موقع اللغة العربية في الفكر العالمي

انطلاقاً من محبة اللغة العربية ، والحرص عليها ، والتحرق لكي تتبوأ مركز الصدارة في العالم ، جئت إليكم والأمل يحدوني لإبراز مكانة العربية في الفكر العالمي ، فنحيا في جنبات الماضي العتيد ، نستروح أنسامه العليلة ، لنصل إلى أواخر الستينات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين المنصرم ، حينما شعر ممثلو الدول العربية في منظمة التربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) ، بالحاجة الملحة إلى إدخال العربية إلى هذه المنظمة . إلا أن الدول العربية العشرين آنذاك وجدوا معارضة شديدة من أعداء العرب وخصوم لغتهم ، وقامت قيامة أولئك الخصوم ، فاتهموا اللغة العربية بالجحود ، والتعقيد ، وصعوبة قواعدها وكثرة حركاتها الإعرابية ، واحتوائها على كثير من الكلمات القديمة ، التي لم تعد تستخدم من قبل الكتاب .

إلا أن العرب استطاعوا أن يردوا تلك التهم بالحجة والإقناع ، وكانت أدلتهم دافعةً ، داحضةً لكل ما قيل وأشيع ، وكانت النتيجة نصراً ساحقاً للغة العربية ، التي أقرتها ( اليونسكو ) لغة حضاريةً عالميةً إنسانية ، وصدر قرار يحق له أن يكتب بحروف من نور ، وذلك في الثلاثين من شهر أيار عام أربعة وسبعين وتسعمئة وألف للميلاد، وتضمنت المادة الأولى من هذا القرار اعترافاً دولياً بأهمية العربية في التعبير عن الثقافة الإنسانية ، والحضارة البشرية ، فهي لغة قومية لمجموعة من الدول تربو على العشرين ، وكلهم أعضاء في هيئة الأمم المتحدة ، وأن اللغة العربية ذات أصالة فكرية ، وهي لغة ثقافية لكثير من الشعوب في قارتي آسية وإفريقية ، ومن هنا اتخذت العربية موقعها من حيث الاعتراف بها كاللغة الانكليزية والفرنسية والاسبانية والروسية والصينية ، وغير ذلك من اللغات العالمية .

فهل جاء هذا القرار متأخراً ؟ وهل يقع اللوم على الأمة ، ويصدق قول حافظ إبراهيم على لسان العربية :

فلا تكلوني للزمــان فإنني أخاف عليكم أن تحين وفاتي

أيهجرني قومي عفا الله عنهم إلى لغة لم تتصــل برواة

أم أننا لم نقرأ التاريخ ، ولم نلتفت إلى الماضي ، حين كانت اللغة العربية المؤثر الكبير في لغات العالم أجمع ، حيث تمت الإفادة منها في مختلف الثقافات والمعارف والعلوم والآداب ،والى هذا أشار حليم دموس بقوله :

احرص على لغة الأجداد إن لها محاسناً هزت الإفرنج والعجما

وقال أيضاً :

عشيقتها لغة في الأرض رائعة الشرق والغرب في آدابها افتتنا

فما مقدار تلك الهزة ؟ وما مدى ذاك الافتتان ؟

لا بأس بسماع خبر ورد في الجزء الأول من ( إخوان الصفاء ) وهو يتحدث عن أوائل الساعات في أيام الأسبوع . يقول الخبر:" اعلم أن الليل والنهار وساعاتهما مقسومة بين الكواكب السيارة ، فأول ساعة من يوم الأحد للشمس ، وأول ساعة من يوم الاثنين للقمر ، وأول ساعة من يوم الثلاثاء للمريخ ، وأول ساعة من يوم الأربعاء لعطارد ، وأول ساعة من يوم الخميس للمشتري ، وأول ساعة من يوم الجمعة للزهرة ، وأول ساعة من يوم السبت لزحل ".

وكلنا يعلم أن يوم الأحد في اللغة الانكليزية يعرف بـ ( سندى) أو يوم الشمس . ويم الاثنين يعرف بـ (مندى) أو يوم القمر، والثلاثاء يعرف بـ ( تيوزدى) أو يوم ( ثيوز) وهو إله الحرب ، وفي الفرنسية يعرف بـ (ماردي) أو يوم مارس ، وهو المريخ.

ويوم الأربعاء يعرف بالإنكليزية بـ ( ونزدى ) أي إله المعارف والفنون ، وفي الفرنسية يعرف بـ (ماركرودي ) أو يوم عطارد.

