تطور علم الإحصاء بين النظرية والتطبيق

تطور علم الإحصاء بين النظرية والتطبيق

أ.د. زياد رشاد الراوي

قسم الإحصاء/جامعة اليرموك/ الأردن

يتعامل الناس عموماً في حياتهم اليومية مع المفاهيم وحتى بعض المفردات الإحصائية وبالأخص ما يتعلق منها بالإحتمالات وبعض المقاييس الوصفية مع رصد ما يطرأ عليها من تغيرات عبر فترات زمنية متعاقبة. وإذا كان هذا الأمر محسوساً بالنسبة لنا في الوقت الحاضر، فإن حقب التأريخ القديم وما بعده أفرزت أحداثاً تنم مجرياتها عن بدء استخدام الأساليب الإحصائية على أرض الواقع والتي يمكن إعتبارها أفكاراً تتناغم مع بعض أحدث الأساليب الإحصائية المعاصرة.

وبالرغم مما نشهده من تطور متسارع في علم الإحصاء ليشمل كافة جوانب العمليات والطرق الإحصائية، إلا أن انعكاسات ذلك في العمل الإحصائي العربي لم يكن بالمستوى الذي يمكن تلمسه من قبل العديد من العاملين في المجال الإحصائي مما بات يخلق جدلاً مستمراً بين الإحصائيين العاملين في المجال الأكاديمي وأولئك العاملين في الميدان الإحصائي ضمن المؤسسات العامة أو الخاصة.

وعلى عكس ما هو ملموس في الدول المتقدمة التي ظهرت فيها حقب متتالية من التطويرلجوانب مختلفة من علم الإحصاء نتيجة للتفاعل والتعاون القائم بين العلميين الذين ساهموا في هذا التطوير والمؤسسات التي كانت بحاجة له، نجد أن الأمر لدينا حالياً يتمركز على طروحاتٍ من الطرفين يمكن وضعها بشكل شكاوى أو إتهاماتٍ متبادلة من أحد الطرفين للطرف اللآخر. ففي الوقت الذي يحاول فيه الأحصاء الأكاديمي لدينا متابعة المستجدات في البرامج الإحصائية التطبيقية في غالبية الجامعات العالمية وتبني ما هو مناسب لتحديث البرامج الدراسية طبقاً لذلك، يشكو فيه العاملون في الميدان الإحصائي ابتعاد هذه البرامج عن الغايات التطبيقية للأساليب الإحصائية وتركيزها على الجانب النظري ذو الطابع الرياضي (من خلال قراءتهم لمساقاتٍ متعددة في النظريات الإحصائية والرياضيات) مما يخلق اشكالياتٍ وصعوباتٍ لدى الخريجين بتخصصاتٍ إحصائية عند عملهم في الميدان.

من جانبٍ آخر، يحاول الطرف الأكاديمي التوضيح بأن آلية التحديث المستمر للبرامج الدراسية تأخذ في الإعتبار مجالات التطبيق للأساليب الإحصائية في عمل المؤسسات العامة والخاصة ولا يوجد من المساقات النظرية في الإحصاء والرياضيات الا ما هو بحكم الضرورة لتمكين الطالب من استيعاب المنطق الحسابي والتحليلي للبيانات الإحصائية عند التطبيق.

وفي هذه الورقة نحاول تناول عدد من الجوانب في العمل الإحصائي للمساعدة في توضيح الصورة ووضع الأمور في نصابها قدر الإمكان لمد المزيد من جسور التفاعل والعمل المشترك بين الفريقين الأكاديمي والميداني. ومن خلال الطواف في مجريات التطور التأريخي لعلم الإحصاء، سيتم القاء الضوء على العلاقة المتبادلة مابين النظرية والتطبيق في علم الإحصاء والتي يمكن وضعها ضمن مفهوم التغذية المتبادلة لكلٍ منهما للآخر مما دفع علم الإحصاء الى ان يشهد التطور الكبير الذي طرأ عليه وهو ما نلمسه حالياً.

البعد التأريخي في علم الإحصاء

عند الكلام عن علم الإحصاء وتطوره تأريخياً، غالباً ما يكون في ذهننا الذهاب الى بدايات القرن السابع عشر وربما أحياناً القرن السادس عشر على أبعد تقدير. والدافع لذلك بطبيعة الحال هو ما نعرفه عن بدايات العمل في أمورٍ حياتية والتعامل مع معطياتها بصيغٍ يغلب عليها الربط مع المنطق الرياضي السائد آنذاك. ولكننا على أية حال يجب أن لا يغيب عن بالنا ما ورد في القرآن الكريم من ذكرٍ لكلمة الإحصاء كدلالةٍ لفكرة العد والحصر وهو أقدم من ذلك بقرون عدة. وجدير بالذكر أن ثمة ممارساتٍ تطبيقيةٍ قد حدثت في التأريخ القديم الذي يمتد الى زمن النبي نوح(عليه السلام( وأن استيعابنا لسمة المنطق الذي كان يحكمها يدفعنا لوضعها ضمن العمل الإحصائي بل واعتبارها أساساً لطرقٍ إحصائية معروفة تم تطويرها واستخدامها في التطبيقات الإحصائية الحديثة.

ويذكر أنه بعد مرور أربعين يوماً على الطوفان ، أراد النبي نوح (عليه السلام) أن يستطلع الأمر فأرسل الغراب من على السفينة إلا أنه ظل يذهب ويجئ دون أن يستنتج منه النبي نوح (عليه السلام) أي شئ فيما يتعلق بما آل اليه الطوفان وهو معرفة ما إذا بدأ الماء بالإنحسار وظهور اليابسة. بعد ذلك أرسل الحمامة على فترات زمنية متعاقبة انتهت بمجئ الحمامة في المرة الأخيرة وهي تحمل في منقارها غصن الزيتون لعلها تبني به عشاً على السفينة. عندها استنتج النبي نوح (عليه السلام) بأن انحساراً للماء وظهوراً لليابسة قد بدأ وأن السلامة لمن هم على ظهر السفينة قد تحققت. وهذا ما أوحى للبعض أن يستخدم شعار الحمامة مع غصن الزيتون رمزاً للسلام كما هو معروف.

فإذا اعتبرنا الفترات الزمنية المتعاقبة بمثابة مستويات الجرعة Dose levels ودليل ظهور اليابسة بالإستجابة النوعية Quantal response، لا يمكننا الا إعتبار هذا أساساً لإسلوب الإستجابة النوعية في التجارب الحيوية “Quantal Response Technique in Bioassay والذي هو احد أحدث الأساليب الإحصائية في الوقت الحاضر والأكثر تطوراً واستخداماً.

وفي صدر الإسلام، يعتبرالإسلوب الذي كان الخليفة عمر ابن الخطاب(رض) يستخدمه لتقدير عدد المقاتلين من خلال معلومة عن عدد أرغفة الخبز المستهلكة الا أفكاراً تتناغم كلياً مع اسلوب "معلومات المتغير المساعد “Auxiliary Variable Information والمستخدم حالياً في أساليب التقدير لمتغيراتٍ يصعب أخذ معلوماتٍ عنها في المعاينة. هذا بالإضافة لإجراء إحصاءٍ عام وتدوين الدواوين في عصر خلافته (634-643).

عصر الإحتمالات والإحصاء

من المعروف أن ثمة بدايات معروفة في مجال الإحتمالات قد ظهرت في القرن السادس عشر حيث قدم Cardano (1501-1571) بعض الأفكار في الإحتمالات المرتبطة برمي زهرة الطاولة.وبعد ذلك تطور العمل في مجال الإحتمالات وظهرت الطرق الإحصائية بأبعادها النظرية والتطبيقية. وتعتبر الرسائل والنقاشات التي كانت تدور بين Pascal (1623-1662) و Fermat مؤشراً لظهور أصول الإحتمالات حينما عالجا بعض المسائل المرتبطة بألعاب الحظ. وكان Pascal قد قدم عام 1665 أسس التوقع وناقش مسألة إفلاس المراهنين.

إلا أن البعد الإحصائي بمفهومه النظري(الرياضي) الواضح والمعروف حاليا قد شهد حقبة تأسيس وتطويربدأت في القرن الثامن عشر وامتدت الى الثلث الأول من القرن العشرين. وفي البدء ، لم يكن التطوير في نظريات الإحتمال والطرق الإحصائية الا استجابة لحاجات تطبيقية حقيقية في العلوم وقضايا المجتمع. وقد أسهم Laplace (1749-1827) في ترسيخ مفهوم عمومية التطبيق للطرق الإحصائية بشكلٍ عام وأثبت كون النظرية الإحتمالية اسلوباً ضرورياً لتحسين جميع أنواع المعرفة الإنسانية. فقد أوضح إمكانية التطبيقات في مجالات الألعاب المبنية على الحظ ، العلوم الطبيعية مثل ( علم الفلك ‘ علوم الأرض ‘ علم المناخ) ، العلوم الإنسانية مثل ( صدقية الإستجواب والحكم ، علم التشريع ، الإنتخابات ، قرارات اللجان ) ، علوم السكان ، الإحصاءات الحياتية ، التأمين على الحياة.

وبشكلٍ عام، نرى أن الطرق الإحصائية التي كان يتم تطويرها آنذاك لتلائم العمل التحليلي في حقلٍ ما من العلوم، تكون فيما بعد مناسبة للتطبيق في مجالاتٍ أخرى أو تطويرها بإتجاهٍ ما من قبل آخرين لتكون كذلك. فنجد على سبيل المثال أن Quetelet (1796-1874) وهو عالم فلك وإحصائي تعلم شيئاً عن منطقية الإحتمالات خلال رحلةٍ علمية الى باريس عام 1824 وعمل على التطبيقات في العلوم الإجتماعية وطالب بإدخال تحسينات على عملية التعداد بإستخدام هذه التطبيقات. كذلك عمل كلاً من Galton ( 1857-1936 ) و Pearon (1822-1911) بالنسبة للتطبيقات في حقلي الوراثة وعلوم الحياة. وما تم تطويره من قبل Fisher (1890-1962 ) في حقلي الجينات والتجارب الحقلية الزراعية يدخل في هذا الإطار. وأن عمل هؤلاء على تطبيق طرقٍ إحصائية في المجالات المذكورة قادهم الى تطوير طرق إحصائية جديدة.

ونوجز في أدناه بعض النقاط في سمات التطور هذا وحسب الفترات الزمنية التي شهدت تلك التطورات.

(1650-1700)

اتسمت هذه الفترة بظهور أصول الإحتمالات من خلال المعالجات الرياضية لألعاب الحظ وخصوصاً ما ارتبط منها بالمراسلات والنقاشات التي كانت تدور بين Pascal (1623-1662) و Fermat مؤشراً لظهور أصول الإحتمالات حينما عالجا بعض المسائل المرتبطة بألعاب الحظ. وكان Pascal قد قدم عام 1665 أسس التوقع وناقش مسألة إفلاس المراهنين.

وأعقب ذلك ما قدمه Huygens (1629-1694) بعد دراسته لأفكار باسكال وفيرمات في باريس وإصداره أول كتاب في الإحتمالات عام 1657 والذي كان عنوانه The value of all Chances in games of fortune”. .ومعظم الكتاب خصص لحساب القيم والتي يمكن إعتبارها موازيةً لما بات يعرف بالتوقع لجوانب لعب الحظ ، إضافةً لمعالجته للتوزيع فوق الهندسي. وجدير بالذكرأن تلك الفترة قد شهدت ما عرف بالثورة العلمية وعصر مشاهير العلماء مثل غاليلو ونيوتن والذين وإن اتسمت بعض أعمالهم بأفكار لها علاقة بالإحتمالية إلا أنها لم يكن لها تأثيربإتجاه تطوير العمل فيها. هذا بالإضافة الى الدراسة المنتظمة لبيانات الوفاة ، حيث أوجد Graunt (1620-1674) بدايات العمل الإحصائي في صيغة إحصاء السكان وجداول الحياة والذي أطلق عليه فيما بعد "الحساب السياسي" للدراسات الكمية في علوم السكان والإقتصاد. وقد أصبح جدول الحياة أحد أهم الوسائل الرئيسية لدراسة السكان ورياضيات التأمين على الحياة والتي تأسس عليها فيما بعد في القرن العشرين ما سمي بالمسائل الإكتوارية من قبلWhittaker و Aitken للإسهام في جوانب أخرى من الإحصاء وتحليل الأعداد.

1700-1750

شهد العقد 1708-1718 من تلك الفترة العديد من الإسهامات في علم الإحصاء هذا والذي بدأ في الإمتداد المعرفي. كما أن جذور الإحتمالات والإحصاء بدأت في التمحور بإتجاهين شبه منفصلين وهما "الإحتمال" و"الإحصاء" وإن كان مفهوماً في بدايات القرن الثامن عشر أنهما ، عن قربٍ ، مترابطين.

ومن أهم الإسهامات خلال تلك الفترة ما قدمه عدد من أعضاء عائلة برنوللي Bernoulli في مجال الإحتمالات ويأتي في مقدمتهم Jakob(James) Bernoulli (1654-1705) الذي نشرت له عام 1713 الورقة الوحيدة في الإحتمالات ولكنها المهمة جداً حيث تضمنت اسهاماً مهماً في أساسيات موضوع التباديل Permutation ضمن الجانب التوافيقي للإحتمالات. كذلك إستخدم مصطلح "القبلي" و"البعدي" للتمييز بين اسلوبين ممكنين في حساب الإحتمالات عندما تكون لدينا أداة خاصة ومناسبة مثل زهرة النرد الى جانب إمكانية عمل تخفيض في عدد المشاهدات الكبير للأحداث المتشابهة. هذا إضافة لنظريته حول قانون الأعداد الكبيرة “law of large numbers” .

وامتداداً لذلك ، فقد شهدت الفترة تلك ما قدمه Moivre (1667-1754) ابتداءً من نشره عام 1718 لورقته المعروفة حول طريقة احتساب احتمال الأحداث في الألعاب. هذا إضافة لتقديمه موضوع تقريب توزيع ذي الحدين الى التوزيع الطبيعي حيث اعتبر ذلك مقدمةً لنظرية الحد المركزية. وفي الغالب تقريباً فإنه قد أوجد توزيع بواسون حيث تضمنت مداخلاته استخدام دوال توليد الإحتمال والتي استخدمها في ايجاد التوزيع لمجموع متغيرات منتظمة التوزيع.

وفي آخر الفترة تلك ظهر Daniel Bernoulli (1700-1782) الذي قدم نظريته الجديدة حول قياس الخطورة عام 1737 والمبنية على الإستخدام المتوقع والتي قدمت حلاً للفرق بين التوقع الرياضي لما سيحدث وبين قيمته. وفي عام 1735 قدم اختباراً لعشوائية التوزيع لحركة المجرات. كذلك قدم نموذجاً لوبائية الأمراض عام 1766 من خلال دراسته لحالات التلقيح ضد مرض الجدري. هذا إضافة لتقديمه شرحاً لطريقة إحصائية في التقدير عرفت فيما بعد في عهد فيشر بالإمكان الأعظم أو “Maximum Likelihood” .

1750 – 1800

خلال تلك الفترة شاع استخدام الإحتمالات في علم الفيزياء وبالأخص في جانب الفلك حيث الجانب الأكثر تطوراً فيه. وأغلب التطبيقات في هذا الجانب تلك التي تعاملت مع توافيق المشاهدات. ونظرية الأخطاء التي برزت من خلال ذلك، كانت أهم خطوةٍ بإتجاه الإستنتاج الإحصائي الحديث وبالأخص نظرية التقدير.

شهدت هذه الفترة تطوير الكثير من إختبارات المعنوية وبالأخص ما تم استخدامه في الفلك من قبل Daniel Bernoulli و John Michell عام 1767. هذا إضافةً الى ظهور عبارات المجال "الفترة" حول معلمة توزيع ذي الحدين والتي اعتبرت أساساً لمجال الثقة في العصر الحديث وذلك من قبل Lagrange و Laplace عام 1780.

وفي عام 1770 بدأ Codorcet بنشر أعمالٍ حول الرياضيات الإجتماعية والمتضمنة تطبيقات الإحتمالات في مجال قرارات المحلفين والهيئات الأخرى.

وأهم تطورٍ شهدته هذه الفترة في مجال نظرية الإحتمال كان العمل حول الإحتمال الشرطي وتطبيقاته في الإحتمال المعاكس أو ما تعارف عليه بـ ( استقصاء بييز). فقد قدم Bayes (1702-1761) ذلك في ورقته الوحيدة حول الإحتمال والتي تم نشرها عام 1763. وطرق بييز شاع استخدامها في القرن التاسع عشر نتيجة تأثير كلاً من Laplace و Gauss مع ما كان لديهما من أفكارٍ مختلفة في هذا السياق. وظلت مداخلاتهما حول طرق بييز موضع دراسة مستمرة حتى ظهور الإنتقاد الشديد تجاه ذلك أوائل القرن العشرين من قبل كلاً من Fisher و Neyman . ومن الجدير بالذكر أن العمل والنقاش في هذا الجانب انحسر كثيراً خلال عقدي الثلاثينات والأربعينات إلا أنه استعاد ألقه بداية الخمسينات وما بعدها وأن ثمة حساباتٍ جعلت من طرق بييز شيئاً مجدياً ، بل وأصبحت النقاشات حولها على أشدها.

كما شهدت هذه الفترة ظهور Laplace (1749-1827) الذي استمر في تقديم الكثير حول الإحتمال لفترةٍ تزيد عن الخمسين عاماً ، وقدم دعماً لطرق بييز من خلال موضوعه الذى نشره عام 1774 حول التحليل البييزي لأخطاء القياس. ولقد ساهم في تطوير العديد من الوسائل الإحصائية المرتبطة بالإحتمالات بضمنها نظرية الحد المركزي ، دالة توليد الإحتمال ، ودالة الخاصية بالإضافة الى نظريته في التقدير والتي توقف البحث فيها من قبل الآخرين بحدود عام 1814 .

1800-1830

النشاط الإحصائي خلال هذه الفترة غلب عليها أعمال Laplace الذي غطى مديات واسعة في الإحتمال والإحصاء وGauss (1777-1855) الذي تعامل مع نظرية الأخطاء. ففي هذه الفترة وصل العمل حول نظرية الأخطاء ذروته بعد تقديم طريقة المربعات الصغرى والتي نشرت من قبل Legender عام 1805 . وخلال فترة عشرين عاماً سادت الطروحات الإحتمالية الثلاث آنذاك وهي (مداخلات Gauss البييزية، مداخلات Laplace المعتمدة على نظرية الحد المركزي، ونظرية Gauss – Markov. وقد اشتق Gauss المنحنى الطبيعي أو ما سمي (منحنى غاوس) من المبادئ الأساسية للوسط الحسابي. كما أنه أوجد ثاني أهم تطبيق لطريقة المربعات الصغرى في علوم الجيولوجيا وبالتالي فقد قدم الجيولوجيون إسهامات مهمة لهذه الطريقة وبالأخص في الجانب الحسابي والتي كانت مفيدة جداً في الحقل الصناعي. وظل تأثيره واضحاً في موضوع توفيق البيانات في علم الفلك والجيولوجيا.

وفي بريطانيا تم إجراء أول تعداد سكاني عام 1801 والذي انتهى بآراءٍ متناقضة حول حجم المجتمع آنذاك وقدم عدداً من المهتمين بالموضوع تقديرات مختلفة لهذا الحجم.

وشهدت هذه الفترة أيضاً إيجاد Playfair طرقاً جديدة في التمثيل الشكلي للبيانات ولكن لم يعرها أحداً أي إهتمام في حينه ولكن هذه الطرق اعتبرت فيما بعد وعبر 150 سنة بمثابة علم إحصائي خاص حيث اقترنت مع Tukey .

1830-1860

وشهدت هذه الفترة ظهور الجمعيات الإحصائية. ومن ضمن هذه الجمعيات كانت جمعية لندن الإحصائية والجمعية الإحصائية الأمريكية. فقد أسس William Cogswell (1787-1850) الهيئة الإحصائية الأمريكية عام 1839 عندما كان يشغل رئاسة الجمعية التربوية الأمريكية. والتي فيما بعد أصبحت تعرف بالجمعية الإحصائية الأمريكية ASA والتي عمل مستشاراً لها لغاية العام 1843. وتعتبر ثاني جمعية علمية أمريكية بعد جمعية الفلسفة التي أسست عام 1743 . وبادرت ASA الى اصدار مجلتها JASA التي كانت تعنى بالدراسات الخاصة بالنظريات والتطبيقات للطرق الإحصائية في الإقتصاد، المجتمع، الفيزياء، الهندسة، العلوم الصحية إضافةً الى الطرق الحديثة في التربية الإحصائية. وفي عام 1967 تم شطر المجلة الى جزئين أحدهما مخصص للنظريات والطرق الإحصائية والآخر للتطبيقات الإحصائية وذلك في عهد رئيسهاF. Mosteller والذي كان يؤكد على وحدة المجالات الإحصائية قائلاً أن النظرية والتطبيق يغذي أحدهما الآخر. ومع تفرع المجالات الإحصائية واتساع العمل فيها تم إصدار عدد من المجلات الإحصائية المتفرعة عن JASA فكانت مجلة American Statisticians (1947) ومجلة خاصة بالحسابات والأشكال البيانية الإحصائية Computation & Graphical Statistics (1992) اضافة لعدد آخر في تخصصات الإقتصاد والصيدلة وغيرها.

وبدأ نشاط الإحصائيين من خلال هذه الجمعيات يأخذ بعداً موضوعياً ومرتبطاً مع المجتمع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد ساهمت Nightingale (1820-1910) في ترسيخ فكرة امكانية قياس منطقي للظواهر الإجتماعية وإخضاعها للتحليل الرياضي وكان ذلك بمثابة الفكرة الثورية من منظور الدين آنذاك. كذلك قدم Farr (1807-1883) طرق تحليل الإحصاءات الحياتية ومن ضمنها الطرق التتبعية والتراجعية في جمع البيانات الصحية.

كما شهدت بداية تغير في معنى الإحصاء وظهور بدايات الكتابة في البعد الفلسفي للإحتمالات. ومن هذه الكتابات ما قدمه Mill عام 1843 بعنوان "نظام المنطق" وتبعه Venn بموضوع "منطق الحظ" عام 1862 . وبالتالي ظهور النظريات الرياضية في المنطق والإحتمالات. ومع ذلك ، فلم تكن عالمية فلسفة الإحتمالات مثلما كانت عليه رياضيات الإحتمالات.

وفي عام 1843 لاحظ Schwabe أن نشاط البقع الشمسية يتبع نظاماً دورياً فكان ذلك اسهاماً في أحد الجوانب المهمة لتحليل السلاسل الزمنية. لقد تحقق ذلك نتيجة عقودٍ من الزمن في البحث ليس فقط في فيزياء المجموعة الشمسية وإنما شمل ذلك مغناطيسية الأرض والمناخ بل وحتى سلسلة فحص ذات طبيعة اقتصادية للتأكد من أن الدورية هذه تتطابق مع تلك التي للبقع الشمسية. وقبل ذلك كان ثمة اهتمامٍ واضح في مسألة الدورية للسلاسل الزمنية بالنسبة للمناخ ومجالاتٍ أخرى من الظواهر الفيزيائية وقام كلاً من Laplace وQuetelet بتحليل البيانات الخاصة بالمناخ. وامتداداً لذلك ، فقد أصبح تطبيق هذا الإسلوب مع نهاية القرن التاسع عشر يشمل ظاهرة الزلازل أيضاً.

و Quetelet (1796-1874) كان فلكياً واستهواه الإحصاء وخاصة موضوع الإحتمالات مما دفعه للمطالبة بإدخال تطويرات على عملية التعداد السكاني. وفي عام 1846 أشار الى استخدام التوزيع الطبيعي ليس فقط كونه قانوناً للخطأ وإنما لتوضيح توزيع القياسات. كما ساهم حينذاك بظهور تطبيقات واسعة للإحصاء في العلوم الإجتماعية.

1860-1880

ثمة مجالين تطبيقيين مهمين للطرق الإحصائية قد ظهرا خلال هذه الفترة. فالإحتمالات وجدت تطبيقاً جديداً ومهماً في العلوم الفيزيائية يتناول نظرية الغازات والتي تطورت الى الميكانيكا الإحصائية حيث كانت المسائل في هذا الجانب أساساً للتقدم الذي حصل في الإحتمالات بداية القرن العشرين. ففي عام 1860 استخدم Maxwell منحنى الخطأ (التوزيع الطبيعي) في نظرية الغازات، ومن ثم طور كلاً من Boltzmann و Gibbs نظرية الغازات ضمن الميكانيكا الإحصائية والتي كانت تتطلب حلولاً لمسائل في نظرية التوزيع بالإضافة الى توليد مسائل تصورية (المحاكاة). وفي عام 1862 أوجد الفيزيائي Abbe هذا التوزيع والذي عاود إيجاده Pearson عام 1900.

وBoltzmann (1844-1906) قدم توزيع مربع كاي بدرجات حرية 2 و3 عام 1878 ومن ثم لدرجة حرية n عام 1881.

شهدت هذه الفترة أيضاً دخول طرقٍ إحصائية متطورة في مجالي علم النفس والإقتصاد. وقدم Fechner (1801-1877) اسهاماتٍ واسعة في مجال تصميم التجارب بعلم النفس مما كان يعتبر تمهيداً لما تم تطويره فيما بعد من قبل Fisher في هذا المجال إضافةً لطرحه موضوع “Probit Analysis”

وشهدت أيضاً طرح موضوع علم الوراثة من خلال كتب Galton (1822-1911) في عام 1869 والذي قدم كذلك فيما بعد طرق الإرتباط والإنحدار(لاحظ الفترة التالية) إضافةً الى توزيع الطبيعي اللوغاريتمي و عملية التفريع. كما طور Galton طرقاً إحصائية كانت مناسبةً للإستخدام من قبل علماء النفس مثل Spearman. هذا إضافةً لطرحه مصطلحات إحصائية مثل (المئينات، المدى الربيعي).

وعاصر هذه الفترة Chebyshev (1821-1894) والذي ساهم بشكلٍ عام في تطور الإحتمالات في روسيا ونشر عام 1867 ورقته التي تناولت برهان الصيغة العامة لقانون الأعداد الكبيرة كما استخدم طريقة العزوم في برهان نظرية الحد المركزي لمتغيراتٍ لا يشترط فيها تماثل التوزيع. كذلك كان عمله المعروف في مجال إضافة الحدود مما قاد الى “Chebyshev polynomials”.


1880-1900

هذه الفترة شهدت تبلوراً للمدرسة البريطانية في الإحصاء وأن نفوذ Pearson (1857-1936) كان واضحاً في ذلك حتى حل Fisher محله عام 1920. وكان طرح موضوع الإرتباط من قبل Galton والذي طورت نظريته تباعاً وبسرعة من قبل Pearson، Edgeworth ، Sheppard وYule. وهذا الموضوع شكل منعطفاً رئيسياً عن العمل الإحصائي لكلٍ من Laplace و Gauss سواءً من حيث الإسلوب أو التطبيقات الممكنة حيث تم استخدامها على نطاقٍ واسع في العلوم الحياتية وعلم النفس وعلم الإجتماع. وفي الإقتصاد، طور Edgeworth (1845-1926) أفكاراً سابقة لـ Jevons في الطرق الإحصائية العادية مما ظهر جلياً في الرقم القياسي. وفي عام 1892 قام بمراجعة الإرتباط لـ Galton وعمل في طرق تقدير معامل الإرتباط. إضافةً الى عمله في عمومية التوزيع الطبيعي. في تلك الفترة ، على أية حال ، كان الإحصاء الإقتصادي في بريطانيا أكثر ارتباطاً بالإحصاء الرسمي أو الصحافة المالية ولذلك كانت أعمال Newmarch (1820-1882) و Giffen (1837-1910) أكثر إستخداماً مما كانت عليه أعمال Edgeworth. وخلال هذه الفترة قدم Pareto في إيطاليا توزيع باريتو المعروف في نطاق توزيع الدخل.

وعاصر هذه الفترة Karl Pearson (1857-1936) الذي كان له الفضل في إيجاد مدرسة إحصائية قوية الى حد إعتبار قسمه لعقود عدة المكان الوحيد لدراسة الإحصاء. فقد قدم أساليب جديدة في الإحصاء بل ونظريات جديدة حول (منحنيات بيرسون، الإرتباط، طريقة العزوم وإختبار مربع كاي) حيث كان يتطلع الى إستخدام ما توصل اليه من طرقٍ إحصائية في التخصصات الأخرى. حتى أن لغة الإحصاء وتعبيراته تأثرت كثيراً بما قدمه بيرسون في هذا المجال.

1900-1920

شهدت السنوات الأولى من هذه الفترة والتي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تطوراً كبيراً وامتداداً واسعاً للإحتمالات والإحصاء في كل الإتجاهات. إلا أن الحرب التي أثرت بشكلٍ كبير في جميع النواحي كان تأثيرها واضحاً في العمل الإحصائي حيث توقف البحث تقريباً في هذا الجانب وذلك بسبب انخراط الناس في الفعاليات العسكرية والقيام بأعمالٍ أخرى تخص الجانب الحربي. Pearson على سبيل المثال عمل في مجال القذائف، Jeffreys في مجال المناخ و Yule في الإدارة.

ومن الملاحظ ظهور مساهمات في مواضيع أخرى وجدت في النهاية مكاناً لها ضمن نظرية العمليات التصادفية (العشوائية). ففي الفيزياء مثلاً عمل Einstein مع Smoluchoveski على الحركة البراونية بينما Bachelier طور نموذجاً مشابهاً لإستخدامه في التخمين المالي. كذلك طور Lundberg وهو الخبير في شؤون التأمين نظرية المخاطرة الجماعية. ونجد أيضا أن الملاريا وهجرة البعوض كانت وراء إهتمام Pearson في موضوع المسير العشوائي (random wolk) . وكان هنالك أيضاً نماذج رياضية في علم الأوبئة تم تطويرها من قبل Ross وMcKendrick.

ومع أن Mendel لم يستخدم الإحتمالات في عمله بموضوع الجينات (1866) لكن فكرته قد تم تطويعها فيما بعد إحتمالياً من قبل Pearson ، Yule و Fisher من خلال التحقق من المدى الذي يمكن لأسسه التي طرحها من التقارب مع النتائج التي يجدها علماء القياس(النماذج) في علوم الحياة.

ومن خلال Spearman (1863-1945) أصبح موضوع الإرتباط ذو أهمية واضحة في علم النفس بعد مساهماته الإحصائية مثل الإرتباط الرتبي والتحليل العاملي والذي أضاف عليه Thurstone فيما بعد التحليل العاملي المتعدد عام 1930.

وخلال هذه الفترة، أصبحت طرق التحليل الكمي شائعة الإستخدام في حقل الإقتصاد في الولايات المتحدة. وأن ما قدمه كلُ من Moor , Mitchell , Irving Fisher , Persons يمكن تصنيفه أساساً لتحليل السلاسل الزمنية. كما بدأ تطبيق الإحتمالات في المجال الصناعي مع عمل Erlang حول الإختناقات في أنظمة الهاتف والتي تعتبر أساساً لنظرية الطوابير حالياً.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الفترة شهدت تقدماً ملحوظاً في مجال المؤسسات التعليمية الإحصائية تضمنت تأسيس قسم الإحصاء التطبيقي عام 1911 في جامعة كاليفورنيا/لوس أنجلوس UCL والذي ترأسه Pearson . كذلك أصبح Bowley أول من يسمى "أستاذاً في الإحصاء" في LSE/ لندن في بريطانيا عموماً. وفي جامعة كمبردج تم استحداث مسمى أكاديمي بعنوان "محاضر إحصائي" حيث كان Yule (1871-1951) أول من حصل عليه والذي قد يمكن تسميته بأول إحصائي حديث وقد كان يهتم بتطبيق كل ما كان يسهم به في الإحصاء. ونتيجة إهتمامه بنظرية مندل قاده ذلك الى إيجاد طريقة أصغر مربع كاي في التقدير.

و Markov (1856-1922) الذي عاصر تلك الفترة أسهم في إيجاد نظرية الحد المركزي وقانون الأعداد الكبيرة ومن ثم قدم سلسلة ماركوف المعروفة. كما قام بتطوير نظرية Gauss التي قدمها عام 1821 وسميت بعد ذلك بنظرية ماركوف-غاوس.

ومن الذين شهدت تلك الفترة إسهاماتهم كان W. S. Gosset “known as Students” (1876-1937) الذي نشر أول بحثٍ له تحت إسم “Student” حيث تضمنت إعادة اكتشاف توزيع بواسون . وفي عام 1908 طرح موضوع توزيعات العينات الصغيرة من خلال ورقتين تناولت إحداها طبيعية التوزيع لمتوسط العينة والذي أصبح معروفاً بـ “student’s t distribution and studentization” والأخرى حول الإرتباط الطبيعي. كما أنه نادى بإمكانية استخدام طريقة فرق التغاير للتعامل مع الإرتباط الوهمي.

1920-1930

كان Fisher (1890-1962) قد بزغ نجمه خلال هذه الفترة والعقود الي تلتها حيث كانت إسهاماته مدار تداولٍ ونقاش. ومع أهمية هذه الإسهامات التي قدمها ، فإن عامل توسع التعامل باللغة الإنكليزية على حساب اللغة الألمانية التي كانت سائدة قبل ذلك ساعد كثيراً في سهولة انتشار هذه الإسهامات مما جعل ذلك منه أكثر الإحصائيين تأثيراً في القرن العشرين. لقد كان اشتقاقه للتوزيع المضبوط لمعامل الإرتباط إحدى أوائل إسهاماته تلك. وفي عام 1919 عندما انضم للعمل في محطة روثامستد للتجارب جعل منها مركزاً عالميا للبحوث الإحصائية إضافةً لتواصله بشكلٍ مباشر مع العاملين في التجارب الزراعية على المحاصيل لحاجتهم الى تفسير نتائجها فبدأ عندها بطرح أفكاره حول الخطأ المصاحب لنتائج التجربة مما قاده لوضع اسلوب واضح في فصل مصادر الإختلاف في التجارب الحقلية فجاء إسلوب تحليل التباين حيث شهد عام 1923 أول تطبيقٍ له. كما قدم فيشرآنذاك نظريته في التقدير بطريقة الإمكان الأعظم. كان فيشر في مقدمة الرافضين لطرق بييز في التقدير والمبنية على أسس غير مقبولة بخصوص عدم التحيز. وفي عام 1930 قدم طريقة الإستدلال الشرطي للتقدير والمبنية على مبدأ المقابلة ((ancillarity. وقد شهدت هذه الفترة تطوراً في مجال الإحتمالات تضمنت تنقية الأمور المتعلقة بنظرية الحد المركزي، القانون القوي للأعداد الكبيرة (والذي يعود الى Borel عام 1909 ) إضافةً الى نتائج جديدة بخصوص قانون اللوغاريتم المكرر. وكان الإهتمام والإسهام في موضوع الإحتمالات بتلك الفترة ملحوظ في كافة أرجاء القارة الأوربية عدا بريطانيا حيث الإهتمام قليل جداً.

وخلال هذه الفترة أصبحت طرق السيطرة على النوعية والتي أسهم في تطويرها Shewhart (1891-1967) من التطبيقات الإحصائية الرئيسية في الصناعة. كذلك قدم Wiener (1894-1964) الطريقة العامة للتحليل المتناغم (generalized harmonic analysis) بنموذج رياضي للطيف.

1930-1940

شهدت هذه الفترة تطورات مهمة في الإحتمالات، النظرية الإحصائية والتطبيقات الإحصائية. ففي الإحتمالات ، كانت التطورات الرئيسية تتمثل في بديهيات Kolmogorov (1903-1987) للإحتمال إضافةً الى تطويره للنظرية العامة للعمليات التصادفية مع Khinchin (1894-1959). وهذا العمل أعتبر مؤشراً لبداية الإحتمالات المعاصرة.

وفي بريطانيا والولايات المتحدة بدأت فترة إعادة تعريف للإحصاء. فالجمعية الإحصائية الملكية خرجت من محيط الإحصاء الرسمي وأصبحت ترحب بأعمالٍ إحصائية في مجالات الزراعة والصناعة وكذلك الإحصاء الرياضي. وكان هناك تغييراً مماثلاً في الجمعية الإحصائية الأمريكية عندما توقفت مجلة Biometrika عن نشر بحوث حيوية وركزت على الإحصاء النظري. كذلك نجد أن معهد الإحصاء الرياضي قد تأسس عام 1930 وبدأ بإصدار مجلته The Annals of Mathematical Statistics عام 1933 والتي أصبحت المجلة الرئيسية في الإحصاء الرياضي والإحتمالات.

وفي الإستقصاء الإحصائي، كانت التطورات الرئيسية متمثلةً بنظرية Neyman -Pearson لإختبار الفرضية والتي بدأ العمل عليها منذ عام 1928.

وعمل Neyman (1894-1981) خلال الفترة 1928-1934 مع بيرسون Pearson (1857-1936) أوراق مهمة حول نظرية اختبار الفرضية الإحصائية حيث اقتنعوا بأهمية تضمين ذلك الفرضية البديلة وتوصلوا الى مقدار الخطأ في اختبار فرضية حول قيم مجهولة لمجتمع مبنية على مشاهدات عينة تتسم بالإختلاف. ويرجع اليهما تسمية الخطأ من النوع الأول والخطأ من النوع الثاني اضافةً الى مفردات أخرى متعلقة بالإختبار مثل قوة الإختبار، المجال الحرج لرفض الفرضية، مستوى المعنوية، الفرضية البسيطة والمركبة (مثل فرضية حول الوسط الحسابي لتوزيع طبيعي بسيطة إذا كان الإنحراف المعياري معلوماً ومركبة اذا كان مجهولاً). وقد يكون من الصعب الأن أن نتصور كيف كان ممكناً تحقيق الإختبار للفرضية بدون هذه الجوانب التي أضيفت من قبل Neyman و Pearson بنظريتهما المعروفة والتي قابلها بعض الإحصائيين المعروفين في حينها بالنقد والرفض وعلى وجه الخصوص Fisher. وبعد ترسيخ مفهوم نظريتهم بأسس رياضية متينة تم تطبيقها على عينتين (1930) ومن ثم على عدد K من العينات (1931). وفي عام 1937 نشر Neyman ما كان طوره حول تقديرمجال الثقة في الوقت الذي كان الإحصائيون لا يعرفون سوى مجال الإطمئنان Fiducial interval الذي طوره Fisher والذي أخيراً تقبل الفكرة وبذلك بدد الحيرة لدى الإحصائيين بصدده. والى جانب كل ذلك، فإنه ساهم في تطوير جوانب مهمة في المجال الإحصائي ومنها:

- تصاميم التجارب الزراعية 1923، 1925 ، 1935

- نظرية المعاينة 1925 ، 1938 ، 1939

- مجموعة contagious distribution 1939

وعمل الكثير في تطبيقات الطرق الإحصائية على أرض الواقع معتبراً أن التطبيق على أرض الواقع مصدراً مهماً للتحقق مما ينطوي عليه مفهوم النظرية. وكان معروفاً قوله بأن الإحصاء يقدم خدمةً لجميع العلوم.

في نفس الوقت أصبح تحليل متعدد المتغيرات موضوعاً معروفاً بعد ظهور توزيع Wishart عام 1928، المركبات الرئيسية عام 1933 والإرتباط القانوني عام 1936 من قبل Hotelling إضافةً إلى التحليل المميز عام 1936 من قبل Fisher.

وتزامنت التطبيقات الرياضية والإحصائية في الإقتصاد مع حركة الإقتصاد القياسي حيث الأرقام القياسية وقانون باريتو ولكن بنمذجةٍ إقتصادية تضمنت تطبيق طرق الإنحدار على بيانات في الإقتصاد بإعتبارها ضمن تطورات القرن العشرين.


1940-1950

شهدت هذه الفترة نهاية الحرب العالمية الثانية. وخسر علم الإحصاء ،مثلما كان لعلم الرياضيات، العديد ممن كانوا يعملون ضمن مجالاته. وبنفس الوقت ، فقد إزداد عددهم كثيراً خلال سنوات ما بعد الحرب ودخلت عناصر جديدة في العمل الإحصائي مثل Savage و Tukey في الولايات المتحدة وأمثال Barnard، Box، Cox، Kendall و Lindley في بريطانيا.

وهذه الحرب، على عكس ما كانت عليه الحرب العالمية الأولى، أعطت دفعاً للإرتقاء بدراسة الإحصاء والإحتمالات وخاصةً في الولايات المتحدة نتيجة هجرة العديد من العلماء بما فيهم الإحصائيون اليها من أوربا باحثين عن ظروفٍ أفضل لنشاطهم العلمي ونقل البعض منهم تجاربهم في العمل أثناء الحرب. ومن أمثلة ذلك Filler، Wald، Box، Cochran، Hoeffding ، Hartley ، Anscombe ، Birnbaum و Kempthorn .

Wald (1902-1950) على سبيل المثال والذي وصل الولايات المتحدة عام 1938 بدأ العمل في المجال الإحصائي عام 1939 وبعدها بقليل طور فكرته الأولى حول نظرية القرار امتداداً لنظرية نيومن- بيرسون في الإختبار ثم طور أفكاراً أكثر حول الموضوع بعد الحرب. وخلال الحرب كان يعمل على مسائل إحصائية للجيش وإحدى نتائجها قادته لتطوير التحليل المتسلسل الى جانب إسهامه في ظهور موضوع بحوث العمليات الجديد. ومن مساهماته في النظرية الإحصائية هو إختبار Wald المعروف. وإضافةً للزيادة في أعداد العاملين في المجال الإحصائي بعد الحرب، كانت هنالك تطبيقاتٍ جديدة للطرق الإحصائية بالإضافة الى زيادة الإهتمام بالمواضيع التي لها علاقة بالمجتمع.

ومنذ عام 1950 كانت هجرة مماثلة من الهند مثل Bose وتلميذه Rao (1920- ) والذي ذهب لدراسة الدكتوراه في جامعة كامبريدج مع فيشر وعمل بدايةً في العناية بالحيوانات المختبرية العائدة الى فيشر، كان قد نشر عام 1945 ورقته المهمة حول المعلومات والدقة المستقاة في تقدير المعلمات الإحصائية والتي أدت نتائجها فيما بعد الى ظهور ما سمي بـمتباينة كريمر- راو Cramer-Raw Inequality ونظرية راو- بلاكويل. كما أنجز خلال دراسته للدكتوراه في جامعة كامبريدج إختبار مضروب لاكرينج والذي كان قد اقترحه عام 1948.

وخلال السنوات 1943 – 1946 ظهرت ثلاث طروحات متقدمة في الإحصاء من خلال أعمال Cramer،Kendall وWilks والتي عملت الكثير بإتجاه ترسيخ الإستشارات الإحصائية وبالتالي التأكيد على السمة المهنية لعلم الإحصاء.

إنتظام دراسة طرق الإحصاء اللامعلمي بدأت أيضاً تأخذ حيزاً خلال هذه الفترة بإستخدام وسائل من نظرية الإستقصاء الإحصائي. ومن الجدير بالذكر أن معظم الإختبارات في هذا الجانب غالباً ما كانت تأتي من غير الإحصائيين مثل Spearman بالنسبة الى إرتباط الرتب أو Wilcoxon بالنسبة لإختباره المعروف. هذا بالإضافة الى سرعة اتساع العمل حول إختبارات موجودة أصلاً مثل إختبار الإشارة، إختبار التباديل و إختبار كولموكروف – سميرنوف.

وخلال هذه الفترة ظهر تحليل السلاسل الزمنية بصيغته المعاصرة من خلال إتحاد نظرية العمليات التصادفية (Khinchin & Cramer)، نظرية التنبؤ (Wiener & Kolmogrove) ونظرية الإستقصاء الإحصائي (Fisher & Neyman) مح تحليل وترابط توافقي متناسق ضمن النظريات الأم.

1950-1980

شهدت هذه الفترة استمرار التوسع في العمل الإحصائي الذي شمل المجالات الإحصائية ، عدد المهتمين، عدد الأقسام الأكاديمية، عدد الكتب وعدد المجلات العلمية. وبدأت الحاسبات تلعب دوراً مؤثراً في تطوير العمل الإحصائي.

أفق نظرية الإحتمالات زاد اتساعاً مع مجالات فرعية جديدة مثل نظرية الطوابير ونظرية التجديد. وفي عام 1950 نشر المنطقي والفيلسوف Rudolf Carnap عملاً رئيسياً في الأسس المنطقية للإحتمالات والذي قدم تفسيراً ثنائياً لنظرية الإحتمال بكونها تمثل درجة التأكد وكنها تمثل التكرار النسبي. وبشكلٍ عام، كان موضوع الإحتمالات آنذاك يستقطب إهتمام الفلاسفة في العلوم الأخرى.

وفي جانب التطبيقات الإحصائية، كان لإستمرار Deming في مواصلة عمل Shewhart في السيطرة على النوعية أثراً واضحاً في جعل المؤسسات الصناعية تتبنى العمل في هذه الطرق.

وشهدت هذه الفترة أيضاً إتساعاً ملحوظاً في الإحصاء الطبي وعلم الأوبئة وكان A. B. Hill أحد الذين قدموا مساهماتٍ بكلا الموضوعين والذي يعتبر رائدا في التجارب السريرية العشوائية وكان عمله مع R. Doll إيضاحاً للعلاقة بين التدخين وسرطان الرئة.

وفي مجال التعداد السكاني ، وجد كلاً من Laplace و Quetelet إمكانية تطبيق الإحتمالات في تنفيذه ، الا أن استخدام نظرية الإحتمالات من قبل العاملين على جمع البيانات الرسمية لم يبدأ الا من خلال نشاطات Morris Hansen في مكتب التعداد الأمريكي. ومنذ السبعينات تقريباً، أصبحت الأمور المالية من المجالات المهمة التي استفادت من تطبيق الإحتمالات. وشهد عام 1973 انشطار مجلة الإحصاء الرياضي الى قسمين أحدهما للإحصاء والآخر للإحتمالات والذي جاء انعكاساً للإتساع التخصصي في كلا المجالين والذي بدأ يتضح خلال تلك الفترة.

1980 وما بعدها (عصر الحاسبات)

يمكن أن يقال عن هذه الفترة بداية ظهور أثر الحاسبات على تقدم العمل الإحصائي. ومع أن الآلات الحاسبة تم استخدامها مع نهاية القرن التاسع عشر وأنها ساعدت فيما بعد بعض اللإحصائيين أمثال Pearson و Fisher في إجراء بحوثهم وبالأخص بناء جداولهم الإحصائية خلال الفترة 1900 – 1950، إلا أنها لم تكن شائعة الإستخدام من قبل الكثيرين الذين كانوا يستسهلون إستخدام جداول اللوغاريتمات والمسطرة المحوسبة (Slide Rule) بدلاً منها.

ومع ظهور أجهزة الكومبيوتر أصبح إتمام العمليات القديمة يأخذ وقتاً أقل وأن إجراء العمليات الجديدة والأكثر تعقيداً أصبح ممكناً. ومن الخدمات التي أصبحت عبر أجهزة الكومبيوتر ممكنة التنفيذ للإحصاء نذكر الآتي:

· إنتاج الجداول الإحصائية وجداول الأرقام العشوائية أصبح ممكناً وإن انتفت الحاجة لإنتاجها بعد ذلك عندما تم إدخال دالتها ضمن البرمجيات الإحصائية.

· أصبح بالإمكان التعامل مع مجموعة البيانات الكبيرة وتحليلها.

· أصبح بالإمكان تطبيق طرق ونماذج إحصائية أكثر تعقيداً. وأصبح تصميم الطرق والنماذج يأخذ في الإعتبار القدرة الحاسوبية في التنفيذ ومثالاً على ذلك مجموعة GLM المرتبطة بـبرنامج GLIM .

ففي بداية القرن العشرين، وعندما كتب Student عام 1908 حول متوسط التوزيع الطبيعي، وكتب Yule عام 1926 حول الإرتباطات غير المنطقية إستخدما تجارب المعاينة وفي فترة الـ 1920 أصبح انتاج جداول الأرقام العشوائية مجدياً. ومع ظهور الطرق المرتبطة ببرامج الكومبيوتر والمتعلقة بتوليد الأرقام العشوائية psedo random numbers ، نجد أن تطلعاً وطموحاً أكثرللتحقق من طريقة مونت كارلو أصبح ممكناً. وأصبحت عندئذٍ طريقةً معيارية للتحقق في معطيات العينات الصغيرة بالعمليات الإحصائية.

ومنذ حوالي 1980 أمكن استخدام طريقة مونت كارلو بشكلٍ مباشر في تحليل البيانات. وفي الإستقصاء الإحصائي الإعتيادي ، فإن طريقة bootstrap أصبحت شائعة الإستخدام ، كما أن الإستخدام الواسع لطرق سلسلة ماركوف ومونت كارلو في التحليل البييزي أصبح ممكناً وبديلاً عن conjugate and noninformative priors التي كانت تستخدم قبلاً بسبب محدودية عمل الحاسبات.

الإحصائيون ومساهماتهم الحاسوبية

وللإحصائيين مساهمات جيدة بل ورائدة في بعضها فيما يخص تطوير الحاسبات ويمكن أن نذكر فيما يلي البعض منها وحسب الأسماء وفترة حياتهم:

· Ada Byron (1815-1852) اقترحت خطة لكيفية قيام الماكنة بحساب أرقام برنوللي والتي أصبحت أخيراً تعتبر بمثابة أول برنامج حاسوبي في العالم. وإعترافاً بفضلها في هذا الجانب ، سميت لغة البرمجيات الحاسوبية “Ada”التي طورتها وزارة الدفاع الأمريكية عام 1979 بإسمها.

· Herman Hollerith (1860-1929) من الإحصائيين المعروفين جيداً في تأريخ تطور الحاسبات حيث عمل على تطوير ماكنة قراءة البطاقات المثقبة وهو م}سس شركة IBM المعروفة. :انت بداية عمله في مكتب التعداد الأمريكي عندما طرح اختراعه للماكنة تلك عام 1884 والتي استوحى فكرتها من عملية تثقيب بطاقات ركوب القطار فبنى فكرة الماكنة على امكانية قراءة البيانات من البطاقة المثقبة وذلك بتمرير سلك عبر الثقوب الى قدح من الزئبق أسفل البطاقة وعمل دورة كهربائية من شأنها تشغيل عدادات بسيطة باستطاعتها جعل البيانات ممكنة الجدولة.

· Snedecor (1882-1974) وبالتعاون مع Wallase كان رائداً في استخدام البطاقات المثقبة في تحليل البيانات عام 1924 .

· Richard Anderson (1915-2003 ) عام 1944 وإبان دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية ،عمل مع فريق من الإحصائيين في جامعة برنستون لتطويرطرقٍ إحصائية تخدم المجهود القتالي في الحرب. عمل بالإشتراك مع ديكسون W. Dixon في جامعة كاليفورنيا UCLA على تطوير البرمجيات BMDP . وفي تلك الأثناء قدم اقتراحات تطويرية للبرمجيات SAS الذي سبق وتم تطويرها في جامعة كارولاينا الشمالية .

· Irving J. Good Ret. (1916-1994) عمل خلال الحرب العالمية الثانية في الجهد الحربي البريطاني فوضع ترميزاً للشيفرة الألمانية في بادئ الأمر ثم تطور العمل في هذا المجال الكترونياً مما قاد الى بدايات عصر ظهور الحاسبات ذات الأغراض المحدودة. وبعد الحرب ساهم في إنجاز أول حاسبة مبرمجة ذاتياً. وفي عام 1948 عمل مستشاراً لشركة IBM . وبعدها عمل مستشاراً في قسم بحوث الإتصالات التابع لمعهد التحليل العسكري.

· Tukey (1915-2000) ساهم في عام 1952 في تطوير حاسبة الكترونية أثناء عمله في مختبرات شركة الهاتف الأمريكية.

· Arlene Sandra Ash ساهمت خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي في وضع أول نسخة من البرمجية الخاصة بالرعاية الصحية (DCG) والذي اعتبر بكونه أفضل البرمجيات التي تستخدم في التحليل الديموغرافي والطبي والمطالبات الدوائية لغرض التنبؤ بمدى وطبيعة التعامل مع المشاكل الطبية لمجتمعٍ محدد. لقد تطور العمل في هذه البرمجية وانتشر استخدامها لترميزالتشخيص المرضي في ألمانيا وكذلك تم استخدامه في هولندا في عملية تدقيق وتصويب درجة حالات الخطورة لغرض التعويض في التأمين الصحي.

الإحصاء الحديث وشواخصه في المجال التطبيقي

بالرغم من الإحساس السائد بأن الجانب النظري كان يطغى على ملامح التطوير لعلم الإحصاء الحديث بشكلٍ عام والذي بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر واستمر خلال القرن العشرين، فإن المشهد لهذا التطوير ينم عن أنشطةٍ تطبيقية واسعة شكلت بحد ذاتها محطاتٍ شاخصة في العمل الإحصائي عبر تلكم الحقبة الزمنية. ويمكن النظر الى هذه الأنشطة التطبيقية الإحصائية من جانبين. ففي الوقت الذي قد نجد فيها ما يمكن إعتباره تطبيقاً مباشراً لطرقٍ إحصائية معروفة في حينها ضمن مجالات إجتماعية وطبية وإقتصادية وغير ذلك ، نجد أيضاً ثمة تطويرٍ لطرق إحصائية جديدة جاءت إستجابةً لمتطلبات التحليل الإحصائي لبيانات في مجالاتٍ متنوعة عايشها الإحصائيون من خلال عملهم ضمنها أو استجابتهم لحاجة العاملين فيها لمثل هذه المتطلبات. وفي أدناه نورد بعضاً من هذه المشاهد لحركة الإحصاء التطبيقي على سبيل الدلالة لا الحصر والتي نستطيع أن نرصد من خلالها مدى تنامي الحاجة الى الإحصاء وتطبيقاته في مختلف المجالات العلمية منها والإجتماعية والصحية والإقتصادية.

· Florence Nightingale (1820-1910) ساهمت في ترسيخ فكرة امكانية قياس منطقي للظواهر الإجتماعية وإخضاعها للتحليل الرياضي وكان ذلك بمثابة الفكرة الثورية من منظور الدين . وكان عملها في الإحصاءات الطبية أهلها عام 1858 لإنتخابها عضوة في الجمعية الإحصائية البريطانية. كما أن عملها الإحصائي أنذاك قد كان محل اهتمام الإدارة العسكرية والبرلمان وحتى الملكة فكتوريا بشأن اعادة صياغة عمل المستشفيات. وأثناء الحرب الأهلية الأمريكية عملت مستشارة للحكومة الفدرالية في المجال الصحي للجيش. كما أنها عملت مع الجيش البريطاني في كندا . وكان ضمن نشاطها في الرياضيات تحديد معدل سرعة الزلاجة وحساب الوقت المستغرق لنقل المريض عبر المسافات الطويلة في كندا.

· Frederick L. Hoffman (1865-1946) عمل ما بين عامي 1901-1921 في تحليل البيانات الصحية وبالأخص المتعلقة بالسرطان فكان أحد أوائل من شدوا الإنتباه للعلاقة بين أمراض الجهاز التنفسي والعمل في صناعة الأسبستوز.

· R A Fisher (1890-1962) معروفاً بمساهماته العديدة في الطرق والنظرية الإحصائية. فقد أعطى بعداً هاماً في مجال تصميم التجارب وتطبيقها على أرض الواقع. ففي عام 1919 تواصل بشكلٍ مباشر مع العاملين في التجارب الزراعية على المحاصيل لحاجتهم الى تفسير نتائجها فبدأ عندها بطرح أفكاره حول الخطأ المصاحب لنتائج التجربة مما قاده لوضع اسلوب واضح في فصل مصادر الإختلاف في التجارب الحقلية فجاء إسلوب تحليل التباين حيث شهد عام 1923 أول تطبيقٍ له.

· Louis Dublin (1882-1969) كان تركيزه على الدور الذى يلعبه التأمين على الحياة والإحصاء معاً في تقدم الحياة الإجتماعية وصحة المجتمع. دراساته في مجال دور المسنين، التربية الصحية ،معدلات الإصابة بالأمراض ومعدلات الوفيات مع حالات الإنتحار أعطت بعداً في كيفية استخدام الطب والبرامج الصحية في إطالة العمر المتوقع، وبالتالي أعطت قطاع التأمين أبعاداً جديدة في صحة المجتمع والخدمات المساعدة. كما أثارت اهتماماًًًًًًًًً بشأن أثر ذلك على الرعاية الطبية وبضمنها الوقاية والكلفة. وضمن عمله رئيساً للجمعية الأمريكية لصحة المجتمع، ساهم في تطوير برامج للسيطرة على مرض السل ووفيات الولادة والرضع.

· Harold Jeffreys (1891-1989) ربط بين المنطق والإستنتاج العلمي وركز على التفريق بين الإحصاء الوصفي والإحصاء التحليلي (الإستنتاجي)

· F. Mosteller (1894-1981) الذي وضع حداً يفصل بين النظرية والطرق الإحصائية وبين التطبيقات الإحصائية عندما شطر مجلة JASA في عام 1967 الى هذين الجزئين لكنه بنفس الوقت كان يؤكد على وحدة المجالات الإحصائية قائلاً أن النظرية والتطبيق يغذي أحدهما الآخر. نشط في بحوث تتعلق بالطب وصحة المجتمع وساهم في تطبيق طرق النماذج الخطية اللوغارتمية على البيانات الخاصة بدراسة درجة الأمان في عمليات التخدير. ركز بعض الإهتمام في دراسة تجربة حجم الصف في السنوات الأولى من التعليم وأثر ذلك على تحصيل التلاميذ لفترات قادمة حتى وإن انتظم التلميذ فيما بعد بصفوفٍ اعتيادية.

· Harold Hotelling (1895-1973) من بكالوريوس صحافة الى تخصص رياضيات ومن ثم ذهابه عام 1929 ليدرس الإحصاء مع Fisher وبعدها اهتم بتوظيف الإحصاء في حقول الصحافة ،العلوم السياسية، الدراسات السكانية و المواد الغذائية. وفي عام 1940 كتب عن مستقبل التربية الإحصائية بتساؤله عما إذا يتوجب تدريس الإحصاء في أقسام إدارة الأعمال، الهندسة، علم النفس وعلم الإجتماع أو تخصيص قسم خاص بالإحصاء. وبعد 60 سنة ظهر للوجود الإعتراف بضرورة تدريس الإحصاء في جميع التخصصات.

· Gertrude Cox (1900-1978) كانت دعوتها الى الحاجة لجعل الطرق الإحصائية ممكنة التطبيق بالنسبة لأولئك العاملين في البحوث الزراعية والبيولوجية بمثابة مدٍ للجسور بين النظريين في الإحصاء والعاملين في البحث العلمي. وخلال الفترة 1931-1933 كان اهتمامها واضحاً في مجال الإحصاء الإجتماعي.

· William Cochran(1908-1980) أمضى 6 سنوات في تنفيذ تجارب متعلقة بالمناخ، الفروقات التخصيبية للنبات وحالة الإفتقار الى التكرار إضافةً لعمله مع Yates في مسوحات العينة. لقد لاحظ أن عامل الحصاد غالباً ما يقوم بحصاد النباتات التي تكون أطوالها بحدود المعدل متحاشياً تلك القصيرة منها أو الطويلة فأخذ يهتم بضرورة استيعاب أهمية العشوائية في مسوحات العينة والتجارب وبدأ عام 1939 في تطوير أساليب المعاينة بينما كان في جامعة أيوا ISU. كما أنه قد لعب دوراً هاماً في التطبيقات الإحصائية خارج الجامعة. فلقد عمل على تحليل بيانات في حقول عدة منها السلوكيات الجنسية للإنسان، آثار الإشعاع على ضحايا هيروشيما، دراسات تقييمية للقاح شلل الأطفال ، تجارب جراحية لحالات القرحة وتساوي الفرص في التعليم. هذا إضافة الى أنه بات معروفاً في دراساته التي أنجزها لجهة خدمات الصحة العامة الأمريكية بشأن البحث عن آثار التدخين والتي دفعت باللجنة الإستشارية لجمعية الجراحين الأمريكية عام 1964 للإعلان عن أن التدخين مسبب مباشر لسرطان الرئة والذي كان أول اعتراف رسمي بالأخطار الصحية المتصلة بالتبغ. ومن ضمن العديد من الطرق الإحصائية التي طورها كانت تلك التي تعنى بضم أو إسقاط المتغيرات المستقلة في الإنحدار الخطي المتعدد. وعلى وجه الخصوص، فإن أعماله تركزت في مجال التجارب الزراعية ومن ضمنها دراسة أثر مستويات المطر على غلة الحبوب وحصر عدد النباتات المصابة في الحقل. هذا إضافةً الى اسهاماته ضمن فعاليات مجلس البحث العلمي في الأكاديمية الوطنية للعلوم حول البيانات غير الكاملة في المسوحات البسيطة منذ عام 1974وحتى وفاته عام 1980.

· Edwards Deming (1900-1993) كان تخصصه في الماجستير والدكتوراه في الرياضيات والفيزياء الرياضية. أسس لبداية حقبة جديدة في اساليب المعاينة بعد نشره لورقته الشهيرة حول المفهومين المختلفين لطرق التمثيل (طريقة العينة الطبقية وطريقة الإختيار القصدي). أنذاك كان مكتب التعداد الأمريكي أواخر الثلاثينات يهئ للتعداد العام للسكان المخطط تنفيذه عام 1940. ومع محدودية الموازنة ومطالبة مستخدمي البيانات بتفاصيل أكثر من التي يمكن توفيرها ضمن الموازنة المحدودة، بات أمر استخدام العينة في التعداد أمراً مقبولاً لدى مستخدمي البيانات وحضر لهذا الغرض لمناقشة موضوع استخدام اسلوب العينة في التعداد. الا أن المخضرمين من العاملين لدى مكتب التعداد كانوا يعارضون ذلك بشدة بحجة أن التعداد هو وفقط هو الذي يضمن اكتمال المعلومات ولا شئ آخر سواه. وأخيراً وبعد أن استمع وزير التجارة للآراء المؤيدة والرافضة لتبني اسلوب العينة، كان له القرار النهائي فقرر استخدام اسلوب العينة في التعداد العام لسنة 1940. ومن أجل تنفيذ ذلك، تم الطلب منه العمل لدى مكتب التعداد فكان ذلك حيث كان مستشاراً فيه للفترة (1939-1945). وبعد الحرب العالمية عمل مستشاراً للتعداد السكاني لليابان عام 1951.

· H. O. Hartley (1912-1980) كان يركز على المواضيع التالية:

- الإحصاء علم بذاته

- ضرورة الموازنة بين النظرية والتطبيق الإحصائي

- التعاون بين الإحصائيين والعاملين في التخصصات الأخرى

- خصوصية الإحصاء كمهنة

- أثر الحاسبات على الإحصاء

وخلال الحرب كان له نشاطاً كبيراً مع الخدمات الحاسوبية في لندن كما عمل في مجال المسوحات العسكرية. وأثناء عمله في ISU اهتم بـ (أساسيات نظرية المعاينة ، التقدير من البيانات غير الكاملة ، وضع أسس للجرعة الآمنة في التجارب المرتبطة بالسرطان)

· Samuel W. Greenhouse (1918-2000) كان أحد الإحصائيين الذين عملوا في الحقل الصحي من خلال عمله في المعهد الوطني للصحة والذين ساهموا في ترسيخ استخدام الطرق الإحصائية في البحوث الوبائية مما أدى لوضع النظرية والتطبيق الخاص بالتجارب السريرية. عمل خلال الفترة (1945-1948) مع كلٍ من Cornfield, Lieberman, Nathan,& schneiderman في تأسيس أول مجموعة إحصائية في المجال الحيوي Biostatistics ضمن المعهد الوطني للصحة حيث كان يؤكد على أن المهمة الرئيسية للإحصائيين في المعهد هو التعاون مع العلميين فيه من خلال توفير الدعم الإحصائي لهم. وكان عمله مع Nathan قد أسس لإيجاد طرقٍ إحصائية يمكن تطبيقها في التشخيص السرطاني مثل تقدير التباين للحساسية والدقة لطرق التشخيص في حالة كون نقطة القطع للتشخيص في الإختبار الكمي يتم تقديرها أيضاً من البيانات. عمل أيضاً مع Geisser عام 1959 على اسلوب لتعديل درجات الحرية في اختبارات تحليل التباين في حالة عدم تحقق افتراض التماثل لإختبار بعض جوانب الجدول وقد تم اعتماد ذلك الإسلوب في التعديل ضمن جميع البرامج الحاسوبية تقريباً. إهتم في تطوير طرق إحصائية تحليلية في حقل الأمراض الوبائية وقدم عام 1973 ورقته مع Seigel حول إمكانية تطبيق الإنحدار اللوجستي لحالة التكافؤ وعدم التكافؤ في دراسات المقارنة بوجود مجموعة ضابطة لغرض تقدير نسبة الأرجحية Odd’s Ratio المتعلق بعامل الخطورة. كان يؤكد أن الإحصائيين اهتموا كثيراً بالعلوم الأخرى، ومن خلال التعاون العلمي الوثيق مع العاملين في تلك العلوم تم التوصل الى حلولٍ لمسائل إحصائية مهمة. :ما كان يؤكد على أن المتخصص في الأحصاء الحيوي يحتاج الى تمضية بعض الوقت في مواقع انتاج البيانات مثل المختبرات أو مراكز التجارب السريرية.

· David Blackwell (1919- ) بدأ متخصصاً في الرياضيات ودخل حقل الإحصاء متأخراً بعد استماعه لمحاضرة لجرشك حول التحليل التتابعى مما دفعه للإهتمام في موضوع المعاينة من جانبين، عندما يقوم البعض بتحديد حجم العينة مقدماً، واستمرار المعاينة لحين الحصول على دلالات كافية وهو ما سمعه من جرشك. وقد كان يرى بإمكانية تطبيق الإحصاء في العديد من المسائل على أرض الواقع وعمل في هذا الإتجاه.

· Gilbert Beeb(1912-2003) كان إحصائياً ورائداً في تصميم وتنفيذ وإجراء دراسات الفوج في مجالات الإشعاع وعلم الأوبئة مع إجراء التحليلات الإحصائية للبيانات الواسعة المتعلقة بها.

· Oscar Kempthorn (1919-2000) كان يعزو نجاح Stat Lab في ISU لكونه لم ينشغل بالبعد الرياضي للإحصاء بل بجوانب تطبيقية حقيقية في (الأحياء، الجينات،علم السكان، الإقتصاد، الفلسفة وغير ذلك)

بدايات تشكيل الإحصاء الأكاديمي

· في عام 1911 تأسس قسم الإحصاء التطبيقي من قبل Pearson في الكلية الجامعة في لندن.

· عام 1931 ساهم Hotelling في تأسيس قسم الإحصاء في جامعة كولومبيا

· في عام 1939 عمل Cochran على تأسيس برنامج الدراسات العليا في الإحصاء ضمن قسم الرياضيات في جامعة أيوا ISU

· Leslie Kish (1910-2000) ساهم في تأسيس معهد بحوث المسوحات في جامعة آن آربر عام 1941.

· عام 1947 أسس Snedecor أول قسم للإحصاء بشكله المستقل في ISU بعد أن كانت درجات الماجستير وحتى الدكتوراه في الإحصاء تمنح من قسم الرياضيات . وجاء قسم الإحصاء هذا تواصلاً للعمل الإستشاري الإحصائي في الجامعة المذكورة من خلال أول مركز للإستشارات الإحصائية في الجامعة والذي تأسس عام 1933.

الحرب العالمية الثانية وأثرها في تطور جوانب إحصائية

في عام 1943 استدعت أمور الحرب عمل إختبارات حول الحساسية تجاه الإنفجار لبعض القنابل التي يتم إسقاطها من الطائرات. وإزاء ذلك طور كلُ من Dixon و Mood طريقة

Up-and-Down المعروفة في تقدير الجرعة الوسيطية الفاعلة ED50بينما كانا يعملان في مختبر بحوث المواد المتفجرة بولاية بنسلفانيا.

وما بين عامي 1943 و1944 عمل Cochran مع Wilks ضمن مجموعة بحث إحصائي في دراسة المسائل الحربية للبحرية الأمريكية تركزت على إختبارات لإحتمالات إصابة الأهداف مما قاده في عام 1945 الى ايجاد تطويرٍ واضح في ستراتيجية اطلاق القذائف في القصف.

Florence David (1909-1939) عملت خلال الحرب العالمية الثانية في العلوم الإحصائية فكانت ظابطاً للتجارب في وزارة التموين وكذلك اشغلت موقع إحصائي أقدم في قسم البحوث والتجارب بوزارة الأمن الداخلى. إلى جانب ذلك، فقد كانت عضوا في لجنة الألغام الأرضية لدى المجلس الإستشاري العلمي والمستشارة العلمية بمجال الألغام لدى المؤسسة العسكرية للتجارب. وقد ساهمت في عمل نماذج احصائية ساعدت كثيراً في استيعاب وفهم الآثار التدميرية للقنابل الساقطة على المراكز السكانية مثل لندن ممثلة بعدد الضحايا، إضافةً الى أثرها على الكهرباء، المياه ونظام الصرف الصحي ومشاكل كامنةٍ أخرى وبالتالي المساهمة في التقليل من حجم هذه الآثار.

Edwards Deming عمل خلال الحرب على تطوير أساليب السيطرة النوعية وكان خلال الحرب يقوم بتعليم العاملين في حقل الإنتاج الحربي حول الأساليب الإحصائية في السيطرة النوعية بالإنتاج.

Irving J. Good (1916- ) أيضاً (ضمن الحاسوب)

Isobel Loutit (1909- ) عام 1942 وأثناء الحرب عملت في موضوع السيطرة الإحصائية على النوعية خلال التحاقها بمؤسسة تتعاقد مع الحكومة الكندية لتوظيف ذلك في انتاج أجزاء لمدفع ضد الجو خاصة بحوسبة توجيه الإطلاقة. عام 1962 أوضحت كيفية استخدام السيطرة الإحصائية على النوعية فيما يخص صناعة الأسلاك والكيبلات مع الصعوبات التي تم السيطرة عليها بخصوص (التجانس للدفعة، عشوائية العينة، دقة القياسات)

Norbert Wiener(1894-1964) طور نظرية التنبؤ لإستخدامها في أنظمة السيطرة على إطلاق النار خلال المعارك.


المراجع

Hald, Anders (1998) “ A History of Mathematical Statistics (1750-1930),

Wiley Series in Probability and Statistics.

Porter, T. M. (1986) “ The Rise of Statistical Thinking (1820-1900) ,

Princeton University Press.

Gani, J. (Editor) (1982) “ The Making of Statisticians” , Springer-Verlag.

Pearson, E. S. and Kendal, Sir M. (Editors) (1978) “ Studies in The History

of Statistics and Probability”,Vol. I, Charles Griffin , London.

Kendal, Sir M. & Plackett, R. L. (Editors) (1977) “in The History of

Statistics and Probability”,Vol. II, Charles Griffin , London.

Dixon, W. J. and Mood, A. M. (1948) “A Method for Obtaining and

Analysing Sensitivity Data”, JASA, Vol. 43, pp. 109-126.

Web site: http://www.amstat.org/about/statisticians/index, American

Statistical Association.

Wikipedia, the free encyclopedia Web site: http://en.wikipedia.org/

Aldrich, J. (2005) “Figures from the History of Probability and Statistics”

University of Southampton, Southam

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها