أنواع و أشكال المراهقة

لكي نتعمق في هذا الموضوع ونبحث ونفهم أبعاده نحتاج أن نسترجع مفهوم المراهقة الذي بحثنا به سابقا لكي نتمكن من أن نصل إلى أنواع أشكال المراهقة ، فهي مبنية على تعريف المرحلة هذه أولا و من ثم نستطيع أن نبحث في فحوى الأشكال والأنواع من دون ترك حلقة وصل قد تساعد في رسم الصورة كاملة لنا.

المراهقة:

يعني مصطلح المراهقة كما يستخدم في علم النفس مرحلة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة الرشد و النضج, فالمراهقة مرحلة تأهب لمرحلة الرشد و تمتد في العقد الثاني من حياة الفرد من الثالثة عشر إلى التاسعة عشر تقريبا أو قبل ذلك بعام أو عامين أو بعد ذلك بعام أو عامين أي بين ( 11 – 21 سنة ).
أهم مميزات المراهقة
النمو الواضح المستمر نحو النضج في كافة مظاهر و جوانب الشخصية
التقدم نحو النضج الجسمي
التقدم نحو النضج الجنسي
التقدم نحو النضج العقلي
التقدم نحو النضج الانفعال و الاستقلال الانفعالي
التقدم نحو النضج الاجتماعي و التطبع الاجتماعي و اكتساب المعايير السلوكية و تحمل المسئوليات
إن مرحلة المراهقة مرحلة حرجة في حياة الفرد , و من بين ما يظهر في مرحلة المراهقة بهذه الصورة ما يلي :
الصراعات النفسية التي قد تطرأ على المراهق . فالمراهق الصغير يسعى لان يكبر و يتحمل المسئولية و لكنه يحتاج لان يظل طفلا ينعم بالأمن, و هو يسعى للاستقلال و لكنه ما زال يحتاج إلى المساندة و الدعم و الاعتماد على الآخرين خاصة الوالدين و الأسرة, و هو يسعى للحرية الشخصية و لكن المعايير و القيم الاجتماعية تكبله أحيانا.
الضغوط الاجتماعية ( الخارجية ) و هذه كثيرة على المراهق فعليه أن يقف على قدميه و أن يفكر لنفسه و يختار و يقرر لنفسه, و هو يريد تحقيق ذاته ولكن عليه أن يتطابق تفكيره و سلوكه مع المعايير الاجتماعية , و هو يريد أن يحقق ميوله و أن يشبع حاجاته و لكن عليه إلا ينسى مفهوم "التوافق الاجتماعي ".
الاختيارات و القرارات فعلى المراهق القيام بالاختيارات و اتخاذ القرارات الحيوية التي تحدد مستقل حياته , و من هذه الاختيارات و القرارات ما يتعلق بالتعليم ( مستواه و نوعه و مداه ) و منها ما يتعلق بالمهنة ( نوعها و الإعداد لها و الدخول فيها و التوافق معها ) و منها ما يتعلق بالزواج ( الزواج أو الإضراب عن الزواج).

ظاهرة البطالة كما يسميها جيرسيلد
Jersild (1963) و يقصد بها البطالة الاقتصادية و الاعتماد على الآخرين , و يقصد بها أيضا البطالة الجنسية , فالمراهق مؤهل جنسيا إلا انه غير مسموح له أن يمارس الجنس إلا في الحلال شرعا و بعد أن يستطيع الباءة , وهذا لا يتأتى إلا بعد فترة قد تطول .
الخلط في أذهان الكبار ( الوالدين والمربين ) بخصوص مفاهيم مثل السلطة و الحرية و النظام و الطاعة و الديمقراطية....... الخ, و اختلاف و جهات النظر بين الكبار و بين المراهقين بخصوص هذه المفاهيم.


أشكال المراهقة

الواقع أنه ليس هناك نوع واحد من المراهقة فلكل فرد نوع خاص حسب ظروفه الجسمية والاجتماعية والنفسية والمادية، وحسب استعداداته الطبيعية، فالمراهقة تختلف من فرد إلى فرد، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى سلالة، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة .

كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة ، والنمو عملية مستمرة ومتصلة.

وجدير بالذكر أن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، ولكن دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسئولة عن حدوث أزمة المراهقة، فقد دلت الأبحاث التي أجرتها مارجريت مد M.MEAD ( وهي من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية ) في المجتمعات البدائية أن المجتمع هناك يرحب بظهور النضج الجنسي، وبمجرد ظهوره يقام حفل تقليدي ينتقل بعده الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة مباشرة، ويترك المراهق فوراً السلوك الطفو لي ويتسم سلوكه بالرجولة، كما يعهد إليه المجتمع - بكل بساطة - بمسؤوليات الرجال، ويسمح له بالجلوس وسط جماعاتهم، ويشاركهم فيما يقومون به من صيد ورعي، وبذلك يحقق استقلالاً اقتصادياً واجتماعياً، وفوق كل هذا يسمح له فوراً بالزواج وتكوين الأسرة، ومن ثم يتمكن من إشباع الدافع الجنسي بطريقة طبيعية. وبذلك تختفي "مرحلة المراهقة" من هذه المجتمعات البدائية، الخالية من الصراعات التي يقاسي منها المراهق في المجتمعات المتحضرة.

فالانتقال من الطفولة إلى الرجولة في المجتمعات البدائية انتقال مباشر.
أما في المجتمعات المتحضرة فقد أسفرت البحوث عن أن المراهقة قد تتخذ أشكالاً مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي يعيش في وسطها المراهق، وعلى ذلك فهناك أشكال مختلفة للمراهقة منها:


يمكن استخلاص أربع أشكال عامة للمراهقة:

المراهقة المتوافقة:

سماتها العامة : الاعتدال و الهدوء النسبي و الميل إلى الاستقرار و الإشباع المتزن و تكامل الاتجاهات و الاتزان العاطفي و الخلو من العنف و التوترات الانفعالية الحادة , و التوافق مع الوالدين و الأسرة , و التوافق الاجتماعي و الرضا عن النفس , و توافر الخبرات في حياة المراهق , وعدم الإسراف في الخيالات و أحلام اليقظة , و عدم المعاناة من الشكوك الدينية .

العوامل المؤثرة فيها : المعاملة الأسرية السمحة التي تتسم بالحرية و الفهم و احترام رغبات المراهق و توفير جو الاختلاط بالجنس الأخر في حدود , الأخلاق و الدين و حرية التصرف في الأمور الخاصة و الاستقلال النسبي و عدم تدخل الأسرة في شئونه الخاصة و إشباع الهوايات , و توفير جو من الثقة و الصراحة بين الوالدين و المراهق في مناقشته مشكلاته , و شعور المراهق بتقدير والديه و اعتزازهما به , و شعوره بتقدير أقرانه و أصدقائه و مدرسيه و أهله , و يسر الحال و ارتفاع المستوى الاقتصادي – الاجتماعي للأسرة , و شغل وقت الفراغ بالنشاط الاجتماعي و الرياضي , و سلامة التكوين الجسمي و الصحة العامة والتفوق الأكاديمي والنجاح الدراسي , و التدين و الإحساس بالأمن و الاستقرار و الاستقامة و الرضا عن النفس و الراحة النفسية , و الإحساس بالمسئولية الاجتماعية و ممارستها , و إتاحة فرصة الحياة الاستقلالية و حرية التصرف و الاعتماد على النفس , و التأثر بشخصيات رياضية , و إعلاء النواحي الجنسية و الانصراف بالطاقة إلى الرياضة و الثقافة الأدبية و الدينية .

المراهقة الانسحابية المنطوية :

سماتها العامة : الانطواء و الاكتئاب و العزلة و السلبية و التردد و الخجل و الشعور بالنقص , و نقص المجالات الخارجية و الاقتصار على أنواع النشاط ألانطوائي و كتابة المذكرات التي يدور معظمها حول الاتصالات و النقد , و التفكير المتمركز حول الذات و مشكلات الحياة و نفد النظم الاجتماعية و الثورة على تربية الوالدين , و محاولة النجاح الدراسي , و الاستغراق في أحلام اليقظة التي تدور حول موضوعات الحرمان و الحاجات غير المشبعة , و الإسراف في الجنسية الذاتية , و الاتجاه إلى النزعة الدينية المتطرفة بحثا عن الراحة النفسية و الخلاص من مشاعر الذنب .

العوامل المؤثرة فيها : عدم مناسبة الجو النفسي في الأسرة و الأخطاء الأسرية التي منها التسلط و سيطرة الوالدين و الحماية الزائدة و ما يصاحب ذلك من إنكار لشخصية المراهق , و تركز قيم الأسرة حول النجاح الدراسي مما يثير قلق الأسرة و قلق المراهق , وجهل الوالدين و توجيههما السيئ فيما يتعلق بوضع المراهق الخاص في الأسرة و ترتيبه بين أخوته كأن يكون الولد الأكبر أو الأصغر أو الوحيد و ما لكل من أوضاع خاصة , وضعف المستوى الاقتصادي – الاجتماعي , و عدم ممارسة النشاط الرياضي , والتزمت والرجعية و المغالاة في اتجاهات الأسرة , و الفشل الدراسي و التخلف الفي التكون الجسمي و سوء الحالة الصحية وعدم إشباع الحاجة إلى التقدير و تحمل المسئولية , و الجذب العاطفي التام و انعدام التوجيه المناسب .

المراهقة العدوانية المتمردة:

سماتها العامة : التمرد والثورة ضد الأسرة و المدرسة و السلطة عموما , و الانحرافات الجنسية
و العدوان على الإخوة و الزملاء , و العناد بقصد الانتقام خاصة من الوالدين , و تحطيم أدوات المنزل , و الإسراف الشديد في الإنفاق , و التعلق الزائد بروايات المغامرات , و الحملات ضد رجال الدين و إعلان الإلحاد و الشكوك الدينية , و الشعور بالظلم و عدم التقدير , و الاستغراق في أحلام اليقظة , و التأخر الدراسي .

العوامل المؤثرة فيها : التربية الضاغطة المتزمتة و تسلط و قسوة و صرامة القائمين على تربية المراهق , و الصحبة السيئة , و تركيز الأسرة على النواحي الدراسية فحسب , و نبذ الرياضة و النشاط الترفيهي , و قلة الأصدقاء , و ضعف المستوى الاقتصادي و الاجتماعي , و العاهات الجسمية و ضآلة و تأخر النمو الجسمي , و التأخر لدراسي , و الوضع الخاص لبعض المراهقين و خطأ الوالدين في توجيههم , و عدم إشباع الحاجات و الميول .


المراهقة المنحرفة :

سماتها العامة: الانحلال الخلقي التام, و الانهيار النفسي الشامل, و الجناح و السلوك المضاد للمجتمع, و الانحرافات الجنسية, و سوء الأخلاق و الفوضى و الاستهتار, و بلوغ الذروة في سوء التوافق, و البعد عن المعايير الاجتماعية في السلوك.

العوامل المؤثرة فيها : المرور بخبرات شاذة و مريرة و الصدمات العاطفية العنيفة و انعدام الرقابة الأسرية أو تخاذلها و ضعفها , و القسوة الشديدة في معاملة المراهق في الأسرة و تجاهل رغباته و حاجات نموه أو التدليل الزائد من ناحية أخر , و الصحبة المنحرفة , و النقص الجسمي أو الضعف البدني و الشعور بالنقص و الفشل الدراسي , و سوء الحالة الاقتصادية للأسرة , و العوامل العصبية الاستعدادية أو الاختلال في التكوين الغددي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)