كيف نحمي أولادنا من رفاق السـوء والمخدرات

الفصل الأول

مسـؤوليـة الوالـدين عن أولادهــم

أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة t قال : قال النبي r [ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كمثل البهيمة تنتج البهيمة ، هل ترى فيها جدعاء ] ([1]). يقول العيني يرحمه الله في عمدة القاري ( 7/93) : ( ... والمراد بالفطرة الدين ، فلو ترك عليها لاسـتمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، لأن هذا الدين موجود في النفوس ، وإنما يعدل عنه لآفة من آفات البشرية والتقليد ، فأبواه يهودانه ... الفاء للتسبب : أي إذا تغير كان بسبب أبويه ، أي أنهما يعلمانه ما هو عليه ويصرفانه عن الفطرة .

وعن عبد الله بن عمر t قال : سمعت رسول الله r يقول : [ كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته ] قال : فسمعت هؤلاء من النبي r ، وأحسب النبي r قال : [ والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته ]([2]). قال الخطابي رحمه الله ( ورعاية الرجل أهله : سياسته لأمرهم ، وإيصالهم حقوقهم ، ورعاية المرأة تدبير البيت والأولاد والخدم) . ويقول ابن حجر يرحمه الله (13/120) : لابن عدي بسند صحيح عن أنس : [ إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه ] وقال النووي يرحمه الله (12/454) : ( قال العلماء الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره ن ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء ، فهو مطالب بالعدل فيه ، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته[مامن عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ] .

ويقول الإمام الغزالي يرحمه الله في رسالة أنجع الوسائل : ( الصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خاليه من كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل نقش ، ومائل إلى كل ما يمال به إليه ، فإن عوّد الخير وعلمه نشأ عليه ، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه ، وكل معلم له ومؤدب ، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم ؛ شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له ، ويقول رسول الله r [ كل مولود يولد على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ] .

وأكد ابن القيم يرحمه الله هذه المسؤولية فقال:(قال بعض أهل العلم إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة ، قبل أن يسأل الولد عن والده ، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً ، فللإبن على أبيـه حق ، فكما قال تعالى ] ووصينا الإنسان بوالديه حسناً [- العنكبوت 7- وقال أيضاً : ] قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة [- التحريم 6 - فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم ، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسـننه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءهم كباراً ، كما عاتب أحدهم ولده على العقوق ، فقال : يا أبت إنك عققتني صغيراً ، فعققتك كبيراً ، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً([3]).

وعن ابن عمر t قال : قال رسول الله r : [ كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ]([4]).

وعن ابن عمر t قال:(سماهم الله -تبارك وتعالى-أبراراً؛ لأنهم بروا الآباء والأبناء ، كما أن لوالديك عليك حقاً ، كذلك لولدك عليك حقاً)([5]).

حقـوق الولـد على والديـه :

تبدأ حقوق الولد على أبويه قبل الزواج ، وتستمر مدى الحياة ، وتكون على أشدها خلال الطفولة ثم المراهقة ، وهذا موجز لأهمها :

1 ـ السعي للزواج من امرأة صالحة ذات دين .

2 ـ السكن في بيئـة ملتزمـة بدينها ، لتوفير البيئة الصالحة للأولاد .

3 ـ اتباع السنة في المعاشرة الزوجية ، والدعاء بالمأثور .

4 ـ اتباع السنة في استقبال المولود،كأن يؤذن في أذنيه بعدولادته، ويحنكه بنفسه ، أو يذهب به إلى عالم صالح يدعو له ويحنكه ،ويعد له العقيقة .

5-عدم تسخط البنات،واستقبال البنت بنفس الفرحة التي يستقبل بهاالولد.

6 ـ أن يتخيرله اسماًحسناً،ذكراً كان أوأنثى،كما ورد في السنة المطهرة.

7 ـ أن يختنه ذكراً كان أو أنثى ، والختن من سنن الفطرة ، ويستحب أن يكون بعيد الولادة بأيام قليلة لسهولته على الطفل .

8 ـ أن يختارله مرضعة صالحة ، وأفضل مرضعة للطفل أمـه ، لما للبنها من توافق مع الطفل ، كما أن للرضاعـة من الأم أثـر طيب في النمو النفسي والعاطفي للطفل .

9ـ أن ترعاه أمه وتحضنه ، خاصة خلال مرحلتي المهد والطفولة المبكرة ، ولا تتركه للخادمات أو المربيات مهما كن مخلصات في عملهن ، فالأم لا تعوض عند الطفل بالدنيا كلها .

10 ـ وعلى الوالدين أن يعلما طفلهما كتاب الله عز وجل ، قبل كل شيء ، ثم ما يلزمه من العلوم في دينه ، ثم يعلمانه صنعة من علوم الدنيا .

11ـ أن يعلمه أبوه السباحة والرماية وركوب الخيل(الدراجة والسيارة)، والهدف إعداده جسدياً ونفسياً للجهاد في سبيل الله .

12 ـ ألايرزقه إلا طيباً،من الكسب الـحلال ، فقد روى الطبراني في الأوسط أن رسول الله r قال : [ من سـعى على عياله من حله فهو كالمجاهد في سـبيل الله ، ومن طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء ] .

13 ـ أن يعلمه الصلاة ويدربه عليها في سن السابعة ، ويواظب على هذا التدريب والتعليم حتى ترسخ عنده ، ويصحبه إلى المساجد للصلاة ، وسماع الدروس ، والمواعظ من العلماء .

14 ـ أن يدربه على الصوم منذ السابعة ، ويراعي الفصول وطول اليوم .

15 ـ أن يدرب بناته على الحجاب منذ السابعة ، ويتبع كافة السبل التربوية من ترغيب وترهيب وتشويق وتعزيز لهذا السلوك الإسلامي عندها .

16 ـ أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهم داخل البيت وخارجه ، فالأطفال يتعلمون من اقتدائهم بأفعال والديهم أضعاف ما يتعلمونه من أقوالهم .

17ـ أن يعلماه آداب الاسـتئذان وسـائـر الآداب الاجتماعية، بالقول والعمل، والتلقين والقدوة.

18ـ أن يوفرله الرفقـة الصالـحة ، ويهيأ لـه رفقتهم والتفاعل معهم ، كمشاركته في المخيمات الإسلامية وغيرها .

19 ـ أن يعده للحياة العملية ، كالدراسـة وتعليمه مهنة نافعة له في دينه ودنياه ،أن يسهر على تخطيط مستقبله النافع .

20ـ أن يعوله حتى سن الرشد،ويقدم له ما يحتاجه وأن يساعده بعد الرشد ـ إن كان الولد فقيراً والوالد غنياً ـ .

21ـ أن يعدل الوالدان بين أولادهم ، ويساوون بينهم في الحب والعطف والمعاملة المالية ، وخاصة بين الذكور والإناث ، أو أبناء الزوجات إذا كان للرجل أكثر من زوجـة .

22ـ أن يبحثا لولدهمـا عن الزوجـة الصالحة ذات الدين ، وأن يبحثا لابنتهما عن الزوج الصالح ذي الديـن ، وينفقا على ولدهما أو بنتهما من مالهما الخاص ـ إذاكانا أغنياء ـ من أجل زواجهما وبناء الأسرة المسلمة .

23ـ أن يرشد الوالدان أولادهم بعد الزواج إلى سعادة الدنيا والآخرة ،أن يزور الوالدان أولادهم وبناتهم في بيوتهم الجديدة ، وأن لا تضعف رابطة الأبوة بعد زواج الأولاد .

أو ولـد صالـح يدعـو لـه

قد يتساءل أحدهم : لِمَ هذا الاهتمام بالولد !!؟ ولِمَ هذه العناية المستمرة به طوال الحياة !!؟ والجواب على ذلك أن الولد الصالح كنز للآخرة ، وأعمال الولد الصالحة يستفيد منها والداه بعد موتهما ، ناهيك عن الدعاء لهما بعد موتهما ، فالولد الصالح أعظم استثمار للوالدين في الدنيا والآخرة .

فعن أبي هريرةt أن رسول الله r قال : [ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو لـه ]. وقال النووي يرحمه الله ينقطع عمل الميت بموـه ، وينقطع تجدد الثواب إلافي هذه الأشياء الثلاثة،لكونه كان سببها،فإن الولدمن كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف ، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف ، وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح ([6]) .

وعن أبي الدرداء قال : ذكرنا عند رسول الله r الزيـادة في العمر فقال : [ إن الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها ، وإنما الزيادة في العمر أن يرزق الله العبد ذرية صالحة ، يدعون له فيلحقه دعاؤهم في قبره ] ([7]) .

وعن أبي هريرة t قال : ( ترفع للميت بعد موته درجته فيقول : أي رب ! أي شيء هذه ؟ فيقال ولدك استغفر لك )([8]) .

وحدث أبو نعيم قال : حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل قال : أخبرني أسيد بن علي أنه سمع أبا أسيد يحدث القوم قال : كنا عند النبي r فقال رجل : يا رسول الله ! هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما ؟ قال : [نعم ، خصال أربع : الدعاء لهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما ]([9]) .

وعن عائشة t أن رجلاً قال للنبي r : [ إن أمي افتلتت نفسها ، وأراها لو تكلمت تصدقت ، أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم تصدق عنها ]([10]) .

وعن عبد الله بن عباس t أن سعد بن عبادة t استفتى رسول الله r فقال : [ إن أمي ماتت وعليها نـذر ، فقال : اقضـه عنهـا ]([11]) .

ويقول ابن حجر في شرح الحديثين السابقين : وبين النسائي من وجه آخر جهة الصدقة المذكورة فأخرج من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال :[ قلت يارسول الله إن أمي ماتت،أفأتصدق عنها؟ قال : نعم، قلت أي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي المـاء ] .

وأخرج الدارقطني أن سعداً قال : يا رسول الله أتنتفع أمي إن تصدقت عنها وقد ماتت ؟ قال نعم . قال : بما تأمرني ؟ قال : اسـق المـاء . ثم يقول ابن حجر : وفي أحاديث الباب من الفوائد : جواز الصدقة عن الميت ، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولاسيما إن كان من الولد ، وهو مخصص لعموم قوله تعالى ] وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ ويلتحق بالصدقة العتق عند الجمهور .. ( الفتح 5/458) .


أولويـات التـربيــة

يبذل كثير من الآباء جهوداً كبيرة من أجل أولادهم ، ولكنها مبعثرة وغير مدروسـة ، حتى أن بعض هذه الجهود تكون سبباً في ضياع الأولاد وشقائهم في الدنيا والآخرة ، كالأب الذي يشتري لأسـرته ( الدش ) الهوائي اللاقط للفضائيات ، دون أن يقيد هذا اللاقط ، ويبرمجه بحيث يدخل المحطات النافعـة الإخبارية والتعليمية ، ولا يسمح للمحطات الهابطة التي تبث الرذيلة ، فيحذفها عند برمجة الهوائي ، هذه المحطات التي تبث خصيصاً للعالم الإسلامي ، كي تفسـد أجيالـه الصاعدة ، مثل هذا الأب يشقى ليجمع ثمن (الدش) والتلفاز ، ثم يشتريه لأسـرته ظناً منه أنه ينفعهم في حين أدخل السـم الزعاف إلى بيتـه([12]).

وبعض الآباء يدفع الرسوم الباهظة ليدخل ابنه أو ابنته في مدارس المنصرين ، منخدعاً بضرورة تفوق الولد أو البنت في الرياضيات واللغات الأجنبية أو الفيزياء ، فيستطيع عندئذ إلحاقه بكلية الطب أو الهندسـة وما شابهها ، فهذا ألأب دفع للمنصرين أجوراً مرتفعـة جداً لتنصير ولده ، أو تشـويه مفهومـه عن الإسـلام مدى حياته وصبغه بالعلمانية ، ووقوفه في صف أعـداء المسلمين .

لذا كان من الضروري للأب المسلم أن يعي الأهم والمهم في التربية ، فيبدأ بالأهم ثم المهم من منظور إسلامي ، وهذا عرض سريع لذلك :

1ـ التربيـة الروحيـة :

الإنسان روح ثم جسد ، والروح أهم من الجسد ، وهي محل العقيدة والقيم وكل ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات . وقد ميزه الله بها ليجعله خليفة في الأرض ، وقد خصـه عزوجل بها دون غيره فقال : ] فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين [ ـ الحجر 29 ـ ولهذا أمر الملائكة بالسجود له وفضله على سائر العالمين . ( والطاقة الروحية في الإنسان أكبر طاقاته ، وأشدها اتصالاً بحقائق الوجود ، فطاقة الجسد محدودة بالحواس ، وطاقة العقل محدودة أيضاً بالزمان والمكان ، أما طاقة الروح فلا تعرف الحدود والقيود ، وهي وحدها تملك الاتصال بالله ) ([13]) .

وطريقة الإسلام في تربية الروح هي أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله عزوجل في كل لحظة ، وكل عمل ، والعبادة هي الوسيلة الفعالة لتربية الروح ، لأنها تعقد الصلة الدائمة بالله سبحانه وتعالى ، وكلما توجهت الروح إلى ربها وخالقها نمـت وترعرعت ، وإذا انحرفت عنه ذبلت وضعفت .

وتبدأ التربية الروحية قبل الولادة ، وفي المهد ، وتزداد أهميتها في الطفولة المبكرة ، ومن وسائلها : الدعـاء للمولود قبل الولادة ، واتبـاع السنة عند الولادة ، ثم القدوة الحسنة من الوالدين خلال الطفولة المبكرة ؛ حيث يراهما يصليان ، ويسمعهما يتلوان القرآن الكريم كل يوم ، ويسمع أذكارهما ، ويحس بصلاتهما في الليل ، ثم أمره بالصلاة والصوم في السابعة ، ومتابعته حتى يعتادهما ... ([14]) .

2 ـ التربيـة الخلقيـة :

تستند الأخلاق الحسنة إلى الإيمان بالله واليوم الآخر ، والجنة والنار ، وبدون ذلك تضيع الفوارق بين الخير ولشـر ، لذا لا يمكن الفصل بيت التربية الروحية والتربية الخلقية ، وأي وسيلة في أحدهما تخدم الطرف الآخر . ومن وسائل التربية الخلقية :

حنان الوالدين وخاصة ألأم على الطفل في مرحلة المهـد ، ينمـي لـديه عاطفة الحـب وهي أسا س الأخلاق الحسـنة . وعدم تركـه للخادمة والمربية التي قد يشعر الطفل أنها لا تحبـه وإنما تقوم بواجبها مكرهة ؛ عندئذ تنشأ لديه عاطفة الكراهية بدلاً من عاطفة الحـب ، وعاطفة الكراهية أساس الأخلاق الشريرة . وتنميـة ( الضبط ) عند الرضيع مقدمـة لتنمية الصبر عنده ، والصبر أسا س الأخلاق الفاضلة .

وفي الطفولة المبكرة القدوة الحسنة من الوالدين تربي في الطفل الصدق والأمانة والصبر والتفاؤل ...إلخ من الصفات الحميدة . وكي ينمو الضمير عنده لابد من تقييم أفعاله ومجازاته عنها ، فيكافأ عندما يحسن ولو بابتسامة ، ويعاقب عندما يسيء ولو بالصمت الجاف ( تقطيب الوجه ) ، وفي مرحلة الطفولة المتأخرة يتسارع نمو القيم عند الأطفال ، لذلك يوجـه الطفل إلى قراءة السيرة النبويـة ، وقصص النبيين ، وحياة الصحابة رضوان الله عليهم ، ومشاهدة قصص أو روايات تدور حول الفضائل كالصدق والأمانـة والوفـاء بالعهـد والحلـم والتضحيـة .

3 ـ التربيـة العقليـة :

معظم الآباء يضعون التربية العقلية في المرتبة الأولى ، وهذا خطأ برأيي ، لأن العامل التقي الورع خير من المهندس الفاسق في الدنيا والآخرة ، والبقال الصادق الأمين خير من المقاول السرّاق الكذوب في الدنيا والآخرة ، لذا فالأب العاقل التقي الورع يهتم بدين أولاده أولاً ، وأخلاقهم ثانياً ، وفصل ألأخلاق عن الدين أمر نظري فقط ، فالتقي صادق ، ومن يخاف الله لا يظلم الناس ولا يسرقهم ، ثم يهتم بتربيتهم تربية عقلية تمكنهم من العيش شرفاء كرماء صالحين في مجتمعهم .

والتربية العقلية تقوم على أساس لإسلامي ، منطلق من كتاب الله وسنة رسوله r ، فكل ما خالف الكتاب والسنة باطل ضار لا خير فيه . لذا أول ما يعلم الأب أولاده كتاب الله عزوجل ، ثم سيرة رسوله r وسنته ، ولابد أن يكونا ركنين أساسيين في أي تعليم إسلامي ، ومن ثم فعلى المسلم أن يجمع ما يستطيع من علوم الماضي والحاضر ، ويجمع الأصالة مع التجديد ، وقد فتح الإسلام المجال للعقل بالنظر في السماوات والأرض ، والتفكير فيهما ، وبما يحويان من كائنات حيـة وغير حيـة ، ليكشف العقل السـنن الربانية في هذا الكون ( قوانين الفيزياء والكيمياء وغيرهما ) فيستثمرها وتتحقق خلافة الإنسان لله في الأرض .

4 ـ التربيـة الجسـديـة :

وكثير من الآباء لا يعرفون النمو إلا بما يشاهدونه من زيادة في طول أولادهم وزيادة أوزانهم ، وتورد خدودهم ، فإذا مر ض الولد سـهر الأبوان وهرب النوم منهما ، وسـارعا إلى الطبيب ، والـدواء والمستشفى ... حتى يتماثل للشفاء ، وهذا طيب وضروري ، لكن السهر على دين الولد وأخلاقه ، وثقـافتـه يجب أن لا تقـل عن السهر على جسده .

واعتنى الإسلام بتربيـة الأجسام ، كما اعتنى بتربية الأرواح والعقول ، بل إن التربية الإسلامية هي الوحيدة التي تعتني بالإنسان ككل : روحـه وخلقـه وعقلـه وجسـده ، ومن أهم وسائل التربية الجسدية :

الاعتدال في الطعام والشراب ، وعدم الإسراف أو التقتير فيهما ، واتباع السنة النبوية في ذلك ، وكذلك الاعتدال في النوم ، وأن يكون النوم بعد صلاة العشاء ، وحتى الفجر ، مع نوم قليل في القيلولة ، والإسراف في النوم داء ، كالإسراف في الطعام ، ومن المفيد أن يعتاد الأولاد على ممارسة الرياضة البدنية مع رفاق صالحين .


الفصل الثاني

مـراحـل نمـو الإنسـان

حاجـة الوالديـن لعلم نفـس النمـو :

من الزاد الضروري للوالدين أن يتعرفا على مبادئ علم نفس النمو ، حيث توجد خصائص لكل مرحة تميزها عن غيرها ، وتجعل التعامل مع الطفل في هذه المرحلة مختلفاً عن التعامل معه في مرحلة أخرى . وعلى مؤسسات التعليم العام ، ووسائل الإعلام أن تقدم للآباء والأمهات هذه المبادئ الضرورية لهما في تعاملهما مع الأولاد ، ويجب على مدار س البنات أن تخصص مقرراً أساسياً في المرحلة الثانوية عن علم نفس النمو ، وهذا المقرر أكثر نفعاً بعشرات المرات من مقررات الفيزياء والرياضيات التي تحشى بها أذهان الطالبات في المدرسة الثانوية ، وقد لاحظت أن بعض الجامعات الأردنية تفرد فيها تخصصاً اسمه ( تربية الطفل ) ، ولعل هذا التخصص بداية لتدريس هذا المقرر في مدارس البنات الثانوية ، ولابد أن يكون علم نفس النمو مقرراً على مستوى الجامعة لكل طالب جامعي ، ليكون الأب المتخرج من الجامعة مطلعاً على مبادئ هذا العلم الضروري لكل أب وأم .

فالمكافأة مثلاً تختلف من مرحلة إلى أخي ، فبينما يفرح الطفل الرضيع باللعبة التي تقوم على الألوان ، لا يفرح بها الطفل بعد السابعة ويراها إهانة له وليست مكافأة ، ويريد عندئذ لعبة معقدة كالمسدس أو السيارة ...إلخ . وكذلك العقوبة ـ وهي وسيلة تربوية صحيحة([15]) ـ تختلف من مرحلة لأخرى ، إما إذا استعملت عقوبة الرضيع للمراهق ، أو عقوبة الطفولة الباكرة للطفولة المتأخرة ، فقد تعود العقوبة بالضرر بدلاً من الفائدة .

وهذا عرض سريع ومبسط لهذه المراحل مع أهم خصائصها :

1ـ مرحلة الرضيع

تبدأ هذه المرحلة منذ الولادة حتى نهاية السنة الثانية ، وتسمى أيضاً مرحلة المهد ،وأهم حاجات الطفل فيها الحليب والنظافة ، ويبدو ذلك واضحاً من سلوكه ، إذ يعبر الرضيع عن رضاه بالنوم أو اللعب أحياناً بيديه عندما يملأ معدته بالحليب ، ويكون نظيفاً ( غير مبلل ) ، وخالياً من المرض ، ويبكي الرضيع إذا جاع أو احتاج إلى النظافة أو أحس بالألم .

وأفضل حليب يلائم الرضيع حليب أمـه ، وللرضاعة من ألم فوائد نفسية أهمها نمو عاطفة الحب عند الطفل ، وهي أساس الخير عنده .

( ... يقضي الوليد ( منذ الولادة وحتى أسبوعين ) معظم وقته في النوم ، وتتحقق له الراحة والاستجمام ، والبكاء ظاهرة عادية في هذه المرحلة ، ويؤثر نمط الاستجابة الانفعالية والحالة النفسية للأم أو من يقوم مكانها على حالة الوليد الانفعالية ... وتعتبر الأم أهم عامل في عملية التنشئة الاجتماعية للوليد ، وللرضاعة شقان أولهما التغذية وثانيهما الخبرة الانفعالية ، لما يرتبط بعملية الرضاعة من إحساس بالحب والحنان والدفء ، فاللبن (لبن الأم ) هو أكمل غذاء جسمي ، والحب هو أشهى غذاء نفسي ، والذي يلاحظ استجابات الرضيـع للرضاعـة من تعبيرات وجهـه أثناءها يتبين مدى أهمية هذه العمليـة لديـه . وكلما كان اتجـاه ألم إيجابياُ نحو عملية الرضاعة كانت في حالة استرخاء تام وهدوء انفعالي عميق ، يتضح من سرورها ورضاها عندما يرضع وليدها ، مما ينعس على حالة الرضيع ، وخيرة الرضاعة السارة تعتبر شرطاً ضرورياً لهدوء الرضيع انفعالياً ، ولنمو اتجاهات اجتماعية سوية لديه ، وفي ذلك فقائدة للرضيع وأمه معاً ، وفيه مصدر أمن وسعادة للطرفين ، وخبرة الرضاعة السليمة تزيـد من ثقـة الطفل بالعالم وتجعله متفائلاً فيما بعـد وأقدر على العطاء ، أما إذا كانت خبرة الرضاعة مشوبة بالألم والحرمان فإن ذلك يولد مشاعر الغضب والعدوان ([16]) .

وإذا اضطرت أم إلى الرضاعة الصناعية فعلى ألأم أن تحمل الرضيع وتضمـه إلى صدرها ، ثم تتحدث إليه وتداعبـه ، ولا تقتصر على مجرد وضع الزجاجة في فمـه وكفـى ، كما تفعل كثير من الأمهات اليوم .

بعض الفوائـد التربويـة :

1ـ أفضل حليب للرضيع هو حليب أمـه .

2 ـ توفير الهدوء للوليد لينام نوماً عميقاً ، لأنه حاجة أساسية لـه .

3 ـ يجب إعداد الأطفال في السرة لاستقبال المولود الجديد .

4 ـ الانتباه على الفروق الفرية ، وعدم استعجال النمو عند الرضيع ، كجلوسـه أو مشيه أو نطقـه .

5 ـ إتمام التطعيمات أثناء مرحلة الرضاعـة .

6 ـ عـدم الحـد من حرية الحركة للرضيع ، كالثياب الضيقة أو لفـه بالقماش خوفاً عليه من الـبرد مما يعيـق حركته .

7 ـ تربية حواس الرضيع باللعب الملونـة ، والأجراس الصغيرة .

8 ـ تشجيع الرضيع على استخدام اللغة ، والتحدث معـه .

9ـ التدرج في عملية الفطام ، واختيار الزمن المناسب لها .

10_تدريب الرضيع على وجبات منتظمة من الرضاعة ، ومرات منتظمة من الخروج .

2 ـ الطفـولـة المبكـرة :

وتسمى مرحلة ما قبل التمييز ، أو ما قبل المدرسـة ، وتبدأ بنهاية السنة الثانية وتنتهي في نهاية السادسـة ، وهي أهم مراحل عمر الإنسان ، إذ يكون نمـو الشخصية سـريعاً فيها ، ومن أهم خصائصها([17]):

1. يكتسب الطفل اللغة في هذه المرحلة ، بالإضافة إلى مرحلة المهد ، والتقليد هو حجر الأساس في اكتساب اللغة ، ومن هنا نعرف خطر الخادمات غير العربيات وأثرهن على لغة الطفل . وتكون عيوب الكلام مثل تكرار الكلمات والتردد ،والتأتأة أحياناً عادية وتزول وحدها بدون تدخل . ويساعد كثرة الاختلاط بالراشدين والتحدث معهم ، والاستماع لكلامهم ؛ يساعد النمو اللغوي عند الطفل .

2. تعتبر هذه المرحلة مرحلة النشاط الحركي المستمر ، فالطفل دائم الحركة ، ولا يكف عن اللعب إلا في النوم ، واللعب نشاط حيوي ونفسي واجتماعي وعقلي يقوم به الطفل ، ويتفاعل به مع العالم الخارجي ، واللعب في هذه المرحلة فردي في جملته ، ويعتبر اللعب من أهم وسائل الطفل في تفهمه للعالم من حولـه ، وبالتدريج وفي نهاية هذه المرحلة يكون الطفل أصدقاء اللعب ، لتنمو الصداقة ( العلاقات الاجتماعية ) عنده على مدى أوسـع في الطفولة المتأخرة ، ثم تزداد نمواً في المراهقة حتى تعرف (بالأقران ) كما سنرى . واللعب في هذه المرحلة لا يقل أهمية عن الطعام للطفل . وقد روى الترمذي في نوادره أن رسول الله r قال : [ عـرامة الصبي في صغـره زيادة في عقله في كبـره ] ([18]) . وجاء في المعجم الوسيط أن (عرم ) : اشتد وشرس . وهكذا فعرامة الصبي : أي لعبـه الكثير وحيويته وقوة حركته وكثرتها كل ذلك دليل على طاقته الفائضة ، مما يكسبه مهارات وخبرات كثيرة ومعرفة أوسـع فينمو عقلـه ، وهذا في الغـالب ، ولكل قاعدة شـواذ ( وخاصة في الإنسان ) .

3. في نهاية هذه المرحلة يزيد السؤال عند الطفل ، حتى سميت بسن السؤال ، فتسمع منه : ماذا ؟، ولماذا ؟ ومتى ؟ وأين ؟ وكيف ؟ ومن ؟ .. إلخ . إنه يحاول الاستزادة العقلية ، يريد أن يعرف الأشياء التي تثير انتباهه ، وربما يتزامن كثرة السؤال مع نمو الذكاء ، ويلاحظ عدم قدرة الطفل على تركيز انتباهه وتتحسن هذه القدرة في السادسة ، ويكون تفكير الطفل في هذه المرحلة ذاتياً ( يدور حول نفسه ) ومحسوساً ، وغير منطقي ، كأن يكلم العصا وكأنها تسمعه .

4. وتلعب الأم دوراً هاماً في هذه المرحلة ، كمدرسة خصوصية لطفلها في عملية التنشئة الاجتماعية ، والنمو اللغوي ، والعقلي ، وقد لوحظ أن غياب الوالد عن الأسرة ( حتى الغياب الجزئي ) يؤثر سلبياً على النمو العقلي للطفل، ويضاعف آثارغياب الأب انحراف الأم ورفضها للطفل.

5. العلاقات الاجتماعية في الأسرة ( كالعلاقة بين الوالدين ، والعلاقة مع الأولاد الكبار ... ) لها النصيب الأوفر في النمو النفسي والاجتماعي والانفعالي عند الطفل ، وكلما كانت العلاقات الأسرية إيجابية ومتزنـة كان النمو النفسي والاجتماعي والانفعالي سليماً ومتوازناً ، كما ينمو الضمير في نهاية هذه المرحلة .

أهميـة الطفولـة المبـكرة

يرى علماء النفس أن شخصية الإنسان تتحدد في هذه المرحلة ، حتى قال أحدهم : في السادسة ينتهي كل شيء ز ويعني تتحدد معالم الشخصية ، ومن أهمية هذه المرحلة :

1- يكتسب الطفـل عقيدته من والديه خلال هذه المرحلة ، فقد أخرج البخاري يرحمه الله عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r [ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ]([19]) . وقد جعل الله الطفل يتلقى عن والديه فقط خلال الطفولة المبكرة ، وجعله يرى والديه المثل الأعلى في كل شيءٍ حسن ، فلا يصدق غيرهما ، وجعله معتمداً على والديه في كل شيء ، كل ذلك لأنه جعل الوالدين مسؤولين عن عقيدته ، فهما يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يحفظان فطرة الله التي فطر المولود عليها وهي الإسلام .

2- يكتسب الطفل أسس السلوك الاجتماعي من البيت ، وتبقى ثابتة مدى العمر ، وتنادي التربية الحديثة بأهمية الخبرات الأولى للأطفال ، وآثارها في تباين ميولهم واتجاهاتهم وأنماط سلوكهم المختلفة ([20]) ، وترسم الملامح الرئيسية لشخصية الطفل المقبلة في هذه المرحلة ، ويصبح من الصعوبة إزاحة بعضها مستقبلاً . وتقول ( مارغريت ماهلر ) : إن السنوات الثلاث الأولى من حياة كل إنسان تعتبر ميلاداً آخر ، واتفق أعضاء مدرسة التحليل النفسي على أن السنوات الأولى هي مرحلة الصياغة الأساسية لسلوك وشخصية الطفل .

وذهب ( رينيه دوبو ) إلى أن كثيراً من نتائج التأثيرات الباكرة - إن لم نقل كلها - دائمة وكأنها في الظاهر لا تزول أبداً . ويقول أيضاً : ولا يصل الأطفال إلى سن الثالثة أو الرابعة من عمرهم إلا ويكون سلوكهم قد تبلور نهائياً من أثر العوامل الثقافية والبيئية .

بعض الفـوائـد التربويـة

1. الانتباه إلى الفروق الفردية ، وعدم القلق إذا تأخر الطفل في النطق ، أو المشي ، أو كان جسمه أصغر من أمثاله في السن .

2. تعويد الطفل على النظام في الطعام والنوم واللعب بدون قسوة .

3. يجب أن لا تمل الأسرة من حركة الطفل الكثيرة ولعبه المستمر لأنه حاجة أساسية في هذه المرحلة .

4. تهيئة مكان اللعب ، حيث يتوفر الهواء الطلق ، وأشعة الشمس المناسبة ، وتهيئة رفاق اللعب عند نهاية هذه المرحلة .

5. الانتباه إلى سلامة حواس الطفل ، وخاصة السمع ، والبصر ، والتأكد من سلامتهما بالملاحظة المباشرة من الوالدين .

6. الاستفادة من حب الطفل للقصص ، في التربية الروحية والخلقية وفي النمو اللغوي ، فتحكي له أمه بعض السيرة وقصص الأنبياء والصحابة .

7. إبعاد الطفل عن سماع الألفاظ البذيئة ، وألفاظ السباب الشائعة ، كي لا يألفها في صغره ، حتى إذا كبر وسمعها لا يألفها .

8. لا يعاقب الطفل بدنياً في هذه المرحلة ، وينبغي تقليل العقاب المعنوي ، وعدم اللجوء إليه إلا في حالات نادرة جداً ، والاكتفاء بالمكافأة إذا أحسن ، وعدم المكافأة إذا أساء .

9. الخادمات خطر كبير جداً في هذه المرحلة وخاصة غير المسلمة .

10.الثبات في معاملة الطفل من قبل الوالدين ، والجدة والجد وسائر أفراد الأسرة ، فلا يكافأ أحدهم على سلوك ؛ يعاقب عليه الآخر. وعدم الثبات خطير جداً على النموالخلقي للطفل .

11.عدم نبذ الطفل ، وإحاطته بالحب والحنان والرعاية من قبل الآخرين ، كي تنمو عنده عاطفة الحب والتفاؤل من الآخرين .

12.تعويد الطفل بالتدريج على رؤية الغرباء ومجالستهم ومحادثتهم بالتدريج .

3 ـ مرحلـة الطفولـة المتأخـرة

وتسمى كذلك الطفولة الهادئة لأن الطفل فيها أقل حركة من الطفولة المبكرة ، وأقل حركة أيضاً من مرحلة المراهقة ، كما تسمى مرحلة التمييز ، أو مرحلة المدرسة الابتدائية ، وتبدأ في السابعة وتنتهي في الثانية عشرة عند البلوغ . وأهم خصائصها :

الخصـائص الروحيـة

1. يؤمر الطفل بالصلاة في السابعة ، بعد أن يدرب عليها منذ السادسة ، ويرغب فيها قبل السابعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم بالمضاجع )([21]) .

والسابعة سن التمييز ، إذ تتسع الآفاق العقلية للطفل ( المعرفية ) ويتعلم المهارات ، كما تتسع بيئته الاجتماعية بسبب دخول المدرسة ، وما زال الطفل لين العريكة (يحب التقليد ) ، يسعى لإرضاء الكبار ( والديه ومدرسيه ) ، فإذا أمر بالصلاة تجده ينشط إلى تنفيذ ذلك بنفس طيبة ، وهمة عالية ، وسنرى أن الطفل عند البلوغ يرى أن تنفيذ أوامر والديه دون مناقشـة منه دليل على طفولته ؛ التي يرغب في مغادرتها ، بينما يرى كثير منهم أن معارضة الكبار ( وحتى الوالدين ) دليل على أنهم ليسوا أطفالاً .

2. في السابعة أيضاً يؤمر الطفل بالصوم ، بعد أن يدرب عليه قبل ذلك ويرغب فيه ، حسب الزمان والمكان ([22]) .فإن كان النهار طويلاً والطقس حاراً ، سمح لابن السابعة والثامنة بالتدرج في الصوم ، وإن كان النهار قصيراً والطقس معتدلاً أمر ابن السابعة بصوم رمضان كله إن لم يكن مريضاً .

يقول محمد قطب : ( وقد اختص حديث رسول الله r الصلاة بهذا الأمر لأنها عنوان الإسلام الأول والكبر ، حتى ليقول رسول الله r : [ بين الرجل والكفر ترك الصلاة ] ([23]) . ولكن جميع آداب الإسلام وأوامره سائرة على هذا النهج ، وإن كان الرسول r لم يحدد لها زمناً معيناً كالصلاة ، فكلها تحتاج إلى تعويد مبكر ، وكلها تحتاج إلى الإلزام بها بالحسم ، إن لم يتعودها الصغير من تلقاء نفسـه ) ([24]) . ويقول فقهاء المذهب الشافعي : ( ويؤمر به الصبي لسبع ويضرب عليه لعشر) يقصدون الصوم([25]).

3 . تؤمر البنات بالحجاب في السابعة ، بعد تدريبهن عليه وترغيبهن فيه منذ السادسة ، ويقول فقهاء الشافعية : تحجب البنت عندما تشتهى ، وتتفاوت البنات في السن التي تشتهى فيها ، حسب طولها وصحتها وجمالها ، والبيئة التي تعيش فيها ، وعندما يظن اشتهاؤها تؤمر بالحجاب ـ ولو لم تبلغ المحيض ـ فإن لم تحجب فتنت الناظرين إليها فيأثم وليها ، ولابد من فترة للتدريب وتعويد البنت على الحجاب قبل الأمـر بـه .

4 . يستمر الأطفال في هذه المرحلة في حفظ القرآن الكريم ، والمواظبة على جماعة المسجد ، وقد التحقوا بها منذ السابعة أو السادسـة .

الخصائص الخلقيـة :

ينمو التفكير في هذه المرحلة ، ليدخل عتبـة التفكير المجرد ، ويغادر حدود المحسوس ، كما تسهم المدرسة في النمو العقلي والاجتماعي للطفل في هذه المرحلة، ويحل المفهوم العام لما هوصواب أو خطأ،وماهوحلال أوحرام، محل القواعد المحددة ، وتحل المعايير الداخلية تدريجياً محل الطاعة للمطالب الخارجية ، ويزداد إدراك قواعد السلوك الاجتماعي القائم على الاحترام المتبادل ، وفي الطفولة المتأخرة تتحدد الاتجاهات الأخلاقية للطفل عادة في ضوء الاتجاهات الأخلاقيـة السـائدة في أسـرته ومدرسـته وبيئتـه الاجتماعية ، كما يدرك الطفل مفاهيم الأمانة والصدق والعدالة ويمارسها ، كما ينمو الضمير والرقابة الذاتية على السلوك ([26]) .ويؤدي ذلك إلى نمو أخلاقي يتضح من خلال :

1. خلق الأدب : والأدب حسن العشرة ، والأخذ بمكارم الأخلاق ، ومن هذه الآداب : الأدب مع الوالدين ومخاطبتهما بالقول الكريم ، ثم الأدب مع العلماء والمدرسين ، فالعلماء أرحـم بأمة محمد من آبائهم وأمهاتهم كما يقول الغزالي ( الإحياء :1/11 ) ، لأن آباءهم يحفظونهم من نار الآخرة . ثم أدب الأخوة داخل الأسرة ، ومع الزملاء ، وخاصة أن أطفال هذه المرحلة يبدأون الاختلاط مع أبناء الجيران .

2. خلق الصدق : ويثبت عند الأولاد بالقدوة الحسنة من الوالدين والمدرسين ، وسائر الكبار الذين يختلط بهم الأولاد ، وكذبة صغيرة من أحد الوالدين أو الكبار الذين يثق بهم الطفل كالمدرس ؛ قد تكفي لتدمير فضيلة الصدق عند الطفل ، لأن والده أو والدته أو مدرسه يمثل النموذج الأفضل للإنسان ، فإذا كذب هذا النموذج ؛ إذن لا يوجد من لا يكذب . _ مشكلة الهاتف ، يقع فيها بعض المسلمين ، عندما يطلبه أحد فيقول لولده : قل له بابا غير موجود ، هذه جريمة خلقية ، عافانا الله منها ، ماذا عليه لو قال : بابا سيكلمك بعد مدة ، أو بابا مشغول الآن ، وهناك من المعاريض ما يصح : كأن يقول له الولد : ابحث عنه عند فلان .

3. خلق الأمانة : وتنمو الأمانة كذلك بالقدوة الحسنة من الأسرة ، كسائر السلوك الخلقي ، فعندما يرى الطفل أمه تصدق أباه ن وأخاه الكبير يصدق أمه ، ولا يرى من يكذب ، أو يسرق من داخل الأسرة أو خارجها ؛ تنمو الأمانة لديه ، وفي هذه المرحلة تنمو القيم عند الطفل ومنها الأمانة بعد أن يفهم معناها ، ومن الأمانة حفظ الأسرار ، ومن وسائل التربية على الأمانة حسن الظن بالطفل مع المراقبة غير المباشرة ، كأن يطلب منه والده أن يفتح محفظة نقوده ويأخذ منها ( كذا ) مع انتباه الوالد إلى دقة التنفيذ .

4. نمو الضمير : والضمير محكمة داخلية في الإنسان السوي ، تحكم على أفعال الإنسان وتجازيه بالسرور والرضا إن كانت خيراً ، والألم والندم إن كانت شـراً ، وهو بـذرة في الإنسـان تنمو بفضل البيئة الخلقية وتتطلب ما يلي :

أ_ تمييز الخير عن الشر ، ويستطيع الطفل في هذه المرحلة أن يميز بينهما ، ولذلك تسمى مرحلة التمييز ، وللأسرة والمدرسة والمسجد الدور الأول في هذه المعرفة .

ب_ الجزاء الأخلاقي : أي مكافأة الطفل على فعل الخير ، ومعاقبته على فعل الشر ، ولابدأن يكون الجزاء خارجياًفي البداية ( من الأسرة والمدرسة ) ثم يتحول بالتدريج إلى جزاء أخلاقي ينبع من ضمير الفرد نفسه .

وسبق القول أن الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة لا يعاقب بالضرب ، لأن الأمر صريح بالضرب في العاشرة من أجل الصلاة ، ولم يسمح به قبل ذلك ، فلا يضرب الطفل قبل العاشرة ، لكن يعاقب بأنواع أخرى غير الضرب ، كحرمانه من المكافأة ، أو تنبيه بالكلام ، أو إيقافه ملاصقاً للجدار مدة من الزمن تتناسب مع ( الجريمة ) ومع السن أيضاً ، أو حرمانه من النزهة أو اللعب لمدة يوم واحد مثلاً .

ولابد من ملازمة الثواب مع العقاب ، فيكافأ الطفل إذا أحسن ويعاقب إذا أساء ، وهكذا تنمو لدى الطفل ملكة الضمير .

الخصائص الاجتماعية

وهذه مدار البحث لأنها تتعلق بجماعة الرفاق ( الأقران ) ، فأكثر ما يميز الطفل في هذه المرحلة : التفتح الاجتماعي ، وبعد التمركز حول الذات في بداية الطفولة ، ثم الاقتصار على علاقات الأسرة في مرحلة ما قبل المدرسة ، تنمو النزعة الاجتماعية لدى الطفل في هذا العمر ، وأثر المدرسة واضح وهام في النمو الاجتماعي ، وأهم الخصائص الاجتماعية في هذه المرحلة ما يلي:

1_ انفصال الجنسين :

0قبيل البلوغ يتجمع الصبيان في مجموعات من الذكور لا تقبل الإناث في وسطها _في العادة_ ، وتتجمع الإناث في مجموعات من الإناث لا تقبل الصبيان في وسطها كذلك ، تجد البنات في مجموعة يلعبن ، فإذا جاء في وسطها ولد يطردنه من بينهن قائلات : (( نحن بنات وأنت ولد فلماذا تأتي في وسطنا ؟! هل أنت بنت ؟ ( أو بنوتة ) تلعب مع البنات ؟! )) . وتجد الصبيان في مجموعة يلعبون ، فإذا جاءت في وسطهم بنت تصايحوا عليها وطردوها : (( نحن صبيان فما الذي يأتي بالبنات في وسطنا ؟! اذهبي فالعبي مع البنات اللواتي مثلك ! )) .

ومع أن علم النفس الغربي ذاته يعلم هذه الحقيقة ويسجلها فإن الجاهلية الحديثة تنشئ مدارس إعدادية مختلطة لتكسر هذا الحاجز الفطري ، وتحاول تغيير طبائع النفوس ! _ محمد قطب : 2/199 _ .

وهذه مرحلة انتقالية بين الطفولة حيث لا يميز الذكور عن الإناث ، ومرحلة البلوغ حيث يتسارع النمو ، وتظهر الفوارق البارزة بين الجنسين .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع )([27]) . ويستفاد من هذا الحديث أن يفرق الأولاد الذكور عن البنات في الأسرة أثناء النوم ، فتخصص غرفة للصبيان ، وأخرى للبنات ، وإذا تعذر وجود الغرفتين تقسم الغرفة الواحدة أثناء النوم بما يتيسر ويحجب بين الجنسين .

2 _ نمو النمط الجنسي :

في الطفولة المبكرة ، قد يرتدي الطفل بعض ثياب شقيقته أو العكس دون اعتراض _ وهذه خطأ أصلاً _ أما في الطفولة المتأخرة فلا يقبل الصبي أن يابس قميصاً لونه بناتي ، ولا تقبل البنت ثوباً لونه رجالي ، كما تنصرف اهتمامات الصبي إلى نشاطات للرجال كألعاب الكرات _ وخاصة القدم _ وركوب الدراجة ، والسباحة ، وتنصرف البنات إلى ألعاب خاصة بهن مثل نط الحبل والأشغال اليدوية والحياكة وأعمال المنزل ، كما يتجه الصبيان إلى أن يصبحوا أكثر خشونة واستقلالاً ، بينما تتجه البنات إلى أن يصبحن أكثر أدباً وحياءً وتعاوناً من الصبيان . ويبدي الصبيان اهتماماً أكثر بزملاء والدهم وأقاربهم الرجال ، بينما تبدي البنات اهتماماً أكثر بزميلات أمها وقريباتهن .

ويبدأ الصبيان بمساعدة والدهم في أعماله خارج المنزل ، ويسعدون بذلك ، بينما تبدأ البنات بمساعدة أمهن في عملها داخل المنزل ، ويسعدن بذلك . وهذا التنميط الجنسي سابق للفروق الجنسية الجسدية التي ستظهر عند البلوغ .

3 ـ تحمل المسؤولية :

وتسمى رغبة ( النمو ) ، فالصبي في هذه المرحلة يضايقه أن يعامل كطفل ، ويرغب أن ينظر إليه الآخرون كرجل وليس كطفل ([28]) ، وكذلك البنت يضايقها جداً أن يقال عنها طفلة ، وتتمنى أن ينظر إليها الآخرون على أنها فتاة وليست طفلة . فتراها تلبس الحجاب ، وتقلد النساء الكبيرات في أدبهن وحشمتهن،وتريد من الآخرين أن ينظروا إليها مثلما ينظروا إلى الكبيرات.

وتقع أحياناً مشكلة بين الوالدين وأولادهم ،( يقول الأب : يريد أن يدعي أنه رجل ، إنه لا يريد أن يطيع أمري . وتقول الأم : هذه البنت لا تريد أن تطيع أمري ! تريد أن تجعل نفسها كبيرة !

والمربي الحصيف لا ينتظر حتى يتحول الأمر إلى مشكلة ، ثم يبحث لها عن حل ، إنه يتقي المشكلة ابتداء ويحول دون حدوثها ، فحين يحس الأب أو الأم أن الولد يحس أنه أكبر من طفل ، فعليهما أن يسارعا _ بفرح _ إلى تقبل هذا الأمر ، وعليهما هما أن يسعيا إلى إعلانه : إن ابننا _ فلاناً _ لم يعد الآن طفلاً إنه أصبح رجلاً . كم يثلج صدر الصبي هذا الإعلان كم يغذي إحساسه بذاته ويطمئنه على ذاته، ثم على الفور ينبغي أن يتغير السلوك،لإعطاء هذا الإعلان من الواقع.

فبدلاً من أن يشتري له أبوه حاجاته دون مشورة منه ، ينبغي له الآن أن يأخذ رأيه : ما رأيك في هذا الحذاء ؟ ما رأيك غي هذا اللون ؟ أو يعطيه النقود ويترك له حرية شراء حاجاته ، مع النصح والتوجيه . ثم يرسله بين الحين والآخر نائباً عنه في قضاء أمر من الأمور ، إلى مكتب البريد ، أو السوق لشراء بعض حاجات البيت ، كما تستطيع الأم أن تطلب منه مرافقة أخته ، أو مرافقتها هي (أمه) في مشوار معين ، أو استقبال ضيوف والده في غيابه ...إلخ .

والأمر مع البنت كذلك ، وإن كان علاجها يقع على عاتق أمها أكثر من أبيها ، فلتعلن الأم أمام الأخوة والأقارب والأصدقاء : إن بنتنا _ فلانة _ لم تعد اليوم طفلة إنها صارت (( ست بيت )) تصنع في نفسها كما تصنع في نفس الصبي ، وتطمئنها على ذاتها ، وترضي نزعتها إلى تكبير نفسها .

ثم على الأم أن تشفع ذلك بتغيير جذري في المعاملة ، فتستشيرها في كل شيء يخصها ، أو تسمح لها بالشراء بنفسها ، ثم عليها أن تدخلها معها في تدبير المنزل ، كإعداد المائدة ، أو إعداد (( السلطة )) أو تنظيف الصحون ، وتنظيف البيت كله أو بعضه ، كذلك تدخلها معها على الضيفات والجلوس معهن بعض الوقت ، وتبادل بعض الحديث ، كل ذلك يحل عقدة ((الكبر)) عندها ، فيسلس قيادها لأمها ولا تعود تعصي أوامرها ، وفي الوقت ذاته تنمو شخصيتها وتكتسب خبرات اجتماعية وخبرات في تدبير المنزل هي في حاجة إليها جميعاً . ([29])

4.جـماعـة الأقـران :

والسعي نحو الأقران ( الرفاق ) ؛ خطوة أولى نحو الرشد ، حيث أن الرشد يعني الاعتماد على الذات بدلاً من الاعتماد على الأبوين ، فعندما يسعى الطفل نحو الأقران ، يأنس بهم ، ويكون معهم (( شلة )) لها قيمها وأسرارها ، عندئذ يقلل من تعلقه بوالديه ، وتتبلور جماعات الرفاق في مرحلة المراهقة ، وجماعات الرفاق هي محور هذا البحث ، لذلك سيفردها الباحث في الفصل القادم بما يمكن من التفصيل .

المراهـقـة

تبدأ المراهقة منذ البلوغ الذي يتراوح بين العام(12_15) من العمر،وتسبق البنات الصبيان بسنة واحدة في الغالب ، وتستمر المراهقة حتى العام ( 18_ 20 ) من العمر ، وهذا التفاوت سببه الفروق الفردية ، بالإضافة إلى البيئة ، والمراهقة أهم المراحل التي يمر بها الأولاد أثناء نموهم ، وترجع هذه الأهمية للأسباب التالية :

1. المعنى الشائع الخاطئ للمراهقة الذي يرى المراهق مريضاً نفسياً ، قلقاً و مضطرباُ ، بل يرى القلق والاضطراب حتميين في المراهقة ، هذا المفهوم الذي نشره الأمريكي:(ستانللي هول: STANLLY ALL )([30]) وخلاصته أن المراهقة عاصفة من التوتر والاضطراب الحتميين ، مما يجعل كثيراً من الآباء والمدرسين يتساهلون مع الشباب ، ويتغاضون عن أخطائهم وأفعالهم الضارة ، لأنهم ينظرون إليهم نظرتهم إلى المريض الذي لا حرج عليه . فيضيع الشباب في أهم مراحل نموهم .

2. لأن المراهقة مرحلة التغيرات السريعة والجذرية أحياناً ، ولا بد من التعامل الواعي مع المراهق .

خصـائص المراهقـة

سنوجز خصائص المراهقة تحت اسم حاجات المراهقة ، ونهدف من ذلك توعية الآباء إلى ما يحتاجه أبناؤهم المراهقون ، فيعملون على إشباع هذه الحاجات ، ليصل أبناؤهم إلى مرحلة الرشد بسلام .

1-الحاجـة إلى العبـادة :

وهي حاجة فطرية ، تظهر في توجه الإنسان إلى الله عند الشدة والخطر ، وقد بين الرسول r ذلك بقوله : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه ، فقال رجل : يا رسول الله : أرأيت لو مات قبل ذلك ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين )([31]) أي على عقيدة التوحيد ، والميل إليها ، لكن البيئة التي يربى فيها تصرف الوليد عن أصل الفطرة ، أو تحافظ عليها . فيتجه المراهق إلى المسجد أحياناً ، ويحافظ على الصلوات والنوافل ، والأذكار والأوراد .

وربما اجتذبته ساحات الجهاد طلباً للشهادة وإرضاء الله عز وجل ، أشارت إلى ذلك كثير من الدراسات النفسية الميدانية ، وبينت أنها عند المراهقات أكثر من المراهقين .([32])

وفي هذه الفترة التي تنفجر فيها شحنة الجنس ، تنفجر شحنة روحية عجيبة ، شفافة صافية مشرقة .... تنطلق معها لتضبطها وتسيطر عليها ، ولكي لا ينطلق المراهق كالحيوان ! هذه الشحنة الروحية في مرحلة البلوغ تأخذ صورة مشاعر دينية صافية شفافة ، تجنح ببعض الشباب أحياناً إلى الصوفية ، وهذه العاطفة الدينية تأتي في موعدها المناسب ، مع بدء التكليف الرباني ، لتصل القلب بالله ، وتربطه به برباط الحب والتقوى ، والمربي المسلم ( الأب أو المدرس ) ينمي هذه المشاعر بإرشاد الفتى ( والفتاة ) إلى شعائر العبادة ، والنوافل ، وصوم التطوع ، وتلاوة القرآن الكريم ، وطلب العلم الشرعي ، ومتابعة الحلقات العلمية في المساجد .([33])

2- الحاجـة إلى العمل وتحمل المسؤولية :

تلح التغيرات الجسدية والعقلية والنفسية على المراهق أن يعمل مثل الكبار ، ولا يبقى عالة على والديه ، لأنه لم يعد طفلاً ، وتدفعه الرغبة في ( الكبر ) إلى الرغبة في تحمل المسؤولية ، فتراه مندفعاً إلى عرض خدماته على والده وأمه وأقاربه،يريد أن يكلفوه بمهمة ما فينجزهالهم. وينبغي على المربين ( آباء ومدرسين ) المبادرة إلى تكليف المراهقين بالأعمال المناسبة لهم لإشباع هذه الحاجة ، ومن هذه الأعمال :

أ _ شراء حاجات البيت من السوق،مع توجيهه وإرشاده إلى الأحسن، ولاضير في أخطاء الفتى في هذا الميدان مرات عدة في البداية،وسوف يتعلم بعد ذلك . كما تكلف الفتاة بمساعدة الأم في أعمال البيت ، وقد تسند إليها أعمال البيت كلها في أيام العطل المدرسية .

ب_ يكلف الوالدان الفتى والفتاة بمساعدة أشقائهم الصغار في مذاكرة دروسهم ، مع توزيع المسؤولية عليهم في هذه المتابعة ، بينما يقوم الوالدان بدور الموجه التربوي فقط .

ج _ أعمال موسمية في التجارة ، أو حرفة صناعية ما يمارسها الفتى في العطلة الصيفية ، بينما تدرب الفتاة على بعض الأعمال المنزلية المنتجة كالكتابة على ( الآلة الكاتبة ) أو الحاسب الآلي ، فتقوم بطبع الرسائل العلمية ، أو تصف الكتب لدور النشر وما شابه ذلك .

د_ إسهام الفتيان ، والفتيات في الدعوة الإسلامية وتابعة أنشطتها ، من محاضرات ، ومخيمات صيفية ، ومراكز نسوية ...إلخ .

3 - الحـاجـة إلى توكيـد الـذات

ويسميه البعض الحاجة إلى الهوية ، أو الحاجة إلى الانتمـاء ، فالمراهق يريد أن يعرف نفسـه ، ويريـد أن يقدم نفسـه للآخرين بقالب فكري أو سياسي معين كأن يقول لهم : أنا مسلم ، أو أنا علماني ، وقد يكون أكثر دقة فيقول : أنا منهجي الإسلام ، أو أنا منهجي العلمانية .

ويخرج الفتى من تمركزه حول ذاته ـ كما كان في الطفولة ـ وينشغل بالمجتمع ، والأمــة ، والبشريـة ، فيبحث عن سبب الفسـاد ؟ ومن أين يبدأ الإصلاح ؟ ومن هذا الخيط يسعى الفتى إلى الانتمـاء ، كما تتسارع الجماعات والأحزاب إلى جذب الشباب إليها ، وتصل درجة الحماسة إلى الفدائية والتضحية بالنفس في سبيل ما يراه حقاً ([34]) .

ويساهم العمل وتحمل المسؤولية في إشباع دافع توكيد الذات عند المراهق ، كما يصل الأمر أحياناً إلى التمرد على الكبار من أجل إثبات هذه الذات وتوكيدها . فقد يخالف المراهق أوامر الكبار ، لا ، لأنه ناقشها ووجدها غير مناسبة لـه ، وإنما رفضها لأنها أوامر الكبار ، ليثبت أنـه قادر على الرفـض ، ويبيـن للآخرين أنـه صار كبيراً ، ولم يـعد طفلاً تملـى عليـه الأوامر .

ويتقبل المراهق من أصحابـه ؛ لأن نصائحهم ليست أوامراً من الكبار ، وسيتضح ذلك أكثر عند الحديث عن جماعة الأقران .

4 - الحـاجـة إلى المعرفــة

أوحب الاطلاع الذي ينمو بشكل متسارع بسبب التفتح العقلي للمراهق، ويعزز هذا الدافع لديه القدرات الجديدة المتفتحة ، كالقدرة على الفهم المجرد ، دون الرجوع إلى المحسوسات ، فيتجه بعض المراهقين إلى اقتناء الكتب والقصص والصحف والمجلات وقراءتها والعكوف عليها ، والاستمتاع بما تحويه من أحداث ، وتحليلات وقصص ،ونماذج بطولية ، وأفكار تغييرية ، وقد يلجأ المراهق إلى القراءة _ والقراءة الموسعة _ في مجالات متعددة ، حيث لا يجد ما يلبي رغبته في الاستطلاع من زاوية علمية واقعية .

نماذج لوسائل إشباع دافع الاستطلاع :

1_ نشاط القراءة عن المكتشفات والمخترعات،وعن الغرائب والمجاهيل،والقراءة في كتب المذكرات،والرحلات الاستكشافية حول الأرض،وبين القارات،وفي البحار .

2_ نشاط القراءة في قصص المغامرات والبطولات الوهمية ، وروايات العنف والعصابات.

3_ نشاط الرحلات،والأسفار القصيرة والطويلة ،ويشدهم إليها زيارة المنشآت الجديدة ، أو الغريبة،وزيارة المتاحف والآثار القديمة، والأماكن الطبيعية الملفتة والعجيبة كالشلالات.

4_ نشاط الاكتشاف والتجريب ، مثل تجريب ( شرب السجائر ) وقيادة السيارات بطريقة معينة جديدة ،وأحياناً تجريب المخدرات .

وهكذايتضح أن الدافع إلى الاطلاع،قد يكون سبباً من أسباب تعاطي المخدرات، لذلك لابد من تدريب المراهقين على ضبط هذا الدافع ، ويمكن تدريب المراهق على هذا الضبط من خلال :

1_ التأكيد على مراقبة الله الدائمة له . قال عز وجل : ]يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور[ _ غافر:19 _ .

2_ تكوين ضوابط حسية وحركية : مثل غض البصر ، وحفظ السمع عن المسموعات المذمومة .

3_ فن السؤال : أي أن تخدم أسئلته تعلمه المثمر ، مضبوطة بحدود الأدب العام ، فعن أبي هـريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسـول الله r يقول : [ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ]([35]) . ، فلا تكون أسئلة لمجرد الثرثرة ، أو الترف الفكري أو أسئلة غيبية لا فائدة منها ، ولا يوجد لدى الإنسان أداة للخوض فيها .

4_ فن الاستئذان : وهو منتهى ضبط حب الاطلاع ، فلا يسمع ولا ينظر ولا يسأل إلا بعد الاستئذان بذلك .

5_ منع التعدي الاستطلاعي : ونقصد به التجسس ، وهو غاية التعدي في حب المعرفة،وقد ينزلق المراهق إلى التجسس على الناس لإشباع هذا الدافع .

6_ تلبية حاجة المعرفة : وهذه أهم الوسائل الممكنة لإشباع نهم المراهق إلى المعرفة :

أ_ تزويد البيت بمكتبة شاملة ، وجيدة في محتوياتها ، وترتيبها ، ولا بد أن تحوي ما يجذب المراهق ، كالقصص ، وكتب الرحلات ، والتراجم والسير ، والمذكرات ، والاكتشافات العلمية ، والأشرطة المسجلة في الوعظ والأناشيد والمحاضرات .

ب_ استخدام أسلوب الحوار في التعامل مع المراهق ، من أجل توجيهه إلى النافع المفيد له .

ج_ أنشطة المراهق : كالرحلات والمخيمات والمسكرات : ومنها رحلات الحج والعمرة ، ورحلات إلى المواقع التاريخية ، أو للاطلاع على المنشآت الصناعية والمدنية والعسكرية والعلمية وغيرها . ومنها رحلات من أجل الجهاد في سبيل الله عز وجل .

5- الـحاجـة إلى الـرفـاق

وهذه الحاجة من أقوى حاجات المراهقة،وقد وجدناها في الطفولة المتأخرة، لكنها تتبلور في المراهقة بشكل ملفت للانتباه .

ويتعذر منع الشباب المراهق عن الرفقـة أو فرض العـزلة عليه ، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته ، ويحرمه من حاجة نفسية مهمة .

ويتجه المراهقون إلى أقرانهم وزملائهم في أشياء كثيرة من أهما التشابه في التحولات والمشكلات ، وسوف تفرد هذه الحاجة في فصل مستقل نظراً لأهميتها في هذا البحث .

المراهقـة الهادئـة

تقول ( مارغريت ميد MEAD ) : المراهقة مرحلة نمو عادي ، وما دام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي لا يتعرض المراهق لأزمات ، وقد اهتمت ميد بدراسة المجتمعات البدائية : كالقبائل التي تعيش في الخيام ، وتمتهن الرعي والصيد ، وقليلاً من الزراعة ، وتقول عن هذه المجتمعات البدائية : ( في هذه المجتمعات تختفي مرحلة المراهقة ، وينتقل الفرد من الطفولة إلى الرشد مباشرة ، بعد احتفال تقليدي ) ([36]) .

وقد أثبتت الدراسات أن المراهقة مرحلة نمو عادي ( خالية من القلق والاضطراب ) ، والمراهق لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو ما دام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي ([37]) .

والأزمات والقلق ليسا ضربة لازب في المراهقة ، فقد تمر بدون هذه الأزمات ، يقول عبد الرحمن العيسوي : ( وجدير بالذكر أن النمو الجنسي في المراهقة لا يؤدي بالضرورة إلى أزمات ، لكن النظم الحديثة هي المسؤولة عن أزمة المراهقة ) ([38]) ثم يقول العيسوي تحت عنوان ( أسطورة العاصفة ) : ( ولقد بالغ البعض في وصف المراهقة بالعاصفة ، وقد أكدت الدراسات الحديثة أن المراهقة ليست بالضرورة وبالطبيعة مرحلة عواصف وضغوط ، ففي بعض الدراسات لم تزد نسبة المضطربين منهم على ( 20% ) ، ينحدر معظمهم من بيوت محطمة وغير سعيدة ([39])

الفصل الثالث

الحاجـة إلى الرفـاق

تـمهيد :

القرين في اللغة : المقارن والمصاحب ، والقرين الزوج لأنه يصاحب زوجته ولا يفارقها ، والقرينة : الزوجة ([40]) . والأقران : مجموعة من الفتيان ، قلا البلوغ بقليل أو بعده أو مجموعة من الفتيات ، يكونون جماعة للذكور ، أو جماعة للإناث ، والأصح مجموعة يتراوح عددها بين(2-5) على الأكثر. وجماعة الأقران مجموعة أهم حدث في حياة الإنسان بعد الطفولة المبكرة ، فما هي جماعة الأقران ؟ ولماذا تشتد الحاجة إلى الرفاق عند الفتى المراهق ؟ وما أثرها في حياة الإنسان ؟ وما هي سبل الوقاية من أقران السوء ؟ وكيف يتصرف الوالدان الحصيفان إزاء ذلك ؟ .

وخلال إحدى عشرة سنة عملها الباحث مرشداً طلابياً ([41]) ؛ راجعني عشرات الآباء يقولون كلاماً واحداً خلاصته :

يقول الأب _ والألم النفسي يعصره _ : كان ولدي طفلاً مؤدباً ، لا يخالف والديه ، ولا يخرج من البيت ؛ إلا إلى المدرسة ، أو مع أسرته وكان متفوقاً في دراسته ، محبوباً في أسرته ، مطيعاً لوالديه ومدرسيه وإخوانه ... حتى إذا تعرف على ابن فلان وابن فلان ، من عندكم في هذه المدرسة ( وأحياناً من حارته ) ؛ وكون معهم (( بشكة )) ([42]) ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ؛ تغير سلوكه وطبعه ، وصار لا يطيق المكث في البيت ، ولا يحب الخروج معها ، ولا يسمع لوالديه كما كان ، وتغير مستوى تحصيله الدراسي_كما ترى_ وحالتنا معه حالة متعبة ...

أسـباب جماعـة الأقـران

جماعة الأقران مرحلة ضرورية من مراحل النمو الاجتماعي والنفسي يمر بها الإنسان قبل البلوغ بقليل ، وخلال فترة المراهقة ، وتستمر هذه النزعة قوية جداً عند الشباب حتى يتزوج الشاب ، وتتزوج الفتاة ، فتقل الرابطة بين الأقران ، لتنشأ بدلاً منها رابطة الأسرة الجديدة التي سيكون أباً فيها ، أو تكون أماً في هذه الأسرة الجديدة ، وقد تستمر رابطة الأقران بعد الزواج ؛ لكن بشكل أضعف ، وفي كل الحالات تغرس في الإنسان صفات قد لا تفارقه مدى العمر .

( والرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان ، وخصوصاً في مرحلة المراهقة . وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات وبث الآمال والتشارك في الأحاسيس والمشاعر ... ويتعذر منع الشاب المراهق عن الرفقة أو فرض العزلة عليه ، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته ، ويحرمه من حاجة نفسية مهمة )([43]) .

مرحلة جديدة في العمر

يبدأ الطفل الاهتمام بالأقران قبل البلوغ ، وهذه محطة جديدة في العمر ، يمكن التزود منها ، واستدراك بعض ما فات من المحطات السابقة ( الطفولة المبكرة ، والمتأخرة ) وتكون إعادة التشكيل بأن ( ينتقي المربي لطفله أصلح النماذج ن سواء للمصاحبة العامة في المجموعة ، أو للصداقة الخاصة ، ويكون ذلك بالتلطف لا بالفرض ، كأن يدعو الأب أصدقاء ابنه إلى البيت ويكرمهم ، وتستطيع الأم أن تدعو صديقات ابنتها كذلك ) ([44]) .

وهكذا يتدخل الوالدان الحاذقان بشكل غير مباشر لتدارك ما فاتهم في المحطات السابقة ؛ فيهيئون أقراناً صالحين لأولادهم ، وبذلك يعيد التشكيل ، ويجعله صالحاً ، أو يحافظ على تشكيل الطفولة الصالح .

الأقـران قنطـرة عبـور

عاش الطفل داخل الأسرة ، كانت علاقاته محصورة بأمه عندما كان رضيعاً ، ثم توسعت فشملت والده ، وبقية أفراد أسرته خلال الطفولة المبكرة ، ثم شملت المدرس وبعض زملاء المدرسة على مستوى محدود جداً خلال بداية الطفولة المتأخرة ، وبعد سنوات يصبح هذا الطفل راشداً تتسع علاقاته الاجتماعية حتى تشمل المجتمع كله ، ولا بد له من مرحلة انتقالية يتدرب فيها على العلاقات الاجتماعية غير الأسرية ، وهذا أحد أسباب جماعة الرفاق ( الأقران ) . وهذه الجماعة بمثابة ( دورة ) يتعلم فيها المراهق معايير سلوكية خاصة ، ويتعلم منها الحياة الاجتماعية العلمية ، وتعطيه فرصة التعامل مع أفراد متساوين معه ، وتساعده على الاستقلال الشخصي عن الوالدين ([45]) .

وعاش الطفل متعلقاً بوالديه ، لا يتلقى من غيرهما خلال الطفولة المبكرة ، ثم صار يتلقى من المدرسين في الطفولة المتأخرة ، وما زال يتلقى من الكبار لأنه صغير ، والآن يريد الطفل أن يكون كبيراً ، لأنه سيدخل مرحلة الرشد بعد قليل ، ويريد أن يتحرر من الخضوع الكلي للكبار ؛ لأنه لم يعد طفلاً يخضع لوالديه ومدرسيه في كل شيء ، فماذا يفعل وهو يهاب ولوج مجتمع الكبار دفعة واحدة ، لذلك يمر بهذه المرحلة الانتقالية ، فتعلق الطفل بوالديه أكثر من تعلقه بأقرانه ، وتعلق الرجل بالمجتمع أقل من تعلق الفتى بأقرانه ، ويلاحظ أن مجموعة الأقران لعبت دورالمرحلة الانتقالية بين الأسرة والمجتمع

وعاش الطفل متعلقاً بوالديه ، ويريد اليوم أن يقلل هذا التعلق لأنه يرى نفسه كبيراً ، ويريد أن يتعامل مع أفراد من خارج الأسرة ، كبداية للتعامل مع أي فرد في المجتمع ، فيبدأ التعامل مع الأقران كتمهيد للتحرر من الطفولة ومغادرتها إلى الرشد .

كيف تتكون مجموعة الأقران ( الرفاق )

يلاحظ على أفراد مجموعة الأقران :

1_ التقارب في العمر .

2_ التشابه في الميول والهوايات والوظيفة الاجتماعية ( تلاميذ مثلاً ) ، وتجد هواة كرة القدم يتقاربون حتى يشكلوا مجموعة ، وهواة الرحلات يشكلون مجموعة أخرى ، المتفوقون يشكلون مجموعة خاصة بهم ، والمتأخرون دراسياً يشكلون مجموعة خاصة بهم ، حتى ينطبق المثل القائل : إن الطيور على أشكالها تقع .

3_ العامل الجغرافي : فهم أبناء حي واحد ، تم تعرفهم في المسجد ، أو المدرسة ، أو الشارع أحياناً . ولا بد من المعايشة في الفصل ، أو المسجد ، أو الشارع ، أو من خلال زيارات الأقرباء أحياناً .

4_ بعض التكامل في الصفات الشخصية : كأن تجد مجموعة من الرفاق منهم الغني الذي يملك سيارة ، ومنهم الفقير المتقدم على صاحب السيارة دراسياً ولو بقليل ، ومنهم الذي يملك صفات الزعامة ،ومنهم من يعزف عن وظيفة الزعيم ،حتى تلمس بعض التكامل المؤقت في الشلة الواحدة .

5_ من نافلة القول أن مجموعات الذكور لا تقبل الإناث ، ومجموعات الإناث لا تقبل الذكور ، كما سبق في الطفولة المتأخرة .

6_ الرفقة الاختيارية لا يلزم بها المراهق ، وإنما يختار رفاقه بمحض إرادته ، فيلبي هذا الاختيار حاجة نفسية عند المراهق وهي أنه لا يرغب أن يفرض عليه أحد ، ويمقت إصدار الأوامر من الكبار ( الوالدان والمدرسون ) ، وينزع إلى الاستقلالية في الرأي والتصرف .

7_ معارضة الكبار لهذه المجموعة يزيد من التصادق أفرادها ببعضهم ، إذ تنشأ هذه المجموعات أصلاً ؛ كرد فعل على تسلط الكبار عليهم ، وكبداية للتحرر من سلطتهم ، فإذا عارضها الكبار ؛ تأجج الصراع بين مجموعة المراهقين والكبار ، ويزيد توحد هذه المجموعة ([46]) .

يبحث الفتى،كما تبحث الفتاة في العمر (10_15) _ لاشعورياً _ عن أفراد الشلة،في البيئات التي يعيش فيهاكل منهما، وهي المدرسة، المسجد، الشارع ، الحي ، وبعد التعرف غير المقصود عادة ، يتقرب الفتى ممن لمس فيه صفات وطموحات مشابهة لما عنده،فيزيد التعرف عليه، والتقرب منه، حتى تتوثق عرى الصداقة بينهما ، ثم يضم ثالث ورابع وربما خامس بنفس الطريقة إلى المجموعة . وتضع المجموعة بعض القواعد لها ؛ فيسارع أفرادها إلى طاعة هذه القواعد لأنها نابعة منهم ؛ ولم تفرض عليهم من الكبار .

المبـكرون إلى جماعـة الرفـاق

الطفل الذي يعيش في جو منزلي غير عطوف ( يتيم ، والداه قاسيان معه ، أسرته ذات تقاليد صارمة في تعاملها مع الأبناء ...إلخ ) هذا الطفل أسرع إلى البحث عن الرفاق خارج الأسرة ، لأنه يبحث عن الحنان الذي فقده في أسرته ، وهذه حالة غير سوية ، لذلك ( تجتذب الصحبة السيئة المراهق ؛ لوجوده في جو منزلي غير عطوف ، وغير آمن ، أو لإخفاق المراهق في التوحد مع أبيه ، وإخفاق البنت في توحدها مع أمها ) ([47]) .ومثل هذا الطفل يلتحق بأول مجموعة رفاق تصادفه _ وقد تكون سيئة _ لأنه لا يطيق الانتظار والبحث عن الأفضل .

والمبكرون في النضج كذلك يسارعون إلى البحث عن مجموعة الرفاق ، فالفروق الفردية بين الفتيان تجعلهم يتفاوتون في زمن البحث عن مجموعة الرفاق ، ومن هذه الفروق التبكير في النضج .

والصبيان يبكرون في البحث عن مجموعات الرفاق أكثر من البنات لاختلاطهم مع زملائهم في المدرسة والمسجد والشارع ، أما البنات فأقل اختلاطاً بزميلاتهن ، ولا توجد غير المدرسة تؤمن لهن هذه الفرصة .

والأطفال المتقدمون في النمو الاجتماعي ( غير الانعزاليين ) يبكرون في البحث عن الرفاق ، ويكونون مجموعات أكبر نسبياً من غيرهم تتراوح بين ( 3 _ 5 ) أعضاء ، ويقودها أكثرهم في النمو الاجتماعي ، بينما يتأخر (الانعزاليون) في البحث عن مجموعات الرفاق ، ويكونون مجموعات صغيرة نسبياً تتكون غالباً من عضوين فقط أو ثلاثة على الأكثر .

ويحسب الباحث أن التأخر في البحث عن مجموعة الرفاق أفضل من التبكير ؛ لأن الطفل يزداد نضجاً ويتمكن من الاختيار الأفضل ، وعندما نضع الطفل في جو أسري تربوي متعلم ؛ يراعي خصائص النمو لكل مرحلة ؛ عندئذ ينتقي الطفل رفاقه على مهل ، ويكون اختياره للأصلح بإذن الله تعالى .

أثـر الأقـران على الأفـراد

تؤثر جماعة الأقران على الإنسان سلبياً أو إيجابياً ، فالطفل الحسن الذي التحق بمجموعة فاسدة ؛ يكتسب منها القيم والأخلاق الفاسدة ، والطفل السيء الذي التحق بمجموعة صالحة ينمي أخلاقه وقيمه الفاضلة ويعمقها ، ويحافظ عليها ، ويشبع حاجته إلى الرفقة .

وقلما نجد مراهقاً كان له خلة ومحبة وملازمة لرفقة ما ؛ إلا ويكون على نهجها وطريقتها،متحداً معها في أفكاره وسلوكه وأخلاقه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ، وبعد أن يجتاز سن المراهقة ؛ يبقى في الغالب على ما كان عليه من توجهات وصفات ، وربما بقيت رفقته كما عي لم تتغير في أشخاصها وسماتها ، وهذا ما يحدث في الغالب ([48]) . (وتتميز المراهقة المبكرة _ البلوغ _ بأنها مرحلة المسايرة)([49]) . والمجاراة والموافقة والانسجام مع المحيط الاجتماعي ، وقبول العادات الاجتماعية الشائعة بغية تحقيق التوافق الاجتماعي)([50]) .

أثـر الأقـران على عقيـدة الفـرد

قال تعالى : ] ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً ، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان الإنسان خذولاً [ _ الفرقان : 28- 30 _ . وعن أبي موسى _ رضي الله عنه _ عن النبي r أنه قال : [ إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير : فحامل المسك إما أن يحذيك _ يعطيك مجاناً _ وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ] ([51]) .

قال ابن حجر : وفي الحديث النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا ، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما . ويقول النووي : وفيه فضيلة مجالسة الصالحين ، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع ، والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر والبدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة . وفي تحفة الأحوذي يقول المباركفوري : ومن أحب قوماً بالإخلاص يكون من زمرتهم ، وإن لم يعمل عملهم ، لثبوت التقارب بين قلوبهم ، وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم ، وفيه الحث على محبة الصلحاء والأخيار ورجاء اللحاق بهم والخلاص من النار( 7/60 ) . ويقول الخطابي في شرح سنن أبي داود : وفي الحديث إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء والعلماء ومجالستهم فإنها تنفع في الدنيا والآخرة ، وإلى اجتناب صحبة الأشرار والفساق فإنها تضر ديناً ودنيا .

والجليس صيغة مبالغة من كثرة المجالسة والملازمة ، ولا شك أن للجليس أثراً تراكمياً متدرجاً على شخصية المرء وأخلاقه ([52]) . وتدخل هذه الآثار التراكمية إلى نفس القرين دون أن يشعر ، ولا ينتبه إلا بعد فوات الأوان ، فلو كان أحد القرناء يدخن ، والآخر لا يدخن ، ويظن في نفسه أنه لن يتأثر بقرينه ولن يعتاد على التدخين ، لكن تعوده على رائحة التدخين من قرينه ، ثم الرغبة اللاشعورية في التوحد مع قرينه ، تدفعه _ دون أن يشعر _ إلى المسايرة ، فيدخن مرة لإرضاء قرينه ، ومرة ثانية وثالثة مجاراة ومسايرة حتى يعتاد ذلك من أقرانه .

وعندما لا يكون الأب مدخناً فإن الطريق الوحيد لتعود الولد على التدخين هو مجموعة الرفاق .

ولا يعني هذا أن الرفاق لا يأتي منهم خير ، بل إن الرفاق _ أحياناً _ مدرسة خير يلتحق بها المراهق فيتخرج منها مؤمناً صلب الإيمان ، ومسلماً حسن الإسلام ، ومجاهداً في سبيل الله ورسوله r ، يحصل ذلك إذا كتب الله الهداية لشخص ما ، فيهييء له رفاقاً صالحين يجرونه نحو التقوى والعمل الصالح ، وسنرى أن دور البيت المسلم هو السعي لتهيئة هؤلاء الرفاق بشكلٍ غير مباشر لأولاده ؛ فيضمن سلامة عقيدتهم وسلوكهم ، ويسعدون في دينهم ودنياهم .

أثر الأقـران على التحصيل الدراسي

من خلال عمل الباحث في الإرشاد الطلابي لاحظ أن الطلاب المتفوقين أكثر انسجاماً مع أسرهم ، وأقل انسجاماً مع رفاقهم ، وبالتالي هؤلاء يتأخرون في الالتحاق بمجموعة الرفاق ، ويلتحقون بمجموعات قليلة العدد نسبياً ( 2_3 ) في الغالب ، وربما يتأخر عندهم التفتح الاجتماعي ، كل ذلك لصالح التفوق في عملهم المدرسي ، ومعظم الطلبة الأوائل ينطبق عليهم ذلك ، حتى إذا كان لهم رفاق فإن الوقت الذي يقضونه معهم قليل نسبياً .

وعكس ذلك الطلاب المتأخرون دراسياً أقل انسجاماً مع أسرهم ، وأسرع في الالتحاق بمجموعات الرفاق ، وأكثر التصاقاً بهم ، وتكون مجموعاتهم أكبر في العدد ( 4_5 ) في الغالب ، وأكثر نشاطاً وحركة وخاصة من حيث الوقت الذي يضيعونه في اللعب والتسكع في الشوارع والسهر معاً .

وهناك علاقة عكسية بين عدد الأفراد المجموعة من جهة وبين متوسط درجة تحصيل أفرادها الدراسي ، وبنفس الوقت توجد علاقة عكسية أيضاً بين عدد الساعات التي يعيشها الرفاق معاً وبين متوسط درجة التحصيل الدراسي .

وقد يكون الأقران _ أحياناً قليلة _ عوناً للفتى على الاجتهاد ، عندما تكون الشلة صالحة ومجتهدة فإنها تدفع أعضاءها على الجد والاجتهاد ، كما أنهم يتعاونون على مذاكرة دروسهم وحل واجباتهم .

أثر الأقـران على سـلوك الفـرد

تتحدد معظم معالم الشخصية وسماتها في الطفولة المبكرة ، ثم تأتي المراحل التالية فتدعم أو تعيق هذه المعالم ، ومن أهم المراحل التي تدعم ما بُني في الطفولة ، أو تعيقه وقد تهدم أو تخرب بعضه ؛ مرحلة الأقران .

وسبب ذلك أن الفتى يريد أن يتحرر من الطفولة ويغادرها ، فينتقل إعجابه من والديه ومدرسيه إلى الإعجاب بالرفاق ، وكلما وجد في المجموعة عضو ذو شخصية قوية فإن أثره ينتشر على بقية الأعضاء ، إن كان خيراً فخير ، وإن كان شراً فشر ، ومن الملاحظ أن انتقال الشر أسرع ؛ لأن الهدم أسرع وأسهل من البناء . فالإعجاب يدفع إلى التقليد ويتقمص الفتيان شخصية زعيم المجموعة أكثر من تقمصهم لشخصيات الكبار ، لأنه يظن أن تقليده لرفيقه مبني على حرية اختياره ، وغير مفروض عليه من الكبار .

وقد تبين في إحدى الدراسات التي استفتت ( 623 ) طالباً في سبع مدارس ثانوية أن هناك انخفاضاً في اتصال المراهقين بالراشدين من آباء ومدرسين وغيرهم ، وتبين أن هذا يؤدي إلى تضاعف اتصال المراهق برفقته وازدياد التعلق بها ([53]) .

وتبين من دراسة مقارنة أن المراهقين يستمدون السلوك والرأي من أصدقائهم في قضايا ومجالات حيوية مؤثرة ، تتعلق بأنماط السلوك والملبس والبرنامج اليومي والهوايات ، وكل هذه قضايا خطيرة ومتجددة تحدث تراكمياً عبر الزمن ، تتأسس عليها شخصية المراهق وسماته وطبائعه ([54]) .

وهكذا تعد مجموعة الأقران أحد المصادر المهمة والمفضلة عند المراهقين للاقتداء واستقاء الآراء والأفكار ، ويؤدي الاقتران والتشابه بين الأقران _ في كثير من الأحيان _ إلى التوحد والتعلق بالرفقة بحيث لا يقدم المراهق عليها أحداً ويربط غالباً مصيره بمصيرها ورأيه برأيها .


الفصل الرابع

الوقاية من رفاق السوء

تمـهيـد :

سيحاول الباحث أن يقدم للآباء بعض النصائح العملية _ على ضوء ما سبق من خصائص مرحلة المراهقة ، والحاجة إلى الرفاق _ كي يخططوا لإحاطة أبنائهم بمجموعات صالحة من الرفاق بشكل غير مباشر ، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج،والعمل منذ الطفولة لتوفير هذه البيئة الصالحة ؛ أسهل بألف مرة من إخراج المراهق من مجموعة رفاق فاسدة،وقد تضيع كل المحاولات لإخراجه منها.

كن محبوبـاً عند ولـدك

كل الآباء يحبون أبناءهم بشكل غريزي ، أما الأبناء فيحبون آباءهم بسبب تآلفهم معهم ، وعشرتهم الطويلة ، وبعبارة أخرى يحب الآباء والأمهات أطفالهم بدافع عضوي فطري ؛ سببه هرمون (برولاكتين) عند الأم ، وشبيه بذلك عند الأب ، أما الأطفال فيحبون آباءهم وأمهاتهم بدافع اجتماعي مكتسب خلال مرحلة الطفولة الطويلة المدى .

ومن أدلتي على ذلك أن الأطفال يحبون أمهاتهم أكثر من آباءهم ، لأن الأمهات أكثر صلة بهم من الآباء . ويدل عليه أيضاً أن حب الآباء للأبناء أكبر من حب الأبناء للآباء ؛ لأن الأول فطري والثاني مكتسب .

فإذا صح ذلك فإن مدى حب الأبناء للآباء يتناسب طرداً مع الزمن السعيد الذي يقضيه الآباء مع الأبناء ، كالسهرة الأسرية الصغيرة ، يقص فيها الأب ما يحبه الأطفال من القصص ، أو تحكي لهم الأم ما يشبع خيالهم من الحكايات ، أو النزهة في البساتين والحدائق أو البرية حيث اللعب الذي يحبه الأطفال كثيراً ؛ وخاصة إذا لعب الأبوان مع أطفالهم الصغار _ في الطفولة المبكرة _ أو هيأوا لهم رفاق اللعب المحبوبين ليشبعوا عندهم الحاجة إلى اللعب ؛ والحاجة إلى الرفاق ؛ بآن واحد .

أو الرحلة التي تقوم بها الأسرة معاً كالعمرة أو الاستجمام في منتزه نظيف أو شاطئ خال من العورات ، أو الاصطياف في بلد مسلم جميل لا تنتهك فيه حرمات الدين ، أو زيارات أسرية إسلامية هادفة ... إلخ .

وهذا الزمن السعيد ([55]) الذي يقضيه الوالدان مع أولادهم يعمق محبة الآباء في قلوب الأبناء ، ويأتي بعده الهدايا التي يقدمها الآباء لأبنائهم ، فالولد يفضل ساعات من السعادة يعيشها مع أمه وأبيه ، على الهدية الثمينة منهما مع غيابهما .

تقبـيل الأولاد

ومما يعمق محبة الأطفال للوالدين تقبيل الأبوين لهم ، فالقبلة من الأب أو الأم للطفل تعبير عن الحب القوي ، وعندما يعلن الوالدان عن حبهما للطفل بهذه اللغة ؛ فإن الطفل يحب والديه ، فيبادلهما الحب ، وهذا أساس نمو العاطفة السليمة عند الإنسان .

وللقبلة دور فعال في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته ، وقد صنف البخاري يرحمه الله باباً في كتاب الأدب سماه : باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ، وقال ثابت عن أنس : أخذ النبي r إبراهيم فقبله وشمه . وهذه بعض أحاديث الباب :

1_ عن أبي نعيم قال : كنت شاهداً لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض فقال : ممن أنت ؟ قال : رجل من العراق . قال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن النبي r . وسمعت النبي r يقول : ( هما ريحانتي من الدنيا ) .

2_ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبل رسول الله r الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم([56])فنظر إليه رسول الله r ثم قال: ( من لا يرحم لا يرحم ) .

3_ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء أعرابي إلى رسول الله r فقال : تقبلون الصبيان فما نقبلهم ، فقال النبي r : ( أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ) .

يقول ابن حجر يرحمه الله : ويجوز أن يريد الريحان المشموم ، لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين ، وفي جواب النبي r للأقرع : إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل والمحارم وغيرهم من الأجانب إنما يكون للشفقة والرحمة ، لا للذة والشهوة ، وكذا الضم والشم والمعانقة .

4_ وصنف الإمام مسلم يرحمه الله تعالى باباً في كتاب الفضائل عنوانه : رحمته r بالصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك ، ورد فيه : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله r قال : كان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن _ وكان ظئره قيناً (حداداً) _ فيأخذه فيقبله ثم يرجع ... الحديث. قال النووي : وفيه فضيلة رحمة العيال وتقبيلهم ([57])

ومما تجدر الإشارة إليه أن تعميق حب الأبناء لآبائهم يتم في مرحلة المهد ( 0_2 ) ثم في مرحلة الطفولة المبكرة ( 2_6 ) . كما أن المرجو من تعميق هذه المحبة بناء أساس لموقف إيجابي من الطفل نحو أسرته ، يجعله على صلة قوية بوالديه ، تبقى متينة حتى يمر الطفل بالمراهقة ثم يصل إلى الرشد .

حتى إذ دخل الطفل مرحلة الطفولة المتأخرة تبدأ مرحلة جديدة من إرساء سبل الوقاية من رفاق السوء .

إذا كـبر ابنـك خاويـه

من خصائص الطفولة المتأخرة أن الولد يرى نفسه كبيراً ، وعلى الوالدين الحصيفين إشباع هذه الرغبة بالوسائل التالية :

1_ أن لا يطهرا للولد أو البنت أنهما ما زالا طفلين ، بل على عكس ذلك ينبغي أن يعلن الأب وتعلن الأم أن فلاناً صار رجلاً ، وأن فلانة صارت فتاة ، ومن ثم يتصرفان نع كال منهما على ضوء ذلك الإعلان .

2_ أن يكتم الوالدان خوفهما الزائد على ولدهم إذا تأخر عن البيت ، أو مارس عملاً للكبار ، كقيادة الدراجة أو السيارة ، لان الولد يفهم من ذلك أنه مازال طفلاً في نظر والديه ، ويؤلمه ذلك .

3_ يبدل الوالدان علاقتهما مع الولد أو البنت بالتدريج ، من علاقة الأبوة إلى علاقة الصداقة ، فبعد أن كان الوالدان يلقنان أولادهم تلقيناً : افعل كذا ، وإياك أن تفعل كذا ... تتبدل اللهجة إلى : أنا أرى أن هذا هو الأفضل لك ، ولك حرية الاختيار ، ... أقترح أن تفكر في هذا الأمر ... أنصحك أن لا تصاحب الطلاب الكسالى ... إلخ .

وهكذا تبدلت اللهجة من أوامر أب إلى نصائح صديق .

4_ يكثر الأب من اصطحاب أولاده اليافعين ( في الطفولة المتأخرة ) معه في زياراته لأصدقائه ، ومجالس العلم والأدب التي يرتادها ، كما تكثر الأم من اصطحاب بناتها اليافعات معها إلى مثل تلك الزيارات والمجالس . وأثناء الذهاب والعودة يتحدث الأب مع ولده كأنه يستشيره في أمور البيت أو إخوانه الصغار ، كما تتحدث الأم مع بنتها في الذهاب والعودة تستشيرها في شئون البيت ، وأخواتها الصغيرات .

5_ يبدأ الوالدان بالعودة إلى العقاب المعنوي،ومعاتبة الولد أو البنت عند اللزوم([58]).

6_ تعويد الولد على الحوار والمناقشة الموضوعية ثم الشورى منذ صغره ، وتنمية التفكير الحر عند الولد ، ليتمكن من اتخاذ القرار ، ومساعدته على الوصول إلى القرار الصحيح .

والغرض من صداقة الأب لابنه ، والأم لابنتها ؛ أن الطفل في هذه المرحلة يبحث عن أصدقاء ، ويريد من الآخرين أن يعاملوه كراشد لا كطفل ، وأهم من ذلك أن تكون علاقة الولد بأبيه متينة ، وعلاقة البنت بأمها قوية أيضاً ، فيؤدي ذلك إلى تأخر التحاق الولد بمجموعة الرفاق ، وكلما تأخر الالتحاق بالرفاق كان ذلك أفضل وأسلم ، لأن الولد عندئذ ينتقي رفاقه على مهل ، أما إذا كانت علاقة الولد بوالديه واهية ؛ فإنه يسرع إلى البحث عن الرفاق ، وغالباً تشده أول مجموعة يصادفها وقد تكون سيئة .

وقد دلت دراسة قام بها ( برنفنبرز ) على وجود علاقة إيجابية بين إحساس المراهقين بالمسؤولية من ناحية،ومدى صداقتهم لوالديهم من ناحية أخرى، أي كلما كان التعامل يأخذ منحى الصداقة ( التعاون ، المشورة ، الحوار ) بين المراهق وبين والديه ، وجدت المراهق أكثر إحساساً بالمسؤولية ، وتنعكس هذه العلاقة إلى علاقة سالبة عندما يحس المراهقون بالنبذ والإهمال والجفاء من جانب والديهم ([59]) .ومن أغراض هذه الصداقة أيضاً أن يدعم الأب ما قدمه لابنه في الطفولة المبكرة بطريقة التلقين والأوامر ، حيث يقدمه الآن على شكل نصائح واقتراحات ، كما يتابع الأب الحصيف عملية البناء التربوي عند ولده ، ويكمل عملية التنشئة الاجتماعية بأسلوب يناسب المرحلة التي يعيشها الولد .

( وسبيل المربي إلى صيانة فتاه وفتاته عن أقذار الجاهلية الدنسة لن يكون سهلاً ، ووسيلته هي تعميق الإحساس بالله ، ووسيلته كذلك أن يكون صديقاً لمن يربيه ، وأن يجعل الصلة التي تربطه بالبيت أقوى وأثقل من الصلة التي تربطه بالمجتمع ، وأن تكون صلة المودة بين الولد وأبيه ، وبين الفتاة وأمها كافية للمكاشـفة التي يمكن عن طريقها تصفية الضغط الزائد عن الحد ... ) ([60]) .

الـرفقـة الصالحـة

وأفضل سبل الوقاية من رفاق السوء ؛ وضع الولد في مجموعة صالحة من رفاق الخير ، فكيف ذلك ؟

1_ الإقامة في بيئة صالحة :

لأن العامل الجغرافي هو العامل الأول في انتقاء الأقران لبعضهم كي يشكلوا مجموعة الرفاق ، فهم زملاء في حي واحد ، أو مدرسة واحدة ،أو مسجد واحد ، لذلك يجب على الأب المسلم أن يسكن في بلد مسلم ، أو على الأقل في بلد تتوفر فيه الرفقة الصالحة لأولاده وبناته ، وأن يجعل هذا الهدف مقدماً على العمل والكسب والوظيفة وغير ذلك ، فالوالد راع وهو مسئول عن أولاده وبناته أمام الله عز وجل ، لذا وجب عليه الإقامة في بلد صالح ، يتوفر فيه عدد من الصالحين من أجل أولاده وبناته .

فكم من أب ترك أوروبا أو أمريكا حيث فرص العمل متوفرة ومريحة ، عندما كبر أولاده ، ليحافظ عليهم من رفاق السوء هناك ، حيث لا يوجد رفاق خير . وفي البلد الصالح تختلف الأحياء بحسب غالبية الأسر التي تسكنها ، وبحسب المسجد الذي يتوفر فيه الداعية المسلم ، وحيث المدرسة المسلمة التي تكمل ما بناه البيت المسلم ([61]) .

2_ من صفات الحي المسلم ؛ المسجد العامل

الذي يرتاده الشباب والأولاد في الصلوات الخمس ، أو للالتحاق بجماعة تحفيظ القرآن الموجودة فيه ، أو حضور الدروس والحلقات العلمية كالتجويد والتفسير والحديث والفقه ، وربما قدمت فيه بعض الحصص المدرسية كالرياضيات والنحو والفيزياء والإنجليزية . إلخ.

وعندما يلتقي الأولاد عدة مرات يومياً في المسجد فإن الولد عندئذ ينتقي أفراد مجموعته من رواد المسجد ، فتكون له رفقة صالحة بإذن الله ([62]) .

3_ ومن صفات الحي المسلم : المدرسة المسلمة

والمدرسة المسلمة ( مثل مدارس تحفيظ القرآن الكريم ، والمعاهد العلمية في المملكة العربية السعودية ، وقليل من المدارس العامة ) ، والمدرسة المسلمة عي المدرسة التي تكمل مهمة البيت المسلم ، فتحافظ على الفطرة التي فطر الله الناس عليها . وقد تكون مدرسة أهلية ، ويأمل الباحث أن تتجه الصحوة الإسلامية المعاصرة إلى بناء المؤسسات الإسلامية الضرورية للمجتمع المسلم ، ومنها المدرسة المسلمة . ويبدو أن الاتجاه إلى نمو التعليم الأهلي يزيد بعد أن بدأت الدول تعجز عن توفير التعليم الأفضل .

وتكون المدرسة المسلمة ( في العالم الإسلامي ) إذا ما وجد فيها بعض المدرسين الدعاة ، الذين امتهنوا التعليم رسالة وليس حرفة ، ومع أن هؤلاء قلة حالياً إلا أنهم موجودون ، وعلى الأب المسلم أن يبحث عن المدرسة التي يتوفر فيها مثل هؤلاء الدعاة المربين ؛ مهما كان موقع المدرسة بعيداً عن البيت .

وقد يبدو الأمر صعباً لأول وهلة ، فانتقاء الحي المناسب ، والمسجد العامل المربي ، والمدرسة المسلمة ، لكن الصعوبة تتبدد مرة واحدة عندما تتعاون عدة أسر مسلمة ، فتسكن في حي واحد ، ثم توفر حافلة لنقل الأولاد وأخرى للبنات إلى المدرسة المسلمة في الصباح ، والمسجد العامل في المساء ، وهذه الحافلة ستكون من مرافق البيئة الصالحة التي يتعرف فيها الرفاق الصالحون على بعضهم .

4_ ومن صفات الحي المسلم : الشارع المسلم

الشارع كمؤسسة تربوية هو الساحات الموجودة في الأحياء السكنية ، حيث يلتقي فيها عدد من أطفال ( 8_14 ) تقريباً أ ليقضوا مدة من يومهم المعتاد ، وعندما يكون الحي مسلماً ، فإن الشارع مؤسسة تربوية غير مقصودة ذات أثر بالغ في تنشئة الأطفال . وهذه الساحات هي المكان المفضل لأفراد مجموعة الأقران ، من أجل ألعابهم الاجتماعية ، وقد يصل الحال إلى تشكيل فريق الحي لكرة القدم من خلال لقاءات الشارع ، وتنظيم مباراة مع فريق الحي المجاور .

وللشارع بعض الإيجابيات ومنها أن اللعب وجماعات الرفاق حاجتان أساسيتان للأطفال ، ويوفر الشارع هذه الحاجات للأولاد . وله بعض السلبيات أيضاً ومنها عدم تحكم الكبار في هذا الشارع . 0 وهذا سر محبة الأولاد للشارع لأنه يخلصهم من سلطة الكبار ) .

أما إذا كانت معظم الأسر في الحي مسلمة وملتزمة بدينها ، فينصح الباحث عندئذ بالاستفادة من هذه المؤسسة على النحو التالي :

1_ إعداد الساحات العامة في الحي ، وفرشها بالرمل النظيف الناعم ، وتغطية بعضها بالمروج ، وتظليل بعضها .

2_ إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين سكان الحي ، فإذا رأى أحد المارة طفلين يتشاجران يسرع إلى فض نزاعهما ، وإذا رأى أحدهم طفلاً يدخن مثلاً ينزع السيجارة من فمه ويصادر علبة السجائر منه ويتلفها ، ويخبر والده بذلك ليعالج الموقف ، وإذا سمع أحد المارة كلمة نابية وقف وأنب قائلها ، وشرح له ضرر ذلك ونصحه بأن لا يعود لمثلها .

3_ تهتم الشرطة ، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإدارة التعليم بهذه الساحات ، وتراقبها لتسهر على الأمن فيها ([63]) .

5_ المتابعة غير المباشرة

بعد الإقامة في البيئة الصالحة ، لا بد من المتابعة غير المباشرة من الوالدين ، حتى ينتظم الولد في مجموعة صالحة من رفاق الخير ، والمقصود من المتابعة غير المباشرة أن لا يعرف الولد ذلك ، لأن الولد يريد أن ينتقي رفاقه بحرية ، دون تدخل من الكبار ، وخاصة الوالدين ، لأن الولد يرى تدخل والديه في انتقاء أصحابه دليلاً على أنهم يعتبرونه طفلاً ، وهذا يضايق الولد كثيراً . وهذه أهم الوسائل لهذه المتابعة غير المباشرة :

أ _ زيارات إسلامية بين البيوت المسلمة ، بحيث يتوفر الأقران فيها ، ويفسح المجال للأولاد الذكور بالانفراد وحدهم ، وكذلك تنفرد البنات وحدهن ، وحبذا لو شغل بعض الوقت بذكر الله كتلاوة ، ـأو دراسة حديث ... إلخ .

ب_ تقوم عدة بيوت مسلمة بنزهة مشتركة ، أو رحلة قريبة ، على أن يتم الفصل بين الجنسين ، ويتحقق فيها لقاء الأقران بأمثالهم . كما يخصص بعض الوقت للذكر كالتلاوة أو موعظة أو درس في الفقه ، مع أذكار السفر . والمحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها .

ج_ يجمع أحد الآباء أقران ولده ويصحبهم إلى رحلة ، أو نزهة أو البرية من أجل اللعب بكرة القدم ، ولا بد من تخصيص بعض الوقت للذكر كما سبق ، ويفضل تناول الطعام الجماعي ، وتؤدى صلاة الجماعة . كما تجمع الأم الحصيفة قرينات ابنتها الصالحات في بيتها ، أو في زيارة لإحدى الداعيات .

د_ يدعو الأب المسلم أقران ولده الصالحين إلى بيته ، خلال مناسبة ما ، ويكرمهم ، ويحثهم على التزاور في الله ، وكذلك تدعو الأم المسلمة قرينات ابنتها الصالحات ، وتحثهن على التزاور واللقاءات المسلمة . وتقدم لهن العون والمساعدة الممكنة .

هـ _ يتعرف الأب المسلم _ دون علم ولده _ على أقران ولده ، ويبحث عنهم ليطمئن على صلاحهم وسلامة سلوكهم ، ويقوم بزيارات متكررة إلى المدرسة ، ليتعرف بواسطة المرشد الطلابي والمدرسين على زملاء ولده المقربين ، وعدما يلاحظ ميل ولده إلى رفاق سوء يحسم الأمر بشدة بتبديل الحي أو المدرسة أو البلد كله ، لأن الموقف خطير جداً ويتوقف عليه صلاح ولده في الدنيا والآخرة .

و_ الاستعانة بذوي الخبرة : كأن يلجأ الأب إلى مدرس داعية ، ويوصيه بولده ، ويعمل الأب على توثيق صلة ابنه بهذا المدرس ، كأن يزوره في البيت بصحبة ولده ، أو يطلب الأب من قريب ( أخ كبير ، عم ، خال ) مساعدته في المتابعة والتوجيه غير المباشرين نحو الرفقة الصالحة .

و_ المخيمات الإسلامية والمراكز الصيفية

ومن أفضل وسائل تكوين الرفاق الصالحين المخيمات الإسلامية والمراكز الصيفية ، وهذه المراكز تشبع عدة حاجات روحية ونفسية واجتماعية للأطفال والشباب ، ولأن معظم أفراد هذه المخيمات أو المراكز من الفتيان المنتقين إسلامياً ، فإنها أفضل البيئات لانتقاء الرفقة الصالحة ، وينبغي للأب المسلم أن يرسل أولاده إلى هذه المخيمات ولو كانت بعيدة ، وعليه أن يخطط عطلته وفقاً لهذه المخيمات والمراكز نظراً لأهميتها ، وأن يتحمل النفقات _ إن وجدت _ من أجل تربية أولاده تربية إسلامية .

وعندما نسلم بأن المراهقة حبس الطاقات المتفجرة عند الفتى ، مما تدفعه إلى البحث عن رفاق سوء ليشغل وقته ويصرف هذه الطاقة الفائضة المحبوسة ، فإن المعسكرات أفضل الوسائل لصرف هذه الطاقات بالعمل والتدريب والأنشطة والتعلم بالإضافة إلى إشباع الحاجات المتعددة المذكورة سابقاً .

فالحاجات الروحية ([64]) المتفجرة عند الشباب تشبعها إقامة الصلوات الخمس جماعة في المخيم ، بالإضافة إلى التهجد قبل الفجر ، وصلاة القيام في جوف الليل ، وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار ، وصوم التطوع والإفطار الجماعي ن وأذكار اليوم والليلة ، وجو الأخوة في الله .

والحاجات الاجتماعية يشبعها توفير الأقران في العمر والثقافة والفكر ، بالإضافة إلى تحمل المسؤولية عندما تسند المهمات إلى الأفراد المشاركين في المعسكر ، والعيش المشترك مع الآخرين .

والحاجات النفسية يشبعها شعور الشاب بأنه رجل يعيش في المعسكر ، ويتدرب على القتال من أجل الجهاد في سبيل الله ، والتعود على الخشونة في المأكل والمشرب والنوم ، والتعود على المفاجآت . وخدمة البيئة تشبع دافع توكيد الذات كبناء سد أو تعبيد طريق وتشعر الفتيان بأهميتهم في المجتمع ، ويدفعهم إلى تحمل المسؤولية .


الوقاية من المخدرات

تـمهيـد :

تعد مشكلة تعاطي المخدرات من أهم المشكلات التي تسبب خطراً بالغاً يهدد مستقبل المجتمع ، لما يترتب عليها من أضرار بالغة ينعكس أثرها على الفرد والمجتمع ، فالخمور والمسكرات والمخدرات والعقاقير المخدرة تسبب مخاطر ومشكلات عديدة في أنحاء العالم ، وتكلف البشرية فاقداً يفوق ما تفقده أثناء الحروب المدمرة ([65]) .

وظاهرة انتشار تعاطي المخدرات من أدلة فشل الحضارة المعاصرة في ملائمة الإنسان ، يقول أحمد فتحي سرور ( وزير تربية مصري سابق ) : عندما تنهار عوامل التربية السليمة ؛ يتخلف النموذج النفسي والاجتماعي الواقي من الانحراف ، ويجد الشباب في المخدرات باباً خلفياً لدخول حياة مصطنعة ( وهمية ) يحيكها له وهم زائف يقوم على أسرار العقاقير المخدرة ([66]) 0

وتحاول الصهيونية العالمية إغراق الكثير من الدول الإسلامية والعربية بالمخدرات المصنعة والطبيعية ، وذلك بوساطة المنظمات السرية والعملاء المجندين الذين تضعف نفوسهم أمام الإغراءات المادية ([67]) .

واتضح من الدراسة الميدانية أن الفئة العمرية ( 16_ 20 ) سنة قد احتلت المرتبة الأولى بالنسبة للعمر الزمني للفرد عند تعاطي المخدرات لأول مرة . بينما ترى دراسة ( مارفن ) أن تعاطي المخدر لأول مرة يقع في الفئة العمرية من ( 13_18 ) سنة ([68]) .

المخدرات والشباب

قام الباحث النقيب نايف محمد المرواني بدراسة بعض العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع الفرد لتعاطي المخدرات ، ( 1413هـ ) وكانت عينة الدراسة من نزلاء قسم المخدرات في سجون المدينة المنورة ، ومن نتائج هذه الدراسة :

( 42% ) من العينة تعاطوا المخدر لأول مرة عندما كان عمرهم ( 16_20 ) سنة ، و( 18% ) منهم من ذوي العمر(20_25) ، و(9%) منهم تقل أعمارهم عن ستة عشر عاماً . ويتضح من ذلك أن الفئة ( 16_20) احتلت المرتبة الأولى بالنسبة للعمر الزمني عند تعاطي المخدر لأول مرة ، والمخيف أن بعض الأولاد الذين تقل أعمارهم عن (16) سنة تعاطوا المخدر للمرة الأولى . وهذه النتيجة تتفق مع ما توصل إليه الباحث ( مرزوق،1990 ) حيث توصل إلى أن الشباب الذين تمتد أعمارهم من ( 18_20 ) هم أكثر عرضة للانزلاق في هاوية المخدرات ، كما تتفق مع دراسة الباحث ( الفالح،1987 ) حيث توصل إلى أن ( 44% ) جربوا تعاطي المخدرات لأول مرة عندما كانت أعمارهم ( 20_24 ) سنة . كما تتفق مع دراسة ( مارفن ، 1983 ) حيث توصل إلى أن عمر المفحوصين عند تعاطي المخدر لأول مرة يتراوح بين ( 13_18 ) سنة .

وبناء على ذلك يمكن القول بأن أخطر مراحل الفرد هي مرحلة المراهقة ، والتي يتعرض خلالها الشباب لضغوط من الأسرة والمجتمع ، فتؤدي بالبعض إلى الانزلاق في هاوية المخدرات . كما تبين من نتائج دراسة ظاهرة تعاطي المخدرات أن التعاطي مرتبط بفترة المراهقة أو ما قبلها ، والتي يلجأ فيها الشخص لجماعات التعاطي بحثاً عن الإدمان وتحقيقاً لذات الفرد ، أو هرباً من سيطرة الأسرة ([69]) .

وفي دراسة عبد الرحمن المصيقر ، بعنوان : الشباب والمخدرات في دول الخليج العربي(1985م) أشار إلى أن الأطفال يتعرضون للإدمان والتعاطي بسبب عملهم في مزارع المخدرات ( كما في لبنان ) أو نتيجة للقدوة السيئة في البيت أو المدرسة ، أو بسبب صحبة السوء ، أو استخدام التجار لهم في عمليات تهريب المخدرات .

كما يشير إلى كثرة الأحداث والمراهقين المتعاطين والمدمنين . وأكد أن المخدرات تنتشر بشكل سريع في الإمارات العربية المتحدة بين الأحداث والشباب ([70]) .

وفي لبنان أجرى مارون بغدادي بحثاً تبين منه أن ( 17% ) من الأحداث يؤكدون أنهم جربوا المخدرات ، و( 90% ) منهم تعاطوا الحشيش ([71]) .

وفي دراسة عن مصر تبين أن سن تعاطي المخدرات يبدأ في الخامسة عشرة ، وأكثر من نصف مدمني الحشيش تتراوح أعمارهم بين ( 16_ 22 ) سنة ن وتبين أيضاً أنه زاد الإقبال في صفوف الطلاب والطالبات ، ولم يبعد تعاطي المؤثرات العقلية والنفسية كالمنشطات سراً ، بل صار ضرباً من المباهاة ([72]) .

أما عن تعاطي الشباب للمخدرات في أمريكا فأمر مخيف جداً ، إذ يقول (وديل هورتون) :يموت يومياً (80) أمريكياً في حوادث السيارات ، لأنهم يقودونها في حالة سكر،أو(30) ألف سنوياً معظمهم من الشباب ، و(77%) ممن قتلوا في حوادث السيارات من الشباب الصغار ، ومن الذكور ، أي حادث مروري كل خمس ثوان من الشباب المخمورين . ومن أسباب تدهور التعليم في أمريكا انتشار الخمور والمخدرات بين الصغار ، ويكلف ذلك الدولة ( 63 ) بليون دولار سنوياً تصرف على علاج المدمنين ([73]) .ولعل كثير من الصغار يتعاطون ( المستنشقات ) وتوجد في مواد عديدة متوفرة بين أيدي الناس مثل : كلورال ، سوائل التنظيف ، البنزين ، مخفف الطلاء ( الترنبتين ) ، مزيل طلاء الأظافر ، وقود الولاعات ، الصمغ الصناعي ( الباتكس ) ... وغيرها ، ويفرغ الولد الوعاء الذي يحوي المذيب في كيس من البلاستيك ، ثم يقرب فتحته من أنفه لتتصاعد الأبخرة فيستنشقها المتعاطي بعمق ، أو يبلل بها قطعة قماش ويكمم بها فمه ، وقد يخلطها مع مواد عطرية ، وغالبية متعاطي المستنشقات من الصغار من سن(9_18) سنة ، وتحصل وفيات مرتفعة ترجع إلى تلف المخ ، وخلل الجهاز العصبي ، ويعتبر البنزين من أخطر هذه المستنشقات ، وأخطر ما فيها أنها تباع بدون رقابة وسهلة الاستخدام .

أوصاف متعاطي المخدرات

1_ تغير في الحضور والانتظام المدرسي ، كالتأخر الصباحي ، والتغيب عن المدرسة بشكل متكرر .

2_ تغير في القدرات العامة ،العقلية والجسدية ، ويظهر ذلك في مستوى تحصيل الطالب ، وإتقان واجباته المدرسية ، ودرجاته في الاختبارات . وهربه من دروس التربية الرياضية والعسكرية _ إن وجدت _ لأنها تتطلب طاقة جسدية لا توجد عنده .

3_ المظهر الجسدي السيء ، وعدم الاهتمام بالملابس والنظافة .

4_ لبس النظارات الشمسية لإخفاء العيون المنهكة من الأرق .

5_ لبس القمصان ذات الأكمام الطويلة لإخفاء آثار إبر الحقن .

6_ الارتباط الشديد مع مجموعة من الأشرار وهم زملاؤه في تعاطي المخدرات .

7_سرقة بعض المواد الصغيرة لبيعها،لأنه دائماً بحاجة إلى المال لتأمين المخدر([74]).

أسباب تعاطي الشباب للمخدرات

ضعـف الـوازع الديـني :

قال عز وجل : ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ً[ .

فعندما ينشأ الأولاد على غير التقوى والإيمان ،تنمو نفوسهم مشوهة على غير أصلها ، ضعيفة لا تصمد أمام تقلبات الحياة العادية ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ))([75]) .فلو تربى هذا الشاب على طاعة الله ورسوله ، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وإن رفاق المسجد يبعدونه عن هذه المعاصي ، لذا فإن ضعف الوازع الديني هو السبب الأول والأهم في تعاطي الشباب المخدرات ، ومن أكبر الأدلة عليه الفارق الكبير بين تعاطي المخدرات في الغرب العلماني ، والمجتمعات المسلمة الملتزمة بدينها ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يوجد ( 16 ) مليون مدمن يومياً على المخدرات ، أما الذين جربوا المخدرات فيصل إلى( 40 ) مليون ، وينفق المستهلك الأمريكي ( 100 ) دولار سنوياً ثمناً لكل أنواع المخدرات ، كما يوجد ( 25 ) ألف محل يتاجر بالمخدرات ، وأكثر المخدرات عندهم ( الماريجوانا ) .

أما المجتمع المسلم في المملكة العربية السعودية فلم يكن يعرف المخدرات إلى وقت قريب ، كنتيجة للثورة التكنولوجية في المواصلات ، إذ دخلت المخدرات مع الوافدين للملكة ، ويرجع عدم تعرض المملكة لهذه المشكلة بدرجة كبيرة إلى تمسكها بالعقيدة الإسلامية في حياتها ، وتزويد الناشئة بتعاليم دينهم الإسلامي ، وتماسك الأسرة المسلمة وعنايتها بأولادها . وموقف الشريعة الإسلامية الحازم في إقامة الحدود الشرعية على كل من تسول له نفسه الانحراف عن السلوك السليم ([76]) .

يقول الدكتور إبراهيم العواجي _ وكيل وزارة الداخلية السعودية _ ( ... إنني أبحث عن أصدق الكلمات وأخفها وقعاً وأقلها يأساً في تصوير مأساة عالمنا نتيجة لتخليه عن قيمه الروحية ، فإذا به اليوم يدفع ضريبة تخليه من كل وازع ديني أو ضابط أخلاقي ، بعد أن فصل العلم عن الأخلاق ، والمادة عن الروح ، ووصل بالحرية إلى مهاوي الانحلال والإباحية فوقع فريسة شهواته وملذاته ، رعب نووي وضياع في عالم المخدرات وأخيراً مرض الإيدز ...ذلك أن الحصانة الحقيقية هي في العودة إلى المبادئ السماوية في الإيمان)([77])

وكلما زاد الإيمان وارتفع زادت معه الثقة بالله والتوكل عليه والقرب منه ، وكلما ضعف الإيمان زادت المشاكل وقرب الإنسان من الانزلاق في المخاطر ، لذا فغن ضمور الوازع الديني يعتبر من أهم أسباب انتشار المخدرات بين أفراد المجتمع المسلم ([78]) .

وفي دراسة سلوى علي سليم ( 1989م ) في مصر وجدت أن عدد الذين راجعوا عيادة الأمراض النفسية بمستشفى العباسية خلال الشهور الستة الأخيرة من عام (1987م) هو (1386)مدمناً على المخدرات ، منهم (586) قبطياً ،و(800)مسلم ([79]) .

ومن مقارنة عدد الأقباط المدمنين مع عدد المسلمين المدمنين ، حيث أن نسبة المدمنين من الأقباط تساوي ( 46% ) من المدمنين بينما تشكل نسبة السكان الأقباط إلى سكان مصر (10%) فقط ، أي أن نسبة المدمنين الأقباط تعادل خمسة أضعاف نسبة المدمنين المسلمين ، وتفسير ذلك عند الباحث الحالي أن الوازع الديني عند المسلمين أقوى منه عند الأقباط .

كما وجدت الباحثة أن (11%) فقط من عينة البحث كانوا يؤدون الصلاة وهم صغار السن أي أن التنشئة الدينية كانت قاصرة لمعظم أفراد العينة ، كما أوضحت الدراسة أن من يصومون شهر رمضان كاملاً (5ر18 %) فقط من العينة ، ومن المعروف أهمية الصيام في تقوية الإرادة .

(( ... ومسلمو اليوم الذين أنهكتهم المخدرات تحللت صلتهم بدينهم الذي يحملون اسمه ، ويجهلون كنهه ويأخذونه بالوراثة ، أكثر من المعرفة ، وقد كان ابتعادهم عن دينهم هو سبب تورطهم فيما أضاعهم وأضعفهم ، ولو عرفوا الإسلام بقلوبهم وعقولهم ؛ لعرفوا أنه ينهى عن كل مل يفسد الإنسان ، ولعرفوا أن الله أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، ونهى عن كل ما يضرهم ... وإن بعد الناس عن دينهم يسير بصورة متوازية بمدى قربهم من حضارة العصر الحديث ([80]) وهي الحضارة الغربية القوية والمسيطرة . هذا هو حالنا اليوم ، عندما ضعف الوازع الديني في قلوبنا أصبحنا تابعين لغيرنا ، حضارياً وثقافياً واقتصادياً ولأننا أصبحنا غير أنفسنا ، في عالم لا يرحم ، أدمن الكثيرون من كل أنواع المخدرات ، فغابت عقولنا ، وتدهورت أجسادنا ، وسلمنا أمورنا لأعدائنا ([81]) .

وقد يعجب كثير من الآباء من وجود ضعف الوازع الديني عند أبنائهم ، ويتساءلون : كيف تسلل إلى عقول أولادهم وقلوبهم ، وجواب ذلك أن المدرسة المعاصرة ووسائل الإعلام وكثرة الاختلاط بالكفار وال..

وقد يعجب كثير من الآباء من وجود ضعف الوازع الديني عند أبنائهم ، ويتساءلون : كيف تسلل إلى عقول أولادهم وقلوبهم ، وجواب ذلك أن المدرسة المعاصرة ووسائل الإعلام وكثرة الاختلاط بالكفار والإعجاب بهم ، هذه الأسباب الثلاثة أهم أبواب تسرب ضعف الوازع الديني إلى أولادنا .

أما المدرسة فبعض المناهج لا تخلو من أفكار علمانية ، هذا في البلدان التي ما زال فيها بقية خير،وفي بعض بلدان العالم الإسلامي تجد المناهج علمانية صريحة توجه إلى الكفر والإلحاد ، وكثير من المدرسين دعاة صرحاء أو سريين إلى العلمانية والكفر والإلحاد ([82]) .

أما وسائل الإعلام فلا يوجد مسلم يجهل عظيم بلائها على المسلمين ، مما تبثه للمشاهدين من أفلام هابطة ، ومناظر مثيرة ، لا تراعي حرمة دين ، ولا قيم المجتمع وتراثه . نسأل الله عز وجل أن يرفع عنا هذا البلاء . ومخالطة الكفار والإعجاب بحضارتهم المادية أولاً ثم الإعجاب بسلوكهم وأفكارهم على طريقة المغلوب يقلد الغالب .

وكي ننمي الشعور الديني عند أولادنا فنحصنهم من الانحراف بكل أشكاله ، وخاصة تعاطي المخدرات ينبغي على الوالدين :

1_ ربط الولد بالقرآن منذ نعومة أظافره ، وغرس محبة الله عز وجل في قلب الولد بالطرق التربوية الإسلامية الواردة في تنمية العقيدة ([83]) .

وتنشئته على محبة الله والشوق إلى جنته ، وغرس القيم الإسلامية فيه منذ الصغر بالقصص النبوي والسيرة وحياة الصحابة رضي الله عنهم .

2_ ربط الولد بالمسجد : وتردده على جماعة تحفيظ القرآن ، وحضور الأنشطة الإسلامية في المسجد ، وربطه بالصحبة الصالحة من خلال المسجد ، فينتقي أقرانه من هؤلاء الصالحين .

3_ ربط الولد بدروس العلماء : وغالباً ما تكون في المساجد ، وربما تكون في بيت العالم أو أحد طلابه ، واهتمام الولد بالعلم ، وخدمة العلماء ترفعه إلى صف الصالحين ، وتبعده عن الطالحين .

4_ تعريف الأولاد بحكم الإسلام في التدخين ( وقد أجمع العلماء الآن على تحريمه بعد أن تأكد ضرره الصحي ) ، والشيشة والشمة والقات وكل مفتر ، ثم تحفيظ الأولاد آيات تحريم الخمر والأحاديث التي تلعن حامله وبائعه ... إلخ ، وتحريم المخدرات ومدى ضررها على الفرد والمجتمع ، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة .

5_ إلحاق الولد بالمخيمات الإسلامية ، والمراكز الصيفية ، ليعيش ضمن مجموعة صالحة من الرفاق ، تبعده عن رفاق السوء .

رفـاق السـوء هم السـبب

دلت دراسة المرواني ( 1413هـ ) على أن ( 35% ) من أفراد العينة قالوا أن مجاملة الأصدقاء عي التي دفعتهم إلى تعاطي المخدرات ، و(23%) قالوا إن الخضوع لغواية أصدقاء السوء هي سبب تعاطي المخدرات بالنسبة لهم .و(15%) قالوا أن الرغبة في تقليد الآخرين هي سبب تعاطي المخدرات عندهم ([84]) ، كما تدل دراسة ( جمعان رشيد أبا الرقوش ،1404هـ ) على أن مجاراة الأصدقاء هي السبب الأول في تعاطي المخدرات ، وكذلك دلت دراسة ( سليمان قاسم الفالح ، 1407هـ ) على أن مخالطة أصدقاء السوء هي العامل الأول في تعاطي المخدرات . ودلت دراسة ( سلوى علي سليم ، 1409هـ ) على أن لصحبة السوء دورها البارز والهام في توجيه سلوك الشباب إلى الانحراف ، ودلت أيضاً على أن وفرة المال بين يدي بعض الشباب له دور في انحراف الشباب ، ولا تخلو نتائج أي دراسة ميدانية من أن رفاق السوء سبب هام من أسباب تعاطي المخدرات ([85]) .

ولا توجد دراسة ميدانية عن المخدرات إلا وبينت أن لرفقاء السوء دوراً بارزاً في تعاطي الشباب للمخدرات ، وقد لاحظنا سابقاً صفات الأولاد المبكرين إلى جماعات الرفاق ، وهم الذين لا يتوافقون مع الجو السري مع والديهم ، لذلك يبحثون عن أول رفيق يصادفونه دون الانتباه إلى أخلاقه وسلوكه .

وبدافع المسايرة يقلد الأولاد رفاقهم ، ويتوحدون مع أقرانهم في أفعالهم وسلوكهم ، بدون تفكير ومناقشة ، وقد دلت الدراسات الميدانية على أن مروجي المخدرات يكلفون عميلهم الذي يشتري منهم _ بعد أن تنضب أمواله _ بالبحث عن زبائن جدد لهم ، مقابل منحه قليلاً من هذه السموم بدون مال ، ما يدفع رفاق السوء إلى جلب أصدقائهم إلى هؤلاء التجار بعد تعويدهم على المخدرات .

ومن طبيعة رفاق السوء أن يشجعوا رفاقهم على مماثلتهم في سلوكهم ؛ كي لا يتميزوا عنهم ، ويكونوا سواء ، وهم _باللاشعور _ يدركون مدى شناعة فعلهم عندما يتعاطون المخدرات ، ولذلك تراهم مندفعين بحماس إلى توريط رفاقهم ليكونوا مثلهم .

(( ... وتشير دراسات أجريت في المجتمعات العربية إلى أن مجاراة الأصدقاء كانت سبباً من الأسباب الرئيسية في تعاطي المخدرات ، ففي العراق وجد يوسف إلياس أن هناك ظاهرة ملحوظة بين الشباب العراقي وهي أن تناول المسكرات عي الوسيلة المفضلة للاندماج في الجماعة . وفي الأردن أشار ( 31% ) من متعاطي المخدرات إلى أن سبب تعاطيهم يعود إلى مجاراة الأصدقاء ، ووجدت فئة منهم تناول المخدرات مرة في الأسبوع بهدف مشاركة الآخرين ومجاملتهم وتقليدهم . وفي مصر ذكر ( 84% ) من المدمنين أنهم بدأوا في تعاطي المخدرات من خلال توفيرها لهم أولاً من قبل الأصدقاء أو الزملاء ([86]) أما وقاية الأولاد من رفاق السوء ، فقد سبق الحديث عنها ، وهي أن تقوم الأسرة بجهودغير مباشرة لإحاطة أولادها برفقة صالحة؛ قبل أن يحيط نفسه برفاق سوء.

تـدخـين الأب ,h

يتأثر الأطفال بوالديهم ، لا شعورياً ، ومن هذه الآثار تقليد الأولاد آباءهم في التدخين ، وقد روى لي أب أثق به قال :

كنتُ مبتلى بالتدخين ، وعندي طفل في الرابعة من عمره ، كالزهرة عند تفتحها ، وقد أُصيب بمرض تنفسي صار يعاوده مرة في الشهر ، واهتم والداه بمعالجته _ خاصة وقد فقدا المولودين السابقين له _ وكان الطفل موضع عناية فائقة منهما .

وذات صباح في رمضان وقد نفث الأب سيجارة قبل الإمساك ، وترك علبة السجائر على الطاولة ، في ذلك الصباح أيقظت الزوجة زوجها قائلة : قم وانظر ماذا يفعل ابنك !!؟ إنه في المطبخ .

فنهض الأب وذهب إلى المطبخ ليرى عجباً ، ويسمع ما هو أعجب ، رأى طفله الصغير ابن الرابعة ، صاحب الرئة المريضة ، ينفث سيجارة أخذها من علبة والده ، ولما قال له والده :

_ لِِمَ تفعل هذا يا بني !!؟ أجاب الطفل بدون تلعثم :

_ أفعل مثلك يا بابا .

أخذ الأب السيجارة من يد طفله ، وقلبه يكاد يتقطع من الألم ، ثم مزقها أمامه ، ورماها في سلة المهملات ، ومنذ ذلك اليوم لم ير الطفل أباه يدخن ، وبعد عدة شهور قضاها الأب يدخن سراً عن طفله ، أقلع عنه نهائياً ولله الحمد والمنة .

والتدخين مفتر ويحرمه معظم العلماء ، وهو بداية المخدرات الأخرى ، والأب المدخن يشجع أولاده على التدخين ، كما يضعهم عند بوابة المخدرات الخطيرة .

والأمر نفسه بالنسبة ( للشيشة ) فما دام المبدأ واحداً وهو حصول الفتور ، أو ما يسميه المدمنون ( الكيف ) ؛ فالمخدرات ( كيف ) كذلك عند المدمنين .

وكذلك ( القات ) في اليمن ، و( الشمة ) في شمال إفريقية ، كلها مقدمات لولوج باب الحشيش ،فالخمر ،فالمخدرات . لذا يجدر بالأب المحب لأولاده والغيور عليهم ؛ الإقلاع عن التدخين والشيشة وكل أنواع ( الكيف ) المذكورة

ومن دراسة الدكتورة سلوى علي سليم الميدانية عن تعاطي الشباب للمخدرات في مصر وجدت الباحثة :

1_ (68%) من الشباب المدمنين قالوا : الأب هو الذي يتعاطى المخدرات ، و(20%) قالوا : الأم عي التي تتعاطى المهدئات ، وأجاب (9%) بأن الأخوة الكبار يتعاطون المخدرات ([87]) .

2_ (31%) قالوا بأن المشاكل الأسرية دفعتهم إلى المخدرات ، و(26%) قالوا: رفاق السوء دفعوهم إليها .

3_ (78%) قالوا أنهم على وفاق مع أسرهم ،لكن الشياطين _وطبعاً يقصدون الشياطين البشرية _ هم الذين زينوا لهم تعاطي المخدرات في البداية .

إغـراق الـولـد بالـمال

بعض الآباء يدفع لولده مصروفاً كثيراً ، وربما بدون حساب ، وقد يكون هذا الأب مدفوعاً بعاطفته وحبه لولده ، أو للمباهاة والمفاخرة أمام الناس ، وعندما يجد الولد مالاً كثيراً بين يديه ، يندفع إلى الشهوات ومنها التدخين ، ويكثر الرفاق حوله ، ومنهم من يدور في فلكه من أجل ماله ، وقد يندفع الولد عندئذ إلى التدخين للمباهاة ، أو تعاطي الحشيش لإشباع دافع حب الاطلاع عنده ، وقد يؤدي به الأمر إلى تناول الخمر ليدلل لزملائه أنه أكثر مالاً منهم ، ومتى ولج الخمر أوصلته إلى المخدرات لأنه أم الكبائر ...إلخ.

والأب الحصيف يدفع لولده ما يلزمه ، ويسأل ولده أين صرف أمواله ، ليعود ابنه على أنه سيسأل يوم الحساب عن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه ، وهذه تكفي لما لها من تعويد الأولاد على الاقتصاد ([88]) .

ومن دراسة سلوى علي سليم المذكورة اتضح أن(71%) من الشباب المتعاطين للمخدرات في مصر تعاطوها للمرة الأولى لمجرد حب الاستطلاع ، ولم يعرفوا أن مجرد التجربة ستجعلهم متعاطين دائمين ،ذلك لأن بعضهم _ ربما _ جرب الخمور أو الحشيش قبل ذلك ولم يجعله ذلك التجريب مدمناً ، ويرى الباحث الحالي أن هذا الشاب لولا أنه يتكأ على مال وفير لما خطرت في ذهنه هذه التجارب ، وقد يكون وجود المال الوفير معه هو الذي أغراه بذلك .

كما دلت الدراسة على أن (37%) من المتعاطين ممن وضع لهم آباؤهم أرصدة بأسمائهم في البنوك ، حتى يضمنوا لهم مستقبلاً مضموناً بعد وفاتهم ، وللهرب من الضرائب التصاعدية ، وأكد هؤلاء أنهم يسحبون من أرصدتهم دون علم آبائهم .

ومن العجيب في داء المخدرات أن الفقير يدمن هرباً من هموم فقره ، كما يدمن الثري بحثاً عن لذة موهومة ، ففي الولايات المتحدة _ وهي من الدول الثرية _ كانت نسبة الذين يدخنون الحشيش عام (1962م) (4%) فقط من مجموع السكان ، ولكنها قفزت إلى (64%) عام (1982م) ، كما زاد مدمنو الكوكايين في الفترة ذاتها من (نصف) مليون مدمن إلى (22)مليوناً . فالفقر ورتابة الحياة المصاحبة له سبباً من أسباب التعاطي ، والثراء الناتج عن الحياة الحديثة المعقدة أكل مشاعر الإنسان ودفعه إلى التعاطي .

وفي مصر نجد (20%) من الأسر المصرية تستحوذ على (52%) من الدخل القومي ، بينما (80%) من أسر مصر تحصل على (48%) من الدخل القومي ، وهنا يقع التفاوت ويبحث الفقراء والأثرياء عن المخدرات .

تفضيل الـمال على الأولاد

ومما يساهم في تعاطي الأولاد للمخدرات ؛ إهمال آبائهم لهم ، فالأب مشغول بتجاراته وصفقاته وأسفاره ، ويعلل نفسه بأنه يشقى في جمع المال من أجل أولاده ، ليصبحوا أغنياء ومن علية القوم ، وما درى الأب أن انشغاله عن ولده قد يؤدي إلى انحراف الولد ، وربما التف رفاق سوء حول ابنه ، وجروه إلى تعاطي المخدرات‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍ فأي مال ينفعه عندئذ‍‍ ‍‍‍ ؟

ويتوهم بعض الآباء أن السائق والخادمات والمدرس الخصوصي ، ووكيل الأعمال ، كل ذلك جدير بأن يسد غيبته وانشغاله بصفقاته وتجاراته ، وربما أسفاره وأصحابه . وأثبتت التجارب والبحوث الميدانية أن متابعة الأب لولده لا تعدلها متابعة ، وأن الولد يندفع نحو الصلاح والخير عندما يعرف أن والده مهتم به ، ويندفع إلى رفاق السوء إذا عرف أن والده منشغل عند .

ومن دراسة سلوى علي سليم اتضح ما يلي :

1_ (52%) من الشباب المتعاطين يتغيب آباؤهم عن البيت أحياناً ، أي (68%) من الشباب المتعاطين ممن يتغيب آباؤهم عن البيت ، ويحرمون من توجيه الآباء ورعايتهم .

2_ بالنسبة لعمل الأب تبين أن (28%) من الشباب المتعاطين يعمل آباؤهم في الخارج ، و( 5ر17%) من المتعاطين يعمل آباؤهم بالمهن الحرة ، ومع أن هؤلاء الشباب ميسورون مالياً إلا أن المال لم يستطع أن يعوضهم عن رعاية الأب وعطفه وتوجيهه .

أوقــات الفــراغ

ومن دراسة المرواني (1413هـ) اتضح أن (41%) من متعاطي المخدرات في عينة الدراسة عاطلون عن العمل ، وبالتالي يدفعهم الفراغ إلى القلق فالانحراف . وقد تبين لعلماء النفس أن القلق والاضطراب لدى الشباب ناتجان عن الفراغ وحبس الطاقة الفائضة عندهم ، وليسا حتميين في المراهقة ([89]) ، والقلق والاضطراب الناتجان من الفراغ وتعطيل الطاقة يؤديان إلى الانحراف ، ومن أنواع الانحراف تعاطي المخدرات وقد أجاب (7%) من أفراد العينة في دراسة المرواني (1413هـ) أن الفراغ هو سبب انحرافهم وتعاطيهم للمخدرات ، فيلجأون إلى ملء وقت الفراغ عن طريق المخدرات والسلوك المنحرف لاستثمار وقت الفراغ عندهم .

ويؤيد هذا أن أولاد الحضر أكثر انحرافاً من أولاد الريف ؛ لأن أولاد الريف يعملون مع أسرهم في الزراعة ، ولا يتوفر لديهم أي وقت فارغ . كمل أن انحراف الأولاد في المجتمعات المتقدمة صناعياً أكثر من انحراف الأولاد في البلدان النامية ، لأن الأخيرين يعملون في المجتمعات المصنعة لأن الآلة أخذت مكان كثير من الأيدي العاملة .

ودلت دراسة سلوى علي سليم على أن (79%) من الشباب المتعاطين ينتمون إلى محافظات حضرية ، بينما (13%) ينتمون إلى المراكز . ويعلل الباحث الحالي ذلك بمايلي:

1_ للتغير الاجتماعي في المدينة أثر أكبر منه في القرية ، وبتعبير آخر ، تنتشر الثقافة الغربية في المدينة أكثر من القرية .

2_الشباب في المدينة أكثر فراغاً من شباب القرى ، لأن أبناء القرى يساعدون أسرهم في العمل الزراعي ، ويشغلون أوقاتهم ، بينما يتسكع كثير من الشباب في المدن بدون عمل .

ويعالج ذلك عندما نشغل أوقات الفتيان والفتيات بالنافع المفيد لهم ولأمتهم في دينهم ودنياهم وهذه بعض سبل شغل أوقات الفراغ :

1_ العمل المبكر : وهو أن يلحق الأب ولده في الصيف بأحد محلات البيع أو إحدى ورش النجارة أو الحدادة أو إصلاح السيارات أو الأدوات الكهربائية ... إلخ ، أو أن يساعد الولد أباه في عمله إن كان له مثل هذه الأعمال التي تتطلب المساعدة ، وللعمل المبكر فوائد كثيرة فهذا رسول الله r نشأ وترعرع يتيماً ، وكان في كفالة جده عبد المطلب ثم في كفالة عمه أبي طالب ، ونشأ على الإباء وحب العمل والاعتماد على النفس وممارسة المسؤولية ، وكان يصر على أن يشارك عمه هموم العيش ؛ إذ كان أبو طالب كثير الأولاد قليل المال ، وعندما قرر أن يسافر إلى الشام ابتغاء الاتجار والربح قرر رسول الله r أن يكون معه ، كان عمره إذ ذاك نحو ثلاث عشرة سنة . وقد تعود رسول الله r على حياة الكدح والعمل ، ولم يكن من عادته القعود ، والإخلاد للدعة والراحة ، وقد كان الأنبياء قبله يأكلون من عمل أيديهم ، وقد اشتغل رسول الله r في رعي الغنم في فتوته وشبابه ، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : ( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط أهل مكة ) ([90]) .

2_ حفظ القرآن الكريم : وخاصة إذا بدأ الفتى بحفظه منذ الطفولة ، فيراجعه ويثبته أثناء هذه الفترة ، ويُشجع الفتى على إتقان الحفظ بالقراءة الصحيحة أو القراءات الصحيحة على عالم متخصص . وإن لم يبدأ بالحفظ في الطفولة يشجع على الحفظ في فتوته ، وما زال ذهنه ملائماً للحفظ ([91])أن ا .

3- المطالعة : ومن أفضل سبل الوقاية من خطر الفراغ تعويد الطفل على المطالعة منذ الصغر ، حتى ينشأ على حبها ، وحل المطالعة بحر لا حدود له ، كما أنها أفضل سبل شغل الوقت لكبار السن عند التقاعد ، وحب المطالعة نعمة كبيرة ينعمها الله على عبده المسلم ؛ تحفظه من الجهل ، ومن الفراغ ، ومن الشيخوخة ، وقد يبدأ الوالد بتكليف ولده إعداد بحث ما ، تتوفر مراجعه في البيت ، ويشجعه على إنجازه ويكافئه عليه ، ومع التكرار يعتاد الولد على حب المطالعة .

4_ إعداد قاموس الإنجليزية : ومن الأعمال التي تقضي على الفراغ أن يعد الولد قاموساً للإنجليزية ، وبعد أن يحضر الأب الدفتر المناسب ، يقسمه على أحرف الإنجليزية ، ثم يبدأ بتنفيذ الفكرة من أول كتاب تعلمه الولد ( وهو كتاب أول متوسط في بلادنا العربية غالباً) ، فيضع كل كلمة مرت في هذه الكتب في محلها من القاموس ،مع كتابة معناها العربي ، وتصنيفها اللغوي ( اسم ،فعل ،صفة ...الخ ) وتصريفاتها اللغوية . وهذا العمل أفضل الطرق لتعلم الإنجليزية وللقضاء على الفراغ معاً .

5_ التحضير للعام الدراسي القادم : ومن سبل الوقاية من الفراغ أن يطلب الأب من أولاده تحضير بعض المواد الصعبة ( كالرياضيات ، والقواعد ، والإنجليزية ... الخ ) للعام القادم ، مع الأب أو الأم أو الأخ الأكبر أو مع مدرس ، وقد وجدت معاهد صيفية كثيرة لمثل هذا الغرض ، يلجأ إليها الفتيان للتحضير إلى الشهادات العامة كالكفاءة والثانوية . حتى تجد الأسرة كلها تعلم بعضها بعضاً ، ويشرف الأب والأم على سير ذلك التعليم .

6_ الدعوة والجهاد : ومن أفضل سبل الوقاية من أوقات الفراغ أن يكتب الله للولد الالتحاق بإحدى جماعات الدعوة الإسلامية ، والجهاد الإسلامي، عندئذ يطمئن الأبوان على ولدهما بأنه صار رجلاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، بل صار قدوة في الخير ، وسلك أسرع وأقصر طريق إلى الجنة .

7_ إلحاق الولد بالمخيمات الإسلامية والمراكز الصيفية ، التي تحصنه من رفاق السوء ، وتبعده عن مزالق الانحراف ، كما تشبع لديه حاجة ضرورية في النمو الاجتماعي والنفسي .

سـفر الشـباب إلى الخـارج

ومن أسباب تعاطي الشباب للمخدرات سفرهم إلى الخارج ( بلاد الكفار ) ، حيث يجد الشاب المسلم المحافظ على دينه ؛ الشهوات مبثوثة في كل مكان ، في الفندق والمطعم والشارع ، ولا يكفي ذلك ، بل يجد سماسرة الرذيلة يتلقونه في المطار وأينما حل يعرضون عليه خدماتهم في تأمين ما يريد مما حرم الله ورسوله r . ومن البدهي أن الشاب يعيش منضبطاً بدينه وعقله ومجتمعه ، وحالما يفارق مجتمعه فقد أحد الضوابط التي تحرسه من شياطين الإنس والجن . وقد يجد هذا الشاب عملاء الصهيونية ينتظروه في المطارات الدولية الكبرى ، وفي الفنادق والمطاعم ، يقدمون له المخدرات تحت اسم أي دواء (مسكن للصداع مثلاً ) ، وبعض المخدرات الآن يكفي لتناولها مرة واحدة حتى تحدث الإدمان عليها ، عملاء الصهيونية والصليبية ينتظرون شبابنا بفارغ الصبر ، ليؤدوا مهمتهم وواجبهم في إفساد شبابنا وإدخال سموم المخدرات إلى مجتمعاتنا .

والحـل :

أن تمنع أيها الأب ولدك من السفر إلى بلاد الكفار للسياحة ، وقد صدرت فتاوى من كبار العلماء تبين أنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار للسياحة ، وبلادنا المسلمة جميلة ونظيفة وما زال كثير من شبابنا لا يعرفونها . منطقة عسير الممتدة من الطائف وحتى حدود اليمن ؛ منطقة باردة صيفاً ، وأشجارها دائمة الخضرة ، وفيها مناظر جميلة وخلابة ، ونسيم عليل ، وشعب مسلم ، ومساجد وعلماء ، وترى المصطافين من سائر بلدان الجزيرة العربية يقضون فيها عطلتهم الصيفية ، وقد باشرت الحكومة _ جزاها الله خيراً _ الاهتمام بها وتوفير المرافق الصحية فيها ، كما في السودة ، ودلغان ، في أبها ، وغابة رغدان في الباحة .


الفصل الخامس

إخراج الولد من رفاق السوء

تمهيد :

درهم وقاية خير من قنطار علاج ، ولكن إذا فات الأوان وانخرط الولد في مجموعة من رفاق السوء ، فقد صار الولد على حافة هاوية الهلاك في الدنيا والآخرة ، وهل يقف الوالدان مكتوفي الأيدي يتفرجان على فلذة الكبد كيف تحترق في نار الدنيا ، ويتصورانه كيف يحترق في نار الآخرة !!؟؟ لا شك أن العلاج صعب جداً ، وهو أشبه ما يكون بالعمليات الجراحية ، ولا ينجح فيه غير الأب الحصيف ، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بخبير تربوي . فماذا يفعل الوالدان ؟

خلال إحدى زيارات الأب للمدرسة أخبر بأن ولده ملتف على مجموعة فاسدة ، في المدرسة أو خارجها ، وقد تبين ذلك للمرشد الطلابي أو غيره من المدرسين ، أو شاهد الوالدان ابنهما مع بعض الرفاق ، وبعد البحث عنهم تبين أنهم أولاد سوء ، فماذا يفعل الوالدان ؟

اللـجـوء إلى الله

أول ما يخطر للمسلم عندما يقع في ملمة اللجوء إلى الله ، فيدعوه ليلاً ونهاراً أن يرفع عنه ذلك البلاء ، ويكثر الوالدان من الاستغاثة بالله عز وجل ويلحان في طلب المعونة لإبعاد ابنهم عن رفاق السوء .

ثم يذكر الوالدان هذا الولد بلطف ولين ، ولغة يبدو فيها العطف والخوف على مستقبل الولد ، يذكرانه بالنصوص الشرعية التالية :

يقول عز وجل }ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً ، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً {_ الفرقان :28 ،30 – وقوله سبحانه وتعالى : }ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً {_ الكهف : 28_ . وقوله r : ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد : لا يعدمك من صاحب المسك ، إما ان تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة ) ([92]) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي r : ( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ([93]) . والأحاديث الشريفة في الحث على مصاحبة المؤمن والابتعاد عن مصاحبة الفاسق كثيرة ([94])‍‍ .

حـدود الحـريـة

ينبغي للوالدين أن يزرعا في عقول أولادهم منذ الصغر أن الحرية محدودة ومن حدودها الشرع والعقل والمجتمع ، فليست حرة تلك الأفعال المخالفة للشرع ، وليست حرة تلك المخالفة للعقل أو المجتمع .

بل إن الحرية الحقيقية هي ما وافق هذه التعابير الثلاثة ، ويضرب الأب لأولاده المثل التالي:

ينتقي الإنسان أصحابه على ضوء ما يفهم من الشرع ، وما يدله عليه عقله من مطابقة الواقع على الشرع ، وما يسكت عنه الناس ولا يرونه شاذاً فيستنكرونه حسب العرف السائد . وسمعة المرء محصلة لمدى فهمه هذه المقولة ، إذ للمرء سمعة مشتركة مع أسرته كلها ، والمجتمع يقيم الفرد ويعمم نتائج التقييم على أسرته كلها ، لذلك يجب على الفرد مراعاة القيم والأعراف الاجتماعية ( التي لا تخالف الشرع ) حفاظاً على سمعة أسرته . ومنها أن لا يصاحب المنبوذين من المجتمع ، وإذا وعى الأولاد ذلك فسيسهل على الوالدين إقناعهم بالابتعاد عن رفاق السوء . لأنهم يفهمون أنهم ليسوا أحراراً عندما يصاحبون الأشرار .

الـحوار الـهادئ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍

قد يصعب على الأب أن يرى ولده يحترق ، ويتصرف معه بهدوء ، لكن العنف والتوتر سيؤديان عكس ما يريد الأب ، سيتشبث الولد برفاقه ليثبت أنه رجل وليس طفلاً ينتقي له والده أصحابه . والأب الحصيف يتصرف بهدوء وحسب خطة ليقنع ابنه بأن الخير له في الابتعاد عن هؤلاء الرفاق ، وليتدرب الأب على الحوار مع أولاده منذ صغرهم ، فيبين مساوئ رفاق السوء ، وفشلهم في المدرسة ، وإهمال واجباتهم الدينية والمدرسية ، وسوء أدبهم مع أسرهم ، ويجتهد الأب للحصول على معلومات وافية عنهم قبل اتخاذ القرار لإخراج ولده من شلتهم . على أن يقدم هذه المعلومات على شكل نصائح غير ملزمة ، دفعه إلى تقديمها حبه لولده .

تأمـين مجموعـة من البدائـل قبل الـحوار

دأب بعض الآباء على منع أبنائهم من اللعب مع رفاق السوء ،أو مشاهدة برامج التلفاز ... أو .. دون تأمين البديل الإسلامي لما ينهون عنه ، لأن المنع حبس لطاقة متفجرة يستحيل حبسها وستنفجر أخيراً ، والصحيح صرف هذه الطاقة في قنوات مشروعة نافعة ، فيؤمن الأب رفاق الخير لولده _ كما بين سابقاً _ قبل أن ينهاه عن رفاق السوء ، ويوفر له برامج إسلامية بواسطة الفيديو قبل أن ينهاه عن برامج التلفاز .

وفي مجال الرفقة يوفر الأب لولده صلات وزيارات ومخيمات ...الخ _ كما بين سابقاً _ ثم يحاوره في انتقاء أصحابه ممن يشاء من هؤلاء ، يذكر له عشرين أو ثلاثين اسماً من هؤلاء الأخيار ويقول له : أنصحك بانتقاء أصحابك من بينهم ، وهؤلاء أفضل من رفاق السوء فلان وفلان ... وهكذا يتصرف الأب مع ولده ضمن الحرية المحددة .

ويكثف الوالدان عندئذ من وسائل تأمين الجليس الصالح ، ومنها على الأخص : إلحاق الولد بمخيم إسلامي ، أو رحلة إسلامية ، أو درس ونشاط دعوي إسلامي ، وهذه البدائل ستساعد الولد على ترك رفاق السوء إن شاء الله تعالى . ومنها حث بعض الأقران الصالحين على مصاحبته ، وتشجيعهم على ذلك بدعوتهم إلى المنزل وإكرامهم ، وتكرار الزيارات لهم في بيوتهم . ومساعدتهم على إقامة أنشطة مشتركة كالرحلة أو ألعاب جماعية ... إلخ .

نقل الولــد من المدرســةأأ

وإذا كان رفاق السوء الذين التحق الولد بهم من زملاء المدرسة ، وممن لا يمكن أن يلتقي بهم في غيرها ، يسارع الأب إلى نقل ولده من هذه المدرسة في أي وقت من العام الدراسي ، حتى لو أدى ذلك إلى ضياع سنة دراسية عليه ، وهذه السنة أهون من ضياع الولد طول حياته ، وربما تضيع آخرته . ويفضل أن يتعلل الأب بأسباب أخرى للنقل لأن فتيان يتضايقون جداً إذا تدخل الوالدان في انتقاء أصدقائهم .

نقـل مسـكن الأســرة من الحي

وإذا كان رفاق السوء الذين التحق الولد بهم من سكان الحي ، وممن لا يمكن لولده مخالطتهم في غير هذا الحي ، فلا يتأخر الأب في نقل مسكن أسرته من هذا الحي إلى آخر فيه رفاق خير ، وفيه مسجد نشيط ، وتكثر فيه الأسر الملتزمة بإسلامها ، وقد يضطر الأب إلى بيع داره في هذا الحي وشراء دار أخرى ، وما فيه من التعب والمشقة وربما التكلفة المالية ؛ لكن ذلك أهون من ضياع أحد أولاده ، فالولد هو الثروة الحقيقية للأب وللمجتمع في الدنيا والآخرة . وقد انتقلت أسر مسلمة من أوربا أو أمريكا أو كندا وترك الأب المسلم عمله الممتاز فيها عندما صار أولاده في مرحلة الأقران ، خوفاً من التحاقهم بإحدى مجموعات السوء الكثيرة هناك .

وأخيراً يلاحظ صعوبة العلاج ، وهو كما أسلفت أشبه بالعمليات الجراحية ، وسبب ذلك إهمال الوالدين الإرشادات التربوية اللازمة من أجل توفير الجليس الصالح لأولادهم منذ الصغر ، ودرهم وقاية خير من قناطير علاج .

عـلاج المدمـن على المخـدرات :

يقول الطبيب النفسي عادل صادق :

1_ الإدمان له علاج ، وكل مدمن يمكن علاجه وشفاؤه مع تحفظ واحد هو صعوبة علاج (السيكوباتي) ([95]) .

2_ ومن المعلوم أن إنقاذ مدمن يحتاج إلى صبر ، واستمرار بدون توقف ،إذن إن العلاج ليس هو التوقف عن التعاطي ، وغنما هو الاستمرار في التوقف ، ولا يكون ذلك إلا بعلاج الأسباب التي تدفعه إلى التعاطي ، فالإدمان ليس هو المرض ، وغنما هو عرض للمرض .

3_ والمعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب ، وإنما هو إنسان قريب منه يحبه ، ولا يمكن علاج مدمن على الإطلاق بدون وجود هذا الإنسان في حياته ، وإذا خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يشفى ، بل سيتمادى حتى الموت .

4_ ولا بد من إسهام المدمن نفسه في خطة العلاج .

5_ بداية العلاج يكون في شكل رسالة إلى وجدان المدمن محتواها : أننا نحبه ، ولا بد أن نعبر له عن حبنا له بطريقة ما ، عندئذ يكون الحوار ممكناً معه .

6_ الحوار الصريح مع المدمن ، وهدم جدار الصمت ليقول ما عنده .

7_ الوقوف بحزم فيما يختص بالنقود ، فأي درهم مال يعطى له تآمر على قتل نفسه .

8_ مراجعة الطبيب الذي يتعرف على الحالة بكل تفاصيلها من المدمن وأسرته ، ثم يصف العلاج ويشرح طريقة العلاج للمدمن ولأسرته ، ولا بد أن ينال الطبيب ثقة المدمن وحبه له .

9_ بعد خروج المدمن من المستشفى ، يعود لتشرف عليه أسرته التي تجتهد في إزالة الأسباب التي تدفعه إلى التعاطي ([96]) .

مستشفيات الأمـل

مستشفيات متخصصة في علاج المدمنين على المخدرات ([97]) وجميع دول العالم لا تعاقب المدمن الذي يسعى نحو العلاج ، وإنما تشجعه وتقدر ظروفه ، ويمنح هؤلاء خلال فترة العلاج الضمانات التي تحميهم من خدش كرامتهم وتكتم أسرارهم محافظة على مراكزهم الاجتماعية . ويتقدم المريض مباشرة إلى قسم الاستقبال في المستشفى فيبدأ العلاج دون عقاب . وقد يستمر العلاج بمراجعة العيادات الخارجية تحت إشراف الطبيب النفسي والأخصائي الاجتماعي ، أو ينوم المدمن في المستشفى ليعالج جسدياً ونفسياً من الإدمان .




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها