مستقبل المسلمين و التحولات الاقتصادية

الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة السلام علي سيدنا محمد صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

يبدو عالم اليوم منقسما علي نفسه، بعضه قائم على الأخلاق مهمل لقوانين السلوك البشري الشرعية مهمل لقوانين الطبيعة، والآخر يعكف على الطبيعة علم أسرارها ووظفها. مضربا عن مكارم الأخلاق، قائلا بنسبتها لا حتميتها...

فهل هذا هو قدر العالم حتماً أم أمر طارئ في عالم اليوم؟ وهل الإنسان يستطيع أن يجمع بين التقوى والتقانة ؟ ثم بأيهما تتحقق سعادته بالجمع أم بالفرق؟ وإذا كانت السعادة للبشر تتحقق بكلا القانونين الطبيعي والشرعي، فما هو السبيل إلى تحقيق هذا الجمع؟

لعل هذا المدخل يمهد لنا دخول الموضوع بشرعية فقهية معاصرة تحاول معالجته المعالجة الفكرية المتبصرة والمتفتحة نحو المعرفة التي تعتبر سلعة ذات منفعة عامة تدعم الاقتصاديات والبيئة السياسية والمجتمعات.

شهد العالم بعض التحولات الكبرى السياسية، والعسكرية، والفكرية، والتقنية أو الاقتصادية وسواها وبنسب مختلفة، تركت آثارها في منظومة العلاقات الاقتصادية، وكان المسلمون في قلب الحدث المتغير فاعلون فيه ومنفعلون به يحيوا في خضّم مسبباته وتطوّراته وتداعياته [1]وتعد تكنولوجيا المعلومات وضمنها البرمجيات ، من أهم دعائم هذه التحولات الاقتصادية . مع وجود رغبة دفينة أو معلنة منذ فترة في التوسع والسيطرة التي تمثلها العولمة لكن هذه التحولات على أهميتها لا تمثل سوى صورة بسيطة باهتة من تلك الحملة الهائلة التي انطلقت رسميا بعد الحرب العالمية الثانية، وفعلياً في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات مع تفكك الاتحاد السوفيتي، وانفجار ثورة الالكترونيات وبداية عملية الخصخصة وتحرير السوق وإعادة الهيكلية الاقتصادية وقيام منظمة التجارة العالمية عام 1994[2].

وصهر المبادلات التجارية وتنقل رؤوس الأموال وعوامل الإنتاج والسلع، بما في ذلك التكنولوجيات الحديثة على أنماط القيادة الاقتصادية والسياسية، والاقتصاديات القروية والوطنية والإقليمية في اقتصاد عالمي موحد بعد أن صار العالم سوقاً واحدة، وإن التجارة العالمية تبدو وكأنها في نمو مطرد يستفيد منه الجميع بعد أن غدا العالم قرية كونية متشابهة النمو ومتلاحمة بجميع أجزائها، وخاصة بعد الدور الذي لعبته الأقمار الصناعية وشبكة الانترنت ومختلف أشكال ثورة الاتصالات الرقمية [3] .

يفرض هذا الطرح الأسئلة التالية:

ما هي التحولات والمتغيرات الاقتصادية في عالم اليوم؟ وأي مستقبل اقتصادي للمسلمين في عالم العولمة وتحرير الأسواق؟

التحولات الاقتصادية:

تتزاحم المتغيرات الاقتصادية [4] في كل اتجاه وتتعاظم حجما وأهمية لتبلغ حدود التغيير الكامل أحيانا وتشمل شتى المجالات لاسيما مجال إعادة الهيكلة بعناصرها المختلفة.

تفرض التحولات الاقتصادية، كما بات واضحا إعادة هيكلة شاملة تتضمن المجال الاقتصادي وجميع جوانب الحياة الاجتماعية سياسيا واجتماعيا وثقافيا ويلخصها البعض في المؤشرات الأساسية التالية:[5]

1/ تراجع حجم الدولة كمؤسسة، بالمعنى الاقتصادي على الأقل، لمصلحة دور أكبر يتولاه القطاع الخاص. وقد بدأ الترويج لهذا التطور منذ وقت طويل، منذ السبعينات خاصة مع تفشي سياسات الخصخصة "الخوصصة" وتحرير الاقتصاد، إلى درجة أصبحت معها مفاهيم عديدة موضع تساؤل لعل أهمها مفهوم سيادة الدولة والأمن القومي الشامل.

2/ تنامي دور الشركات المتعددة الجنسيات، التي لها عالمها الخاص وأنظمتها الخاصة لرجالها المتعددي الجنسية أيضا وعملاتها وأمنها… والتي كبرت بسرعة في ظل التطاحن فيما بينها، وفي ظل عمليات الدمج حتى بات العديد منها أكبر من دول كبرى. وبلغ عدد الشركات نحو 30 ألفا ، وصل إجمالي أعمالها إلى أكثر من نصف الناتج العالمي القائم، وتقدر أصول هذه الشركات بنحو 92 تريليون دولار وعدد العاملين فيها بنحو 35 مليونا . واستنادا إلى تقارير البنك الدولي ، فإن حجم أعمال خمس شركات رئيسية تجاوز في عام 1996 مجموع الناتج المحلي القائم لدول آسيا الجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء والدول الأكثر فقرا في العالم . وبدأ المحللون يتصورون عالماً مقبلاً من الشركات ،أو كما يسميه البعض العالم الشركة، بمجلس إدارة موزع في أنحاء العالم متجاوزاً حدود الدول وسيادتها . ويسيطر عدد من الشركات على جزء مهم من السوق العالمية ، إذ تعد هذه الشركات الأرض كلها سوقاً كبيراً لها، بما فيها ومن فيها بحيث تتنافس في اقتسام هذه الأراضي دون أي اعتبار لقيم أو أخلاق ، وهي نادراً ما تدخل في شكل استثمارات مباشرة طويلة الأمد وإنما تدخل بما يعرف بالأموال الطائرة ، في استثمارات قصيرة الأجل وسريعة الفوائد والتي تحقق لها عوائد هائلة دون أن يكون لذلك مردود على التنمية المحلية، بل تفاقمت معها ظواهر الفساد المالي (غسيل الأموال) والرشوة والعمولة والسمسرة وما إليها.

رغم التسهيلات والضمانات السياسية والاقتصادية التي تقدمها الدول النامية لهذه الشركات العملاقة ، وبما أن هذه الشركات يهمها الربح أولا وأخيرا. نجد اغلب الاستثمارات التي تقدمها في قطاعات غير منتجة تقتصر على السلع الاستهلاكية ذات العائد الأسرع مما يجعل مردودها على مستوى الاقتصاديات المحلية لتلك البلدان ضعيفاً.

هذا ، وأن الشركات المتعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصادياً ،وتعدد أنشطتها في كل المجالات: الاستثمار والإنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة ، ووصل الأمر إلى أنها قد صارت تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي [6] وفي ظل انفتاح الأسواق مع بعضها استطاعت هذه الشركات الاستفادة من فروق الأسعار، ومن نسبة الضرائب ومن مستوى الأجور لتركيز الإنتاج بالمكان الأرخص (في إطار ما يسمى ببرامج الشراكة) وبعد ذلك ينقل الإنتاج إلى المكان الذي يكون فيه مستوى الأسعار أعلى ويتم تسويقه هناك.

3/ انتشار برامج إعادة الهيكلة والتثبيت الاقتصادي ، وما سبقها من تحرير للأسواق في اتجاه دور أوسع لقطاع الخدمات على حساب القطاعين المنتجين للسلــع( الزراعة والصناعة) . ويتصور بعض المحللين هيكلة ذات غلبة حاسمة للقطاع الخدمي تماما.ومع التغيير الملفت في الهيكلة الاقتصادية يسجل تغيير أيضا في آليات الإنتاج فتغزو التقنيات الآلية الالكترونية نظم العمل والنشاط الاقتصادي على حساب المساهمة البشرية التقليدية ، ويفقد عدد متزايد من السلع عمقه الإنساني كما تلغى الوظائف بمعدلات متزايدة وارتفاع معدلات البطالة وبطالة حاملي الشهادات الجامعية خاصة.

4/ بالإضافة إلى ذلك ، برزت مسألة تحرير الأسواق المالية والنقدية ، التي تخلت عن معظم الضوابط التقليدية التي كانت تسيّر العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة . وكان من نتيجة ذلك أن الكتلة النقدية في ضوء عمليات التحرير هذه ، لم تعد خاضعة للسلطة النقدية المحلية (البنك المركزي) فعمليات دخول وخروج الأموال ، على نطاق واسع وبالمليارات تتم في ومضات سريعة على شاشات الكمبيوتر ، وعلى نحو جعل السلطة النقدية المحلية تقف عاجزة عن الدفاع عن أسعار الصرف وأسعار الفائدة وأسعار الأوراق المالية في البورصات . هكذا تحول العالم رهينة في قبضة حفنة من كبار المضاربين الذين يتاجرون بالعملات والأوراق المالية التي توفرها البنوك وشركات التأمين والمعاشات .

وسبب هؤلاء المضاربون أزمات أصبحت تشير إلى مقدرتهم الفائقة على التحكم في رفاهية أو فقر أمم ودول برمتها ، دون أن توجد أي سلطة ، محلية أو عالمية لمحاسبتهم أو ردعهم.

ومن خلال هذا الطرح يبدو أن اقتصاديات العولمة التي رافقت هذه التحولات إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة إلى الماضي السحيق إلي الرأسمالية فبعد قرن طغت فيه الأفكار الاشتراكية والديمقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية ،تلوح الآن في الأفق حركة مضادة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطي من مكتسبات وليست زيادة البطالة، وانخفاض الأجور، وتدهور، مستويات المعيشة، وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة ، وإطلاق آليات السوق ،وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وحصر دورها في (حراسة النظام ) وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين - وهي الأمور التي ترسم الآن ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية في غالبية دول العالم – كل هذه الأمور ليست في الحقيقة إلا عودة لنفس الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية(1850/1750) . وهي أمور سوف تزداد سوءا مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى اللبرالية الحديثة[7].

وهكذا تتحول دعوة الانفتاح علي السوق إلى أيديولوجية صارمة يجب أن يخضع لها الجميع ، وإلا فقانون الغاب سيتكفل بالعقاب .

5/ من ناحية أخرى ، يعتبر من أهم التحولات الاقتصادية التي تجري في مختلف بلدن العالم في ضوء السياسات اللبرالية الجديدة هي أن الديمقراطية التي تدافع عن – وتحمي – مصالح الأثرياء والمتفوقين اقتصاديا ، وتضر بالعمال وبالطبقة الوسطى، وهو ما نراه في الدعوة إلى التخفيض المستمر للأجور وزيادة ساعات العمل ، وخفض المساعدات والمنح الحكومية تحت حجة (تهيئة الشعوب لمواجهة سوق المنافسة الدولية).

6/ إلا أنه ، يعتبر اقتصاد المعرفة من أهم التحولات الجذرية التي شهدها العالم في عدة مجالات في القرن الواحد والعشرين وبداية الألفية الثالثة، وتلعب المعلوماتية وثورة الاتصالات الرقمية دوراً هاماً فيها .

ومن هذه التحولات توجه الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ نحو المعرفة أكثر من أي وقت مضى ليصبح ما يسمى بالاقتصاد المبني على المعرفة.

ويرافق ذلك أيضا تغيرات اجتماعية تجعل بعضنا يسمي المجتمعات القادمة بمجتمعات المعرفة(مجتمعات المعلومات).

وتتركز أهم المتغيرات التي فرضتها هذه التحولات العالمية في الآتي:-

- ازدياد أهمية الاقتصاد المبني على المعرفة.

- تزايد دور المعرفة في فعاليات الإنتاج والخدمات

- تزايد اعتماد النمو الاقتصادي والاجتماعي على المعرفة

- اعتبار المعرفة من الأصول الأساسية الهامة للشركات والدول.

- اهتمام اكبر بالحفاظ على سرية المعرفة ، وازدياد أهمية المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية WIPO .

- تعاظم دور المعلوماتية في الإدارة والاقتصاد.

- ازدياد أهمية القوى العاملة ذات المعرفة على حساب أهمية القوى العاملة العادية.

- ازدياد ظواهر احتكار المعرفة باندماج الشركات التي تملكها للحفاظ عليها.

- الميزات التنافسية لفعاليات الإنتاج والخدمات التي باتت تعتمد على المعرفة أكثر مما مضى.

وتلعب المعلومات دورا كبيرا في حصول هذه التغيرات أو التحولات ، فبات من الضروري للدول الإسلامية الاستفادة من الفرص التي تتيحها المعلومات والاتصالات لتحقيق التعاون الاقتصادي والاجتماعي.[8]

وتبدو قتامة المستقبل الذي سيكون صورة من الماضي المتوحش للرأسمالية في فجر شبابها ، إذا ما سارت الأمور على منوالها الراهن، والسؤال الذي يطرح في هذا المستوى من البحث في أي موقع تتموقع المجتمعات الإسلامية في عالم اليوم المعرفي والالكتروني؟

أثر هذه التحولات الاقتصادية على المسلمين:

ارتبطت التحولات الاقتصادية هذه ، بعملية تدويل النظام الاقتصادي الرأسمالي وحيث تم توحيد الكثير من أسواق الإنتاج والاستهلاك، وتم التدخل الأمريكي في الأوضاع الاقتصادية للدول وخاصة دول العالم الثالث، عبر المؤسسات المالية الدولية: كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، التي تمارس الإملاءات الاقتصادية المغايرة لمصالح الشعوب وبالتالي تحقق الكثير من الأهداف في المجال الاقتصادي ، مثل السيطرة على رؤوس المال العربي واستثماراته في الغرب ، والهيمنة على اقتصاديات العالم من خلال القضاء على سلطة وسيادة الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي ، بحيث أصبحت الدول تحت رحمة صندوق النقد والبنك الدوليين ، حيث تستجدي منه المعونة والمساعدات عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة ، والخاضعة لسيطرة الشركات الأمريكية الكبرى على اقتصاد الدول ولعل تركيا وماليزيا من النماذج الواضحة للدول التي عصفت بها رياح التحولات الاقتصادية لصالح الشركات الأجنبية . يقول رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد الذي عانت بلاده من آثار العولمة في السنوات الأخيرة: أن ( العالم المعولم لن يكون أكثر عدلا ومساواة . وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة . وكما أدى انهيار الحرب الباردة إلى موت وتدمير كثير من الناس ، فان العولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه ، وربما أكثر من ذلك في عالم معولم سيصبح بامكان الدول الغنية المهيمنة فرض إرادتها على الباقين الذين لن تكون حالتهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمرين من قبل أولئك الأغنياء).

والدول العربية باعتبارها نموذجا حيويا للدول الإسلامية – كإحدى المناطق المتأثرة بهذه الأحداث – بلغت ديونها الخارجية عام 1995 (250) مليار دولار وتتفاقم ديونها بما مقداره 50 ألف دولار في الدقيقة الواحدة [9] ، ولا شك أنه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما ترسخت التبعية ووجدت الذريعة للتدخل ، وبسبب هذه الديون – التي بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين يعملان على إغراق الدول المستهدفة بالديون- أصبح اقتصاد معظم هذه الدول متخبطا ، يستطيع وبصعوبة بالغة ملاحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة . وللعلم فقد أكد التقرير الاقتصادي الصادر عن مجلس الوحدة الاقتصادي العربي أن الجزائر مثلا ستخسر سنويا ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار بانضمامها وتطبيقها لقرارات اتفاقية التعريفة الجمركية (الجات)[10].

يتضح من ذلك ، أن الاقتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزداد غنى فوق غناها ن على حساب فئات واسعة وكبيرة تزداد فقرا فوق فقرها، مما يوسع دائرة الفقر في اغلب المجتمعات العربية والإسلامية.

ويمكن حصر الأخطار الاقتصادية التي تواجه الدول الإسلامية في الآتي: -

1- إنهاء دور القطاع العام وإبعاد الدولة عن إدارة الاقتصاد الوطني.

2- عولمة الوحدات الاقتصادية وإلحاقها بالسوق الدولية لإدارتها مركزيا من الخارج.

3- العمل على اختراق السوق الإسلامية من قبل رؤوس الأموال الأجنبية.

4- إدارة الاقتصاديات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيدا عن متطلبات التنمية الوطنية.

5- العمل على إعادة هيكلة المنطقة الإسلامية في ضوء التكتلات الدولية سياسيا وثقافيا.

يضاف إلى ذلك:

- الإغواء الاقتصادي: ويعني إغواء الدول المتواضعة تقنيا وعلميا واقتصاديا بمشاركة العمالقة في مشاريع عابرة القارات وهذه المشاريع كل مكوناتها من الخارج ، بعد أن يدفع البلد الفقير دم شعبه، وضحى بحاضره ومستقبله في هذه المشاريع تتم عملية السيطرة أو الإجهاض ، إن شيئا من هذا قد تم في ماليزيا واندونيسيا.

- السيطرة الاقتصادية ذات المظاهر المتعددة ، منها: شراء موارد الدول المستضعفة ومواردها الخام بأقل الأسعار وإعادة تصنيعها ثم بيعها لها في صورة جديدة بأغلى الأسعار ، وفي حال البترول يضيفون ضريبة يسمونها ضريبة الكربون ، وهي تعني ضريبة تلوث أجوائهم نتيجة الشطط التصنيعي .

- سيطرة الشركات العملاقة عملياً على الاقتصاد العالمي ، أن خمس دول – الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا – تتوزع فيما بينها 172 شركة من اصل مائتي شركة من الشركات العملاقة.

- فرض السياسات الاقتصادية والزراعية على دول العالم – وخاصة النامية – بهدف تعطيل التنمية الاقتصادية ، وإبقائها سوقا استهلاكيا رائجة للمنتجات الغربية.

- إضعاف قوة موارد الثورة المالية العربية ، المتمثلة في النفط حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع لحرية التجارة الدولية – أسوة بتجارة المعلومات – من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة.

- ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول الإسلامية ، نتيجة إلغاء هذه الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية ، بسبب الاحتكار والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى ، وبسبب قيود الجودة وشروط المواصفات ، وهي شروط لا تقدر الدول الإسلامية النامية على الوفاء بها. ويترتب على ذلك ، ابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وقصر دورها في حراسة النظام . وان تبقى الأسواق الإسلامية سوقاً مفتوحاً رائجاً أمام المنتجات والبضائع الأجنبية ، وان تفوض المصانع والمؤسسات الوطنية والاقتصاد الوطني.

- عملية إغراق الأسواق ، من أهم مخاطر التحولات الاقتصادية التي أثرت بدرجة واضحة وملحوظة على مستوى الأسعار ، وبعد أن وفرت اتفاقيات التجارة العالمية حرية تنقل البضائع والسلع بتعريفة جمركية صفرية في اغلب الأحيان ، الأمر الذي يكون لصالح سلع الدول المتقدمة اقتصاديا لما تتصف به من مواصفات جودة عالية وأسعار تنافسية ، تقل كثيرا في مواصفات جودتها في الأسواق المحلية ، أو عن سعر المثيل في سوق الدولة المنتجة لهذه السلعة وتصدرها ، أو انخفاض سعر البيع عن سعر تكلفة الإنتاج، ويتم تداولها لفترة زمنية ، بهدف استرداد نفقاتها وتحقيق الربح. تلك هي الحالات الثلاث التي تعتبر فيها السلع المستوردة بمثابة سلع أو واردات إغراق . في السابق كانت الدول تتحكم في سعر السلعة والجمارك والرقابة الاقتصادية لحماية المنتجات المحلية من شراسة المنافسة واليوم أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لا رقيب ولا عتيد مما يجعل من حاضر ومستقبل اقتصاديات هذه الدول قاتماً.

ولا يخفى علي أحد ما أدت إليه هذه التحولات الاقتصادية من آثار اجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية إلى درجة غيرت معها أذواق وسلوكيات المجتمعات المسلمة. إذا كانت هذه بعض الآثار جراء المتغيرات الاقتصادية فأين موقع المسلمين من هذه التحولات وآثارها؟

بعد موضة التدخل المباشر في بعض الدول والإسلامية ، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، تحت ذريعة محاربة ما يسمى بالإرهاب في كل من أفغانستان والعراق وتهديد غيرها من دول المجموعة الإسلامية إلى درجة وصل الجدل والنقاش فيها إلى تغير مناهج التعليم من أجل تشكيل ثقافة تتوافق ومصالح الدولة المهيمنة على الاقتصاد العالمي ، عبر وسائل الإعلام والاتصالات الرقمية الحديثة . أصبحت الدول الإسلامية بل الأسرة الإسلامية مهددة في تنشئة أبنائها التنشئة السليمة أمام تسارع نسق المعلومات عبر شبكات الانترنت والفضائيات التي دخلت البيوت دون رقابة الدولة وأرباب البيوت . فانهار معها أهم كيان وهو الأسرة الإسلامية باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى لهذه المجتمعات ، صمام أمان الدفاع عن الهوية والثقافة الإسلامية [11].

هذا الوضع المأساوي السالف الذكر أفضى إلى رغبة جامحة ومشتركة بين غالبية مفكري الجيل المعاصر في العالم الإسلامي لتجنيب المجتمع الإسلامي آثار المشكلات المعاصرة والحفاظ على المكتسبات التي حققها الإنسان المسلم في ميادين المعرفة والتسارع التقاني.

ويمكن القول إن هذه الرغبة هي إحدى الأسباب التي رخصت لهذا الجيل من المفكرين في دعم الصيغة الدولية لمعالجة هذه المشكلات تحت مسميات عدة، حوار الحضارات والتضامن العالمي والتي تمثلت في إقامة مؤسسات عالمية وهيئات ومنتديات دولية كهذه الجامعة التي تنعقد فيها هذه الندوة.

بدأ المسلمون في التساؤل حول مدى فاعلية هذه التغيرات الاقتصادية على واقعهم اليوم. لذا بدأ التفكير في المستقبل في ظل هذا الواقع والبحث عن بدائل أخرى أكثر إنصافا لهذا النموذج الاقتصادي للتجارة الحرة التي تخلو من أية قيود وتجنيب المجتمعات المسلمة الآثار السلبية لهذه التحولات من اجل إيجاد موقع لها في مجتمع المعرفة والغد الالكتروني . وأصبح هذا لسان حال المسلمين وقادتهم أكثر من غيرهم على وجه الأرض. لأن هذا النظام يتعارض مع كثير من معتقداتهم الدينية والأخلاقية . فالإسلام يعتبر الطريق الصحيح للحياة ، ويعتقد المسلمون بأن الله تعالى أعطى كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية تعاليم واضحة تؤثر في جميع مناحي الحياة على سبيل المثال ، فإن الله تعالى يعطينا الهداية والإرشاد بشأن المعاملات الاقتصادية والتجارة .

قال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)[12] ،وقوله تعالى : ( ألم تر أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة)[13] .

فهاتان الآيتان – وأمثالهما في القرآن الكريم كثير- تضعان مبدأً اقتصادياً هاماً مؤاده أن الأصل في طريق الكسب الإباحة.

وقوله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) [14] . فهذه الآية تضع مبدأ عاماً هو حل البيع وحرمة الربا . وقوله تعالى : ( .... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [15] ، تضع هذه الآية قاعدة عامة مؤدها أن لولي الأمر أن يعيد توزيع الثروة في المجتمع في حال انتفاء التوازن بين المجتمع.

وقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وعرضه وماله)[16]، يضع مبدأً عاماً هو حرمة الاعتداء على مال المسلم .. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تضع مبادئ اقتصادية هامة)[17] .

والمسلمون ملزمون بالتقيد بقواعد الإسلام ، فيما يتعلق بأداء فريضة الصلاة وفريضة الصيام والسلوك في حياتهم اليومية ، فهم أيضا مأمورون بطاعة الأوامر والتعاليم المتعلقة بالتجارة ، دعا هذا إلى قيام كثير من العلماء والمفكرين ورجال الأعمال المسلمين إلى المناداة بنموذج آخر يحقق اكبر قسطا من المساواة مما يحققه النظام الرأسمالي بحيث يتماشى مع التعاليم الأخلاقية الإسلامية فيما يتعلق بالربح والفائدة . بل نادى الكثير منهم بأن يكون الاقتصاد الإسلامي بديل لاقتصاد العولمة[18] ، لأنهم اعتبروا النموذج الاقتصادي الإسلامي كسائر النماذج الاقتصادية التقليدية بمثابة دراسة للإنسان وسلوكه في مصادر الكسب والاستخدام بالنسبة إلى مدى الرضا والقناعة بالضرورات والاحتياجات والمتطلبات الأخرى للحياة.

ويختلف النموذج الاقتصادي الإسلامي عن النموذج الاقتصادي الغربي، وذلك بالتركيز على الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية عند اتخاذ قرارات اقتصادية ولا ينشد سوى الربح بغض النظر عن التكلفة ، فالمعيار الذي يتم بموجبه اتخاذ قرارات الاستثمار يتعين أن يكون منتجاً يتألف من القيم الأخلاقية والطموحات والاهتمامات والرغبة لسد الاحتياطات الأخرى وكذلك المشاعر والعواطف.

ويعتبر الاقتصاد الإسلامي أيضا بمثابة بديل مغرِ للتجارة الحرة الواقعة تحت تأثير التحولات الاقتصادية لعالم اليوم ، لأنه يضيف بعدا أخلاقيا لجميع النشاطات الاقتصادية ، كما يعتقد هذا النموذج بأن الحياة والممتلكات هي أمانة من الله تعالى وملكية مطلقة له ، وليست للإنسان ، وبالتالي فإنه لا يحق للإنسان أن يدمر حياته وممتلكاته حين يشاء أو يحتال على الآخرين لمصلحته الخاصة. إن القيم الأخلاقية والفائدة الاقتصادية بالنسبة إلى البشرية عامة تحكم عمليات الإنتاج والاستهلاك بالرغم من ذلك، فإن الحرية لإقامة مشروع ما يسمح بها شريطة أن تعود بفوائد أخلاقية واجتماعية على البشر.

من ناحية ثانية أهم ما يمكن اعتباره مواجهة لهذا الواقع ، ما تلعبه التنمية البشرية اليوم في السياسات الاقتصادية للدول الإسلامية ، من حيث أنها تقوم على الإنسان باعتباره الفاعل الأساسي والمستفيد من كل الإنجازات . وبقدر ما تطلق الحرية في المعاملات يزداد الحرص على حماية الفرد والوقوف بحزم أمام مظاهر استغلاله من قبل الغير أو حتى سوء تصرفه الذاتي.

من هذا المنظور يمكن وضع ركائز النجاح ودعائم الانصهار في الاقتصاد العالمي بصفة تدريجية ثابتة إذ استفادت الدول الإسلامية من توظيف مكتسبات التطور العلمي والتقاني في ظل الحفاظ على ثقافة وهوية الحضارة الإسلامية ، باعتبارها من أهم مقومات النجاح لهذه المجتمعات ، لما فيها من قيم ثقافية وأخلاقية تشجع على امتلاك ناصية العلوم والمعارف.

بهذا التوازن في الرؤى تسعى بعض الدول الإسلامية وتحاول وضع المعايير الأخلاقية والقانونية لأنسنة النمو والتطور التكنولوجي ، ولعل نموذج ماليزيا خير دليل على السير في الطريق السليم من أجل كسب رهان المنافسة في المستقبل القريب.

ويتجلى هذا التوفيق بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية بكل وضوح في حماية الأسواق الداخلية ومحاربة الاحتكار والتدخل في السوق لتحديد الأسعار ، مع وضع مقاييس ومواصفات للسلع والخدمات ضمن الإطار العام الأخلاقي الذي يتبناه الإسلام والضوابط التي تضعها الدول الإسلامية [19]، من أجل جودة السلع ، وكسب رهان المنافسة ، فإن جهات الاختصاص مطالبة اليوم بالإسراع في وضع مواصفات لعدة منتوجات حتى يتمكن المستهلك من حقه في الجودة ، إضافة إلى ذلك فإن المواصفات لا تهم المستهلك فقط ، بل هي عنصر من عناصر تدعيم القدرة التنافسية للمنتج الوطني في ظل المنافسة الدولية [20] إزاء التطورات والتحولات الكبيرة التي يعيشها العالم بسبب التقدم التقاني السريع الذي لم يسبق له مثيل في مجالات تقنيات الإنتاج والتوزيع مع مزيد من التوجه الدولي نحو الانفتاح والتحرر والعولمة وتكامل عمليات الإنتاج عبر الدول وترابط الأسواق المالية من جهة ونحو الاندماج في تجمعات اقتصادية عملاقة من جهة أخرى[21] .

من خلال هذا ، يمكن للمسلمين فتح آفاق مستقبلهم الاقتصادي إضافة إلى ذلك ، علينا أن ندرك أنه من المستحيل في الوقت الحاضر إيجاد أي بديل يرتكز على دولة ما أو على معتقدات دينية أو دنيوية محددة دون إقامة مجتمع المعرفة القائم على القيم وثوابت الثقافة الإسلامية بعيدا عن الانغلاق والتفريط . ولا يمكن لأي دولة أو دين بذاته إيجاد إجابة قابلة للتطبيق على تحدي العولمة . فقد قامت أنظمة تكنولوجيا المعلومات وأنظمة النقل الحديث بتمكين التجارة من تخطي الحدود إلى درجة أنه لا يمكن في الوقت الحاضر لأي دولة أو اقتصاد أن يصمد لوحده ويزدهر. لأن كل المشاريع المتداولة حالياً بهذا الخصوص لتنوه بأهمية دور الدول والحكومات والسلطات الوطنية عموماً في سن السياسات الترشيدية المبتغاة ضمن تعاون يجمع بين المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية المختصة والقطاع الخاص الوطني وما فوق الوطني (الشركات عابرة القارات ) والمنظمات غير الحكومية [22]. ولكي تكون النظرية الاقتصادية الإسلامية ناجحة يجب أن تكون فكرة مرنة قابلة للتغيير في جزء من بنيانها ، حتى يمكن إحياء الاقتصاد الإسلامي والتزام المسلمون به وإقناع العالم بصلاحيته ، عبر مختلف وسائل الإعلام ومراكز البحث العلمي ، لابد من أن تنشط وأن تتعدد بحوث الاقتصاد الإسلامي في المجالات الآتية[23]:

أولهما: البحث عن مجتمع معرفي بديل ، أي نوع من التعليم تحتاجه المجتمعات المسلمة في الوقت الراهن واستشراف المستقبل ، بتركيز على نوعية التعليم لا كميته ، وبالاستفادة من التراكم المعرفي العالمي.
ثانيهما: الكشف عن مدى الأصول والمبادئ الاقتصادية الإسلامية بلغة المعرفة الجديدة.
ثالثهما: إعمال هذه الأصول وربطها بما هو واقع بعالمنا الاقتصادي المعقد الحالي.
ولا ينكر أحد ما للمعرفة والتقانة بصفة عامة من أهمية في الوقت الحاضر [24] . ولا يمكن تجاهل الحافز الإنساني الذي يتيح للإنسان أن يبدع ويحقق التقدم والتحول في أسلوب الحياة . لذا يتعين على الاقتصاد الإسلامي في الوقت الحاضر كما فعل في الماضي أن يتيح للجنس البشري مواصلة التطور والنمو في جامعات عصرية مستفيدة من جميع مكتسبات التقدم العلمي والتقاني المتاحة اليوم ، بل يتعدى ذلك بتوفير جامعات توطن برامج التعليم عن بعد وربطها بمثيلاتها في العالم أو على الأقل في عالمنا ومحيطنا الإسلامي ، إلى درجة ذهب معها الدكتور محمد مراياتي إلى ضرورة الاهتمام باستعمال اللغة العربية في مجال المعلوماتية والاتصالات ، فضل عن إتقان اللغات الأخرى [25].
ويمكن للقيم الأخلاقية ، أن تقدم بديلاً قابلاً للتطبيق في المجال الاقتصادي مدعما بتطوير الأسواق وتدعيم المبادرات الفردية ضمن بيئة تشجع على الخلق والإبداع وتطوير الصناعة والحرف الصناعية التي اشتهرت بها المجتمعات المسلمة سابقا ، وتعصير المصارف التجارية بشرط أن تعتمد على نظام يرتكز على توزيع عادل لثروات الأرض وإقامة قيمة لحياة الإنسان بعيدا عن السعي الأعمى لتحقيق الربح.
ويتعين على المسلمين ، وغيرهم ، التحاور من أجل إيجاد سوق يتسم بالمثل والأخلاقيات ، ولا تنظمه مصالح أي فئة معينة ، بل يتم تنظيمه وضبطه على أساس القيم الإنسانية السامية ، وإذا تحقق هذا الأمر يمكننا تشكيل نظام اقتصاد عالمي يكون اقرب إلى القيم التي تعتبر أساسا لجميع الديانات ومبدأ أساسا من مبادئ حقوق الإنسان ، ولعل أغلب مجتمعاتنا الإسلامية بحاجة لهذا المبدأ اليوم لضمان شروط البقاء في هذا العالم الشرس في معاملاته.
والتحديات التي تواجه المسلمين اليوم ، لا تتمثل في امتلاكهم الثروة من ذهب أو مواد خام أو موارد طبيعية ، بقدر ما أصبحت الثروة تتمثل في بشر مؤهلين تأهيلا عاليا يتماشى ومتطلبات المرحلة ، قادرين على الخلق والإبداع والتنظيم وامتلاك المعلومات . فضلا عن ترتيب البيت التجاري الإسلامي ترتيبا واقعيا وفعالا.
كل هذه التحديات باتت اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى ، أمرا ضروريا ومطلبا ملحا للغاية . إذ يعتبر انضمام المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى عضوية منظمة التجارة العالمية حدثا في غاية الأهمية، بل منعرجاً تاريخياً إلى الوجود الإسلامي، ضمن فعاليات المنظمة تلك التي تعني بما يوازي 90% تقريبا من المبادلات السلعية والخدمية والتكنولوجية الدولية.
نعم نحن أمة نتفوق في الأخلاق بما عندنا من كتاب هادي إلى السلوك موضوعه (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)[26]، غير أننا نأسف للتكيف في معالجة المادة ، نسقط كثيرا من قوانين السلوك في الحياة العملية والمعالجة الصناعية ، كمعايير ضبط الجودة الصارمة وأركان التعاقد الملزمة والأجل المضروب لإنجاز العمل والعقوبة المترتبة على الخلف ... الخ، كل هذه الأخلاق نجدها مصاحبة للنشاط المادي في نهضة أوربا غير أنها عندنا لا تعني قيمة إلا قليلا [27].
ختاما أقول، إن للعولمة جوانب موجبة يمكن أن يستفيد منها الجميع، ومن بينهم المسلمون. فانفتاح أجزاء العالم على بعضها البعض معرفياً وتقنياً وسهولة انسياب المعلومات والمعارف والتجارب أمر يمكن توظيفه والاستفادة منه كل حسب مصلحته ومقدرته.
والأمر في غاية الخطورة وضرورة حتمية حيث لا يمكن التقوقع خلف المتاريس والانغلاق على الذات، فان استحالت الوحدة فمن الضرورة النصية التعاون بين الدول والمجتمعات الإسلامية، وينبغي أن يشارك الجميع من أجل بناء العناصر البشرية القادرة على التطوير والخلق والإبداع لتجسير فجوة المعرفة وقيام مجتمع المعرفة المنشود. وينبغي أن ترافق تلك التحديات إجراءات في الداخل تكملها لضمان موقع في عالم اليوم. وتحقيق النهوض الحضاري لأمة العلم من جديد لتعود أمة قوية صحيحة منافسة، فليست الصعوبة في أن تصل إلى القمة بل الصعوبة أن تحافظ على وجودك فيها.**
باحث سواني ـ جامعة الزيتونة ـ تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)