تقويم لتجربة السوق العربية المشتركة

د. المرسي السيد حجازي

أستاذ الاقتصاد العام وعميد كلية التجارة جامعة بيروت العربية

مقدمة :

السوق المشتركة هي أحد أشكال ( درجات) التكامل الاقتصادي بين مجموعات الدول ، تلزم الدول الموقعة على إتفاقيتها بكل ما يلي :

- إلغاء كافة الضرائب الجمركية والقيود الاستيرادية على البضائع وطنية المنشأ بين الدول الأعضاء ( وفق قواعد يتفق عليها لتحديد صفة المنشأ الوطني).(2)

- وضع تعريفة جمركية موحدة للدول الأعضاء تجاه الدول غير الأعضاء .

- وأخيرا توفير حرية الانتقال الكاملة لعناصر الإنتاج ( كالعمل ورأس المال والموارد الاقتصادية ) بين الدول الأعضاء دون أية ضرائب جمركية أو قيود كمية .

أما أشكال (درجات) التكامل الاقتصاديEconomic Integration بين الدول فتأخذ بصفة عامة التسلسل التالي :

أ‌- المنطقة الحرة Free Zone

ب-الاتحاد الجمركي Custom’s Union

ج السوق المشتركة Common Market

د- الاتحاد الاقتصادي Economic Union

هـ- الاتحاد النقدي Monetary Union

ففي المنطقة الحرة يتم إلغاء كافة الضرائب الجمركية والقيود الاستيرادية ( كالحظر أو حصص الاستيراد) على البضائع وطنية المنشأ بين الدول الأعضاء . و يمكن كتابة باقي أشكال التكامل الاقتصادي في شكل المعادلات التالية :

الاتحاد الجمركي = منطقة حرة + تعريفة جمركية موحدة للدول الأعضاء إزاء الدول الأخرى.

السوق المشتركة = اتحاد جمركي + حرية تحرك عناصر الإنتاج بين دول السوق دون عوائق

ضريبية أو كمية .

الاتحاد الاقتصادي = سوق مشتركة + توحيد للتشريعات والنظم والسياسات الاقتصادية

الوطنية والخطط والبرامج الإنمائية ، وتنسيق القطاعات الإنتاجية

السلعية والخدمية) وتوحيد أسعار ورسوم المرافق العامة وربط

هياكل التنيمة الأساسية بها ، وإقامة هيئة قضائية عليا مشتركة

لتسوية المنازعات التجارية وتتم إدارة الاتحاد بواسطة مؤسسة

فوق قومية Supranational Institution الاتحاد النقدي= اتحاد اقتصادي+ توحيد للعملة والبنك المركزي والاحتياطي النقدي والسياسة المالية

والآن ، لعله من المفارقات الواضحة أن فكرة إقامة السوق المشتركة قد ظهرت في كل من أوروبا والدول العربية في آن واحد تقريباً ، فبينما نجحت التجربة في أوروبا وتجاوزت مرحلة السوق فعلا في عام 1992 وانتقلت الى المرحلة الأعلى للتكامل الاقتصادي(الوحدة النقدية ) فإن تجربة الدول العربية (خير أمة أخرجت للناس، ذات التاريخ واللغة والجغرافيا والحضارة المشتركة) لم تنجح في إنشاء السوق بل تراجعت الى درجة أقل من درجات التكامل الاقتصادي وهي محاولة إنشاء منطقة للتجارة الحرة أملا في اكتمالها بحلول عام 2007. ولعل ذلك يتضمن أن لغة المصلحة الاقتصادية للتكامل هي لغة العصر التي يقبلها الجميع .

ونتيجة لتلك المفارقة الواضحة أطلق الصحفيون عبارات ذات مغزى على محاولات إنشاء السوق العربية المشتركة أو الإسراع بتفعيلها . فمنهم من يعتبر السوق العربية المشتركة " مشروع مع وقف التنفيذ " وآخرون يطلقون عليه " الحلم العربي " ، وغيرهم يصرح بأن السوق العربية المشتركة " حلم عربي عمره نصف قرن " وآخرون يطلقون عليها " رمز الفشل العربي" ، وأخيراً يتساءل البعض هل السوق العربية المشتركة أو محاولات تفعيلها حلم عربي أم زواج على وثيقة طلاق؟

في مداخلتي هذه سأناقش النقاط التالية :

1- تاريخ وأهمية السوق العربية المشتركة .

2- مدى نجاح تجربة السوق العربية المشتركة وأسباب تعثرها.

3- الخلاصة والتوصيات .


تاريخ وأهمية السوق العربية المشتركة

ترجع فكرة إقامة السوق العربية المشتركة الى عام 1964 عندما عقد مجلس الوحدة الاقتصادية العربية اتفاقية ذات برنامج زمني اشتمل على مراحل متدرجة يتم خلالها تحرير التجارة من الضرائب الجمركية والقيود الاستيرادية الأخرى . وأطلق على تلك الاتفاقية : اتفاقية السوق العربية المشتركة ، انضمت أربع دول للسوق في عام 1965 وهي : مصر وسوريا و الأردن والعراق، وبعد اثنتي عشرة سنة أخرى انضمت ثلاث دول أخرى هي : ليبيا واليمن وموريتانيا عام1977. والحقيقة أنه خلال تلك الفترة كانت السوق العربية المشتركة في حقيقتها وجوهرها منطقة تجارة حرة ولم تتطور الى اتحاد جمركي أو سوق مشتركة . ولكن على الرغم من ذلك فقد حققت في حينها زيادة واضحة في حجم التجارة البينية لتلك الدول . ثم ظلت السوق قائمة حتى عام 1980 حينما تم تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية بعد توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل ، فتوقفت الدول الأخرى في السوق العربية المشتركة عن تطبيق الاتفاقية المعقودة بعد خروج أكبر سوق من حيث الحجم من الاتفاقية .

وفي عام 1998 أصدر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية قرارا بشأن اعتماد البرنامج التنفيذي لاستئناف تطبيق اتفاقية السوق العربية المشتركة بشكل تدريجي على ثلاث مراحل يتم خلالها إلغاء كافة الضرائب الجمركية والقيود ذات الأثر المشابه بدءا من عام 1999 وتم الاتفاق على تخفيض قدره 40% من الضرائب الجمركية في كانون الثاني ( يناير ) 2000 و 30% في كانون الثاني 2001 وأخيرا 30% في كانون الثاني 2002 .

تحفظت سوريا والأردن على هذا القرار ورأتا الاكتفاء بتطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وعدم جدوى هذا القرار، وطلبت كل من اليمن وموريتانيا تأجيل تنفيذ التزاماتها خمس سنوات ، أما العراق فلا يزال تحت الحصار الاقتصادي ، أما مصر فقد وافقت على الإسراع بتطبيق القرار . أما ليبيا فقد ألغت الضرائب الجمركية على وارداتها دفعة واحدة .

لماذا السوق العربية المشتركة ؟

أصبح التكامل الاقتصادي العربي وقيام السوق العربية المشتركة قضية حياة ومصير للأمة العربية وسبيلا للتضامن والوحدة من أجل العزة والسيادة ورفع مستوى المعيشة لأبنائها. وللخروج من التبعية الاقتصادية والسياسية في ظل عالم التكتلات الاقتصادية الكبيرة والعولمة السريعة .

وبواعث هذا التكامل الاقتصادي تتمثل فيما يلي :

1- ضرورة التحدث باللغة التي يفهمها العالم اليوم وهي لغة القوة الاقتصادية وتأثيرها في العلاقات الدولية وتحقيق المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة بين الدول العربية والتي تعد أكثر أهمية من التكتلات الاقتصادية الإقليمية التى يراد للعرب إحلالها محل التكتل الاقتصادي العربي ( و منها الشراكة مع أوروبا و الشرق أوسطية) . إننا نحتاج تطوير ودفع العلاقات العربية نحو التكامل وليس الى مجرد التعاون حتى تكون ركيزة أساسية لبناء القوة الذاتية والأمن القومي وللتفاوض مع التكتلات الاقتصادية العالمية ( منظمة التجارة العالمية ، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ) من موقع القوة وذلك أن الاندماج الاقتصادي بين الدول العربية يمنكن أن يحقق نوعين من الوفورات الاقتصادية : وفورات الحجم الكبيرEconomies of scale ووفورات النطاق الكبير Economies Scope ويتحقق النوع الأول من الوفورات حال الاندماج بين مؤسسات تمارس النشاط نفسه ، ويتحقق النوع الثاني منها عند الاندماج مع منشآت ذات أنشطة متنوعة مترابطة.

هذه الوفورات تتحقق في جوانب المشروع المختلفة الفنية والتسويقية والإعلانية والمالية مما يؤدي الى تخفيض تكلفة الإنتاج في المتوسط وزيادة المقدرة التنافسية للمنتج .

فالواقع أن تجاوز قيد الحجم الصغير للمنشآت الاقتصادية والمالية التي يغلب عليها الطابع العائلي( حتى ولو كانت مسجلة كشركات مساهمة ) هو أمر أساسي في إعادة هيكلة الاقتصاد العربي (على طريقة النمو المطرد ). سواء في مجال النشاط الصناعي والتجاري أو المنشآت المالية كالبنوك وشركات التأمين وسيساعد هذا بدوره على سد الثغرة القائمة في مجال البحوث والتطوير حيث تعجز الوحدات الإنتاجية القطرية عن إقامة وحدات يعتد بها في مجال البحث والتطوير وإقامة التعاون في مجال تطوير العلم والبحث العلمي والتطور التقني.

2- انضمام الدول العربية لمنظمة التجارة العالمية World Trade Organization WTO ومحاولات البعض الآخر للانضمام وما يترتب على ذلك من الالتزام بالمعاملة الممنوحة للدول الأكثر رعاية Most favorable Nation لأي دولة عضو في منظمة التجارة العالمية (مثال ذلك إذا أعطي لبنان ميزة ضريبة لفرنسا لسلعة معينة تدخل لبنان بمعدل ضريبي أقل فإن هذه الميزة تطبق تلقائيا على استيراد هذه السلعة من أي دولة أخرى منضمة الى منظمة التجارة العالمية . وفقط إذا أعطي لبنان مزايا ضريبية لدول تشترك معه في اتفاقيات تجارية تفضيلية كمنظمة تجارة حرة أو اتحاد جمركي أو سوق مشتركة فانه يعفى من تطبيق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية للدول الأخرى حتى وان كانت منضمة الى منظمة التجارة العالمية الحرة . وهذا يزيد من قوة المفاوض العربي مع وفد منظمة التجارة العالمية .

3- اقتناع الدول العربية بأهمية السوق المشتركة مع الالتزام بتنفيذ بنود منظمة التجارة العالمية وتفعيل أدوار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في معالجة مشكلات أعباء الديون الخارجية على البلدان النامية وحركة التبادل و التعامل بالعملات الأجنبية وأيضا نتيجة بروز ظاهرة الاندماج الاقتصادي بين الشركات الدولية الكبرى في شتى القطاعات الاقتصادية ( عولمة الاقتصاد) مما يجعل النجاح المتاح للاقتصاديات الصغيرة محدودا في عالم الكيانات الاقتصادية العملاقة .

4- اتجاه كثير من الأنظمة الاقتصادية العربية نحو السوق والخصخصة وانفتاح الأسواق ، كما تتمشى القوانين العربية للاستثمار مع الإطار الدولي الراهن للعلاقات الاقتصادية الدولية سواء في إطار منظمة التجارة العالمية ( اتفاقية إجراءات الاستثمار الدولية المتعلقة بالتجارة أو في إطار الاتفاقيات المتعددة الأطراف للاستثمار ) .

وتتضمن الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية تنظيما كاملا بالحقوق والضمانات والحوافز للمستثمر العربي كما لا يتعارض مع ما هو موجود في منظمة التجارة العالمية كما تحسن مناخ الاستثمار في الوطن العربي ومن المتوقع أن يزداد تدفق الاستثمارات من الأموال العربية من الخارج نتيجة للأزمات الدولية والخسائر التي أصيبت بها هذه الأموال في الخارج.

5- إن الاقتصار على منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لن يحقق التكامل الاقتصادي العربي ولن يستقطب مزايا التكامل بل سيركزها في الدول ذات الطاقات الإنتاجية الكبيرة وعلى حساب الدول الأخرى على العكس من السوق المشتركة التي تكثف القواسم المشتركة بين الدول وتوسع من قاعدة المشاركة التكاملية بما تشتمل عليه من تحرير حركة عوامل الإنتاج .

ولذا تعالج السوق المشتركة ما يسمى بسلبيات التجارة كما يتم توزيع مكاسب ومزايا التجارة في ظل السوق المشتركة بصورة أكثر عدالة بين أطراف السوق ، كما تحسن من سوق العمالة العربية وزيادة مستوى الاعتماد المتبادلInterdependence والاكتفاء الذاتي للاقتصاد العربي وتخفيض معدلات البطالة .

مدى نجاح السوق المشتركة وأسباب تعثرها

امتدت فترة السوق العربية المشتركة من 1965 وحتى 1977 بوجود أربع دول فقط هي : مصر والأردن وسوريا والعراق (1) ثم انضمت ليبيا واليمن وموريتانيا في عام 1977 قبل أن تتوقف السوق المشتركة في عام 1980 لتعاود محاولة إحيائها مرة أخرى في عام 1998 وحتى الآن .

والحقيقة أنه لم تنضم كثير من الدول العربية الى السوق العربية المشتركة خلال الستينات والسبعينات بسبب أن السوق العربية المشتركة لم تكن في حقيقتها مشروعاً ولكنه كان قراراً من مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والذي استخدم السوق المشتركة كآلته لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية فكان يشترط انضمام الدولة الراغبة في السوق الى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية أولا . إضافة الى حرية انتقال العمال ورؤوس الأموال مما جعل الدول قليلة عدد السكان تتخوف من تغيير التركيبة السكانية بها بما لها من مخاطر سياسية واجتماعية .

كما كانت آلية اتخاذ القرارات أيضا تتم بأغلبية الثلثين من بداية الانضمام الى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية وليست بالاجماع كما كان الحال في السوق الأوروبية المشتركة في بداية تكوين السوق مما جعل كثير من الدول العربية ومنها لبنان تخشى الانضمام خوفاً من إلغاء الهوية والخصوصية الوطنية .

خلال تلك الفترة وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بتفعيل السوق المشتركة بين الدول الأعضاء وما ترتب على ذلك من زيادة واضحة في حجم التجارة البينية خلال تلك الفترة مقارنة بفترة ما قبل إنشاء السوق . إلا انه وبعد مرور أربعين عاما على البدء بتطبيق اتفاقية السوق المشتركة و نتيجة للظروف المختلفة التي مرت بها التجربة ، لا يمكن القول سوى أن حلم السوق العربية المشتركة لا يزال يداعب خيالات المفكرين والسياسيين ورجال الأعمال والمواطنين ، وذلك على الرغم من أن العالم كله يتجه نحو التكتلات الكبيرة.

ذلك أن متابعة أداء الدول العربية اقتصاديا تبين لنا أن الناتج المحلي الإجمالي لها جميعا قد انخفض من 5ر3% من أجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 1992 الى 5ر2% عام 2000، كما تعادل التجارة العربية فقط 7ر2% من اجمالي التجارة العالمية . ويصل حجم التجارة العربية البينية الى 5ر8% من مجموع التجارة العربية والتي تصل نسبتها مع أوروبا الى 75% . كما تعاني الدول العربية في مجموعها من فجوة غذائية تصل الى 4ر12% من حاجتها الى الغذاء كما يعاني 63% من العرب مشكلة الفقر ، وتعاني 75% من نساء العرب من الأمية وذلك كله في عصر الألفية الثالثة . كل ذلك على الرغم من الإمكانات الواسعة للمشروعات المشتركة في المجالات الزراعية والصناعية والخدمية المختلفة ولذا يمكن القول إن تجربة السوق العربية المشتركة لم تنجح حتى الآن.

ما هي أسباب تعثر تجربة السوق العربية المشتركة ؟

يمكن تقسيم تلك الأسباب الى ثلاث مجموعات تتعلق بكل من الدول الأطراف ، والاتفاقية ومجمل العمل العربي المشترك على النحو التالي:

أولا: أسباب تتعلق بالدول الأطراف :

تتمثل هذه الأسباب في الصعوبات السياسية والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تلك الدول :-

1-الصعوبات السياسية :

- لعل من أهم هذه الصعاب هي فقدان وضعف الإرادة السياسية المساندة للتكامل لدى العديد من الدول العربية ، وتغلب النظرة القطرية على النظرة القومية .

- ضعف فاعلية القرار السياسي وانعدام روح الالتزام به من جانب الدول المعنية ولعل ذلك يرجع بالدرجة الأولى الى تغييب الجماهير العربية عن المشاركة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية (و منها قرار إنشاء السوق العربية المشتركة ) . ولعل ذلك يطرح قضية بالغة الأهمية وهي غياب الديمقراطية الحقيقية ( أي تداول السلطة السياسية بين مختلف الأحزاب) . وما يترتب على ذلك من صعوبة إنجاح أي عمل عربي مشترك (1) .

- الانعكاسات السلبية الضارة للتقلبات في العلاقات السياسة بين الدول على الاعتبارات التجارية والاقتصادية وعلى التكامل الاقتصادي العربي .

2- الصعوبات الاقتصادية للتكامل الاقتصادي العربي

- اختلال الهياكل الاقتصادية للدول العربية ويتضح ذلك جليا من اعتمادها في معظمها على سلعة واحدة أو عدد قليل من السلع لا تستطيع أن تدفع معدلات التنمية في الأجل الطويل ، أو تحقق الاستقرار الاقتصادي في الأجل القصير. واستمرار هذا الاختلال حتى بعد مرور نصف قرن من الحرب الثانية وجعل هذا معدلات التنمية الاقتصادية بالدول العربية غير البترولية منخفضة . ويتضمن ذلك شيء في غاية الأهمية وهو أن الدول العربية تفتقر الى القوى الديناميكية اللازمة لتصحيح الاختلالات الهيكلية الإنتاجية أو ما يسمى بالمقدرة على التحول Capacity to Transfer.

- يضاف إلى ذلك أن الهياكل الاقتصادية العربية أقرب ما تكون بدائل لبعضها البعض وليست مكملة فإذا ربطنا بين المصالح الاقتصادية لكل دولة عربية وضعف المقدرة على التحول لتبين لنا أن تلك الهياكل تدعو الى التفكك لا إلى التكامل .

1- فغالبية النظم السياسية في الدول العربية لا تؤمن بالديمقراطية، فكثيراً ما تتم مصادرة الحريات وتنتهك حقوق الإنسان العربي بدءاً من حقه في التعبير الى حقه في العيش الكريم.

- وخلال فترة السوق العربية المشتركة من الستينات وحتى الآن اختلفت الأنظمة الاقتصادية العربية فيما بينها بالنسبة لتوجهاتها الى السوق وما صاحبها من سياسات اقتصادية ، أدت الى التنافر و التنافس بينها اكثر من التكامل . ففي الخمسينيات ساد الفكر الاقتصادي الحر مع السماح بدرجة من التدخل الحكومي ، أما في الستينات فقد تحول العديد من الدول نحو الاشتراكية وظهرت فكرة التخطيط الاقتصادي واحتفظ البعض الآخر بالنظم الرأسمالية الحرة وفي السبيعنات والثمانينات ظهرت عودة نحو نظام الاقتصاد الحر وأخيرا في التسعينات حدث انقلاب كبير نحو نظام السوق الحر . وهكذا نجد إن الأيديولوجيات الثنائية والاختلافات الجذرية قد عرقل تجربة السوق المشتركة في الماضي وبنفس المنطق يمكن القول أنه في التسعينات وما بعدها ربما يحقق التوجه نحو السوق الحر والخصخصة نجاحا لتجربة التكامل الاقتصادي العربي في شكل منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى عام 1998 .

- ومن الصعاب الاقتصادية الهامة اختلاف الظروف الاقتصادية ومستويات المعيشة بين الدول العربية اختلافا كبيرا . حيث تتواجد في آن واحد مجموعة من الدول ذات عدد سكاني كبير ولكن مستوى دخل الفرد منخفض (مصر ، السودان اليمن) ودول ذات أعداد سكانية قليلة وذات دخل مرتفع هي دول البترول و ترتب على هذه الثنائية الاقتصادية النتائج التالية:

- بالنسبة لهيكل الاستهلاك :

استفادت الدول ذات الأعداد السكانية الكبيرة من سياسة الإحلال محل الواردات وحققت ووفورات اقتصادية في حين لم تستطع ذلك الدول ذات الأعداد المحدودة والدخل المرتفع بسبب ارتباط استهلاكها بالواردات من الدول المتقدمة في أوروبا وأميركا . ويعني هذا أن مكاسب التكامل الاقتصادي العربي قد حقق وفورات في تكاليف الإنتاج للمجموعة الأولى من الدول ولم يتحقق نفس الشيء للمجموعة الثانية .

- بالنسبة لفوائض رؤوس الأموال العربية

تدفقت رؤوس الأموال العربية الى الخارج من مجموعة الدول البترولية فحظيت بها البنوك ذات السمعة المرموقة في شكل ودائع وفي أحيان أخرى استثمرت في الأوراق المالية الأجنبية أو العقارات أو مشروعات إنتاجية وتجارية في العالم العربي . وهكذا كان للحسابات الاقتصادية البحتة على المستويات القطرية دورا أهم من القومية العربية وما يرتبط بها من تكامل اقتصادي.

ولعل السبب وراء ذلك من الوضوح بمكان وهو أن الضمانات التي حوتها تلك الاتفاقيات الاقتصادية لا يمكن أن تواجه مهما بلغت قوتها مخاطر التقلبات السياسية أو التعديات على الحقوق الخاصة من قبل بعض الحكومات العربية .

- بالنسبة لفائض اليد العاملة في عدد كبير من الدول العربية

كان من الطبيعي أن يأمل فائض العرض العمالي من الدول منخفضة الدخل الفردي كمصر والسودان واليمن في أن تيسر له الحركة الى البلدان العربية مرتفعة الدخل وذلك في إطار التقاليد والتاريخ المشترك للامة العربية وخصوصا أنه لقرون عديدة هاجرت أعدادا مرتفعة من البلدان الصحراوية العربية الى بلدان زراعية خصبة ذات دخل مرتفع على رأسها مصر وبلاد الشام والعراق ولكن يبدو أن الفجوة الاقتصادية بين البلدان العربية تمثل في حد ذاتها عائقا رئيسيا أمام حركة العمل في البلدان منخفضة الدخل حيث تخشى البلدان الغنية من تحول هذه الحركة الى هجرة واستقرار يؤثر على كياناتها الاجتماعية والاقتصادية القائمة . بل أخذت الدول العربية الغنية في الآونة الأخيرة في إحلال العمل الوطني والآسيوي محل العمالة العربية على أساس أن العمل الوطني أولى حتى وان كانت كفاءته منخفضة في البداية وأن العمل الآسيوي ذا كلفة منخفضة .

- التبعية الاقتصادية للغرب

تختلف التبعية الاقتصادية Economic Dependence عن علاقة الاعتماد المتبادل Interdependence حيث تقوم العلاقة الأخيرة بين أطراف تتقارب أو تتساوى ظروف كل منهم وحاجة كل منهم للآخر . أما علاقة التبعية فتعني أن أحد أطراف التبادل الدولي يكون دائما اكثر حاجة للطرف الآخر ولذا يتم التبادل دائما في صالح الطرف الآخر . والحقيقة إن علاقة التبعية الاقتصادية العربية للغرب بدأت من عهد الاستعمار الذي استثمر في البلدان العربية في الأنشطة الاقتصادية الأولية بغرض توفير المواد الأولية للنشاط الصناعي في البلدان الغربية ، كما تكرر النمط نفسه بالنسبة لدول النفط . وهكذا نجد أن مظاهر التبعية الاقتصادية ومساوئها قد ازدادت من خلال تراخي الطلب الخارجي على المنتجات الأولية بسبب التقدم الفني المستمر في البلدان المتقدمة و توفر البدائل الصناعية إضافة الى إمكانية تدوير المخلفات الصناعية.

- وأخيرا غياب التنسيق بين الخطط الاقتصادية العربية ومن ثم عدم الربط بين الجوانب الإنتاجية والجوانب التجارية للتكامل الاقتصادية العربي. كما أن التعاون العربي القائم في شكل اتفاقيات ثنائية لتبادل ألا فضليات التجارية على أسس انتقائية بجداول السلع أو مناطق تجارة حرة ثنائية كل ذلك يعرقل من العمل العربي المشترك على أساس جماعي .

ثانيا : أسباب تتعلق باتفاقية الوحدة الاقتصادية التي قامت في ظلها السوق العربية المشتركة

- الطموح الزائد عن الحد لتحقيق الوحدة الاقتصادية في فترة قصيرة نسبيا وتجاهلها للواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول العربية عند إبرام الاتفاقية خصوصا ما يتعلق منها بحرية انتقال العمال أو رؤوس الأموال مما أدى الى عدم دخول العديد من الدول العربية فيها .

- عدم تفصيل الاتفاقية لمراحل التنفيذ التي تبغي اتباعها وخلوها من النصوص والأحكام الملزمة . و عدم النص على فرض عقوبات على المخالفين مما أفسح المجال للدول الموقعة على الاتفاقية من القيام بالمعاملة بالمثل . وهكذا فان خلو الاتفاقية من آلية لتنفيذ قرارات المجلس من قبل هذه الدول الأعضاء قد شجع على التهرب من تطبيقها ومن منع الدول من أن تصدر في أراضيها أية قوانين أو قرارات تعارض أحكام الاتفاقية .

ثالثا: أسباب متعلقة بمجمل العمل العربي المشترك

- الاعتماد الكبير للدول العربية على التعريفة الجمركية كمصدر أساسي في إيرادات الدولة والتخوف من نقص الحصيلة الجمركية ( على الرغم من أن عوائد تحرير التجارة يمكن أن يكون أكبر بكثير من عوائد الرسوم الجمركية ) . و أيضا خوف الدول الغربية على صناعاتها من المنافسة جعلها تتردد كثيرا في تخفيض التعريفة الجمركية بصورة كبيرة وإن كانت تلك الدول ستضطر عند دخولها منظمة التجارة العالمية الى الالتزام بجدول زمني محدد تتخلص فيه من ضرائبها الجمركية و في ظل وجود آلية لمراقبة مدى التزام تلك الدول بتطبيق اتفاقية منظمة التجارة العالمية .

- افتقاد التجربة العربية لعنصر التكافؤ بين المنافع والأعباء في التكامل الاقتصادي وعدم إنشاء صندوق لتعويض الدول العربية المتضررة من نقص إيراداتها خصوصا في مرحلة الانتقال ، ولعل ذلك كان من مقومات نجاح تجربة السوق الأوروبية المشتركة في حين استخدمت الدول العربية أسلوب المساعدة للدول المتضررة مما جعل المساعدة تعتمد على الأهواء السياسية المتقلبة .

- استمرار الطابع التقييدي و التعقيدي للواردات في الدول العربية من حيث الإجراءات التجارية والجمركية والتي تبدد الكثير من الوقت والجهد والمال وترهق المصدرين والمستوردين وتضعف تدفقات التجارة .

- تقاعس الدول العربية في تقديم البيانات والمعلومات عن حركة التجارة والنقص الشديد في الخدمات المساعدة مثل النقل والتخزين والاتصالات والمعلومات التسويقية والتعبئة والتغليف الخ

- ضعف الهياكل الإنتاجية العربية وعدم قدرتها على مد السوق العربية بصادرات تتفوق على مثيلاتها الأجنبية من حيث الجودة والالتزام بالمواصفات والمقاييس التي يتم الاتفاق عليها .

منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى

نتيجة لتوقف مسيرة السوق العربية المشتركة عام 1980 في نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية وإحجام بعض الدول العربية عن الانضمام إلي اتفاقية السوق ، وامتناع البعض الموقع عن تنفيذ التزاماته تجاهها أو الانسحاب منها ، تم توقيع اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية 1981 ( 17 دولة ) . ولكن بالرغم من كافة الجهود تعثر تنفيذها وظل أداؤها متواضعا للغاية بسبب ضعف آليات التنفيذ وانعدام روح الالتزام في تطبيقها وبط ء الانضمام إليها مما جعل تأثيرها على التجارة العربية البينية محدودا.

ونتيجة لما سبق توجه كل من المجلس الاقتصادي الاجتماعي ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية نحو إقامة منطقة تجارة حرة عربية تضم كافة الدول العربية لتحقيق الأهداف التالية :

- التوسع في اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري .

- الربط بين تلك الاتفاقية وبين السوق العربية المشتركة .

وفي عام 1996 عقد مؤتمر القمة العربية في القاهرة وكلف القادة المجلس الاقتصادي الاجتماعي ومجلس جامعة الدول العربية بوضع استراتيجيات وتخطيط لعمل اقتصادي واجتماعي متكامل يتيح للأمة العربية الفرصة لخدمة مصالحها الاقتصادية العليا والقدرة على التعامل مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية الأخرى من موقع التكافؤ والندية .

ومن هذه الخطوات المقترحة كان إنشاء منطقة تجارة حرة عربية كمرحلة ضرورية للوصول الى السوق العربية المشتركة . واستجابة لقرار القمة العربية أصدر المجلس الاقتصادي الاجتماعي قراره عام 1997 تضمنه الموافقة على برنامج تنفيذي لاتفاقية تيسر التبادل التجاري العربي يقام بمقتضاه وفي إطاره منطقة للتجارة الحرة العربية الكبرى خطط اكتمالها على مدى عشر سنوات تبدأ من 1998 وتكتمل في كانون الثاني 2007.

اشتمل البرنامج التنفيذي لاتفاقية منطقة التجارة الحرة على ما يلي :

- تحرير تدريجي للتجارة البينية العربية عن طريق تخفيض الضرائب الجمركية بنسبة 10% سنويا بدءا من أول كانون الثاني ( يناير ) 1998 .

- إلغاء القيود الاستيرادية غير التعريفية .

- تبادل المعلومات والبيانات عن التجارة العربية .

- وضع آلية لتسوية المنازعات التجارية بين الدول الأعضاء .

- منح الدول الأقل نمواً معاملة تفضيلية .

- التشاور حول الأنشطة المرتبطة بالتجارة والبحث العلمي والتشريعات وحماية الملكية الفكرية.

إنضم للاتفاقية 14 دولة عربية هي : الأردن ، الإمارات العربية ، السعودية ، سوريا ، البحرين ، لبنان ، العراق ، سلطنة عمان ، قطر ، الكويت ، مصر ، ليبيا ، تونس والمغرب . هكذا تضم منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ما يزيد عن 190 مليون نسمة ، وناتج قومي إجمالي 522 مليار دولار ، 90% من حجم الصادرات العربية و 91% من حجم الواردات العربية ، و96% من التجارة العربية البينية للصادرات و 91% للواردات .

إلا أن بعض الدول المنضمة للاتفاقية قدمت قوائم سلبية لبعض السلع التي تستثنى من التحرير وعادة ما تكون سلعا هامة في التجارة الدولية . وهذا يضعف بلا شك الاتفاقية مما يجعل البعض يطلق على تلك الاتفاقية لتحرير التجارة العربية بأنه عقد زواج كتب على وثيقة طلاق.

لكن الحقيقة هي أن تقييم تجربة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى يبرز توفر فرص النجاح كما يعكس أيضا بعض الصعاب التي ينبغي معالجتها على النحو التالي :

الجوانب الإيجابية التي توفر فرص نجاح أكبر لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى هي :

- توفر الإرادة السياسية العربية نحو إقامتها وإنجاحها .

- توفر السند القانوني لإقامتها " اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري للدول العربية الموقعة عام 1981 .

- توفر الإطار المؤسسي الفاعل للإشراف على تنفيذ التزامات الدول الأعضاء .

- وجود برنامج زمني معقول لأقلمة تلك المنطقة مع تطبيـق العديد من الدول العربية برامج للإصلاح الاقتصادي والتوجه الى السوق والخصخصة.

- الحتمية التي تفرضها الظروف الدولية على الدول العربية بأن يكون لها تجمع اقتصادي لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية والإقليمية ، الى جانب ضرورة الالتزام بمبادئ منظمة التجارة العالمية مما سيسهل إمكانية الالتزام باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.

ولكن الإيجابيات التي سبق ذكرها يواجهها عددا من الصعاب ينبغي مواجهتها من أجل إنجاح اتفاقية منقطة التجارة العربية الحرة وهي :

- إصرار العديد من الدول العربية على فرض قيود غير جمركية على كثير من السلع ، وعلى حماية النظام الزراعي بصفة خاصة عن طريق الحظر على استيراد المنتجات الزراعية .

- التعسف في تطبيق الاشتراطات الخاصة بقواعد المنشأ للسلع والمنتجات العربية .

- انخفاض فعالية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لعدم اشتمالها على جميع الأقطار العربية 15 قطراً من 22 في عام 2001 .

الخلاصة والتوصيات

إن السوق المشتركة هي أحد أشكال التكامل الاقتصادي بين مجموعة من الدول تتسم بحرية تحرك السلع وخدمات عناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء دون عوائق جمركية أو قيود استيرادية إضافة الى وجود التعريفة الجمركية الموحدة تفرضها دول السوق على الدول غير الأعضاء . ولعل السوق العربية المشتركة خلال تاريخها لم تتجاوز في حقيقتها مرحلة منطقة التجارة الحرة كما لم يشترك في الاتفاقية سوى سبعة دول عربية فقط قبل عام 1980 من ما يزيد على 22 دولة عربية .

واجهت السوق العربية صعاباً كبيرة أدت الى عدم فاعليتها وفشلها في تحقيق أهدافها وتجاوز مرحلة السوق كأحد أشكال التكامل الاقتصادي الى المراحل المتقدمة : الاتحاد الاقتصادي والاتحاد النقدي ولعل أهم هذه الصعاب ارتبط بالدول الأطراف وبالاتفاقية وبمجمل العمل العربي المشترك .

بعد فشل مجلس الوحدة الاقتصادية في تحقيق وتفعيل اتفاقية السوق العربية المشتركة بسبب أوضاع التجزئة والاختلافات السائدة في العلاقات العربية . ومن ثم غياب الإرادة السياسية والنيات المخلصة في تحقيق أهداف السوق حيث لم توفر الأدوات والوسائل المؤسسية اللازمة لوضع مبادئ الاتفاق موضع التطبيق من حيث تهيئة الدراسات المطلوبة وإعداد ما ينتهي إليه في صورة صيغ تنفيذية من ناحية وإقامة نظام قانوني لحسم الالتزامات والخلافات التي تنشأ من تضارب المصالح من ناحية أخرى .

ومن عوائق التكامل الاقتصادي العربي طبيعة الهياكل الاقتصادية في الدول العربية التي تقرب من كونها تنافسية أكثر منها تكاملية . وغياب القوى الدافعة الديناميكية لحركة النمو الاقتصادي في تلك الدول والمرتبطة بغياب التقنيات الحديثة التى تساهم في زيادة درجات التكامل إضافة الى الفجوات الكثيرة في مستويات الدخول بين الدول و الخوف من تغيير التركيبة السكانية في تلك الدول مما يهدد بمشاكل اجتماعية بالغة الخطورة وعدم الاستقرار الاجتماعي .

كما أن اتفاقية السوق المشتركة عند توقيعها كانت وما تزال اتفاقية طموحة تتجاوز معطيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول العربية وهو يعني في الحقيقة أن القائمين على وضع السياسات الاقتصادية التكاملية في الدول العربية يعيشون في عالم الأحلام وليس عالم الواقع ويرجع ذلك الى الفارق الشاسع بين متخذي القرار في الدول العربية والجماهير العريضة وتهميش دور منظمات المجتمع المدني والمعارضة في الحياة السياسية والاقتصادية للمجتمعات .

والآن أمام الدول العربية فرصة تاريخية فريدة ربما لن تتكرر إذا فشلت لا سمح الله لإقامة منطقة التجارة الحرة في طريق دعم التكامل العربي وصولا الى السوق المشتركة ويتطلب تفعيل والإسراع بخطوات التكامل الاقتصادي العربي ما يلي :

1- إعادة بناء الإنسان العربي على ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان والقيم الأخلاقية الفاضلة حتى تتفاعل الجماهير العربية وتشترك في إنجاح الأعمال العربية المشتركة . وذلك طالما إن السوق العربية المشتركة يتم تفعيلها وإنجاحها بواسطة الإنسان العربي فينبغي ان يكون مقتنعا بجدواها و فائدتها على مستوى معيشته . إن المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات المصيرية الهامة المتعلقة بمصلحة المواطن العربي وفي مقدمها قرارات التكامل الاقتصادي شرط ضروري لإنجاح أي عمل عربي مشترك . ولكي يتحقق ذلك ينبغي أن تؤمن حرية الإنسان العربي في التشغيل والعمل والاستخدام والفكر وإبداء الرأي و حقه في التملك وممارسة النشاط الاقتصادي وتوضع له كافة الضمانات من أية معوقات في أي بقعة من الوطن العربي الكبير .

2- ضرورة وضع استراتيجية عربية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية قريبة ومتوسطة و بعيدة المدى من قبل الدول العربية تأخذ في الحسبان المصلحة القومية والخصوصيات القطرية تجعل هدفها وغايتها ووعائها ووسيلتها المواطن العربي ، استراتيجية تأخذ الأوضاع السياسية والاقتصادية القائمة في حسابها وتتفاعل معها ، و في هذه الاستراتيجية أيضا ينبغي التأكيد على أن قيام التكامل الاقتصادي العربي أصبح الخيار الاستراتيجي للامة العربية لكي يمكنها التصدي لتحديات المستقبل وصياغة علاقاتها الاقتصادية مع التكتلات الاقتصادية الكبيرة الأخرى على أساس التكافؤ والندية بدلا من التبعية و الضعف و ما يمثله من مخاطر اقتصادية وسياسية على مستقبلها .

- في هذه الاستراتيجية :

أ‌- ينبغي الالتزام بالقيم الدينية والإسلامية التي تؤكد على التعاون والتكامل والوقوف صفا واحدا في مواجهة المخاطر التي تواجهها الأمة العربية ولعل المخاطر الاقتصادية التي تواجهها الآن في ظل العولمة الاقتصادية لا تقل عن المخاطر الأخرى " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " صدق الله العظيم . إن تلك القيم التي جمعت العرب حولها وجعلت لهم دولة وحضارة عظمى قادت العالم سبعة قرون بعد أن كانوا قبائل شتى لا تكترث لهم الأمم وهي الكفيلة بإحياء قومية العرب ووضع مسيرة التكامل الاقتصادي بينهم على الطريق الصحيح .

ب‌- ينبغي الاهتمام بقضية التعليم وتوفير الفرص التعليمية الحقيقية خصوصا في مجالات التقنيات الحديثة ونظم المعلومات والحاسبات الآلية وغيرها من فروع الدراسات العلمية المتطورة مما يسمح بتطوير العلوم وبالقيام بالأبحاث العلمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بما يسمح باستغلال الموارد المتاحة البشرية والمادية والطبيعية في الوطن العربي الاستغلال الأمثل وتوجيهها نحو التكامل الاقتصادي الناجح .

ج- ينبغي وضع الأولوية في مجال العمل الاقتصادي العملي المشترك لتنمية الاستثمارات ودفع العمل الإنتاجي المشترك اكثر مما يكمن في إزالة حواجز التبادل التجاري القائمة أي إعادة رسم خريطة الاقتصاد العربي وصولا الى مخطط جديد للتخصص وتقسيم العمل فيما بين الأقطار العربية. وفي هذا المجال فان المشروعات العربية المشتركة تشكل مدخل عملي يتميز بتواضع أهدافها ومرونة تنفيذها ومرحلية تحقيقها لاندماج اقتصادي عضوي تدريجي يمكن ان يعمل له وبصورة مطردة وفي آن واحد لخدمة أهداف التنمية القطرية وأهداف التكامل العربي . و في هذا المجال فإن قطاع الصناعة هو القطاع الأكثر قابلية لاستقبال التقنية الحديثة واستخدامها وتوظيفها في عمليات انتاجية تسمح بانتقالها من مجال الإنتاج الى مجال المعرفة والبحث والتطوير وهو المجال الأكثر استعدادا في خلق التشابك الاقتصادي بين القطاعات الإنتاجية في الأقطار العربية نتيجة للآثار الأمامية والخلفية التي يمكن أن تحدثه مشاريعه في خلق قاعدة مشتركة للتنمية الاقتصادية الشاملة والمتكاملة النظرية والقومية .

د- ينبغي تحييد عملية التكامل الاقتصادي العربي في كل مجالاته وعلى مختلف مستوياته عن الخلافات السياسية مع التأكيد على أهمية الدعم السياسي للتكامل الاقتصادي ليس فقط لرفع مستواه الى الأمام وإنما لتوفير روح الالتزام لخطواته وقراراته لدى المستويات التنفيذية بما يتضمن ذلك من الدعوة لإزالة كافة المعوقات التشريعية والإدارية والإجرائية التي تضعف من أثر خطوات التكامل الأخرى كالاعفاءات الجمركية مثلا.

خلاصة القول هي أن المشروع العربي للتكامل الاقتصادي والذي تمثل فيه السوق العربية المشتركة حده الأدنى يمكن أن يحقق العزة والكرامة والغنى للأمة العربية و خصوصا مع تزايد وعي الجماهير والمسؤولين العرب حول مزايا التكامل الاقتصادي ومع غياب الثنائية الأيديولوجية ( الرأسمالية والاشتراكية ) التي سيطرت زمنا طويلا في الفكر العربي ، وفي ظل الضرورات والمستجدات العالمية ( المنظمات الاقتصادية العالمية والتكتلات الاقتصادية الإقليمية إضافة الى الشركات الدولية العملاقة ) . فقط يحتاج المشروع الاقتصادي العربي للتكامل لكي ينجح الى احترام حقوق وكرامة الإنسان العربي في أقطاره ، وتحقيق الديمقراطية الحقيقية وتوجه حقيقي للإرادة السياسية نحو التكامل الاقتصادي وأخيرا الى تطوير نظم وتقنيات التعليم والبحث العلمي في معاهده وجامعاته .

والله ولي التوفيق .



(2) يتم الاتفاق عادة على حد أدنى من نسبة المكون المحلي في قيمة السلعة محل التبادل (40% مثلا) لكي يمكن القول أن هذه السلعة وطنية المنشأ .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)