المحكم والمتشابه

المحور الأول : المحكم مفهومه حكمه أنواعه

1 - مفهـوم المحكـم: المحكم هو الواضح الدلالة الذي لا يحتمل النسخ.أو هو الذي لا يتطرق إليه إشكال.مأخـوذ من الإحكام وهو الإتقان.

فإحكام الكلام: إتقانه بتميز الصدق من الكذب في أخباره والرشد من الغي في أوامره، والمحكم منه ما كان كذلك .

وقد وصف الله تعالى القرآن الكريم بأنه كله محكم فقال: " آلــم تلك آيات الكتاب الحكيم" : أي أنه كلام فصيــــح متقن يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب. فالمحكم إذن ما عرف مراده وما احتمل إلا وجها وما استقل بنفسه ولم يحتج لبيـان، ولقد سمى الله تعالى الآيات المحكمات بأم الكتاب في سورة آل عمران "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب" أي أنه الأصل الأصيل للرجوع إليه عند الاختلاف والتعارض، لأن المحكم بين واضح بنفسه ولا يفتقر إلى غيره ليزيــــــده وضوحا.

فالمحكم في القرآن كالحصن الحصين من حيث إحكام البناء ولكونه يشتمل على جميع آيات الأحكــام. إذن فهو لا يحتمل شكا ولا تأويلا ولا تغييرا ولا تبديلا أو نسخا بعد انقطاع الرسالة، ولا تخصيصا وذلك بعدما فصلت آياته من سور القرآن الكريم ببيان أحكامها أو ما تضمنته من حقائق علمية وحكم ومواعظ .

2 - حكمـــــــــــــــــــه: واجب أي يجب العمل بالآيات المحكمات ما دامت واضحة تمام الوضوح .

3 - أنـــواع المحكــــــم: المحكم نوعان: محكم لذاته ومحكم لغيره.

أ - المحكـــم لذاتــــــه: وهو ما لا يقبل النسخ لمعناه ويتجلى ذلك في الأحوال الآتية:

* أن يكون مضمن النص الشرعي: خبرا عن المغيبات الماضية أو الآتية: كقوله تعالى في سورة الفيل "ألم تر كيف فــــعل ربـــــك بأصحاب الفيل." وكقوله تعالى: "آلـــم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد. ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله . ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم." وهذا النص لا يحتمل النسخ لما يلـــزم على ذلك لو وجد من معنى الكذب ومحال قطعا أن يوجد كذب في نص شرعي ثابت، لأن مصدر النصوص الشرعية كتابــــــا وسنة هو الله تعالى ومبلغها هو الرسول( ص )، والكذب محال قطعا في حقهما.

* أن يكون المحكم الذي دلت عليه ألفاظ النص: حكما أساسيا من قواعد الدين وأصوله كالإيمان بالله تعالى ووحدانيته والإيمــان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضاء الله وقدره.

* أن ن يكون الحكم الذي دلت عليه ألفاظ النص: من أمهات الفضائل وقواعد الأخلاق التي يقرها العقل السليم والتي لا تختلـف باختلاف الأحوال والأجيال كالعدل وبر الوالدين وصلة الرحم والوفاء بالعهد.

ب المحـــكم لغيـــــره: وهو ما يقبل النسخ لذاته ولكنه انقطع هذا الاحتمال بوفاة النبي( ص ) وانقطاع الوحي . ومن هذا القبيل كل الأحكام التي وردت في القرآن مجملة ففسرتها السنة ثم مات الرسول( ص ) ولم تنسخ، فأصبحت من قبيل المحكم، كقوله تعــــالــــــــى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. "

المحــــور الثــانــــــي: المتشــــابه: مفهومــه أنواعـــه

المتشابه: هو الذي لا يدرك معناه عقلا ولا نقلا ويكون خفيا، وهو ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة والحروف المقطعة في أول السور أو هو ما احتمل أوجها أو هو الذي لا يستقل بنفسه ويحتاج إلى بيان برده إلى غيره.

وإذا كان العلماء قد مثلوا للمحكم بناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه ووعده ووعيده فإنهم مثلوا للمتشابه بمنسوخه وكيفية أسماء الله وصفاته التي في قوله تعالى:" الرحمان على العرش استوى" وقوله " كل شيء هالك إلا وجهه" وقوله "يد الله فوق أيديهم " وقوله "وهو القاهر فوق عباده " وقوله "وجاء ربك " إلى غير ذلك وأوائل السور المفتتحة بحروف المعجم وحقائق اليوم الآخر وعلم الساعة .

وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله أما بعض العلماء فذهبوا إلى أنه بإمكانهم تأويل المتشابه .لكن الراغب الأصفهاني قسم المتشابه من حيث إمكان الوقوف عليه إلى ثلاثة أقسام :

- قسم لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت الساعة ونحو ذلك .

- قسم للإنسان أسباب إلى معرفته كالألفاظ العربية والأحكام المغلقة .

- قسم متردد بين الأمرين يختص به بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم كقوله( ص) لابن عباس ( اللهم فقه فـــــي

الدين وعلمه التأويل ).

والعلم بالغيب مما استأثر الله بعلمه مصداقا لقوله تعالى: " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير". وللعلماء في متشابه الصفات مذهبان:

1 - مذهب السلف : وهو الإيمان بهذه المتشابهات وتفويض معرفتها إلى الله تعالى، ولقد سئل الإمام مالك عن الاستواء فقال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة وأظنك رجل سوء، أخرجوه عني ).

2 - مذهب الخلف : وهو حمل اللفظ الذي يستحيل ظاهره على معنى يليق بذات الله . وينسب هذا إلى إمام الحرمين "الجو يني" وجماعة من المتأخرين.

2 أنــــواع المتشـــابــه: المتشابه في القرآن نوعان : حقيقي وإضافي .

أ المتشـــــابه الحقيقي :هو المنصوص عليه في قوله تعالى : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " .

وهذا النوع لا يكون إلا فيما لا يتعلق به تكليف، أي أنه لا يوجد في آيات وأحاديــث الأحكام بل يوجد في فواتح السور المقطعة وفي آيات الصافات والآيات والأحاديث المتعلقة بالغيبيات. ولقد انقسم العلماء إلــــــى فريقين في هذا النوع من المتشابه .

- فريق أنكر التأويل وفوض أمره إلى الله تعالى وهو جمهور السلف الصالح من كبار الصحابة ومن كبار التابعين.

- فريق قال بتأويل المتشابه وإن قيدوا ذلك بشروط كما فعل الشافعي حيث نجده يقول: ( لا يحل تفسير المتشابه إلا بسنة رسول الله

( ص) أو خبر عن أحد من الصحابة أو إجماع العلماء.)

في حين ذهب البعض منهم إلى جواز تفسير الآيات المتشابهات بما يتلاءم مع سياق الكلام أو مع ذات الله و ينفي عنه التجسيـم و التشبيه في آيات الصافات .

ب - المتشابه الإضافي : فهو لا ينسب التشابه فيه إلى الأدلة بل يعزى إلى قصور في النظر ، أو اتباع الهوى في تفسير الآية وقد ينسب إلى مناط الأدلة كاختلاط الميتة بالصيد . وعموما فإن التشابه من هذا النوع لا يقع في القواعد الكلية بل في الفروع الجزئية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها