السياسة الانتخابية بالمغرب: الإشكاليات والتحولات

كان من الضروري لعلم السياسة المغربي أن ينتبه إلى حجم التضخم داخل التداول السياسي العمومي لموضوعة الانتخابات ولموقعها داخل الخطاب الإصلاحي. 1

والواقع أن التفكير في دراسة السياسة الانتخابية بالمغرب، يبقى موضوعيا، محكوما بمجموعة من الملاحظات الإشكالية التي تؤطر الحقل الانتخابي بسياج من الخصوصية المغربية، التي تفرض استحضارها في خلفية، التناول المنهجي لتفادي الإسقاطات المحتملة للمعادلات السياسية التي تحكم نظريا النظم الانتخابية.

غير أن هذا الاستحضار، لا يلغي شرعية التساؤل حول علاقة التحولات التي تطال السياسة الانتخابية من خلال هندستها وموضوعها ومعادلتها، بالتحولات السياسية العامة التي تطال النظام السياسي/ ومن ثم يحث مدى تجاوب هذه التحولات مع خلاصات الإصلاح الانتخابي في الحالات المقارنة لتجارب الانتقال الديمقراطي.

أولا: الحقل الانتخابي المغربي بين إشكاليات: التنافسية، التسييس والرهانات.

يمكن القول بأن تاريخ تناول علم السياسة المغربي للظاهرة الانتخابية، هو تاريخ الجدل حول مدى تنافسية هذه الانتخابات، لقد قوبلت بعض الأبحاث التي تناولت الحقل الانتخابي المغربي(أساسا انتخابات 1977) اعتمادا على المعطيات الرسمية المعلنة،2 بكثير من المآخدات التي عابت على هذه الأبحاث تعاملها مع الانتخابات المغربية كانتخابات تنافسية 3

وعموما يبدو اليوم أن النقاش حول الانتخابات المغربية هل هي تنافسية أم غير تنافسية أم نصف تنافسية أم انتخابات مرتبة، لم يعد حاضرا بنفس القوة كحاجز يمنع التناول العلمي للظاهرة الانتخابية، انطلاقا من مقتربات السوسيولوجيا الانتخابية التي لا تسجن نتائج الاقتراع في الدائرة الأخلاقية (صادقة أم غير ذلك) وإنما تتعامل معها كصيرورة اجتماعية يشارك فيها عدد كبير من الفاعلين الاجتماعيين وما يرافق ذلك من تفاعلات وصراعات4 وهذا ما يجعل جوانب اللاتنافسية هي الأخرى موضوعا للبحث والمساءلة.

الإشكالية الثانية التي تسم الظاهرة الانتخابية المغربية، هي إشكالية الرهانات.5يتعلق الأمر هنا بالسؤال عن المعنى السياسي للانتخابات، وعن أثر نتائج الاقتراع على الحياة السياسية، وعن حدود إنتاج الحقل الانتخابي المغربي لرهانات حقيقية؟

تصبح هذه الأسئلة ذات حمولة إشكالية، عندما نعرف أن السلطة في المغرب ليست موضوعا للتنافس الانتخابي لأنها خارج المجال الحديث (المؤسسات، الاقتراع،...) وخارج "سلطة" الاقتراع العام.

لذلك فالمؤكد أن الانتخابات المغربية ليست بالضرورة أداة للتعبير عن اختيار المواطن وآلية لممارسة سيادته حيال قضايا الشأن العام والمجتمع المنتمي إليه، أو آلية لإفراز أغلبية برلمانية مدعوة للحكم.6

غير أن غياب الرهانات الحقيقية للظاهرة الانتخابية المغربية، لا يلغي أن ثمة وظيفة أو وظائف تؤديها هذه الظاهرة داخل النظام السياسي، على مستوى إضفاء الشرعية وإنتاج النخب المساهمة في العمل التنفيذي إلى جانب المؤسسة الملكية وضمان فضاء لتعبئة جماهيرية واسعة حول شعارات النظام السياسي، وتعزيز آليات الإدماج والوساطة

الإشكالية الثالثة التي تزيد من تعقيد الظاهرة الانتخابية أمام المقاربات والإطارات التفسيرية، هي إشكالية التسييس.

________________________________________________________________________

-1in colloque transition democratique au Maroc Saaf A : « la transition démocratique au Maroc »

Fondation A.Bouabid, cahier n12-1997 p.53-57

2- يتعلق الأمر أساسا بالعمل الجامعي لمصطفى السحيمي الذي اتخذ كموضوع له انتخاب يونيو 1977 والذي صدر فيما بعد ككتاب:Mustapha SEHIMI « Etudes des éléctions législatives au Maroc » Edition Somodel. Casablanca

3 - انظر حول هذا النقاش: محمد معتصم "الحياة السياسية المغربية" مؤسسة أيزيس للنشر الدار البيضاء 1992. ص 132

4 - حسن قرنفل " النخبة السياسية والسلطة" إفريقيا الشرق.1977 . صفحة 40.

5 - هناك من الباحثين من يربط إشكالية الرهانات، بمدى تنافسية الانتخابات، حيث أن التنافسية تقتضي ضمنيا احترام شروط: الحرية والمنافسة والرهانات الحقيقية. أنظر المؤلف الجماعي

« Des élections pas comme les autres » Presses de la fondation National des Siences Politiques 1978

6 - أحمد بوز الانتخابات المغربية والإصلاح المطلوب" ورقة مقدمة إلى المركز العربي للإصلاح. وثيقة غير منشورة.

إن الصعوبة هنا، هي قراءة النتائج، اعتمادا على كون الانتخابات- بالتعريف الكوني- لحظة للحرية وللفرز وللقرار، لحظة لتكثيف السياسية والصراع السياسي بين القيم والبرامج والمشاريع المجتمعية المتنافسة.7

نعم أن السلوك الانتخابي، علميا، ليس سلوكا عقلانيا بالضرورة، لكن هشاشة التقاليد الحزبية وتخلف البنيات المجتمعية وتدني الوعي المدني وانحصار فضاءات المواطنة، وضغط الدوائر العائلية والقبلية والزبونية على القرار الفردي المستقل... كل هذه المعطيات المغربية تعمق ضعف منسوب المؤثرات السياسية داخل الحقل الانتخابي الذي يكاد في حالات كثيرة يتحول إلى حقل لاسياسي.8

إن المؤكد أن هذه الإشكاليات الثلاثة، تقدم أبعادا أخرى لازمة التمثيلية التي يعرفها المغرب، والتي تجعل الانتخابات جزءا من مسطرة تعيين النخبة أكثر منها صورة حقيقية للمجتمع السياسي. 9

ولعل هذه التعقيدات الموضوعية للظاهرة الانتخابية المغربية، هي التي تجعل تغيير أشكال الاقتراع المختلفة، غير قادرة على الوصول إلى نتائج مخالفة،10 ولا يحمل عادة إلا أثارا محدودة.

ثانيا: تمظهرات التحول الذي طال السياسة الانتخابية بالمغرب

يمكن بحث تمظهرات تحولات السياسة الانتخابية من خلال رصد بداية تحول هذه السياسة إلى سياسة عمومية تم الوقوف على تحول موضوع ومضمون السياسة الانتخابية، تم الانتباه إلى التحول في هندسة هذه السياسة وفي معادلتها.

1- بداية تحول الساسة الانتخابية إلى سياسة عمومية

التأشير لهذه البداية، يتعلق أساسا، بالانتخابات التشريعية لستنبر 2002، حيث تعاملت الدولة مع هذه الاستحقاقات بناء على مقاربة "خارجانية" جديدة، مبنية على أجندة وفاعلين وأهداف مسطرة وتقنيات قابلة للتنفيذ، وهذا ما جعل بعض الباحثين، يتحدث عن الرغبة في إخراج المعادلة الانتخابية من حقل التمثيل إلى حقل السياسات العمومية. 11

وهذا ما جعل هذه الاستحقاقات تكاد تدخل في نطاق الصفقات السياسية العمومية، التي تطلب من خلالها الدولة من الأحزاب السياسية تقديم عروض سياسية للناخبين من أجل الوصول إلى هدف أساسي هو إعادة تركيب المشهد السياسي. 12

ولعل ما زكى هذا الطرح، هو الجهد التواصلي القوى الذي رعته الدولة بمناسبة التحضير لهذه الانتخابات التشريعية، تحت شعار "النزاهة" و"المصداقية"، وهو الجهد الذي جعل الدولة، شكليا، تعيد موقعة نفسها كطرف فوق وخارج الصراع والتنافس الانتخابي والسياسي، كحريصة على ضمان المشاركة، ضمن شروط أفضل.

2- تحول موضوع السياسة الانتخابية: من النزاهة إلى نمط الاقتراع

شكلت في السابق موضوعة النزاهة البؤرة المركزية للنقاش العمومي حول السياسة الانتخابية، حيث طورت الأحزاب المعارضة السابقة، طوال أكثر ثلاثة عقود، دفترا مطلبيا مرتبطا باقتراحاتها لإصلاح المنظومة الانتخابية، وهو الإصلاح الذي ظل يشكل ركنا بارزا من أركان الإصلاح السياسي، المطالب به.

____________________________________________________________________

7- حسن طارق"من أجل عودة السياسة للحقل الانتخابي" جريدة "دفاتر سياسية" عدد 83 بتاريخ يوليوز 2006 صفحة10 .

8- هذا ما جعل أحد الفاعلين السياسيين يصف الانتخابات بأنها ظاهرة سوسيولوجية أكثر مما هي ظاهرة سياسية، ويتعلق الأمر بالسيد محمد الساسي أحد قياديي الحزب الاشتراكي الموحد.

9- "الحكامة والتنمية التشاركية" تقرير موضوعاتي ضمن تقارير 50 سنة من التنمية البشرية، تحت إشراف مريم زنيبر ومصطفى خروفي. صفحة 59. انظر كذلك كتابات محمد الطوزي حول خصوصية مفهوم التمثيلية في النظام السياسي المغربي.

10- محمد الغالي "نمط الاقتراع عبر التجارب الدستورية والسياسية المغربية" في "الانتخابات التشريعية: الدلالات والأبعاد" مؤلف جماعي منشورات جامعة الحسن الأول، يناير 2005، صفحة 32.

11- أنظر أساسا: ع الرحيم منار السليمي " انتخابات 27 شتنبر في الحقل السياسي المغربي: أي مسلسل" في "الانتخابات التشريعية: الدلالات والأبعاد السياسية" م.س صفحة 37

12- نفس المرجع السابق

التحولات المرصودة على مستوى السياسية الانتخابية،ترتبط هنا بالتراجع الملحوظ في المطالب الإصلاحية للمنظومة الانتخابية، لدى أحزاب المعارضة السابقة، وهذا التراجع هو ما جعل الأساتذة رقية المصدق، تصفه بأنه أعنف انقلاب قادته أحزاب الأغلبية الحكومية، على نفسها،13 بمناسبة التهيء لانتخابات 2002، عندما تخلت عن شروطها التاريخية الثلاث:

· مطلب اللجنة المستقلة والمحايدة للأشراف على الانتخابات.

· مطلب إشراك المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات.

· مطلب إبعاد وزارة الداخلية عن تدبير ملف الانتخابات.

ويمكن القول بأن موضوع السياسة الانتخابية، قد تحول من التقاطب حول إشكاليات النزاهة إلى النقاش حول نمط الاقتراع والتقنيات الانتخابية.

هنا، مع هذا التحول، لا بد أن نتساءل عن ما إذا كان هذا اللجوء المتصاعد للهندسة الانتخابية كمتغير تابع لتناقص إمكانية التزوير الانتخابي المباشر، حيث غالبا ما تلجأ الأنظمة السياسية غير التنافسية، إلى وسائل أقل وضوحا لضمان التحكم في النتائج الانتخابية، ومن تم تغدو التشريعات المتعلقة بأنظمة التصويت وإجراءاته، والجغرافية الانتخابية، مساطر التمويل... أدوات مفيدة للوصول إلى نتائج مقبولة بغير اللجوء لتزوير الأصوات أو التجاوزات الانتخابية المباشرة14

3- تحول هندسة السياسة الانتخابية: من منطق الدولة إلى منطق التراضي إلى منطق الأغلبية:

بعيدا عن أي رغبة في التحقيب، يمكن القول بأن هندسة السياسة الانتخابية بالمغرب ظلت موزعة بين ثلاثة صيغ، الصيغة الأولى هي ما يمكن تسميته بمنطق الدولة، الثانية هي ما يمكن تسميته بمنطق التراضي، الثالثة هي ما يمكن تسميته بمنطق الأغلبية.

- منطق الدولة: يبدو بشكل واضح كمحدد حاسم وراء هندسة السياسة الانتخابية، خلال فترة ما بعد الاستقلال السياسي، حيث كانت السياسة الانتخابية بمثاية امتداد طبيعي لرهانات الدولة الباحثة عن تعزيز مشروعيتها، في لحظة صراع سياسي قوي للمشروعيات، لذلك كانت هذه السياسة الانتخابية تحمل بصمات الاحتراز، وكانت الدولة تعتبر نفسها طرفا في التنافس الانتخابي، لذلك تم تحديد التوجهات الأساسية للتدبير الانتخابي بمنطق محاصرة المعارضة الراديكالية، وبمنطق الحرص على عدم تسييس اللحظة الانتخابية، والحفاظ على شبكة الأعيان كمورد أساسي للنظام السياسي، واستغلال ارتباطات العالم القروي بالسلطة المركزية كاحتياطي انتخابي وسياسية.

- منطق التراضي: ارتبط هذا المنطق بحقبة التسعينات، وبالطلب الشهير لأحزاب الكتلة بالتحكيم الملكي في موضوع القوانين الانتخابية. وهذا ما جعل هندسة السياسة الانتخابية خلال تلك اللحظة، تتأسس على منطق التراضي. حيث ثم إخراج النقاش حول السياسة الانتخابية من حقل المؤسسات ومن منطق المساطر والدستورانية.

- منطق الأغلبية: يبدو هذه المنطق أكثر حضورا خلال التهيء للانتخابات التشريعية لكل من 2002 و 2007، حيث تتحول السياسة الانتخابية إلى سياسة عمومية عادية وطبيعية، تخضع لمسار القرار التشريعي والسياسي الطبيعي، المحكوم بمنطق الأغلبية والأقلية.

إن استحضار مسلسل النقاش حول نمط الاقتراع بمناسبة التحضير للانتخابات التشريعية لعام 2007، يتطلب الإشارة إلى دور المجلس الدستوري في ضبط وإعادة صياغة القانون الانتخابي بناء على تأويل النص الدستوري. وهذا ما يجعل منطق المؤسسات يبقى حاضرا كذلك في هندسة السياسة الانتخابية.

ما يبقى من الواجب استحضاره هنا، هو أن تحولات الهندسة الانتخابية، الموزعة بين الصيغ السياسية المذكورة، لا يعني بالضرورة أن الأمر يتعلق بتحقيبات جامدة. فمنطق الأغلبية مثلا لا يلغي بكل تأكيد حضور الدولة كاستراتيجية ورهانات. طبعا ما وقع هو نوع من إعادة انتشار لهذا الحضور وتنويع لأشكاله.

____________________________________________________________________

13-د رقية المصدق "منعطف النزاهة الانتخابية" دار النجاح، الدار البيضاء. 2006

14- هندريك ج. كرايتشمار "إصلاح نظم الانتخابات: الحالة العربية" مقال بمجلة الديمقراطية ع 21. سنة 2006

4- تحول معادلات السياسة الانتخابية: من معادلة المعارضة / الدولة إلى معادلة أحزاب / أحزاب إلى معادية مجتمع مدني / أحزاب.

كما وقعت تحولات على موضوع السياسة الانتخابية وهندستها، فقد مست هذه التحولات كذلك أطراف معادلات تقاطب النقاش حول السياسة انتخابية. فالمعادلة التقليدية التي تجعل من نقاش التدابير الانتخابية، محصورا بين المعارضة والدولة. تحولت إلى معادلة سياسية جديدة، قوامها تقاطب سياسي حول السياسة الانتخابية بين الأحزاب السياسية نفسها.

هذه المعادلة قد تأخذ شكل أحزاب أغلبية وأحزاب معارضة، كما قد تأخذ أشكالا أخرى كما وقع بمناسبة النقاش العمومي الصاخب، حول القانون التنظيمي لانتخابات مجلس النواب، قبل انتخابات 2007، حيث تحولت المعادلة إلى تقاطب بين الأحزاب "الكبيرة" والأحزاب "الصغيرة".

ولا شك أن تصاعد موجة المطالية بتخليق الحياة الانتخابية، والتحول الذي طال ظاهرة الفساد الانتخابي التي لم تعد بالضرورة مرتبطة بالسلطات العمومية، بقدر ما أصبحت مرتبطة بممارسات بعض الأحزاب السياسية نفسها، حيث تم الانتقال من مرحلة الإفساد إلى مرحلة الفساد،15 قد خلق اتجاهات جديدة لمعادلات السياسة الانتخابية، أصبح معها تقاطب النقاش والاقتراحات يأخذ بعدا جديدا، هو معادلة المجتمع المدني / الأحزاب السياسية، 16 هذه المعادلة التي تحضر أكثر في مطالب التمثيلية النسائية.

ثالثا: تساؤلات حول تجاوب هذه التحولات مع الخلاصات المقارنة لتجارب الإصلاح الإنتخابي

يمكن التمييز عموما بين أربعة مسارات ممكنة لدينامية الإصلاح الانتخابي، المسار الأول يتعلق بإصلاح المنظومة الانتخابية ضمن نظام ديمقراطي تمثيلي، المسار الثاني يتعلق بإصلاح ضمن نظام ديمقراطي غير تمثيلي، المسار الثالث يتعلق بإصلاح ضمن نظام استبدادي، المسار الرابع يرتبط بالإصلاح الانتخابي في فترات الانتقال والخروج من الاستبداد.17

بالنسبة لتفسير جدوى الإصلاحات الانتخابية داخل الأنظمة غير التنافسية، فالمؤكد أن هذه الإصلاحات ترتبط أساسا بالمصلحة الاستراتيجية للنخب الحاكمة وبتفاعل هذه النخب مع الوافدين الجدد على الحياة السياسية وتأخذ هذه الإصلاحات شكل إحدى ثلاثة سيناريوهات محتملة.

السيناريو الأول يرتبط بعدم ثقة النخب الحاكمة في قوتها النسبية بعد التحول، السيناريو الثاني يرتبط بعد تكافئ علاقات القوى داخل الحقل السياسي، حيث يتم التوجه إلى النظام التمثيلي النسبي في حالة قوة المعرضة، وعلى العكس عندما تكون قبضة النخب الحاكمة قوية، يتم الإبقاء على الحد الأدنى للتمثيل، السيناريو الثالث يرتبط بطبيعة الأحزاب السياسية الصاعدة. إذ في حاله ما إذا كانت هذا الأحزاب مجرد امتداد لمجموعات من الشخصيات المحلية، فإن الصياغة الانتخابية غالبا ما تتجه نحو التركيز على أشخاص المرشحين. 18

إذا كانت روح الإصلاح الانتخابي، داخل الأنظمة غير التنافسية، تتمثل في حرص النخب الحاكمة على الحد من المكاسب "الزائدة عن الحد" للمعارضة، 19 فإن الإصلاحات الانتخابية، داخل مسارات الانتقال الديمقراطي، تتميز عموما بالحرص على الوفاء لشرط احتواء وإدماج جميع القوى السياسية المعبرة، 20 هذا الإدماج الذي من المفترض أن لا يقف عند حدود التمثيل، أي عند مستوى الحضور في المؤسسة البرلمانية، بل يجب أن يتعداه إلى مستويات اتخاد القرار داخل هذه المؤسسة المذكورة فضلا عن الحضور في التشكيلية الحكومية.21

______________________________________________________________________

15- لم يعد من الممكن الحديث عن الدولة كفاعل مركزي في إفساد العمليات الانتخابية، بل توازي حياد الدولة بظهور ممارسات مخلة بأخلاقيات

الانتخابات داخل فضاء الحقل الحزبي.

16- يتعلق الأمر أساسا بدينامية المجتمع المدني المطالبة بتخليق الحياة الانتخابية، خاصة بعد انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين بتاريخ 8

ستنبر 2006..

17- "النظم الانتخابية: دراسة حول العلاقة بين النظام السياسي والنظام الانتخابي": عبد وسعد، علي مقلد، عصام نعمة إسماعيل، منشورات

الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005 صفحة 115,

18- هندريك ج. كرايتشمار "إصلاح نظم الانتخابات: الحالة العربية" م س صفحة 18-19

19 - المرجع السابق صفحة 20..

20Pierre Martin « le rôle des modes de scrutin dans le processus de démocratisation intervention dans le xiiè congrés de l’A.F.S.P- lille, 18,19,20,21 septembre 02

21- O.P Cit

ومن هنا بحث الهندسة الانتخابية، لفترات الانتقال على النموذج التجميعي الذي يضمن تمثيله ديمقراطية مع حكومة مستندة إلى تحالف واسع، عوضا على النموذج الانتخابي الذي يؤدي إلى تناوب سياسي مبني على تصادم كتلة سياسية ضد أخرى.

هكذا إذن تبدو ملامح نمط الاقتراع والسياسة الانتخابية الانتقالية، سياسة انتخابية مدمجة، لا تجعل أي من القوى السياسية ذات الامتداد الاجتماعي تشعر بالإقصاء، سواء كان إقصاء من التمثيلية أو من المشاركة. سياسة انتخابية قادرة على إفراز قوى سياسية "مسؤولية" اتجاه مسلسل التحول والانتقال. سياسة انتخابية تؤمن مبدأ مساواة المواطنين في الاختياز والمشاركة.

سياسة انتخابية تستطيع إفراز قوى سياسية مهيكلة ذات امتداد وطني بعيدا عن رهن الخريطة الانتخابية بقوة الأعيان المحليين. 22

إن استحضار المعطيات المذكورة، لاشك أنه يطرح بعض الأسئلة حول خلاصات السياسية الانتخابية في بلادنا، 23 والمؤكد أن هذه الأسئلة إذا كانت مرهونة بالتكييف الذي تتطلبه قراءة التحولات السياسية لبلادنا، والموزع بين الإسراع بالحديث عن تحقق شروط الانتقال الديمقراطي، وبين التريث في تقدير والتعامل مع هذه التحولات كمرحلة خروج "مؤكد" من السلطوية. فإنها من جهة أخرى تبقى محكومة بالشروط الخاصة للحقل الانتخابي المغربي.

ولعل هذا ما يجعل تحولات السياسة الانتخابية المغربية، أكثر تعبيرا عن استراتيجية ورهانات الدولة والسلطة السياسية، مما هي مؤشرات لتفاعل الحقل الانتخابي مع أي تحولات سياسية معينة، خاصة عندما يتم التفكير في خطاطة الإصلاح الانتخابي لأزمنة الانتقال كأرضية لأية مقارنة مفترضة.

حسن طارق

أستاذ باحث بكلية الحقوق بسطات

________________________________________________________________________________________

22 - O.P Cit

23 - من الملاحظ مثلا أن فكرة "المشاركة" لم تكن هي الفكرة المركزية للهندسة الانتخابية في أفق 2007، بل إن جزءا من النخب جعل من فكرة "العقلنة"،عقلنة الحياة الحزبية، خلفية لتمثلاته حول فلسفة الاصلاح الانتخابي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها