، بل استطاع التعبير عن ذاته إلى حد ما .

كان السياب شغوفاً بالطبيعة حوله وسط غابات النخيل في البصرة ، وكانت حياته حياة الراعي والمزارع والقروي ، لذا نواجَه في ديوانه الأول ( بواكير ) بأوصاف الريف ، أو بالأحرى بالحياة القروية المثالية :

فتلك رسومُ الريفِ تحيا بخاطري كما عاش في الأوتارِ أنغامُ ساحرِ

وتلك الحقولُ الزُهرُ تنسلُّ بينها جـداولُ مـاءٍ بين وانٍ و فاترِ

عليها جسورٌ من جذوعِ نخيلِها تـئـنُّ وتشكو تحت أقدامِ عابرِ ( الديوان ج2 ص119 )

كانت الطبيعة ملجأَ السياب الشاب ، ركناً هادئاً بعيداً عن المنغصات ، وعن المدينة ، وعن الحياة عموماً ، فعطر الريف وخضرته تجعل الساعات تمرُّ بطمأنينة وأمان . بل أنه - وعلى طريقة الرومانسيين يرى اللهَ في

الطبيعة ، ويراها مصدراً للإلهام ، ففي قصيدة الوردة المنثورة ( من وحي وردة نثرتها حسناء ) يقول :

اعولي يا قياثـرَ الشـعراءِ في سكون الدجى وصمتِ المساءِ

وردةٌ أغمضَ المساءُ عليها طرفَـه وهي في ثيابِ الـرواءِ

واستفاقَ الصباحُ يبحثُ في الوديانِ عنها وفي خدورِ النساءِ

فرآهـا بكفِّ عذراءَ أزهى من جناحِ الفراشـةِ البيضـاءِ ( الديوان ج2 ص 169 )

والحقيقة أن السياب كان يعبِّر عن مشاعره وتجاربه الخاصة من خلال شعر الطبيعة التي يتخذها وسيلة لنقل أفكاره وردود فعله إزاء العالم ، ذلك العالم الذي يشعر فيه بالوحدة والغربة، فامتلأ شعره بمعاني الاانتماء والتشاؤم والغربة ، لأنه عالم لا يجد فيه السياب استقراراً وعدالة وتكافؤاً ، بل يرى أن القدر نفسه لا يتعامل معه بعدالة ، لذا يؤثر الهروب على طريقة الرومانسيين من المجتمع الذي لا يفهمه :

أخلدتْ روحي السؤومُ إلى الوحدةِ والقلبُ للأسـى والعنـاءِ

فطلبتُ القفارَ أنسـى بـها الناسَ و أخلو بأدمعي و شـقائي ( الديوان ج2 ص 199 )

غير أن التعبير الأكثر ذاتيةً وفرديةً في إنتاجه المبكر ، كان في معالجته للحب والمرأة. فالحب في هذه الفترة كما هو خلال حياته محور وجود السياب، القادر على تغيير منزلته، بل والعالم نفسه، وهو مصدر الإلهام والفن الذي تبدو حياته مستحيلة بدونه :

ولولا خيالٌ في الدجى منكِ عادني لذابَ مع الأنفاسِ قلبٌ بأضلعي

فيا نفحـةٌ للحبِّ ملءَ جوانحي و يا نبأةٌ للوحي طافتْ بمسمعي ( الديوان ج2 ص115 )

لكن هذه المثالية لم تصرف السياب عن الحقائق المرة للحياة ، فتجاربه الاستكشافية في الحب علمته الفراق وخيبة الأمل والإحباط ، بل والتلهف على التحرر من وهم الحب ، لذا صبَّ جام غضبه على حواء التي وصفت كغاوية تخدع الرجال ، وتتمتع في تحطيم قلوبهم ، مما أدى به إلى طلب الثأر ليس من محبوبته الغادرة فقط ، بل من كل جنس المرأة :

حتى غدوتُ وما أرى امرأةً إلاّ وثارَ الحقـدُ يضـطرمُ

لي عند كلِّ جميلـةٍ تِـرَةٌ فمتى، وأين، وكيف أنتقمُ ( الديوان ج2 ص 327 )

وتظل المرأة عند السياب في هذه المرحلة تتراوح بين طرفين ، الملاك و الشيطان ؛ بين ملاك يطهر القلوب ويصقل العواطف ويشحذ الوعي ، و شيطان غاو، وفتنة ضالة تقود الرجال إلى الضياع ، وهو بذلك يقع تحت تأثير الشعر الرومانسي ، وبخاصة شعراء مثل علي محمود طه ، وأبي شبكة اللذين يتلذذان بالمتع والآم على مستوى واحد .

وإذ استمر السياب في ديوانه الثاني ( أزهار ذابلة ) في النفس الرومانسي ، يتحدث عن شكوكه ورغباته وحبه وأوهامه ، وجمال الطبيعة ، ومشاعر الغربة ، لكن مع شيء من التطور ، فالطبيعة ظلت ريفية أساساً مع رغبة متزايدة للاقتراب منها بأقل ما يمكن من الزخرفة البلاغية رغم أن بعضا من آثار الرومانسية الضعيفة لازالت تسري في هذا الديوان . هنا تدخل المدينة وشرورها لتلقي ظلالها على ريفه البسيط الجميل ، فالمدينة الجامدة القاتمة الكئيبة يشعر الغريب فيها بالضياع . ويظل يشتاق ويحلم ببيئته الجنوبية الجميلة ، بخضرتها المورقة ولياليها المقمرة الآمنة :

ـ حقلٌ تموجُ به السنابِلُ تحتَ أضواءِ الغروب

تتجمعُ الغربانُ فيه ـ

تَلْقَيْنَ ضوءَك في ارتخاءٍ مثلَ أوراقِ الخريف :

نَقْرُ ( الدرابكِ ) من بعيد

يتهامسُ السعفُ الثقيلُ به ، ويَصْمُتُ من جديد ( الديوان ج1 ص 24 )

أما الحب ومشاعره تجاه المرأة فلم يطغ عليه حتى الآن اهتمامات أخرى ، رغم تطور أسلوبه من المباشر إلى غير المباشر، فهو لا يزال مهتما بتجاربه في الحب ، ولا زالت المرأة مصدر أشعاره الحزينة ، ولا زال يسألها أن تمنحه الراحة والأمان ، وهي المخلوق المثالي القادرة على التفوق حتى على الطبيعة وجمالها . وظل السياب يبحث عن المرأة المثال ، متجولا بين الأماكن يفتش عنها لأنها قدره ، وهي مثله تعاني ألم الوحدة والشوق والانتظار ، لأن الحب -في رأي السياب توحد بين قلبين ، لا يمكن أن يموت مهما تغيرت العاطفة وبهتت مع الزمن :

وهياتَ ، أنَّ الهوى لن يموت ولكنَّ بعض الهوى يأفـلُ

كما تأفلُ الأنجمُ الساهرات كما يغربُ الناظرُ المسبلُ ( الديوان ج1 ص 16 )

ولا زال مهتماً بنهاية الحب وفراق الحبيبين ـ والذي يجد فيه الشاعر متعة ـ على شاكلة الرومانسيين أكثر من تحقيق الحب ، لذا نراه ينذر محبوبته أنه لن يعود إليها إذا ما تركته ، ويشعر بالمرارة من جراء تعاملها القاسي معه ، حتى تركته متحيراً إن كان حبها حقيقياً أم مجرد عاطفة باهتة :

هل تسمّين الذي ألقى هياما؟

أم جنوناً بالأماني أم غراما ؟

ما يكونُ الحبُ؟ نوحاً وابتساما

أم خفوق الأضلع الحرّي، إذا حان التلاقي (الديوان ج1 ص101)

وظل التعبير عن شعوره بالوحدة قائماً، وتبلور أكثر في هذا الديوان من خلال إقامته في بغداد ، فبدا أكثر حقيقة، لذا عاذ بالماضي حيث حياته القروية البسيطة الوادعة ، متمنياً لو استرجع تلك الحياة ، رغم أنه يعرف أن ذكريات الماضي لايمكن أن تعيد حبه ومتعته الضائعة :

وننسى على قمةِ السلم

هوانا .. فلا تحلمي

بانّا نعود (الديوان ج1 ص55)

لا شك أن الظلال السلبية للرومانسية التي سادت الرومانسية العربية لتلك الفترة ظلت عالقة في قلبه ، وسيطرت على شعره في هذا الديوان كما في ديوانه بواكير، مع بعض الاختلافات في الإسلوب بين الديوانين، ففي بواكير وبالأخص قصائده الريفية التي غالباً ما تتخللها المحبوبة ، كان يعتمد على الصور المجازية، وكانت صوراً جميلة وجذابة وجيدة إلى حد ما ، حيث استحضار الأزهار والنخيل والمروج الخضراء وتقوم أساساً على رسم لوحات تشكيلية ، يلعب فيها التشبيه ـ طريقته المفضلة ـ دوراً أكبر من الاستعارة، ويحاول انتقاء الأسلوب بعناية بشكل لا يشابه الرومانسيين العرب ، وقليلاً ما يلجأ إلى التشخيص ، لكنه يوفق فيه حين يستخدمه. ففي قصيدة (على الرابية ) على سبيل المثال يعطي الليل قدرة الكلام والحوار ، فيحاوره على طريقة (قلت ، فقال) :

شكوتُ إلى الليلِ جورَ الحياةِ فأرتدَّ يشكو أذاها ليه

فقال : وإني أسيرٌ وتلك النجومُ المضيئاتُ أغلا ليه (الديوان ج2 ص98)

ضافة إلى استخدامه القصيدة السردية، والمونولوج، وإدارة الحوار الذي غلب عليه الصور البلاغية أكثر من كونه حواراً بين شخصين . أما بالنسبة للشكل الشعري، فظل يتبع الأسلوب التقليدي للقصيدة، ذي الشطرين والقافية الموحدة في قصائده الطويلة، وتنوع القوافي والتفعيلات في مقطوعاته، مما يعطي استنتاجاً مبكراً أن السياب بدأ يبحث عن أشكال شعرية جديدة أكثر ملائمة لتعبيره الفني ، وأكثر التصاقاً بتجاربه، وتجارب العرب عموماً ، حتى جاء ديوان (أزهار ذابلة) حيث اخترق الأرض الجديدة فكراً وأسلوبا . في الديوان الثاني اعتمد أكثر على الأسلوب الذاتي وعلى (تداعي الأفكار والصور ) الذي يعتمد على الأسلوب الدقيق والقدرة على إثارة ذهن القارئ من خلال المعنى والإيقاع أكثر من نشر الصور البلاغية التي اتسم به ديوانه الأول (بواكير ) ، صوره الآن متطورة في نوعيتها مؤثرة ومثيرة في آن واحد ، كالصورة التالية على سبيل المثال :

عيناكِ أم غاب ينام على وسائدَ من ظلال ؟

ساجٍ تلثّمَ بالسكونِ فلا حفيفٌ ولاانثيال

إلاّ صدىً واهٍ يسيلُ على قيا ثرَ في الخيال (الديوان ج1 ص64 )

وإذا كان السياب يعبر عن مشاعره في البواكير بواسطة التشبيهات ، فإنه هنا تبدو قدرته على تهيئة الجو والخلفية لكامل القصيدة ، يشكل وزنه وألفاظه وصوره ليعبر حقيقة عن عواطفه وتجاربه كما في مقدمة القصيدة ( اتبعيني ) إذ يقول : اتبعيني

فالضحى رانت به الذكرى على شطٍ بعيد

حالم الأغوار بالنجم الوحيد

وشراع يتوارى ، و(اتبعيني)

همسة في الزقة الوسنى . ظلُّ

من جناح يضمحلُّ

في بقايا ناعساتٍ من سكون (الديوان ج1 ص 38)

في (أساطير) كان السياب يتقدم ببطئ نحو أسلوب جديد قادرٍ على التعبير عن أفكاره التي التزمها مثل موضوعية حياة المدينة ، الإخفاق في الحب وتأثيره ، الحنين إلى الأيام السعيدة في الجنوب ، من خلال الشكل الشعري الجديد المسمى ( الشعر الحر ) والذي استطاع أن ينقل به كلَّ مشاعره وأخيلته وصوره ، وأصبح أكثر نضارة حين حوّل اهتماماته خارج نفسه إلى الحالة في العراق والعالم العربي ، والقضايا الاجتماعية والسياسة المؤثرة في المجتمع وفي الإنسان خلال سنوات ما بعد الحرب.

