المذاهب الادبية العالمية . المذهب الكلاسيكي . المذهب الرومانسي ...

بداية وقبل الحديث عن المذاهب الأدبية أود أن أوضح لبساً قد أحاط بالمصطلح الأدبي وخلق خلطاً في المفاهيم بين الأدب والنقد والفلسفة، وإن كانت العلاقة قوية جداً بينها إلا أن فصل الأمور بساعدنا أكثر علي إدراك محتواها، ذلك الخلط يلام عندما يتحدث الدارسون عن المذهب الأدبي، والمنهج النقدي دو تميز، أو عندما يتحدث آخرون دون تفريق بين المنهج والاتجاه، وقد نلتقي بمن يخلط بين الفلسفة والأدب، فتجعل من الفلسفة المثالية اسماً لمذهب في الأدب.إن الميدان الأدبي ينزل الأفكار التجريبية بالوسائل الفنية إلى عالم التجسيد، أما كلمة مذهب فتعني «المعتقد الذي يذهب إلية وذهب فلان لمذهبه أي لمذهبه الذي يذهب فيه» أودعنا نقل عنه «مجموعة مبادئ وآراء متصلة ومنسقة لفكر أو لمدرسة ومنة المذاهب الفقهية والأدبية والعلمية والفلسفية» من هنا فكلمة مذهب تستند في جذورها علي مرجعية فكرية وأطر معرفية مسبقة منسقة، ودعني أقول أن المذهب في الأدب غير المذهب في النقد وذلك رغم الالتقاء الواسع بينهما، ففي النقد نلتقي بالمذهب التاريخي والمذهب الاجتماعي، والمذهب النفسي والمذهب التأثيري، والمذهب الجمالي، والمذهب التكاملي وإن اختلفت المسميات، أما في الأدب فنلتقي بالمذهب الكلاسيكي، والرومانسي، الواقعي، الرمزي، البرناسي، الوجودي، العبثي وما انبثق منها أو زاد عليها. ونلتقي بالخلط يزيد بين منهج البحث في الأدب والنقد التنظيري له، أما المنهج فهو عبارة عن «قواعد وثيقة وسهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من أن يؤخذ الباطل علي أنة حق وتبلغ بالنفس إلي المعرفة الصحيحة بكل الأشياء التي تستطيع إدراكها دون أن تضيع في جهود غير نافعة، وهي تزيد ما في النفس من معلم بالتدرج» وتنقسم المناهج إلي مناهج خارجية (تاريخي مقارن، ومناهج داخلية،وصفي تحليلي)، وأما الاتجاه فهو «رؤية أو فكر نظرية تجريدية إذا طبقت من خلال خطوات إجرائية تصبح منهجاً، وقد يضعنا ذلك التوضيح البسيط في الطريق الصحيح للبحث».ويبقي حديثنا عن المذاهب أو الدروس الأدبية في أصولها ونشأتها وسماتها الفنية، ولانغفل أن الحديث عن مدرسة في الأدب يعني قبل كل شيء بوجود مرجعية فكرية وآراء مسبقة ومنسقة بنيت عليها وطبقت أفكارها، ولا أنكر كثرة الدراسات والبحوث حول هذا الموضوع حيث نلتقي بمؤلفات خاصة لمذهب بعينه، ولكنني سأبسط الأمور في هذا الجهد منطلقاً من مجموعة محاور انطلقت المذاهب من خلال نظرتها وهي: المرجعية الفكرية، الانطلاق في عملية الإبداع من العقل، الخيال، المخلية، الشعور الانتصار للشكل وللمضمون أوكليهما، التقاطع بين الذات والموضوع والواقع، أو التعامل بينهما، الجنس الأدبي والطبقة الاجتماعية. لو أخذنا هذه المحاور بمعنى آخر لقلنا أن الاختلاف بين المذاهب الأدبية جاء من اختلاف نظرتها لمفهوم الأدب وكبيعته من زاوية وتحديها لوظيفة من زاوية أخرى.

المذهب الكلاسيكي:
يتفق غالبية رجال الأدب على أن الكلاسيكية هي أقدم مذهب أدبي في الظهور والانتشار سواء في إيطاليا في القرنين الخامس عشر، السادس عشر ميلادي،أو في فرنسا في القرن السابع عشر الميلادي، وهذا لايعني مطلقاً الرابط بين نشأة الأدب ونشأة الكلاسيكية، فبديهي أن الأدب أقدم في الظهور من المذهب الأدبية، فمتى نشأ المذهب الكلاسيكي، فبديهي أن الأدب أقدم في الظهور من المذاهب الأدبية، فمتي نشأ المذهب الكلاسيكي، منا هي الخصائص والسمات التي تميز بها هذا المذهب؟.إن الحديث عن نشأة المذهب الكلاسيكي يدفعنا حتماً للحديث عن عركة النهضة الأوروبية وتكروها في مجالي الأدب والفن، ولكننا لن نطيل في هذا الجانب بل سنضيء بعض الإشارات التي يتسنى لنا بها فهم النشأة "كلمة كلاسيكية وكلاسيكي مشتقة من الكلمة اللاتينية classis، وأصل معناها وحدة في الأسطول من هذا المعني أصبحت تفيد هذه اللفظة معني الوحدة الدراسية أي الفصل الدراسي…والسبب في تسمية نوع من الأدب بهذا الاسم ـ أي تسميته بالأدب الكلاسيكي ـ هو أنه أدب خلد على الزمن وثبت صلاحيته في تعليم الشبان وتربيتهم في فصول الدراسة" وبداية مع الكاتب أولوس جيليوس في القرن الثاني الميلادي حيث ظهر هذا المصطلح لأول مرة وكان بتعين به الكاتب الأرستقراطي الذي بكتب للنبلاء وصفوة الشعب ومثقفيه، وفي عصر النهضة انطبق مفهوم الكلاسيكية علي الأعمال اليونانية والرومانية فقط من منطلق أنها الوحيدة التي ترقي إلى مستوى التراث الإنساني بحكم الأرستقراطية الفكرية، وتطور المصطلح فيما بعد لينطبق على الأدب الذي يمثل القيم الإنسانية الخالدة والكامنة في الخير والحمال والتي لاتتغير رغم تغيير الوقت أو اختلاف المكان" هذا يعني أن المصطلح نفسه عبر محطات تطور من فترة إلى إلى أخري، وتعتبر إيطاليا المهد الأول للكلاسيكية، حيث عكف الإيطاليون على دراسة أرسطو جيدا وعمدوا إلى تقليده ويعترف بذلك فيليب فان بقوله: " إن الشر وعين الفرنسيين يدينون للإيطاليين بكل شيء والواقع إن هؤلاء كانوا قد سبقونا مائة سنة تقريباً" في حقيقة الأمر يتفق كل من الإيطاليين والفرنسيين في تبنيهم للاتجاه إلا أن الإيطاليين ساروا على النهج اليوناني بينما سار الفرنسيون على النهج اللاتيني وقلدوا كتابهم وأدبائهم " فقد كان راسين يطمح في أن يصح مجرد نسخة من الكاتب المسرحي اللاتيني…وليس نسخة من سوفوكليس الإغريقي وقد أحال الأديب الفرنسي (بوالو) أعماله إلى مجرد تطبيقات لما ورد في كتاب فن الشعر للشاعر اللاتيني هوارس" وليس خفياً علينا تأثر هوارس المباشر أرسطو. من خلال تلك النبذة البسيطة عن نشأة الكلاسيكية مصطلحاً ومذهباً في الأدب نستطيع أن نحدد المبادئ التي سار عليها منظورة وأدباؤها، ومن خلال تلك المحاور التي وضعناها في المقدمة يمكننا تحديد خصائص المذهب الكلاسيكي في تقليد الأقدمين, وعلق د. محمود ذهني على ذلك بوصفه للأدب الكلاسيكي أنه " أدب تقليدي إتباعي ينسج على منوال سابقه ويستمد موضوعاته من منبع قديم معروف ثم يلبسها شكلا مصنوعا على مثال" إن إيمان د. ذهني بمبدأ التقليد للمذهب الكلاسيكي فلا أرى تحتيما في ذلك الأمر بهذه الصورة وذلك لأمرين:الأول وهو كون الأدب الإغريقي المتبع الرئيسي للكلاسيكية فإنه أدب بكر لم يتم فيه تقليد أحد أما الثاني وهو الإيمان بالتمييز والاختيار" ولقد اعترف مشرعوا التقليد جميعهم بضرورة الاختيار"ومن هنا يتداخل مع مبدأ التقليد مبدأ آخر ألا وهو مذهب العقل. ومن مبدأ التقليد نستنتج الأساس الفلسفي للمذهب الكلاسيكي الذي يكمن في الأخذ بنظرية المحاكاة الأرسطية لمصدر الإبداع الأدبي, والخاصية الثانية للمذهب الكلاسيكي" لعقل", انتصر الكلاسيكيون للعقل على حساب الخيال والشعور, ولا نجاملهم إذا قلنا أنهم لم يهملوا العاطفة تماما أو يقيدوا الخيال مطلقا ولكنهم حاولوا تسيير الخيال في أطر محدودة ومن هنا كانوا يعلمون أن إهمال الخيال والعاطفة عيبا لهذا وصفوا واحدا من أكبر أدبائهم وهو راسين بأنه كن" يفكر بقلبه, ويحس بعقله, ويدرك بخياله" ومن خلال ما سبق يمكننا أن نضع أيدينا على السمات الفنية للمذهب الكلاسيكي المتمثلة في انتصار الشكل بالمضمون, حيث كانوا يحرصون على جزالة الألفاظ ومتانة التراكيب وفصاحة الأسلوب, والوضوح والبعد عن الغموض والتعقيد وبه زادت أهمي الموضوع على الذات, فالأديب عليه أن يسير ما بداخله من إبداع في وضوح ويسر وإن كنت ألتمس خلطاً عند د. ذهبي عندما وصف الأدب الكلاسيكي بأنه يهتم بالشكل قبل الموضوع فالموضوع حسب علمنا بأخذ شكلاً ومضموناً إلا إذا كان يقصد بالموضوع هنا مضمونه والاتجاه نحو المسرحية أما الشعر فلم ينتصروا له كثيراً وإن راج عندهم الشعر المسرحي.

المذهب الرومانسي:
إن ميلاد مذهب في الأدب لا يتم بين ليلة وضحاها ولكنه كميلاد العصور والحضارات يأخذ وقتاً ونستند إلى مقومات تنظيرية قد تطول وبقصر، والحق إنها (لقاء) معركة أدبية ينتصر فيها روح العصر السائد، ومن هنا جاءت الرومانسية ثورة على القواعد الكلاسيكية بكل ما تحمله من سمات، كلمة رومانسية "مشتقة من كلمة رومانيوس Romanius التي أطلقت على اللغات القديمة والتي كانت تعتبر في القرون الوسطى كلهجات عامية للغة روما القديمة أي اللغة اللاتينية " وأرجع د. نبيل راغب أصل المصطلح إلى كلمة رومانس الفرنسية بمعنى القصة أو الرواية خيالية كانت أم واقعة ثم أصبحت في الأدب الإنجليزي تعنى بالأشياء المرتبطة بالخيال فقط، ومن المرجح أن أول ناقد استخدم المصطلح في الأدب والنقد هو الباحث الفرنسي "تيودونير" 1776ك بينما يعتبر"فردريك شليجل" أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية ثم تبعته بعد ذلك " مدام دي ستال" الفرنسية " هذا عن نشأة المصطلح أما ما يدور في فلكه فقد امتد إلى قبل ذبك بكثير ويمكن أن نعتبر "جان روسو " مبشراً للمذهب الرومانسي حيث قدم جان روسو في قصته هيلوني الجديدة نموذجاً للبحث الرومانسي " وبرى د. شكري عياد أن "شاتوبريان" هو أبو الرومانسية بأفكارها وروحها وإني لا أتفق مع د. ذهني بأن الرومانسية عاشت مع الكلاسيكية منذ اللحظة الأولى، في البداية كانت الكلاسيكية سائدة والرومانسية وليدة ثم جاءت المقومات لتجعل من الوليد شاباً ومن الكلاسيكية شيخاً " ولعل أبرز تلك المقومات يكمن في أحوال أوروبا في القرن الثامن عشر حيث كان عصر زلزلة وطبقات اجتماعيه سائدة واستخفاف بالمبادئ القائمة الأمر الذي مهد الثورات التحررية في السياسة والفكر في كافة أنحاء أوروبا ولعل أوضح النتائج ظهرت في قوة اللغات القومية أقصد الإقليمية، فرنسية……الخ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها