الديمقراطية من اليونان الى ديمقراطية الانترنت

باسل عبد المحسن القاضي

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

لاشك ان عصرنا في كل عشر سنوات تطلق عليه صفة تسمه بسمة معينة فهو عصر الكهرباء وعصر النفط وعصر الذرة وعصر القلق وعصر الحروب العالمية وعصر غزو الفضاء وصولا الى عصر الجينوم البشري والهندسة الوراثية والاستنساخ وعصر العولمة واخيرا عصر الانترنت ، وكل يوم نجد اكتشافا خارقا يدعونا لان ندعو عصرنا به، واليوم فإن عصرنا لايمكن ان نهمل اهم صفة سياسية واجتماعية للنظام العالمي الجديد فيه الا وهي صفة الديمقراطية خاصة وان هناك من الباحثين من يعدّ النظام السياسي للديمقراطية الليبرالية هو نهاية التاريخ مثل فوكوياما وآخر يتحدث عن ان صراع حضارة الديمقراطية الغربية مع نظام الاسلام السياسي سيكون حتما صراعا تنتصر فيه الحضارة الغربية بنظامها الليبرالي الديمقراطي .

ان النظام الديكتاتوري الشمولي اخذ يغادر العالم خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتوزع دوله الى ما نشاهده اليوم ، وخلال عقد التسعينات من القرن العشرين تحولت اكثر من خمسين دولة في العالم الى النظام الديمقراطي وتشمل دولا من مختلف القارات كاوربا الشرقية وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بل ان الاتحاد السوفيتي نفسه لم يكتف بالتحول عن الشيوعية فقط، بل اخذ يمارس الديمقراطية في شكلها الجديد سواء على المستوى الاقتصادي او الاجتماعي مع وجود حزب شيوعي له اكثرية برلمانية معروفة .

ان الدعوة الى الديمقراطية بدأت تأخذ وجها آخر لم يكن لها من قبل؛ ألا وهو الفرض من الخارج على النظم الديكتاتورية وتغييرها بالقوة استنادا الى معطيات دولية معينة منها الدفاع عن حقوق الانسان واتفاقيات الامم المتحدة الخاصة بها ومنها محاربة الارهاب الدولي ومبررات واسباب بعضها حقيقي وبعضها مفتعل لأغراض أخرى غير المعلنة، ولكن شعار الديمقراطية هو المرفوع عليها أي على تلك السياسة، وبغض النظر عن المصداقيات فلا يمكن انكار حقيقة ان الديمقراطية شعار مرفوع ويطالب به كل من اراد ان ينظم الى بعض الاتفاقيات الدولية او الاتحادات كما هو الحاصل مثلا مع تركيا في محاولتها الانضمام الى الاتحاد الاوربي .

ان المجتمع الدولي وهو يتحول الى العالم الجديد الذي تتحكم فيه معطيات العولمة بكل معانيها اصبح يضع شروطا لقبول الدول في النادي الخاص به الذي يجب ان يشمل كل من يسكن على هذه الارض، ولذا فيجب على الدول ان تتكيف مع مواثيق ومعاهدات واتفاقيات الامم المتحدة والا فانها ستطرد من المجتمع الدولي وتعدّ غير شرعية وستحارب بمختلف الطرق الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية اذا ما حاولت مثلا ان تمتلك اسلحة دمار شامل او تصنع اسلحة ممنوعة في اتفاقيات الدول الكبرى او ما شابه ذلك.

لقد غزت أمريكا أفغانستان باسم محاربة الإرهاب ولاتهامها بإيواء منظمة القاعدة التي المتهمة باحداث 11سبتمبر –وها هي اليوم تغزو العراق محررة ثم تعلن عن احتلالها له لفرض نظام ديمقراطي ينسجم مع معطيات العصر وتقول انها ستبني عراقا جديدا يعدّ نموذجا لدول المنطقة كلها التي وضعت لها سياسة للتغيير على مراحل لكي تؤهلها ديمقراطيا للعصر الجديد ولكي تقضي على مكامن الارهاب الدولي التي تتهمها بها، فإيران على الخارطة الجديدة وسوريا على الخارطة وكل دول المنطقة، كما انها من جهة اخرى تحاول ان تدجن كوريا الشمالية من خلال نزع سلاحها النووي الذي يخيفها.

ان مجموعة معطيات اخذت مجالها في الفكر السياسي اليوم جعلت من العراق الساحة التي تريد امريكا ان تروجها كنموذج للديمقراطية في المنطقة فهل تراها ستنجح في ذلك بعد اقدامها ونجاحها في الخطوة الاولى الا وهي اسقاط النظام السابق الذي اتهمته بامتلاك وتصنيع اسلحة الدمار الشامل بل واستعماله لهذا السلاح حتى على ابناء شعبه…؟

ان العراق لم يمارس الديمقراطية في تاريخه السياسي الا لمدة قصيرة في ظل الحكم الملكي وكانت هذه التجربة عليها مؤاخذات كثيرة أفقدتها المعنى الديمقراطي الحقيقي، كما ان العراق لم يتحول الى الديمقراطية عبر تغيير ثوري او انقلاب داخلي على النظام السابق بل هو يتحول تحت إشراف قوة احتلال أمريكية مما يطرح تساؤلات حقيقية عن إمكانية الديمقراطية في ظل الاحتلال وإمكانيات ممارسة الحرية في ظل السلطة المقيدة وقد يستشهد لوجهة النظر الامريكية لمثل هذه الحالة بما فعلته باليابان بعد احتلالها وما فعلت بكوريا الجنوبية وحتى بألمانيا على انه على الرغم من التشابه الشكلي في الممارستين في الذهنية السياسية الأمريكية الا ان هناك ميزات واختلافات وخصوصيات للعراق شعبا وجغرافية وثروة يختلف بها عن هذه النماذج مع ملاحظة طابع العصر اليوم عنه في منتصف القرن الماضي .

ان شعب العراق شعب مسلم حيث يذكر ببعض الإحصاءات ان 97% منه على دين واحد والإسلام اليوم متهم بالإرهاب ومساحة المسلمين في العالم الذين يتعاطفون مع هذا الشعب مساحة كبيرة وموقع العراق الجغرافي في وسط حيوي جدا في السياسة الدولية فحوله دول مختلفة منها تناصب العداء لأمريكا ومنها متهمة بالإرهاب كما ان منها ما هو متعامل معها وعضو في بعض منتدياتها العسكرية وللدول الغربية الأخرى مصالح عديدة في العراق وما حوله مما قد يخلق وضعا متوترا فيه، وكذلك فان في العراق ثروة يسيل لها لعاب الدول الكبرى هي النفط والذي هو ليس ثروة اقتصادية فقط وانما أداة سيطرة وقوة تحكم أيضا واذا أضفنا الى هذا خصوصية العقلية السياسية في العراق التي تتميز بالخضوع لفترة طويلة لتثقيف أحادى الاتجاه وصلب التحيز حتى أصبحت عقلية مغلقة على آرائها التي تعتقد بها كما ان طبيعة الشخصية العراقية قد استلبت نفسيا وفكريا وثقافيا عبر أيديولوجيا دامغة للآخر وغير معترفة به مما يشكل صعوبة استثنائية على الممارسة الديمقراطية المرنة التي تقوم أساسا على الاعتراف بحق الاختلاف..

ان كل ما تقدم يجعل الممارسة الديمقراطية في العراق على المستوى الشعبي اقرب الى المستحيل منه الى الممكن فكيف ستكون الديمقراطية العراقية امام تحدي العلمانية لشعب مسلم؟ وكيف ستكون الديمقراطية الفدرالية عبر قوميتين واثنيات اخرى قامت بينهما حروب؟ مما يطرح مسألة خطورة التقسيم وهو ما تعارضه حتى الدول المجاورة لخوفها من انسحاب الموقف على شعبها كما ان هذه الفدرالية قد تقود الى قيام دولة شيعية في الجنوب لأكثرية هذه الطائفة فيها وهو من المستحيلات امريكيا رغم انف الديمقراطية ومبادئها، ترى فما هي مقومات الديمقراطية عراقيا اذا لم تكن علمانية ولا فدرالية؟ واي معنى لرأي الشعب في نظامه الذي سيدلي برأيه فيه عبر الدستور الجديد؟ وهل ستوافق القومية الكردية على التراجع عن المضمون الفدرالي الذي تعلنه في كل وسائلها الرسمية والإعلامية؟ وكيف ستتصرف اذا كان الاستفتاء فرضا جاء لغير صالح الفدرالية وهو رأي ديمقراطي لا ينازع؟

من كل ما تقدم نجد ان الديمقراطية كمفهوم وممارسة، كنظرية وتطبيق تحتاج إلى ابتكار صيغ جديدة تناسب الواقع العراقي الجديد ويجب على هذه الديمقراطية ان تناسب الجسد العراقي وهو ما رأيناه في كثير من شعوب دول العالم الثالث التي انطلقت الى الديمقراطية بخصوصياتها القومية والشعبية وحتى الفولكلورية حيث وظفت حتى المجتمعات القبائلية والعشائرية بهياكلها التنظيمية فجعلتها ضمن ديمقراطيتها كخصوصية وطنية لها وهو ما لم يعترض عليه حتى امريكيا فهناك تجارب يمكن الاستفادة منها في هذا المجال فما دامت الديمقراطية منهجا مفتوحا على المستجدات – وهذا سبب نجاحها تاريخيا – فانها تستوعب الإنسانية جمعاء على ان تكون بلا وصاية خارجية ولا احتلال أجنبي طويل الأمد فهل ترى سينجح العراق في تجربته هذه ام لا؟

ان هذا الكتيب يطرح احدث المعلومات عن الديمقراطية في عصر العولمة والإنترنت وما يسمى النتوقراطية او ديمقراطية الإنترنت ويتحدث عن تحديات الديمقراطية ليس في العالم الثالث فقط وانما في امريكا واوربا ايضا ويصف محاولات شحن الديمقراطية الامريكية بقوة دفع عن طريق احياء مؤسسات المجتمع المدني التي أخذت تتآكل وتفرغ من معناها بعد طول ممارسة كما ان البحث عن المعنى للحياة خارج المفهوم الديني ما زال يؤثر سلبا في المجتمع الأمريكي مما جعل بعض علماء الاجتماع يطالب بعودة جديدة الى القيم الدينية لخلق إسناد أخلاقي للمجتمع في القرن الحادي والعشرين، أما فوكوياما الذي ما زال يعتقد بصدق نظريته في نهاية التاريخ فقد ظهرت انتقادات للديمقراطية الليبرالية التي يؤمن بها وضعتها امام احتمال تجاوزها الى ديمقراطية الانترنت والتي هي الديمقراطية المباشرة لكل الشعب كذلك ظهرت تحديات امام الديمقراطية الاوربية جعلها تختار التركيز على الجانب الاقتصادي للديمقراطية حتى وصفت بالاشتراكية الديمقراطية كما هو الحال في فرنسا والمانيا وبريطانيا مما عزز فكرة الطريق الثالث للديمقراطية وهو بين الليبرالية والاشتراكية، وسيتبع هذا الكتيب كتيب آخر عن اشكالية العلاقة بين الاسلام والديمقراطية ثم يتبعه آخر عن العراق الديمقراطي اسلاميا وليبراليا وعسى ان تكون هذه الكتيبات مساعدة للقاريء العراقي خصوصا لكي يفهم حقيقة الديمقراطية نظريا قبل ان يمارسها تطبيقيا .

واخيرا فان مصادر هذه الدراسات الثلاث كان الانترنت في اكثر من 90% منه وخاصة عروض الكتب الجديدة الصادرة في العالم الغربي خاصة والمترجمة الى اللغة العربية والتي لم يحتفل بها السوق العراقي بعد وقد كانت طريقة العرض ذات طابع وصفي لا نقدي ولا تحليلي من باب اننا نعرض لما كتب كما هو سوى رأي المؤلفين والكتّاب انفسهم في ما يطرحونه من انتقادات.

شيء عن المصطلح والتعريف

لا شك أن كلمة الديمقراطية من اكثر الكلمات غموضا وشيوعا في التداول الثقافي والشعبي وكما قال عالم السياسة بيرنارد كريك (إن كلمة الديمقراطية هي اكثر الكلمات اضطرابا وغموضا فهي مصطلح قد يعني شيئا بالنسبة لكل شخص بحيث تكون هناك خطورة بأن تصبح الديمقراطية كلمة بدون معنى) وإذا كانت الديمقراطية لغة تعني حكم الشعب نفسه بنفسه وكانت هذه الكلمة قد ظهرت في العصر اليوناني لوصف نظام سياسي واستمرت اكثر من قرنين من الزمان ثم اختفت إلا أنها عادت وظهرت مع الثورة الفرنسية عام 1789ميلادية إلا أن مفهومها عبر هذه السنوات العديدة قد دخلت عليه إضافات تتناسب وتطور المجتمعات التي تطبقها مما ادخل الغموض والتنوع اللانهائي على معناها حتى نرى الدكتور سمير أمين يقول عنها ( ليس مفهوم الديمقراطية مفهوما علميا يمكن بالتالي تعريفه تعريفا وحيدا دقيقا لا يقبل المناقشة والشك، بل كلمة الديمقراطية هي مجرد تعبير لغوي مائع يتغير بتغير المتحدث والظروف ورغم ذلك فالإنسان – أي إنسان- يحس تماما إذا كان المجتمع المعين الذي يعيش فيه (ديمقراطيا) حسب رأيه أم غير ديمقراطي، وينطبق ذلك على الفلاح الأمي كما ينطبق على المثقف المتغرب ولكن مفهوم الفلاح لماهية الديمقراطية أو عدمها قد يختلف عن مفهوم المثقف – أزمة المجتمع العربي ص135)

لقد وصل الخلاف إلى الاختلاف حتى على الكلمة والمعنى في النقاشات التي تدور في العقل الأوربي ذاته حتى ادخلها الكاتب روبرت هـ ثاولس في باب التفكير الأعوج حيث قال (إن النزاع اللفظي قد يكون حول كلمة –الديمقراطية- في حين أن النزاع الحقيقي يكون حول الديمقراطية، أي حول نظم الحكم التي هي مدلول كلمة – الديمقراطية، وإذا كنا نظن أننا نتناقش عن الديمقراطية في حين أن موضع الخلاف في الحقيقة هو على كلمة الديمقراطية فإننا نكون في ذلك قد خلطنا في الأمر وحسبنا خطأ النزاع اللفظي بأنه نزاع واقعي – ص90 التفكير المستقيم والتفكير الأعوج).

وهكذا نرى أن الديمقراطية كما يقول علي المؤمن في بحث له عبر الإنترنت مفهوم- فضفاض ساهم في إثرائه عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكرين السياسيين كل حسب نظرته لهذا المفهوم فجاء إطارا كبيرا يجمع في داخله العديد من التيارات الفكرية التي تتفق على بعض الخطوط العامة وتختلف في معظم التفاصيل بيد أن الديمقراطية تبلورت بمرور الزمن في الديمقراطيات الحديثة المطبقة –بشكل أو بآخر- في الغرب وعرفت بالديمقراطية التقليدية الغربية- .

لقد كان جان جاك روسو قد تحدث عن أن الديمقراطية مستحيل تطبيقها بدقة وقال إنها لم توجد ولن توجد أبدا بعد أن وصفها بالمثالية وانه لو كان هناك شعب من الآلهة لحكم نفسه بطريقة ديمقراطية لان هذا النوع من الحكم –كما يقول- بلغ حد الكمال لا يصلح للبشر ويقول ( إذا أخذنا عبارة الديمقراطية بكل معناها الدقيق نجد أن الديمقراطية لم توجد أبدا ولن توجد أبدا فمما يخالف النظام الطبيعي أن يحكم العدد الأكبر وان يكون العدد الأصغر هو المحكوم ولا يمكن أن نتصور بقاء الشعب مجتمعا على الدوام للنظر في الشؤون العامة ونستطيع أن نرى بسهولة انه لا يمكن إقامة لجان من اجل ذلك دون تغيير في شكل الإدارة ) أي أن الديمقراطية المباشرة كانت مستحيلة التصور حتى في عقل جان جاك روسو وهكذا تحولت الديمقراطية إلى ديمقراطية غير مباشرة عبر الأسلوب التمثيلي والبرلماني .

لاشك أن الديمقراطية كما يقول أحد الكتاب (عملية متعددة الأوجه ذات أبعاد متشابكة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية جوهرها توسيع دائرة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات والرقابة الفاعلة على تنفيذها وذلك على جميع المستويات وفي مختلف الميادين لكنها لن تتجسد حقوقيا ومؤسسيا إلا حين تجد فيها أوسع قطاعات الشعب مصلحتها فتطالب بها وتعمل على تحقيقها وصيانتها لذلك يكون من الوهم الاعتقاد بان الحريات والديمقراطية تأتي هبة من الحاكم أو تفرض فرضا من خارج المجتمع – ص6 الثقافة الجديدة ع303-2001), .

واليوم ونتيجة لكثرة المستجدات على الممارسة الديمقراطية عموما وفي العالم الثالث خصوصا وتركيزا لهذا المفهوم على خصائص معينة لتحديده وجدنا مكتب البيت الأبيض عام 1993يحدد خمس مبادئ أساسية يمكن من خلالها الحكم على الديمقراطية في أي مجتمع ، هذه الخصائص هي حرية الانتخابات ونزاهتها، حقوق المعارضين السياسيين في العمل بحرية كاملة، وضع قيود على السلطات التعسفية للدولة وبخاصة أعمال القبض والاحتجاز والتعذيب ضمن أشياء أخرى، وحقوق المواطنين في التنظيم في اقليات في العمل او حول اهتمامات اخرى وقضاء مستقل للرقابة على سلطة الدولة، واكد المكتب على انه فيما يتجاوز هذه النقاط فان هناك مجالا كبيرا لاختلاف التطبيقات الديمقراطية...

وعلى الرغم من أننا في الوطن العربي نكاد لا نجد حزبا يساريا أو محافظا أو قوميا أو اشتراكيا وحتى ماركسيا إلا ويستخدم في أهدافه لفظ الديمقراطية كشعار إلا أننا بالمقابل لا نكاد نجد نظاما واحدا يطبق مفاهيم الديمقراطية الحقيقية في مجتمعه وهذا ما ادخل كثيرا من التشوهات على مفهوم الديمقراطية ذلك الشعار الفضفاض غير المحدد حتى وصل القول إلى أن الديمقراطية غير صالحة لهذه البلدان لاسباب عديدة لعل أولها عدم فهم حقيقة الديمقراطية وآخرها عدم الإيمان بها حقيقة لأنها كما تقول بعض الأحزاب الدينية بضاعة غربية استعمارية فهي كفر على وفق قناعاتهم؛ فهل الديمقراطية حقا لا تصلح للمجتمعات الدينية وكيف تعاملت مع المسيحية التي كانت تحكم البلاد قبل وجودها وكيف تفهمت المسيحية الديمقراطية وتعاملت معها ؟

الديمقراطية والمسيحية:

حينما افتقد الغرب المفاهيم الميتافيزيقية الغيبية للدين نتيجة تعلقه بالعلوم الطبيعية وما توصلت إليه من حقائق علمية، وفي نفس الوقت مارس السلوك الديمقراطي حتى أصبحت حياته عبر السنين الماضية مطبوعة بالطابع الديمقراطي هذا، لم يكن يفتقد لمعالجة آلامه النفسية إلا البعد الديني الروحي العميق الذي كانت المسيحية قد استوعبت فيه كل آلام البشر ومعاناتهم، ولما كانت المسيحية قد تحولت بفعل الديمقراطية إلى أخلاقيات سلوكية فقط متناسية الجانب الروحي الغيبي حيث اصبح الطلاق واقعا بين الكنيسة والسياسة فقد أصبحت النفسية الغربية بحاجة إلى سلم جديد للقيم يكون مرجعا لتقويم السلوك الأخلاقي الديمقراطي في ضوئها، من هنا طرحت مفردات المواطنة والسلوك الحضاري للتعبير عن هذه المرجعية بما تعنيه من مضامين ديمقراطية تجعل الحقوق الفردية في حدودها المعينة، وهكذا وجدنا أن السلوك الحضاري بهذه المعاني يسمح للأخلاق الحميدة التي يعبر عنها بالمجاملة بحيث يمكن قيام تعاون بين أشخاص ذوي نزعات مختلفة ومتعادية على الأغلب فالمجاملة ضمن المفهوم الديمقراطي هي سلوك حضاري يسمح بعمل المتخاصمين في هيئات تشريعية تمارس سياسة مصلحة خاصة من دون حصول خلافات [تقاطعات سلبية] فالمجاملة تسمح هنا بتحقيق الأغراض الخاصة لبعض الأشخاص من دون أن يكون هناك اتفاق بين الجميع وبالرغم من عدم توافقهم يظل الأفراد المتنافسون على علاقات ودية بعضهم ببعض أي أن السلوك الحضاري وفق المنهج الديمقراطي يتكون قبل كل شيء من الأخلاق الحميدة حيث تقول القاعدة الأولى فيه : كل عمل تقوم به في الرفقة يجب أن يكون في نفس الاحترام لأولئك الآخرين وكان جورج واشنطن يؤكد على مفهوم الضمير وهو يثقف المجتمع الأمريكي على الديمقراطية حيث كان يقول ( اعمل على أن تبقي في صدرك تلك الشرارة الصغيرة من النار السماوية التي تدعى الضمير) كما كان يؤكد على أن يكون السلوك الحضاري (نوعا من الشرف أو الاهتمام بالشرف، والشرف من دون مبادئ سيكون عارا أما الشرف الحقيقي فيكمن في القيام بالأعمال العادلة النبيلة حبا بها لذاتها وليس من اجل أي مكافآت عرضية غير ذات قيمة –ص84-السلوك الحضاري والمواطنة).

لقد امتدت الممارسة الديمقراطية إلى مساحة كبيرة من العالم كما امتدت إلى مساحة كبيرة من الفكر حتى تحولت إلى أشبه ما يكون بديانة للعالم الغربي الذي حلت له الديمقراطية في عصر النهضة والتنوير مشكلة الطائفية المسيحية من بروتستانتية وكالفنية وكاثوليكية وغيرها، لقد وصف القرن العشرون من قبل كثير من الفلاسفة بانه قرن القلق بسبب غياب الروح الدينية التي تشفي النفوس وتملأ الروح بالمعاني الميتافيزيقية الغيبية حتى قال عنها بريتون يصفها في كتابه تشكيل العقل الحديث ( أن المعتقدات الجديدة يعوزها الثراء والعمق في إدراك حقيقة البشر الموجودان في الديانات القديمة ومن ثم نراها عاجزة عن حل مشكلة الإنسان حين تحدق به الشدائد فلا تمنحه السلوى والعزاء مثل الديانات القديمة حيث أن البشرية حتى في الغرب لم تقو على تبني النظرة المأساوية من دون عون عقيدة ذاتية غيبية، ولهذا يتعين على الديمقراطية أن تهتدي بصورة ما إلى سبيل لشفاء النفس إذا لم يكن لزاما عليها أن تعود إلى المسيحية وهذا ما يريده الكثيرون اليوم –ص387 تشكيل العقل الحديث).

وتظهر الروح المسيحية الدينية كحقيقة حينما نرجع إلى تأكيد العلماء أن ثمة شيئا لا يتغير أبدا ليس شيئا من التاريخ ولكنه لا يزال بعضا منا ولكن يبدو واضحا أننا معشر البشر نتشبث باليقين فأولئك الذين أضاعوا اليقين المسيحي حاولوا على الفور البحث عن يقين علمي أو يقين تاريخي أو أي يقين يكتشفونه في أي مكان، ونحن-كما يقول العلماء- نتشبث بالعلم الكامل الشامل الذي يحيط بكل شيء كصنو لليقين، ننشد قوة عليمة تحيط بكل شيء علما إن لم يكن الله ويؤكد البعض أيضا أن أهل الديمقراطية التشاؤمية إذا ارتابوا في النزعة النسبية الكاملة والمطلقة فيما يتعلق بالقيم فسوف يكون عسيرا اشد العسر إقامة مثل هذه الديمقراطية في عصرنا ، ويصلون إلى القول إذا كان لابد من دين جديد فان التاريخ الغربي كله يوحي بان هذا الدين لن يأتي على يد المفكرين بل عن طريق مصدر آخر أكثر تواضعا وانه سيكون ولو إلى حين على الأقل أمرا شديد العسر على نفوس المفكرين الرسميين ، ويصل العلماء إلى القول ( إن الديمقراطية المثالية أي ديمقراطية مؤمنة (بالمعنى السامي للعقيدة الدينية) قد تكون أمرا ممكنا على الرغم من أن ديمقراطية كهذه قد يكون عسيرا عليها أن تلائم إرثها الدنيوي والعلمي مع العقيدة الأخروية -ص387 ن م).

إن المفاهيم التي طرحت السلوك الحضاري للديمقراطية قد حاولت هضم المفاهيم المسيحية وتوظيفها لحسابها من دون البعد الغيبي والروحي لها وانما لضبط السلوك الإنساني المطلوب للديمقراطية، ونقطة الانطلاق في المفهوم الديمقراطي للسلوك الحضاري هذا يذهب إلى التبرير التالي (السلوك الحضاري المبني على فصل الكنيسة عن الدولة يعني بأن الوحي لا يطبق بالقوة ليبطل احتجاجات العقل البشري، كما يعني أن لا يجبر العقل على إصدار أحكام على ادعاءات الوحي، وهكذا تؤكد حدود الحكمة البشرية عدالة الحكومة المحدودة والمواطنة وسلوكها الحضاري –ص87 السلوك الحضاري والمواطنة).

إن المفهوم العلماني للديمقراطية والفصل بين الكنيسة والدولة في رأي الديمقراطيين ( لا يجب أن يعني فصل الأخلاق عن السياسة أو القيم عن الوقائع، بل يجب أن يعني انه يوحد الأخلاق المدينية والتعليم الأخلاقي للدين من خلال كلمة الضمير) بل ان المفهوم الديمقراطي للسلوك الحضاري يذهب إلى ان هناك حق اسمه حق الضمير حيث انه (لا يمكنه –حق الضمير- ان يأمر بأي أمر مناقض للقانون الطبيعي فحق الضمير نفسه هو أحد حقوق الإنسان الطبيعية ولابد ان يمارس على نحو يتناسق مع باقي الحقوق) لقد كان جورج واشنطن يذهب إلى ان الدين والأخلاق ليسا مجرد وسائل للازدهار السياسي فقط انهما العمودان العظيمان للسعادة البشرية والسعادة شرط او نشاط تستدعيهما الأخلاق والدين ومن دونهما لن يكون الإنسان سعيدا سعادة حقة مع انه يسلم بان تأثير التعليم المهذب على العقول بنية معينة قد يسمح للأخلاق وحدها في ان تكون كافية في حالات قليلة جدا، ويؤكد الدارسون ان السلوك الحضاري اصبح هو النقطة التي جرى عندها استمالة التقاليد الكلاسيكية المسيحية في السياسة الغربية والتي ظلت في حالة توتر لمدة طويلة حيث تم اللقاء في النهاية التقاء اعتمد على إجراء تعديلات أساسية على كل منهما والذي ظل اقل بكثير من الاتحاد التركيبي وبكلمات أخرى يمثل السلوك الحضاري التحويل الليبرالي المميز والمحبة المسيحية على حد سواء ووريثها الوحيد المتفق عليه.

ويعتقد الديمقراطيون اليوم ان السلوك الحضاري يظهر تغييرا هائلا عظيما في أمور السياسة والدين معا بحيث انه من الصعب الآن إدراك ما قبل العصرية لأي منهما فمسيحي معاصر هو بالضبط ذلك الذي يقبل صحة السلوك الحضاري كترجمة لمتطلبات المحبة وهو بكلمات أخرى يوافق على ان المحبة تتطلب ان تحجم عن القسر في أمور العقيدة وان كل قسر كهذا هو تصرف غير مسيحي بكل ما في الكلمة من معنى .لقد كان اكتشاف السلوك الحضاري أو التسامح كما اسموه هو الوسيلة للتوفيق بين متطلبات الاستقرار المدني ووجود الفرق المسيحية المتنافسة فقد هدف مكتشفوا هذا السلوك الى فك قبضة المسيحية السياسية من دون توجيه أية إساءة قاتلة للمسيحيين المعتدلين او القابلين للإقناع ،لذلك قدموا السلوك الحضاري لا على انه رفض بل على انه تحويل للمسيحية وحملوه على انه التفسير الصحيح للكتاب المقدس الذي استغلق فهمه على الطوائف المتعصبة ولهذا السبب اخذ السلوك الحضاري الكلاسي شكل تعليق على الكتاب المقدس –ص 108 ن.م-.

لقد تحول جوهر المحبة المسيحية الحقيقي إلى التسامح الليبرالي بين الطوائف المسيحية وحتى في وجود الطوائف غير المسيحية طالما كانت هذه الطوائف نفسها متسامحة ،وبالنتيجة فان ممارسة التسامح نفسه –رفض مفهوم السياسة المسيحية –ضمن وجود الإيمان المسيحي .

لقد كان السلوك الحضاري الفضيلة الجديدة أيضا وهو الذي كان عليه ان يأخذ وعلى مدى واسع مكان المواطنة في مجتمع ما بعد المسيحية الجديد فالمواطنة في المعنى القوي الكلاسي ماتت منذ زمن طويل ، وقد عبر عن هذا المعنى بالقول (ان علينا في المجتمع الديمقراطي ان نكون متسامحين وان الناس في المجتمع الديمقراطي لهم حقوق طبيعية وان من بين هذه الحقوق حرية العبادة وحرية الكلام وحرية النشر والصحافة وحرية الاجتماع ، وعلى المؤسسات ان تعمل والى آخر مدى لكي تكفل عمليات كل ما تمجده وتسعى إلى تأمينه وليس هذا كل شيء فان ركيزة الديمقراطية وجوهرها ان علينا جميعا ان نتسامح حقا وفعلا مع أولئك الذين يختلفون معنا بشأن القضايا العميقة المتعلقة بمصير الإنسان –ص22 تشكيل العقل الحديث).

الديمقراطية والعولمة

في بحث نشره عبر الإنترنت بعنوان –كيف نتفاعل مع العولمة –يقول الدكتور محمد حسن رسمي عميد كلية الحاسبات والمعلومات في جامعة القاهرة ( لو أدرك فاقد معنى ومغزى العولمة ما تحمله العولمة لمات هربا وفزعا من ويلاتها ، إنها فيضان النيل في وقت غدره لمن هو غير مستعد له …وخيره لمن بنى السدود واستعد لملاقاته بالعقل والعلم والإخلاص والإصرار على تحقيق الذات ) علما انه كان قد بدأ مقاله بوصف العولمة بأنها ( طوفان كاسح لمن يقف في طريقها رافضا ان يتفهم فكرها وفلسفتها وآلياتها ، اذا كان يملك سدا منيعا يهزم ويلاتها ويسخر لنفسه ، ونظام العولمة في حد ذاته يدعم الأقوياء ويطحن الضعفاء ويضحك الأصحاب ويبكي الضعفاء بل يمكن صانعها من التحكم والسيطرة وامتلاك مقررات ومستقبل المتفرجين المذهولين الصامتين المنتظرين لمعجزات السماء ) .

أما تأثير العولمة على الديمقراطية فيقول عنه بان من سمات العولمة ونظامها انه ( يتسم بتحرير الحرية والديمقراطية من قيودهما سواء كان الحديث عن السياسة او الاجتماع او المعلومات او الاقتصاد او التعليم ،انهما اصبحا مطلبا أساسيا لكل شعوب العالم المتطلع للتقدم ) وفي إطار كيفية التفاعل مع هذه العولمة في الإطار الديمقراطي للمجتمع يطالب الدكتور محمد حسن بتعميم فكر الانتماء والولاء للامة ويعده أمرا لازما ومعرفة تاريخ وجذور الأمة أمر ضروري والإيمان بالعطاء والتضحية من اجل قيمة العمل أمر واضح حتميا وكل هذه المفاهيم لن تحدث الا لو شعر واقتنع الفرد انه جزء من الكل وله حق ودور مثله مثل من يقود المركب ، إن ذلك هو جوهر الديمقراطية شمس هذا العالم الجديد .

وزيادة في إيضاح معنى العولمة وخطورتها نعرض لبحث آخر أعده مركز الائتلاف للبحوث والدراسات بعنوان ( العولمة تجلياتها الثقافية والنفسية ومؤشرات التعامل معها عربيا) نشر على الإنترنت جاء فيه ان أول من تبنى مفهوم العولمة في أمريكا هو بريجنسكي الذي كان مستشارا للرئيس الأمريكي في 1977-1980الذي أراد من العولمة ان تطرح النموذج الأمريكي للحداثة والقيم الأمريكية للحرية وحقوق الإنسان أي ان طرح العولمة كان لخلق توجهات( لتجانس سياسي واقامة الديمقراطية وتجانس اجتماعي وحرية التنقل وتأمين حقوق الإنسان وتجانس ثقافي أي المعلومة لمن يريدها ، وهي تجانسات سترتكز في بعض جوانبها على فن الإقناع (نفسيا) بالوسائل والأدوات المتاحة وبينها استخدام القوة ( الردع النفسي ) عند الضرورة بهدف فرض قناعات بديلة لعموم المجتمعات البشرية التي باتت قريبة من بعضها بحكم وسائل الاتصال عالية الجودة كما حصل للعراق عام 1991 ويوغسلافيا عام 1999)

ويستشهد البحث بنص من كتاب ديناميكية العولمة للمؤلف –جيمس روزنار-الذي يتحدث عن تأثير العولمة قائلا ( وتأسيسا على ذلك كان للمجال الثقافي ذو الصلة بالجوانب النفسية للعولمة أسبقية تزامنت مع بعض مجالاتها الاقتصادية وتداخلت مع أخرى او تقدمت عليها –السياسية والاجتماعية-بقصد التهيئة لتقبلها جميعا وفي ضوئها تم تكييف الثقافة وهي المنتج الاجتماعي سلعة مثل السلع المادية تتداول في سوق يسودها الأقوى ثقافيا وبوسائل إيصال للمستهلكين ميسورة –القنوات الفضائية والإلكترونيات والحواسيب والإنترنت وغيرها بقصد نقل الأفكار والمبادئ ونشر المعلومات لمستوى الشيوع بين جميع الناس ومن ثم صياغة ثقافة عالمية لها قيمها ومعاييرها لزيادة معدلات التشابه او التجانس بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات في محصلة تبرز في إطارها وعلى مستوى النفسي إمكانية تشكيل وعي وإدراك ومفاهيم وقناعات عالمية الطابع )

ومن هنا نرى ان وسائل العولمة وادواتها لم تترك المجال واسعا للاختيار بين الرفض والقبول كما كان سائدا في زمن الأيديولوجيات او عصر ما قبل العولمة لان الآراء والتوجهات وأساليب الحياة يمكن إيصالها إلى الجميع في كل الظروف والأوقات ودونما اية تحديدات ، وبمعنى آخر بالإمكان إبقائها ماثلة في وعي المستهدفين بصورة شبه مستمرة .

لقد أصبحت العلاقة بين العولمة والديمقراطية مسألة أكيدة بل مسالة مسلم بها عند جميع الباحثين والعلماء ولعل من اكثر الذين ركزوا على طابع المجتمع في القرن الحادي والعشرين في ظل العولمة هما المؤلفان –جون ميكلويت و ادريان وودريج- في كتابهما (تحدي العولمة ووعدها الخفي) وسنعرض لبعض أفكارهما فيه من خلال ما جاء على صفحة عروض الكتب على الإنترنت .

يؤكد العالمان على ان العولمة المتسارعة بعد نهاية الحرب الباردة قد تقود العالم إلى الازدهار او الدمار ويؤكدان ان العالم اليوم أمام منعطف تاريخي سوف تحدد فيه العولمة في السنوات القليلة القادمة مسار البشرية في القرن الحادي والعشرين إما الدمار وإما الازدهار ،

وفيما يخص الديمقراطية والعولمة يقولان بان العولمة تساعد على انتشار الديمقراطية في العالم وان ثمة تلازما بين الاثنتين سيما ان الظاهرتين اكتسبتا زخما متزامنا في العقد الأخير وبعد نهاية الحرب الباردة لأن العولمة اليوم حطمت –استبداد المكان-أي أتاحت المجال للناس لمزيد من التنقل والتواصل وتجاوز الحدود التي حشرتهم لعشرات السنين وأجبرتهم على نمط واحد من المعيشة وطريقة واحدة للاستثمار وفي مكان واحد وحدت آفاق قراءاتهم ورؤيتهم للعالم ،وأبعد من ذلك فان العولمة –كما يقول المؤلفان-وفرت للناس إمكانية إعادة تشكيل هوياتهم بشكل مستقل عن الآخر وهي الهويات التقليدية التي توارثوها عن أجدادهم ، على ان العولمة حدت من خيارات البشر اقتصاديا وسياسيا وثقافيا فالنموذج المعولم هي الليبرالية والديمقراطية الغربية والثقافة الغربية وهي النموذج السائد الآن والمروج له في الدول والمجتمعات .

على ان العولمة الإعلامية هي التي لها تأثير كبير مباشر جدا لان فيها تأثير إيجابي في الانفتاح السياسي وتعزيز التحول البطيء نحو الديمقراطية في الدول الدكتاتورية والمقصود هنا بالعولمة الإعلامية هو الانفتاح المذهل على المعلومات وكسر الاحتكار الرسمي لها إم عن طريق البث التلفزيوني العابر للحدود او شبكة الإنترنت التي اخذ تنتشر بسرعة .

ان العالم اليوم يسعى إلى توسيع مفهوم الديمقراطية وتأصيله بما يتفق ومطالب عصر المعلومات ووسائله وأخذت رايات الديمقراطية تتسع لتشمل أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوربا الشرقية كل ذلك يعكس حقيقة التفاعل بين المعلوماتية والديمقراطية هو تفاعل حقيقي حيث ان وفرة المعلومات تسهل ممارسة الديمقراطية على كافة الأصعدة وتروج لها على مستوى الكرة الأرضية .ويعبر دكتور نبيل علي عن العلاقة بين المعلوماتية والديمقراطية بقوله (من ابرز ملامح العلاقة المعلوماتية –السياسية هو ما يتعلق بالديمقراطية مفهوما وممارسة حيث يزعم الكثيرون ان الإنترنت ستفضي إلى إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية من أساسه لقد وفرت الإنترنت ساحة جديدة للرأي العام تسمح بظهور أشكال جديدة للممارسات الديمقراطية سواء في عمليات اتخاذ القرارات او متابعة ما ينجم عنها من نتائج إيجابية او سلبية وعلى مستوى السياسة العالمية فمن المتوقع ان تناصر القوى السياسية الكبرى مؤسساتها الاقتصادية بممارسة ضغوط هائلة على منافسيها على مستوى المحافل الدولية –87 الثقافة العربية وعصر المعلومات)

ويؤكد الباحث على القول ( هل لنا ان نتفاءل مع من يزعمون ان الإنترنت سوف تسقط الحلقات الوسيطة ومواطنيهم محققة بذلك نوعا جديدا من الديمقراطية المباشرة التي يشارك فيها الجميع في عملية اتخاذ القرار من دون حاجة الى تمثيل نيابي يوكل اليه هذه المهمة ؟ أم هل لنا ان نقلق اشد القلق مع من يرى في ديمقراطية الإنترنت هذه ضربا من الفوضى سيؤدي الى مزيد من تدخل الحكومة من اجل السيطرة على جماهيرنا خاصة ان الإنترنت توفر الوسائل العملية الفعالة لاحكام هذه السيطرة حيث تسجل للمواطنين مواقعهم وافعالهم لتكشف –بالتالي- عن أهوائهم السياسية والفكرية مما يجعلهم اكثر عرضة لهذه الرقابة الإلكترونية التي لا تغفو لها عين –ن م ).

من جهة أخرى نرى ان هناك استلابا لاختيار الإنسان عبر إغراقه بسيل جارف من المعلومات عبر وسائل الاتصال الحديثة وشبكة الإنترنت وكل ما يدعى بالعولمة الإعلامية حتى انه لا يستطيع ان يفرز ما يجب ان يختاره لمصلحته وما يوهمه به، هذه الحقيقة جعلت الرئيس الإيراني خاتمي يتحدث في كتابه عن الإسلام والعالم عن اثر قنوات الإعلام بحقوق الشعب وسلامة ممارستها فيكتب قائلا –نقلا عن الإنترنت-(لقد باتت هجمات المعلوماتية تسلب الإنسان إمكانية الاختيار الواعي فهو يقف اليوم مثل كائن متأثر سلبي عاجز حيال موجات المعلوماتية وأعاصيرها التي تلتف حوله من كل حدب وصوب، ان الحصول على مقدرة الاختيار الواعي في ظروف كهذه يتطلب إعدادا وسرعة في استلاب الهوية لا في مجتمعاتنا وحسب بل في العالم بأسره) ويؤكد خاتمي ان هذه المسألة ليست على مستوى محلي فقط بل في العالم الغربي أيضا (ان عولمة المعلوماتية تسبب قي قلق البلدان الغربية أيضا ولذلك نلمح في الساحة الدولية مساعي للحصول على حقوق في الفضاء الخارجي وفيما يتصل بأمواج الإرسال والبث والاتصالات في سبيل الدفاع عن حقوق الأشخاص والشعوب أمام هجمات المعلوماتية التي تركب موجة التكنولوجيا اهتماما بأزمة الهوية لدى الشعوب ) وهو يؤكد أيضا انه ( لا يريد طبعا بالتمسك بالهوية ان تعمد الأمم الى إغلاق حدودها في وجه الآخرين وتضع حدا لصلتها بالعالم بل ينبغي للمرء ان يتمكن من الاقتباس من الآخرين وهو ما لا يتحقق بشكل صحيح الا بعد ان يمتلك المرء وعيا بهويته ) .

ان خطورة المعلوماتية الإعلامية على الديمقراطية تظهر اكثر حينما نعلم ان السبب يعود (( نتيجة لتخلخل في الحدود التي تميز بين المعلوماتية وموجات الدعاية والإعلانات ، فالعديد من قنوات الإعلام التي تمتلك قدرة كبيرة على الهيمنة تتجاوز الجو الحقيقي للمعلوماتية وتأخذ بنحو مباشر او غير مباشر بالترويج لما يحقق مصالحها ) وهكذا نرى ان ( الدعاية الخفية من خلال مهارات في التكتيك وصناعة الخبر والجانب المعلوماتي تسلب المرء فرصة الموقف الواعي فيقع دونما وعي تحت تأثير أفكار يتلقاها بوصفها أخبارا ومعلومات ، وبالطبع فان من يمتلك تقنيات متقدمة في الإعلام والتكنولوجيا سيهيمن على الرأي العام أكثر من الآخرين ، ان من يحمل فكرة او يعتنق تصوراً ما سيعمل ولا شك على ترويجها ، قصارى ما هنالك ان امتزاج المعلوماتية بأنشطة الدعاية واختلاطها جعلا الإنسانية في مواجهة تعقيدات جادة ولا بد من فرز تلك الحدود والتمييز بين المعلوماتية والنشاط الدعائي)

وخلاصة القول هنا ان ممارسة الديمقراطية ستتأثر سلباً وفي محاولات الترويج الدعائي على حساب صدق المعلوماتية :.

على ان من احدث النظريات في إطار المعلوماتية والديمقراطية ومستقبل العالم هي النظرية التي طرحها الكاتبان السويديان الكساندر بيرد المحاضر الجامعي والخبير في مجال الاتصالات الصوتية بواسطة الإنترنت وجان سودير الكاتب والمنتج والمذيع التلفزيوني حيث يتحدثان عما يسمى النتوقراطية منطلقين من رفض نظرية ان الإنترنت سيعزز موقف الرأسمالية والديمقراطية عبر إشاعة المزيد من الحرية للتجارة والاقتصاد والأفراد عموماً في مختلف نواحي الحياة ومن رفض نظرية ان بالإمكان السيطرة على الإنترنت من قبل الدول وانه سيتحول لأداة كبت وسيطرة طارحين بدل هاتين النظريتين نظريتهما الجديدة عن النتوقراطية في كتابهما بالعنوان ذاته النتوقراطية : نخبة القوة الجديدة وحياة ما بعد الرأسمالية . وكلمة النتوقراطية هي نحت لغوي من قبل المؤلفين حيث يعني الجزء الأول من الكلمة نت أي الشبكة والثاني قراطية ليخرج مصطلح جديد يعبر في رأيهما عن حقبة جديدة في تاريخ الإنسانية تأتي فوق حطام الرأسمالية والديمقراطية ، ويربطان كلمة النتوقراطية بعبارة عصر المعلوماتية الذي يأخذونه منطلقا لنظريتهم المستقبلية للعالم . وبمقدار ما يخص موضوعنا في علاقة الديمقراطية بالمعلوماتية وعولمتها عبر العولمة الاقتصادية للمعلومات نرى انهما يركزان على القول من ان المعلومة ومن يسيطر عليها يمتلك قوة هائلة وان الاقتصاد يعتمد على بيع المعلومة وأصبحت تكنولوجيا المعلومات هي التسلية والإعلام والسلعة الجديدة وباتت شيئاً فشيئاً تحل محل كثير من مؤسسات المجتمع الرأسمالي السياسية والتعليمية وبات الحديث عن حرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال لا معنى له مع تزايد التجارة الإلكترونية الواقعة تحت سيطرة النخب المتحكمة بشبكات الاتصال والمعلومات . ويرى الكاتبان ان أهم مزايا اقتصاد المعلومة أنه لا يقوم على بيع المعلومة او حتى تحويلها لمورد دخل مالي بل ان النتوقراطية – كما يقولان – ستمتاز بنوع من الاستثمار او الاستهلاك غير الاستغلالي بمعنى ان النتوقراط قد يقررون الاستفادة من معلومة خاصة لمصلحتهم ومصلحة شبكتهم او حتى متعتهم الشخصية حصرياً وتبادلها في إطار نخبة ضيقة من النتوقراط في شبكتهم الخاصة دون ان يبيعوها او يستثمروها على نحو يدر ربحاً مالياً كما هي القاعدة في الرأسمالية ، اما انعكاس هذا الاقتصاد النتوقراطي على النظام الديمقراطي فيتحدث المؤلفان بالقول بأن هناك عدة عوامل تقود النظام الديمقراطي وسيطرة البرجوازية الاقتصادية الى نهايتهما ، فمن جهة يلعب انتشار وشبكات الاتصال الراهنة لصالح جماعات المصالح او ما يسمى المجتمع المدني ، وهذه الجماعات في الواقع تلعب دوراً يفقد الديمقراطية معناها الشائع بصفتها حكم الأغلبية ، فبفضل القوة والتنظيم – كما يقول المؤلفان – الذي تستطيع جماعة صغيرة منظمة ان تمتلكها عبر وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الحديثة مما يمكنها ان تدفع بمصالحها الى الأمام وتجبر السياسيين على تبني وجهات نظرهم وتقييمها للبرلمانات بغض النظر عن مواقف قطاعات اجتماعية أخرى مما يجعل الحكم حكم أقليات وجماعات مصالح لا حكم الأغلبية ، ولعل من نتائج هذا الوضع انه بينما تنتعش هذه الجماعات المنظمة يتراجع اهتمام الجماهير بالمشاركة في الانتخابات العامة ، فتتناقص هذه المشاركة تدريجياً في علامة على فقدان الاهتمام بالنظام برمته . كما ان الإعلام الجماهيري الرأسمالي قد يسهم في إضعاف النظام الديمقراطي ، فالسياسة والسياسيون يوشكون على التحول الى نوع من التسلية ، فأخبارهم الشخصية وفضائحهم باتت مادة الإعلام المثيرة التي تشبع نهم القارئ لا تفاصيل القوانين والتشريعات وهذا أعطى جماعات المصالح – لا سيما ان تعاملت مع الإعلام على نحو معين –الفرصة لبلورة مشاريعها الخاصة التي تلبي مصالحها وتمررها عبر السياسيين الذي اصبح يقيس تصرفاته بصداها الإعلامي المتوقع ويتوصل المؤلفان إلى القول انه اذا كانت الديمقراطية تقوم في جوهرها على تباين الآراء والدخول في عملية حوار للوصول الى رأي من تلك الآراء ، فان الإنترنت اصبح يسمح بإعادة التجمع بين أصحاب الرأي الواحد داخل الدولة وخارجها وتسيير أمورهم بأنفسهم دون الحاجة للالتقاء بأصحاب الرأي الآخر ، وهذا يتبعه تساقط العديد من أساطير الدولة القومية من مثل احترام شرعية الدولة والقيادة والموت لأجلها ولأجل سيادتها ، كما حلت شبكات إتصالية محل الروابط القائمة على النسب والعائلة والألقاب ، بل ان الإعلام الجماهيري ذاته يتشظى الآن وبدل الشبكات التلفزيونية والراديو الخاص بكل شعب أصبحت تتراجع امام شبكات تبيع برامجها بالاشتراك وتقدم ما تريده شرائح معينة من المستهلكين كل حسب اهتمامه ودون الالتزام بحدود الدول مما يلغي تلك الأطر الإعلامية القومية وكل هذا يعني تراجع قدرات مؤسسات الدولة لصالح شبكات الاتصال والمسيطرين عليها ، وإذا كانت الشركات المتعددة الجنسية السابقة ترفع عادة أعلام دولها وتحتاج لرعايتها والتحالف معها حيث كانت رأ س حربة دولها لاستعمار دول أخرى فان الشبكات لا تحتاج ذلك وتجاوزت حاجتها للدولة وبات من مصلحتها الظهور بمظهر عالمي –غير وطني-غير محلي.

ان مجتمع النتوقراطية هذا وفي هذا السياق ستكون المعلومة فيه هي عنصر القوة والحراك الاجتماعي داخل الهرم وستكون المعلومة الأهم تلك التي لا تباع بل يستفاد منها فهم سيستثمرون معلوماتهم مباشرة وما سيبيعونه المعرفة الناتجة عنها ، أما المعلومة التي تباع ويشتريها الرأسماليون فهي غالبا ما تكون مستعملة تم الانتهاء من استثمارها .ان المعلوماتية –كما يقول المؤلفان-او مجتمع النتوقراطية ستكون زلزالا تاريخيا لا يقل حدة عن قدوم الرأسمالية في أعقاب الإقطاع ويصلان إلى الاستنتاج بان هناك حقبة عالمية جديدة ستقوم تكنولوجيا المعلومات فيها بتغيير طرق ومبادئ التفكير وسلوك البشر وسنكون أمام اقتصاد وسياسة واسرة وتعليم وحتى أفراد من أنواع مختلفة كليا عما عرفه التاريخ ،ومن جانب أيدلوجي فإذا كانت الفلسفة الشمولية قد غطت مساحة كبيرة من تاريخ الفكر الإنساني منذ سقراط وآدم سمث فان فلسفة الحركية ستغطي المساحة عبر مجتمع النتوقراطية هذا .

ديمقراطية الغد طموحات نظرية وتحديات واقعية

أولا : مستقبل الديمقراطية الليبرالية – نهاية التأريخ

قبل عشر سنوات كان الكاتب الأمريكي من اصل يوناني فرنسيس فوكوياما قد تحدث عن نهاية التأريخ بالنسبة للأنظمة السياسية ما دامت قد وصلت إلى مرحلة الديمقراطية الليبرالية – وقد خضعت هذه النظرية الى انتقادات كبيرة خلال هذه العشر سنوات ولكن المؤلف بقي على إصراره بان نهاية التاريخ هي الديمقراطية الليبرالية فالشيوعية قد سقطت وستسقط الأنظمة الدكتاتورية الأخرى ،

واليوم يعود فوكومايا ليكتب مقالا بعنوان ( عشر سنوات بعد نهاية التأريخ ) ليؤكد الحقائق السابقة ويرد على نقاده ومما قاله في هذا المجال .( طوال السنوات العشر الماضية لم يحدث أي شيء على صعيد السياسة العالمية او الاقتصاد الكوكبي يتحدى الاستنتاج الذي توصلت إليه ، وهو ان الديمقراطية الليبرالية والنظام الاقتصادي المتوجه نحو السوق هما الخياران الحقيقيان والوحيدان المتاحان للمجتمعات المعاصرة ) . ويؤكد انه خلال هذه السنوات العشر لم يحدث ما يجعله يتراجع عن رأيه ويقول بان ( البراهين التي طرحتها لإثبات ان التاريخ أحادى الاتجاه وتقدمي ، وانه يصل لمنتهاه مع الدولة الحديثة الليبرالية ما زالت سابقة سارية ونافذة ، واحد فقط من بين مئات النقاد الذي علقوا على نهاية التأريخ حدد نقطة ضعف حقيقية في الفرضية : لا يمكن ان يصل التأريخ لنهايته ما لم تنته العلوم الطبيعية ، ونحن الآن على حافة تطور مذهل في العلوم الحيوية ، سيؤدي في جوهره الى تغيير صورة الجنس البشري في ذاته ) ويرد على جميع منتقديه أنهم كانوا ينتقدونه بمحاولات لغوية ودلالية سمجة وأنهم لم يستوعبوا انه إنما استخدم التأريخ بمعناه الهيجلي الماركسي أي النشوء التطوري للمؤسسات السياسية والاقتصادية والبشرية ، وانه في ضوء ذلك فثمة قاعدتان أساسيتان لتحريك التأريخ : التكنولوجيا واستمرار الاكتشافات العلمية مما يمهد الطريق للتحديث الاقتصادي والكفاح من أجل الحصول على الاعتراف من قبل مختلف القوى الموجودة في المجتمع مما يؤدي في النهاية الى نسق سياسي يعترف بحقوق الإنسان الأساسية ، وعلى عكس الرأي الماركسي – يقول فوكوياما –افترضت ان عملية التطور التاريخي تلك قد وصلت لذروتها في الديمقراطية واقتصاد السوق والواقع انه من الصعب ان نتخيل وجود نقطة لم يتم نقد ( نهاية التأريخ ) من خلالها .

ويشير إلى التحديات التي تعرضت لها هذه النظرية وطرح البدائل عنها في السياسة الدولية مثل الحكم الديني الإسلامي والتسلطية الآسيوية .

وهو يؤكد في رده هذا على أنه لم يقل قط ان كل الدول ستصير إلى ديمقراطية في المدى القريب وان كل ما افترضته هو ان ثمة منطقاً تطورياً يخضع له التاريخ الإنساني وأنه سيؤدي الى وصول الدول الأكثر نمواً إلى السوق كاقتصاد والديمقراطية الليبرالية كنظام سياسي ومن ثم فلا ينبغي الاعتداد بواقعة وجود دول فرادى خارج هذا النسق مثل صربيا وايران .

ويؤكد فوكوياما من جديد على أنه ليس ثمة أي أزمة للرأسمالية الكوكبية لان العولمة أتت لتبقى وذلك لسببين

1- لا وجود لنموذج تنموي كبديل حقيقي يقدم وعوداً بنتائج افضل من نموذج العولمة وحتى بعد أزمة 1997- 1998 وحتى المنافس الرئيسي للعولمة وهو النموذج الآسيوي للتنمية أصيب بنكسة قوية مع أزمة الاقتصاد الأسيوي التي أثبتت خواء السلطة الآسيوية الرخوة والتي حاولت ان تقيم شرعيتها على أساس الأداء الاقتصادي مما أدى الى تعرضها للخطر مع الهزات الاقتصادية .

2- يتعلق السبب الثاني الذي جعل من المستبعد تغيير دفة عجلات الزمان فيما يخص العولمة بالتكنولوجيا ، فالعولمة الحالية قد ترسخت بسبب ثورة الاتصالات التي أدت إلى انتشار الهاتف والفاكس والراديو والتلفزيون والإنترنت إلى كل بقاع الأرض وأدت هذه التغييرات إلى تمكين الأفراد وتقويتهم وكذلك نشرت الديمقراطية على مستويات عدة فلم يعد بوسع أي دولة اليوم ان تفصم نفسها عن وسائل الإعلام العالمية او تبتعد عن مصادر المعلومات الخارجية .

وهكذا يدعم فوكوياما نظريته في نهاية التأريخ عند الديمقراطية الليبرالية مؤكداً على أن ( نقطة ضعف نظرية نهاية التاريخ تكمن في أنه لا نهاية للعلم ، العلم الذي يحرك التاريخ ويدفع العملية التاريخية الى أمام ونحن على أعتاب انفجار تكنولوجي جديد في علوم الحياة والتكنولوجية الحيوية . وينهي قوله ( مع حلول نهاية القرن العشرين ظهرت لنا حدود الهندسة الاجتماعية ، وتبنى هذا النظام على بدهية الطبيعة واله الطبيعة )

إذن فمقاليد المستقبل كما يقول فوكوياما لا تكون إلا في إطار الديمقراطية الليبرالية وهذه نظرية في فلسفة التأريخ يثقف عليها العالم فما الذي يقوله العالم بأحداثه الحقيقية اليوم وكيف يرسم مستقبله عبر هذا ..؟ يتعرض الكاتب الأمريكي فريد زكريا في كتاب جديد له صدر هذا العام (2003) عن هذا الموضوع بشكل تفصيلي معتبراً ان الليبرالية هي سمة المستقبل وان كان هناك عدة دول تفصل بين الديمقراطية والليبرالية وخاصة دول العالم الثالث .يطرح زكريا في كتابه السؤال التالي (1) ( هل يمكن ان نصالح بين الديمقراطية والليبرالية أي الحرية ؟ ويؤشر حقيقة ان المجتمعات الغربية هي مجتمعات ديمقراطية ليبرالية أما المجتمعات الأخرى كالمجتمع الروسي او الفنزويلي او الفلسطيني فهنا توجد ديمقراطية وانتخابات حرة ولكن لا توجد حرية فبوتين الرئيس الروسي هو حاكم مستبد في الواقع وهو ما ينطبق على رؤساء آخرين . ويؤكد زكريا أنه توجد اليوم في العالم 119 حكومة ديمقراطية أي نسبة 62% من حكومات العالم كله وقد سقطت الأنظمة الفاشية والشيوعية وأصبحت الملكية عتيقة بالية أما الأنظمة الأصولية المتعصبة فهي محصورة ببعض الدول فقط . بل ان الأنظمة الدكتاتورية نفسها أخذت تجري انتخابات صورية ليقال عنها انها ديمقراطية ، أي ان طابع العصر اليوم هو عصر ديمقراطي رغم الاختلافات وهو يؤكد ان الثورة المعلوماتية ونمو الطبقة الوسطى وسقوط الأنظمة المضادة كل هذا ساعد على انتشار الديمقراطية ، كما ان انتصار أمريكا على الاتحاد السوفيتي روج النموذج الديمقراطي لان الناس تقلد الغالب لا المغلوب 0ويقول ( لا يمكن ان ننسى دور المعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة في نشر الديمقراطية فالإنترنت والهاتف النقال كل ذلك أصبح يصل الناس ببعضهم البعض بكل سهولة وهذا ما يساعد على انتشار الأفكار من أقصى الأرض إلى أقصاها ويساعد بالتالي على انتشار الأفكار من أقصى الأرض إلى أقصاها ويساعد بالتالي على انتشار العقلية الديمقراطية ) على ان من سلبيات الديمقراطية إنها قد تستخدم للعنف حيث ان العنف اصبح ديمقراطياً فبإمكان أي مجموعة بشرية قادرة على ممارسة العنف او القيام بالتفجيرات دون اللجوء إلى جهاز الدولة ، وهو يعتبر ان هذا ليس سلبياً لان استخدام الديمقراطية ممكن في الإيجاب والسلب معاً .

ويطرح المؤلف سؤالاً جوهرياً هو عن علاقة الديمقراطية بالحرية ولماذا لا توجد علاقة أتوماتيكية بينهما على عكس ما نتوهم ؟ ويجيب بان الانتخابات الحرة قد تؤدي إلى انتخاب أحزاب عنصرية كما حصل في دول يوغسلافيا السابقة ، فهل يترك العنصريون يحكمون ؟ ويشير إلى انتخابات الجزائر وفوز جبهة الإنقاذ ويصفها بالأصولية فهل نتركهم يحكمون الجزائر ؟ وهناك عدة ممارسات انتخابية في كل من غانا والبيرو وفنزويلا جاءت إلى الحكم بشخصيات استبدادية وولدت ما ندعوه الديمقراطية غير الليبرالية ، ويستنتج انه لا يجب ان نربط بشكل أتوماتيكي بين الليبرالية والديمقراطية الا بالنسبة لشعوب الغرب الأوربي والأمريكي ، لان النظام فيها لا يتميز فقط بالانتخابات الحرة وانما يتميز أيضا بوجود حكم القانون والفصل بين السلطات وحماية الحريات الأساسية وتوفيرها للمواطنين كحرية التعبير والتنقل والاجتماع وتشكيل الروابط وحرية الملكية والحرية الدينية .الخ ولذلك يمكن ان يدعى هذا النظام بالنظام الليبرالي الدستوري ولكن لا توجد علاقة اجبارية بينه وبين الديمقراطية حيث لم يرتبط الاثنان معاً دائماً حتى في الغرب نفسه على الرغم من تطوره وتقدمه ويضرب مثلاً على ذلك بفوز هتلر بالانتخاب ولكنه قضى على الحريات بعد وصوله للسلطة وقمعها فهو يعتقد ان الانتخابات قد تكون وسيلة للديكتاتورية لا للحرية ، ويقول انه لو حصلت انتخابات حرة في العالم العربي لربما جاءت الى السلطة بأنظمة أصولية غير متسامحة ، ويستنتج ان الانتخابات قد لا تؤدي الى أنظمة حرة . وبعد ان يؤكد على النظام الغربي لأوربا وأمريكا بأنه ديمقراطي ليبرالي للعمق التاريخي الذي مارسه الشعب الأوربي والأمريكي على السواء في هذا المجال ويؤكد على انه بعد عام 1945 نجحت الحكومات الغربية في إقامة أنظمة دستورية او ليبرالية وديمقراطية في آن معاً وان هذا لم يتحقق في أي بلد في العالم غيرها عدا اليابان ، ولان أنظمة الغرب هذه ليبرالية وديمقراطية منذ خمسين عاماً فإننا لم نعد قادرين على الفصل بينهما ، فلم نستطع ان نتخيل وجود ديمقراطية غير ليبرالية او نظام استبدادي ليبرالي ولكن ذلك قد وجد في الماضي وان دول أوربا نفسها كانت تعيش في ظل أنظمة استبدادية ليبرالية في بدايات القرن العشرين او في احسن الأحوال نصف ديمقراطية او شبه ديمقراطية ، فبريطانيا وهي أعرق ديمقراطية في العالم كان حق التصويت محصوراً ب 2% فقط من عدد السكان عام 1830 وفي عام 1940 أصبحت معظم دول أوربا الغربية ديمقراطية بالكامل واصبح يحق لجميع المواطنين البالغين ان يمارسوا التصويت ثم أخذت هذه الدول تتبنى العديد من جوانب الحكم الدستوري الليبرالي كحكم القانون وحقوق الملكية الخاصة وفصل السلطات الثلاث عن بعضها ، ثم فصل الكنيسة عن الدولة وتأسيس النظام العلماني والقضاء على التعصب الديني ومحاكم التفتيش وحق التعبير والكتابة والنشر وحق عقد المؤتمرات والاجتماعات .ويتعرض الدكتور زكريا إلى العالم العربي والإسلامي حيث انه يقول بأن إحدى الهيئات الدولية قامت بإحصاء عام 2002 فوجدت ان 75% من بلدان العالم هي حرة كلياً أو جزئياً في حين لا تتجاوز هذه النسبة في العالم العربي اكثر من 28% ، ويستنتج ان هناك أزمة عميقة في العالم العربي والإسلامي فحتى دول القارة السوداء في إفريقيا تبدو اكثر تطوراً من الدول العربية من حيث ممارسة الديمقراطية والانتخابات الحرة وتداول السلطة ، فالسنغال مثلاً أصبحت تمارس اللعبة الديمقراطية بالكامل ويمكن القول إنها دولة حق وقانون على عكس الدول العربية والإسلامية ويعتقد المؤلف انه رغم وجود أنظمة أصولية متشددة إلا ان هذه مرحلة عابرة ( ففي النهاية سوف تسير المجتمعات العربية نحو الديمقراطية والحرية مثلها في ذلك مثل بقية شعوب الأرض ) .

تحديات الديمقراطية الليبرالية

إذا كان فوكوياما وفريد زكريا وهنتجتون وغيرهما يبشرون بان المستقبل لابد ان يكون للديمقراطية الليبرالية مهما كانت التحديات ويعتمدون وخاصة فوكوياما على منطق التاريخي الجدلي – الهيجلي –الماركسي لتقييد حركة التاريخ وحصره باتجاه هذه الديمقراطية الليبرالية وكأن هناك جبرية علمية لا ينفك عنها إلا ان الواقع سواء على مستوى النقد المستقبلي النظري او الممارسة العملية والذي يرفض هذه الأفكار جملة وتفصيلاً هو مسألة أصبحت معروفة وإذا كان هؤلاء الكتاب إنما يضعون أمامهم الديمقراطية الليبرالية في أمريكا خاصة ويسحبون أقوالهم على المجتمعات الأوربية لمسألة فرعية إلا ان كثيرا من الكتاب الأوربيين يرفضون ذلك ويضعون جداول عدة للإصلاحات المطلوبة لهذه الديمقراطية الليبرالية في مجتمعاتهم ويتحدثون صراحة عن ان هناك تحديات كبيرة أمام هذه الديمقراطية الليبرالية حتى انهم يتحدثون عن طريق ثالث بين هذه الديمقراطية الليبرالية وبين الاشتراكية وسنحاول ان نعرض بعض هذه الآراء لكي لا يفهم – وخاصة في العالم الثالث ، ان الديمقراطية الليبرالية هي فقط المستقبل الافضل للإنسان الذي يريد حياة كريمة في هذا العالم .

1- تفكك أمريكا : في عام 2002 صدر كتاب - بعد الإمبراطورية – محاولة تفكك النظام الأمريكي للكاتب الفرنسي أمانويل طود وهو الذي اصدر كتابه التنبؤي عن توقع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1976 وهو ما تحقق فعلاً ، ويتوقع الكاتب هنا ان النظام الأمريكي بما يحمله من تناقضات مع لغة العصر قد تحول إلى زرع الفوضى الدولية وانه بعد ان كان العالم في حاجة له خلال نصف القرن الماضي باعتباره ضامناً للحرية السياسية والنظام الاقتصادي وكان العالم بحاجة إليها أصبحت اليوم بحاجة للعالم ويرى المؤلف على مقولة فوكومايا إنها ستقود إلى عدم حاجة العالم إلى أمريكا ويضيف بان اطروحات فوكوياما القائلة بان الديمقراطية لا تدخل في حروب بينهما فهذا يعني انه حين تعمم الديمقراطية في العالم فان أمريكا كقوة عسكرية تصبح عديمة الجدوى بالنسبة للعالم مما يحتم عليها ان تكون ديمقراطية بين ديمقراطيات أخرى بينما كانت في السابق تقدم نفسها على أنها حامي الديمقراطية والحرية ضد النازية والشيوعية ، ولن يكون بكل الأحوال بوسع أمريكا الاستغناء عن القطبين الصناعيين والماليين أوربا واليابان ويضيف الكاتب ان مجرد تأكيد أمريكا على ضرورتها للعالم فهذا يعني ان مسألة جدواها مطروحة ويرى انه ( يجب القبول بان الهيمنة الأمريكية بين 1950 –1990 كانت مفيدة لان هذا سيساعدنا على فهم تحول أمريكا من الجدوى إلى عدم الجدوى بالنسبة للعالم ، ويلاحظ ان القوة الاقتصادية الأمريكية بدأت تتقهقر في السبعينات مع ظهور عجز بنيوي في الاقتصاد الأمريكي ، ويرى ان تسارعاً في عملية تبعية أمريكا نتج عن انهيار الشيوعية فبين عام 1990 –2000 قفز العجز التجاري الأمريكي من 100 إلى 450 مليار دولار وعليه فأمريكا بأمس الحاجة لتدفق روؤس الأموال الأجنبية ، ويلاحظ ان أمريكا في بداية الألفية الثالثة لم تعد قادرة على العيش من إنتاجها لوحده ، ويصل المؤلف الى الاستنتاج ( ففي الوقت الذي يوشك فيه العالم – الذي هو اكثر استقراراً تربوياً سكانياً وديمقراطيا – ان يكتشف ان بإمكانه الاستغناء عن أمريكا ، تدرك هذه الأخيرة انه ليس بوسعها الاستغناء عن العالم ، ومن المؤكد انه سيتعين على أمريكا ان تناضل بعد الان سياسيا وعسكرياً للحفاظ على هيمنة ضرورية لمستواها المعيشي ويضيف المؤلف ( ان قلب علاقة التبعية الاقتصادية هذه هو العامل الثاني الذي إذا أضيف إلى العامل الأول – أي تعدد الديمقراطيات – سمح بشرح غرابة الوضع المالي إلى السلوك العجيب للولايات المتحدة وارتباك الكوكب ، كيف يمكن تسيير قوة عظمى تابعة اقتصادياً ولكن عديمة الجدوى سياسياً ؟

ان المؤلف يعتقد أن أمريكا لم تعد الأمة الكبرى كما كانت في السابق وان نظامها الديمقراطي في ازمة ولذا فهي تحاول ان تحافظ وتبرر هيمنتها وشرعيتها باستهدافها بلداناً قليلة الأهمية اقتصادياً وعسكرياً مثل العراق وكوريا الشمالية ، ويستنتج بان التوازن العالمي في تحول ويرى ان النمو المستمر للبلدان غير الغربية وتزايد عدد الدول الديمقراطية يساهمان في هشاشة السيطرة الأمريكية وان عودة أمريكا إلى مصاف ( قوة كبيرة من بين قوى أخرى يبدو لا رجعة فيه ) وعلى المستوى الاقتصادي حيث يرى المؤلف تبعية أمريكا للعالم الخارجي ويورد أرقاما توضح العجز الأمريكي في الميزانية ، حيث يبدو ان الفائض التجاري التكنولوجي – سلع التكنولوجيا المتقدمة – تراجع من 35 مليار عام 1990 إلى 5 مليار دولار عام 2001 ، أما أرقام الناتج القومي فقد ضخمت بسبب المخالفات كما ظهر من فضيحة انرون حيث تبخر 100 مليار دولار وهو ما يساوي 1% من الناتج القومي الأمريكي.

ويخلص الكاتب إلى ان أمريكا تنهك ما تبقى طاقتها في مكافحة الإرهاب كبديل للكفاح من اجل الحفاظ على هيمنة لم تعد موجودة وان استمرت أمريكا في تعنتها لإظهار قوتها الخارقة للعالم فإنها في النهاية تظهر عجزها للعالم ) .

2-الفساد في الديمقراطية :

ولكي لا يظن أحد ان النظام الديمقراطي هو النظام الذي لا عيب فيه ولا فساد نجد ان منتقدي هذا النظام من أهله يركزون على إمكانية التلاعب بالعملية الديمقراطية مما يخرجها عن هدفها النبيل ، فهي نظام يمكن ان يخترق

في هذا الإطار صدر كتاب جديد للمؤلفة سوزان عام 2003 بعنوان الفساد والحكم تتعرض فيه لهذا الجانب حيث تقول المؤلفة ( تستطيع الديمقراطية تقييد النساء إذا قدمت للناس سجلا للاحتجاج وأعطت الموظفين حوافز للأمانة ومع ذلك فان الديمقراطية ليست دواء لجميع العلل والمشكلات ويجب عدم الذهاب إلى ابعد من العلاقات البسيطة من اجل تقييم أشكال الديمقراطية ) .وترى المؤلفة ان هناك ثلاثة أبعاد مركزية لحدوث الفساد السياسي حيث تؤثر هذه الأبعاد على مدى رغبة السياسيين في تقبل الرشوة وتمويل الحملات الانتخابية غير القانونية وعلى مدى تحمل الناخبين لمسألة دفع الرشوة وعلى رغبة الفئات الغنية بالدفع أما البعد الأول فهو توفر امتيازات ضيقة التركيز لتوزيعها من قبل السياسيين والبعد الثاني هو مقدرة الفئات الغنية على الحصول على مثل هذه المكاسب بطريقة قانونية والبعد الثالث هو الاستقرار المؤقت للتحالفات السياسية .ويظهر عدم الاستقرار من التنافس على غنائم المناصب ، وقد يظهر أيضا من الحكومات التي تدير مجتمعات غير متجانسة عقائديا ويمكن لعدم الاستقرار ان يدفع السياسيين والمصالح الغنية إلى الحصول على ما أمكن من المكاسب الخاصة على المدى القصير كما يمكن للإصلاحات أن تركز على أي من هذه الابعاد او عليها جميعاً وترى المؤلفة ان الانتخابات لا تعتبر علاجاً ثابتاً للفساد بل على العكس من ذلك فان بعض النظم الانتخابية تعتبر عرضة لنفوذ المصالح الشخصية اكثر من غيرها وعندما تسيطر محل السلطة فئات ضيقة المصالح فان بعضها قد يستخدم طرقاً قانونية والبعض الآخر يتبع طرق الفساد . ان اختيار بعض هذه التكتيكات يتأثر بطبيعة النظام السياسي والانتخابات التنافسية في جميع الديمقراطيات تساعد على الحد من الفساد السياسي بسبب وجود حوافز لكشف فساد المنتخبين لدى مرشحي المعارضة ، ومع ذلك فالحاجة إلى تمويل الحملات السياسية تدخل حوافز جديدة لمصلحة من المصالح الخاصة غير موجودة في الأنظمة الاوتوقراطية وهذه الحوافز قد تكون عالية حين تقوم الحملات الانتخابية بتخصيص مكآفأت للناخبين ، بمعنى ان يقوم السياسيون برشوة الناخبين ، ويمكن للتبرعات غير القانونية التي تدعم الحملات السياسية إضافة الى رشوة السياسيين ان تؤدي الى إحداث اختلال في الأنظمة الديمقراطية حتى لو قدمت الرشاوى المقدسة من قبل الأفراد الأغنياء والشركاء فائدة للجان الحملات والأحزاب والسياسيين والناخبين وليس لحسابات بنوك السياسيين فان التأثير التخريبي للدفعات السرية غير القانونية يمكن ان يكون كبيراً فمثل هذه الدفعات تقدم في الغالب للحصول على امتيازات قانونية وتنظيمية ولكن فعاليتها تعتمد على تنظيم الطرق التنفيذية والقانونية ،وتركز الشركات الفاسدة والأفراد الفاسدون على الحصول على امتيازات خاصة للشركات والأفراد ولا تكفي الانتخابات لإيقاف مثل هذه الدفعات ، وتبقى هناك ضرورة لوجود إشراف حكومي من اجل المحافظة على مساءلة الحكومة ، فالحكومات الديمقراطية يجب ان تضع سياسات واضحة للحد من حوافز الفساد .

3- سلبيات في المجتمع المدني :

اذا كان الحصن الحصين للديمقراطية الليبرالية هو المجتمع المدني الذي يستطيع ان يضغط على الحكومات اذا ما خالفت سياسات ومبادئ الدستور او المصلحة الخاصة بنقابة او مهنة او سياسة اقتصادية او صناعية وغيرها ، وهو فعلاً يقوم بهذا العمل في المجتمع الديمقراطي الليبرالي إلا ان هذا المجتمع نفسه في إطار الديمقراطية الليبرالية وخاصة الأمريكية بدأ يشكو من الخلل على كافة المستويات مما يجعل الممارسة الديمقراطية الليبرالية قد فقدت حارسها الأمين فكيف حصل ذلك في مجتمع القرن الحادي والعشرين ؟

لقد صدر كتاب – بناء مجتمع من المواطنين – المجتمع المدني في القرن الحادي والعشرين عام 2003 والذي شارك فيه العديد من علماء الاجتماع لمراجعة واقع المجتمع المدني واختلالاته ، لقد وضعه المؤلفون الأمريكيون للتنظير لنهضة ثقافية ومدنية في أمريكا ولاستعادة الأفكار الأساسية للتجربة الأمريكية ليجاوبوا على الأسئلة المطروحة وهي :

ما هي الأسس القائمة للإعداد لاصلاح المؤسسات العامة والمجتمع المدني التي أضعفت بشدة ؟

وكيف يمكن تقوية المبادئ الفلسفية الأمريكية من دون دفع الأيدلوجيات التي تتنافس على السلطة؟

وكيف يمكن إحياء ثقافة مع مؤسساتها وما تؤمن به دون إحياء الدولانية والديماغوجية؟

ويبدأ العالم –دافيد بلاكنهورن-في الحديث عن الركود الاجتماعي والثقافي الأمريكي وعواقبه الخطيرة على مستقبل أمريكا حيث يرى ان هناك (تراجع في الشعور بالالتزامات المدنية وانخفاض في الثقة بالمؤسسات الاجتماعية وتدني في اهتمام الناس ببعضها في المجتمع مع زيادة في تشكيلة الأمراض الشخصية مثل الصحة العقلية وانتحار المراهقين وزيادة معدل الحمل بين المراهقات والعنف وتراجع معدلات نتائج الامتحانات ) ، هذا على الرغم من ان الولايات المتحدة في المركز العالمي الأول اقتصادا وعسكرة وغنى .

على ان الخطر الأكبر على الحياة الإنسانية في أمريكا بدا في رأي المفكر المستقبلي –ريتشارد ايكسلي-بفقدان قيم منظمة للحياة مما أدى الى التفكك الاجتماعي والى (الفشل في إعطاء معنى وانتماء وهدف لحياتنا وعدم وجود إطار عمل لقيمنا وتجربتنا من معنى أوسع لحياتنا فقد دخلانا في حقبة يتزايد فيها انشغالنا بذاتنا انشغالا مرضيا)

ان السياسة لم تعد تؤثر بالأمريكيين فلا دولة الرفاه ولا انبعاث الرأسمالية مكننا من حل مشاكل المجتمع الملحة العميقة بل ان كل واحدة منهما قد ساهمت في إفساد المجتمع المدني ومؤسساته ، فحين ضعفت العلاقات بين مكونات المجتمع الوسيطة كالأسر والكنائس والمجتمعات المحلية والجمعيات التطوعية وبقي الأفراد اكثر عزلة وقابلية للانهيار داخل دولة تزداد سيطرتها اتساعا. ان فقدان العقائدية والقيم قاد إلى تشظي المجتمع وضعف المجتمع المدني ومؤسساته ، ان التضامنية في المجتمع الأمريكي مفقودة على الرغم من انه مجتمع حقق غايات سامية على المستوى المادي والحقوق ،ولكن هذه لا تستطيع ان توجد مجتمعا متضامنا ،لقد كان المؤسسون الأوائل لأمريكا قد اعتبروا ان المجتمع المدني سيمنع استغلال السلطة ما دام هناك حكم ذاتي قائم على الصفات الشخصية والمعرفة والالتزام بالمشاركة الديمقراطية ،ان صفة المواطنة تعني المشاركة وليس التفويض القائم على الانتخاب في المجالس التشريعية ، فلا يجوز لأي مواطن ان يطمح في ان يكون اكثر من مواطن ولا يفرض على أي شخص ان يكون اقل من ذلك حيث انتشر هناك مفهوم المواطن باعتباره زبونا الذي ينتخب مقابل خدمات معينة يتنافس المرشحون في تقديمها ومستوى ملاءمتها لرغبة الزبون ان المجتمع المدني الذي يتكون من شبكة العمل التطوعي والجمعيات غير الرسمية التي يديرها الأفراد في شؤون حياتهم لابد له من مجموعة من القيم والفضائل والتجمعات الصغيرة ليتحرك خلالها وهذا كان موجودا في صفة قيادية لابراهام لنكولن مثلا وهو في البيت الأبيض والواقع اليوم ليس هناك نموذج مثله ،وهذا ما يفرض الآن وجود سلوك أخلاقي ومدني للبناء لان المجتمع المدني لا يتعلق بالسياسة ولا علاقة له بالآلة الديمقراطية والدولة وانظمتها الإدارية ولكنه نظام بشري اكثر واكثر ثراء من الدولة ، فالمؤسسات التي يتكون منها المجتمع المدني تزدهر في غياب التدخلات السياسية في حين تتداعى عندما تحتل الدولة مكانها .

ويؤكد المؤلفون على نتيجة ومحصلة تقول ( جعل تصاعد الديون والحقوق التي لا حدود لها وتراجع النظام التعليمي وعدم فعالية النظام القضائي معظم الأمريكيين يتهمون الحكومة بانها متدنية الكفاءة ، وثمة إدراك بان الحوار السياسي متصلا بتجارب الحياة الحقيقية واهتمام المواطنين وان المواطنين مبعدون عن أي دور مهم في تشكيل الحكومة التي يطلب منهم تمويلها وينحصر دورهم في الانصياع للقرارات الرئيسية وليس التأثير فيها ، كما ان تلاعب مجموعات المصالح واللوبي ومحترفي السياسة بالعملية الانتخابية جعلها تبدو بعيدة بالنسبة للأفراد العاديين .وهنا يطرح السؤال : ما الذي يحدث للديمقراطية حين ينظر الى مؤسساتها على أنها تفتقر إلى المصداقية او المشروعية ؟ ان اكثر المشاكل الاجتماعية إثارة للنقاش مثل الولادات غير الشرعية والجريمة والأسر التي غاب عنها الأب والعنف تقع خارج جدول الأعمال السياسية ويصعب على اليمين واليسار حلها واكثر ما يمكن للسياسة فعله هو معالجة المشاكل الصعبة التي لا يمكن لاحد معالجتها سوى الحكومة والاعتراف صراحة بما لا تستطيع السياسة فعله .

لاشك ان السياسة قد نظر إليها الأقدمون على أنها (وسيلة لزيادة قدرة الإنسان على تحسين نفسه وممارسة حكم الذات والعمل على رفعة الإنسان من خلال المشاركة الأوسع في الدولة ولكن السمة الرئيسة للسياسات الحديثة هي انشغالها البيروقراطي الغريب بمجرد إدارة الحكم وتعديل القوانين الضريبية واحكام التشريعات الجنائية كانت إدارة الدولة تعني شيئا اكثر من مجرد تعزيز مصالح الأفراد داخل نطاق الحكومة ،وكانت إلى حد بعيد حرفة روحانية حسب تعبير الكاتب الصحفي –جورج ارويل-وهي بذلك تهتم بالأحوال الروحية والعقلية للإنسان وعاداته في الجد والعمل واعتداله وشجاعته وحيويته وقدرته على إعطاء الأحكام الديمقراطية الصحيحة وهي الصفات التي كان يعتقد أنها أساس الحكم الجمهوري ، على ان من اخطر الاستنتاجات والتي تناقض الديمقراطية هو ما عرضته الكاتبة –كولين شيهان-حينما وصفت كيف تقوض الأحزاب المشاركة المدنية ، وان النظام السياسي الذي يتخلى عن إمكانية قيام الأفراد بحكم أنفسهم سينحط سواء اعترف بذلك ام لم يعترف إلى حكم سلطوي .

ويحدد أحد علماء الاجتماع الأمريكان خريطة تدمير الحياة المدنية في أمريكا واضعاف المؤسسات الحيوية التي تحافظ على المجتمع البشري مثل الزواج والأسرة والدين ويقول بأنه اذا أريد إصلاح المجتمع المدني فلابد من تقوية الخلايا الصغيرة في المجتمع والتي توفر معنى للوجود البشري مثل قضايا الأسرة والزواج والدين ، وهنا نجد حقيقة دور الدين في حياة الأمريكيين حيث يؤكد المؤلفون على ان الأمريكيين متدينون ولكن الطريقة التي يؤثر فيها الدين على الحياة تنازعها طرفان علماني وديني مما اضر ذلك بأهمية الدين السياسية وقد سبق ان قال الرئيس كلنتون : إننا شعب مؤمن وان الدين يساعد على إعطاء شعبنا صفات لا يمكن للديمقراطية ان تعيش بدونها ، ويخطئ العلمانيون –كما يقول الكاتب- واتباع الحركات الدينية حين يحاولان السيطرة على المجتمع من خلال الدولة ، فالدولة متفرعة عن المجتمع ويجب ان تكون خادمة له وليست سيدة ،ويطرح الكاتب –وليم بوكس-حلا لدور الدين قائما على إعادة اكتشاف مبدأ المساعدة وهو المذهب القائل بان تتخذ القرارات على أدنى مستوى ممكن او من الجهة الأقرب الى الجهة المتأثرة بتلك القرارات .

لقد تسبب قيام الدولة الأمريكية بعلمنة الحياة وتهميش العقيدة الدينية في خلق حالة من عدم الانسجام في أمريكا ، كما ساهمت الأنشطة الدينية بعدم الانسجام من خلال الحركات الدينية فرض السلطة الدينية على الحكومة والشعب ، يقول –توكافيل-ان للدين تأثيرا على الناس في أمريكا اكبر من تأثيره في أي بلد آخر فيوجه عادات المجتمع المحلي وينظم الحياة المحلية وينظم الدولة ايضا ويقول أيضا : انه لا يمكن للكنيسة ان تقاسم الدولة سلطتها الزمنية دون ان تكون عرضة لعداوتها .

وهكذا يرى الكتاب ان الحل هو العودة إلى الدين في تحقيق المجتمع الصالح بوسائل طوعية وليس من خلال حركات سياسية تبحث عن حلول تشريعية لمسائل روحية وأخلاقية واحياء الثقافة وليس مجرد تصحيح سياسات الدولة وضرورة فهم ان الثقافة تؤثر على وجهة السياسة اكثر مما تتشكل بها.

4-الطريق الثالث بين الاشتراكية والديمقراطية:

لاشك أن بلوغ الحد الأقصى في الطرح الاشتراكي أدى إلى ما أدى إليه من سلبيات حتى ضياع النموذج الكبير للاشتراكية الماركسية في الاتحاد السوفيتي ، كما ان بلوغ الحد الأقصى في الديمقراطية الليبرالية قاد إلى العديد من السلبيات على الواقع التطبيقي حتى في الولايات المتحدة الأمريكية ، من هنا كان إعادة طرح نموذج جديد دعي الطريق الثالث علما ان هذا النموذج كان مطروحا منذ عام 1936 وكان يوصف بأنه(أسلوب يوائم بين رأسمالية السوق الحر والمفهوم الكلاسيكي عن الأمن والتضامن الاجتماعي ) ويقول عنه أحد الكتاب بأن له جاذبية تنبع من كونه لا يتبنى السقف الأعلى او الحد الأقصى لكل نظرية أي انه جسر بين الأيدلوجيات ، وقد صدر كتاب جديد عن هذا الطريق عام 2001 للكاتبة غادة موسى بعنوان –الطريق الثالث …تحولات الليبرالية أم أمل الاشتراكية-استعرضت فيه إيجابيات وسلبيات هذا الطريق ومما جاء في كتابها :انه على الرغم من ان الاشتراكية الثورية لم تحظ بأي قبول داخل الولايات المتحدة فان القيم والمثل الاشتراكية –خاصة قيمة العدل الاجتماعي-تغلغلت بشكل قوي في توجهات الديمقراطيين الليبراليين واليساريين على حد سواء ، كما لا يخفي على معظم المفكرين حقيقة إصابة المجتمعات الأوربية والمجتمع الأمريكي بخسائر من جراء تطبيق الأفكار الليبرالية المحضة ، وبغض النظر عن النتائج المؤسفة من جراء تطبيق القيم الاشتراكية في ظل المركزية الشيوعية فإنها تظل لها جاذبيتها في وجدان الأغلبية المستضعفة ، وترجع الكاتبة أسباب طرح مفهوم الطريق الثالث مجددا اليوم إلى عدة عوامل وظروف دولية ومحلية أبرزها ما يلي :

1- سقوط القطبية الثنائية بتهاوي الاتحاد السوفيتي وسيادة الولايات المتحدة على مسرح الأحداث العالمي متجاوزة الأطراف الأخرى ليس فقط الدول النامية ولكن بعض الدول الأوربية كذلك .

2- الوعي بخطورة سياسات الجات على الدول النامية والدول الصناعية خاصة الآسيوية ، وسعي بعض الدول الأوربية لتفادي كارثة دولية تتمثل في صراع قد ينشب بين الشمال الغني والجنوب الفقير وذلك بمحاولة إيجاد حوار بين دول العالم الثالث والدول المتقدمة لعلاج المشاكل التي تواجه الجميع في عالم واحد وهو ما جسدته الأحداث الأخيرة في سياتل عام 2000وغيرها .

3- ظاهرة الدمج بين الشركات العملاقة والوحدات الكبيرة على حساب الأسواق المحلية والشعور بالحاجة إلى دولة قوية ومجتمع قوي في آن واحد ، أي صيغة جديدة لعلاقة شراكة وليس تنافس بين الدولة وقوى المجتمع .

4- انحسار دور دول عدم الانحياز وتضاؤل الفكرة ذاتها وانكماش مجموعة ال 77 بحيث اقتصرت مؤخرا على خمسة عشر دولة تمثل ثلاث قارات –آسيا- إفريقيا -أمريكا اللاتينية-واخفقت تلك الدول في عرض مطالبها في مفاوضات الجات ، كما ان بعض الدول النامية كان الغبن عليها كبيرا ، إذ لم تجد من يمثلها التمثيل الذي يحقق مطالبها في مواجهة الدول المتقدمة لذلك فقد تولدت لدى هذه الدول الحاجة لتبني مبدأ يتجاوز سلبيات التخطيط المركزي ومساوئ الرأسمالية وأثرهما على الطبقات الفقيرة تحديدا .

بعد ذلك تتعرض الكاتبة إلى مظاهر صعود الطريق الثالث حتى في الحركات الاشتراكية الديمقراطية في أوربا وكذلك في أدبيات وخطابات الأحزاب المسيحية الديمقراطية اليمينية سواء في ألمانيا –الأحزاب المسيحية –او في إيطاليا في الفاتيكان وتعزي ذلك الصعود إلى وجود اهتمام لدى هذه الأحزاب الدينية للتقليل من حدة آثار الرأسمالية الشرسة ، كذلك نجد أيضا ان معظم أحزاب يمين الوسط قد تبنت تصورا للرفاهية الحديثة في مقابل مصالحة الأحزاب السياسية الأخرى مع الرأسمالية والسوق الحر ،وتقول الكاتبة ( يجد المتأمل للساحة الأوربية ان معظم الأحزاب السياسية التي تسيطر على مقاليد الحكم حاليا هي أحزاب يسارية ترفع شعار الاشتراكية الديمقراطية وضرورة التغير المستمر بشكل سلمي بدءا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا مرورا بالحزب الاشتراكي في فرنسا ثم حزب العمال في إنجلترا –العمال الجديد كما يقول بلير-وهي يسارية جديدة تتخلى عن الدوجماتية وتطور رؤاها بما يتفق مع الطريق الثالث وتقدم اطروحات هامة في مجال المرأة ومجال البيئة ،ومع قوة المجتمع المدني في هذه الدول واتساع هامش الحريات وحرية الصحافة أوصل الناخبون غير الموالين لأي أيدلوجية هذه الأحزاب التي يطلق عليها –الوسط الجديد- والتي تعتنق الفكر الاشتراكي الديمقراطي الى مقاعد البرلمان بأغلبية لافتة ، فبالنسبة لرجل الشارع فان هذا الطريق هو الذي يطبق –حسب تعبير المستشار الخاص لشرودر – مبدأ المساواة في البداية والمساواة في النهاية ، أي المساواة في الفرص وفي الدخل حتى وان كان ذلك حلما يسعى الجميع إلى تحقيقه ).

ان مفهوم الطريق الثالث هذا يطلق عليه –اقتصاد بلا أيدلوجية-لأنه يسعى لتحقيق غايات أساسية منها :

1- وضع اقتصاد بعض الدول على المسار الصحيح من حيث تغليب الصالح الاقتصادي الوطني بعيدا عن الارتباط بأيدلوجية بعينها ،أي تحرير الاقتصاد من الأيدلوجيا وهو ما رآه المعارضون تحريرا في ظل السيادة الرأسمالية الشرسة بما يعني الوقوع الحتمي في براثنها.

2- تمكين بعض الدول الآخذة في النمو من الفرص التي يتيحها هذا الأسلوب كأسلوب بديل في ظل الأحادية الموجودة والرأسمالية الطاغية .

3- اتباع نهج اقتصادي واجتماعي يمكن من مواجهة المثيرات السلبية للاحا دية السياسية والاقتصادية للحصول على حد أدنى من المكاسب الديمقراطية في الواقع الاستبدادي .

4- تعظيم درجة تخصيص الموارد وخاصة الناجمة عن الخصخصة لصالح البعد الاجتماعي من جهة وأيضا تعظيم زيادة قاعدة التملك للطبقات العاملة ومحدودة الدخل في الوحدات التي تتم خصخصتها –وهو ما يثور الخلاف بشأن إمكانية تحققه في ظل سياسات التكليف الهيكلي التي يديرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي - .

5- تبني المبادئ التي تنادي بان دور الدولة يجب ان يوجه أساسا لخدمة الأهداف الاجتماعية جنبا إلى جنب مع الأهداف الاقتصادية أي وضع الدول أمام مسؤولياته في الرفاهية الواجبة تجاه مواطنيها .ان تقويم مرحلة التقدم في هذا الجانب جعل الكاتبة تضع الدول الأوربية في المقام الأول وعلى رأسها الدول الاسكندنافية وألمانيا وإنجلترا وفرنسا التي تحاول إيجاد الحلول اللازمة للتقدم على هذا الطريق وفيما يراه بعض المراقبين محاولة من الأنظمة الرأسمالية لتطوير نفسها وسد فجوات التطبيق وثغراته والطريق الثالث عند هذه الدول يعد مقياسا يتم به قياس مدى نجاحها في المواءمة بين متطلبات الاقتصاد والحد من تنافس ومبادرة وحريات فردية ومتطلبات الرفاهة الاجتماعية من خدمات وتعليم وصحة وتأمين اجتماعي واعانة المسنين والمتبطلين .

أما سبب هذا فيعود إلى ان هذه الدول وجدت نفسها في مأزق حقيقي ، فهي مازالت عاجزة عن الحفاظ على معدل إنتاج ملائم ،وفي الوقت نفسه خلق فرص عمل جديدة وأيضا تدبير نفقات تمويل الخدمات الاجتماعية خاصة للذين لا يشاركون في سوق العمل مما شكل عبءا كبيرا على كاهلها ، وتبرز هذه الأزمة في دول مثل فرنسا وألمانيا أخذا بالاعتبار هبوط الميزان الديموغرافي لصالح من هم فوق 65 سنة والمهاجرين الذين لا يجدون فرصة عمل مناسبة ويدخلون في البطالة .

لاشك ان هذا المفهوم جديد على الساحة وبالتالي فالاختلاف قائم حول طريقة الوصول إليه فهو بحاجة إلى مهلة زمنية حتى يتم تفصيله وحتى يمكن تطبيق مبادئه بشكل براجماتي لخدمة مصالح الطبقة الوسطى الآخذة في التآكل ليس فقط في دول العالم المتقدم بل أيضا في دول العالم النامي فالوسط الجديد يحتاج الى دولة ولكن أي شكل من أشكال الدولة؟

هناك من يراها الدولة التي تتبنى النهج الاشتراكي الديمقراطي وتؤمن بالمنافسة العالمية لان المعلومات في مجال التكنولوجيا كما أنها تؤمن بالابتكار وتحد من سطوة جهازها البيروقراطي وتلجأ إلى حلول مبتكرة فإنها تستلهم من قوى المجتمع المختلفة للتوفيق بين الحاجات المتصارعة ،ولا يمكن القول ان هذه الأمنيات سوف تتحقق بمعزل عن مشاركة قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية فالأحزاب السياسية يجب في المرحة القادمة ان تعكس مصالح الطبقة الوسطى وان تتبين برامج براجماتية وتطور قدرات بحيث تجتذب الأجيال الشابة ، كما ان على الدولة القيام بوضع سياسات عملية تطرح حلولا جديدة مثل تحرير سياسة العمل لتسمح بالعمل الجزئي او الموسمي أو العمل المنزلي ومشاركة صاحب العمل في أعباء الضمانات الاجتماعية وان تزيد من مسئوليتها في مجال إعادة التدريب والتعليم ولكن على الجانب الآخر يرى بعض الاقتصاديين ان الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة يتمثل في رفع يد الدولة عن الاقتصاد حتى تتمكن من تمويل نفقاتها الاجتماعية بعبارة أخرى ان تقوم الدولة باتخاذ بعض الإجراءات الليبرالية الجديدة للخروج من هذه الأزمة وتتمثل هذه الإجراءات في الآتي :

تحرير المشروعات الخاصة من أية قيود تفرضها الحكومات بغض النظر عن الآثار الاجتماعية التي ستنجم عن ذلك –مزيد من الانفتاح على التجارة والاستثمار العالميين –حرية كاملة لحركة رأس المال والسلع والخدمات –تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية ولا تشمل تلك الخدمات فقط خدمات الصحة والتعليم بل تمتد إلى أدوار الدولة الأساسية في الحفاظ على الأمن وتعبيد الطرق والإمداد بالمياه وهي الأدوار التي ظلت تلازم الدولة حتى في ظل سيادة مفهوم العولمة –إلغاء مفهوم الخدمة العامة او الخدمة الاجتماعية واحلال محله مفهوم المسؤولية الفردية وذلك من خلال الضغوط على الطبقات الدنيا لتبحث عن حلولها لمشاكلها التعليمية والصحية وتأمين نفسها بعيدا عن موارد الدولة.

يتضح مما سبق ان هذه الليبرالية الجديدة وان كان أنصارها يدعون انها على المدى الطويل تخدم فكرة تطبيق الطريق الثالث او الاشتراكية الديمقراطية في تدبيرها التمويل اللازم لنفقات الدولة الاجتماعية فإنها تعبر عن ضغط من المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي ،هذه الليبرالية الجديدة ظهرت آثارها واضحة في الضغط الذي مورس على دول مثل شيلي والمكسيك من اجل خفض أجور العمال بمعدلات تتراوح بين 40-5% في الوقت الذي زادت فيه تكلفة المعيشة بمعدل 80% ونتج عن ذلك إفلاس اكثر من عشرين ألف مشروع صغير ومتوسط ، بل حتى في الولايات المتحدة تضغط الشركات متعددة الجنسيات مستهدفة الحد من الإنفاق على برامج الرفاهية الاجتماعية والهجوم على حقوق العمال ويخشى الشعب الأمريكي ان يكون العقد الاجتماعي للجمهوريين في الألفية الثالثة هو ليبرالية محضة ،فالليبراليون الجدد يبذلون مجهودا كبيرا للحد من برامج الحماية الاجتماعية للأطفال وللمسنين والمتبطلين أي المعاناة إلى ما لا نهاية .

أما قصة الطريق الثالث مع الدول النامية فتشرحه الكاتبة بقولها بان هذه الدول تعيش مأزقا منذ نصف قرن يظهر بعدم قدرتها على استلهام نموذج سياسي اقتصادي يلائم ظروفها وطبيعتها مع ثبوت فشلها في تبني سياسات اشتراكية ماركسية وليبرالية ديمقراطية لغياب العوامل والمكونات اللازمة لترسيخ أي من هاتين النظريتين ،

لقد بدأت الدول النامية خطواتها الأولى نحو الانفتاح على السوق العالمية وتحرير اقتصادها وخصخصة مشاريعها خاصة عقب انهيار النظام الاشتراكي وفقدانها الحماس للأفكار والقيم الاشتراكية ، وفي الوقت الذي تحاول فيه ان تلعب دورا في الاقتصاد العالمي وان تشارك في فعالياته نجدها تحاول جاهدة الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي وتوفير الخدمات الاجتماعية في حدودها الدنيا ،أي الحفاظ على دولة الرفاهة مع عدم التخلف عن الركب العالمي ، فمن الناحية النظرية يبدو هذا الطريق الثالث مجديا لهذه الدول محققا لآمالها وطموحاتها دون الالتزام بالانحياز لأي فكر او أيدلوجية ما .أما من الناحية البراجماتية –النفعية- فان هذه الفكرة قد يصعب تحقيقها دون مشاركة مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل اكبر لدور الأحزاب السياسية واحياء الطبقة الوسطى بحيث تعبر الأحزاب عن احتياجاتها وفكرها دون الضغط على موازنة الدولة او جرها للعب الدور الرئيس المركزي والحاكم في الاقتصاد الوطني مرة أخرى ،وفي الوقت ذاته دون دفعها الى مزيد من الاقتراض بحيث تصبح مثقلة بالديون ومطالبة بسداد فوائدها المرتفعة عن طريق الاستقطاع مرة أخرى من نفقات دولة الرفاهة .فكيف هي صورة تحديات الديمقراطية في هذه الدول المتنوعة المختلفة والتي بدأت تتجاوز كل السياقات الديمقراطية في الغرب إلى تكيفات وابتكارات تناسب مجتمعاتها ودرجة تطورها وطابعها العشائري والعرقي والاثني والديني …الخ .

ثانيا-مستقبل الديمقراطية في العالم الثالث :

اذا كانت الديمقراطية في الغرب المتقدم قد توصلت إلى بحث المستقبل لها على ضوء معطيات العولمة والمعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة حتى أطلق مصطلح النتوقراطية على المفهوم الذي قد ينبع واقعه من علاقة المعلوماتية ووسائل الاتصال الذي قمته في الإنترنت ومن ثم وجدت تأزمات جديدة على المستوى التنظيري لهذه الديمقراطية وخاصة في علاقتها بالليبرالية والمجتمع المدني ، إلا ان الواقع في العالم الثالث الذي بدأ يتحول الى الديمقراطية في التسعينات عكس تحديات كبرى أمام الديمقراطية في المجال الميداني ،.

لقد كان المؤتمر الدولي لأساتذة أكاديمية سلام العالم المنعقد في لندن عام 1989قد حدد بعض تحديات الديمقراطية الليبرالية في ظروفها الجديدة فأشار إلى ان ( الديمقراطية الليبرالية تنمو نموا بطيئا معتمدة على قبولها لأفكار وعواطف وعادات معينة وعلى وجود ممارسات اقتصادية وسياسية يتطلب تأسيسها الكثير من الوقت وربما قرون وكذلك وجود ظروف خارجية مناسبة حتى تكون بعيدة عن الانحلال والانهيار –السلوك الحضاري والمواطنة ص 9) بل كان نفس المؤتمر قد تحسس إشكاليات الممارسة الديمقراطية اذا لم تكن في الإطار الليبرالي وخاصة في مجال احتمال استبداد الأغلبية فأكد على انه ( على الرغم من ان معنى الديمقراطية هو حكم الشعب أي انه لا يجب ان يكون هناك طغيان واستبداد ولكن الواقع والتاريخ يؤكد وجود طغيان أغلبية على أقلية ، فلا يكفي اذن القول بالديمقراطية للتخلص من الطغيان وانما يجب ان تتمتع هذه الديمقراطية بالمحافظة على حقوق معينة للأفراد ومن هنا كانت ضرورة الليبرالية للديمقراطية حيث تجعل هذه الليبرالية مجالا خاصا لا تتدخل فيه السلطة الحاكمة مهما كان حجم الأغلبية خلفها –ن م ص10)

وهكذا وجدنا التأكيد في الديمقراطية الليبرالية على ضرورة حماية المجال الخاص فوق كل شيء أي ان الرأي العام فيها لا يسمح لأي إيمان او ارتباط سواء كان دينيا او أيدلوجية او قبلية او عرقية ان تكون له الأسبقية على حماية الحقوق الفردية ، فالحقوق الفردية هنا تتقدم على الأغلبية المقدسة وقد تكون هذه الحقوق الفردية هجومية على نحو سافر على اغلب أعضاء المجتمع .

وهكذا كان تقييد الديمقراطية الليبرالية الغربية الحكومة على رغم أغلبيتها الديمقراطية ، وهذا ما وجدناه محددا في حال قولها ( يحمي المجتمع الديمقراطي الليبرالي الأفراد والاقليات من سلطة الأغلبية الحاكمة التي قد تكون طاغية حينما تغلب الديمقراطية على الليبرالية ، من هنا فان على سلطات الأغلبية ان تكون محدودة في مجتمع ديمقراطي ليبرالي ، فهناك بعض الأمور التي لا يمكن ان يسمح للأغلبية ان تفعلها ن م ص 59).

وهكذا وجدنا الديمقراطية الليبرالية تعترف بان سلطة الحكومة هي اعظم تهديد على نحو غير محتمل دائما وبالفعل غالبا على حقوق الفرد ، وسر تأمين حقوق الأفراد يكون بحرمان الحكومة من سلطة التدخل في العالم الخاص ، وتؤكد ان بعض الأمور ليست من عمل الحكومة ويجب ان تجبر الحكومة على ان تبقى أيديها مرفوعة عنها ، والأمور التي هي من عمل الحكومة هي في العالم العام والأمور الباقية هي من العالم الخاص عالم الحرية الشخصية ،بل ان الديمقراطية الليبرالية اعتبرت المبدأ الأول لمجتمعاتها هو تأكيد وجود حقوق شخص بشري كصفة أساسية ، وتسلسل التفكير المنطقي ينطلق من نقطة البداية تلك ، فحماية الحقوق تتطلب وجود مجتمع حكومة لكن ولأن الحكومة غير مقيدة تفرض تهديدا لتأمين الحقوق فلا بد ان تقتصر سلطات الحكومة على ما هو ضروري لحماية الحقوق على الأقل على ما يهدد الحقوق ص50)

وتصل المفاهيم الديمقراطية الليبرالية هذه الى حد القول ( ان عدد الدول الديمقراطية جدا والليبرالية جدا قليل جدا ،فأكثرها ليبرالية هي التي يتمسك بها بالمواطنة التي تمارس على نطاق واسع ،أي ان فيها دستور مكتوب او غير مكتوب يحدد المجال الذي لا يمكن للحكومة ان تتجاوزه دون ان تنتهك المجال الفردي ، وهذا ما يفترض وجود مؤسسات وقوانين ومحاكم وشرطة قادرة على اكتشاف متى تكون الحقوق قد انتهكت وتضع حدا لانتهاكها .

إذن فالخوف من الاستبداد والطغيان للحكومة او للأغلبية خوف حقيقي عالجته الديمقراطية بالليبرالية من خلال مزيد من التحصن في القوانين المحافظة على الحقوق الفردية للمواطن ، كما ان بعض ممارسات الفدرالية واللامركزية وتفويض السلطة إلى المجتمعات الأصغر خفف من غلواء الديمقراطية وحدها .والخطر الثاني الذي نبهت عليه الديمقراطية الليبرالية هو ما تطرحه الديمقراطية من بعد اقتصادي معين لكي تحافظ على الكرامة المعنوية للإنسان من خلال تحديد مستوى الدخل الفردي الأقل الذي يجب ان يقف عند تحقيق الحاجات الاقتصادية الأساسية للفرد ويعبر عن هذه الحالة بالقول ( ان المجتمع الليبرالي الديمقراطي هو مجتمع وعي ذاتي جماعي شامل ، وهذا الوعي الذاتي الجماعي يحدد حدوداً للكرامة الإنسانية بحيث يكون الحد الأدنى من الدخل مثلاً مرتفعاً إلى حد يسمح لقطاعات هذا الدخل ان تتمتع بالكرامة المعنوية ، وبعد هذا الدخل المحترم للكرامة المعنوية يسمح بتفاوت الدخول وفروقاتها جميعاً )

ان الحرية الديمقراطية ليست كافية للمجتمع اذا لم تستطع ان تحقق معها إنجازا اقتصادياً ملموساً ، وقد كانت الديمقراطية في منتصف القرن العشرين تؤكد على هذا المبدأ ( إننا لو طبقنا الديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك على خير وجه وأتمه فسوف يفضي هذا كله من خلال التفاعل الحر بين الطموحات الإنسانية إلى شيء أشبه بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية ، فلن يكون ثمة ثري شديد الثراء او فقير شديد الفقر ، بل تباين سوى في الجزاء داخل إطار مجتمع المساواة بالمعنى الواسع ) .

إذن فالهدف الاقتصادي سواء بمفهوم المساواة أو الحقوق او الدخل المحافظ على الكرامة المعنوية كانت من طموحات الديمقراطية الغربية ومن تحدياتها أيضا .

كذلك نجد ان بعض المجتمعات تختلف اختلافاً كبيراً في أديانها وثقافاتها وأيدلوجياتها وغيرها من الأمور تقدم على ممارسة النظام الديمقراطي مما يفرض عليها تكيفاً معيناً وإضافات وابتكارات تتناسب وهذه المجتمعات التي تخرج من النظام الدكتاتوري الفردي او الطبقي لتدخل عالم الديمقراطية الجديد ،

وهكذا حصلت تحديات كبيرة على مستوى التحويل الديمقراطي في دول العالم الثالث منذ تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم وهي تطرح تازمات الديمقراطية في مجال التطبيق والحاجة إلى ممارسات وإضافات وابتكارات ديمقراطية تأخذ بالاعتبار واقع هذه الدول واختلافاتها وتنوعها لتكون حقاً ديمقراطية سليمة تبتعد عن كل الأخطار التي سبق ان تعرضت لها هذه الديمقراطية سواء في جانبها النظري والأيدلوجي او في جانبها العملي الواقعي كما ذكرنا ، فكيف هي صورة هذه الديمقراطية اليوم بعد مرور اكثر من عشر سنوات على هذه التجربة ؟

في عام 1997 صدر كتاب بعنوان الديمقراطية التحديات والابتكارات في التسعينات ) للمؤلف روبن رايت تحدث به عن واقع الممارسة الديمقراطية في العالم وما تجابهه من صعوبات وما تطرحه من ابتكارات سنعرض لأهم ما جاء فيه لنعطي صورة الديمقراطية في العالم الثالث خاصة والتكيفات التي طرأت على ممارستها ونظريتها .

ففي الجانب الاقتصادي للممارسة الديمقراطية ظهرت علامات الضياع والإحباط على نطاق واسع في أمريكا اللاتينية حيث اظهر استطلاع للرأي عام 1996 ان 27% فقط من السكان في سبع عشرة مدينة كانوا سعداء بالطريقة التي عملت بها الديمقراطية منذ عام 1990 حينما أصبحت القارة كلها ديمقراطية لأول مرة ، أما اوجه القصور التي شخصت وتعرضت للنقد فهي القصور الاقتصادي وسوء الإدارة والفساد ، ونتيجة لذلك اظهر الاستطلاع ان الناخبين صار لديهم إيمان اكبر بالقوات المسلحة التي كانت تمثل الأرض الخصبة لنمو الدكتاتورية اكثر من إيمانهم بمثليهم الذين قاموا بانتخابهم ، كما ان ثقتهم بالصحافة اكثر من ثقتهم بالقضاة او رجال الشرطة .

وفي روسيا التي تحولت إلى الديمقراطية التي أدت إلى ميلاد المشروعات الخاصة والبورصة بدأت المدن الكبرى تعاني من مشكلات جديدة بداية من تسول الأطفال إلى قيام جامعي القمامة بالبحث عن غذائهم في أكوام المخلفات ، حيث أدى هبوط الإنتاج الصناعي بنسبة 60% وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40 % إلى ان يكون المجتمع الروسي ككل اشد فقراً في السنوات الخمس الأولى لانهيار الشيوعية عما كان عليه النظام الشيوعي في العقد الماضي.

وفي جنوب أفريقيا أدى تطبيق الديمقراطية إلى ظهور الغضب لان حكومة الأغلبية الجديدة لم تكن قادرة على الوفاء بالطلبات المتزايدة على الوظائف والإسكان والتعليم وبعض الأساسيات الأخرى ، فقد بنت الحكومة عددا من الوحدات السكنية اقل مما بنته حكومة الأقلية البيضاء وخلقت وظائف لربع عدد السكان السود فقط الذين انضموا لسوق العمل منذ الانتخابات الديمقراطية الأولى في سنة 1994 .

وفي دولة بنين بغرب أفريقيا والتي كانت من الدول الرائدة في التحول إلى الديمقراطية سنة 1991 رفض الناخبون الرئيس المؤيد للديمقراطية لصالح زعيم شيوعي سابق حكم البلاد عشرين سنة كانت من اكثر السنين عدم استقرار في القارة الإفريقية وهكذا يلاحظ ان العلاقة بين الحالة الاقتصادية ومصير الديمقراطية تتجلى على عدة مستويات وواحدة من هذه المستويات هي الطبقة الوسطى حيث لوحظ ان الطبقة الوسطى في عديد من هذه الدول حتى الغنية منها تتجه إلى الانكماش او لا تنمو بالسرعة الكافية لاستقرار نظام سياسي جديد ، ولو القينا نظرة على بعض الدول من المعسكر الاشتراكي المتحولة إلى الديمقراطية بحماسة لوجدنا ان بولندا مثلاً كان معدل النمو الاقتصادي فيها عام 1996 هو 6 % وفي عام 1995 كان 7% وهو أعلى معدل في أوربا طبقاً لبيانات البنك الدولي ومع ذلك فان الإصلاحات أدت الى تخفيض وليس ازدهار مستوى معيشة معظم المواطنين فأصبحت بولندا عام 1993 تنتخب ديمقراطياً أغلبية شيوعية ثم قيادة شيوعية سنة 1995 ، ولعل من أسباب ذلك ان النمو كان فيها غير متوازن فحوالي ثلث سكان بولندا يعيشون في مزارع بعضها ملكيات صغيرة وبعضها ملكيات جماعية سابقة وهي لم تعد قادرة على منافسة المزارع عالية الميكنة في أمريكا وكندا والتي تبيع الحبوب عبر الأطلنطي إلى جيران بولندا الأوربيين كما ان كثيراً من المدن الصناعية التي تعتمد على صناعة واحدة أصبحت إما مهددة بالإغلاق واما بالتقادم ومن ثم فهي تواجه مشكلات ارتفاع معدلات البطالة .

وحتى على مستوى الدول الغنية مثل فنزويلا التي أنتجت عام 1996 ما قيمته ثلاثون بليون دولار من النفط لعدد سكان يبلغ 23 مليون نسمة فقط فان سوء الإدارة الاقتصادية والقصور السياسي قاد إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول وانتشار عدم الأمان الوظيفي وبشكل عام انخفض مستوى المعيشة إلى الثلث على الأقل منذ عام 1992 ففي المتوسط ارتفعت مشتريات الأسرة من 28 % من إجمالي إنفاقها سنة 1980 لأكثر من 70% في منتصف التسعينات .

لقد كان اكثر انكماش الطبقة الوسطى واضحاً بشكل كبير في التسعينات ، ففي استطلاع للرأي سنة 1996 وجد ان 75% من الناخبين في دول أمريكا اللاتينية – الأكثر ديمقراطية – والأقدم من أي دولة من دول أوربا الشرقية وأفريقيا وآسيا – فيما عدا دولتين في آسيا – عبروا عن خيبة أملهم في الديمقراطية ، وفي بحث اجري بواسطة المعهد الجمهوري الدولي سنة 1996 ظهر ان 93% من سكان فنزويلا شعروا بأن الديمقراطية لم تحقق إلا القليل او لم تحقق شيئاً على الإطلاق في مجال التوزيع العادل للثروة والعدالة ، وفي سنة 1996 قامت الحكومة على مضض بالتراجع عن موقفها وعما قامت به من قبل لإنشاء اقتصاد السوق ، كما قامت بإجراءات مالية لتنشيط النمو ولذلك لوقف التدهور الاقتصادي ، ولكن التأثيرات على المدى القصير كانت مؤلمة جداً فأسعار السلع الأساسية التي كانت مدعومة ارتفعت بشكل كبير والضرائب الجديدة ارتفعت بنسبة 16 % كما وصل معدل التضخم لسنة 1996 إلى 100 %

لقد انعكس الفشل الاقتصادي للديمقراطيات في أمريكا اللاتينية في منتصف التسعينات وعبر عن نفسه عبر الاحتجاجات والقلاقل في كل من الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وانتشرت جيوب الفقر في بيونس آيرس وحتى في جنوب إفريقيا . وفي العديد من هذه الديمقراطيات أدت سياسة الخصخصة الى ازدياد كبير في معدلات البطالة كما أدى تقليص حجم الحكومة الى الإطاحة بشبكات الأمان لملايين إضافية من السكان .

لقد كان من مظاهر القصور في مواجهة التحديات للديمقراطية هي اجتماع الحريات الجديدة مع الفقر المتزايد مما خلق ظروفاً أدت الى تحول الحريات إلى حالة من الفوضى ابتداء من انتشار الجرائم الصغيرة إلى ظهور المافيا المنظمة وهو ما يؤدي بالنهاية إلى الإطاحة بالقانون والنظام حيث يشعر هؤلاء انهم مستبعدون .وفي هذا المستوى اصبح الفساد هو المشكلة الأكثر انتشاراً حيث ان كم ونوعية الانحرافات الأخلاقية السياسية قادا إلى ظهور عدد من السوابق الجديدة في كثير من الديمقراطيات الناشئة فوصل الفساد الى مستوى القمة ، كما اصبح الفساد عاملاً أساسيا في إنهاء حكم كثير من الرؤساء ورؤساء الوزارات المنتخبين ديمقراطياً كما حصل في باكستان لبناظير بوتو وفي البرازيل للرئيس فرناندو كولوردوميلو الذي فاز سنة 1990 ، وقد أدت تكلفة الفساد وملحقاته الى إبطاء التحول الديمقراطي بل والتراجع عما حدث من تقدم سياسي فالعملية الانتخابية من بوجوتا حتى موسكو تم إفسادها عن طريق الجريمة المنظمة فشراء الأصوات اصبح ظاهرة عامة بداية من كينيا حتى الهند ولان الديمقراطيات الجديدة تندمج بسرعة في القرية الكونية أسرع من الدول غير الديمقراطية فان الديمقراطيين الجدد يمكن ان يكونوا أسرع تعرضاً للفساد في المراحل الانتقالية وفي بحث أجرته مؤسسة الحرية سنة 1996 وجد ان 21 من بين اكبر 31 دولة من كبار منتجي المخدرات ومهربيها هي دول ديمقراطية جديدة ، وفي مجال غسيل الأموال فان 29 بين اكبر 33 دولة تمارس هذه العملية أصبحت من الدول الديمقراطية كما ان من بينها 18 دولة من الديمقراطيين الجدد .

ومن اشد الأخطار التي تواجه الديمقراطيات الجديدة على المدى الطويل هو الشعور بالإعياء او العجز الذي يؤدي إلى انعزال الجمهور عن الحياة العامة ، وفي بعض الأحيان يكون الانعزال مرتبطاً بحدث مباشر يؤدي إلى تشكك الجماهير في قدرة الديمقراطية على الوفاء بوعودها بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة ، ففي باكستان لم يشارك اكثر من 26 % فقط من الناخبين وهو رقم منخفض قياساً إلى انتخاب رؤساء سابقين وفي مكان آخر كان الانسحاب من الحياة العامة رد فعل تراكمياً ففي الدورة الثانية للانتخابات الليتوانية سنة 1996 وجد ان 40% فقط من الناخبين ذهبوا الى الانتخابات لكي يفاضلوا بين حزبين عجز كل منهما عن تحسين مستوى معيشة المواطنين .

وفي فنزويلا أظهر استطلاع للرأي سنة 1996 ان واحداً على الأقل بين كل أربعة مواطنين يقولون ان التصويت بلا فائدة وان من بين 77% -88% قالوا ان ثقتهم قليلة او منعدمة في الكونغرس والسلطة القضائية والأحزاب السياسية والحكام والعمد وبهذا اصبح التصويت في خطر كبير باعتباره مظهراً دائما للديمقراطية في فنزويلا .

ان جميع ما تقدم أخذا بنظر الاعتبار ان الرأي التقليدي حول الديمقراطية اقر بان العملية لن تكون سهلة ، ولكن الأمم المتحدة حذرت في تقريرها الإنمائي سنة 1996 من انه لا يسمح بالتفاؤل في هذا المجال ويحذر التقرير ان القرن القادم قد يتصف بالعديد من الصفات الكئيبة مثل نمو بلا رحمة ونمو أبكم ونمو بلا جذور ونمو بلا مستقبل كما يوضح خطر انهيار بعض الديمقراطيات الجديدة الهشة هو خطر حقيقي بالفعل ….

على ان جميع هذه الأمور لم تجعل الديمقراطية تقفل أبوابها بل بدأت تطرح ممارسات جديدة منها تفويض السلطة ومنها تطور الديمقراطية نتيجة اختلاطها بالثقافات غير الغربية .أما تفويض السلطة وهو نقل السلطة من العاصمة والصفوة التقليدية إلى تجمعات اصغر تعتبر اهم صفة لديمقراطيات أمريكا اللاتينية ووسط أوربا وأفريقيا واسيا ففي بوليفيا تعتبر هذه التجربة أكثرها راديكالة حيث أنشأت بوليفيا نظاما جديدا للمشاركة الجماهيرية والذي بمقتضاه يتم نقل السلطة والموارد التي تركزت لمدة طويلة في ثلاث مراكز حضرية إلى 311 مجلساً وقد أدى هذا النظام إلى الإسراع بشكل كبير في تحقيق الديمقراطية ، فالقرى والمدن الآن لم تعد تلجا إلى السلطات الإقليمية او القومية لإنجاز كل شيء بداية من الكهرباء وحتى مقاعد التلاميذ في المدارس والهدف من ذلك هو تمكين المجتمعات المحلية من توفير الخدمات وحل المشكلات تبعاً للاحتياجات والأولويات المحلية وذلك كإجراء وقائي لمنع سوء استغلال السلطات على المستوى المركزي .

وفي إفريقيا أقامت الحكومة الديمقراطية الأولى في مالي بالتحول إلى اللامركزية كوسيلة لجذب السكان إلى الحياة العامة فقد قامت مالي بتحويل السيطرة على الوظائف الإدارية والمالية السياسية بما فيها التعليم والصحة والتنمية إلى اكثر من خمسمائة من المجتمعات المحلية المدنية والريفية حيث تقوم كل منطقة بتحديد قيمة الضرائب وتوزيع إيراداتها ، ولتشجيع التعبير عن الاحتياجات المحلية والحد من الفساد فان كل منطقة من هذه المناطق تتفاوض مباشرة مع الجهات الأجنبية المانحة للمساعدات .

ان تفويض السلطة يساعد أيضا على سد الطريق أمام محاولات الانتقال للديكتاتورية عن طريق انتشار السلطة وابعادها عن متناول الجيوش ومراكز القوى وهي مشكلة تصادفها الدول المجاورة لمالي ، حيث انتكس التقدم الديمقراطي في النيجر وجامبيا بسبب التدخل العسكري حيث تقدم الجيش النيجري لتزييف أول انتخابات ديمقراطية للدولة النفطية الغنية ، كما تمكن الدكتاتوريين السابقون من الفوز في الانتخابات الديمقراطية في كل من بنين وبوركينا فاسو وغيرها 0

من ناحية أخرى فان تفويض السلطة المحلية يوفر آلية لتخفيف التباينات العرقية والطائفية ، فأثيوبيا تتباهى بأنها واحدة من اكثر التجارب الراديكالية لتفويض السلطة في إفريقيا في محاولة منها لمنع الحركات الانفصالية حيث ان التباينات بين 80 جماعة عرقية في أثيوبيا والتي تستخدم 12 لغة رئيسية وثلاث أبجديات ، أدت إلى حدوث مجموعة كبيرة من النزاعات خلال فترة الحكم الملكي والشيوعي – انفصلت إرتريا عن أثيوبيا عام 1993 – وكجزء من التحول الديمقراطي في أثيوبيا والذي ما زال في المهد ، قامت أثيوبيا بوضع دستور جديد وزعت من خلاله السكان البالغ عددهم 55 مليون شخص على تسع ولايات على أسس عرقية ، ومنحتهم صلاحية الحكم الذاتي وأعطتهم حتى حق الانفصال .ان تفويض السلطة ينطوي على المشاركة في حل المشكلات والمشاركة في السلطة فهو يشرك عددا كبيرا من الفاعلين في تحمل الأعباء وكذلك في الاهتمام بالحصول على نتائج جيدة ، كما ان إشراك الرجال والنساء حتى في المناطق البعيدة جدا في مسؤوليات السلطة يحول دون ظهور المشاكل المرتبطة بالتنافس والصراع على الموارد ويخفف من احتمالات حدوثها

ولعل آخر التحديات التي يبحثها الكتاب هو إدماج الديمقراطية في الثقافات غير الغربية من بوليفيا إلى بوتسوانا وما وراء ذلك حيث مزجت بوليفيا بين الديمقراطية الغربية والعادات والتقاليد المحلية حيث يسمح برنامج المشاركة الجماهيرية للمجتمعات الريفية بانتخاب ممثلين محليين كما كان يحدث منذ قرون من خلال النظم القائمة على العشائرية ،وفي بوتسوانا التي تعتبر اكثر الدول الأفريقية استقرارا تم مزج الديمقراطية بالتقاليد القبلية البتسوانية وتمت مواءمة مؤسسات الدولة بما يتفق والهياكل القبلية ،كما يعتبر البرلمان امتدادا للمجلس القروي التقليدي وتعتبر قدرة الديمقراطية على التكيف مع خصائص البيئات الجديدة اختبارا حقيقيا لقدرتها على الاستدامة والاستمرار ،وللتأكيد على الحاجة إلى المرونة في التطبيق الديمقراطي حدد مكتب البيت الأبيض بالديمقراطية سنة 1993 خمسة مبادئ أساسية يمكن من خلالها الحكم على الديمقراطية وهي : حرية ونزاهة الانتخابات ، حقوق المعارضين السياسيين في العمل بحرية كاملة ، وضع قيود على السلطات التعسفية للدولة وبخاصة أعمال القبض والاحتجاز والتعذيب ضمن أشياء أخرى ، وحقوق المواطنين في التنظيم في اقليات في العمل او حول اهتمامات أخرى ، وقضاء مستقل للرقابة على سلطة الدولة ، وأكد المكتب انه فيما يتجاوز هذه النقاط فان هناك مجالا كبيرا لاختلاف التطبيقات الديمقراطية .

وهكذا ينتهي المؤلف في كتابه إلى خاتمة يقول فيها (ان مستقبل الديمقراطية وقدرتها على التغلب على التحديات المتزايدة يتحدد جزئيا عن طريق قدرتها على كل من تفويض السلطة لأطراف أخرى غير الصفوة التقليدية ، وتحقيق مزيد من التطور خارج الإطار التقليدي للمجتمعات الغربية ،وبعدما شكلت الديمقراطية بالفعل مصدر الهام لأهم التغيرات السياسية في القرن العشرين فان الديمقراطية تعد بمزيد من الاستحداثات المستقبلية في القرن الحادي والعشرين ، والتي في بعض الأحيان تكون في اتجاهات غير مألوفة ومع ذلك فان التطور الديمقراطي وتفويض السلطة للمحليات ليس من المحتمل ان يتمكن من مواجهة تحديات الديمقراطية بشكل كامل خاصة التحديات المرتبطة بالتوقعات الاقتصادية في الديمقراطيات الجديدة ولمنع النكسات على الديمقراطيات القديمة ان تكون اكثر تفهما للأعباء الاجتماعية ، وان تكون كريمة في تقويم المعرفة والمصادر التي يحتاجون إليها لتخفيف آلام عملية التحول وفي النهاية فان الديمقراطية قد تكون من اكثر الأيدلوجيات التي يعرفها العالم صلابة ،ولكنها مع ذلك معرضة بشكل كبير للانتكاس بسبب ما تحمله من وعود كثيرة بالرخاء .أما بالنسبة لتطبيق الديمقراطية في المجتمعات الدينية مثل الدول الإسلامية فقد طرح المؤلف مفردات لبعض المفكرين عن العلاقة بين الإسلام والديمقراطية

بعض المصادر

1-ازمة المجتمع العربي- د سمير امين

2التفكير المستقسم والتفكير الاعوج روبرت هـ ثاولس

3- السلوك الحضاري والمواطنة

4- تشكيل العقل الحديث

5- الثقافة العربية وعصر المعلومات

6- مجلة الثقافة الجديدة

7- بعد الامبراطورية –امانويل طود

8- بناء مجتمع من المواطنين –جمع من علماء الاجتماع

9- الطريق الثالث –غادة موسى

10- الديمقراطية –التحديات والابتكارات في التسعينات

11- النتوقراطية-الكساندر بيرد –وجان سودير

12- تحدي العولمة ووعدها الخفي-جون ميكلويث وادريان وودريج

13- الفساد والحكم -سوزان

14- مستقبل الحرية-الديمقراطية غير الليبرالية-فريد زكريا

مجموعة مقالات عبر الانترنت


(1) منشور على الإنترنت يونيو 2003 اسم الكتاب : مستقبل الحرية – الديمقراطية غير الليبرالية في الداخل والخارج .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)