العنف الأسري ضد الأطفال


العنف الأسري ضد الأطفال

وعوائق تحقيق مهمة الاستخلاف التعبدي ، والمقاصد العليا للشريعة ، والشهود الحضاري

إعداد

د. رشا عمر الدسوقي


المبحث الأول

خطورة العنف على الطفل وتعارضه مع القيم القرآنية

تمهيد:

إن هدف هذه الدراسة هو توضيح مدى خطورة العنف الأسري على الطفل المسلم . فالتخبط وعدم اتباع المنهج القرآني وتطبيقه وفق النموذج والإرشادات النبوية الحنيفة، تؤدي إلى عواقب وخيمة أوضحها المنهج الرباني السباق لكل علم، ثم أكدها الطب الحديث بعد ذلك. وترى هذه الدراسة أن فقدان القدرة العقلية للفرد المسلم على الإبداع والابتكار والتقدم بخطوات سريعة، ترتقي إلى أعلى المستويات التي تتوق إليها الأمة المسلمة، أحد أسبابها الأساسية هو ارتكاب جناية العنف التربوي، المؤدية إلى تحجيم قدرات الطفل الإبداعية وكبت طاقاته الفكرية وتكريس المعاناة في محاولات التلقي والبرمجة الطبيعية الفطرية التي أودعها الله تعالى فيه مسبقاً. ويتضح ذلك لنا بصورة جلية من خلال الدراسات والتحليلات الطبية العديدة التي يدرجها البحث للبرهان على ذلك.

المطلب الأول

تعريف العنف وبيان خطورته من الناحية الطبية:

العنف لغة هو "ضد الرفق، و أعنفته أنا أو عنفته تعنيفا. والعنيف من لا رفق له". و"اعتنف الأمر، أخذه بعنف." [1]وقد اتفقت المعاني والمترادفات في معظم معاجم اللغة العربية على لفظ العنف وما يحويه من معان توصيفية للخُلُق والطباع والنواحي النفسية كاللوم المتكرر، والقسوة ، والكراهية ، والشدة ، والغلظة، وما ينتج عن ذلك من إلحاق الضرر كفقدان الشعور الذاتي بالأمن والطمأنينة والكرامة. وقد استند معظم محللي سلوك العنف ضد الأطفال في العالم إلى تعريف منظمة الصحة العالمية وهو :"الاستعمال المتعمد للقوة الفيزيائية ، المادية ، أو القدرة ، سواء بالتهديد أو الاستعمال المادي الحقيقي ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع ، بحيث يؤدي إلى حدوث ( أو رجحان حدوث ) إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء النماء أو الحرمان." ويشمل " كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال ..."[2] ويعني مصطلح العنف الأسري : كل عنف يقع في إطار العائلة ومن قبل أحد أفراد العائلة بما له من سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليه.

ووفقاً للدراسة التي قامت بها منظّمة الأمم المتّحدة لرعاية الطفولة والأمومة، "اليونيسف،" يتضح مدى خطورة العنف على مخ الطفل في مراحل النمو. ففي فترة الستة شهور الأولى يتشكل 50% فقط من جهاز المخ، ثم يستمرّ بالنمو حتى سنّ العاشرة. وبالنظر المتفحص في التحليلات الطبية تتضح لنا مدى عواقب ممارسة العنف في هذه الفترة الحرجة والخطيرة من عمر الطفل والمعروفة بفترة التكوين والنمو. فإذا تعرّض الطفل لأي نوع من أنواع العنف، ينطبع أثر ذلك على فكره ومخيلته وكيانه الذهني والنفسي، وتتشكل شخصيته حسب ما اختزنته الذاكرة بصورة لا إرادية في العقل الباطن.[3]

والعنف ضد الأطفال ظاهرة عالمية؛ فهناك أربعة ملايين طفل يتعرضون للعنف في الولايات المتحدة.[4] وبما أن قانون الدولة يحتّم انتزاع الطفل من بيت الأسرة الذي تم فيه الاعتداء محل الجناية؛ فإنه قد نتج عن ذلك وضع عشرات الآلاف من الأطفال في بيوت الرعاية. وإذا عمم هذا القانون في البلاد الإسلامية، لنا أن نتخيل كم ستفقد الأمة الإسلامية من أبناء المسلمين، وفى مصر، أصدر المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية إحصائيات عن العنف ضد الأطفال، مفادها أن 65% من الجرائم التي ترتكب ضد الطفل تأتي من أسرته، و"القانون المصري- على سبيل المثال -لا ينص على وجه الخصوص على حظر ضرب الأطفال داخل الأسرة؛ إلا أن الاعتداء البدني على الأطفال يشكل جريمة وفقاً للقواعد العامة في قانون العقوبات ، بما في ذلك إذا كان الاعتداء قد تم في إطار الأسرة. وتشير الدراسات المتوفرة حول الأساليب العقابية التي يمارسها الوالدان مع الأبناء أن أسلوب الضرب بالأيدي استحوذ على أعلى نسبة ( 30%)، يليه أسلوب التوبيخ والتهزيء (24%)، يليه أسلوب الحرمان من المصروف أو الأكل أو الخروج (20%). وبيّنت الدراسة تباينات بين المناطق الريفية والحضرية، حيث كان الأسلوب الأكثر شيوعاً في الأولى هو الحرمان بينما ساد التوبيخ في المناطق الحضرية." [5] وقد أقر مركز الأهرام في دراسته مقتل 166 طفلاً نتيجة الاعتداء عليهم ووقوع 48 حادثة عنف أسري أدت إلى قتل 47 طفلا خلال النصف الأول من عام 2008. ونتج عن المسح الذى أجري في مصر أن 37 % من الأطفال يفيدون بأن آباءهم ضربوهم أو وربطوهم بإحكام، وأن 26 % منهم قد أبلغوا عن إصابات مثل الكسور، أو فقدان الوعي، [6]أو إعاقة مستديمة نتيجة لذلك.

لقد أظهرت التقارير الدولية "أن معظم الأطفال الذين يتعرضون للعنف يتغيّرون داخلياً بسبب وضعهم في حالة الردّ العنيف أو الهرب مما يخيف. وقد أظهرت اللقاءات البؤرية مع الأطفال بعضاً من أشكال العقوبات القاسية مثل؛ الضرب بسلك الكهرباء، والضرب بالخيزران، والضرب بخرطوم الماء، والنطح بالرأس، واللكم وربط الأرجل بالحبال والصفع على الوجه واللعن والسب والإهانة والحبس في الحمام أو في حوش البيت والتهديد بالقتل والطرد من المنزل."[7] وتظهرالنتائج المرعبة لهذه السلوكيات في إحصائيات دولية أيضا، ما يدل على أن غريزة الغضب المؤدي إلى حب الافتراس والتجني لو لم يهذبها المنهاج الرباني القرآني والنبوي؛ لأدت إلى جرائم تستحق العقوبات من المنظور الإسلامي في نظام التشريع الجنائي. فتقرر منظمة الصحة العالمية أن ما يتراوح بين 80 و 98 % من الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي وحوالي 5300 طفل قد توفي في عام 2002 نتيجة للقتل .وأن 2000- 5000 طفل يقتلون سنوياً من قبل آبائهم. [8] وقد قرر أساتذة الاجتماع في المركز القومي للبحوث الجنائية أن ضرب الأطفال وتعنيفهم يربّي لديهم عقد نفسية، إذ أنها تتحول إلى سلوك شاذ يصعب السيطرة عليه[9].

والذى يهمنا هو النتائج الطبية لكل هذا ، بعد معرفة حجم الكارثة؛ فيؤكّد أطبّاء علم الخلايا أنّ الأهل يصوغون شخصيّة ولدهم في هذه الفترة، بوعي أو بدون وعي أوعلم كاف أو دراسة تربوية. وقد أثبتت الاختبارات المعملية وما نتج عنها من استنتاجات علمية أن الحالة الجسدية العصبية للطفل يمكن أن تحدث تغيّراً في كيفية تطور المخ، وهذا التغيّر بدورههneurophysiological adaptations to this fear can alter the development of the child’s brain, resulting in يؤدي إلى changes in physiological, emotional, behavioral, cognitive and social functioning. تغيرات فسيولوجية وعاطفية وسلوكية . ولقد أوضحت البراهين والأدلة الطبية أن الله تعالى شكل المخ في طور النمو بحيث ينظم ردود فعله وفقا للنمط الذى يراه أو يتعرض له، كما أن ردود فعله تتوقف على حدة العنف الواقع عليه وقوته. ويمكن أن يؤثرالتعدي على جسد الطفل الصغير إلى تغيرات في طريقة نمو مخه قبلaltering neurogenesis, migration, synaptogenesis, and neurochemical differentiation (Lauder, 1988; تمايز وتحول الخلايا العصبية في تلك الفترة الخطيرة من حياته، وهى فترة التشكيل والتكوين لمخه وأعصابه وشخصيته. وقد أثبتت الاختبارات المعملية أن التعرّض المستمر للعنف يؤثر على قدرة المخ في الاستجابة للضغوط الخارجية التي يتعرض لها الشخص مستقبلا. كما أن الهجمة على هذه الضحية الصغيرة تكرّس عجزا متزايدا في الرد على أي تعد واقع في فترة لاحقة في المستقبل ، عند مواجهة تحديات العلاقات الاجتماعية في دنياه الجديدة ، بمشاقها وتعقيداتها رغم إظهار القدرة المؤقتة الحالية على الصمود. وحين يتعرض الطفل للضغط غير المتوقع، تتضح ظاهرة الفقدان الوظيفي للخلايا الدماغية. فالتكرار النمطي لسلوك معين يطبعه في الذاكرة ويغير الحراك الوظيفي للخلايا بطرق مستديمة.[10]

لقد أودع الله تعالى العقل قدرات دفاعية غريزية؛ فالتعرض للعنف يحدث تغييرا باطنيا لاإراديا في طرق التفكير والاستجابة للتعدي ورد الفعل الدفاعي عن النفس؛ التي أصبحت في موقف الضحية المعتدى عليها. ولقد وصف المحللون طرق ردود الفعل المختلفة للطفل المعتدى عليه بتحليل سلوكياته ، فالجسم أصبح مهيأً بصورة آلية لرد الفعل وفقا لما هو مخزّن في الذاكرة. ولكن إذا وقع العنف على الرضيع ، فإن أثره يتضح في البكاء وعبوس الوجه أو الصراخ أو في التمرير والتغييب الآلى لما وقع عليه من هجوم. أما في مرحلة النمو فإن الاستجابة للإستثارة تصبح عن طريق ردة الفعل الانفعالية القوية. وتعتبر المرحلة الأولى للإستثارة المستمرة عبارة عن إنذار استغاثي لمركز الجهاز العصبي وهوامشه، والتي تحث المخ للدفاع والانتباه والتأهب في حالة الشعور بالتهديد والإثارة والقلق، وهذه الانفعالات تؤثر أيضا على القشرة الدماغية. إن استجابة المخ تتخذ هذه الصورة التى تسمى حالة "الاستثارة التفاعلية المتواصلة"continuum hyperarousal فبهذه الصورة جعل الله تعالى الجهاز العصبي ينظم الاستجابات العصبية الجسدية لمواجهة التهديد الخارجي.[11] وقد أثبت العلم أن الإنسان له عقل يفكر وعقل يشعر. "إنّ البوابة التي يمر فيها تعلم الإنسان للانفعالات أو نقطة الالتقاء بين التفكير والعاطفة المتمثلة في الدائرة العصبية "الآميجدالا" وتقع في مقدمة الفص الأمامي للمخ ، وهي التي تمثل المخزن الذي يحتفظ فيه الإنسان بخبراته التي يكتسبها عما يفضله وعما يرفضه خلال حياته. فلدينا عقلان؛ عقل يفكر وعقل يشعر وينفعل وهما يبنيان حياتنا العقلية."[12]

"إن أحاسيس الانفعالات لدينا لا تنتج عن واردات أجهزة الحواس فقط فهى تنتج بعد حدوث تفاعلات وعمليات فى الدماغ والذاكرة بشكل خاص بالإضافة إلى عمل وتأثيرات الغدد الصم فالغضب لا يحدث لدينا إلا بعد معالجة فكرية والتى تتأثر بالذاكرة وما تم تعلمه وهناك تأثير متبادل بين الدماغ والغدد الصم. ويمكن التحكم فى إحداث الانفعالات باستعمال تأثيرات كيميائية وفسيولوجية."childhood (see Perry, 1994; Courchesne et al., 1994; Perry, 1997). وحين يتعرض الطفل إلى العنف في السنين الأولى، يتكيف بصورة سماها الأطباء "بالانفصالية" dissociation. وتتعلق بهذه الحالة الانفصالية آليات ذهنية معينة ، تنهي تعلق الطفل الواعي بالمحيط الخارجي؛ فيتركز اهتمامه بأغوار نفسه ومشاعره الداخلية، أي ينشط عقله الشاعر ويخمد عقله المفكر. هذا يعني أنه قد تنتج ردود فعل عديدة منها عدم التركيز، أو حالة الذهول، أو تحديق النظر دون وعي بما حوله، كما يؤدي إلى تجنب الأحداث والأشخاص في المحيط الخارجي، والسرحان، واللامبالاة ، وتنمل الجسم أو تصلبه وأحيانا الإغماء. وكما سيتضح في تحليل المنهج الإسلامي لاحقا، تفتح هذه الحالة للطفل كما هائلا من المشاعر السلبية والوساوس التى تضله عن الصراط المستقيم، وتدفعه إلى محاولة إيجاد البدائل بعيدا عن المنهج المفترض أن يتبعه الوالدان المربيان. وقد يهرب الأطفال ذهنيا بطرق أخرى عن طريق تقمص شخوص أو أبطال مسلسلات كرتونية قوية ، تعوضهم عن التألم من حالة المهانة التى يعانون منها . وتظهر في البنات خاصة حالة الهروب الذهني في أحلام اليقظة والرؤى النهارية لبطلات جميلات يحظين بإعجاب من حولهن. ويقول العلماء القائمون على فحص تلك الحالات، أن ردود فعل الطفل في حالة الصدمة النفسية عند حدوث التعدي بالتعنيف أو الضرب ، تتراوح بين الانفصال أو الاستثارة والاستجابة التفاعلية المباشرة مع الحدث.[13]

ويزداد اعتبارنا لقدرات الطفل الذهنية إذا درسنا كيفية تجهيز الله تعالى المخ ، بالقدرة على التفاعل والاختزان والاستخدام الماهر للتجارب. وما يتطلبه العالم الخارجي من العقل هو عمل ضخم لا يمكن تخيله. فإلى جانب خلق الله تعالى في المخ ، القدرة على التحكم في عمل جميع الحواس في الجسم ومراقبتها، أودع في ذلك الجهاز أيضا ، القدرة على تلقيه منفردا المعلومات عن العالم الخارجي ، وتننظيمها عن طريق الملايين من حواس الاستقبال والأعضاء الداخلية. وبطريقة تلقائية، يختزن المخ التجارب الماضية ثم يستجيب لهذه التجارب ويتكيف معها بطرق مناسبة. وقد أكد علماء الأعصاب أن تفاعل المخ مع البيئة الخارجية هو متطلب أساسي لعمله. فالتجارب العاطفية الأولى للطفل، تحفر في كيانه الذهني وتصبح مخزّنة في ذاكرته، وأول من يتفاعل مع الطفل من الخارج هو الوالدان أو من يقوم برعايته. وهذا التفاعل هو بمثابة جزء لا يتجزأ من عملية النمو، منذ الأيام الأولى للولادة. هذا يعنى باختصار بأنه لابد من أن يقوم بعملية التعلم والمعرفة والتلقي والبرمجة، بصفة مستمرة ومركزة.[14] وهذا الكيان الصغير، الذى لا حول له ولا قوة، وديعة من الله وأمانة بين يدي والديه. جاهز لتلقي خير الكلام وأحسنه، ولا ينزل على مسامعه إلا ما يثري عاطفته وروحه المتفتحة للحياة ، وينمي قدراته على التفاعل البناء والتلقي السليم واسترجاع كل ما هو مشجع ومثرٍ للثقة بالنفس وللتطلع للنجاح وللنبوغ الفطري.

فحين تقع الصدمة الذهنية لجهاز المخ، بسبب تجارب سلبية أو مؤلمة ، تعاد عملية التلقي والبرمجة، بما يناسب التجربة العاطفية الجديدة. فالمعروف أن الأسرة تمنح الطفل الشعوربالطمأنينة وتهيء له الجو الهادىء والسكينة القلبية والنفسية. وأي فعل عكس ذلك، يُحدث لديه هزة أو صدمة نفسية لأنه فوجيء بعكس ما توقّع. وتكون الصدمة لدى الطفل أشد حين تقع من أقرب الناس إليه داخل مآواه الوحيد، ومحضنه الذى اعتاده ولا يعرف غيره. ومن العجيب أن المعتدي على الطفل لا يعلم مدى خطورة اعتدائه وما ينتج عنه. فالسب أو الاستهزاء أو التهديد والتخويف أوالركل أو الضرب بآلة ما مهما كانت خفيفة، حادة أو غير حادة ، يحدث ردود فعل في الجسم لا يمكن للطفل التحكم بها بصورة واعية أو مدروسة. ولكن أودعها الله تعالى في جهاز مناعة المخ لتدافع عنه تلقائيا إذا واجه الخطر. ورد الفعل هذا مثل أي مقاومة أو دفاع تقوم به البكتيريا عندما يهاجم الجسم أى مرض عضوي مهما كان بسيطا كالزكام أو نزلة البرد، أو خطيرا كالسل والتيفود. وحين تتم حالة التعدي يقوم المخ بإفراز مواد معينة تؤثر في وظائف الجسم كله ؛ في ضربات القلب، والضغط ومعدلات التنفس ، والجلوكوز والحركة الطبيعية للعضلات. كما تؤدي إلى فقدان الشهية والرغبة في الهروب والقلق، والتوتر الدائم. كل هذه التجهيزات الداخلية تعد الجسم للدفاع عن نفسه أو الهروب من الهجمة المنتظرة، المحتملة.[15]

كما يرجع أطباء علم النفس أسباب الاعتلال العقلي والجسدي إلى سوء معاملة الطفل في سنواته الأولى. ومن الأمراض التي تداهمه؛ مرض الاكتئاب أو التعرض له بصورة تنذر بتطوره إلى مراحل أكثر تعقيدا. والكثير من العلماء يرى أن الاكتئاب هو نتيجة انخفاض النشاط في الفصوص الأمامية للمخ. إن صح هذا، فإن التطور الفجائي للنصف الأيسر من كرة الدماغ يعجل من خطورة الاكتئاب. وبنفس الشكل فإن الكهرباء الزائدة في النظام الحوفي، والتغيرات في تطور المستقبلات التى تعدل من القلق الكائن، تهيء لوجود اعتلال بسبب حالة الذعرالموجودة وزيادة خطر الصدمة البعدية للضغط . أضف إلى هذا، أن التغيرات العصبية الكيميائية لهذه الأجزاء من الدماغ ، ترفع من معدلات الاستجابة للضغوطات ، مما يؤدي إلى زيادة استجابة الهرمونات للضغط، الذي يؤدي بدوره إلى حالة من اليقظة المفرطة وإلى تنشيط الجانب الأيمن من الدماغ ، مما يصبغ البصيرة بالسلبية والشك. كذلك فإن التغيرات في حجم قرين الدماغ مع حدوث التغيرات غير الطبيعية في المحور الحوفي تزيد من ظهور الأعراض الانفصالية وتدهور الذاكرة.[16]

أما عن الاعتلال الجسدي، فيظهرحين يتعرض المخ لمواقف صعبة أو ضاغطة على قدرات تحمّل العبء الخارجي. عندها يزداد نشاطه بصورة ملحوظة. فهناك علاقة وثيقة بين التجربة وما تعلمه المخ؛ حيث يقوم بعمل ممرات عصبية تساعد الوظائف العديدة ، حتى تمر الإشارات بسهولة ويصبح تصنيف المعلومات سهلا نسبيا. وحين تصعد الخلية هذا السلم ، تتصل بأنواع مختلفة من الجينات التى تحدد شخصية الخلية cell identity فإذا طرأ شىء ما من الخارج له تأثير عاطفي أو نفسي سلبي ، أحدث تعثرا في طريق الخلية مما يؤدي إلى نتائج كارثية. فإذا رست الخلايا في الزمان والمكان غير المناسبين ، بسبب الصدمة يمرض الإنسان بأمراض مزمنة مثل الصرع المبكر، الاسترسال في التخيل ، وعدم التركيز هروبا من الواقع، أو الانفصام في الشخصية.[17]

وللعنف اللفظي والجسدي أثر خطير على استكمال النمو الطبيعي للخلايا العصبية في دماغ الطفل. فإن هناك جزءا آخر يلعب دورا رئيسيا في الاستجابة للخوف ، وهو قرين الدماغ الذى يقع في المنطقة السطحية بين القشرة الدماغية والجزء الخلفي من مقدمة المخ. ولهذا الجزء وظيفة رئيسية في التذكر والتعلم ، وفي النظام المستقل للأعصاب والوظائف العصبية الصماوية. وحين تصل المخ إشارات باحتمال حدوث هجوم ما على الجسد ، تنشط أجهزة الدماغ للتحرك. والذى يحدث هو أن هرمونات الإجهاد والضغط للخلايا العصبية الناقلة، تستهدف منطقة قرين الدماغ مما يحدث تغيراً ببنيته الأساسية وحجمه. واستخلص الأطباء أن الضغط المتكرر يمنع النموالطبيعي للخلايا العصبية في جزء معين من قرين الدماغ. وهذا التأثير غالبا ما يغير القدرة على التذكر الطبيعي والتعلم والتلقي المعرفي ، وهذه الحالة تصاحب مجموعة الأعراض الخاصة بعواقب الأزمة العصبية النفسية الكائنة والتى تسمى ب post traumatic stress disorder.

كما جهز الله تعالى المخ بالقدرة على الدفاع عن طريق الإفرازات الداخلية المهدئة ،عندما تحدث الأزمة العصبية حفاظا على كيانه. فحالة الشعور بالانهزامية تضع الطفل في موقف المكافح دون أن يدري، ولهذا يبدأ المخ في العمل ، إما للرد أو للهرب ، fight or flight ، فيفرز مادة الEpinephrine المعروفة بالأدرينيلين وهى مادة عصبية ناقلة. كما يفرز ما يتعلق بها من منشطات. غير أن هذا له عواقبه ، كذلك لأنه يحدث انخفاضا في ضغط الدم وفى معدلات ضربات القلب. كما أن الخلايا العصبية الدوبامينية تلعب دورا هاما في ردود الفعل ،عند الشعور بالإنهزامية. وهذه الهرمونات هى بمثابة الجائزة أو الثواب المؤثر في التعديلات المطلوبة لمواكبة الحالة ، مثل إفرازات المورفين الطبيعي المخفف للألم والمعاناة. وهذه المخدرات الربانية ، الطبيعية تغيرالواقع الزماني والمكاني المؤلم المحيط .

أما عن ردة فعل الجسم للألم الجسدي، فتتضح من وصف الجلد وأنواعه في القرآن. استنتج منها العلماء تقسيم الأعصاب المتخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الألم، حتى كشف علم التشريح اليوم دور "النهايات العصبية" في إتمام مهمتها. وقد ارتبط الألم الجسدي في القرآن بتعذيب الكافرين. ولا يتخيل إنسان أن يعذب جسد طفل بإنزال الألم عليه كما ينزله الله على الكافرين ، ليحدث نفس الأثر عليه. فهناك خمسة عشر مركزا لمختلف أنواع الإحساس العصبي، قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح. قسموها إلى ثلاثة مستويات: سطحي وعميق ومركب، يتراوح الإحساس بالألم بين اللمس والحرارة ، ويصل إلى العضلات. وقد يعود الإحساس سريعا أو قد يُعطل لسنة أو سنتين ، أو قد لا يعود مطلقا.[18] ومع أن تلك المعلومة قد تكون بسيطة، إلا أن معظم الآباء الذين يمارسون العنف الجسدي على الأطفال ، قد تجاهلوها كما دلت الإحصاءات أعلاه.

المطلب الثاني

تعارض العنف مع المنهج الرباني الذي وافقه العلم:

أولا: تعارض العنف مع روح القرآن وحثه على الرحمة:

من كل ما سبق ، نستخلص أن العنف يتعارض مع روح القرآن؛ فمن مبادىء الرحمة التي يعرفها كل مسلم ، أن الله تعالى رحم عباده بإنزال الكتاب المبين ،الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ليعلم البشر كيف يتخذونه منهجا لحياتهم ، وإلا ضلوا ولكانت الحياة لغزا لا حل له ، والممات نهاية لا تعرف الحكمة منه، والآخرة يستوي فيها الصالح والطالح ، البريء والمجرم. وكل سورة في التنزيل الحكيم بداية بتأكيد الرحمة في البسملة، ليتذكر المسلم أن خالق الكون بما فيه من معجزات وآيات وجمال واتساع وتركيبات، قد سخره سبحانه للإنسان ، وهذا من رحمته جل وعلا. فرحمته تثبت له على ما يليق بجلاله وعظمته ، وهي لا تنفك عنه. فهي اسم كتبه على نفسه عز وجل، ليعلم البشر بأنه لا يظلم أحدا ، وأنه قد عاهد عباده بإنزالها عليهم ؛ "كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" (الأنعام: 54). فقد وسعت رحمته كل شيء. وهى تدل على الفضل والكرم وتحمل معاني مجازية عديدة ، كما في قوله تعالى "وربك الغني ذو الرحمة " (الأنعام:133).

فهي رسالة قرآنية قوية تدفع الإنسان مرارا للرحمة والتراحم ، حتى تصبح جزءا لا يتجزأ من كيانه الإنساني، وفؤاده وإيمانه بأصل الرحمة ومنبعها. وقد وردت في القرآن على ستة عشر وجه، في حوالي مئتين وثمانية وستين موضعاً. وهى تدل على العطف والحنان. ومن يملكها يكون غنيا في خلقه، ثريا في روحه، معطاء في حنانه. يقال: رحمه يرحمه، إذا رقَّ له، وتعطف عليه. والرُّحم والمرحمة والرحمة بمعنى واحد ، وهى تتلازم مع الرقة ودماثة الخلق ورقي السلوك ، لأنها منّة من الله تتجلى في آيات كثيرة منها "رَأْفَةً وَرَحْمَةً"(الحديد27. (ويؤكد الله عز وجل أنها نعمة ترفع القسر والضيق والضغط والكربات، فالتخفيف والتيسير من الرحمة، كما يؤكد سبحانه: “ذلك تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ" (البقرة: 178). وهى منّة منه سبحانه يعصم بها المرء من نفسه الأمّارة بالسوء . إن قسوة القلب ، والغلظة ، والغضب ، والعنف كلها صفات طبيعية أو مكتسبة، تدل على التخلق بما ليس هو حسن ولا يؤدي إلى حسن، فهي صفات سيئة تؤدي إلى ما هو سيء. ولهذا فالله يرحم عباده بالإنعام عليهم بها ،كما قال سبحانه: "إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى" (يوسف:53) وهو يصطفي من يشاء ليزكيه بها ، "يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ" (البقرة: 105) ومثلها "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها" (فاطر:2). ورحمة الله بعباده كنبع لا ينضب؛ فقد صوره الله لنا بأنه لا نهائي "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي لأمسكتم خشية الإنفاق" (الإسراء:100). كل هذا ليعترف العبد بنعمة الله عليه وكل هذا أيضا يحث العبد على العطاء الوجداني والعاطفي بدون إحصاء ،لأن الله لا يحصي ما يعطي لعباده. وهو جل وعلا الحنّان المنّان ،الذي يغدق على من سعى إليه باستجابة لا حد لها ويرزق من يشاء بغير حساب.

فالعبد يدعو الله أن ينعم عليه برحمة في العقل، تمنحه الحكمة في الفكر، ويتعامل بها مع الخلق، ورحمة في الطبع، يخالق الناس بها بخلق حسن، ورحمة في القلب تفجر طاقات الحنان ، ليحتضن أطفاله وينقذهم من الضلال، ورحمة في الأداء يتقن بها عمله، ويكسب بها رحمة الخالق ليؤكد أنها فضل من الله ومنة ، تدخله الجنة التى يرجوها بنيته الصادقة لله ؛" أولئك يرجون رحمة الله " (البقرة:218)، أي: يطمعون أن يرحمهم الله، فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم، كما في قراءة الآية :"وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ " (هود:28). ويدعوه العبد برحمة في المعاش والرزق ، فالرزق الوفير والخير الكثير هو من رحمته سبحانه، فيأتى بالمطر ليعم الخير بأشكال كثيرة ؛ منها إضفاء جمال الخضار والأشجار والنباتات والزروع الكثيفة والزهور والورود بأنواعها وروائحها ،من كل زوج بهيج ،ليرتاح بها المرء وتفرج بها النفس ،وتنعم العين بألوانها والروح ببهجتها ،ودل على ذلك سبحانه بآيات كثيرة منها قوله تعالى: "بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ" (الأعراف (57: ومنها "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) يونس: 58).[19]


ثانيا: تعارض العنف مع سنن النبي القولية عن الرحمة:

لقد أرسل الله عز وجل خاتم النبيين، وإمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين، رحمة للعالمين؛ "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء: 107). وتتجلى هذه الصفة السامية ، في رسالة نبي الرحمة ، وفى كريم شخصيته ، وفى جل معاملاته، مع الصغير قبل الكبير، والغنى والفقير، السيد والمسود، العربي والأعجمي، المسلم واليهودي. وقد أرشدنا إلى الرحمة في أقواله وأفعاله. واستكمالا لمباديء الرحمة الواضحة في القرآن، فأحاديثه عنها ، صلى الله عليه وسلم ، هى مفتاح المنهج النبوي التربوي، المبني عليها وما يلحق بها من طباع الحلم والصبر والليونة والهوادة والرأفة والرفق. ومن أقواله ، صلى الله عليه وسلم، التي تحث على التخلق بها وبالحلم ونبذ الغضب : "لما قضى الله الخلقَ، كتب في كتابهِ على نفسهِ، فهو موضوعٌ عنده: إن رحمتي تغلب غضبي."[20] وقد حث عليها في أحاديث عدة ، ورغب فيها وفى توصيل الأرحام ، كما في قوله "‏الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. الرحم شجنةمن الرحمن[21] فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ."[22] كما وردت في قوله "جعل الله الرحمة مئة جزء. فأمسك عنده تسعة وتسعين. وأنزل في الأرض جزءاً واحدا . فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق . حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها ، خشية أن تصيبه." [23] فالأم والأب مرحمة لولدهما ، كتب عليهما حتما أن يصلا رحمهما به ولا يقطعاه بالغلظة والقسوة. ومن ترغيبه في الرفق أنه قال: "يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف . وما لا يعطي على ما سواه."[24] إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه . ولا ينزع من شيء إلا شانه." [25]

ثالثا: تعارض العنف مع تكريم الله الإنسان وحفظ عقله لاستخلافه في الأرض:

لقد حاولت المنظمات العالمية إظهار قيمة الإنسان بعد أن أهدرت كرامته. فسنت الأمم المتحدة له حقوقاً قد كتبها الله تعالى له في كتابه العزيز، قبل أية سنن وأية قوانين دولية. إن قيمة الإنسان وتكريمه تتجلى في آيات بدء الخلق (البقرة:30). فقد سأل الله الملائكة أن تسجد تكريما له، كما فضله على سائر الخلق؛ " و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (سورة الاسراء : 70). وأكد بذلك سبحانه على خلق الإنسان في "أحسن تقويم" (التين: 5) وكما قال المفسرون "أنه ليس لله تعالى خلق هو أحسن من الإنسان؛ فإن الله خلقه حيًا، عالماً، قادرًا، مريدًا، متكلمًا، سميعًا، بصيرًا، مدبرًا، حكيمًا. وهذه صفات الرب."[26] كما تتجلى في اصطفاء الإنسان بالعقل وإعطائه مفاتيح الحكمة والعلم، بتعليمه الأسماء كلها، وتعليمه ما لم يعلم ، وقد كان في ظلمة الرحم لا يعلم شيئا ، وعلمه التمييز والبيان ( الرحمن: 3) ووهبه القدرة على التعقل والسماحة والإحسان. وأضفى عليه صفة تميز بها عن بقية الكائنات وهو نفحة الروح فيه. وهذه النفحة هى التى أعلته وأدت إلى تساميه وعلوه وارتقائه ،فالضمير، والكرامة، والشرف، والسمعة، تحيط بالإنسان وترفعه بين الخلائق. وما الإصرار على تجاهل البعد الروحي للإنسان إلا طمس لمعالم إنسانيته وتبديد لملكاته وإنكار لهويته. فرغم الطين الذى خلقه الله منه، فقد أودع في قلبه الإيمان، وغذى روحه بالقرآن، وهو النور المنزل من الله، نور السماوات والأرض، الذى يضيء القلب وينير العقل ،فرفعه من الأرض إلى السماء، وانتشله من حضيض الدنيا إلى حب جنات الخلود ، والسعي إلى النعيم الموعود.

وبذلك قد أهله الله تعالى للاستخلاف في الأرض. وهذه المهمة توضح قيمته وتتوج وجوده وتدعو إلى الحفاظ عليه ، بشتى الصور، لإتمام رسالته المنوط بها ،حتى يلقى الله. فهو أولا مسؤول ومكلف ، وأي انتهاك لحرية اختياره هى اعتداء على إنسانيته، وإهدار لآدميته؛ فالوالدان كلاهما مسؤول عن تجهيز الطفل لمهمة الاستخلاف، ولا يمكن له أن يصبح مسؤولا إذا تعرض لجميع الضغوط التي شرحناها سالفا ، والتي من شأنها أن تعوّقه فكريا ونفسيا ، وتخلق عنده نظرة دونية لذاته ، التي من المفروض أن تحظى بالتكريم، كما سن الله لها أن تسمو وتعلو في إنجازاتها التى أراد الله لها باصطفاء الإنسان للخلافة في الأرض.

فالحفاظ على كيان الإنسان الصغير في طور نموه، هى مهمة الإنسان العاقل الكبير، الذى اختار أن يكون أبا أو أما. ومهمة الوالدين استخلافية غائية. أرادها الله تعالى كذلك، لتحمي مقاصد الشريعة "التي جاءت لتحقيق مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم، وحمايتهم من المفاسد ،وما يفضي إليها، أي أنها تمحورت حول جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن هذه المصالح لا تتحقق، والمفاسد لا تدرأ ، إلا بتوفير ما اصطلحوا على تسميته بالكليّات الخمس، أو الضروريات الخمس، التي لا تستقيم الحياة وتستقر وتستمر إلا بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال ."[27] وأولها حفظ العقل والنفس، ومن خلالهما حفظ الدين. فلا يحفظ دين إلا من خلال نفس عاقلة مؤمنة. فالعقل محل التكليف والوعي بالمسؤولية، التى من أجلها خُلق وعليها يُحاسب. فكتاب الله عز وجل أوضح لنا كيفية حماية العقل من التضليل والضلال، فحرم كل مسكر ومخدر للعقل، ليكون مجندا ومنتبها وجاهزا لتلقي التكاليف الثقيلة ، ليحفظ الإنسان من الضياع. وإذا وعى المكلف المراد من الشرع، يقصد "من عمله بالتكاليف الشرعية المقاصد التى وجه الله عباده إليها ، وارتضاها لهم ، فالله سبحانه وتعالى شرع لعباده الأعمال التى تضمّنها دينه." [28]

ومهما بلغ الوالدان من مكانة عالية، و بحكم أنهما والدان، وأن الله عز وجل أمر أولادهما بالإحسان إليهما واحترامهما ، فليس لهما في المقابل أن يتجبرا على أطفالهما. فقد منع الله في كتابه الكريم التذلل أو المذلة والخضوع لغيره سبحانه. فأوقف تأله البشر بعضهم على بعض ، وأوضح أن عبادة البشر من دون الله لا تصلح منهاجا للفلاح في الدنيا؛ " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ " (التوبة:31).

وقد منع الله عز وجل أن يظن إنسان أنه يمتلك إنسانا آخر ويتحكم فيه، وفي إرادته، فيمتهنه ويذله ويسيطر عليه ويمنعه من التعبير عن رأيه ،ما دام في حدود الشرع والحلال ،و لا يخل بأحكام الدين ومقاصد الشريعة. ولهذا كان الدين الحنيف هو أول دين على وجه الأرض ،تسامى على الديانات والفلسفات المحيطة بالجزيرة العربية، في بلاد الروم وفارس ،والتى أثرت على انتشار فكرة امتلاك العبيد، والتحكم في مصائر البشر ،قبل مجيء رسول الرحمة، صلى الله عليه وسلم. لقد ألغى الإسلام التميز والتمييز والتعالي والكبر والتظالم، وأُلغيت جميع الفوارق القسرية، كاللون والعرق والجنس والذكورة والأنوثة، كما جُعلت هذه العلاقة منبت الإنسانية وسبيل امتدادها وتشكلها وانتشارها من رحم واحد.[29]

كما أوضح لنا الكتاب المنير، أن جميع أنواع التجبر والسيطرة والطغيان والطاغوتية والفرعنة والظلم، ومرتكبوها، جميعهم إلى زوال ،إن آجلا أو عاجلا. ويتجلى ذلك بوضوح في سورة هود التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها شيبته وأخواتها.[30] فقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم فرعون ، ومن عَبَد الدنيا وعَبَد البشر من دون الله أذاقهم الله تعالى ما استحقوا ، بسبب تعاليهم وتألههم على الله، فليس لأحد أن يظن نفسه أنه يمتلك ابنه يفعل فيه ما يشاء؛ لأن الأبناء أمانة من الله ، ومنّة من الله عليه، وزينة الحياة الدنيا، وجسر إلى الجنة لمن أحسن، فهم معنى الأبوة والأمومة واتبع منهج النبوة.

ويحب الله تعالى أن يأتي إليه البشر طائعين ،لاقتناعهم بالمنهج وانعقاد قلوبهم عليه حبا وتفضيلا ،لأنه وافق هواهم وما يرتاحون له إذا فهموه وقدروه حق قدره. ولو شاء الله لأنزل على خلقه من البشر آية من السماء ، فظلت أعناقهم لها خاضعين ، فلا إِكْرَاهَ في ٱلدّينِ (البقرة:256)، ولا يجبر أحد عليه؛ وتكرر هذا المعنى، فأصبح قيمة جوهرية في كنه مبادئه، كما في الآية: "وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ" (ق:45). وتأكيدا على ذلك؛ فقد أوضح لنا سبحانه أنه حرم الظلم على نفسه، جل وعلا، وأمر البشر ألا يظلموا، وحرّم القهر والإجبار والإكراه بجميع أنواعه؛ فكفل حرية الاختيار والفكر، ومنح العقل فسحة للتفاهم والتشاور والفهم والتلقي، دون عنف أو تعنيف أو ترهيب. فقد كرم الله العقل البشري، ومنح الإنسان الحرية والإرادة،التي بها يتحقق تكريمه وتكليفه ومسؤوليته.

وإلى جانب تعارض ممارسة العنف ضد الصغير، مع قيم تكريم الإنسان المكلف بالاستخلاف، وحمايته من الظلم والإكراه ، فهو يتعارض أيضا مع حفظ الله النفس ، التى أوضحها لنا سبحانه بكل تعقيداتها. ففي سورة الشمس، مثلا، يوضح لنا جل وعلا أنه قد سوّاها وألهمها فجورها وتقواها ، كما يوضح أن تزكيتها تؤدي إلى الفلاح، وأن إفسادها يؤدي إلى الخسران . وتزكية النفس هى أحد أهداف إرسال الرسل جميعا ، وانتهائهم بخاتم النبيين وإمام المرسلين ،من أجل هدايتها وصلاحها. فتزكيتها هو الهدف الغائي والنهائي لهم ولرســالاتهم في هذه الحياة الدنيــــــــا. ويأتي ذلك في آيـــات عديدة منها : " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ "(البقرة: 151). ومنها " لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ" (آل عمران:164).

ولن يزكي والد نفس ولده ، ويتوقع تقبل ولده لآيات الحكمة المزكية ويهديه إلى الصراط المستقيم، إن لم يكن قد زكى نفسه هو أولا، بصفات الحلم والصبر والأناة، ودرب نفسه على التفاهم والإقناع والنصح والإرشاد، بدلا من الاستعجال والتسرع بالغضب والغلظة والقسوة. فكل هذا لا يتناسب مع معاملة النفس، التى شرح لنا الله مواطن ضعفها، وأدوات الحفاظ عليها أو تدميرها. فالعنف والتخويف يدل على الجهل بفهم ما أوضحه الله لنا، في كيفية الحفاظ عليها، فوصفها سبحانه لنا أدق الوصف: " إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا _ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا _ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا _ إِلَّا الْمُصَلِّينَ _ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ " (المعارج:19-23). فالتخويف والتهديد يصيب الطفل بالهلع والفزع.

كما أفهمنا القرآن أن النفس أنواع؛ إما أمارة بالسوء، أولوامة على الذنب، أومطمئنة بإخضاع نفسها لله، بعد استقرار القلب للإيمان وشفائها بالقرآن، وانتهاج مسار سيد الآنام. ولن يستقر قلب الولد وتطمئن نفسه بالسب والفحش واستخدام البذاءات والاستهزاء والترويع والإيذاء والتهديد والرعب، بل ستتجه به إلى التمرد والعصيان ،وترك القرآن، وتأمره بالسوء، وارتكاب المعاصي والذنوب.[31] فالأولى أن يتعلم الآباء أن ذكر الله هو سبيل الرشاد: "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" (الأعلى: 14-15) وأن الدعاء للولد خير من القبح والغل ،الذى يؤدي إلى الفشل والاضطراب.

و في النهاية، إن العنف هو نتاج الغضب الذي يستحوذ على الإنسان، ولا يمهله فيرتكب الظلم، لعدم التروي والتأني في الأمور، والتحقق مما إذا كان الولد يستحق التعنيف أو العنف الواقع عليه. "خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ . سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" (الأنبياء: 37( ، ولعدم ضبط نفسه والالتزام بالضوابط الشرعية في التأديب. وهذا يتعارض مع ما حث عليه الله عز وجل من الاعتدال والعدل . ففيما روي عن الله تبارك وتعالى أنه قال" يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي!" وفى رواية أخرى" إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي . فلا تظالموا ".[32]

المطلب الثالث

تعارض العنف مع تشكيل العقل المقصدي وتحمل مسؤولية الاستخلاف:

أولا: تحديد مواطن الخلل:

لابد أن نقف أولا على أصل مشكلة العنف وموقعها، بالنسبة للعلوم الدينية. هل هى تعالج في باب العبادات أم باب المعاملات؟ لقد اهتم الفقهاء دائما بفقه العبادات ، وأهملوا المعاملات، خاصة في المجال التربوي. لكن العلماء قد تعرضوا لمعاناة الأمة بسبب إهمال العلوم الإجتماعية. "وهو مؤشر مؤرق بسبب غياب فقهاء المجتمعات، وفقهاء التربية، وفقهاء التخطيط وفقهاء استشراف آفاق المستقبل، وفقهاء علوم الإنسان، فقهاء الحضارة عامة، الذين يشكلون عقل الأمة ، ويعرفون كيف يغترفون من هذا الإسلام، لمصلحة الأمة في واقعها المعاصر ، وكيف يتعاملون مع هذا الإسلام، ويعودون بالأمة إليه."[33]

ولمعالجة العنف، لابد من الفهم التربوي له كجزء هام من العلوم الاجتماعية والإنسانية، كما لابد للمعالج، الدارس والفقيه من امتلاك الأدوات والآليات الضرورية، لفهم خطورة العادة السيئة وعواقبها على تطبيق الدين. والمعالج لابد له من "إدراك أبعاد الإنسان، والتعرف على مفاتيح شخصيته، وطرائق تفكيره، والأسباب الحقيقية الكامنة وراء مشكلاته ، وهو محل الحكم الشرعي. وإنما النزول والتزود قبله، بآليات فهم هذا الواقع، من العلوم الاجتماعية التي توقفت في حياة المسلمين منذ زمن."[34]

إن الهجوم على عقل الطفل وتعقيد نفسيته، من الأسباب الأساسية لتردي الأمة. ولن ترقى الأمة الإسلامية إلى أعلى المستويات الحضارية ،إلا بالتنزيل وبالهدي النبوي، فقد سبق أن رفعها عاليا وسطر لها تاريخا تحسدها عليه بقية الأمم. لكن الفكر الإسلامي قد منى بنظرة جزئية متقطعة تردد ما تعلّمته في الماضي وتنكب عليه بدلا من رؤية الحاضر بواقعه ومشاكله لتغيره بإبداع وابتكار. فالأمة المسلمة أهل للتقدم في جميع مجالات المعرفة، بحكم عراقتها وحضارتها، التى فاقت الحضارات كلها . غير أنها فقدت هويتها بسبب إهمالها للعقل وتربيته وكيفية برمجته ودراسة سبل الحفاظ عليه، ليحسن التلقي، وأهملت منحه الأدوات الملائمة لتصفية ما يتعرض له، من معلومات وتجارب،ليتختزنها ويحسن استخدامها. وقد ترك العقل، بالمقابل، للفوضى الفكرية ولرياح العلمانية العاتية، بدلا من حمايته ليحسن تلقي المنهج الرباني.

وفى مضمار تغير سبل الفكر وتحويل القدرات الذهنية من النقل إلى الإبداع، برزت اجتهادات العديد من العلماء ، في جميع المجالات، لمحاولة علاج الخلل، والتصور في الفكر الإسلامي. وتمثلت هذه المحاولات في الدفع بالعقل، لتبني النظرة الكلية الشمولية، من أجل التصدي لمشاكل الأمة ، التى تبدأ بتربية الفرد المسلم، وملكاته الفكرية. وهي التي إذا ما أحسن تنميتها، أحسنت التصدي بالنظر الشمولي إلى الكليات، بدلا من أنصاف الحلول، وأنصاف الاجتهادات، وأنصاف الإنجازات. فالعقل التجزيئى هو الذي وضعت في سبيل نموه العوائق، وسُدّت في سبيل تطوره الطرق، وحُجّم عن النمو الطبيعي والارتقاء الفطري، إذا ما لامس القرآن وامتزج بمعانيه السامية. فالهجوم على العقل بالتعنيف والعنف، يحرمه من النور الرباني، الذى يضفي البصيرة الثاقبة، ويضيء الطرق المظلمة، ويوقظ العقول من غفلتها، فيضفي على العقل بعد النظر، ويمنح الفرد المسلم الفراسة الكافية ، لحمايته من الوقوع في ما يتهدده من خطر في الفكر والمعتقد، ومن ثم في السلوك والتطبيق للمنهج الرباني. ثم تحمل مسؤولية الخلافة في الأرض.

فالهدف في تغيير منهج التفكير عند الفرد المسلم ، هو استيعاب وتشرب ثقافة التحول، من "عملية التلقين والتلقي والقبول والتوارث الاجتماعي للتقليد، إلى عملية التفكير والفاعلية والمناقشة والفحص والاختبار والمراجعة والاستدلال والاستقراء والاستنتاج وبناء العقل الفاعل الناقد ، والشخصية الاستقلالية، التى تمتلك المعايير والمفاتيح والمنهج الصحيح للنمو والترقي، وتمتلك حرية القبول والرفض، ومفاتيح الحث والنظر، وبذلك يكون العطاء التربوي والتعليمي من أبرز ما يميز نظرية المقاصد أو الاجتهاد المقصدي، حيث ينقل الفرد من العطالة إلى الفاعلية ،ويمنح للعقل دليل التفكير وللطاقات دليل التشغيل.[35] كضرورة للنهوض بالقدرات العقلية المكتسبة للطفل، مما يوافق القدرة على تحمّل المسؤولية الاستخلافية، في النواحي الاجتماعية والعلمية والنهوض الحضاري ، بدلا من حالة العجز الفكري بسبب العقلية النقلية الناتجة عن عدم القدرة على الحراك الفكري، الإبداعي الخلاق.

لهذا فلابد من إعادة صياغة طرق التربية، والمعاملة مع العقل وتشكيله منذ بدء التكوين. فإنه "من القضايا الجديرة بالوقف أيضا، ما تمنحه الثقافة المقصدية من نقلة منهجية وأنظمة معرفية في المجال التربوي، أو بناء العملية التربوية والتعليمية، وتربية العقل بشكل أخص."[36] ولعل مقصدية وحكمة التدرج التربوية، والبناء المتأني للعقل بفهم مقاصد الفكر ومآلات أفعال العباد ،هو أول خطوة لإصلاح سلوك المربي، وإصلاح أسلوبه في معاملة العقل النامي. فالعنف مفسدة لابد من درءها حتى تتحقق المصلحة، ولابد للمربى من فهم أحكام التشريع تدريجيا ، ثم وتنزيل الشرع على الواقع ثم يتبني الطفل المتلقي هذا النموذج في الفهم والتنزيل. وهذا المنهج يهدف إلى نقل العقل من عقل ناقل إلى عقل غائي "تعليلي ، تحليلي ، برهاني ، استقرائي، استنتاجي."[37] وعملية البناء هذه لن تتم طالما يلعب المربي دور المتسلط على عقلية الطفل ،فلا يترك له فرصة لفهم المراد. فهذا المربي لا يضع نصب عينيه المنهج الرباني، ويطبقة كما يريد الشارع ،وإنما تصبح شخصيته وعاداته وسلوكياته هي المنهج نفسه أو بديلا عنه. ويفرض على الطفل الاقتداء بهذه الشخصية ،على علاتها، فيظل الطفل في حالة التلقي المعرفي والعقيدي والسلوكي لما يعلمه له الأبوان.

ثانيا: انتقاء الأعمال بالنيات، والأفعال بالمآلات ودرء المفاسد في التطبيقات:

أهم قاعدة من القواعد المقاصدية المنهجية، التي لابد للمربي أن يفقّه نفسه فيها ،هي إعطاء الوسيلة حكم المقصد. فالمشرع يجب أن يضع نصب عينيه ما يترتب على إعمال الوسيلة،من المصالح والمفاسد. فتقويم مآلات الأفعال لمصلحة تُجلب أو مفسدة تُدرأ ،هو مقياس الإقدام على فعل ما أو الإحجام عنه.[38] وهذا المقياس الشرعي، يطبق على الأبوين وأطفالهما، وهما أمانة في أعناقهما ثم تجنى ثمار ذلك في المجتمع والدولة، أي ابتداء بالوحدة الصغيرة إلى الوحدة الأكبر بطريقة تصاعدية. فالمفسدة التى يتوقف عليها العمل، تجنب العبد التخبط في الوحدة الصغرى، وهى الأسرة ثم تجنّب أفراد المجتمع ،التخبط فيه ،ثم تجنّب الدولة مبالغ باهظة ،للتحكم في الفساد الناتج عن ذلك، وما ينتشر في المجتمع من جرائم بين الناشئة وأطفال الشوارع ،المهملين أوالهاربين من أسرهم نتيجة للعنف الأسري. وبطبيعة الحال، إذا تجنّب المربون العنف وما يترتب عليه من مفسدة، وانتشر التعقل والتفهيم، كمنهج تعامل مع الناشئة، أدى ذلك إلى استعادة حضارة القرآن.

فلأن قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده من العمل موافقا لقصد الشارع من التشريع ،لابد من تعديل نية المكلف وقصده ،فقد يكون الفعل مشروعا ، كتأديب الولد لمصلحة يفترضها المربي. وغالبا ما يريد المربي الإمساك بزمام الأمور، لإحكام السيطرة وعدم تفلت الولد. غير أن هذا المسلك له ضوابطه الشرعية ،التى تجاهلها ، فيؤدي سلوكه إلى مآل غير مشروع ،لفقدانه ضوابط الشرع وعدم تغليب مصلحة الولد ،من منظور الشرع ،على المصلحة الفردية الظاهرة في التأديب لإخضاع الولد. فلابد للوالدين من أن يسألا أنفسهما أولا ما الهدف من التعنيف والعنف بالأسلوب الخاطىء الذي شرحناه سالفا؟ هل سيأتي بنتائج تواكب مقصد الشرع أم تأتي بعكس ذلك من نتائج سلبية؟ فإذا غفل المربي عن نتائج الأفعال، فقد غفل عن النية في انتقائها. فالتعنيف كهدف في حد ذاته يتنافى مع إنزال الألم على الفرد المسلم، لتناقض ذلك مع قيم الدين ،التى سنفصلها ببيان المنهج التربوي.

إذن فالنية لابد أن تمحّص قبل الإقدام على الفعل. ويدل على ذلك أحاديث كثيرة، منها الحديث المعروف عند العلماء والعوام "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه."[39] ومن القواعد الشرعية أيضا أن المشقّة تجلب التيسير، ودليلها : قول الله تعالى " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"(الحج:78 ) وقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت بالحنيفية السَّمْحَة." كما أن أي ضرر واقع يُزال فورا بحكم الشرع ، والأدلة القرآنية كثيرة، منها "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو" (الأنعام :17، يونس:107) وقوله "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما" (يونس: 12). والضرر هو ما يكون بغير قصد ، والضرارما يكون بقصد.

واستساغة فعل أو تركه هو من باب التحسين والتقبيح العقلي، الذى يتوافق مع الشرع. فإن خلود الأحكام والقيم الشرعية، وكونها خاتم الشرائع، لا تكلف المؤمن إلا بما هو حسن، وهو ما يضفي على تلك الأحكام صفة الأبدية، ويوجب الالتزام بها. فالغطرسة والتسلط دون داع مثلا، توصف بالقبح لأنها تحدث اضطرابا في البنية الأسرية. ولا يستعيض المربي بالحسن والقبح العقلي بدون موافقة الشرع. فالطبيعي أن كل إنسان يجد في نفسه حسن العدل وقبح الظلم ويعرضهما على عقله، ويختار العدل وينفر من الظلم. فعلى هدى مقدمة المصالح والمفاسد، ومقدمة اعتبار مآلات الأفعال وموافقة قصد المكلف قصد الشارع يصبح الفعل سليما.[40]

فإذا كان القرآن والسنة هما المرجعية الكائنة، في ضمير الوالدين، فلابد لهما أن يعتبرا علة الفعل ومآله. فيحدداه ويقارنا بين الإقدام على الفعل لاختياره ،وبين نتيجة ذلك الفعل. أي أن يفكرا في ما هو حاليٍّ وما هو مآليٍّ. فإذا توقعا ضررا في المآل بعد تقويم الأمر، بسبب اعتبار المناط الحالي، أحجما عن التعنيف أو إيلام الولد، وإذا توقَّعَا نفعا ومصلحة راجحة من إعمال ما هو ناتج عن الفعل، أي مقصوده ومآله، قاما به. "لقد وضعت الشريعة لتكون أهواء العباد تابعة لمقصود الشارع (لا العكس) ،ولقد وسع الشارع على العباد في شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم، ولا يفضي إلى مفسدة ولا إلى مشقة."[41] وإذا اختار المربي العنف وسيلة للتأديب، فهو لا يضر بعقل الولد فقط، بل يؤصل فيه مبدأ العنف كوسيلة تربوية ناجحة. وبهذا يتوارث جيل بعد جيل هذا الأسلوب التربوي الخاطيء، الذى يودي بالعقل المبدع نتيجة القضاء على قدراته الفطرية النامية، والتى تحتاج إلى ثقافة دينية نفسية تربوية ومعرفية.

ثالثا: نبذ العنف وتحقيق الاستخلاف التعبدي:

أولا: التوحيد الخالص:

إن فهم مهمة الاستخلاف ، تصوغ نظرة الفرد المؤمن لنفسه، وتجرده من الأطماع والشهوات ، وتحدد دوره في الكون وما عليه تحقيقه في الحياة الدنيا. وهى التي تميزه عن أتباع الأديان الأخرى. ومهمة الاستخلاف تجعله يضع نصب عينيه مقاصد الشرع. لذلك فإن خلوص النية لله هي سر توجيه الروح إليه سبحانه. وقد كانت السمة البارزة لعصرالنبي وصحابته الكرام ،هى عدم الخضوع لغيرالله . فالدين ليس مجرد نظريات تفهم، أو آيات ترتل بلا وعي أوتدبر أو تعقل، أو أحاديث يتفاخرالمرء بحفظها. فمشكلة العصر أن آليات الفهم للمراد الإلهي أصبحت مجرد نظريات لا تنزل على الواقع، لتحقيق المصالح التى يريدها الشرع. وحتى إذا استطاع الإنسان فهم دينه، قد لا يملك آليات التطبيق، بسبب تجزئة الرؤية، وعدم فهم الدين بكليته وشموليته، "فقد يحصل فهم الدين ، ولكن لا يحصل تطبيق الدين (أي التدين) على وجه قويم، يؤدي إلى الغرض من الدين."[42]

ثانيا: تحرير العقل وتفجير منابع الإيمان في الطفل:

فمهمة الوالدين إذن هى الجهاد، لإنجاز مهمة الاستخلاف، بتطبيق النهج القرآني والنبوي في التربية. وجزء من مهمتهما أيضا، التوصل إلى الكيفية التي يستطيعا بها إثارة النزوع إلى التدين، وتفجير ينابيعه في نفس الولد، ومن ثم تقويم سلوكه، بنهج الدين القويم. وحتى يتحقق ذلك، لابد لعقل الطفل من التلقي الإنسيابي للوحي، لمصدر الدين قرآنا وحديثا، دون عوائق أو موانع . ولابد لهما من تجهيز العقل بطريقة هادئة ،تسهل تقبل التنزيل وتغيير الإرادة، ثم طاعة الأمر وتطبيق التكليف الملزم. "إن مفهوم العبودية لله في الإسلام يعنى الحرية، في أرقى صورها وأكمل مراتبها.

وإذا كانت صادقة تعني التحرر من سلطان المخلوقات، والتعبد لها. لهذا كان تحررالإنسان من عبوديته للبشر، أو لفكر، أو ثقافة، أو سلوك لا يحظى بمرضاة الله، هو أول السبل للتعرف على مهمته الاستخلافية. فالمسلم الحق ينظر إلى هذا الوجود نظرة صاحب السلطان، فالله خلق كل ما فيه من أجلنا وسخره لنا"[43] والهدف الأسمى للمؤمن هو بلوغ الجنة. ولن يتم هذا قسرا أو جبرا. والذى لا خلاف فيه أن الإنسان يريد تحقيق ما اجتمع عليه البشر أجمعون ،وهو السعادة أي "طرد الهم والغم" فلا تتحقق سعادة الا بهذا الطرد.[44] ولا تتحقق خلافة إلا بتغيير السلوكيات المعطلة لأدوات وآليات الاستقبال. فالتدين إذن هو جهاد لإنجاز الدين، فيه معاناة يكابدها الإنسان عبر واقعه الذاتي والموضوعي، لتزكية النفس وتحقيق مهمة نشره في الأرض، بالطرق المواكبة للشرع لتحقيق الخلافة.

ثالثا : تغيير ثقافة العنف:

إن قضية التدين قد أساء فهمها الكثيرون، فمنهم من اقتطع من الدين ما وافق هواه،وترك جله لأنه استصعب تطبيقه لسوء فهمه له، أو تطرف في تطبيقه، رغم نصيحة النبي بأن نوغل فيه برفق. "فالإنسان مخلوق متدين، والتدين نزعة فطرية، لا يمكن تصور إنسان بدون هذا النزوع المفطور في الإنسان، وهو الذي يشكل القابلية والتهيؤ لاستقبال الهدي الإلهي.[45]" ومن أجل تجهيز آليات استقبال الهدي بصورة فطرية، لابد من تغيير طرق الفهم والتطبيق، بتغيير ثقافة العنف. فالصعوبة التربوية تأتي من الرغبة في إخضاع الولد دون تجهيز نفسيته للفهم والطاعة. والأمر يسّره الله ورسوله دون إكراه أو معاناة. فوضع بذرة الإيمان في الولد، وتغذيتها بالقرآن يسهل تلقي المعلومة، أيا كانت، واستيعابها وتطبيقها. لأن الإكراه مخالف لفطرة الإنسان، مخالف للحكمة التي وجد الإنسان من أجلها. وكما أوضح العلماء، إن الإنسان سجين ثقافته، فلا بد من تربيته من جديد.[46] لهذا يتمايز المسلم بثقافته الروحية والحرص على توجيهها والحفاظ عليها. "فالنفس في طلب مرادها مترقية متسامية، تطلب الأكمل والأفضل والكمال كله، والفضل كله حازته الذات الإلهية، وتطلب غريزة العقل مقتضى طبعها، وهو المعرفة والعلم ، فتحرك الفكر إلى تحصيله، وتشتاق إلى الكمال الأعلى بمعرفة خالقها، إذ لا ترى موجودا أكمل منه، فلا تزال تتطلع إلى جانبه بتصورات وأفكار تتعاقب عليها تلحم وتسدي وتعيد وتبدي."[47] ولن يتم ذلك كله إلا بفك عقال الفكر وتحرير قيود العقل وحماية النفس مما يكدر صفوها.

لذلك كان حتما على الوالدين تغيير ثقافة العنف،لينطلق العقل ويتحرر من أغلال العنف المتوارث، أو ثقافة العنف المكتسبة، والتى يتخذها الوالدان بديلا لما يوافق الفطرة التى فطر الله الناس عليها، وهـي التوجيه والتفاهم وتبادل الرأي. "وبقدر ما يكون جهاز التوصيل سليما، والإرسال صحيحا ، ويكون المرسل بصيرا وفقيها بأساليب الخطاب"[48] وبإنجاز مهمة الاستخلاف التعبدي.

المطلب الرابع

أسباب العنف، الأمية الطبية، الإهمال العاطفي، والجهل بالطب النبوي لعلاج الغضب

أولا: تثقيف الأم عن جينات الغضب المؤديّة للعنف:

لقد قرر الأطباء أن التعرض لفترات طويلة من الغضب ترفع ضغط الدم ونسب الأدرينيلين والكورتيزون في الدم مما يؤثر في جهاز المناعة. وأنه يمكن للغضب أن يقتل الإنسان وأنه مرض وراثي وأن الأمراض المزمنة ترجع كلها إلى الغضب المتوارث جينيا.[49]

ورغم أن الله تعالى قد خلق جينات الغضب في بعض الناس، إلا أنه يمكن معالجتها منذ بداية حياة الإنسان. فقد اكتشف العلم الحديث أن جينات الغضب متوارثة تأتي مع فترة حمل الأم. وهذه الفترة هي التي تبدأ فيها بتضحياتها من أجل جنينها . فإلى جانب تناول الأغذية المعينة التي يرشدها الطبيب بوجوب أخذها لتغذية الجنين، لابد لها من تجنب الغضب. فقد ثبت أنّ القليل من التغيّر والتقلّب في بعض الجينات يؤدي إلى ارتفاع الضغط وتعرّض الصحة للخطر. وقد ثبت علميا أن العمل الطبيعي لمادة السيروتونين في الجهاز العصبي المركزي وانخفاض تلك المادة سببها طفرات الغضب والسلوك الإنفعالي. ويبدو ذلك في إشارات انخفاض حامض 5 الهيدروكسي المستقلب لتمثيل مادة السيروتونين 5HT التي تتحول بواسطة إنزيم MAO إلى هذه المادة وكذلك انخفاض السائل المخي الشوكي Cerebrospinal fluid. كل هذا يؤدي إلى الاكتئاب والانفصام في الشخصية وفقد الشهية العصبي anorexia nervosa والرغبة في الانتحار. ولهذا جهّز الله تعالى جسم الأم الحامل بكل ما يوازن المواد اللازمة التي سيتوارثها الجنين.[50]

ولابد للأم أيضا من أن تقوم بإرضاع الوليد حولين كاملين، كما أمرها الله عز وجل، إذا استطاعت و لا تتهرب من هذه المهمة بإرضاعه لبنا صناعيا أو لبن البقر رغبة منها في الحفاظ على رشاقتها أو بسبب العمل. فقد ثبت أن الأحماض الأمينية في حليب الأم موجودة بالشكل الذي يفي بالمتطلبات الخاصة للطفل ونمو جهازه العصبي ونموالدماغ . فمثلا التاورين Tawrin هو من أهم الأحماض الأمينية الخاصة لنمو الدماغ . وهو ضعف ما يحويه حليب البقر. كما خلق الله تعالى في حليب الأم سكر الحليب (اللاكتوز) Lactouse بنسبة 7% بينما في حليب البقر 4.7 % واللاكتوز من السكريات الثنائية (كلوكوز وكلاكتوز) والكلاكتوز يقوم بتشكيل المادة الدهنية Lipids في الجزء الأعظم من مادة الدماغ (Cerbrosidesglucolipids). وتلك النسبة العالية هي التي تساعد الدماغ في تكوينه ونموه وهي التي يحتاجها الرضيع خاصة في الأشهر الأولى من عمره.[51]

ولا يقتصر حنان الأم على التضحيات بالاهتمام بغذائها وهى حامل من أجل جنينها، وتفادي الغضب، والإرضاع بعدها، بل عليها أيضا أن تضم صغيرها إليها أطول فترات ممكنة لتشعره بالأمان والاستقرار النفسي والحنان. فهو لا يحس بغيرها ولا يعرف غيرها. وكلما زاد الحنان في هذه الفترة، أصبح الطفل طبيعيا، غير قلق، أو مضطرب. ويزيد ذلك الضم من "السعادة والاطمئنان للطفل وهو يسمع دقات قلب أمه وهي تضعه على صدرها بحنان ويشم رائحتها . هذه الدقات التي تعوّد على سماعها وهو في بطن أمه جنينا، وهذه الرائحة التي تعزز فيه روح المحبّة والعطف والوفاء ورابطة البنوة والطاعة والاحترام , مما يؤدي إلى نشوء طفل مستقر نفسيا وعاطفيا إضافة إلى كونه صحيحاً جسميا وبدنيا، فضلاً عن تقوية الصلات بين أبناء الأسرة الواحدة اجتماعياً."[52]

ثانيا: رفع الضغوط النفسية عن الأم والولد :

إن أحد أسباب العنف؛ هو هروب الأم من مسؤولياتها التربوية ومنها منح الطفل الدفء والحنان والاطمئنان اللازم لكيانه الوجداني . وهذا الاطمئنان لابد من وجوده للتمكن الأم من إتمام مهمة تربية شخصية ولدها الإسلامية. وسبب غياب الأم قد يكون للعمل والتكسب لرفع مستوى المعيشة للأسرة، أوبسبب الضغط عليها للعمل من أجل إثبات ذاتها دون إتمام مهامها الربانية داخل أسرتها. كما أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرتها إتمام مهمة الأمومة هو الأميّة الدينية رغم تواجدها بجانب طفلها وعدم معرفتها آليات التوجيه اللازمة للتفهيم فيتطور الأمر إلى غضب شديد بسبب الضغوط النفسية؛ إما بسبب إجهاد العمل أولعدم وعيها الكافى بطريقة توجيه ولدها وهذا له عواقبه النفسية. فقد أوضحت دراسات عديدة أن الأمهات "يربّينّ العنف في أطفالهن ، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها . إن حرمان الأطفال من رعاية وحنان الأبوين وانخفاض مستوى الوعي لدى الأبوين والتمسك بالعادات والتقاليد الأسرية والخلافات الأسرية أو المعاملة التمييزية"[53] كل هذا يؤدى إلى الضغط النفسى والعنف في السلوك. و حين تفرّغ شحنة الغضب تأتي من الجزء الأسفل من المخ والمفروض أن القشرة الدماغية تعطينا القدرة على التحكّم في الغضب إذا أعطينا أنفسنا الفرصة فيمكن لها أن تقوّم الغضب فنعيد النظر في ردود أفعالنا حتى نقرر أن نتحرك.[54] فتحكم الأم يحميها ويحمي ولدها.

إن أهم فترة لتشكيل مخ الولد ونفسيته هي السنوات الأولى. وتتشكل نفسيته وشخصيته ما بين السنوات الأولى والخامسة. فإهمال الأم لولدها باتخاذ الخادمات البديلات لها في هذه الفترة لهو من أقوى العوامل في تأصيل الفراغ العاطفي والاكتئاب ثم الثورة الداخلية اللاإرادية عند الولد ثم السلوكيات العنيفة نتيجة لكل هذا. فهي تقطعه منها بعد أن كان متعلقا بها جسديا ونفسيا. وقد أثبت الأطباء أن الحبل السري بين الأم والطفل لا ينقطع حتى بعد ولادته. فنزعه من حضنها وضمها له، ودفعه إلى الخادمة تجعله يجد نفسه بلا محضن آمن ويضطر إلى تصوّر أن الخادمة هى الأم. وتنتشر هذه العادة الرديئة خاصة في الأسر الثرية التي لا تضع الأم فيها الأمومة أولوية لها. فالثراء الذى يسهّل لها استقطاب الخدم يدعوها إلى التكاسل عن إتمام المهمة فالأم والأب ، كلاهما، لابد لهما من الانتباه لإشباع "الحاجات العاطفية الوجدانية للأبناء والشفقة والحب وتحريرهم من المخاوف والقلق وكل ما من شأنه أن يهدد أمنهم النفسي. فيشعر الأبناء بأنهم محبوبون ومرغوب بهم، وأنهم موضع اعتزاز للأسرة. فإذا دخلت الخادمة النسيج الأسري وأسندت إليها، بصورة جزئية أو كلية، مهمة تربية الأطفال وتأمين حاجاتهم البيولوجية والعاطفية من عطف وحنــان وأمومـة أصـبحت (الخادمة) بذلك أمًا بديلة ... قد يتعلق بها (الطفل) عاطفيًا."[55]

ثالثا: تفقه الأم في الدين والطب النبوي عن علاج الغضب:

أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، بعلاج الغضب قبل أن يأتي به الطب. فأوصانا باجتنابه كما هو معروف للعلماء والعوام في حديثه المشهور: "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي: أوصني فقال:لا تغضب فردد مراراً فقال:لا تغضب” ،[56] كما علمنا ضبط انفعالاتنا وتصرفاتنا. وبهذا أنقذنا من هلاك أنفسنا كما أسلفت في توضيح عواقب الغضب والعنف على المخ. وهدي النبي يؤكد ما جاء به القرآن في آيات عديدة عن تفادي الغضب وليونة القلب منها "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون " (الشورى: 42) وقوله تعالى: "الذين ينفقون في السرّاء والضرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (آل عمران: 134)، وقوله "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم" (فصلت: 34). ومنها أيضا "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" (الفرقان: 63). ومن هدي النبي أيضا وصفه لنا بعلاج الغضب بالكتمان. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:"ليس الشديد بالصّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”[57] وتكرّر ذلك في الحديث عن القوي في جسده، "أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون فقال : ما هذا ؟ قالوا : فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه ، قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ؟ رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه."[58] وعن معاذ بن أنس الجهني أن النبي قال:" من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء.”[59] وقد مدح النبي الأشجَّ قائلاً له:"إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة."[60]


ملخص بحث العنف الأسري

بسبب تفاقم ظاهرة العنف الأسري، يتناول هذا البحث بالتحليل تعريف العنف وعواقبه النفسية على الفرد المسلم في مرحلة التكوين والطفولة. ويعالج بالتفصيل غياب فهم الأمهات والآباء لمسؤولية تشكيل الشخصية المسلمة وبنائها ويقوم بذلك من عدة جوانب منها المحافظة على الصحة العقلية والنفسية والجسدية للطفل . ويؤدي عجز المربي عن فهم تلك المسؤولية واتخاذ المنهج الوسطي الملائم الذي يشرحه البحث إلى الحيلولة دون تحقيق مهام الاستخلاف التعبدي المستقبلي للطفل وفهمه لدوره الأسري المنوط به عند الكبر وتحمله المسؤولية الاستخلافية الأسرية المستقبلية. كما أن غياب ذلك المنهج التربوي المبني على التيسير ورفع المشقة والحرج واستبداله باستخدام القسوة والعنف دون التفهيم والتوجيه والصحبة الصادقة للطفل يحول دون تحقيق المقاصد العليا للشريعة في الحفاظ على المبادىء الأخلاقية الإسلامية الأصيلة في المعاملات واستكمال المهمة الإسلامية الدعوية باتباع المنهج الوسطي في التربية والتوجيه والتي تؤهل الفرد المسلم للشهود الحضاري. وغنيّ عن القول أن المنهج القرآني وتطبيقه في السنة النبوية قد فاق المناهج الغربية التربوية التي ما زالت تعاني من ارتفاع معدلات العنف الأسري ضد المرأة والطفل وتعاني من تصاعد العنف المسلح بين المراهقين وأطفال المدارس كما تبين إحصائيات هذه الدراسة والحالات المطروحة فيها.

أقسام البحث: يقوم المبحث الأول ببيان كيفية تعارض العنف مع القيم القرآنية. يعرف المطلب الأول معنى العنف ويشرح أنواعه ويبين بالإحصائيات مدى انتشاره في الدول الإسلامية ومدى خطورته من النواحي الطبية على شخصية الطفل في فترة التكوين. ثم يبحث المطلب الثاني تعارض العنف مع المنهج القرآني الذي وافقه العلم في تكريم بني آدم ويؤَيد ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن قيم الرحمة التي ينضوي عليها المنهج القرآني التربوي وتطبيقه بجلاء في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويوضح تعارض العنف مع التكريم وحفظ العقل لاستقبال التكليف بالاستخلاف في الأرض. كما يبين المطلب الثالث الحفاظ على عقل الفرد المسلم لتشكيل الفكر المقاصدي كضرورة للنهوض بالقدرات العقلية المكتسبة للطفل مما يوافق القدرة على تحمّل المسؤولية الاستخلافية في النواحي الاجتماعية والعلمية والنهوض الحضاري بدلا من حالة العجز الفكري بسبب العقلية النقلية الناتجة عن عدم القدرة على الحراك الفكري الإبداعي الخلاق. فالعوامل النفسية تشكل أكبر العوائق في تحريك وتطوير القدرات الفكرية. وينتهي المطلب الرابع إلى بيان أسباب العنف وفقدان المربي الحنان نتيجة الأمية التربوية الدينية التي قد تكون بسبب عوامل وراثية، أو جينية طبيعية، أو بسبب عوامل مكتسبة؛ كالجهل الثقافي وغياب الوعي بمهمة الوالدين ومسؤوليتهما في طاعة الله وتحقيق العبادة في المعاملات بتطبيق التكليف الصحيح بالدين وتحقيق مقاصد الشرع العليا. ويطرح المطلب الخامس الحل بالتفصيل، وهو فهم الأمومة الواعية والرعاية المبنية على العطاء والحب والحنان وأثر ذلك على سلوك الطفل وإنجازات؛ والتي تحقق بذلك أيضا تأصيل القدوة الصالحة المستندة إلى مبادئ وقيم القرآن والسنة التي تتسم بالوسطية والاعتدال. أما المبحث الثاني فالمطلب الأول فيه يبين أن العنف ضد الأطفال حالة مرضية لها انعكاسات مرضية على الضحية. وهو يتعارض مع تأثير الإعجاز القرآني على نفسية الطفل، وتشكيل العقلية القرآنية بسبب الاضطراب أو الخوف أو الجزع أو الضعف أو الاهتزاز نتيجة فقدان الاطمئنان الناتج عن التعنيف اللفظي أو العاطفي النفسي أو الضرب الذي يجرح النفس والبدن معا. و بالمقابل يشرح المطلب الثاني بالتحليل والإحصائيات ودراسة حالات واقعية؛ إيجابيات الالتزام بضوابط التأديب الشرعي النبوي في الحفاظ على نفسية الطفل المستقبلة لوقع القرآن المعجز عليها وشرح صدره وانفراجه وانطلاقه وارتفاع نسبة ذكائه وقدراته على التذكر والاسترجاع ومن ثم التفوق الدراسي والإنجاز الاجتماعي والعلمي لصالحه وصالح المجتمع المسلم والأمة بصفة عامة. أما المطلب الثالث فيبين؛ العواقب الخطيرة الاجتماعية التربوية الناتجة عن تدمير نفسية الطفل بالقسوة والعنف ومعاناة الطفل من مرض الاكتئاب والحزن وفقدان الثقة بالنفس والشعور بفقدان المحضن الذي يمنح الأمان والاطمئنان ومن ثم يؤدى إلى الإحساس بالضياع ويؤدى إلى التخبط والتمرد على الوالدين والعقوق، وإذا تطورت الأمور يؤدى إلى التفلت والانحلال والهروب من بيت الأسرة والارتباط بمن يعوضه عن الحرمان العاطفي خارج البيت؛ مثل أصحاب السوء أو الرفقاء الفاسدين ومن ثم فقدان الهدي القرآني والصراط المستقيم. وبهذا تفقد الأمة أحد أفرادها الذين كان من الممكن أن يصبحوا فخر هذه الأمة بخُلُقهم الراقي وإنجازهم العلمي وعلاقاتهم الاجتماعية المتحضرة. أما المبحث الثالث فيوضح الوسطية في منهج القرآن ويبينها في أقوال الرسول وأفعاله. وسلوكه الذي يتسم بالرأفة والرحمة والحلم والصبر وبعد النظر والمراعاة النفسية للصغير والضعيف وكل هذا يعلي من قدر الإنسان المسلم ويكرمه منذ الصغر ويعمل على التدرج في بنائه وتقويته لصلاح الأسرة والمجتمع والدين والدعوة ونشر التوحيد والعبودية والبصر والبصيرة بمنهج الحضارة والتقدم والفلاح للدنيا والآخرة ولكي يصبح الفرد المسلم مؤهلاً لمهمة الشهود الحضاري حجة على الأمم جميعها.



[1] الفيروز أبادى، القاموس المحيط (لبنان: دار الفكر، 1415/1995 (ص756. يدرج لاحقا باسم القاموس المحيط.

[2] تقرير الدورة الحادية والستون للجمعية العامة للأمم المتحدة، 29 أغسطس 2006 ، البند 62 من "جدول الأعمال المؤقت : "تعزيز حقوق الأطفال وحمايتها." يعرَّف الطفل لغرض هذه الدراسة على النحو الوارد في المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه". وبالتالي فإن المعلومات المتعلقة باستراتيجية التصدي للعنف ضد الفتيات والفتيان دون سن الثامنة عشرة ينبغي توفيرها في كل أجزاء الاستبيان. وهو التعريف المعتمد في اغلب البلدان العربية إلا في الحالات التي حددت فيها القوانين الوطنية سنا أخرى، 16 سنة مثلا.

[3] وضع الأطفال في العالم 2005 ، الطفولة المهددة ، منشورات اليونيسيف.

[4] "أطفال لا يعرفون معنى الحنان: العنف الأسرى ضد الطفل ظاهرة تهدد مستقبل" صفحة الأسرة، العرب، ص13.

[5] دراسة الأمين العام للأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال، التقرير الإقليمي، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مايو 2005.

[6] تقرير مركز الأهرام، سلسلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 14/9/2008.

[7] دراسة الأمين العام للأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال: التقرير الإقليمي، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مايو 2005 .

[8] دراسة باولو سيرجيو بنهيرو بناء على طلب السكرتير العام للأمم المتحدة عن العنف ضد الأطفال. منظمة الصحة العالمية، 2005.

[9] أمثال الدكتور عدلى السمرى، أنظر ماجد يوسف داوى، ص 6

[10] Perry, B.D. "The Neurodevelopmental Impact of Violence in Childhood." Textbook of Child and Adolescent E.G. Krug et. al. (eds.) World Report on Violence and Health (Geneva, World Health Organization Forensic Psychiatry, eds., D. Schetky and E.P. Benedek (Washington D.C.: American Psychiatric Press, Inc., 2001), Chapter 18, pp. 221-238 يدرج لاحقا باسم الكاتب .

[11] سمى الأطباء هذه الحالة "الكفاح أو الهروب" ، Fight or Flight . للتفصيل ، أنظر المرجع السابق.

[12] نبيل حاجى نائف، "فى دماغنا عقلان" باب الصحة والحياة العرب الأسبوعية السبت 9/8/2008 ص28.

[13] أنظر Perry .B.D

[14] Shore, R. " What Have We Learned," Rethinking the Brain (New York : Families Work Institute, 1997) , يدرج هذا المرجع فيما بعد باسم الكاتب. pp. 15-27

[15] أنظر Perry B.D. .وانظر كذلك دراسة ماجد يوسف داوى، العنف ضد الطفل وانعكاساته على مفهوم الذات، 22 آب، 2008 . الدراسة موجودة في جميع مواقع الشبكة الدولية التى تتناول العنف ضد الأطفال. تدرج هذه الدراسة لاحقا باسم ماجد يوسف داوى.

Martin H. Teicher, "Wounds That Time Won’t Heal: The Neurobiology of [16] Child Abuse," Cerebrum: The Dana Forum on Brain Science, Volume 2, Number 4, Fall 2000, p.12.

[17] أنظر R. Shore

[18] د. سالم عبد الله، "الإحساس بالألم بين الطب والقرآن،" الرؤية، العدد 138 السنة الأولى، الجمعة 27 يونيو 2008 23 جمادى الآخرة 1429 .

[19] الشيخ أبي عمران موسى بن عمر المصمودي الحسني العلامي، البحر الملئان في اقتناص درر معاني القرآن. الموقع: www.tafsir.org/vb/showthread .استعان هذا البحث بالتجميع فقط وأعاد تفسير وتصنيف المعانى الواردة لتواكب الموضوع.

[20] رواه مسلم وكذلك البخاري والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي بسند حسن صحيح .

[21] القاموس المحيط، والشجنه الغصن المشتبك والشعبة من كل شىء والشجنه عروق الشجر المشتبكة. وبيني وبينه شجنة رحم، وشجنة رحم أي قرابة مشتبكة. ص1089.

[22] رواه عبدالله بن عمرو بن العاص ورد في سنن الترمذي برقم 1924، وهو حسن صحيح

[22] راوه أبو سعيد الخدري والمحدث: البخاري في العلل الكبير برقم: 312. خلاصة الدرجة: عن ابن عمر وعن أبي سعيد أصح.

[23] راوه أبو هريرة وورد في المسند الصحيح لمسلم برقم 2752، ودرجته صحيح.

[24] روته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ورد في المسند الصحيح لمسلم برقم: 2593 وهو صحيح.

[25] روته عائشة رضى الله عنها وورد في المسند الصحيح برقم: 2594

[26] أ.د. أحمد الريسونى، أ.د. محمد الزحيلى، أ.د. محمد عثمان شبير، حقوق الإنسان: محور مقاصد الشريعة ، كتاب الأمة العدد 87: (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية 1423(، ص44. يشار إليه لاحقا بعنوان الكتاب.

[27] حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة ص 28.

[28] عمر سليمان الأشقر، مقاصد المكلفين فيما يتعب به لرب العالمين (الكويت: مكتبة الفلاح، 1981) ص 487

[29] د. عمر عبيد حسنه، التفكك الأسرى: الأسباب والحلول المقترحة (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 83

[30] نص الحديث "أن رجلا قال يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود وأخواتها ." راوه عقبة بن عامر المحدث: الهيثمي في مجمع الزوائد برقم: 7/40 . خلاصة الدرجة: رجاله رجال الصحيح.‏‏

[31] في حالات رحمة الله تعالى بالولد، يتحدى الطفل سلوك الآباء ويلجأ وحده إلى الله لإنقاذ نفسه من الهلاك.

[32] رواه أبو ذر الغفاري وورد في المسند الصحيح برقم: 2577.

[33] عبد المجيد النجار، فقه التدين فهما وتنزيلا، تقديم عمر عبيد حسنه. نسخة الكترونية، كتاب الأمة 22 http://www.islamweb.net.qa/ .

[34] فقه التدين.

[35] المرجع السابق، ص 30.

[36] عمر عبيد حسنة، التفكير المقصدى، (المكتب الإسلامى: 1999) ص 30. يدرج لاحقا باسم التفكير المقصدى.

[37] المرجع السابق، ص 15.

[38] عمر سليمان الأشقر، مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين (الكويت: مكتبة الفلاح، 1981) ص500. أنظر كذلك مقال مصطفى حسنين، "اعتبار مآلات الأفعال ودوره في إثراء الاجتهاد المقاصدي،" المجلس العلمى http://majles.alukah.net/showthread.php?t=351

[39] رواه عمر بن الخطاب وورد في البخارى في الجامع الصحيح برقم 1.

[40] عمر سليمان الأشقر مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين (الكويت: مكتبة الفلاح، 1981) ص 500. يدرج لاحقا باسم مقاصد المكلفين. "أما المآل: فأقرب استعمالاته إلى هذا السياق: أنه مصدر ميمي من آل الشيء يؤول بمعنى رجع. واصطلاحا: يمكن تعريف اعتبار مآلات الأفعال بأنه: الحكم على الأمور بالنظر إلى ما ينتج عنها من مفاسد لاجتنابها، أو مصالح لتحصيلها، وعليه فاعتبار المآل هو: "تنقيح مناط التصرف بالنظر إلى ما يؤول إليه (المناط المآلي) إذا ترتب عليه دفعُ مفسدة واقعة أو متوقعة، أو تحصيل مصلحة راجحة متوقعة." " أنظر مقال "مآلات الأفعال."

[41] د. جمال الدين عطية ، نحو تفعيل مقاصد الشريعة (دمشق:دار الفكر للطباعة والتوزيع،2003، ص123.

[42] فقه التدين.

[43] مقاصد المكلفين، ص 373.

[44] المرجع السابق ، ص370 .

[45] المرجع السابق.

[46] مقاصد المكلفين، ص 348.

[47] المرجع السابق ص 366.

[48] فقه التدين فهما وتنزيلا.

[49] Dr. Redford Williams of Duke University, "Could Anger Be a Hereditary Trait?" Excerpt By Rozanne M Puleo, ABCNews.com

[50] Dr. Redford Williams of Duke University, "The Discovery of the Anger Gene' Could Anger Be a Hereditary Trait?" A program aired in "Good Morning America," April 2002

[51] الدكتور محمد جميل الحبال، الطبيب الاستشاري، باحث في الإعجاز العلمي والطبي في القران والسنة، " مقالات في الإعجاز العلمي،" الرضاعة الطبيعية في الطب والتعاليم الإسلامية،1427 - 1--18 هـ . http://www.mohrat.com/modules.php

[52] المرجع السابق.

[53] ماجد يوسف داوى، ص 14

[54] "Could Anger Be a Hereditary Trait?"

[55] د. شادية التل، "التفكك الأسرى دعوة للمراجعة،" في التفكك الأسرى:الأسباب والعواقب والحلول، كتاب الأمة 85 (قطر:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ). ص34

[56] الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري ، الجامع الصحيح الرقم: 6116 خلاصة الدرجة: [صحيح]. وعن أبي الدرداء قال: "قلت يا رسول الله دلّني على عمل يدخلني الجنة قال:" لا تغضب” رواه الطبراني بإسناد حسن.

[57] راوه: أبو هريرة المحدث: البخاري ، الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6114 خلاصة الدرجة: صحيح. قد روي عن عكرمة في قوله تعالى "وسيّداً وحصوراً". قال:السيّد الذي لا يغلبه الغضب.

[58] راوه: أنس بن مالك المحدث: ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لابن حجر الرقم: 10/535، خلاصة الدرجة: إسناده حسن.

[59] راوه: معاذ بن أنس الجهني والمحدث: الترمذي المصدر: سنن الترمذي ، الرقم: ، 2021 خلاصة الدرجة: حسن غريب.

[60] المحدث: السخاوي، المصدر: المقاصد الحسنة، برقم: 182، خلاصة الدرجة: صحيح. أنظر الدراسة الكاملة للعلامة الدكتور الطبيب، محمـد نزار الـدقر ، اختصاصي بالأمراض الجلدية والتناسلية والعلاج التجميلي، الجزء الأول، الفصل الخامس "الهدي النبوي في ضبط تصرفات الإنسان الانفعالية وأثر ذلك في صحته "

http://www.sayedalmorsalin.com/www/news_view_1116.html

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)