الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:
إن القانون الدولي العام يشتمل على مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية التي تمنع أو تُقلل من استخدام العنف في الحروب أي أن هذا القانون يُنظم العلاقات الدولية في وقت الحرب, والغرض من ذلك: حماية الأشخاص المتضررين المشتركين في النزاع المسلح الذين توقفوا عن مواصلة الحرب مثل الجرحى, وأسرى الحرب.
وكذلك حماية غير المشتركين في النزاع بصورة مباشرة, وكل ذلك لحماية الإنسان من أي معاملة تتنافى مع كرامته وتمس حقوقه والمعاهدات الدولية التي عقدت في ذلك.
والوضع الراهن في المجتمع الدولي, والأحداث التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالمخالفات الدولية لأنظمة الحرب القانونية خلق شعوراً لدى العامة بالتشاؤم حول فعالية أحكام القانون الدولي وهذا ما جعل أحد شُرَّاح القانون الدولي يقول:( لا الوازع الخُلُقي والأدبي, ولا القانون القضائي, ولا الاتفاقات أو المعاهدات لها القوة والحُجَّة والقدرة على الإقناع....)([1])
لكل ذلك آثرت تناول موضوع هذا البحث متعرضاً في ذلك للأسباب القانونية التي أدت إلى إخفاق القانون الدولي في جعل أنظمة الحرب ومبادئها غير مرعية من جانب الدول في الحروب.
وسأتناول هذا الموضوع بتوفيق من الله تعالى من خلال ثلاثة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
المبحث الأول: وأتناول فيه تنظيم القانون الدولي للحرب.
المبحث الثاني: وأُوضح فيه النماذج التطبيقية للممارسات الدولية في وقت الحرب في العصر الحديث مبيناً في ذلك التكييف القانوني لتلك الممارسات.
المبحث الثالث: وقد جعلتُه لبيان أسباب المخالفات الدولية لقواعد الحرب القانونية في العصر الحديث.
الخاتمة: وأعرض فيها أهم النتائج التي توصلتُ إليها, ومن ثمَّ أُقَدِّم بعض التوصيات.
والله من وراء القصد, وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المبحث الأول
تنظيم القانون الدولي للحرب
لقد اعترف كُتَّاب بارزون في القانون الدولي بقانونية الحرب, فالقانون الدولي لم يحظر الحرب, بل اعتبرها عملية طبيعية للدول ذات السيادة, لذا فقد وضع شُرَّاح هذا القانون الكثير من التعريفات للحرب, من ذلك.
[1] أن الحرب:(نضال بين قوَّتين مسلحتين لدولتين متنازعتين)([2]).
[2] ومن التعريفات أيضاً أن الحرب:(نضال القوات المسلحة لكلٍ من الفريقين المتنازعين, يرمى به كلٌ منهما إلى صيانة حقوقه ومصالحه في مواجهة الطرف الآخر)([3]).
[3] وهنالك تعريف آخر وهو:(أن الحرب من حيث المبدأ هي أعمال تتضمن استخدام القوة المسلحة, تمارسها دولةٌ على أخرى, مشَّكلة بذلك تدخُّلاً غير محدود في نطاق مصالح الدولة الأخرى)([4]).
[4] وقيل إنَّ الحرب:( نضال مسلح بين الدول بقصد تحقيق غرض سياسي)([5]).
[5] أو أن الحرب:(صراع أو نضال باستعمال القوة المسلحة بين الدول بهدف تغليب بعضها على بعض لتحقيق مصلحة مادية أو معنوية)([6]).
[6] ويمكن تعريف الحرب بأنها:(الحالة القانونية التي ينظمها القانون الدولي عن اصطراع مسلح بين الدول, بقصد فرض إحداها أو مجموعة منها لوجهة نظرها بالقوة على الدولة أو الدول الأخرى)([7]).
[7] ومن التعريفات التي ذكرت للحرب أنها:(الصراع باستخدام القوة المسلحة بين الدول وذلك بهدف تغلُّب بعضها على بعض)([8]).
[8] كما تُعرَّف أيضاً بأنها:(حالة نضال مسلح بين دولتين فأكثر, تستهدف ظفر وجهة نظر سياسة معينة, وهي حالة استثنائية يسبقها تصميم, وتدار بموجب أنظمة خاصة أقرتها لها الحقوق الدولية العامة)([9]).
يتضح من تلك التعريفات التي ذكرت الآتي:
[1] إنَّ الحرب صراع مسلح بين الدول, وهذا ما يُميزها عن غيرها من الأنشطة المسلحة والتي لا تتعدى حدود الدولة الواحدة(الحرب الأهلية).
كما يخرج من مفهوم الحرب كذلك ما تقوم به أية دولة ضد المتمردين أو القراصنة.
فالحرب:(لا تمثل على الإطلاق علاقة إنسان بإنسان, لكنها علاقة دولة بدولة, ولا يكون للأفراد فيها أعداءٌ إلاّ مصادفة لا كبشر, وإنما كمواطنين, لا كأعضاءً في الوطن وإنما كمدافعين)([10]).
[2] إنَّ الوسائل التي تُدار بها الحروب ينظمها القانون الدولي, حيث تلتزم الدول أطراف النزاع وكذلك الدول المحايدة بتطبيق قواعد قانونية دولية تنظم الأعمال الحربية وتجعلها أكثر إنسانية.
[3] إنَّ الحرب وسيلة للسياسة الوطنية, تهدف إلى إعلان أو فرض وجهة نظر وطنية.
وقد اختلف شُرَّاح القانون الدولي في النظرة إلى الحرب, فبالرغم من أنها الوسيلة الأخيرة من وسائل الإكراه التي تلجأ إليها الدول لحل ما بينها من نزاع، اتخذها البعض موقفاً وسطاً، فكانوا يرون الحرب شراً لابد منه في بعض الأحايين.
والفقهاء الذين أيدوا الحرب قالوا إنَّها خدمت المجتمع الدولي في غايتين أساسيتين هما([11]):
[1] إنَّها وفَّرت وسيلة فعَّالة للاعتماد على النفس في تنفيذ الحقوق في حالة غياب محاكم دولية مختصة.
[2] إنَّ الحرب قد زوَّدت الدول بوسيلة من وسائل الاعتماد على النفس لتغيير قواعد القانون الدولي وتكييفها مع الظروف المتغيرة.
والواقع أن الحرب ظاهرة لا يمكن إنكارها في المحيط الدولي, بل قد تشكِّل حالات الصدام المسلح ـ كما يرى بعض شُرَّاح القانون ـ أصل العلاقات الدولية, في الوقت الذي أصبح السلم استثناءً مما دعا للاهتمام بها, وأن يُتعرَّض لها بالتنظيم حتى يُتمكن من تخفيف شرورها إن لم يكن الوقاية منها. ومن هنا كان مولد ما يُسمى بقانون الحرب.
ويرى شُرَّاح القانون الدولي أن السبب في وضع قواعد قانونية دولية للحرب يرجع إلى الآتي([12]):
أولاً: أن الحرب تدعو إليها الضرورة, والضرورة تقدر بقدرها ويكفي فيها استعمال بعض وسائل العنف والخداع بقدر ما يكفي لإضعاف مقاومة العدو وحمله على التسليم.
ثانياً: وجوب مراعاة المبادئ الإنسانية في الحرب, وتجنيب غير المحاربين المضار والأهوال الناجمة عن الحرب.
وهنالك ثلاثة مبادئ رئيسة حددت تطوُّر قانون الحرب وهي:
[1] أن المحارب يمكنه استخدام أية كمية وأي نوع من القوة متى كانت ضرورية لتحقيق هدف الصراع.
[2] أنه ولاعتبارات إنسانية فإن أي عنف غير ضروري لتحقيق ذلك الهدف يجب أن يمنع.
[3] أن قدراً من الشهامة وروح العدالة يجب أن يسود في إدارة الحروب وأنه يجب تجنب بعض طرق الخداع والتضليل.
وعلى الرغم من كل ذلك فالحقيقة المؤلمة أن هذه القوانين لم تطبق في أي حرب, وذلك لاعتبارات نتطرق لها في الجزء الثالث من هذا البحث إن شاء الله تعالى.
ولكن هذا لا ينفى أن أغلبية بنى البشر كان لديهم العزم على منع تكرار الأعمال الإجرامية في وقت الحرب, فبدأت قوانين الحرب تظهر في شكل قواعد قانونية عرفية, ثم تطورت عن طريق تطبيق القانون العرفي إلى قانون مكتوب في أغلب بنوده وذلك نسبة لكثرة الاتفاقيات الدولية التي تنظم علاقات الدول في وقت الحرب ومن تلك الاتفاقيات ما يلي([13]):
[1] إعلان باريس لعام 1856م بخصوص الحرب البرية وأُلغيت بموجبها القرصنة.
[2] اتفاقية لاهاي 1899م-1907م والمتعلقة باحترام قوانين الحرب.
[3] معاهدة جنيف 1906م المتعلقة بالجنود الذين يُصابون بجروح في ساحة القتال.
[4] اتفاقية واشنطن 1922م حول حرب الغواصات والغازات.
[5] بروتوكول([14]) جنيف عام 1925 شاركت فيه ما يزيد عن أربع وثمانين دولة.
[6] اتفاقات جنيف الأربعة التي تمَّ توقيعها في 12/8/1949م وهي:
(أ) اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان.
(ب) اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في البحار.
(ج) اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب.
(د) اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.
فهذه الاتفاقات وغيرها [خاصة اتفاقيات جنيف الأربعة والمشار إليها أعلاه] قد عددت الأفعال الإجرامية التي ترتكب مخالفةً لقوانين الحرب ولتلك الاتفاقات.
ومن ناحية أخرى فإن معظم شُرَّاح القانون الدولي اتفقوا على أن هناك أربعة أنواع رئيسة للأفعال الإجرامية في وقت الحرب وهي([15]):
[1] مخالفة أنظمة الحرب.
[2] الأعمال الحربية المسلحة التي يرتكبها أشخاص ليسوا من أفراد قوات مسلحة معترف بها.
[3] أعمال التجسس والتخريب والخيانة العسكرية.
[4] جميع أعمال الغزو والسطو والنهب والقتل.
بالرجوع إلى الاتفاقات التي وُضِعَت لتنظيم الأعمال الحربية وخاصة اتفاقات جنيف الأربعة, نجدها قد عدَّدت الأفعال الإجرامية الخَطِرة التي التزمت الدول الموقعة بتجريمها, وتعهدت بأن تضع لها العقوبات المناسبة في تشريعاتها الداخلية, وقد نصت اتفاقات جنيف على ثلاث عشرة مخالفة([16]) في وقت الحرب, وقد ذكرت تلك الانتهاكات صراحة لخطورتها, وصُنَّفت هذه الأفعال الإجرامية في الفئات التالية([17]):
أولاً: أفعال إجرامية وردت في الاتفاقات الأربع:
[1] القتل العمد.
[2] التعذيب.
[3] التجارب البيولجية.
[4] إحداث آلام كبرى مقصودة.
[5] إيذاءات خطيرة ضد السلامة الجسدية والصحية.
[6] المعاملة غير الإنسانية.
ثانياً: جرائم وردت في الاتفاقات الثلاث الأولى:
ـ تخريب الأموال وتمليكها بصورة لا تبررها الضرورات العسكرية والتي تنفذ على مقياس واسع غير مشروع, وتعسفي.
ثالثاً: جرائم وردت في الاتفاقيتين الثالثة والرابعة:
[1] إكراه شخص على الخدمة في القوات المسلحة لدولة عدوة لبلاده.
[2] حرمان شخص محميُّ من حقه في محاكمة قانونية وحيادية بموجب الاتفاقات الدولية.
[3] نقل الأشخاص من أماكن وجودهم بصورة غير مشروعة.
[4] الاعتقال غير المشروع.
[5] أخذ الرهائن.
رابعاً: جريمة وردت في الاتفاقيتين الأولى والثانية:
ـ سوء استعمال علم الصليب الأحمر وشاراته والأعلام المماثلة.
وعلى الرغم مما ذُكر في اتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949م من تعداد للأفعال الإجرامية الخَطِرة التي ترتكب مخالفة لقانون الحرب, إلاّ أن تجارب النزاعات المسلحة التي شهدتها البشرية أثبتت أن هناك أفعالاً إجرامية ارتكبت في حق الإنسان مما يستوجب ضمَّها في عداد الجرائم الخَطِرة باعتبار أن ما ورد في تلك الاتفاقات لم يكن على سبيل الحصر, لذلك فقد تمَّ التوقيع على بروتوكولين إضافيين لاتفاقات جنيف لعام 1949م, وكان ذلك في: 10/6/1977م, وذلك بهدف إنماء وتطوير قواعد القانون الدولي([18]).
وقد اهتم البروتوكول الأول بالنزاعات المسلحة الدولية, وقد ذكر في مادتيه (11/85)تصنيفاً للأفعال التي تُعد إجراماً تضاف إلى الانتهاكات الثلاث عشرة التي ذُكرت آنفاً([19]) وتتمثل تلك الأفعال في الآتي:
[1] جعل السكان المدنيين هدفاً للهجوم.
[2] الهجوم العشوائي الذي يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية.
[3] شن هجوم على الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحتوي على قوى خطرة.
[4] شن هجوم على المناطق منزوعة السلاح.
[5] قيام دولة الاحتلال بنقل بعض سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة, أو ترحيل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة داخل نطاق تلك الأراضي.
[6] اتخاذ شخص ما هدفاً للهجوم مع العلم بأنه عاجز عن القتال.
[7] التأخير في إعادة أسرى الحرب أو المدنيين إلى أوطانهم دون مبرر.
[8] ممارسة الفصل العنصري, أو أي من الأساليب المدنية المؤدية إلى التمييز العنصري والمنافية للإنسانية.
[9] شن الهجمات على الآثار التاريخية, وأماكن العبادة, والأعمال الفنية التي يُتعرَّف عليها, والتي تمثل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب طالما كانت هذه الآثار وأماكن العبادة بعيدة عن الأهداف العسكرية.
وبهذه الإضافة للأفعال الإجرامية الخَطِرة في وقت الحرب يصبح عدد المخالفات اثنتين وعشرين مخالفة جسيمة.
أما البروتوكول الثاني فقد اهتم بالنزاعات المسلحة غير الدولية, أي التي لا تنطبق عليها شروط النزاع الدولي([20]).
يتضح مما ذكر مدى الجهود الدولية التي بذلت من أجل وضع أنظمة وقواعد قانونية دولية تنظم العلاقات الدولية وقت الحرب لجعلها أكثر إنسانية ولخلق قانون دولي إنساني يحمى الفرد أو الإنسان.
وعلى الرغم من ذلك فهناك انتهاكات جسيمة يعتبرها القانون جرائم حرب دولية من حيث الوصف, ومن تلك الأفعال ما يلي:
[1] نقض العهد أو كلمة الشرف.
[2] تدمير غنائم العدو دون مبرر.
[3] الخداع, أو ممارسة طرق احتيالية كارتداء الجنود ملابس مدنية لإخفاء هويتهم أثناء القيام بأعمال حربية, أو التظاهر بالمرض ونحو ذلك.
[4] مخالفة شروط الاستسلام.
[5] الاعتداء على المباني التي تتمتع بالحصانة أو تدميرها.
فكل هذه الانتهاكات المخالفة لقوانين الحرب تعتبر أفعالاً إجرامية, وردت في اتفاقات دولية متعددة, مما يشير إلى أن القانون الدولي الإنساني قد وصل إلى مرحلة من التطور روعيت فيها حقوق الإنسان في النزاعات المسلحة إلى حد كبير.
ومن ناحية النظرية نجد أن هذه الاتفاقات يفترض تطبيقها على جميع الدول المتحاربة, وذلك لأنها اشتملت على أعراف دولية معترفٍ بها.
تلك القواعد هي التي شكَّلَت في العصر الحديث القانون الدولي الإنساني الذي يحظر ارتكاب أي أفعال إجرامية في وقت الحرب, تُهَدِّد سلم وأمن البشرية الذي يمثِّل هدفاً أساسياً من أهداف هيئة الأمم المتحدة والتي وردت في ميثاقها([21]).
المبحث الثاني
نماذج تطبيقية للممارسات الدولية في وقت الحرب في العصر الحديث
يُقال:(إنَّ القانون والمجتمع وجهان لعملةٍ واحدة)([22]). فأينما يوجد مجتمع نجد بالضرورة قانونا, والعكس صحيح, فوجود القانون إذن مرتبط بوجود الإنسان, فالقانون قديم قدم المجتمعات, فهو النظام الذي يحكم وينظم كل العلاقات والروابط التي تنشأ بين الأشخاص, وأي إخلال أو خرق للقانون يهدد المجتمع واستقراره, لذا يتكفل القانون بمواجهة هذا الإخلال بالجزاء المناسب.
ومما لا شك فيه أن الأفعال الإجرامية داء اجتماعي لا يخلو أي مجتمع منه مهما بلغ من التطور والتقدم, ونجد أن هناك اختلافاً في النشاط الإجرامي من حيث الكم والنوع من مجتمع لآخر. وعلى الرغم من تعدد القوانين التي تحكم وتنظم التعامل بين الأشخاص على الصعيدين الداخلي والدولي, فإن ظاهرة الجريمة مازالت موجودةً, بل بدأت تزداد حدة وتتبلور في العصر الحالي, لذلك فقد شغلت أذهان شُرَّاح القانون واهتمامهم.
ورجال القانون منذ القدم آمنوا بقواعد قانونية عظيمة هي:
(عش أميناً... لا تلحق ضرراً بالناس... رد لكل إنسان حقه)([23]).
وعلى الرغم من كثرة القواعد القانونية التي تعمل على مكافحة الإجرام إلاّ أننا نجد أن وسائل الإعلام المختلفة من وقت لآخر تنقل لنا الأخبار المروِّعة والمفجعة المتعلقة بالتعامل الدولي وقت الحرب. (فتقدم الحضارة يجب أن يؤدي إلى التخفيف قدر الإمكان من ويلات الحرب)([24]), باعتماد مبدأي الضرورة العسكرية والمعاملة الإنسانية؛ إلاَّ أن الواقع في المجتمع الدولي بخلاف ذلك, حيث إن هناك الكثير من المخالفات الدولية لأنظمة الحرب, من أبرزها في العصر الحديث ما يقوم به العدو الإسرائيلي في فلسطين, فقد ارتكبت إسرائيل ومازالت منذ نشأتها سنة 1948م وحتى الآن كل الجرائم الدولية بحق العرب في الأقاليم التي احتلتها في حروبها, ووثائق الأمم المتحدة تطفح وتفيض بإدانة إسرائيل([25]).
ومن أمثلة ما تقوم به إسرائيل من أفعال إجرامية ما نشرته وسائل الإعلام أن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وبمساعدة عملائها قامت بتهريب مخدرات من لبنان إلى كلٍ من الأُردن ومصر عبر إسرائيل, وكانت المخابرات الإسرائيلية تعمل على حمايتها خلال الطريق داخل إسرائيل وحتى اختراق الحدود سراً إلى الأُردن أو مصر([26]).
كل ذلك بخلاف ما تمارسه إسرائيل من أعمال قمع وحشية تتنافى مع القيم والكرامة الإنسانية وكل المواثيق والأعراف الدولية بحق الشعب الفلسطيني المحتل, دون أن يكون للقانون الدولي ولا وسائله أثر في منع تلك الأفعال الإجرامية.
ومن أبرز الأنشطة الإجرامية في القرن الحادي والعشرين والتي تُشكِّل مخالفةً واضحةً لمبدأ الشرعية الدولية الحرب الأنجلو أمريكية على العراق, تلك الحرب التي انتهكت القواعد القانونية التي كان من الواجب مراعاتها.
فالأفعال التي مارستها القوات الأمريكية والبريطانية في عدوانها على العراق هي ـ حسبما وصفها المحللون والسياسيون ووسائل الإعلام ـ عدوان تجاوز كل المقاييس الإنسانية, وفيها ممارسة لأبشع ألوان الجبروت والطغيان, كاستخدامهم للقنابل العنقودية على أحياء سكنية, في بغداد, وفي عدة أماكن أخرى. وفي ذلك مخالفة لقوانين الحرب حتى ولو بافتراض أن ما قامت به قوات التحالف الأمريكية والبريطانية هو حربٌ عادلةٌ([27]).
ومن المعلومات التي تسربت حديثاً من مصادر روسية رفيعة وتناقلتها وكالات الأنباء استخدام الأمريكان لقنبلة[النيترون]([28]), في إبادة الجيش العراقي ودخول بغداد, وهذه القنبلة من الأسلحة المحظورة دولياً لأنها شديدة الخطورة, واستخدامها فيه إجهاض للمواثيق الدولية ويشكل سابقة رهيبة توازى استخدام القنبلة الذرية ضد اليابان, واستخدام القوات الأمريكية لذلك السلاح هو ما يفسر حقيقة الانهيار المفاجئ للمقاومة العراقية.
وكذلك من الممارسات الإجرامية على الأراضي العراقية: فتح الجنود الأمريكيين النار على مدنيين عراقيين مخالِفين بذلك اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.
وفي الإطار ذاته فقد شهدت أفغانستان في أكتوبر من العام 2001م ما يدل على انتهاك القواعد القانونية الدولية التي تنظم التعامل الدولي في وقت الحرب, فقد أهدرت القيم والكرامة الإنسانية، ولا أدلَّ على ذلك من القصف الأمريكي لأطفال ونساء أفغانستان، في حين أننا نجد أن من المبادئ الأساسية لقانون جنيف: ألاَّ تتنافى مقتضيات الحرب مع احترام الذات الإنسانية, فليست الحرب مبرراً للاعتداء على حياة من لا يشاركون في القتال, أو الذين لم يعودوا قادرين على ذلك. وعلى الرغم من ذلك فقد تناقلت وسائل الإعلام أنَّ القوات الأمريكية قامت بقصف مناطق سكنية في كابول, كما قامت بقصف قافلة من زعماء القبائل كانت متجهة لحضور حفل تنصيب الرئيس المؤقت للبلاد([29]).
وفي حرب أمريكا لأفغانستان تحت ستار مكافحة الإرهاب فقد استُهدفت مخازن الصليب الأحمر الإغاثية في كابول فتحول الغذاء والدواء إلى رماد يتطاير أمام أعين الملايين من البائسين([30]).
فكما هو معلوم أن الهيئات الإنسانية المكونة للحركة العالمية للصليب أو الهلال الأحمر تقوم بدور كبير في مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية لأنها تخدم أغراضاً إنسانية محضة, واستهداف مثل هذه الهيئات الإنسانية يُعيقها من القيام بمهامها مما يلحق ضرراً بالأشخاص أثناء الحروب, فتظهر المخالفة لقواعد الحرب في القانون الدولي التي وضعت مبادئ عامة يجب مراعاتها أثناء الحرب: كواجب تقديم المساعدة, والعلاج, ومختلف الخدمات, والمعاملة بصورة عامة على نحو يتفق مع كرامة الإنسان.
ويمكن أن نلخص نتائج تلك الحرب في الآتي:
[1] إهدار القواعد القانونية الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان كحق الحياة مثلاً, حيث قامت القوات الأمريكية بإطلاق النار على عدد من المدنيين([31]).
[2] مخالفة قواعد القانون الدولي والأعراف والمبادئ القانونية المتعلقة بالحرب.
[3] إثبات عدم وجود أي آلية دولية تعمل من أجل إنزال قواعد القانون الدولي إلى أرض الواقع.
فكل تلك الممارسات الإجرامية وغيرها مما يشهده العالم اليوم تشير بوضوح إلى حقيقة مهمة وهى إخفاق القانون الدولي وقصوره في مكافحة الإجرام([32]).
ويرجع السبب في ذلك ـ حسب تقديرنا ـ إلى معوقات منعت الجهود الدولية ووسائل مكافحة الإجرام من أن تؤدي وظيفتها. وسوف أتعرض في المبحث الثالث من هذا البحث إلى تلك المعوقات.
فعلى الرغم من الجهود الدولية التي بُذلِت للحدِّ من الظاهرة الإجرامية أثناء الحروب إلاَّ أن الممارسات الإجرامية على مختلف مستوياتها ضد سلم وأمن البشر لم تتوقف, وما حروب الشرق الأوسط إلاَّ مثالاً للوحشية والجرائم البشعة على مواطني الأرض المحتلة، وسلسلة جديدة من أنماط الجرائم ضد السلم والأمن الدوليين.
كل ذلك يشير إلى اتساع دائرة النشاط الإجرامي في وقت الحرب في أبشع الصور نتيجة للتقدم العلمي الذي وُجِّه في إزهاق الأرواح في شكل جماعي لم يسبق له مثيل.
المبحث الثالث
أسباب المخالفات الدولية لقواعد الحرب القانونية في العصر الحديث
إنَّ انتشار العنف والظاهرة الإجرامية على النطاق الدولي ولاسيما في وقت الحرب, هو الذي دفع إلى تضافر الجهود الدولية لوضع القواعد القانونية التي تؤدِّي إلى الحد أو التخفيف من آثارها الجسيمة على البشرية كلها.
ولقد كانت المعاهدات الدولية هي الملجأ بما تتضمنه من قواعد قانونية دولية ملزمة، فعُقِدَتْ الكثير من المعاهدات التي تحول دون القيام بممارسات تتنافى مع قوانين الحرب. وعلى الرغم من ذلك فإن الأفعال التي تُرتكب مخالفةً لقوانين الحرب قد ازدادت حتى تملك الشعور بعدم وجود قانون دولي يُنظم مثل تلك العلاقات, وذلك لجملة من الأسباب تتمثَّل في الآتي([33]):
[1] أنَّ الإنسان اعتبر نفسه غير ملزم بتطبيق كل القيم الإنسانية, وأنَّه متحرر من كل شعور بالإنصاف والعدالة.
[2] ضعف القانون الدولي العام وعدم فعاليته في المجتمع الدولي, ويرجع السبب في ذلك إلى الآتي:
أ/ اختلاف القانون الدولي نظرياً عن التطبيق العملي, وذلك لأنَّ الدول كثيراً ما تلجأ إلى مفهوم السيادة إذا تعرَّضت مصالحها القومية لأي مؤثرات, فكل الدول متساوية في السيادة في نظر القانون, لذلك فهي تستند في قراراتها على ذلك المفهوم أكثر من استنادها على قواعد القانون الدولي.
ب/ افتقاد القانون الدولي للسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تعمل بكفاءة وفعالية كما هو الحال في القانون الوطني.
ج/ ضعف الجزاء وعدم فعاليته في القانون الدولي, على الرُّغم من أن الجزاء يُعدُّ عنصراً أساسياً من عناصر أي قانون, خاصة وأنَّ الإنسان يخشى الجزاء.
[3] الأساس الفكري للقانون الدولي المتمثِّل في نظرية القانون الطبيعي([34]) العقيمة، والفكر العلماني([35]).
فهذا الأساس الفكري لا ينتج عنه إلا الإنسان الدنيوي اللاَّ ديني الذي تتحكَّم أهواؤه ومصالحه في إرادته. إنسان يكون مطيَّة لهواه لا يعرف الآخرة ويؤمن بالدُّنيا, فينهش من أجلها كل الحقوق جملةً وتفصيلاً دون مراعاة لأي قانون.
[4] قابلية القانون الدولي للتلبُّس بالظلم:
فبما أنَّ القانون الدولي هو تشريع وضعي بشري, فهو قابل للتلبُّس بالباطل والضلال والظلم والجهل والنسيان, فكل هذه الصفات لا يمكن للإنسان أن يكون بمنأى عنها, لذلك كان القانون الدولي متلبِّساً بالزيغ والضلال.
[5] افتقاد القانون الدولي لمنهجية تفعيل نصوصه, وذلك لافتقار هذا القانون إلى الأنظمة المُصْلِحَة للسلوك الإنساني, المنشئة للإرادة الملتزمة بالحق والعدل وصون الحقوق, وهذه الإرادة مدار صلاحها وصحتها عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر وعلى الأخلاق الإسلامية.
وهذا يعني أن هذه المنهجية الإسلامية الخالصة تؤدي إلى إصلاح سلوك الشخص, وهي منهجية مفقودة في القانون الدولي الذي لا يعيرها اهتماماً ولا يعدُّها من طبيعة قواعده القانونية لذلك فلا سبيل لإصلاح السلوك الإنساني لأصحاب القرار في كوكب الأرض مع افتقاد هذه المنهجية.
[6] وعلى الرغم مما ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة من نص مفاده:(نحن شعوب الأمم المتحدة قد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف...)([36]).
وبإلقاء نظرة واحدة على عالم اليوم يتضح لنا جلياً أن هذا الذي سطره الميثاق لم يوضع موضع التنفيذ. فهذا الوضع المنتهك لحقوق الأمم والشعوب أثناء الحروب وغيرها جعل ممثل الصين في مجلس الأمن يقول بأن:( أمريكا تتعامل مع مجلس الأمن بالحذاء...)([37]).
فإذا كان هذا الميثاق الذي يُعد من الاتفاقات العامة (الشارعة) بمثابة القانون الدولي الموقَّع عليه من دول العالم, يعجز عن تحقيق ما وعد به من حفظ واحترام لكرامة الإنسان. فإن ذلك يرجع إلى أربع معضلات أساسية هي الآتي([38]):
المعضلة الأولى: تشريع الميثاق لحق الفيتو:
فما ورد في الميثاق من إعطاء الدول الخمس الدائمة العضوية لحق النقض([39]) يمثل قمة الدكتاتورية والاستبداد والطغيان, فهذا الحق يجعل إرادة دولة واحدة من تلك الدول متحكمة في إرادة جميع دول العالم.
والأمثلة على ذلك كثيرة منها: استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق الفيتو لإفشال رغبة جميع الدول في إرسال مراقبين دوليين إلى فلسطين لحماية الشعب الفلسطيني من اليهود الذين يتفننون في إجهاض وإهدار مبادئ وقواعد القانون الدولي العام أمام أنظار العالم والأمم المتحدة.
والواقع يؤكد لنا أنه كثيراً ما يُساء استخدام هذا الحق لحماية الدولة ذاتها أو إحدى حليفاتها من تنفيذ أي قرار صادر في مواجهتها مما يؤدى إلى تقويض القانون الدولي وهذا ما يجعل الدول المتمتعة بهذا الحق كثيراً ما تخالف القانون وتقوم بأعمال أثناء الحروبات خارجة عن إطار الشرعية الدولية.
المعضلة الثانية: تمكين الميثاق للدول المعتدية من الإفلات من القضاء الدولي:
فباستقراء نصوص الميثاق يتضح أنه شرَّع إقامة محكمة العدل الدولية بطريقة تؤدى إلى إفلات الدول الظالمة التي لا تراعى قواعد القانون الدولي من القضاء. وذلك لأن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية([40]), ينص على ألاَّ يتدخل هذا القضاء إلاَّ إذا رضي طرفا النزاع بالاحتكام إليه.
وكما هو معروف فإنَّ الظالم ما دام مخيَّراً في اللجوء إلى القضاء فإنه يرفض اللجوء إليه, وبذا يبقى الظالم ظالماً والمظلوم مظلوماً.
وبهذا التنظيم الفاسد للقضاء الدولي يكون هذا الميثاق قد ساهم في تقويض وإهدار كل القواعد القانونية الدولية.
المعضلة الثالثة: إغفال الميثاق لمبدأ العدالة:
إن الأهداف التي تسعى الأمم المتحدة لتحقيقها ووردت في الميثاق تتمثل في أربعة أهداف أساسية ذكرت في المادة الأولى, وقد سميت بـ(مقاصد الأمم المتحدة). تلك المقاصد تسعى الدول الأعضاء بصورة منفردة أو بالتضامن مع بعضها البعض إلى تحقيقها([41]).
وباستقراء تلك المقاصد والأهداف يتضح جلياً أن هذا الميثاق قد أغفل مبدأ العدالة, فلم ينص عليه ضمن أهداف الأمم المتحدة, بل نجد أن هذا الميثاق قد أعطى الأولوية لحفظ السلم والأمن الدوليين, فإذا تعارض السلم مع العدالة, فلا عبرة بالعدالة, بل العبرة بالسلم والأمن الدوليين.
فعلى سبيل المثال ولإبراز نتائج إغفال مبدأ (العدالة) في الواقع وفي النزاعات المسلَّحة: إذا اعتدت دولة كبرى تملك حق الفيتو أو حليفتها على دولة أخرى وأهدرت الدولة المعتدية كل قوانين الحرب الدولية، فمع إغفال مبدأ (العدالة) فلا يكون أمام الدولة المعتدى عليها إلا ثلاثة خيارات:
الخيار الأول:
أن تستسلم الدولة المعتدى عليها مُكرهة أمام القوى المادية المعتدية لتحقيق السلم والأمن الدوليين دون أن يكون هناك عبرة لإنصاف شعب الدولة المعتدى عليها وتحقيق العدالة.
الخيار الثاني:
أن ترفع الدولة المعتدى عليها شكوى إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة لتجيبها بأنها غير مختصة، وأن الاختصاص في ذلك ينعقد لمجلس الأمن حسب أحكام الفصل السابع من الميثاق الخاص بالنزاعات المسلحة. وهنالك نجد أن مجلس الأمن يصبح عاجزاً عن اتخاذ أي قرار بسبب حق الفيتو. فيستمر العدوان إلى أن يتحقق السلم والأمن الدوليان بالاستسلام ولا عبرة بمراعاة قانون الحرب، ولا العدالة.
الخيار الثالث:
أن تلجأ الدولة المعتدى عليها لمحكمة العدل الدولية لتحقيق العدالة، وبما أن هذه المحكمة بموجب نظامها الأساسي لا تستطيع النظر في أي دعوى إلا إذا رضي طرفا النزاع بالمخاصمة أمامها، فإنها لن تكون مختصة في نظر ذلك النزاع، وهذا يعني أن تستمر الدولة المعتدية في مخالفاتها لقواعد القانون الدولي بصورة عامة وقواعد الحرب القانونية بصفةٍ خاصة، فكل ذلك يدل على أن الميثاق أسهم في هدم قواعد القانون الدولي.
المعضلة الرابعة: ضمان الميثاق لبقاء المعضلات السابقة واستمرارها دون تغيير:
فعلى الرغم من كل تلك المعضلات في ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤدي إلى إجهاض قواعد القانون الدولي العام، وبموجب هذا الميثاق نفسه لا تستطيع الدول أن تعدل هذا القانون الدولي، وذلك من أجل ضمان هيمنة الدول الكبرى على العالم، فجعلوا تعديل الميثاق خاضعاً لاستخدام حق الفيتو ضده([42]).
تلك هي الأسباب التي أدَّت إلى مخالفات الدول للقواعد القانونية التي تنظم العلاقات الدولية في وقت الحرب والتي أصبحت تشكِّل أزمة من أزمات الواقع الدولي الراهن، ومشكلة من مشكلات العالم المعاصر.
الخــــــــاتـــمـــة
من خلال هذه الدراسة التي جاءت تحت عنوان: (التعامل الدولي وقت الحرب بين النظرية والتطبيق) يتضح جلياً الآتي:
[1] أنَّ الدول في علاقاتها الدولية في وقت الحرب لا تضع في اعتبارها القواعد القانونية التي تنظم علاقات الدول أثناء الحروب.
[2] عجز القانون الدولي العام بجميع فروعه عن تفعيل القواعد القانونية الدولية وذلك لجملة من الأسباب تتمثل في الآتي:
أ/ ضعف القانون الدولي العام وعدم فعاليته.
ب/ الأساس الفكري للقانون الدولي يتمثل في نظرية القانون الطبيعي والفكر العلماني.
ج/ قابلية القانون الدولي للتلبُّس بالباطل والظلم.
د/ عدم اهتمام القانون الدولي بالجانب الأخلاقي للإنسان، مما أفقده آلية تفعيل نصوصه.
هـ/ فشل ميثاق الأمم المتحدة في تحقيق الوعد غير الصادق من إنقاذ الأجيال من ويلات الحرب.
فكل تلك النتائج توضح مدى قصور القانون الدولي في أن تنزل القواعد القانونية بصورة عامة والمتعلقة بتنظيم الحرب خاصةً موضع التنفيذ، لذلك جاءت هذه التوصيات علَّها تساهم في تفعيل هذا القانون ومن ثمَّ يتحقق العدل وحفظ الحقوق والسلم والأمن الدولي.
وتتمثَّل تلك التوصيات في الآتي:
[1] العمل على تحسين القانون الدولي العام ليكون أكثر فعالية، وذلك من خلال إيجاد سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية محايدة تعمل على مداومة تطوير هذا القانون وضمان ملاءمته للظروف المتغيرة، بالإضافة إلى تدعيم القانون الدولي بعنصر الجزاء الفعَّال والمناسب كما هو الحال في القوانين الوطنية.
[2] ضرورة تشكيل مكتب للتحقيق في كل المسائل التي تقع مخالفة لقواعد القانون الدولي، على أن يكون لهذا المكتب سلطة توجيه الاتهام لأي شخص وتقديمه للمحاكمة وكذلك سلطة تنفيذ العقوبات.
[3] الاهتمام بالجانب الأخلاقي في القانون الدولي ونشر الوعي وتنمية الوازع الديني لإشاعة التوازن في المجتمع الدولي.
[4] ضرورة تشكيل لجنة دولية خاصة من خبراء وفقهاء لفحص المعاهدات الدولية التي تُبرم بين أشخاص القانون الدولي، وذلك بغرض التأكُّد من عدم وجود أي تعارض أو غموض أو نصوص مجحفة، على ألاَّ تسري أي معاهدة إلا بعد التصديق عليها من هذه اللجنة.
[5] ضرورة إلغاء المواد التي وردت في ميثاق الأمم المتحدة والتي ثبت أنَّها لا تؤدي إلى تقوية الاتفاقات الدولية التي تسعى لتنظيم علاقات الدول وقت السلم والحرب.
[6] ضرورة النص على مبدأ العدالة كهدف من أهداف الأمم المتحدة لصون حقوق الإنسان وحتى لا تسود شريعة الغاب وسياسة القوة والقهر.
تلك هي أهم المقترحات والتوصيات التي خرجت بها في خاتمة هذا البحث.
والله الموفِّق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
قائمة المراجع
أولاً: الكتب العربية:
[1] أحمد محمد رفعت، القانون الدولي العام، 1999م.
[2] بدرية عبد الله العوضي، القانون الدولي العام في وقت السلم والحرب، وتطبيقه على دولة الكويت، 1987م.
[3] جيرهارد فان غلان، القانون بين الأمم، مدخل للقانون الدولي العام، ج3، تعريب: إيلي ويل، دار الجيل، بيروت، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
[4] سفر بن عبد الرحمن الحوالي، رسالة من مكة "عن أي شيءٍ ندافع؟"، شركة مطابع السُّـودان للعملة.
[5] عبد العزيز محمد سرحان، القانون الدولي العام، 1969م، دار النهضة العربية، القاهرة.
[6] عبد العزيز محمد سرحان، نظرية الدولة في القانون الدولي والإسلام، 1996م، دار النهضة العربية، القاهرة.
[7] عبد الوهاب حومد، علم الإجرام الدولي، 1978م، مطبعة جامعة الكويت.
[8] علي علي منصور، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، دار القلم.
[9] غسَّان حمدان، التطبيع، استراتيجية الاختراق الصهيوني، ط/1، 1988م، دار الأمان.
[10] فتح الرحمن عبد الله الشيخ، قضايا عربية في القانون الدولي المعاصر، ط/1، 1996م، القاهرة.
[11] فؤاد شباط، الحقوق الدولية العامة، 1965م، منشورات جامعة دمشق.
[12] اللورد دينج، طريق نحو العدالة، ترجمة: محمد عبد الله منشاوي ومأمون كنون، ط/1، 1982م، دار الجيل، بيروت.
[13] محمد صبحي نجمي، الوجيز في علم الإجرام والعقاب، ط/2، 1991م، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمَّان.
[14] محمد عزيز شكري، مدخل إلى القانون الدولي العام، ط/5، 1991ـ1992م، منشورات جامعة دمشق.
[15] محمد مصطفى يونس، مبادئ القانون الدولي العام، 1992م، مكتبة النصر، جامعة القاهرة.
[16] منير حميد البياتي، حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون، 1423هـ، كتاب الأمة، العدد (88)، السنة الثانية والعشرون.
[17] أبو هيف علي صادق، القانون الدولي العام، 1972م، منشأة المعارف، الإسكندرية.
ثانياً: الدوريات:
ـ البيان، مجلة إسلامية شهرية، العدد (186)، السنة الثامنة عشر، أبريل 2003م، المنتدى الإسلامي.
ثالثاً: الاتفاقيات والمواثيق الدولية:
[1] ميثاق الأمم المتحدة.
[2] النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
رابعاً: مواقع شبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت):
[1] WWW .Arabic@ b.b.co.uk
([1]) جير هارد فان غلان, القانون بين الأمم: مدخل إلى القانون الدولي العام, تعريب: إيلي ويل, دار الجيل بيروت, دار الآفاق الجديدة, بيروت, ج/3,ص233.
([2]) يُنظر في ذلك: المستشار علي علي منصور, الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام, دار القلم, ص237.
([3]) يُنظر في ذلك: د. علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام, تاريخ الطبع:1972م, منشأة المعارف, الإسكندرية, ص837.
([4]) د. محمد عزيز شكري, مدخل إلى القانون الدولي العام, ط/5, تاريخ الطبعة: 1991ـ1992م, منشورات جامعة دمشق, ص497.
([5]) د. عبد العزيز محمد سرحان, القانون الدولي العام, تاريخ الطبع: 1996م, الناشر: دار النهضة العربية, ص505.
([6]) د. بدرية عبد الله العوضي, القانون الدولي في وقت السلم والحرب وتطبيقه على دولة الكويت, تاريخ الطبع: 1987م, ص330.
([10]) هذه المقولة ذكرها الفقيه جان جاك روسو في عقده الاجتماعي فقرة رقم (1762)، يُنظر في ذلك:
د. محمد عزيز شكري، مدخل للقانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 499.
([14]) بروتوكول: كلمة تُستعمل في المصطلح الدبلوماسي للوثائق الرسمية أو الاتفاقات التي تقرر قواعد سياسية عامة، ولكنها ليست معاهدة أو اتفاقاً رسمياً، وإنَّما تعني أنَّ هناك أموراً قد تم عليها الاتفاق. تُعقد الاتفاقية السياسية بإجراء مفاوضات يجتمع لها مندوبو الدول المتعاقدة، كما قد تُعقد بتبادل الرسائل، ومثل هذه الرسائل لا تكون طويلة الأجل، بل تكون نفاذةً لمدة معيَّنة. الموسوعة الثقافية، ص 203، تأليف مجموعة من المؤلفين بإشراف د. حسين سعيد، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة، نيويورك، 1972م.
([16]) نصَّت اتفاقات جنيف الأربع على الثلاث عشرة مخالفة المُشار إليها في المادتين (50/53) من الاتفاقية الأولى، والمادتين (44) و(51) من الاتفاقية الثانية، والمادة (130) من الاتفاقية الثالثة، والمادة (147) من الاتفاقية الرابعة. يُنظر في ذلك: د. أحمد محمد رفعت، القانون الدولي العام، تاريخ الطبع: 1999م، ص 554.
([19]) أي التي وردت في المادتين (50) و(53) من الاتفاقية الأولى، والمادتين (44) و(51) من الاتفاقية الثانية، والمادة (130) من الاتفاقية الثالثة، والمادة (147) من الاتفاقية الرابعة.
([22]) د. محمد صبحي نجم، الوجيز في علم الإجرام والعقاب، ط/2، تاريخ الطبع: 1991م، الناشر: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمَّان، ص 7.
([23]) اللورد دينيج، طريق نحو العدالة، ط/1، تاريخ الطبع: 1402هـ، 1982م، ترجمة: محمد عبد الله المنشاوي ومأمون كنون، الناشر: دار الجيل، بيروت، ص 11.
([25]) د. عبد العزيز محمد سرحان، نظرية الدولة في القانون الدولي والإسلامي، تاريخ الطبع: 1416هـ، 1996م، الناشر: دار النهضة العربية، ص 301.
([26]) غسَّان حمدان، التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيوني، ط/1، تاريخ الطبع: 1409هـ، 1988م، الناشر: دار الأمان، ص 188.
([27]) يُنظر في ذلك: البيان، مجلة إسلامية شهرية جامعة، تصدر عن المنتدى الإسلامي، السنة الثامنة عشر، العدد (186)، صفر 1424هـ، أبريل 2003م، ص 101.
([28]) قنبلة النيترون: هي قنبلة نووية قاتلة لكل ما هو حي، تتميَّز بانفجار وصوت محدود لا يلفت الانتباه، كما تتميَّز بقدرة على إشعاع كميات هائلة من الإشعاعات النووية القاتلة والتي يمكنها اختراق الدبابات والتحصينات الخراصانية في دائرة قطرها كيلومتر، وتشل الضحايا في أماكنهم، بينما يتعرضون لموت بطئ وألم خلال الأيام الثلاثة اللاحقة للتفجير.
([30]) د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، رسالة من مكة، "عن أي شيءٍ ندافع؟"، الناشر: شركة مطابع السُّـودان للعملة، ص 11.
([32]) يُنظر في ذلك: د. فتح الرحمن عبد الله الشيخ، قضايا عربية في القانون الدولي المعاصر، ط/1، تاريخ الطبع: 1996م، القاهرة، ص 79ـ80.
([33]) د. محمد مصطفى يونس، مبادئ القانون الدولي، تاريخ الطبع: 1992م، الناشر: مكتبة النصر، جامعة القاهرة، ج1، ص 71ـ72.
([34]) القانون الطبيعي: ظهرت نظرية هذا القانون في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع العشر، وقد نادى بها فقيه القانون الهولندي جروسيوس، وخلاصتها أن الإنسان يستحق الحقوق بوصفه إنسان، ويستمدها من طبيعته الإنسانية لا من تشريعات الدولة. وتعتمد هذه النظرية على العقل والمنطق. يُراجع الشرح الموجز لهذه النظرية في كتاب"الوجيز في حقوق الإنسان وحرياته الأساسية"، د. غازي صارين، ص 24.
([35]) العلمانية: بفتح العين وسكون اللام، مصطلح محدد يعني "الدنيوية" أو "اللادينية"؛ وهي مشتقة من كلمة العالم. يُنظر في ذلك: مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، 1961م، مطبعة مصر، ج2، مادة (علم).
([37]) هذا هو نص العبارة التي قالها ممثل الصين ونشرتها الصحف في حينها. يُنظر في ذلك: صحيفتا الرأي والدستور الأردنيتان الصادرتان أثناء العدوان على العراق عام 1998م.
تعليقات
إرسال تعليق