المرحلة الثانية، مرحلة ( أنشودة المطر) توصف عادةً بالمرحلة الواقعية، أو المرحلة الملتزمة ، أو التموزية ، وغيرها من الصيغ كمقابل لبداياته الرومانسية، والحقيقة أن هذه الصيغ اهتمت بالفكرة وتجاهلت أن الرومانسية لا تقتصر على محتوى دقيق محدد ، فالشاعر الإنجليزي (شيلي) مثلا في (برومثيوس طليقاً ) لم يكتب شعراً في الحنين إلى الماضي، أو الحب الضائع أو الريف المثالي ، بل كانت ملحمة نمت انفعالياً، تحمل معتقدات أخلاقية وفلسفية ( انظر Hazaltain p274). وعلى نفس الشاكلة يجب ألا ينظر إلى قصائد السياب (حفار القبور ) و(المومس العمياء ) و(أنشودة المطر ) على أنها خارج التقاليد الرومانسية .

لا شك أن التغيرات السريعة في العراق والعام العربي في فترة ما بعد الحرب سياسياً واجتماعيا، والدعوة إلى الاستقلال الكامل ، ثم حرب 1948 ، ثم الثورات السياسية في العالم العربي وغيرها من الأحداث ، مع تزايد الدعوة إلى الأدب الملتزم الذي يهتم بالقضايا الوطنية والاجتماعية ، وانتشار الترجمات من الشعر والنقد الغربي وبالأخص ت.س. اليوت. كل تلك العوامل كانت ذات أثر على الشعراء الشباب حينذاك وتجديدهم الشعري شكلاً ومحتوى ، فحولوا نظرهم عن ذاتية الفترة الماضية باتجاه الأفكار الجديدة الملتزمة، محاولين تجريب مذاهب أدبية غربية جديدة كالرمزية والسريالية.

والسياب رغم أنه تأثر باليوت واديث ستول مركزاً اهتمامه على المميزات الرمزية في أعمالها ، لكنه ظل يعتمد بشكل خاص على تجاربه الخاصة ورؤيته الخاصة للعالم والقضايا التي يواجهه. لاشك أنه كان ملتزما بقضايا أمته وقضايا الإنسان وكتب قصائد سياسية واجتماعية قبل وبعد (أنشودة المطر) . وبالأخص أنه كان يمرُّ بفترة التزام أيدلوجي، وتورط في القضايا السياسية بشكل مباشر، أفقده عمله كما هو معروف .

في محاولة لتفحص هذه المرحلة نجد أن الشكوى من المحبوبات سابقاً موضوع قد ولّى، وحل محله النساء اللائي يساء معاملتهن من قبل المجتمع أو القدر. في ديوان (أنشودة المطر ) هناك قصيدة تقترب من قصائد الحب وهي (عرس في القرية) ، هجوم على المجتمع الذي يشجع النساء على الزواج لمنافع مادية ، ويتضح في القصيدة بعض خصائص التقاليد الرومانسية العربية الحديثة، فالعروس ابنة الريف الفقيرة والتي سيقفر الريف حين تغيب عنه ، وزواجها من الثري الغريب يحمل الموت للحب القديم لأنها بيعت من أجل حفنة من الذهب :

يا رفاقي، سترنو إلينا نوار

من علٍ في احتقار

زهّدتها بنا حفنةٌ من نضار

خاتمٍ أو سوار ، وقصرٌ مشيد من عظام العبيد

وهي، يا ربِ، من هؤلاءِ العبيد (الديوان ج ص345)

بينما يستخدم السياب المرأة بشكل متميز في (المومس العمياء) و (حفار القبور) : المرأة الإنسانة _ ويبدو السياب مهتما بوضع المرأة في المجتمع العربي ففي (المومس العمياء) يتساءل لماذا توضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل ، بغايا أو إماء أو خادمات يستبيح عفافهن المترفون. ويكتشف الظلم الواقع على المرأة من خلال سرد قصة (سليمة) ابنة الفلاح الفقير الذي قتل بتهمة السرقة فتركت بلا حماية، فاغتصبها الجنود ، وراحت تبحث عن طفولتها من خلال الدعارة ، وحرمت من الزواج لذنب لم ترتكبه. كانت شابة جميلة تحلم بالحياة المثالية في قصر الأمير ، تطعم العسل الصافي وترتدي كسل الحرير ، لكنها فقدت جمالها حين أدركها الشيب . عمياء تنتقل من مكان إلى آخر تبحث عن الزبائن بشكل يثير الشفقة، والسياب يحاول استبطان نفسية الشخصية التي خلقها، فحين يصور المشهد الذي تحاول فيه تشجيع الرجال على مضاجعتها_ على سبيل المثال _ ناسية عمرها المتقدم، يعيدها فجأة من خلال سعالها إلى واقعها القاسي :

أنا زهرةُ المستنقعات ، أعبُّ من وحلٍ وطين

وأشعُّ لونَ ضحىً."

وذكَّرَها بجعجعةِ السنين

سُعالُها. ذَهَبَ الشباب !!

ذهبَ الشبابُ!! فشَيِّعِيهِ مع السنين الأربعين

ومع الرجالِ العابرين حَيالَ بابِك هازئين (الديوان ج 1 ص537_538)

لذا نراه يقف معها في رغبتها للانتقام من الرجال . وهو لا يشجب البغايا بسبب مهنتهن بل ينظر لهن كضحايا أكثر منهن منحرفات، ولا يقصر التأكيد على قدر الإنسان في هذه القضية، بل يؤكد ظلم المجتمع حيث الأغنياء فيه هم مقياس العدالة:

كلُّ الرجالِ؟ وأهلُ قريتِها؟ أليسوا طيبين؟

كانوا جياعاً_ مثلَها هي وأبيها _ بائسين

هم مثلُها _ وهمُ الرجال_ ومثلُ آلافِ البغايا

بالخُبزِ والأطمارِ يؤتَجَرون ، والجسدُ المهين

هو كلُّ ما يتملكون ، وهم الخطاةُ بلا خطايا (الديوان ج1 ص528)

ورغم أن هدف السياب في هذه القصيدة_ ظاهريا _ هو مناقشة وضع المرأة في المجتمع، البغي التي سرعان ما أصبحت امرأة بائسة جائعة ، مثال نموذجي للحساسية الرومانسية، لكن للقضية بعداً آخر ، فالمعاملة الجائرة لجنس المرأة ، يمكن أن توحي بالعراق أو أي قطر عربي ، الذي مُنح الاستقلال ظاهريا، بينما أُرغم على دور آخر وفق رغبات الدول العظمى، وهذا يقود إلى التوازي بين البغي والوطن، حتى نصل إلى نقطة يتصل فيها الخطان، حلم الفتاة الشابة بالسعادة يصبح شوق العراق للاستقلال والتقدم والثراء.

وسأضرب صفحا عن بغي حفار القبور ، لأنتقل إلى الطبيعة التي كانت مثل الجنس احتفظت بعدد من مميزاتها الرومانسية المبكرة في ديوان أنشودة المطر، لكنها خضعت لتغيير مذهل ، ورغم أنها استمرت في صورتها المثالية ، إلا أنها أصبحت أكثر صفاء وعمقا ، واقتربت لتكون رمزا تحمل أفكار ومشاعر الشاعر، حتى صارت جزءا مكملا لأية قصيدة، تنهار القصيدة بدونها، علاوة على ذلك أن الشاعر ربط الطبيعة بكل مثاليانها بآماله للمستقبل الزاهر لوطنه:

سيفيضُ البيدرُ بالقمحِ

والجرنُ سيضحكُ للصبحِ

والقريةُ داراً عن دارِ

تتماوجُ أنغاماً حلوة

والشيخُ ينامُ على الربوة

والنخلُ يوسوسُ أسراري

جيكورُ ستولد (الديوان ج1 ص411_412 )

لذا استخدمت الطبيعة كرمز للخصوبة الشاملة ، مادية وروحية، ومع ذلك ظلت طبيعة حقيقية صافية آسرة وواعدة بمستقبل أفضل مرة، ويستخدمها سلبيا للإشارة إلى الجدب والعقم مرة أخرى كما في قصيدة (مدينة السندباد) ، ويستخدمها مرة ثالثة للتعبير عن الألم والغضب والإحباط كما في ( تموز جيكور) . كما تستمر الطبيعة وسيلة يعبر الشاعر فيها عن أشواقه لعائلته ولجيكور، ويحكي من خلالها عن ذكرياته التي لايمكن أن ينساها رغم حياته في العاصمة ، فهي المأوى والملجأ بعيدا عن المدينة المتعِبة، كما في قصيدة ( مرحى غيلان )

جيكورُ من شفتيكَ تولد، من دمائِكَ، في دمائي

فتُحيلُ أعمدةَ المدينةِ

أشجارَ توتٍ في الربيع. ومن شوارعِها الحزينة

تَتَفجَّرُ الأنهارُ، أسمعُ من شوارعِها الحزينة

ورقَ البراعمِ وهو يكبرُ أو يمصُّ ندى الصباح (الديوان ج1 ص326)

كما ترتبط الطبيعة عنده بحنينه للطفولة ولأُمه الراحلة. وغالبا ما يؤدي تأمله في الطبيعة إلى انثيال الأفكار والصور كما في قصيدة (غريب على الخليج) حيث شجعته الطبيعة على تذكر عمته التي اعتادت أن تحكي لهم قصص الأطفال:

أفتذكرينَ؟ أتذكرين؟

سعداءَ كنا قانعين

بذلكَ القصصِ الحزين لأنه قصصُ النساء

حشدٌ من الحيواتِ والأزمانِ كنا عنفوانَه

كنا مَدارَيْه اللذين بينهما كيانَه (الديوان ج1 ص319)

ولعل حنينه للماضي في هذه القصيدة ينبع من مشاعره الحقيقية في الغربة، في وضع رومانسي بعيداً عن بيته وأهله في بيئة غريبة في الكويت. وحتى في قصيدة (جيكور والمدينة) يجد نفسه مطروداً عن قريته من قبل قوى غير طبيعية وقفت حائلاً بينه وبين عائلته:

جيكورُ ، من غلّقَ الدورَ فيها_ وجاء ابنُها يطرقُ البابَ _ دونَه؟

ومن حوَّلَ الدربَ عنها فمن حيثُ دارَ اشرأبتْ إليه المدينة ؟ (الديوان ج1 ص416)

على أن جيكور تصبح صورة مصغرة للعراق، ورغبته في العودة إليها هي في الحقيقة أمله في مستقبل العراق، وولادتها من جديد إشارة إلى انبعاث العراق _ هدفه الذي يضحي بحياته من أجله:

جيكورُ ستولدُ جيكورُ

النورُ سيورقُ والنورُ

جيكورُ ستولدُ من جُرحي

من غَصّةِ موتي، من ناري (الديوان ج1 ص411)

لكن يجب التأكد على أن دور الطبيعة في شعره منذ 1950 وما بعدها كان دورا هاما، إذ لا يمكن أن تنفصل عن النسيج الأساسي لأسلوبه، فصور الطبيعة وسيلته الرئيسية في التعبير. ومن خلالها يعالج كل أفكاره، سواء كانت مبادئ أخلاقية كما في (مدينة بلا مطر) ، أو تأملات ذاتية كما في (النهر والموت). إن صور الطبيعة في شعر السياب صور سيابية إن صح التعبير، بمعنى أنه لايمكن أن تفهم مفرداتها إلاّ باكتشاف العناصر التراثية لإسلوب السياب الريفي، فكلمة(النخيل) مثلاً تشير إلى الخصوبة أو النهضة أو المأوى، ولفظة (المطر) تتضمن عادة الآمال الجميلة.

ورغم أن معظم قصائده في هذه المرحلة مكرسة للمسائل الوطنية والقومية والاجتماعية، إلا إنها ضمت بعض القصائد التي تتردد فيها قضايا شخصية، مثل قصيدة (النهر والموت) التي يعالج فيها موقفه تجاه الموت وضعفه ووحدته ورغبته في الموت ، وهي إحدى أفضل قصائد السياب في استخدامه الجديد للصورة الشعرية التي تعكس ذلك التجانس الكلي بين الكلمات ، بينما تتماوج في داخلها الصور التشكيلية:

بويب

بويب

أجراسُ برجٍ ضاعَ في قرارةِ البحر

الماءُ في الجرارِ ، والغروبُ في الشجر

وتنضحُ الجرارُ أجراساً من المطر

بلورُها يذوبُ في أنين

بويبُ يا بويب (الديوان ج1 ص453)

صور السياب في هذه المرحلة تعبر عن عواطفه من خلال الأسلوب الموحي والاستخدام البارع للقافية والإيقاع حتى في قصائده السياسية، ففي (أنشودة المطر) نلحظ ذلك النوع من الصور التي لا يمكن أن تنفصل عن جسد القصيدة :

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر

أو شُرفتانِ راحَ ينأى عنهما القمر

عيناكِ حينَ تَبسِمانِ تورقُ الكروم

وترقصُ الأضواءُ كالأقمارِ في نهر

يَرِجَّهُ المجدافُ وهناً ساعةَ السحر

كأنما تنبضُ في غَوريهِما النجوم. (الديوان ج1 ص474)

وفي بقية قصائده الملتزمة مثل (المسيح بعد الصلب)، (مدينة السندباد)، (مدينة بلا مطر) نواجه بصور تهزُّ وعينا حيث يجمع السياب جملة من المتضادات، الضياء والظلام، السلام والحرب ، الحرية والقمع، الخصوبة والعقم، الخير والشر، الحياة والموت، العدالة والظلم، البراءة والفساد، إلاّ إن هذه الثنائيات لم تؤثر على وحدة القصيدة. لقد كان السياب بارعاً في قصائده السياسية كما في تجاربه الذاتية.

وبعد،، فهذه المرحلة التي وصفت بالواقعية، التي ازدحمت بالقصائد السياسية والاجتماعية، والتي بدأ السياب فيها باستخدام الرموز بحرية، مؤكدا على الفكرة كعنصر عضوي في شعره ، إضافة إلى استخدام الأساطير بكثرة_ هذه المرحلة قد تخللتها عناصر رومانسية، لكنها كانت رومانسية أكثر صدقا نجد جذورها في داخل السياب ، لذا كان ديوان (أنشودة المطر) _ كما يرى عيسى بلاطة "الشكل الفني الجديد ، والنزعة الواقعية التي جاءت لتحطم اللين الرومانسي وأدب البروج العاجية" (عيسى بلاطة، ص253) . وبالتأكيد هو حطم لين الرومانسية في معظم الشعر العربي الرومانسي الحديث، وبدأ يكتب الشعر الواقعي الملتزم ، لكن مقارنة الرومانسية بأدب البروج العاجية هو سوء فهم للطبيعة الحقيقية للرومانسية ، فالرومانسية هي التعبير المخلص لتجارب ومثاليات الفرد ، تهتم بحياته التي هي جزء من حياة المجتمع والأمة والأنسان عموما، وبالتالي فالواقعية والالتزام ليسا بالضرورة ضد الرومانسية ، لأن الرومانسي الحقيقي هو في الواقع "إنسان ذو ضمير وإيمان راسخ" ( Hazaltain p293 ) ووفقاً لباتسون " أن تكون واقعيا يجب أن تكون أولا رومانسيا ، وأن تكون واقعيا جيدا يجب_ أيضا أن تكون رومانسيا_ قليل من الوهم، قليل من المرارة_ لكن الرومانسي ، رومانسي في القلب" (Bayeson p.135).

بعد (انشودة المطر) ابتعد السياب عن القضايا الاجتماعية، مركزا معظم اهتمامه على الأفكار والتجارب الذاتية، مثل موقفه تجاه الموت الذي يهدده ، الحنين إلى الأيام الماضية، الشوق المخلص والعميق للعراق ولعائلته اللذين ابتعد عنهما في سنواته الأخيرة وهو يتنقل من مستشفى إلى آخر أملاً بالشفاء .

ربما عنصر واحد مشترك يتخلل قصائد هذه المرحلة وهو حنينه للماضي ولأحبابه القدامى، وتعود المرأة في هذه المرحلة لتسترد مكانها الرئيسي الذي شغلته في (ازدهار وأساطير) ، لكن معالجته لها قد تغيرت بشكل أكثر براعة، فالحبيبات متماثلات مع ماضيه بشكل عام حتى أنه من الصعوبة أن نحكم فيما إذا كان موضوعه المرأة بالفعل أم أنها رمز لطفولته أو للعراق كما في قصيدة (حنين في روما) ، الذي يتحدث فيها عن شوقه إلى العراق مرتبطا بشوقه للمحبوبة التي يرى أنها تعني الشيء نفسه:

فأحسُّ عبيرَكِ في نَفَسي

يَنهدُّ، يُدندنُ كالجرسِ

ما أسعدَها، ما أشقاها

أَرْضي، آسيةُ العُريانة

أنا في روما أبكيها، وأعيشُ بذكراها

أَ لأنَّكِ فيها أهواها؟ (الديوان ج1 ص150_151)

ويعود السياب إلى موضوع الحب الذي لم يحقق الآمال _ وليس قبل الأشهر الأخيرة من حياته حين بدأ يقدّر الحب وإخلاص زوجته إقبال _ وحتى ذلك الوقت ظل يشكو أوهام الحب ، ويكتشف المتع الزائلة في علاقاته :

هواءٌ كلُ اشواقي ، أباطيلُ

ونبتٌ دونما ثمرٌ ولا ورد (الديوان ج1 ص601)

في هذه المرحلة نلحظ تذكر محبوباته القدامى ممن رحلن إلى العالم الآخر ، وتبرز (وفيقة) قريبته الميتة وجها من هذه الوجوه، والتي ظل ينتظرها سنوات طوال في (شباك وفيقة) وتركته وحيدا في هذا العالم في ( مدينة السراب ) ، لكنه لا يلومها بل يعطي نفسه من خلالها منفذا ينفس فيه عن مشاعره الحزينة على فقدها في (الغيمة الغريبة) . وظلت فكرة عبث الحياة بدون الحب تظهر مرة بعد مرة في قصائده الأخيرة، وقد عبر عنها بشكل رائع في قصيدته (ذهبتِ) حيث يعلن فيها أن الحياة أصبحت مستحيلة بعد رحيلها لأنها أخذت معها معنى الحياة :

ذهبْتِ فاستحالَ بعدَكِ النهار

كأنه الغروب

كأنما سحبْتِ من خيوطِه النُضار

وظَلّل المدارجَ انكسار (الديوان ج1 ص168)

لكن مشاعره في الوحدة والفقد لم يعبر عنها بشكل سلبي دائما ، لقد كان دائم القلق من نكران المرأة رغم إخلاصه لها . ففي قصيدة (يا نهر) يعنف إحدى حبيبات الطفولة (هالة) الراعية، وفي قصيدة (أحبيني) يعلن صراحة أن كل اللائى عرفهن وعشقهن بل وعبدهن لم يحببنه :

وما من عادتي نكرانُ ماضيِّ الذي كانا

ولكنْ كلُّ من أحبَبْتُ قبلَكِ ما أحبوني

ولا عطفوا عليَّ ، عَشِقْتُ سبعاً كنَّ أحياناً

ترفُّ شعورُهُنَّ عليَّ، تحملُني إلى الصينِ ( الديوان ج1 ص639 )

لذا عاد مرة أخرى يصف المرأة بالغواية والخداع والغرور، ومن اللافت للنظر أنه يصف المرأة في هذه المجموعة في صور حسية مفرطة ، فهو ينادي محبوبته في قصيدة (احتراق) مثلا أن تأتي وتذوّبه بالكامل كي تعادَ له الحياة.

على أن مجموعة النساء اللائى ذكرهن السياب في هذه المرحلة ظلت قوالب ثابتة وإن أعطيت أسماء محبوباته، ولم ينج من ذلك إلاّ (إقبال) زوجته، حيث بدأت تظهر بشكل منتظم أكثر فأكثر ، يدعوها أن تعتني بغيلان، ويسألها أن تبقى قريبة منه، وبدأ يشعر أن هناك تبادلا عاطفيا أو مشاركة وجدانية بينه وبينها ، وازداد هذا الشعور بمرور الوقت، فهو يخاطبها مباشرة، يرثي ظروفها الحالية، يثمن إخلاصها، ويعترف أنه أساء فهمها وتحملها: (كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة) . (الديوان ج1 ص666)

لذا نراه يبثها شوقه، ويطلب منها أن تضمد جراحه، وتريحه من آلامه ووحدته، ولا تفقد الأمل من عودته . حتى غدت إقبال ملهمة أشعاره ، وقوة يستمد منها تحديه ضد الموت:

غداً تأتينَ يا إقبالُ، يا بعثي من العدمِ

ويا موتي ولا موتُ.

ويا مرسى سفينتي التي عادت ولا لوحٌ على لوحِ

ويا قلبي الذي إن متُّ أتركه على الدنيا ليبكيني. (الديوان ج1 ص711)

إقبال أصبحت الحب الحقيقي في حياته، الإخلاص الذي افتقده في بقية المحبوبات، على أن موقفه تجاهها ليس من مثاليات الرومانسية لأنه أدرك بعمق علاقتهما. لكن هناك حالات أخرى للمرأة في دواوينه الأخيرة تشير إلى التقديس الرومانسي الأفلاطوني، فالحياة لا معنى لها حين تتركه المحبوبة كما في قصيدة (ذهبت) الآنفة الذكر، ولا زال يعتقد أن الحب اتحاد بين روحين، وإنها (أي المرأة) هي المأوى الذي يلجأ إليه من هذا العالم ومن آلامه، رغم أن هذا المأوى كثيراً ما يتمثل في هذه المرحلة بالذات في شخص أمه الميتة :

وسرَيْتُ: ستلقاني أُمي

في تلك المقبرةِ الثكلى

ستقولُ: " أتقتحمُ الليلا

من دونِ رفيق ؟

جوعان ؟ أتأكِلُ من زادي:

خَروبَ المقبرةِ الصادي (الديوان ج1 ص609)

في الحقيقة أن موقف السياب إزاء الحب والمحبوبات في سنواته الأخيرة كان مزيجا غريبا: التحرر من وهم الحب مع تمجيد العراق ، الواقعية مع الهيام الرومانسي بالمرأة كأنثى، الحب الحسي مع الروحي. حتى اكتشف أخيرا أن الحب الذي كان يبحث عنه بشغف طيلة حياته كان بجانبه في شخص زوجته التي توافق فيها الجانبان: الروحي والحسي.

ومن الموضوعات المتصلة بالحب في هذه المرحلة كانت الطبيعة ، فهي مثل المرأة ، نبعٌ صاف، ومصدر مستمر للإلهام ، وبالنسبة للسياب، كانت الطبيعة هي جيكور، والعكس بالعكس، جيكور الريف والجنة والإلهام، إضافة إلى أنه بدأ يستخدم الطبيعة ليوضح إيمانه بديمومة الوجود وتجدده من خلال الموت، كما في (سفر أيوب) حين يصرخ :

فأَبْرقي وأَرْعدي وأَرْسلي المطر

ومزِّقي ذوائِبَ الشجر

وأَغْرقي السهوب

وأَحْرقي الثمر

سترجَحنَّ بعدكِ السنابلُ الثقالُ بالحبوب (الديوان ج1 ص274_275)

كما استخدمها للتعبير عن موقفه إزاء الموت، ورغبته في أن ينساب بعيدا وفقا لقوانين الطبيعة، بل أن السياب وسَّع من استخدام الطبيعة لتشمل كلَّ مظهر من مظاهر تجاربه، إضافة إلى ما ذكرناه سابقا من استخدام الطبيعة ليرسم بها جوا مناسبا لكل قصيدة، بل أن يوظف الحيوان ليكشف من خلاله انفعالاته، وبالأخص في حالات الألم والموت :

تَنفَّسَ قبرُها المهجورُ عنها ، قبرُها الباقي

على الأيامِ يهمسُ بي : " ترابٌ في شراييني

ودودٌ حيث كان دمي، وأعراقي

هباءٌ من خيوطِ العنكبوتِ، وأدمعُ الموتى (الديوان ج1 ص672)

وتظل الطبيعة أبرز خصائص شعر السياب، رغم أنها لم تأت مستقلة أبداً ، بل مرتبطة دائما بموضوعات أخرى، كانبعاث العراق والعالم العربي، أو مرتبطة بحنينه إلى أيام الطفولة، وإلى وفيقة، وغالبا ما يكون الحنين إلى أيام صباه الذي استبد به في أواخر حياته أنشودة ريفية كما في (شناشيل ابنة الجلبي ) :

وأذكرُ من شتاءِ القريةِ النضّاحِ فيه النور

من خلَلِ السحابِ كأنه النغمُ

سرَّبَ من ثقوبِ المعزفِ_ ارتعشَتْ له الظُلَمُ

وقد غنّى _ صباحاً قَبْلُ فيمَ أعدُّ ؟ طفلاً كنتُ أبْتَسِمُ

لليلي أو نهاري أَثْقَلَتْ أغصانَهُ النشوى عيونُ الحور. (الديوان ج1 ص579)

وبالطبع المرض وراء شوقه العارم لسعادة الحياة العائلية، ووراء تلك الصور التي رسمها للموت والتي كانت عالقة في ذهنه باستمرار، غير أن شعوره تجاه الموت يتغير وفقا لتغير صحته ومزاجه وبيئته، كان يشعر بضعف أزاء الموت، وبالأحباط من فكرة الموت على فراش المرض، لقد أنهكته المعركة ضد المرض، حتى لنجده يشتاق إلى الموت بسلام لينهي تلك المجابهة المتعبة:

أريدُ أنْ أعيشَ في سلام:

كشمعةٍ تذوبُ في الظلام

تَعِبْتُ من توقدِ الهجير

أُصارِعُ العبابَ فيه والضمير

تعبتُ من صراعي الكبير

أشقُّ قلبي أُطْعِمُ الفقير (الديوان ج1 ص136_137)

هذه التأملات في الموت أدت به إلى توسيع أفقه ليشمل كل البشر، فكلهم خاضعون لمشيئته، وإلى اعتبار أن الموت والحياة جزء من الوجود، والموت عنده عودة إلى أولئك الأحباب الراحلين الذين " يمدون أعناقهم من ألوف القبور يصيحون بي : أن تعال.." (الديوان ج1 ص236). وأحيانا تتخذ هذه التأملات شكلا كئيبا وصورا مفزعة، كصورة الطائر المفترس الذي ينقض على عصفور في (سفر أيوب ) ، وكلما اقترب الموت منه استأنف معركته ضده رغم اقتناعه بأنه لن ينتصر، لكنه يعطي انطباعا أنه هو الذي سيختار لا الموت، وهو لا يريد أن يموت بعيدا عن محبوبته الأزلية (البصرة) وإن كلفه ذلك استمرار المعاناة. وأخيرا ظل يتحرق إلى السلام وإن يكن سلام الموت ( رصاصة الرحمة يا إله! ) (الديوان ج1 ص706) . هذه الأُمنية الأخيرة ظلت رغبة انفعالية ، فهو سيتحمل حتى عذاب النار في قصيدة (عكاز في الجحيم ) _ في سبيل الهروب من الألم المبرح، وإن كان يتحلى بالصبر في انتظار الموت في أوقات أخرى، لكنه لا يستطيع أن يعارض القدر طويلا، فيعزي نفسه بأن الموت ليس هو النهاية، بل بداية حياة جديدة ، وإن جزء منه سوف يستمر في الحياة الدنيا في ابنه غيلان :

سوف أراها فيكُمُ ، فأنتم الأريج

بعدَ ذبولِ زهرتي (الديوان ج1 ص607)

وواضح مما تقدم أن السياب وهو يركز في تجربته الشعرية في دواوينه الأخيرة على الأفكار الذاتية الشخصية، فإنه بقي محافظا على أسلوبه المتطور الرفيع في (أنشودة المطر) . ففي قصائده الأخيرة نجد تلك الصور الرائعة في قصيدة ( منزل الأقنان ) مثلا ، والتي تقوم على التداعيات، والصياغة الدقيقة، وقوة التشكيل ، بل أحيانا تقوم القصيدة على الفكرة الانفعالية أكثر منها على الصور المرئية كما في قصيدة (خلا البيت) :

خلا البيتُ ، لا خفقةٌ من نعال

و لا كركراتٌ على السُلَّم

وأنَّتْ على البابِ ريحُ الشمال

وماتتْ على كرمِهِ المظلمِ :

تلاشتْ خطى موكبِ الدافنين

ومن مسجدِ القريةِ المعتم

تلَّوى، كما رفَّ فوق السفين

شراعٌ حزين (الديوان ج1 ص630)

والموت الذي دارت حوله معظم قصائده الأخيرة يصفه السياب في عدد من الصور الرائعة المؤثرة أحيانا، والدالة أحيانا كصور الظلمة التي تذكرنا بموته البطيء، مع تزاوج صور الضياء والظلام أحيانا أخرى بشكل مثير. علاوة على أنه برع في التشخيص بشكل أقوى وأكثر تأثيرا في قصائده الأخيرة، كما في مطلع قصيدة (ليلة في لندن).

وإذا كان قد مال كليا نحو أفكاره الذاتية ، فإنه لم ينفصل تماما عن التزامه بالمجتمع وبالقضايا العربية. والبعض يرى أن مرحلة (أنشودة المطر) مرحلة واقعية، ودواوينه الأخيرة عودة إلى الرومانسية، وهو رأي قد يُقبل لكن بتحفظ ، ذلك لأنه يقتصر على المضمون ويفشل في اعتبار المعيار الرومانسي الذي يقوم على رؤية فردية للإنسان وللفنان بشكل خاص كمحور للكون : موقفه تجاهه، وعلاقاته بناسه وكائناته. والشيء نفسه نجده عند كتّاب آخرين لا يرغبون أن يصموا السياب (بالرومانسي ) بعد فترة (أزهار ذابلة)، فيرى بلاطة مثلا أن " ذكريات الماضي تلعب دورا رئيسيا في هذه القصائد (أي قصائده الأخيرة) ، لكن ليس تذكرا رومانسيا، أنه عرض للحياة من خلال أحاسيس متعاقبة يتعذر استردادها " (بلاطة ص114) . ومرة أخرى نلحظ ذلك المعنى الازدرائي الذي يوصف به الأدب الرومانسي ، الأدب اللاواقعي والأدب المثالي ، بينما هناك أمثلة عديدة في شعره ينشد فيها الهروب إلى الماضي بعيدا عن الحاضر المرهق :

تَعِبْتُ من تصنعِ الحياة

أعيشُ بالأمسِ ، وأدعو أمسيَ الغدا (الديوان ج1 ص137_138)

ومع ذلك فهذا ليس واقعيا على الإطلاق، لأنه نفسه أدرك عبث الحياة في الماضي بقدر ما يتذكر إحباطات الماضي، وإخفاقاته في الحب.

ورغم أن مميزات شعر السياب الأكثر وضوحا مثل صوره وتلميحاته واستعارته وازدحام المتضادات في صور ناجحة فنيا، إضافة إلى استخدام الرموز قد بلغت الذروة في مرحلة أنشودة المطر، لكن ظلت براعة السياب مستمرة في دواوينه الأخرى، سواء في أسلوبه الرشيق ، أو صياغته الدقيقة أو صوره القوية ، أو حتى في تجاوز قواعد استخدام المجازات ، أو الاعتماد على التداعي السيكولوجي، أو وفرة الأفكار والانفعالات التي تستمد صفائها وتأثيرها من حساسيته الرقيقة. ولعل أهم ميزة ظلت ثابتة منذ قصائده المبكرة حتى آخر قصيدة هي الإخلاص التعبيري أو (صدق التعبير)، وإن حاكى في قصائده المبكرة علي محمود طه كما في ( أقداح وأحلام ) مثلا ، أو وقع تحت تأثير وردزورث كما في ( الأم والطفلة الضائعة ) أو اليوت فيما بعد . لكن هذه الأمثلة ومعظم شعر السياب يتفجر من عمق قلبه وضميره، سواء حين يعالج المشاكل الاجتماعية في (أنشودة المطر ) ، أو التحرر من وهم الحب في (أزهار ذابلة) أو صراعه ضد الموت في دواوينه الأخيرة.

وهذا هو الذي جعل السياب رومانسيا حقيقيا، بينما ولعه بالطبيعة وحنينه لتجارب الماضي ومشاعر الوحدة ، ووصف حالته بشكل مباشر " سقطت في الرومانسية شبه السلبية التي سادت الشعر العربي الحديث ، بل حتى

يمكن أن ترى في بعض شعره السياسي في الخمسينات " ( Hazzaltin P 368 ). فلطبيعة نادرا ما تستخدم لوصف الشر والفساد ، بل تبدو دائما طبيعة خيرة، تمنح الازدهار وتثير الذكريات السعيدة، وتصبح ملجأ يعود إليها الشاعر هربا

من هموم العالم المرعب . أما الطفولة في شعره فهي طفولة سارة وإن كان الواقع مختلفا، والمرأة جميلة، ملهمة الشعر والأعمال العظيمة .

ومهما يكن فإن الرومانسية تمتلك قوة إيجابية تكمن كما_ قلنا_ في النظرة الفردية للعالم، والسياب بلا شك يمتلك

وجهة النظر هذه، وإن بدت أقل وضوحا في مرحلته المبكرة حين مال إلى تقليد شعراء رومانسيين ، لكنه طور أسلوبه الشخصي فيما بعد، وإن تأثر باليوت وستول ، فقد ظل أسلوبه أساساً أسلوباً خاصاً به يظهر الالتزام بالإنسانية من وجهة نظر شخصية، وإدراك خاص للعالم، بل حتى أكثر قصائده التي تظهر التزامه الإنساني مثل(من رؤيا فوكاي) و(الأسلحة والأطفال) لا تخضع لأفكار أي حزب سياسي محدد، أو طبقة اجتماعية معينة، بل هي تعبير عن مشاعره ومعتقداته الخاصة. وفي مرحلته التالية يستمر في استخدام تجاربه وعواطفه الخاصة ، يعبر بها بأسلوبه الخاص ورؤيته الخاصة. لذا فأننا يمكن أن نقسم حياته الأدبية إلى ثلاثة أدوار رومانسية مختلفة كما نوهنا في المقدمة : الدور التقليدي ويشمل قصائده المبكرة في مجموعتي (بواكير) و(أزهار ذابلة) وبعض قصائد مجموعة (أساطير)، ثم الدور الإنساني ويضم جزء من (أساطير) ويمتد إلى ( أنشودة المطر ) وشعره الملتزم في الخمسينات. ثم الدور الذاتي ، ويتضح في دواوينه المتأخرة حتى وفاته . وعليه يبدو للوهلة الأولى أن السياب هجر الرومانسية لفترة من حياته ثم عاد إليها . وبالفعل هو أدار ظهره ليس للرومانسية ، لكن لمظاهرها السلبية وأحل محلها عناصر إيجابية أكثر تأثيرا ، بقدر ما تقدم أهدافا إنسانية عظيمة على شاكلة الشعراء الرومانسيين الأوربيين العظام ، بل حتى في مرحلته الأخيرة والتي حوت بعض المظاهر السلبية من شعره الرومانسي المبكر، لعدة عوامل ساهمت في هذه السلبية منها مرضه وفقره، لكنها ظلت تعبيرا إيجابيا عن صراعه ضد الموت ، بل استطاع أن ينقل كفاحه في الحياة إلى قارئه بقوة من خلال شعره .

ولعل نظرة سريعة إلى آراء وكتابات السياب النقدية، والتي لا نستطيع أن نحصيها في هذه العجالة ، توضح أنه بقي مخلصا للنظريات الرومانسية. فالأدب عنده هو التعبير الذاتي للفنان عن تجاربه ومشاعره على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، على ألاّ يكون هذا التعبير مقتصرا على مفاهيم طبقة اجتماعية خاصة ، ولا يكون منفصلا عن المجتمع ككل في آن واحد ، وإلاّ سيكون إنتاجه ناقصا ، أو في أسوء الأحوال بلا معنى ، بينما الشعر الحقيقي معنى . وهذه المفاهيم تضع الشاعر في بؤرة فنه ، وهي فكرة رومانسية بحق ، عززها السياب في شعره سواء كان منغلقا أو مفتوحا، شخصيا أو اجتماعيا أو إنسانيا ، ينبعث من موقفه الذاتي الخاص في كل تجاربه تجاه أمته والعالم والإنسان عموما .

دراســـة

د / ضـيـــاء الـصـدّيـقـــي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)