وهكذا بقية أيام الأسبوع ، كلها تدل على أثر العربية في الفكر العالمي من خلال اللغات ذائعة الصيت . ولدى المطابقة نجد أن للغة العربية بصمة واضحة عميقة في العقائد لدى الشعوب الأخرى ، كما كان يعتقدها أسلاف العرب المعرقون في القدم ، وما زالت لغات أوربة تتداولها حتى الزمن الحاضر .

وللتأكيد على هذه المسألة ، أشير إلى العدد الكبير من الكلمات العربية ، التي دخلت إلى اللغات الأجنبية بما يملأ معجماً يشار إليه بالبنان ، ومن ذلك :

كلمة (سكر) أخذها الإنكليز فجعلوها ( شوكر) .

وكلمة ( تاريخ ) أخذها الفرس فجعلوها (نارنجه) وعنهم أخذها الفرنسيون فجعلوها ( أورانج) .

وكلمة ( غزال ) العربية ، أخذها الفرنسيون فجعلوها ( كزال).

وكلمة ( مخزن ) جعلها الفرنسيون ( ماكازان ).

وكلمة ( قيثارة ) جعلوها ( غيتار).

وكلمة ( سمسم) العربية ، هي في اللاتينية ( سيسام).

وكلمة ( جرة) هي عندهم ( كار ).

وغير ذلك جداً .

قال عباس محمود العقاد : وقد بلغت المفردات العربية التي أضافها الإسبان وأهل البرتغال إلى لغتهم مايملأ معجماً غير صغير ، ولكن العبرة مع ذلك بدخول تلك المفردات في الحياة الاجتماعية والمقاصد النفسية ، لا بمجرد دخولها في صفحات المعجمات ، فإنها لم تتمثل على الألسنة إلا بعد أن تمثلت في أحوال المعيشة ، ونوازع الإحساس والتفكير ، ومن هنا يعزى إليها من فعل الإيحاء والتوجيه أضعاف ما يعزى إليها من فعل النقل والتلقين.

لقد اتخذت اللغة العربية مكاناً ذا شأو بعيد ، ومرتبة عليا ، خلال التاريخ ، وأقر علماء أوربة بذلك ، وطفحت مصنفاتهم بالإشارة إلى حقيقة واقعية ، مفادها أن العربية أثرت في اللغات العالمية على مختلف الأصعدة .

ومن أولئك الأساتذة الغربيين : ( هاملتون جيب)- عضو المجامع اللغوية العربية ، والمدرس في جامعة أكسفورد – والذي كتب فصلاً مهماً في كتابه ( تراث الإسلام ) بين فيه أثر العربية والعرب في الآداب الأوربية ، واستشهد فيه بكلمة للأستاذ (ماكييل) نقلها من محاضراته الشائقة عن الشعر ، قال فيها :

" إننا – يعني : الأوربيين – مدينون لبطحاء العرب وسورية بمعظم القوى الحيوية الدافعة ، التي جعلت القرون الوسطى مخالفة في الروح والخيال للعالم الذي كانت تحكمه روما ".

إذاً ، هذا إقرار من شخصية مرموقة ، حول الأثر الذي خلفه الأدب العربي المتميز في الأدب الأوربي بشعره ونثره على حد سواء ، منذ بداية القرن الثالث عشر للميلاد وماتلاه من القرون .

وليس هاملتون جيب ، أو الأستاذ ما كييل ، هو الوحيد الذي اعترف بقيمة العربية ، وأشار إلى أثرها في أوربة ، فهناك الكثير من المنصفين ، الذين يحترمهم التاريخ ،ومنهم الأستاذ (رانيلا ) في كتابه " الماضي المشترك : أصول الآداب الشعبية الغربية " وهو الذي صدر عن سلسلة (عالم المعرفة ) في الكويت ، ومما قاله يلامس أطراف الحقيقة ، لأن الواقع أعمق من ذلك ، قال :

" إن فكرة المصادر الثلاثة للثقافة الغربية ، التي يعد الجانب العربي مصدراً مهماً ، ربما لا تكون جديدة على الباحثين الأكاديميين ، ولكنها مفاجئة لما عداهم ... وقد نمى العرب المعارف ، وانتقلت عنهم في العصور الوسطى إلى اللغة اللاتينية ...

وأهم ما يعنينا ها هنا هو ما ورثناه عن العرب ، لأنه غير مألوف لدينا ، وليس هذا بالأمر الهين .... و تم استيعاب الحضارة الغنية التي يمثلونها ، و كانت الحقيقة الجوهرية لهذه الثقافة هي الإسلام ، دينها الرسمي ، كما أن وسيلتها في التعبير هي اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم ، و هناك التاريخ الفكري المركب ، الذي يعكسه الأدب العربي في العصور الوسطى .

فالأدب الغربي قديم بنشأته و ترعرعه و امتداده و تطوره إلى الأدب العربي ، فهو المؤهل – عبر العصور – للتائثير في الآداب و الحضارات ، فقد كان هو الأدب العالمي ، ذا النزعة المركزية ،و يصدر للآخرين ما يحتاجون إلية ، إذ المركز هو الأصل والأساس ، بل هو الينبوع الثر الفياض ، الذي رفد كل جدول مد يده لينهل من الثقافة الحقة ، والمعرفة الرائدة .

لا يغيبن عن البال أسماء أدباء غربيين ، على درجة من الشهرة وذيوع الصيت ، مثل :

- دانتي ، وبوكاشيو ، وكلاهما من إيطاليا .

- شومر الإنكليزي .

- سرفانتس الإسباني .

وكلهم اقتبس من نبع العربية ، واستقى منه ، فكانت العربية أساس شهرته ، وبلوغ أدبه مبلغ العالمية .

ولا يخفى أن ( دانتي) شاعر إيطاليا ، له صلة وثيقة بالأدب العربي ، وهو مؤلف ( الكوميديا الإلهية ) والشبه كبير جداً بينها وبين ( رسالة الغفران ) لأبي العلاء المعري ، وبينها وبين أوصاف الجنة في كتابات محي الدين عربي .

وكتب ( بوكاشيو ) حكايات بعنوان ( النهارات العشرة ) وهي مئة أقصوصة ، كتبها على غرار ( ألف ليلة وليلة ) ، واشتهرت هذه الحكايات ، حتى إن ( شكسبير ) عبقري الأدب الإنكليزي اقتبس عنها مسرحيته ( العبرة بالخواتيم ) كما استلهمها (لسنغ) الألماني ، فكتب ( ناثان الحكيم ) .

أما ( شومر ) الشاعر الانكليزي ، فكتب قصة ( السيد ) التي اقتبسها من إحدى قصص ( ألف ليلة وليلة ).

ويعد ( سرفانتس ) من رواد الأدب الإسباني ، وأشهر مصنفاته ( دون كيشوت) ، وفيه كثير من الأمثال والعبارات العربية ، حتى إن ( برسكوت) الناقد المعروف أكد أن فكاهة ( دون كيشوت) كلها من وحي الأندلس ، فردوس العرب المفقود .

فإذا كان رواد الأدب العالمي ، وأعلامه المشهورون ، استلهموا روائع أعمالهم من العربية ، فهذا يعني أن اللغة العربية عالمية النزعة ، إنسانية الاتجاه ،قادرة على التأثير في الثقافة والحضارة على مر الأيام وتكرار العصور .

هذا ملمح من ملامح العربية ، فإليها يعزى الفضل الأكبر في إحياء اللغات الأوربية ، ورفدها بالفكر والمعرفة ، ودفعها نحو الرقي ، والمقام الأرفع .

ولو يممنا وجوهنا شطر الأندلس لوجدنا العجب العجاب ، ولأدركنا موقع اللغة العربية وحضارتها ، وثقافتها العميقة تتهادى بين الشعراء التروبادور . ولكيلا نتهم بالتحيز لصالح الأدب العربي ، فإننا ندع الكلمة الأولى في هذا الميدان للكاتب الفرنسي ( روبير بريفو ) في كتابه : ( التروباردور والعاطفة الرومانسية ) ، حيث قال :

" ازدهر في جنوب فرنسا شكل أدبي ، وانتشرت في إقليم " بروفانس " أشعار عاطفية ذات معان منتقاة ، وصياغة مدروسة متقنة ، فتجاوبت مع الحالة الفكرية لمجتمع بدأ ينشد متعة فراغ مزدان بالظرف والبهجة ، بعدما استشف أبهة الشرقيين في إسبانيا ، وتأثر بسمو مشاعرهم ... وقد أمدت هذه المنظومات العاطفية الغنائية شعراء الشبيبة بنماذج أدبية ، وتردد صداها في شعر ذلك العصر ، وأغاني المنشدين المتجولين في الشمال ، وهي التي بعثت لألاء الشعر الإيطالي ، الذي أيقظ دويه أوربة بأسرها ، وبعث حتى في ألمانيا وإنكلترا بشائر تقليد أدبي جديد .لقد أفادت أوربة من العربية إفادة جلى ، وهب عليها تيار الأدب الجديد من الشرق العربي والغرب العربي ، بما يشير إلى الدور المهم لهذه اللغة ، وذاك الأدب ، فهو الغذاء الذي عاش عليه الآخرون ، وكانت العربية المؤهل الحقيقي لتلك النهضة الغربية فيما بعد . وهذه حقيقة لاخلاف فيها بين المؤرخين الثقات .

وذهب الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه : ( دور العرب في تكوين الفكر الأوربي ) إلى أن كلمة ( تروبادور ) مشتقة من كلمة ( طرب ) العربية ، التي أضيفت إليها الأداة الدالة باللاتينية على اسم الفاعل ، وهي ( أدور ) ، فصارت ( طرو بادور) أي : الشعراء المطربون . وهذا يدل على أن هؤلاء الشعراء يختلفون عن التروفير ) وهم المنشدون الجوالون .

وقد توثقت الصلات بين الأوربيين والأندلسيين ، وحدث تأثر لا ينكر في الآداب ، والفنون ، وقامت حركة ترجمة للآداب العربية وعلومها ، ونالت تلك الترجمات رواجاً كبيراً ، وكان من نتائج ذلك بروز نجم تقليد أوربي للمنظومات العربية .

وأذكر في هذا المجال ( أغنية رولان ) الملحمة الفرنسية ذات الأربعة آلاف بيت ، فهي مستوحاة من المعارك التي جرت في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين بين العرب والإسبان ، وهي لا تختلف كثيراً عن القصائد العربية ، ولا تخرج عن الروح الحماسية لعنترة بن شداد .

وها هو ذا (غوستاف لوبون ) في كتابه ( حضارة العرب ) يسجل قول ( ألفار) أسقف قرطبة : ( كان هناك شعراء أوربيون ينظمون بالعربية شعراً يفوق شعر العرب أنفسهم في أناقته ). ومما قاله ( بترارك ) الشاعر الإيطالي: ( أما من ناحيتي فإني لم أجهل الشعراء العرب ) . كما أكد تفوقهم ، وعبقريتهم ، وأشار إلى تبرمه وتضايقه من هذا الأمر ، فقال : ( إننا لحقنا في مضمار الأدب بأمم كثيرة ، وفقنا بعضها، ما خلا العرب ، فيا لخيبتنا !! ).

وذهب رينولد نيكلسون ) – وهو العالم باللغات العربية والإنكليزية والفارسية والهندية – إلى أن خلجات التأثر بالطبيعة ليست إلا انعكاساً لملامح الشعر العربي الأندلسي ،الذي هو أقرب إلى مخاطبة الذوق الأوربي من الشعر العربي القديم .

وكان لشيوع العربية أثر عميق في الثقافة العالمية في العصور الوسطى ، حيث شاع التعليم بها ، مما سبب إهمالاً للغة اللاتينية ، وهذا ما أومأ إليه المستشرق (دوزي) وهو الضليع باللغات السامية ، فقال في كتابه ( الإسلام الأندلسي) : " إن أرباب الفطنة والتذوق سحرهم رنين الأب العربي ، فاحتقروا اللاتينية ، وجعلوا يكتبون بلغة قاهريهم دون غيرهم ".

وأخلص إلى القول بأن نوابغ الأدباء الأوربيين كشكسبير ، وشلي ، وبيرون من أدباء إنكلترا ، وثموته ، ولسنغ ،وهيني من أدباء ألمانيا ، وفولتير ، ومنتسكيو ،وهوغو من أدباء فرنسا ، كلهم تأثروا باللغة العربية ، ويخل شعر لهم ولا نثر ، من تسمية بطل عربي ، أو طرفة عربية .

حتى إن (لافونتين )الشاعر الفرنسي أكد في الجزء الثاني من حكاياته وأمثاله ، أنه مدين في أكثرها لحكايات (كليلة ودمنة )والتي عرفها عن طريق الترجمة العربية لتلك الحكايات عن الفارسية وغيرها . وهذا ما أشار إليه الدكتور (غنيمي هلال ) في كتابه (الأدب المقارن ) ونقله عنه الدكتور بديع جمعة في دراسات في الأدب المقارن).

إن مكانة اللغة العربية لاغبار عليها في الآداب العالمية ، والفكر الإنساني ، وهي المكون الأساسي للأدب الغربي ، لكل من أنعم النظر ، ودقق في المضامين ، وقرأ سجلات التاريخ ، ودرس اعترافات الأدباء ، الذين صرحوا بأثر العربية وآدابها فيما أقدم عليها كتاب العرب من القصص والأشعار ، فكان مثول العربية واضحاً لكل ذي عينين ، ولها بصمات قوية وعميقة ، حتى إنها تعد البدايات الأولى التي اتكأ عليها العرب وهو بتطاول لتدوين أدبه ، بما لا يدع مجالاً للشك بأن العربية هي أستاذ الأساتيذ ، التي اعتمد عليها الغرب في فن القول ، والإبداع الفكري .

والمصنفات التي أنصفت تأثير العربية في نشأة الأدب الغربي ، كثيرة جداً ، ومنها :

- كتاب (العرب) للمستشرق الإيطالي فرانشيسكو يلي

- كتاب (الشعر العربي) لهارتمان الألماني .

- .كتاب ( إسبانيا إلى إنكلترا : دراسة مقارنة للأدب العربي والأوربي والإنكليزي في العصور الوسطى )لـ : أليس لا ستر .

- كتاب ( رحلة الأدب العربي إلى أوربة ) لمحمد مفيد الشوباشي .

- كتاب ( أثر العرب في الحضارة الأوربية ) لعباس محمود العقاد .

والقائمة كبيرة ، وتعدادها يضيق به الوقت ، وفيما ذكر كفاية و غناء.

ما زالت اللغة العربية تغذ السير قدماً في طريق التأثير على الفكر العالمي ، وتعزيز أثرها القديم ، فهي تجري في سلسلة مترابطة الحلقات ، تقوى وتضعف لأسباب لسنا في معرض الحديث عنها ، ولكن نقول بكل ثقة :

إن اللغة العربية تتقدم خطوات وئيدة بين اللغات العالمية ، وإن لم تتبوأ مكان الصدارة بينها ، إلا أن تاريخها المؤثر يشفع لها ، ويؤكد على قدرتها في النمو والتطور والوصول إلى سلم المجد .

وأشير هنا إلى حركة الترجمة للآداب العربية ، ومن ذلك مشروع ( بروتا ) الذي قامت به الأديبة سلمى خضراء الجيوسي ، وهو يقوم على ترجمة أعمال أدبية عربية إلى اللغة الإنكليزية ، وقد سمعتها تتحدث بذلك على إحدى القنوات الفضائية في لقاء معها . وصدر من هذا المشروع عدة مجلدات ، يأتي في مقدمتها مجلدان ، هما : ( الشعر العربي الحديث ) والآخر : ( الدراما العربية الحديثة ).

كما ترجمت الأعمال الروائية للأديب محفوظ إلى عدد من اللغات الأوربية المعروفة ، وكان من أثر ذلك أن نال هذا الأديب جائزة ( نوبل ) للآداب سنة ثمان وثمانين وتسعمئة وألف للميلاد .

وتأخذ الجالية العربية في فرنسا وألمانيا وغيرهما ، على عاتقها مهمة جليلة ، وهي ترجمة أعمال أدبية ، للتعريف بالأدب العربي ، ونقله إلى الآخرين . ولا ننسى ما تقوم به " جمعية تشجيع الترجمة من آداب آسيا وإفريقية وأمريكا اللاتينية " الموجودة في ألمانيا ، فأعمالها كثيرة ، وجهودها حثيثة في رعاية الترجمة ، ونقل الأعمال الأدبية إلى لغات عالمية ، بجودة وإتقان .

والأمل يلامس شغاف القلوب أن تستمر حركة الترجمة ، ويقوى عودها ، ويشتد بناؤها ، وتحظى بالاهتمام المتزايد يوماً بعد يوم ، لتواصل اللغة العربية دورها المعول عليه للتأثير في الفكر العالمي ، وزيادة الإقبال على الأدب العربي ، قراءة ونقداً ومحاكاة ، لتأخذ اللغة العربية مكانها المنشود ، وليس ذلك بعزيز إن تضافرت الجهود، واستمرت ، واتسعت ، لنصحح مقولة : أن العربية سادت ثم بادت ، فنقول : لكنها الآن قد عادت .

الأساتذة الكرام :

لا شك أننا نحيا في عصر العولمة على مختلف جوانبها ومعانيها واتجاهاتها وآمادها ، وهذا يتطلب مقداراً أكبر ، بل أشق ، من الصراع بين الحضارات والثقافات ، فعلى الرغم من تقارب الاتصال بين البشر ، فثمة مكونات خاصة لكل أدب ومعرفة ، فالكاتب يعبر عن روح أمته ، ويرسم تطلعاتها ، وينقل ذاته ، ويجسد الحضور الإقليمي والقومي لبلاده ، ولا يرتقي الأدب ، ولا يبدع الأديب إلا إن كان إنتاجه يترسم النواحي الاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية للبلد الذي ينتمي إليه ، فيحدد عبر اللغة الطابع الذي ينطلق منه ، والمخزون التاريخي الذي يرتكز إليه فيجمع بين تراث الأمة ، وما يجري على أحداث الواقع .أما التقليد ، والوقوف على التصنع ، فإنه يقتل جوهر الإبداع ، ويعمق الانفصام عن الحياة المنداحة في الواقع . وهذا ما حدث حين التصق الحجم الغفير من الأدباء بالتصنع والتصنيع ، وقتلوا تألقهم من خلال التعبد لظاهرة المحسنات البلاغية ،وتقصيدها تقصداً أوضاع المعنى ، وأبعد الأدب واللغة عن العملية الإبداعية ، فحدث ما لا يحمد عقباه ، مدة من الزمن ليست بالقليلة ، ففقد الأدب رونقه ، وماتت اللغة بين أشكال وألغاز ومعميات لا تغني ولا تفيد .حتى جاء العصر الحديث ، وانتشرت المطابع ، وحدثت ثورة فكرية في عالم المعرفة والثقافة ، انقسم الأدباء على إثرها إلى مذاهب ومدارس ، كل يحاول الدخول في تجربة تتزامن مع حركة النشر . واختلفت الخطابات ، وتلون النتاج الثقافي ، وطفت محاولات مخفقة ، إلا أن المشهد العام حاول إيصال العمل الأدبي إلى أكبر شريحة من المتلقين .

واستمر العطاء ، والثراء الإبداعي ، على الرغم من وجود سيل طام من الغثاء ، بيد أنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح . وهكذا بدأت اللغة العربية معركتها الأساس في ميدان الثقافة ، وفي ظل حصار عالمي ، يلفه منطلق سياسي مقيت ، يحاول إبعاد العربية عن مكانتها الرائدة ، ولكن هيهات لأدباء عشقوا لغتهم ، أن يقفوا مكتوفي

الأيدي في زمن الصدام والسجال ، فكانت لهم صولات وجولات ، وتابعوا ألقهم ، وقدموا نماذج رائعة ، بعيداً عن الغوغائية والانفعال ، فكان حضورهم انتصاراً للغة ، ودفعاً للحركة الثقافية العربية على أكثر من صعيد .

إن الانجازات العربية الأدبية ترتقي إلى مستويات سامية ، ولها حضورها وقوتها وتأثرها ، ولكن ينقصها الإعلامي، لتوسيع دائرة التعريف . وأضرب على هذا مثلاً تحياه المكتبات .

إذا ذكر أحد الأساتذة أو العلماء اسم كتابٍ على قناةٍ فضائية ، فإن المكتبات تشهد في اليوم الثاني حركة سؤالٍ عن ذاك الكتاب ، لاقتنائه ، وقراءته .

هذا على مستوى صغير . فما الحال إذا خصصت قناة فضائية أو أكثر لعرض الأدب العربي ، وما تنتجه قرائح الأدباء في مجال الشعر ، واللغة ، والرواية ، والقصص وغير ذلك ؟!

لا شك أن الحال سيتغير نحو الأفضل ، وستنمو حملات داخلية وخارجية للارتقاء باللغة ، وتشكيل فكرٍ ثقافي يجدد الماضي ، ويحرس الحاضر ، ويؤسس لمنطلقاتٍ مستقبلية .

وليس هذا الأمر صعباً ، ما دامت النوايا سليمة ، والجهود متضافرة ، واللغة وعاء الأمة في القديم والحديث ، حتى نحقق استمراريةً تأثيريةً في الفكر العالمي حتى تقوم الساعة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها