ابن الرومي.. عبقرية شعرية متجددة

المقدمـة :

عد ابن الرومي واحدًا من شعراء العرب المعدودين، وقد عُرف بغزارة شعره وتمكنه من ناصية فن العربية الأول، فقد أبدعت قريحته الشعرية في كل غرض ولون؛ فبرع في الوصف والفخر والمدح والنسيب والرثاء، حتى فاق كثيرين من أقرانه ومعاصريه، وكان له السبق في توليد المعاني اللطيفة واختراع التعبيرات البليغة النادرة، فكان بحق أحد أعلام الشعر العربي ومن رواده الأوائل.

الموضوع:

ميلاده ونشأته:

وُلد "على بن العباس بن جريج"، المعروف بابن الرومي، ببغداد في (27 من جمادى الأولى 221 هـ = 19 من مايو 836م)، وكان جده "جريج" من أصل رومي، وكان مولى لعبد الله بن عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي.

أما أمه فقد كانت فارسية، وهو ما جعله في فخره يدّعي نسبه إلى ملوكهم والساسانيين حيثما يفتخر بأصوله وخؤوله من الفرس، كما كان يفتخر بنسبه الرومي، وينسب نفسه إلى اليونان كثيرا في شعره.

وكان أبوه على شيء من الغنى واليسار، وهو ما هيأ له أن يتجه إلى التعليم وهو في سن صغيرة، فالتحق ببعض الكتاتيب ليحفظ القرآن الكريم ويتلقى شيئا من علوم النحو واللغة والأدب والحساب، وأبدى "ابن الرومي" شغفا بالعلم ونهما بالمعرفة منذ حداثة سنه، ثم تخلف بعد ذلك إلى حلقات العلماء في المساجد ينهل العلم والأدب من علماء العربية ورواة الشعر واللغة، مثل: "محمد بن حبيب"، و"ثعلب".. ثم قصد "دار الحكمة" التى كانت عامرة بكنوز العلم والمعرفة كتب الفلسفة وعلوم المتقدمين، فنهل منها، وكان مثالا نادرا للحفظ والاستيعاب.

من صفاته وأخلاقه:

وبالرغم مما تميز به "ابن الرومي" من الذكاء والفطنة والأدب فإنه كان ضئيل الجسم، دميم الوجه، قبيح الملامح تكاد العين تقتحمه اقتحاما، فلا ينبئ مظهره عن حقيقة جوهره المتقد وروحه الوثابة وشاعريته الفذة، ومع ذلك فقد كان ابن الرومي مدركًا لتلك العبقرية المنفردة والشاعرية المتوهجة التي حباه الله بها، فكان شديد الاعتداد بنفسه، عظيم الثقة بقدراته وفنه.

موهبته الشعرية:

ظهرت موهبة ابن الرومي الشعرية منذ وقت مبكر في حياته وهو لا يزال صبيا في الكتاب، وتُروى له أبيات في هجاء غلام هاشمي يُسمّى "جعفار" كان زميلا له، يقول فيها:

أجعفر حزت جميع العيوب فما فيك من خلة تمدح

فما في حياتك لي مفـرح ولا في مماتك لى مترح

فليس من قبيل المصادفة أن يبرع في الهجاء من كان أول شعره على هذا النمط القوي المفخم من الهجاء، وكأن ذلك كان إرهاصا بأن الهجاء سيغلب عليه طوال حياته.

لمحات في ديوانه

ولابن الرومي ديوان ضخم من الشعر في ستة مجلدات بلغ 2570 صفحة، ويضم 1562 قطعة، يصل بعضها إلى 300 بيت، ولا يتجاوز البعض الآخر بيتًا واحدًا.

وقد حظي هذا الديوان باهتمام عدد من الشراح والمحققين على الرغم من ضخامته، فقد شرحه "محمد شريف سليم"، وطُبع بمطبعة الهلال من سنة (1335هـ = 1917م) إلى سنة (1337هـ= 1919م).

كما طبعه "كامل كيلاني" في ثلاثة أجزاء مع مقدمة لـ "عباس محمود العقاد" سنة (1344هـ = 1925م). غير أن أكمل طبعاته وأفضلها تلك التي حققها د. "حسين نصار"، وطُبعت بالهيئة المصرية العامة للكتاب من سنة (1393هـ = 1973م) إلى سنة (1401 هـ = 1981م)، والتي تقع في ستة مجلدات كبيرة.

الهجاء

يحتل الهجاء نحو ثلث ديوان "ابن الرومي"، وكان قاسيًا في هجائه يتعرض للأعراض، ومن العجيب أن من هجاهم ابن الرومي- كما يقول العقاد- أكثرهم لصوص لا ينقضي على أحدهم في المنصب أشهر أو سنوات حتى يعمر بيته بالمنهوب والمسلوب من أرزاق الرعية الضعاف.

ورغم ذلك فإن ابن الرومي يقرر أن الهجاء ليس من طبعه، وأنه سرعان ما يندم على هجائه الذي لا يجني منه شيئا.

الطعام

كثر في شعر ابن الرومي وصف الأطعمة والأشربة من كل لون وصنف، كما يصف الطهاة والخبازين وصنعتهم..

الانتماء وحب الأوطان

حفل شعر ابن الرومي بنماذج رقيقة ورائعة للتغني بحب الأوطان والحنين إليها.

وفاتـه

وتوفي ابن الرومي في (28 من جمادى الأولى 283 هـ = 13 من يوليو 896م) عن عمر بلغ نحو ستين عاما، وقيل: إن "القاسم بن عبيد الله" دسّ له السُمّ في طعام قدّمه إليه، فلما أحس بالسم في بطنه نهض مسرعا، فقال له القاسم: إلى أين؟ فأجابه إلى حيث أرسلتني. فقال له متهكما: سلّم على والدي عبيد الله. فأجابه: ما طريقي على النار!

والراجح أنه تُوفي لعلة أو مرض أصابه في شيخوخته.

الخاتمـة :

وهذا تقريري اتمنى انه نال اعجابكم .. وابن الرومي شخصية رائعة وراجحة ولديه الكثير من الابداعات .. اعجبني كثيراً واتمنى من الكل أن يقرأ من أشعاره ومن شخصيته ..

من مصادر الدراسة:

· ابن الرومي (حياته من شعره): عباس محمود العقاد- دار الهلال- القاهرة.

· تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان- ترجمة د. عبد الحليم النجار- دار المعارف مصر- القاهرة (1394هـ = 1974م).

· تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي: دار الكتب العلمية- بيروت.

· ديوان ابن الرومي: تحقيق د. حسين نصار- الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة (1414 هـ = 1994م).

· قراءة في ديوان ابن الرومي: د. كامل سعفان- دار المعارف مصر- القاهرة (1406 هـ = 1986م)- (مكتبة الدراسات الأدبية: 96).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها