حوارُ الثقافات والعولمة "العالم قرية" و "القرية عالم": نحو ثقافة تعددية د. مروان دويري

· الثقافة ُ (Culture) هي الإطارُ الذهنيُّ والنفسيُّ (مفاهيم وقيم) الذي يدرِكُ من خلالِه الناسُ محيطـَهم وثم يسلكون وفقا لهذا الإدراكِ ليؤثروا في هذا المحيط. هي وسيط ٌ ثنائيُ الاتجاهِ بين الشخص ِ ومحيطِه (يتأثر ويؤثر).

  • العلاقة ُ بين المحيطِ والثقافةِ هي علاقة ٌ ديالكتيكية ٌ. في الوقت الذي يتغير فيها العالم باستمرار تميلُ الثقافة ُ إلى الثباتِ أمامَ هذا التغيرِ لتصبحَ أحيانا نوعا من الحاجزِ الذي يحجبُ المرءَ عن إدراكِ العالم وتحولاتِه ويفصلُ بين الفكرِ والموضوع، وهذا ما يعسر التفاهم بين الثقافات لأن كل طرف يرى العلم من خلال عدسات ثقافته.

· الثقافة ُ الفلسطينية ُ هي جزءٌ من الثقافةِ العربيةِ التي هي جزءٌ من ثقافةِ الشرقِ والجنوبِ والتي تشملُ نحو 85% من سكانِ الكرةِ الأرضية.

أمامَ هذه الثقافاتِ هنالك ثقافة ٌ غربية ٌ في أوروبا وشمال أمريكا.

· إن أهمَّ ما يميزُ بينَ هاتين الثقافتين هو:

الفردية ُ Individualism ----- الجماعية ُ Collectivism

(أمثلة ٌ للمجتمعاتِ الجماعيةِ: أمريكا اللاتينية، أفريقيا، وآسيا)

الليبرالية ُ Liberalism ----- السلطوية ُ Authoritarianism

(أمثلة ٌ للمجتمعاتِ ذاتِ مبنى هرميٍّ سلطوي: ماليزيا والفلبين)

سلطوية

شرق

جماعية فردية


الغرب

ليبرالية


المجتمعُ الفرديُّ الليبرالي

الفردية ُ والليبرالية ُ حررت الفردَ من التبعيةِ القبليةِ أو العشائريةِ واعترفت بالفردِ كفردٍ ذي كيانٍ شرعيٍ ومستقلٍ له حاجاتُه ورأيُه وقيمُه التي لا تشابهُ بالضرورةِ حاجاتِ ورأيَ وقيمَ مجموعتِه.

في أعقاب هذا التطور بدأ الحديث عن مصطلحات فردية مثل الشخصية Personality والذات Self وتحقيق الذات Self-actualization والديمقراطيةِِ وحريةِ التعبيرِ وحريةِ الرأيِ وحقوقِ المواطنِ وحقوقِ الإنسانِ وغيرها من المصطلحات.

ثقافة وعي للذات وحمايتها وفسح حيّز لها في المجتمع.

القعل عقل إبداعي يشك في الضوابط ولا يقبل الحقائق دون ويناقشها.

الفردية ُ ليست نمطا اجتماعيا فحسب بل هي جزءٌ من توجه فكريٍ اختزالي يختزل الظواهر إلى مكوناتها (مثل فصل الروح عن الجسد، فصل الدين عن الدولة، تخصصات علمية ضيقة).

المجتمعُ الغربيُّ ليس متجانسا بل هو وحدةَ أضدادٍ متوازنةٍ في كيانٍ واحد. يمكن الإشارةُ إلى ثلاثِ مكوناتٍ رئيسيةٍ للثقافةٍ الغربية:

1) رأسمالية ٌ استغلالية ٌ بشعة: (1% من سكان أمريكا يملكون 50% من رأس المال و 80% يملكون 8% من رأس المال. هذه الرأسمالية ُ تربي المواطنَ ليكونَ أداةَ إنتاج ٍ ومستهلكا جيدا على حساب إنسانيته. (صراع المصالح الأساسي هنا هو طبقي بين أصحابِ رأس المال وبين المواطن)

هنالك سلطتان في النظام الرأسمالي: سلطة ٌ سياسية ٌ منتخبة تدير ظاهريا شؤونَ الدولة، وسلطة ٌ رأس المال (سلطة ال 1%) التي تسيطرُ، من وراءِ الكواليسِ، على السلطةِ السياسيةِ وبالتالي تشكلُ السلطة َ الفعلية َ للدولة.

حرية ُ الإنسانِ في الغربِ هي حرية ٌ وهمية ٌ لأن الفردَ هنالك خاضعٌ لتأثير الدعايات وبرامج ِ غسلِ الدماغ لتجعلـَه مستهلكا جيدا خاضعا لسيطرة رؤوس الأموال بعيدا عن المشاركةِ السياسيةِ الحقيقية، ناهيك عن قيام الغربِ بأبشع الجرائم ِ ضد الشعوب الأخرى.

2) فكر ليبرالي وإنساني: لم تتطور هذه الرأسمالية ُ البشعة ُ بشكل مفضوح بل تطورت من وراءِ غطاءِ مواجهاتٍ مع عدوٍ شيطاني (النازية) أو مُشَيطن (الشيوعية) بذريعة أنه لا إنساني. في ظل هذه اللعبة ُ نمت توجهاتٌ إنسانية ٌ وليبرالية ٌ تدعو بصدق إلى الحريةَِ وحقوق الإنسان والمواطن. في العلوم ِ الإجتماعيةِ نشأت نظرياتٌ إنسانية ٌ ووجودية ٌ قيّمة جدا.

(غياب خصم في الساحة الدولية، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حرر الولايات المتحدة من ضرورة التغطية الإنسانية. لذلك من المتوقع ِ أن يحصلَ تراجعٌ في الفكرِ الإنساني وفي نظريات التربية وعلم الاجتماع الإنسانية والوجودية والليبرالية).

3) أصولية ٌ مسيحية: ضمن هذا التناقضِ بين الرأسماليةِ والليبراليةِ "تتبرغى" أصولية ٌ مسيحية ٌ تحملُ في طياتِها هي الأخرى تناقضا بين قيم ٍ إنسانيةٍ من جهة وتعصبا وعداءً من جهةٍ أخرى.

المجتمع الجماعي السلطوي

في المجتمعاتِ الجماعيةِ والسلطويةِ هوية ُ الفردِ ومصلحتُه هي جزءٌ لا يتجزأ ُ من هوية ومصالح مجموعةِ انتمائه القبليةِ أو العشائرية.

في هذه المجتمعاتِ هنالك تطابقٌ جزئيٌ أو كاملٌ بين حاجاتِ ورأيِ وقيمِ الفرد وبين تلك الخاصةِ بمجموعةِ انتمائه.

صراعُ المصالحِ الأساسي في هذه المجتمعات هو بين فئاتٍ قبليةٍ أو طائفية وليس بين طبقات.

ثقافة انضباط وامتثال وتنازل عن الذات لأجل المجموعة.

العقل هو عقل أخلاقي خاضع للضوابط الاجتماعية والدينية.

هذه المجتمعاتُ ليست اختزالية ً بل شمولية: ترى التفاصيلَ بداخلِ "كلّ" متكاملٍ وغيرِ قابلٍ للفصل. هذا يصعّبُ على الحوارِ بين المجتمعات (الفلسطينيون يرونَ كل القضية بماضيها وحاضِرها بينما ينظرُ الإسرائيليون العلمانيون للحاضرِ ويغيبون الماضي (مخلفات النكبة) عن بحث القضية. الفلسطينيون ينظرون إلى خريطةِ فلسطينَ كلها ويتفاوضون على تقاسمها، بينما ينظر الإسرائيليون إلى الضفة الغربية وغزة ويتفاوضون على تقاسمها. أثناء المفاوضات في كامب ديفد بين بيغن والسادات دأبت المخابرات الأمريكية على ترجمة رؤية بيغن الاختزالية إلى رؤية السادات الشمولية وبالعكس).

الفوارقُ بين المجتمعاتِ ليست قطعية ً بل نسبية ً بحيثُ يتوزعُ كلُّ مجتمعٍ على محورٍ بين الفرديةِ والجماعيةِ ولا يتمركز في نقطةٍ واحدةٍ على هذا المحور. فرغم ميل المجتمعات الجماعية لتكون أحادية اللون إلا أنه رغم ذلك يمكن إيجاد تمايز ما بداخلها وبالتالي تتواجد فئة ما تثاقفت أو تأثرت بالثقافة الغربية الفردية.

هنالك محورين للصراعات:

· الصراعات قبلية

· الصراعات بين الأصولية وبين التمغرب


علاقة الثقافة بالنظام "الاجتصاسي"

البدائلُ الثقافية ُ ليست خيارا يتم تبنيه بقرارٍ وإنما يحصل كجزءٍ من تغيراتٍ اجتصاسيةٍ (إجتماعية واقتصادية وسياسية).

الفردية ُ الليبرالية ُ تطورت في أوروبا من خلالِ تطوراتٍ اجتصاسية (ثورة فرنسية ورأسمالية صناعية وإقامة الدول القومية) أهمُّها تحويلُ الدولة من دولةِ الحاكم إلى "دولة المواطنين" التي ترعى شؤونَ وحاجاتِ مواطنيها من خلال مؤسساتِ الدولةِ وتأميناتِها الاجتماعيةِ والصحيةِ ومن خلال مؤسساتِ المجتمعِ المدني. هكذا تحولت التبعية ُ التي كانت بين الفرد وقبليته إلى تبعية بين المواطن ودولتِه وأعطت المواطنَ حيزا أوسعَ من الحرية في شؤونه الخاصة والعائلية.

الدولة ُ القومية ُ التي فصلت بين الدين والدولة حلّت محل سلطة العائلة أو القبيلة وجعلت الانتماءَ القومي (الفرنسي، الإنجليزي، الألماني) بالتالي يحل محل الانتماء القبلي والطائفي، فالدولة أصبحت الأمَّ والأبَ التي توفر حاجات مواطنيها.

إقامة دولة قومية ترعى شؤون مواطنيها كان شرطا حتميا لتطور الفردية والليبرالية في الغرب، لذلك فمن غير الممكن نقل هذه الفردية وقيمها الديمقراطية والليبرالية إلى دول الشرق والجنوب التي تغيب فيها "دولة المواطنين".

معظمُ الدولِ العربية هي دولٌ تابعة ٌ لعائلاتٍ وعشائرَ لذلك فمعظمُ المواطنين فيها غير المقرّبين لا يتمتعون برعاية الدولة فيبقى معظمهم يعولون في معيشتهم وبقائهم على انتماءاتهم الحمائلية أو القبلية (مثال السعودية).

لذلك من غير الممكن أن يحصلَ في هذه الدول تراجعٌ في الانتماءاتِ القبليةِ والحمائليةِ وتغليبُ الانتماء القومي أو القطري عليه.

== النموذج الفلسطيني:

في غيابِ دولةٍ فلسطينية وطالما أن بقية َ الشعبِ الفلسطينيِ في إسرائيلَ أو في بقية الدول العربية لا يحظى بالرعايةِ فيبقى انتماءُ الإنسانِ الفلسطيني إلى حمولتِه أو عشيرتِه أقوى من انتمائه القومي.

لنأخذ الفلسطينيين في إسرائيل الذين يتمتعون بقسط لا بأس به من الرعاية والخدمات بالرغم من سياسة التمييز القومي. الشبان في القرى العربية يعولون على أسرهم في إيجاد مصدر رزق وتوفير مسكن أو حماية أنفسهم أكثر مما يعولون على مكاتب العمل أو وزارة الإسكان أو الشرطة وبالتالي يبقى الانتماء الحمائلي هو الأقوى. (أعتقد أن الأمر كذلك أيضا في معظم الجاليات الفلسطينية في الشتات). لذلك ففي انتخابات المجالس المحلية في القرى الفلسطينية في إسرائيل، التي تجري ضمن آلية ديمقراطية، تخوضُ الحمائلُ والطوائفُ المعركة َ على شكلِ قوائمَ حزبيةٍ دليلٌ على مركزيةِ هذه الانتماءات في حياة ومصالح الناس.

== نماذج من العالم العربي:

في العقود الأخيرة كانت محاولات ديمقراطية جادة لانتهاج نظام ديمقراطي في بعض الدول العربية (مصر الأردن اليمن لبنان المغرب الجزائر تونس):

في اليمن هنالك نظامٌ ديمقراطيٌ وبرلمانٌ إلا أن الأحزابَ هناك لم تحلْ محلَ القبائل بل إن القبائلَ اتخذت شكلَ الأحزاب. فقط بواسطة هذه الصيغةِ تم توحيدُ اليمنِ في نظام سياسي واحد.

في لبنان هنالك نظامٌ ديمقراطيٌ متقدمٌ نسبيا ومع هذا فلم تستطع الأحزابُ أن تفككَ الطائفية بل حولتها إلى أحزابٍ (كتائب مسيحية، حزب أمل وحزب الله الشيعيين، والحزب الاشتراكي الدرزي، وأحزاب أخرى سنية).

هذه هي الديمقراطية الممكنة في المجتمعات الجماعية: ديمقراطية بين الجماعات وليس ديمقراطية فردية.

الانتماء الوطني والانتماء القبلي في المجتمعات الفردية والجماعية:

الإنسان كائن اجتماعي. حاجته للانتماء ليست نفسية ً فحسب بل بقائية. مجموعة ُ الانتماء تختلف من فترة لأخرى أو من مجتمع لآخر.

الاختلافُ بين المجتمعِ الفردي والمجتمعِ الجماعي هو في مجموعة الانتماء: انتماءٌ وولاء للدولة القومية في المجتمع الفردي أو انتماءٌ وولاء للحمولةِ أو القبيلة في المجتمع الجماعي. في هذا الإطار بودي الإشارة إلى بعض الملاحظات:

1) لا أعتقدُ أنه من الصوابِ النظرُ إلى الانتماءِ القبلي على أنه متخلفٌ بالمقارنة مع الانتماء الوطني. إنما هو بديلٌ صحيحٌ في غيابِ دولةِ المواطنين. أما عندما توجدُ دولة ُ المواطنين فبطبيعةِ الحالِ تتراجع هذه الانتماءات القبلية.

تطورُ الهويةِ القوميةِ وتراجعُ الانتماءاتِ القبليةِ يحصلُ بموازاةٍ مع تحركِ الدولةِ القوميةِ نحو دولة المواطنين.

في غيابِ جوابٍ وطنيٍ أو قوميٍ لحاجاتِ الناس البقائيةِ لا يمكنُ إلغاءَ الانتماءاتِ الحمائليةِ والقبلية بل يجب تفهمُها وفهمُ دورِها السوسيولوجي.


2) لا أعتقد أن الانتماء القبلي يتعارض حتما مع الانتماء الوطني

المشاريع الوطنية الفلسطينية لم تكن لتتم بدون تسخير هذه الانتماءات الحمائلية والطائفية.

هنالك مؤسسات وطنية طابعها أصلا قبلي وطائفي (لجنة المبادرة الدرزية التي ترفض تجنيد العرب، الهيئات التمثيلية للبدو في النقب) وهنالك قيادات دينية أخذت دورا أساسيا في المسيرة الوطنية الفلسطينية (الشيخ عز الدين القسام، المفتي، المطران صباح والأب عطالله حنا وغيرهم). الانتماءات العشائرية والحمائلية والطائفية تستطيع أن تكون وطنية أو أن تكون معادية للمشروع الوطني.

في هذه المرحلةِ التاريخيةِ من تطورِ مجتمعِنا يجب أن نفهمَ الدورَ السوسيولوجيَّ-البقائيَّ للانتماءات القبلية والطائفية وألا ننظرَ لها على أنها تتناقض حتما مع الانتماءِ القوميِ بل والعملُ على توظيفها في التيار الوطني والقومي.

- الوحدةُ اليمنية ُ نجحت بفضل اندماج الانتماءاتِ القبليةِ في الدولةِ ولم تكن لتتمَّ بواسطة تفكيكها.

- المصالحة ُ اللبنانية ُ وانتهاءُ الحربِ هناك لم تكن لتتمَ بدون صياغةِ دستورٍ يتفهمُ الانتماءاتِ الدينية َ هناك.

3) الهوية ُ القومية ُ ُ هي هوية ٌ كفاحية ٌ وليست انتمائية. يجب التمييز بين شقين في الهوية القومية المتكاملة: الشق الكفاحي الذي يتطور ويبرز في مواجهة عدو يهدد المجموعة القومية، وشق انتمائي يبرز ويتطور من خلال علاقة المواطنين مع دولتهم القومية الأم. في حالة هويتنا القومية، لقد برزت الهوية العربية أو الفلسطينية ُ وتطورت من خلالِ مواجهةٍ مع عدو (صهيوني وتركي)، ولم تصلْ لتكون هوية ً يمارسُ من خلالِها المواطنَ انتماءَه إلى دولةٍ ترعاه وتحميه كما هو الحال في فرنسا أو إنجلترا. تطوّر الشق الانتمائي للهوية يتطلب توفر "دولة المواطنين" التي ترعى شؤون مواطنيها. في غياب دولة كهذه تبقى الهوية القومية كفاحية في الأساس.


الفردية ُ والليبرالية ُ ليست الطريقُ الحتمي أمامَ الشعوب نحو دولة المواطنين:

يجب التمييز بين الحداثة والتطور من جهة وبين الفردية والليبرالية. من ناحية سوسيولوجية الفردية ليست أمرا حتميا ومسارا وحيدا نحو التطور والحداثة. وفيما يلي مثالين:

- اليابان والصين تطورتا بواسطةِ تطويعِ الانتماءات الجماعية للمصلحة القومية دون إلغائها. اليابان نجح في التطور والتصنيع بتسخيرِ الانتماءات الجماعية وليس بتفكيكها (العمال مثبتون، 51% من أسهم الشركات والبنوك يملكها المستهلكون) وهكذا الصين وكوريا وماليزيا (أمريكا طبعا غير راضية وتحاول محاصرة ما يسمى النمر الأسيوي).

نموذج اليابان نموذج جديرٌ بالدراسةِ من قبل الفلسطينيين. هم أيضا كانوا محتلين (أمريكا وضعت دستورَ الدولةِ ومنعتها بعدَ الحرب من التسلحِ وحاصرتها اقتصاديا ورغم هذا نجحت خلال 50 سنة أن تصبح دولة ً تكنولوجية ً واقتصادية ً عظمى).

- مثال من التاريخ العربي: الدولة العربية الإسلامية نجحت وأنتجت ثقافة ً وحضارة دون أن تفكك القبيلة َ بل سخرت المبنى القبلي لمصلحة الدولة (إنتماء القبائل للإسلام كان جماعيا، الخلافة ُ والسلطة ُ وتقسيمُ النفوذِ والمالِ كانت على أساس النسب والانتماء القبلي).

لذلك، الفردية الليبرالية ليست الطريق الوحيد الحتمي للوصول إلى الحرية وإلى دولة المواطنين. علينا تجاوز التفكير الثنائي بين الفردية وبين الأصولية التي انغلق بداخلها رواد النهضة العربية. علينا الحذر من المساواة بين التطور الثقافي والاجتماعي والعلمي وبين ثقافة الغرب إذ أن آفاق التطور والتحديث أوسع بكثير من الطريق الفردي الذي يطرحه الغرب.


حوار الحضارات؟

بعد أن رأينا ارتباط الثقافة بالنظام الاجتصاسي يمكن أن نفهم الآن بأن الصراعات الدولية على المصالحِ والهيمنةِ على شعوب الجنوب والشرق ترافقُها صراعاتٌ ثقافية ٌ أيضا أو أن الصراعات الثقافية بالأحرى تشكل جزء لا يتجزأ من صراعات المصالح والهيمنة. انخراط ُ العالم في المشروعِ الرأسمالي الأمريكي (استثمارُ مواردِه والقوى العاملةِ الرخيصةِ فيه وتحويلِه إلى سوقٍ للمنتجات الغربية) لا يمكن تحقيقُه بدون تفكيكِ الانتماءات القوميةِ والقبليةِ وتحويلِ المجتمعاتِ الجماعيةِ إلى فرديةٍ ليبرالية أو إلى قبلية متصارعة. لذلك نرى مشاريعَ الهيمنةِ على العالم تتغطَّى بخطابٍ فردي حولَ حقوقِ الإنسانِ وحريةِ التعبير وحريةِ التجارة وغيرها.

في عالم غيرِ متوازنِ من حيث القوةِ تكونُ قيمة ُ الحريةِ ليست قيمة ً حيادية ً بل قيمة ً (أو أداة) يستفيدُ منها الطرفُ القوي الذي يستطيعُ ممارسة َ هذه الحرية، لذلك نرى الغرب يتحمس لنشرها ليس لتحرير الشعوب بل لأنه هو الطرف الأقوى والمستفيد.

لا يوجد حوارٌ بين الثقافات بل توجد هيمنة من طرف واحد. الغربُ، خاصة ً بعد انهيارِ الاتحاد السوفييتي، يريدُ فرضَ الثقافة ِ الفردية ِ الليبرالية وفرضَ اقتصادِ السوقِ الحر ليفتح أبوابَ دولِ العالم لتكون سوقا لمنتجاته ولمستثمريه. أما الثقافة ُ الجماعية ُ ففي حالة تراجعٍ ودفاعٍ عن النفس تلجأ للأصولية تارة أو للخضوع تارة أخرى. الغربُ يريدُ فرضَ الديمقراطيةِ الفردية لتفكيكِ أي انتماءٍ جماعيٍ قبليٍ أو قوميٍ، حقيقيٍ أو وهمي.

- محاولاتُ الفرض لم تبدأ ْ مؤخرا بل كانت قائمة ً طوال الوقت. الثقافة ُ الغربية ُ تدخلُ بيوتـَنا من خلال التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى والتكنولوجيا المصدرة لنا والتي تهندس حياتنا وعقولنا من جديد، وتحتمُ التفاعلَ معها من خلال تبنيها أو نقدِها أو رفضِها.

- محاولاتُ الفرضِ قائمة ٌ بشكلٍ غيرِ مباشرٍ من خلال العلوم الغربية التي نتتلمذُ عليها. هذه العلومُ التي ليستْ حيادية ً وليست مفصولة ً عن الثقافةِ الغربيةِ بل إنها جزءٌ منها:

- تأكيدُ الحضارة والفلسفة الإغريقية وليس الحضارةَ الفرعونية َ أو الهندية َ أو الصينية َ أو الإمكا.

- فصلُ النفسِ عن الجسدِ تطور في العلومِ على خلفيةِ الصراع بين العلماءِ والكنيسةِ في أوروبا إلا أنه نُقل فيما بعد كموقفٍ علميٍ إلى جميعِ أنحاء العالم.


ثقافة المقهور:

الصراع الحضاري هو بين ثقافةِ القاهرِ وبين ثقافةِ المقهور. الثقافة ُ الفلسطينية ُ هي ليست ثقافة جماعية فحسب بل هي ثقافة ُ المقهور أيضا.

بالإضافة إلى المحاولات الجادة للنضال التي ينتهجها المقهور لاسترداد حقوقه تشوب ثقافته عادة مميزات لا بد أن نعي وجودها لتداركها.

- يناضل بالكلمة وبالخيال ويتمسك بشكلٍ سطحيٍ بالرموز (الكوفية وإشارة V)

- يسقطُ المسؤولية َ وينسبُ كل المآسي للمحتل ويتغاضى عن القضايا الداخلية (قضية المرأة)

- بعضه يتماهى مع القاهر (الانبهار بالغرب وبالديمقراطية الفردية هو نوع من التماهي مع القاهر)

- وبعضه يلجأ للأصولية (إحياء الفكر الماضوي كمخرج من المأزق)

المقهورُ لا يملكُ إلا أن يصمد لذلك فإن ثقافته تكون ثقافة صمود (قصيدة "على صدوركم باقون" هي تعبير جيد عن هذه الثقافة). (في حديث تلفزيوني مع شاعر فلسطيني كان سجينا في السجونِ الإسرائيلية (الشاعر عمر خليل) يقول: "قررنا تحويلَ السجونِ إلى مدارسَ بدلا من قبور" أي أن انتصار المقهور هو بصموده في السجن).

علينا أن نعي طبيعة َ ثقافةِ المقهورِ لنستطيعَ أن نتحرك ونُخْرِج أنفسَنا منها.

"العالم قرية" و"القرية عالم":

العالم قرية: هنالك حوار بين الشعوب علينا أن نأخذَ دورا فيه لجعلِ الآخر يفهمَ الثقافة َ الجماعية َ لمجتمعنا ليس بمفاهيمَ تخلفٍ ورجعيةٍ بل بمفاهيمَ سوسيولوجية. إن هذه الساحة الدولة هي ساحة تحسم فيها مصائر الشعوب. ففي عصر العولمة لا تؤخد معظم القرارات التي تحدد مصائر المواطنين في الساحة الدولة (البنك الدولي، أوبيك، صندوق النقد الدولي) وليس بداخل الدولة كما كان ربما الأمر قبل نصف قرن أو أكثر. من هنا فلا يكفي بناء نظام دولة جيد بل لا بد من انتهاج استراتيجية حوار في الساحة الدولية التي تقرر في نهاية المطاف مصائر الشعوب.

القرية ُ عالمٌ: كما أن العالمَ أصبح قرية ً، القرية ُ لم تعد معزولة ً أيضا وتحولت إلى عالمٍ متعددِ الثقافات: الفردية ُ والجماعية، الدينية ُ والعلمانية، الحداثية ُ والأصولية، السلطوية ُ والليبرالية. نحن بحاجةٍ لترسيخِ آلياتِ حوارٍ بين هذه الثقافاتِ بداخلِ مجتمعِنا بموازاةٍ وربما قبلَ الحوارِ مع الغرب. نحن بحاجة لحوار عربي-عربي بين المجتمعات العربية بموازاة مع الحوار بيننا وبين الثقافات الأخرى في العالم.

الخيارات التي أمامنا:

- الانغلاق الثقافي ليس ممكنا أصلا

- الخيارات ليست بين الفردية الليرالية وبين الأصولية

الثقافات تتطور من خلال الانفتاح والتفاعل فيما بينها. أما الانغلاق فمن شأنه أن يودي بالثقافة إلى الانقراض (قمة الدولة العربية الإسلامية كانت حين انفتحت على ثقافات العصر في بداية تأسيسها). الخياراتُ التي أمامَنا هي ليست إما تبني الفرديةِ الغربيةِ أو رفضَها والتمسكَ الأصولي بالثقافةِ الجماعية القبلية. الأصولية تعرض نفسها على أنها الجواب الشافي لخطر هيمنة الغرب وتتغذى على وحشيته إلا أن هذه الأصولية ليست أقل خطرا من الغرب نفسه إذ أنها تحكم على ثقافتنا بالانغلاق والجمود وبالتالي الانقراض.

نحن نريدُ "دولة َ المواطنين" لكننا لا نستطيع تحديدَ ملامحها بعد. هل نريدُها دولة ً فردية ً على النمطِ الغربي أم دولة ً جماعية ً على النمطِ الياباني أو دولة َ مواطنين ذاتَ نمطٍ جديد؟

-التعددية هي الخيار

لتحديدِ ملامحِ دولةِ المواطنين علينا انتهاجُ آليةٍ حوار تسمحُ بتفاعلِ الثقافاتِ المختلفة في "العالم" والثقافات الممثلة في داخل "القرية" لكي ينشأ شيءٌ جديدٌ بمشاركةِ جميعِ المجموعاتِ وهذا ينقلنا إلى مناقشة الفرقِ بين الديمقراطية الفردية وبين الديمقراطية التعددية.


الديمقراطية التعددية والديمقراطية الفردية

الديمقراطية ُ هي حكمُ الشعب، إلا أن ممارستَها في غالبيةِ المجتمعاتِ الفرديةِ الليبراليةِ جعلتها حكمَ الأغلبيةِ العدديةِ على الأقلية، وبالتالي تحولت في كثير من الأحيان إلى آليةٍ شرعيةٍ لاضطهاد الأقلياتِ باسم القانونِ والشرعية.

الديمقراطية الفردية هي ليست النموذج الديمقراطي الوحيد بل إن هنالك عدة نماذج أخرى من بينهاالديمقراطية التعددية Pluralism. هذه الديمقراطية تحفظ مكان المجموعات العرقية أو الإثنية في نظام الدولة. هنالك أنظمةً ديمقراطية قليلة انتهجت هذا النهج وحفظت للأقليات (أو المجموعات فيها) حقوقـَها الجماعية َ وأعطتها وزنا دستوريا يفوق وزنَها العددي وأعطتها ما يشبه حق النقض (الفيتو) كما هو الحال في سويسرا، بلجيكا، وكندا. هذه أنظمة ٌ ديمقراطية ٌ تعددية ٌ استطاعت أن تحفظَ الحقوقَ الجماعية َ للأقليات، وبالتالي نجحت في تعميق انتماء هذه الأقليات وولائها للدولة.

الديمقراطية الفردية لا تساوي العدالة الاجتماعية

هنالك كمٌ هائلٌ من الكتاباتِ والمقابلاتِ التلفزيونية مع مثقفين ومفكرين عرب يدعون فيها إلى انتهاجِ الديمقراطية وحفظِ الحريات في العالم العربي دونَ فهمِ ديناميكيةِ المجتمعِ الجماعي متجاهلين استحالةََ فصلِ الثقافةِ عن النظام الاجتصاسي.

معظمُ الأقليات في العالم تضررت من الديمقراطية الليبرالية التي تعطي للأغلبية حقَ القرارِ المطلقِ ولا تعترفُ بالحقوق الجماعيةِ للأقليات. تجربة الفلسطينيين في إسرائيل هي دليل آخر على أن الديمقراطية الفردية (المعتمدة على الأغلبية العددية) تتناقض مع المصالح الجماعية للأقليات. من خلال هذه الديمقراطية تم تمريرُ جميعِ المخططات الصهيونية بينما لم تعترف هذه الديمقراطية ُ الإسرائيلية بأي حقٍ جماعيٍ للمواطنين العرب فيها، كلُّ هذا جرى على مدار 55 سنة باسمِ القانونِ والشرعيةِ والديمقراطية.

الديمقراطية ُ الفردية ُ لا تتجاهل الانتماءاتِ الجماعية َ في مجتمعنا فحسب بل تهددُ هذه الانتماءات. هذه الديمقراطية هي جزء من الثقافةِ الفرديةِ وهي ليست آلية َ حوارٍ حيادية ً بين الثقافات الفردية والجماعية، بل تشكل إحدى الموضوعاتِ المطروحةِ للنقاش بين المجموعات في مجتمعنا.

الانتقالُ من مجتمعٍ جماعيٍ إلى "دولة المواطنين" لا بد أن يمرًّ بمرحلةٍ وسطى تكونُ بها الديمقراطية ُ جماعية أو تعددية تتعايش فيها الجماعاتُ وتعترفُ كلٌ منها بشرعيةِ المجموعاتِ الأخرى في المشاركة السياسية (نموذج لبنان واليمن).


الديمقراطية التعددية:

كثير ما يتم الخلط بين الديمقراطية والتعددية باعتبارهما نهجين متشابهين يُطرحا كبديل للسلطوية أو الدكتاتورية. بسبب هذا الخلط أرى ضرورة لتوضيح ما يميز التعددية عن الديمقراطية الفردية.

· التعددية ُ تعترفُ بالمجموعات: بخلاف الديمقراطية الفردية التي تتعامل مع الناس على أنهم مجموعة أفراد، تعطي التعددية ُ شرعية ً للمجموعات (العرقية والقبلية والطائفية) ولحقها بالبقاء وممارسةِ دورها كمجموعةٍ في النظام السياسي للدولة. إنها "ديمقراطية" بين مجموعات وليست بين أفرادٍ مستقلين وغيرِ منتمين. التعددية ُ تعترفُ بشرعيةِ الانتماءاتِ الجماعيةِ وبالحقوقِ الجماعية ولا تفكك المجموعاتِ إلى أفرادٍ مستقلين كما يمكنُ أن تفعلَ الديمقراطية ُ الفردية. انطلاقا من فهمنا السوسيولوجي للدور البقائي للانتماءات الجماعية في مجتمعنا، تبدو التعددية آلية ً وقيمة ً ملائمة لتحريكه وإخراجه من الركود نحو المستقبل.

· التعددية ُ تحفظُ حقوقَ الآخر: التعددية ُ تعطي، أولا وقبل كل شيء، مكانا للمجموعات الأخرى وتعترفُ بشرعيتها وبحقِها، بينما الديمقراطية تنطلقُ من حقوقِ الذات وتوفر آلية ً لضمان تحقيقِ الذاتِ الفرديةِ أو الجماعية أولا، أما الآخرُ فليتدبر. لذلك فالتعددية هي آلية وقيمة تحول دون اضطهاد أو استقصاء مجموعات معينة في مجتمعنا.

· التعددية أداة مصالحة وتعايش: الديمقراطية ُ الفردية ُ أداة ُ غلبةٍ (تغلُّب الأكثرية على الأقلية) بينما التعددية ُ أداة ُ مصالحةٍ وتعايشٍ وفسحِ المجال للآخر لينسجمَ في فسيفساءِ المجتمعِ الواحدِ ويسهمَ في إضفاءِ لونٍ وطعمٍ خاصين. إن فرض الديمقراطية في مجتمع جماعي من شأنه جعل مجموعات الأقلية المبعدة أن تلجأ للسلاح والعنف أو جعل مجموعة السلطة المهددة أن تتراجع عن الديمقراطية (كما حصل في الجزائر مثلا).

· التعددية ُ فكرٌ ينبذ التعصب: بعكسِ التعصبِ القبلي، التعددية ُ فكرٌ وموقفٌ تتثقف فيها الأجيال على أن هنالك أكثرَ من "صحّ" واحد وبأن تحقيقَ الذات الجماعية والفردية يتمُّ بموازاةٍ مع ضمانِ ذات الآخر وحقوقِه الجماعية (أنا وأنت معا).

· التعددية آلية تحريك: التعددية ُ ليست آلية َ تكريسٍ للوضع القبلي القائم بل هي آلية َ تفاعلِ وتحرك تمكّن الأفراد والجماعات من التفاعل فيما بينها وبالتالي الانتقالِ والتطورِ دون تغليبِ طرفٍ على آخر. التعددية ُ آلية ٌ وموقفٌ يدفعُ ثقافتَنا الجماعية إلى الأمامِ نحو شيء جديد منبثق من ماضينا وتراثنا.


الحوار التعددي بين الثقافات

التعددية ليست آلية حوار وحل صراعات فحسب بل هي فكر وثقافة يمكنها أن تحتوي بقية الثقافات بدل أن تلغيها.

أمام "هجمة" الديمقراطية الموجهة من الغرب لتغطية سياسة الهيمنة، على شعوب الجنوب والشرق أن يطرحوا بديل التعددية. التعددية تشكل بديلا مفهوما ومقبولا في الغرب وفي نفس الوقت يخدم مصالحنا على عدة أصعدة:

· الصعيد العالمي: التعددية ُ موقفٌ يساعدُنا في حوارِنا مع الغرب. التعددية ُ تتحايدُ الموقفَ "إما نحن أو أنتم" وتطرحُ موقفا آخلاقيا مبنيا على "نحن وأنتم" وتساعدُنا بفرضِ الاعترافِ بشرعيةِ ومكانة الثقافات الجماعية والشرقية في العالم.

· الصعيد العربي: التعددية ُ أمرٌ مطلوب في كثير من الدول العربية التي تتصارعُ فيها المجموعات بالسلاح. التعددية ُ هو ما تحتاجه الجزائر والسودان اليوم بدل استمرار الصراعات الدموية وقبل الحديث عن ديمقراطية فردية (تجربة الديمقراطية في الجزائر تؤكد عجز هذا النهج في مجتمع جماعي). في العصر الكلاسيكي العربي كانت هنالك تعددية ٌ عرقية ٌ، ثقافية، طائفية، ومذهبية في دمشق وبغداد وقرطبة والتي تغيبُ اليوم عن الجزائر أو السودان.

· الصعيد الفلسطيني: التعددية ُ هي الآلية ُ التي تجمع "حماس" و"فتح" وبقية التيارات في نظام وطني واحد. الحوار الدائر بين السلطة وبين حماس هو نموذج جيد لنهج التعددية. السلطة ُ مطالبة ُ بترسيخ التعددية والاعترافِ بشرعية وجود "حماس" وكذلك "حماس" مطالبة ٌ بالالتزام بالتعددية وبحق التيارات الأخرى بأخذ دورها دون تخوين. وكما عبر عن ذلك مؤخرا رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس حين سئل ماذا سيكون لو أن حماس رفضت الحوار قال: البديل عن الحوار هو الحوار.

ردنا على حملات الديمقراطية الفردية التي ترافق مخططات الهيمنة على شعوب الشرق والجنوب يجب ألا يكون ردا أصوليا (إسلاميا أو غيره) بل يكون بواسطة طرح التعددية كبديل للفردية. التعددية لا تفكك المجتمعات الجماعية وفي نفس الوقت توفر آلية تحرك وتطور لها، وهي قيمة مفهومة ومقبولة أيضا في الغرب.


تلخيص:

إذا كانت في الماضي قضية ُ الانفتاحِ على الثقافات الأخرى قضية َ خيارٍ ففي عصرِ العولمة أصبح الانفتاحُ حتميا لا مفرَّ منه. انفتاح الثقافات على بعضها دون هيمنة وفي إطار فكرٍ تعددي من شأنه إغناء وتطويرُ الثقافات في العالم وتطويرُ الثقافة الإنسانية عامة.

في حوار الثقافات بين الفردية الليبرالية وبين الجماعيةِ السلطويةِ يجبُ أن يفهمَ ويتفهمَ كلُ جانبٍ الخلفية َ الاجتصاسية َ للثقافة الأخرى وألا يعملَ على فرضِ ثقافتِه عنوة ً على الجانب الآخر.

التطورُ نحو الفرديةِ الليبراليةِ أو الديمقراطيةِ الفردية ليس تطورا حتميا ولا هو المسارُ الوحيدُ أمام شعوب الشرق والجنوب التي هي غير جاهزة حاليا أو غير راغبة إلى تفكيكِ انتماءاتها الجماعية. آلية ُ وفكرُ التعدديةِ في هذه المجتمعات الجماعية من شأنها إنشاءُ "دولة المواطنين" التي تسودها العدالة بين الأفراد وبين المجموعات.

أمام شعارات الديمقراطية الفردية المفروضة والتي تشكل جزءا من مخططات الهيمنة يجب أن يرفع شعارُ التعدديةِ في العالم (لا الأصولية) كشعار وطريق لتحقيق الحرية وضمان حقوق الإنسان.

العولمة مسلك يمكنه أن يكون هداما أو بناءا. العولمة التعددية توفر شروطا جيدة لتطور العالم وتطور الثقافات فيه وهي الطريق الأمثل الذي يضع حدا للحروب. أما العولمة التي يهيمن فيها الغرب ويفرض فيها ثقافته لخدمة مصالحة فهي نوع متطور من الإقطاعية أو الامبريالية التي رفضتها شعوب العالم.

تعليقات