الدكتور
أحمد أبو الوفـــا
أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام
كلية الحقوق – جامعة القاهرة
دبلوم أكاديمية القانون الدولي (لاهاي)
الندوة العلمية الدولية الثالثة للحديث الشريف حول :
القيم الحضارية في السنة النبوية
تمهـيد:
يتعلق موضوع معاملة الأعداء وقت الحرب بفرع من فروع القانون الدولي المعاصر، وهو القانون الدولي الإنساني، والذي يتمثل سبب وجوده – أساساً – في حماية كل الأنفس البشرية المندمجة، بطريقة أو بأخرى، في النزاعات المسلحة، أو الذين يعتبرون من ضحاياها، وذلك بتجنيبهم أوجه المعاناة غير الضرورية.
إن الإسلام – وهو دين الفطرة – وجد أن الحرب تحتاج إلى تهذيب فكرتها في النفوس وحصرها في أضيق الحدود الإنسانية (والمادية) باعتبار ذلك هو غاية ما تحتمل الفطرة البشرية. لذلك فقد قررت السنة النبوية منذ ما يزيد علي أربعة عشر قرناً قواعد وأخلاقيات يجب مراعاتها والالتزام بها أثناء الحرب.
كانت الحرب وقت ظهور الإسلام وقبل بزوغ شمسه حرباً غير رحيمة. وقد أدخل الإسلام عنصراً "إنسانياً" في إطار الحروب، الغرض منه احترام الكرامة الإنسانية للمقاتلين وغير المقاتلين بالتطبيق لقوله تعالى: ) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ((الأعراف: 70)
وسيتضح من خلال هذه الدراسة أن السنة النبوية المشرفة لها تأثير كبير في إرساء قواعد معاملة الأعداء وقت الحرب. ويمكن إبراز أهم ملامح هذا الدور في الآتي:
الفصل الأول: أساس معاملة الأعداء وقت الحرب في السنة النبوية، وضرورة عدم مخالفة ذلك، لكون ذلك من المحرمات.
الفصل الثاني: حقوق ضحايا الحروب في السنة النبوية:
أ ) حق تقديم العلاج اللازم لضحايا الحروب.
ب) عدم قتل من لا يقاتل (أو مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين).
جـ) النهي عن التمثيل بالأعداء.
د ) حقوق الأسرى في السنة النبوية.
هـ) حق جمع شمل الأسرة التي شتتت بسبب الحرب.
و ) حقوق الميت وقت الحرب.
الفصل الثالث: ضمانات احترام حقوق ضحايا الحروب.
أ ) عدم طاعة أمير الجيش إلا في المعروف.
ب) حرية استخدام السلاح ليست مطلقة.
حـ) حظر الغدر أثناء الحرب، مع جواز خدع الحرب.
ونختم كل ما تقدم بخاتمة عامة، نذكر فيها التوصيات التي انتهى إليها البحث.
الفصل الأول
أساس معاملة الأعداء وقت الحرب في السنة النبوية المشرفة
وضرورة عدم مخالفة ذلك، لكون ذلك من المحرمات
نعالج هذه المسألة في مبحثين، نخصص أولهما لأساس القانون الدولي الإنساني في السنة النبوية، ثم نذكر في الثاني ضرورة الالتزام بقواعد ذلك القانون وعدم الخروج عليها.
المبحث الأول
أساس القانون الدولي الإنساني في السنة النبوية المشرفة
قبل أن نشرع في دراسة أساس القانون الدولي الإنساني في السنة النبوية المشرفة، نشير إلى الوضع في القانون الدولي.
أ) في القانون الدولي:
يهدف القانون الدولي الإنساني إلى تحقيق التوازن بين أمرين أساسيين: مقتضيات الإنسانية the dictates of humanity، والضرورة الحربية military necessity. ويعني هذان الأمران أن الأعمال اللازمة فقط لهزيمة العدو مسموح بها، بينما تلك التي تسبب أوجه معاناة غير لازمة أو ألم غير مبرر تكون محظورة، وهكذا، في بعض الأحوال، يمكن أن تخضع ضرورات الحرب لمقتضيات الاعتبارات الأولية للإنسانية.([1]) Elementary considerations of humanity
ب) في السنة النبوية:
أكدت السنة النبوية المشرفة على هذا الأساس المزدوج الذي استقر عليه القانون الدولي الإنساني: التوفيق بين الاعتبارات الحربية والاعتبارات الإنسانية، في قوله (صلى الله عليه وسلم): «أنا نبي المرحمة ، أنا نبي الملحمة».
وهكذا للحرب في السنة النبوية المشرفة جانبان يقترن كل منهما بالآخر اقتراناً لا يقبل الانفصام وهما جانب الملحمة، وجانب المرحمة.
فإذا انتهينا من شرحهما فحقيق بنا أن نتحدث عن أثر ذلك الحديث.
1- جانب الملحمة (الضرورات العسكرية):
وفقاً للسنة النبوية – والقانون الدولي الحالي كما سبق بيانه – تهدف الحرب إلى تحقيق النصر العسكري على العدو، ولذلك لأي طرف اللجوء إلى الوسائل القتالية المشروعة لتحقيق ذلك. وقد أكد ذلك القرآن الكريم. يقول تعالى: )مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ( (الفتح: 29)
) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ( (الأنفال: 57)
وشدة الحرب والقتال أكدها أيضاً (صلى الله عليه وسلم) بقوله: «الآن حمي الوطيس».([2])
يقول الرافعي: "والوطيس هو التنور ومجتمع النار والوقود، فمهما كانت صفة الحرب، فإن هذه الكلمة بكل ما يقال في صفتها، وكأنما هي نار مشبوبة من البلاغة تأكل الكلام أكلاً، وكأنما هي تمثل لكل دماء نارية أو ناراً دموية".([3])
كذلك فشجاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) واضحة منذ صغره، فقد حضر حرب الفجار، أخرجه أعمامه معهم. يقول (صلى الله عليه وسلم): كنت أنبل على أعمامي: أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.([4])
2- جانب المرحمة (مراعاة حقوق الإنسان وقت الحرب):
يتفق قوله (صلى الله عليه وسلم): «أنا نبي المرحمة» مع طبيعة الشريعة الإسلامية. ذلك أن الإسلام دين الرحمة، لذا كان التواصي بها بين المؤمنين. يقول تعالى: )ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ( (البلد: 17- 18).
كذلك يقول تعالي: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ((الأنبياء: 107) ويقول أيضاً:
) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ( (آل عمران: 159).
يؤيد ذلك أيضاً قوله (صلى الله عليه وسلم):
- «إن الله تعالي جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً».([5])
- «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».([6])
ونحن نعتقد أن مرد قواعد القانون الدولي الإنساني واحترام حقوق الإنسان وقت الحرب ترجع إلي مبدأ إسلامي أصيل، هو مبدأ "الرفق في الأمر كله"، والذي أكده قوله صلى الله عليه وسلم): «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، وقوله: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وقوله: « إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف». وفي حديث أبي الدرداء: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير»([7]). ولا شك أن الرفق في الحرب يعني أموراً كثيرة، منها: 1- عدم الانتقام؛ 2- وعدم استخدام الأسلحة التي تسبب أوجه معاناة غير مفيدة؛ 3- عدم المثلة؛ 4- عدم الاعتداء على غير المقاتلين.
وأساس ذلك يرجع إلى قاعدة العدالة التي أمر الإسلام بتطبيقها حتى مع من يبغضه المسلمون، يقول تعالى:
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى( (المائدة: 8).
3- أثر قوله (صلى الله عليه وسلم) «أنا نبي المرحمة أنا نبي الملحمة»:
لهذا الحديث، في نظرنا، أثران: إيجابي وسلبي.
(أولاً) الأثر الإيجابي: مراعاة الجوانب الإنسانية في الحروب الإسلامية:
هذا هو الأثر العملي الأول لقوله (صلى الله عليه وسلم) أنا نبي المرحمة، أنا نبي الملحمة. إذ حتى إذا حمي الوطيس، فإن جانب الرحمة يجب تطبيقه دائماً. ولعل خير مثال عملي يؤيد ذلك، ما حدث بعد هزيمة قريش، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «ما تظنون أني فاعل بكم»، قالوا: «أخ كريم وابن أخ كريم». فقال (صلى الله عليه وسلم»: «أقول. ما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لي ولكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء»([8]).
وهكذا فقد طبع هذا الحديث أثره علي سلوك المسلمين وقت الحرب أثناء حياته (صلى الله عليه وسلم) وبعد وفاته. لدرجة أن أحد كبار مفكري الغرب قال:«فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم».([9])
(ثانياً) الأثر السلبي: منع من لا يراعون الاعتبارات الإنسانية من قيادة الجيوش الإسلامية: لعل خير مثال علي ذلك ما حدث حينما قال سعد لأبي سفيان:
اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة
فشكا أبو سفيان إلي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فعزله عن راية الأنصار وأعطاها الزبير بن العوام فدخل بها من أعلى مكة، ودخل خالد بن الوليد من أسفل مكة.
يقول ابن كثير أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بالراية أن تؤخذ من سعد «كالتأديب له».([10])بينما يذكر الخزاعي التلمساني ما حدث يوم فتح مكة، حينما قال سعد بن عبادة وهو يحمل الراية: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة». فسمعها عمر بن الخطاب، فقال يا رسول الله: «أسمع ما قال سعد بن عبادة، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة»، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلي بن أبي طالب: «أدركه فخذ الراية فكن أنت الذي تدخل بها».([11])
المبحث الثاني
ضرورة مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني
الواردة في السنة، لأن مخالفتها من المحرمات
في هذا الخصوص، وتحت باب «فيما ينبغي للملك من سياسة الجيش وتدبير الجند»، يقول الإمام الشيزري أن من واجبات الملك:«أن يلزم جيشه بما أوجبه الله تعالى من حقوق وبما أمره الله تعالى من مراعاة حدوده، لأنه من جاهد عن الدين كان أحق الناس بالتزام أحكامه والفصل بين حلاله وحرامه، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (أنهوا جيوشكم عن الفساد فإنه ما فسد جيش قط إلا قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب). ([12])
ولا شك أن النهي عن الفساد، وضرورة التزام الجيش بحدود الله تُعَدُّ قيوداً «أخلاقية وشرعية» يجب علي كل مقاتل أن يراعيها ولا يخرج عليها. كما أن أشد الفساد هو عدم مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني. يقول عقبة بن نافع:
«إننا لا ننكل بالأسرى؛ لأن ديننا يمنعنا من ذلك».([13])
يقول الصنعاني: وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا أمر أميراً علي جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً» ثم يخبره بتحريم الغدر وتحريم المثلة وتحريم قتل الصبيان المشركين، وهذه محرمات بالإجماع.([14]) وهكذا يُعّدُّ حراماً الاعتداء على هذه الحقوق الإنسانية.
ولعل ذلك يتضح من قول الماوردي أن مما يلزم أمير الجيش في سياستهم: «أن يأخذ جيشه بما أوجبه الله تعالى من حقوقه وأمر به من حدوده حتى لا يكون بينهم تجوز في دين ولا تحيف في حق، فإن من جاهد عن الدين كان أحق الناس بالتزام أحكامه والفصل بين حلاله وحرامه».([15]) ويبدو ما قلناه واضحاً جلياً من الواقعة الآتية:
فقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصباح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأكف ولولا ذلك لاسترحنا منها. يقول الباجي:
«وهذا يدل على التعليق بالعموم لأنه أجرى نهي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على عمومه في سائر الحالات ولم يقصره علي القصد إلى ذلك دون الحاجة إليه».([16])
وهكذا يمكن القول أن لقواعد القانون الدولي الإنساني إلزاميتها وفقاً للسنة النبوية المشرفة، باعتبار أنه يجب مراعاتها وعدم الخروج عليها، فهي سنة متبعة وفريضة واجبة.
الفصل الثاني
حقوق ضحايا الحرب في السنة النبوية
لضحايا الحرب في السنة النبوية المشرفة حقوق ثلاثة، هي: تقديم العلاج لهم، وعدم قتل من لا يقاتل، وتحريم المثلة. فإذا انتهينا من ذلك فحقيق بنا أن نشير إلى حقوق ثلاث فئات من ضحايا الحروب، وهم: الأسرى وجع شمل الأسر المشتتة، والميت.
(أ) حق تقديم العلاج اللازم لضحايا الحروب:
نشير إلى حق تقديم العلاج لضحايا الحروب وفقاً للسنة النبوية المشرفة، وفي القانون الدولي.
1- في السنة النبوية:
منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم تقرر حق تقديم الحاجيات الأساسية لضحايا الحروب، بما فيها حق العلاج للجرحى والمرضى منهم. وشواهد ذلك كثيرة في السنة النبوية المشرفة:
- فعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة. رواه أحمد والبخاري.
- وعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمنى. رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
- وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى. رواه مسلم والترمذي وصححه.([17])
يقول الإمام الشوكاني أن عبارة «وأداوي الجرحى» فيها: دليل على أنه يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة. قال ابن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم وإن دعت الضرورة فليكن بغير مباشرة ولا مس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم. وقال الأوزاعي تدفن كما هي. قال ابن المنير الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات وهكذا يكون حال المرأة في ردها القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع إمكان ما هو دونه».([18])
كذلك وضعت السنة النبوية اللبنات الأولى للمستشفيات أثناء الحروب، أو المارستان، بفتح الراء: دار المرضي وهو معرب. عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش: ابن العرقة، رماه في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب. وقال ابن اسحاق – رحمه الله تعالى – في السيرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها: رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: «اجعلوه في بيت رفيدة حتى أعوده من قريب» وكانت رفيدة امرأة تداوي الجرحى.([19])
2- في القانون الدولي:
لعل ما تقدم يظهر أن المسلمين كانوا سباقين في هذا المضمار. إذ أنه من المعروف أنه فقط بعد معركة سولفرينو عام 1859، وعلى إثر الفظائع التي رآها بسبب ترك آلاف الجرحى بدون علاج، دعا مواطن سويسري يدعى هنري دونان إلى تأصيل القواعد الإنسانية في الحروب، وكانت دعوته أساس إنشاء حركة الصليب الأحمر في الدول الغربية.([20])
(ب) عدم قتل من لا يقاتل (أو مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين):
هذا مبدأ استقر عليه القانون الدولي حالياً، وأكدته السنة النبوية المشرفة منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً.
1- في القانون الدولي:
استقر القانون الدولي الإنساني حديثاً، على ضرورة التمييز بين المحاربين وغير المحاربين
عند التحام القتال وبحيث يجنب هؤلاء الأخيرون - بقدر الإمكان – ويلات الحرب وآثارها.([21])
2- في السنة النبوية:
أكدت السنة النبوية على ضرورة التمييز بين المحاربين وغير المحاربين، بل اعتبرت ذلك عهد الله وسيرة نبيه في المسلمين. من ذلك حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها، فقد قال له: «اغزوا جميعاً في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليد، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم».([22])
وسنتحدث عن علة مبدأ التفرقة بين المحاربين وغير المحاربين، وعن حدود تطبيقه.
(أولاً) علة المبدأ في السنة النبوية:
لا شك أن علة التفرقة بين المحاربين وغير المحاربين تكمن في أن القتال يوجه إلى من يقاتل لا من لا يقاتل.
وهكذا بخصوص قوله (صلى الله عليه وسلم) حينما رأى امرأة مقتولة:
«هاه! ما كانت هذه تقاتل». يقول السرخسي:
«ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام استعظم قتلها باعتبار أنها لا تقاتل».([23])
وبين ذلك الإمام المازري أيضاً بقوله: «وأما المرأة فلا تقتل أيضاً؛ لأنها من جنس من لا يقاتل لكنها إن قاتلت قتلت في حال القتال، لأن المعني المبيح لقتل الرجال قد وجد منها». وتعليقاً على قوله (صلى الله عليه وسلم): «لا تقتلوا وليداً» يقول: «إنما ذلك لأن الأطفال لا نكاية فيهم ولا قتال ولا ضرر بأهل الإسلام».([24])وقال الحكيم الترمذي بخصوص نهيه (صلى الله عليه وسلم) عن «قتل الصبيان»، قال إن ذلك علته: «أنهم ذرية، وليس لهم نكاية».([25])
وهكذا فالقتال، لا الكفر، هو المبيح، في السنة النبوية المشرفة، قتال الأعداء.
(ثانياً) حدود تطبيق المبدأ في السنة النبوية: يتمثل ذلك – خصوصاً – فيما يلي:
(1) توجيه القتال إلى من يقاتل ومنع ذلك بخصوص من لا يقدر على القتال:
يبدو ذلك جلياً في قوله (صلى الله عليه وسلم): «اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شرخهم»([26]). يقول الإمام البغوي: «قوله: استحيوا: أي اتركوهم أحياء، قال الله سبحانه وتعالى: )وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ( أي: يتركونهم أحياء، وأراد بالشرخ: الصبيان، وبالشيوخ: الشبان والشرخ: جمع شارخ، وهو الحديث السن، وشرخ الشباب: أوله».([27])
والسنة النبوية زاخرة بالأحاديث التي تظهر عدم جواز قتل فئات بعينها من الأشخاص، منها قوله (صلى الله عليه وسلم).([28])
1- عن ابن عمر قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي (صلى الله عليه وسلم) فنهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن قتل النساء والصبيان. رواه الجماعة إلا النسائي. 2- وعن رباح بن ربيع أنه خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رباح وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على راحلته فأفرجوا عنها فوقف عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم الحق خالداً فقل لهم لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا. رواه أحمد وأبو داود.([29]) 3- وعن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم واصلحوا واحسنوا إن الله يحب المحسنين. رواه أبو داود.([30]) 4- وعن ابن كعب بن مالك عن عمه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حين بعث إلى ابن الحقيق بخيبر نهي عن قتل النساء والصبيان. 5- وعن الأسود بن سريع قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا تقتلوا الذرية في الحرب، فقالوا يا رسول الله أو ليس هم أولاد المشركين، قال أو ليس خياركم أولاد المشركين. رواه أحمد.
يتضح من هذه الأحاديث ما يلي:
أولاً- أن السنة النبوية المشرفة أكدت على عدم جواز قتل بعض الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، خصوصاً النساء والأطفال. يقول الإمام النووي أن العلماء أجمعوا على: «تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا».([31])ويقول ابن قيم الجوزيه: «لم يشرع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتل النساء والذرية في شيء من مغازيه البتة».([32])
ويقول الإمام الصنعاني أنه يخلص من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
«تحريم الغدر وتحريم المثلة وتحريم قتل صبيان المشركين، وهذه محرمات بالإجماع».([33])
ثانياً- أن قتل من يقاتل من النساء أو الأطفال أو غيرهم يفترض توافر أمرين:
- اشتراكهم فعلاً في القتال علي أي وجه من الوجوه.
- أن يكون اشتراكهم في القتال باختيارهم وصادراً عن إرادة حرة منهم؛ بعبارة أخرى ألا يكونوا أكرهوا على القتال. فإن ثبت إكراههم فلا يجوز قتلهم.
ومن ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن قتل بعض الأشخاص في غزوة بدر الكبرى، بقوله:«إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بيي هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً».([34])
وهكذا قررت السنة النبوية مبدأ حماية حقوق من لا يقاتلون، الذي أكده القرآن الكريم أيضاً في قوله تعالي:) وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ( (البقرة: 190). ومعني لا تعتدوا، أي «لا تقتلوا من لم يقاتل».([35])
ثالثاً- يجدر هنا أن نشير إلي الملاحظات الآتية:
* قال البعض أن هناك حديثين مختلفين في ذراري المشركين: فقد رويتم أن الصعب بن جثامة قال يا رسول الله ذراري المشركين تطؤهم خيلنا في ظلم الليل عند الغارة. قال هم من آبائهم، ثم رويتم أنه بعث سرية فقتلوا النساء والصبيان فأنكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنكاراً شديداً. فقالوا يا رسول الله إنهم ذراري المشركين قال أو ليس خياركم ذراري المشركين.
وقد رد على ذلك الإمام ابن قتيبة بقوله:
«أنه ليس بين الحديثين اختلاف لأن الصعب بن جثامة أعلمه أن خيل المسلمين تطؤهم في ظلم الليل عند الغارة فقال هم من آبائهم. يريد أن حكمهم في الدنيا حكم آبائهم. فإذا كان الليل وكانت الغارة ووقعت الفرصة في المشركين فلا تكفوا من أجل الأطفال لأن حكمهم حكم آبائهم من النساء والصبيان لأنهم تعمدوا ذلك لشرك آبائهم فقال أو ليس خياركم ذراري المشركين. يريد فلعل فيهم من يُسلم إذا بلغ ويحسن إسلامه.([36])
* ذهب فقهاء المسلمين إلى أنه يمتنع قتل «الرحم» كالأب والأم. ([37])
* ومع التسليم بأنه لا يجوز قتل المرأة أو الصبي أو المجنون أو المقعد أو الشيخ الفاني، فإنه يستثني من ذلك «أن يكون أحد هؤلاء ملكاً، ...... أو له رأي في الحرب، أو مال يحث به».([38])
(2) إمكانية توجيه القتال حتى إلى النساء والصبيان في حالة «التبييت»:
«سئل (صلى الله عليه وسلم) عن الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؛ فقال (صلى الله عليه وسلم): «هم منهم»([39]).
يقول المازري: «المراد بقوله: "هم منهم" أن أحكام الكفار جارية عليهم في مثل هذا، والدار دار كفر بكل من فيها منهم ومن ذراريهم.. وإن اعترض هذا بالنهي عن قتل النساء والولدان». قلنا: هذا وارد فيهم إذا لم يتميزوا وقتلوا من غير قصد لقتلهم، بل كان القصد قتل الكبار فوقعوا في الذراري من غير عمد ولا معرفة([40]).
حري بالذكر أن معنى "يبيتون" في الحديث «أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي»([41]).
وقد علل فقهاء المسلمين ما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما سئل عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم "فقال هم منهم"، بأمور كثيرة. يقول الإمام الخطابي:
«يريد أنهم منهم في حكم الدين وإباحة الدم، وفيه بيان أن قتلهم في البيات وفي الحرب إذا لم يتميزوا من آبائهم وإذا لم يتوصل إلى الكبار إلا بالإتيان عليهم جائز. وأن النهي عن قتلهم منصرف إلى حال التميز والتفرق فإن الإبقاء عليهم إنما هو من أجل أنهم فيء للمسلمين لا من جهة أنهم على حكم الإسلام»([42]).
ويقول الإمام ابن حجر أن قوله «هم منهم» أي «في الحكم وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلي الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم».([43])
كل ذلك يدل دلالة أكيدة علي أن الراجح في الفقه الإسلامي هو عدم جواز قتل النساء والأطفال والذرية وكذلك كل من لم يقاتل أو يشترك في القتال([44]). بل لقد ذهب الإمام ابن عبد السلام إلي القول أن قتل النساء والأطفال يعتبر «مفسدة» إلا إذا تترس بهم الكفار بحيث لا يجوز دفعهم إلا بقتلهم([45]).
ج) النهي عن التمثيل([46]) بالأعداء:
يمنع الإسلام المثلة: فقد روي سمرة بن جندب قال «كان النيي (صلى الله علـيه وسلم) يحثنا علي الصدقة وينهانا عن المثلة» (رواه أبو داود).([47]) وقال أيضاً (صلى الله عليه وسلم): «إن الله كتب الإحسان علي كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح».([48]) كذلك روى عبد الله بن عامر أنه قدم علي أبي بكر الصديق برأس البطريق فأنكر ذلك فقال يا خليفة رسول الله فإنهم يفعلون ذلك بنا قال: فاستنان بفارس والروم؟ لا يحمل إلي رأس فإنما يكفي الكتاب والخبر.
وحينما قال عمر بن الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) (بخصوص سهيل بن عمرو): دعني أنزع ثنيتي سهيل، ويدلع لسانه. (أي يخرج)، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً، قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا([49]).ومن ذلك ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعبد الرحمن بن عوف حينما أمره علي غزوة دومة الجندل: «اغزوا جميعاً في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم»([50]).
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد يلتمس حمزة بن عبدالمطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه، فقال «لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم». فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. وحينئذ أنزل الله سبحانه وتعالى – للنهي عن المثلة – قوله تعالى: )وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ(. فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة([51]).
ويلاحظ أن فقهاء المسلمين ذهبوا إلى أن النهي عن المثلة يكون حيث لم يفعل العدو بالمسلمين ذلك، فإن مثلوا بالمسلمين جاز التمثيل بهم أيضاً تحقيقاً لغايات محددة؛ كتخويفهم أو ردعهم عن اللجوء إلى المثلة مرة أخرى ... إلخ.
يقول الإمام الخطابي (بخصوص النهي عن المثلة):
"وهذا إذا لم يكن الكافر فعل مثل ذلك بالمقتول المسلم فإن مثل بالمقتول جاز أن يمثل به ولذلك قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدي العرنيين وأرجلهم وسمر أعينهم وكانوا فعلوا ذلك برعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك هذا في القصاص بين المسلمين إذا كان القاتل قطع أعضاء المقتول وعذبه قبل القتل فإنه يعاقب بمثله وقد قال تعالى: ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (.(البقرة: 194)([52])
د) حقوق الأسرى في السنة النبوية:
كفل الإسلام للأسير معاملة طيبة بعيدة عن غضب وشطط المقاتلين في لحظات يكون الغضب والشطط ملء القلب يغلي فيه الدم. ولذلك ألجم الإسلام هذا الغضب بإلزام المسلم بإكرام الأسارى تمشياً مع أخص خصائص المسلم وهي الرحمة في وقت تكون الرحمة أشد ما تكون بالنسبة لطلبها.
لذلك يقول الله تعالى:«ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً». (الإنسان: 8). ويقول الرسول الكريم: «استوصوا بالأسارى خيراً».([53])
وهي لا شك وصية جامعة لكل معاني المعاملات الإنسانية الفاضلة وسواء كان الأسير في البر أو البحر أو من الغرقى أو الجرحى أو المرضى أو كان سليماً معافى.
وقد ورد في السنة النبوية العديد من القواعد الخاصة بأسرى الأعداء، نوجزها فيما يلي:
1- توفير الحاجات الضرورية للأسير:
أولاً – في القانون الدولي:
استقرت قواعد القانون الدولي العام – حديثاً – على ضرورة معاملة الأسير كإنسان يستحق الرعاية، رغم وقوعه في الأسر. وقد أكد على ذلك – خصوصاً – القسم الثاني من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 الخاصة بأسرى الحرب، والتي نصت على ضرورة توفير المأوى والغذاء والملبس والرعاية الصحية والطبية لأسرى الحرب، وكذلك حقهم في ممارسة الأنشطة الدينية والذهنية والبدنية، وعدم مصادرة أموال الأسرى، وحقهم في الاتصال بالعالم الخارجي (تلقي وإرسال خطابات مثلاً)، وما يجب مراعاته عند محاكمتهم وتوقيع الجزاءات التأديبية والقضائية عليهم.([54])
ثانياً: في السنة النبوية:
من مفاخر الإسلام الكبرى أنه رغم وقوع الأسير في الأسر، فإنه لا يجوز أن يجتمع عليه «ذل الأسر وضنك العيش فيه». لذا اهتم الإسلام – قبل القانون الدولي المعاصر بأربعة عشر قرناً – بتوفير الحاجات الضرورية للأسرى.
- المبدأ العام:
طبق المسلمون تطبيقاً رائعاً الآية الكريمة: « وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً
وَأَسِيراً » (الإنسان: 8). وكذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) «استوصوا بالأسارى خيراً»([55]). ولم يقصروا ذلك على مجرد الطعام وإنما بسطوه إلى كل الحاجات الضرورية للأسير، واللازمة للحفاظ على تكامله الجسدي وسلامته الصحية، وكذلك تكامله المعنوي.
- أمثلة تؤيد المبدأ السابق من السنة النبوية:
الأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها ما يلي:
- من ذلك حينما أقبل أسارى بدر فرقهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيراً. قال أبو عزيز: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غذاءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها. قال: فأستحيي فأردها على أحدهم فيردها علىَّ ما يمسها.([56])
- كذلك روى البخاري أنه لما كان يوم بدر أتى بالأسارى وأتى بالعباس (ابن عبدالمطلب) ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي (صلى الله عليه وسلم) له قميصاً، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي (صلى الله عليه وسلم) إياه، فلذلك نزع النبي (صلى الله عليه وسلم) قميصه الذي ألبسه قال ابن عيينة كانت له عند النبي (صلى الله عليه وسلم) يد فأحب أن يكافئه.([57])
- وحينما أسر المسلمون ثمامة بن أثال ربطوه بسارية من سواري المسجد وطلب الرسول (صلى الله عليه وسلم) منهم أن يحسنوا إساره، ورجع الرسول إلى أهله، فقال: اجمعوا ما عندكم من طعام، فابعثوا به إلى ثمامة، وأمر بناقته أن يغدى عليه بها ويراح، ثم قال له الرسول (صلى الله عليه وسلم): أسلم يا ثمامة، فيقول: يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن ترد الفداء فسل ما شئت، فمكث مدة ثم أطلقه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأسلم ثمامة بعد ذلك.([58])
ثالثاً: الجمع بين الضرورات المادية والمعنوية للأسير:
لم تقتصر السنة النبوية المشرفة على «الجانب المادي» فقط بالنسبة للحاجات الضرورية للأسير، بل وفرت لهم أيضاً «الجانب المعنوي»، فقد قررت السنة كما سنذكره لاحقاً([59]) عدم جواز التفريق بين الأقارب الأسرى خصوصاً قوله (صلى الله عليه وسلم):
«من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة».
2- إمكانية تقييد حرية الأسير وهو في الأسر:
إذا تم الأسر، فمن الطبيعي أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع هروب الأسرى.
أولاً: في القانون الدولي:
نصت المادة 21/1 من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 بخصوص أسرى الحرب على جواز تقييد حرية الحركة Restriction of liberty of movement للأسرى: إذ يجوز للدولة الحاجزة إخضاعهم للاعتقال Internment، ولها أن تلزمهم بعدم تجاوز حدود معينة في المعسكر المعتقلين فيه، أو بعدم تجاوزه إذا كان مسوراً. كذلك لا يجوز أن يستمر هذا الوضع على أية حال لأكثر مما تتطلبه الظروف التي دعت إليه.
ثانياً: في السنة النبوية المشرفة:
منذ عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، تم اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع هروب الأسرى من الأماكن التي اعتقلوا فيها.([60])
3- مصير أسرى الحرب:
(أولاً) في القانون الدولي:
جاء في الباب الرابع من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 الخاصة بأسرى الحرب، إن انتهاء حالة الأسر يكون للأسباب الثلاثة الآتية: أولاً: إعادة الأسرى مباشرة إلى الوطن (ويكون ذلك بالنسبة للأسرى المصابين بأمراض خطيرة أو جروح خطيرة أو الميئوس من شفائهم أو المصابين بأمراض عقلية مستديمة) أو إيواءهم في بلد محايد. ثانياً: ضرورة الإفراج عن أسرى الحرب وإعادتهم إلى أوطانهم دون إبطاء بعد انتهاء العمليات العدائية. ثالثاً: وفاة أسرى الحرب.
(ثانياً) في السنة النبوية:
أكدت السنة النبوية المشرفة بخصوص الأسرى ما يلي:
أولاً: أمر الأسرى متروك إلى الإمام بحسب ما يراه من المصلحة، فالأمر في أسرى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين.([61])لذلك يقول الإمام الخطابي أن اختيار الإمام يكون ضابطه كونه: «أصلح ومن أمر الدين وإعزاز الإسلام أوقع».([62])ويقول الماوردي أن اختيار الإمام يكون: «على وجه الأحوط الأصلح».([63])
ثانياً – الخيارات المتاحة للإمام:([64]) تتمثل هذه الخيارات في الآتي:
1- القتل (إذا كان الأسير قد ارتكب جريمة حرب): يتفق ذلك مع ما هو مستقر في القانون الدولي المعاصر من محاكمة الأسير عن جرائم الحرب التي اقترفها. فإذا لم يرتكب جريمة حرب فلا يجوز محاكمته أو معاقبته. وقد ورد في السنة النبوية ما يؤيد ذلك.
عن سالم عن أبيه أنه حينما بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي (صلى الله عليه وسلم) فذكرناه فرفع يده فقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين.
كذلك أتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأسير يرعد فقال ادفؤه يريد ادفؤه من الدفء ولم يكن من لغته (صلى الله عليه وسلم) الهمز فذهبوا به فقتلوه فوداه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولو أراد قتله لقال دافوه ودافوا عليه بالتثقيل.([65])
2- المن: طبق النبي (صلى الله عليه وسلم) المن على الأسرى. من ذلك ما حدث لثمامة بن أثال.([66])
كذلك جيء بأسير إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد، فقال (صلى الله عليه وسلم): «عرف الحق لأهله»، ثم قال: خلوا سبيله.([67])
ومن ذلك ما حدث بين النبي وأبي جرول يوم حنين.([68])
ولا شك أن المن ثابت أيضاً في قوله تعالي: ) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ( محمد: 4.
وقد ذهب اتجاه في الفقه الإسلامي إلى أن المن كان من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وبالتالي لا يجوز لمن بعده من أئمة المسلمين أن يمن على الأسرى.([69])
3- الفداء:
كذلك في السنة النبوية ما يدل على جواز فداء الأسري (بمال أو بغيره):
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة. «رواه أبو داود».وعن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة كانت لها. وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل «رواه أحمد والترمذي وصححه». وعن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.([70])
4- عدم جواز تعذيب الأسير:
لا يجوز تعذيب الأسير بحال. فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في بني قريظة: «لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح ولا تمثلوا»([71]).
والدليل على عدم جواز تعذيب الأسير، ما كان يوم بدر، فقد أسر المسلمون غلاماً في غزوة بدر وأخذوا يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه، فيقول لهم مالي علم بأبي سفيان ولكن أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه مع أنه الصدق، ليكرهوه فيقول: هذا أبو سفيان فإذا قال ذلك تركوه مع أنه يكذب، وكرروا ذلك معه والرسول قائم يصلى. فلما انتهى من صلاته قال لهم: والذي نفسي بيده إنكم لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم.([72])
5- حق الأسير في إطلاق سراحه بمقتضى عهد منه بعدم القتال مرة أخرى:
هذه المسألة نظمتها أيضاً السنة النبوية المشرفة. وسنجد أن القانون الدولي والقوانين الوطنية انتهت إلى نفس الحلول التي قررتها السنة النبوية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
* في السنة النبوية:
ورد بخصوص هذه المسألة في السنة النبوية أمران:
أولاً: إمكانية الإفراج عن الأسير بناء على وعد منه بعدم قتال العدو: من ذلك ما حدث حينما أخذ المشركون حذيفة بن اليمان وأباه وأخذوا عليهما العهد أن لا يقاتلانهم يوم بدر، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «فوا لهم، ونستعين الله عليهم».([73])
معنى ذلك، في رأينا، أمران:
الأول: أن على الأسير الذي يتم الإفراج عنه تحت شرط واجب الوفاء بما وافق عليه، لأن الوفاء بالعهد من الأمور التي يجب احترامها في شريعة الإسلام. يقول تعالى: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً».
الثاني: أن على الحاكم أو رئيس الدولة أو القائد العام للجيش ألا يرغم الشخص المعني على الخروج عما اشترطه عليه الأعداء، وذلك مثلاً بتكليفه بالقيام بأعمال عسكرية. وإنما عليه واجب صرفه وعدم التزامه بذلك.
ثانياً: أن الأسير الذي يخالف عهده يستحق أقصى عقوبة:
من ذلك لما أسر أبو عزة الجمحي الشاعر ببدر فشكا عائلة وفقراً، فمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء، ثم ظفر به في أحد فقال: مُن علىَّ وذكر فقراً وعائلة فقال: لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرت بمحمد مرتين، وأمر به فقتل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين ».([74])
(2) في القانون الدولي:
يأخذ القانون الدولي أيضاً بإمكانية منح الأسير الحرية بناء على الكلمة المعطاة منه
Liberté sur parole ويتمثل ذلك في تعهده بعدم المشاركة في القتال مرة أخرى أو بعدم مغادرة إقليم الدولة التي يتواجد فوق أراضيها (مثلاً الدولة المحايدة). في هذا المعنى تنص المادة 21 من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 على أنه:
«يجوز إطلاق حرية أسرى الحرب بصورة جزئية أو كلية مقابل وعد أو تعهد منهم بقدر ما تسمح بذلك قوانين الدولة التي يتبعونها. ويتخذ هذا الإجراء بصفة خاصة في الأحوال التي يمكن أن يسهم فيها ذلك في تحسين صحة الأسري. ولا يرغم أي أسير علي قبول إطلاق سراحه مقابل وعد أو تعهد.
علي كل طرف في النزاع أن يخطر الطرف الآخر، عند نشوب الأعمال العدائية، بالقوانين واللوائح التي تسمح لرعاياه أو تمنعهم من قبول الحرية مقابل وعد أو تعهد. ويلتزم أسري الحرب الذين يطلق سراحهم مقابل وعد أو تعهد وفقاً للقوانين واللوائح المبلغة علي هذا النحو بتنفيذ الوعد أو التعهد الذي أعطوه بكل دقة، سواء إزاء الدولة التي يتبعونها، أو الدولة التي أسرتهم. وفي مثل هذه الحالات، تلتزم الدولة التي يتبعها الأسرى بأن لا تطلب إليهم أو تقبل منهم تأدية أية خدمة لا تتفق مع الوعد أو التعهد الذي أعطوه».
(3) في القوانين الوطنية المعاصرة:
تنص القوانين في كثير من دول العالم علي أن الأسير الذي ينقض العهد الذي أفرج
بناء عليه يمكن معاقبته بالإعدام، علي سبيل المثال يمكن أن نذكر هنا المادة 135 من قانون الأحكام العسكرية في مصر (القانون 25 لسنة 1966) والتي تنص علي أنه: «يعاقب بالإعدام كل أسير من الأعداء أسر من جديد أو قبض عليه وقد نقض العهد وحمل السلاح علي الجمهورية العربية المتحدة».
يتضح مما تقدم أن القانون الدولي والقوانين الوطنية الحديثة أخذت بنفس ما قررته السنة النبوية المشرفة بخصوص الأمور الآتية:
* إمكانية إطلاق سراح الأسير بناء على وعد منه بعدم الاشتراك في القتال.
* توقيع أقصى عقوبة على الأسير الذي ينقض ذلك الوعد.
* التزام الأسير وكذلك سلطات دولته بالوعد الذي أخذه على نفسه.
هـ) حق جمع شمل الأسرة (عدم التفريق بين الأقارب)
يمكن أن تتأثر الأسرة بويلات الحرب، خصوصاً تشتت وتفرق أفرادها نتيجة لاندلاع العمليات الحربية، ونشير هنا إلى ما جاء في القانون الدولي، والسنة النبوية.
(أ) في القانون الدولي:
تعرض القانون الدولي حديثاً لهذه المسألة، ويمكن إبراز أهم التطورات في هذا الخصوص، فيما يلي:
1- فقد نصت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 في المادة 26 منها علي إمكانية أن يقوم أفراد الأسر المشتتة نتيجة للحرب بإعادة اتصال to renew contact كل فرد منها بالآخر، وبالتلاقي to meet.
2- بينما نصت المادة 74 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 علي ما يلي: «تسهل الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع، بكل طريقة ممكنة، اجتماع الأسر المشتتة كنتيجة للنزاع المسلح».([75])
وسنجد أن السنة النبوية قد وضعت حماية أكبر من تلك التي قررها القانون الدولي المعاصر، والذي يقتصر علي: 1- مجرد إعادة الاتصال أو التلاقي. 2- التسهيل بقدر الإمكان، لعملية اجتماع الأسر المشتتة. بينما السنة النبوية المشرفة تضع إلزاماً علي عاتق المسلمين بعدم التفريق بين الأقارب وهو ما نبحثه الآن.
(ب) في السنة النبوية:
محافظة علي حقوق الأقارب، خصوصاً الصغار منهم، أكدت السنة النبوية علي جمع شملهم وعدم التفريق بينهم، يدل علي ذلك ما يلي: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» رواه أحمد وصححه الترمذي.
يقول الإمام الصنعاني أن الحديث: «نص في تحريم التفريق بين والدة وولدها وقيس عليه سائر الأرحام المحارم بجامع الرحامة».([76])
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: «أدركهما فارتجعهما ولا تبيعهما إلا جميعا» رواه أحمد ورجاله ثقات وقد صححه ابن خزيمة.([77])
وعن أبي موسي، قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من فرق بين الوالد وولده، وبين الأخ وأخيه، رواه ابن ماجه والدارقطني. ([78])
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه أتي بسبي فقام فنظر إلي امرأة منهن تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: ابني بيع في بني عبس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي سعيد الأنصاري: فرقت بينهما فلترجعن ولتأتين به، فرجع فأتي به، وروي عن عمر، رضي الله تعالي عنه، أنه كتب ألا يفرق بين الأخوين، وبين الأم وولدها، يعني إذا كانا صغيرين، أو كان أحدهما صغيراً والآخر كبيراً. ([79])
كذلك جاء في الأثر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) حين رأي جارية والهة في الغنيمة، فقال: ما حالها؟ فقيل: بيع ولدها. قال: لا توله والدة بولدها. ([80])
يتضح مما تقدم عدة أمور:
أولاً – أن الأدلة في السنة النبوية المشرفة متظاهرة في النهي عن التفريق بين الأم وولدها، أو بين الصغار والأقارب. بل وصل احترام المسلمين لهذه السنة النبوية المشرفة حد أن قال الإمام الشيباني أنه في حالة العجز عن حمل الأم والولد معاً وكان أخذ الولد بمفرده لا يمكن تغذيته فيجب إما تركهما معاً أو أخذهما معاً([81]).
ثانياً – أن الأثر المترتب علي مخالفة قاعدة عدم التفرقة بين الأم وولدها أو بين الصغار واضح جداً في السنة النبوية: ضرورة جمعهما معاً.
ثالثاً – أنه لما كان النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم يخص الصغار فقط، فإن معنى ذلك أن التفرقة بين الكبار جائزة. ([82])
رابعاً – أن العلة من عدم التفريق بين الأقارب جد واضحة: توفير الحاجات المعنوية اللازمة للإنسان كإنسان، وقد قال أحمد: «لا تفرق بين الأم وولدها وإن رضيت وذلك والله أعلم لما فيه من الإضرار بالولد ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها ثم يتغير قلبها بعد ذلك فتندم».([83])
خامساً – أن السنة النبوية المشرفة تكون بذلك قد تفوقت على ما توصل إليه القانون الدولي من ناحيتين: 1- أنها تجعل عدم التفريق إلزام وواجب على عاتق المسلمين، بينما اقتصر القانون الدولي على تجميع الأسرة المشتتة «بقدر الإمكان»، وهو ما يترك فسحة من السلطة التقديرية يمكن أن تسئ الدول، وكذلك الأفراد، استغلالها. 2- أنها تعتبر التفريق، إن حدث، حراماً، بينما القانون الدولي لا يعتبره كذلك.
(و) حقوق الميت وقت الحرب:
نشير أولاً إلى حقوق الميت في القانون الدولي، ثم نذكر بعد ذلك ما ورد في السنة النبوية.
أ) في القانون الدولي:
في إطار قواعد القانون الدولي الإنساني يجب مراعاة ما يلي بخصوص الموتى خلال النزاعات المسلحة:
- أن يسبق دفنهم فحصاً طبياً للتأكد من الوفاة.
- دفن الموتى بكرامة ووفقاً للطقوس الدينية للميت، إن أمكن ذلك.
- احترام مقابر الموتى وحراستها.
- تسهيل عودة رفات الموتى إلى بلدهم الأصلى. ([84])
ب) في السنة النبوية:
احتوت السنة النبوية على خمسة أحكام تتعلق بحقوق الموتى أثناء الحروب، هي:
1- ضرورة دفن قتلى الحروب:من ذلك ما رواه مالك أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وصحابي آخر كانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد. ([85])
2- عدم جواز أخذ ثمن لقاء تسليم جثث قتلى الحرب:عن ابن عباس: «أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يبيعهم» أخرجه الترمذي وغيره. وذكر ابن اسحق في المغازي «إن المشركين سألوا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يبيعهم جسد نوفل بن عبدالله بن المغيرة، وكان اقتحم الخندق؛ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده» فقال ابن هشام: بلغنا عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف. ([86]) وفي ذلك دليل لأبي يوسف على أبي حنيفة ومحمد أنه لا يجوز للمسلم بيع الميتة من الحربى في دار الحرب. ([87])
3- كراهية حمل رؤوس قتلى الأعداء إلى دار الإسلام:احتراماً لحرمة الموتى، يكره حمل رؤوس قتلى الأعداء إلى بلاد الإسلام. يقول الإمام المقري:«ويكره نقل رؤوس الكفر إلى بلد الإسلام لنهي أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن ذلك، وقال: ما فعل هذا في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم).وما روي في حمل رأس أبي جهل فقد تكلموا فيه وعلى تقدير ثبوته فإنما نقل من بقعة إلى بقعة ليتحقق قتله».([88])
ومما يروى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه حينما بعث إليه برأس يناق بطريق الشام فلما قدم عليه أنكر ذلك أبو بكر فقال له عقبة يا خليفة رسول الله إنهم يصنعون ذلك بنا فقال أبو بكر أفاستنان بفارس والروم لا يحملوا إلى رأساً فإنما يكفي لنا الكتاب والخبر.([89])
4- دفن القتلى في مضاجعهم:فقد قال (صلى الله عليه وسلم):«ادفنوا القتلى في مصارعهم».
قاله يوم أحد، لكن الحكم عام إذ العبرة هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيسرى على أي قتيل يقتل في ميدان القتال أن يدفن في المكان الذي قتل فيه.
وسبب الحديث: أنه قد حمل القتلى يوم أحد ليتم دفنهم (في البقيع)، فجاء منادي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تدفن القتلى في مضاجعهم.([90])
وورد في السير الكبير أن دفن القتلى في مضاجعهم:«حسن ليس بواجب: وإنما صنع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأنه كره المشقة عليهم بالنقل مع ما أصابهم من القرح».([91])
5- دفن القتلى في ثيابهم:فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد:«أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. زملوهم في ثيابهم».كذلك قال عليه السلام في شهداء أحد: «زملوهم بدمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما، اللون لون الدم والريح ريح المسك» ولهذا لا ينزع عنه جميع ثيابه، على ما روي أن حمزة رضي الله عنه كفن في نمره كانت عليه حين استشهد، ولكن ينزع عنه السلاح لأنه كان لبسه لدفع البأس فقط انقطع ذلك.
الفصل الثالث
ضمانات احترام حقوق ضحايا الحرب في السنة النبوية
ورد في السنة النبوية، بين أمور أخرى، ضمانات ثلاث بخصوص حقوق الإنسان وقت الحرب، نذكرها تباعاً.
(أ) عدم طاعة الجيش للأمير إذا أمرهم انتهاك حقوق الإنسان:
نشير إلى الوضع في القانون الدولي، ونردفه بما جاء في السنة النبوية.
أ) في القانون الدولي:
في إطار القانون الدولي المعاصر يتم بحث هذه المسألة على مستويين. ([92])
1- مسئولية القائد عن الجرائم التي يرتكبها أفراد الجيش الخاضعين له في وحداتهم العسكرية في الحالات الآتية:
- إذا كان قد أصدر الأوامر إليهم بارتكاب تلك الجرائم.
- إذا كان يعلم أو كان من المفترض أن يعلم بارتكابهم لتلك الجرائم ولم يتخذ ما هو لازم لمنعها.
2- أن ارتكاب جرائم حرب تنفيذاً لأوامر عليا، صادرة عن الحكومة أو عن القائد الأعلى (أو ضابط أعلى) لا يعفى الجاني من المسئوليـة. إنمـا يمكـن أن يعتبر ذلك ظرفاً مخففاً a mitigating circumstance . إلا أنه وفقاً للمادة 33 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمكن أن يعفى الجاني من المسئولية الجنائية بالشروط الآتية:
- إذا كان تحت وطأة التزام قانوني بتنفيذ الأمر الصادر إليه.
- إذا كان لا يعلم أن الأمر غير مشروع.
- إذا لم يكن الأمر غير مشروع بطريقة ظاهرة. وتعتبر الأوامر الخاصة بإبادة الجنس أو الجرائم ضد الإنسانية غير مشروعة بطريقة ظاهرة.
ب) في السنة النبوية:
القاعدة في السنة النبوية هي طاعة الجيش لأميرهم، وبالتالي تنفيذ الأوامر الصادرة منه
إليهم. دليل ذلك ما يلي:عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقط أطاعني، ومن يعص الأمير فقط عصاني» متفق عليه. وعن ابن عباس في قوله تعالى )أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، بعثه النبي (صلى الله عليه وسلم) في سرية. رواه أحمد والنسائي. وعن علي قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سرية، واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا له. ثم قال: أوقدوا ناراً فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من النار. فكانوا كذلك حتى سكن غضبه، فطفئت النار. فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال «لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً» وقال «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» متفق عليه. ([93])
معنى ما تقدم إذن أن أمر القائد الذي ينطوي على انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني يمكن عدم تنفيذه، لقوله (صلى الله عليه وسلم) «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» يقول الشوكاني أن هذا تقييد لما أطلق من الأحاديث المطلقة القاضية بطاعة أولي الأمر على العموم».([94])
ومما يؤيد ما قلناه ما حدث حينما دفع خالد بن الوليد – وكان أميراً للجيش – إلى كل مسلم أسيره وطلب منه أن يقتله. ففعل بعض المسلمين ذلك. وحينما علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتلك الواقعة، قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»([95]). ولا شك أن ذلك دليل على أمرين:
الأول: عدم جواز تنفيذ أمر القائد إذا كان يشكل مخالفة واضحة لحقوق الإنسان وقت الحرب.
الثاني: إعطاء المثل لأي قائد آخر قد يرتكب مثل ما ارتكبه خالد بأن فعله لن يحظى بموافقة حاكم الدولة الإسلامية، ومن ثم فإنه لن يقدم على ذلك أبداً، لذلك قيل أن قوله (صلى الله عليه وسلم) «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»: «لينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله»، وقد بحث البخاري هذه المسألة تحت باب «إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد».([96])
(ب) حرية استخدام السلاح للإضرار بالعدو ليست مطلقة:
نذكر ما جاء بخصوص هذه المسألة في كل من القانون الدولي والسنة النبوية المشرفة.
أ) في القانون الدولي: في القانون الدولي المعاصر استقر مبدأ تقييد حرية أطراف النزاع في استخدام أسلحة القتال. فقد نصت عليه اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 1907) بقولها (م 22): «ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو». ونصت المادة 23 على منع بعض الأمور، مثل: استخدام السم أو الأسلحة السامة، أو الأسلحة التي تحدث إصابات أو آلام لا مبرر لها. وأخذت بذلك أيضاً المـادة 35/1 من البروتوكول الإضافي رقم 1 لعام 1977 الملحق باتفاقات جنيف لعام 1949، بقولها أن: «حق أطراف النزاع في اختيار وسائل وأساليب الحرب ليست مطلقة».
«The right of the parties to conflict to choose methods of means of warfare is not unlimited».
ب) في السنة النبوية:وضعت السنة النبوية أيضاً العديد من القواعد التي تبين أن حرية استخدام السلاح ليست مطلقة، وإنما تحدها حدود معينة تجد سببها إما في طبيعة العمليات الحربية، أو في الأسلحة المستخدمة أو بالنسبة لمن يوجه إليهم السلاح.
والغرض من ذلك هو – في النهاية – حماية حقوق الإنسان وقت الحرب.
دليل ذلك الأمور الآتية:
1- ذهب فقهاء المسلمين إلى أنه لا يجوز إلقاء السم على العدو، أو استخدام النبل المسموم إلا كرد على استخدام العدو لها([97]). ولا شك أن ذلك ينطبق أيضاً على شبيه السم: كالأسلحة الكيماوية والبكتريولوجية، والأسلحة الذرية وغيرها من الأسلحة التي تسبب آلاماً لا فائدة منها. ([98])
ومما يؤيد ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال فيما رواه عاصم بن ثابت: «من قاتل فليقاتل كما يقاتل». وكذلك ما وصى به أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد حين بعثه لقتال المرتدين: «يا خالد عليك بتقوى الله والرفق بمن معك ... والخوف عند أهل اليمامة، فإذا دخلت بلادهم فالحذر الحذر، ثم إذا لاقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به. السهم للسهم، والرمح للرمح، والسيف للسيف».([99])
2- عن عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا كهمس عن ابن بريدة قال: «رأي عبدالله بن المغفل رجلاً من أصحابه يخذف فقال لا لا تخذف فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكره أو قال ينهي عن الخذف فإنه لا يصطاد به الصيد ولا ينكأ به العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يكره أو ينهى عن الخذف ثم أراك تخذف لا أكلمك كلمة كذا وكذا».([100])
والحديث يدل، في رأينا، على أمور ثلاثة:
الأول: النهي عن إلحاق الأذى غير المبرر أو المعاناة غير المفيدة Unnecessary suffering، وهو مبدأ مستقر الآن في القانون الدولي الإنساني المعاصر، سبقت السنة النبوية إلى الإشارة إليه بما يزيد على أربعة عشر قرناً.
يقول الإمام النووي أن في الحديث: «النهي عن الخذف لأنه لا مصلحة فيه ويخاف مفسدته ويلتحق به كل ما شاركه في هذا وفيه أن ما كان فيه مصلحة أو حاجة في قتل العدو وتحصيل الصيد فهو جائز».([101])
وعبارة «لا ينكأ به عدو» الواردة في الحديث تدل على ما ذكرناه، إذ معناها «المبالغة في الأذى»، أو كما قال ابن سيده «نكأ العدو نكاية أصاب منه».([102])
الثاني: مقاطعة الدول التي تستخدم أسلحة محظورة وعدم الدخول في علاقات معها. دليل ذلك ما ورد في الحديث «أحدثك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهي عن الخذف ثم تخذف لا أكلمك أبداً». فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائماً والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم وهذا الحديث مما يؤيده. ([103])
الثالث: عدم جواز استخدام الأسلحة التي تصيب بلا تمييز. وهذا أيضاً مبدأ استقر في القانون الدولي المعاصر.
3- اختلف فقهاء المسلمين حول تحريق العدو بالنار:
فكره قوم تحريقهم بالنار ورميهم بها، وقال بعضهم "إن ابتدأ العدو بذلك جاز وإلا فلا. والسبب في اختلافهم معارضة العموم للخصوص، أما العموم فقوله تعالى: )فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ( ولم يستثن قتلاً من قتل. وأما الخصوص لقوله (صلى الله عليه وسلم) في رجل «إن قدرتم عليه فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار».
وتعليقاً على قوله (صلى الله عليه وسلم) «لا يعذب بالنار إلا رب النار»، يقول الإمام الخطابي:«هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيراً قد ظفر به وحصل في الكف». ويضيف: «ورخص سفيان الثوري والشافعي في أن يرمي أهل الحصون بالنيران إلا أنه يستحب أن لا يرموا بالنار ما داموا يطاقون إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة فيجوز حينئذ أن يقذفوا بالنار».([104])
يخلص من رأي فقهاء المسلمين أن القاعدة عندهم كانت عدم جواز استخدام النار في قتال العدو، وأن استخدامها يشكل الاستثناء. ونحن نعتقد أن القاعدة الآن يجب أن تصبح استثناء وأن الاستثناء يصبح هو القاعدة، بمعنى أن استخدام النار هو الأساس في القتال وعدم استخدامه ممكن في أحوال استثنائية إذا أمكن قهر العدو بلا نيران، لاستسلامه المسبق مثلاً. لتأييد رأينا نذكر الحجج الآتية:
أولاً: أن الخلاف الذي كان بين فقهاء المسلمين يرجع إلى وقت لم تكن الأسلحة النارية منتشرة فيه على نطاق واسع، وبالتالي كان لذلك الخلاف محل. أما الآن فقد تغير الوضع تغيراً جذرياًُ وأصبحت أغلب الأسلحة حالياً نارية، الأمر الذي يجعل سبب الخلاف السابق غير موجود. فقد كانت الأسلحة الشائعة في زمانهم هي السيوف والنبل والدروع ... الخ.
ثانياً: أن هناك قاعدة شرعية مؤداها «تغير الأحكام بتبدل الأزمان والأحوال»، وهي قاعدة طالما أكد عليها فقهاء المسلمين بالنسبة للأمور الدنيوية خصوصاً. وهو ما أكده قوله (صلى الله عليه وسلم): «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
ثالثاً: مما يؤيد ذلك أيضًا قوله تعالى: )وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (، ولا شك أن القوة – كما هو معلوم – تشمل أية قوة، بما في ذلك الأسلحة النارية.
رابعاً: أن القول بعكس ذلك سيؤدي إلى أن تكون الجيوش الإسلامية في وضع أسوأ من جيوش العدو، بما يؤدي – لا قدر الله – إلى وقوع الهزيمة لا محالة. إذ أغلب الأسلحة الآن أصبحت «نارية»، الأمر الذي يحتم ضرورة محاربة العدو بنفس سلاحه، ولو كان باستخدام النار.
4- عن ثور بن يزيد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نصب المنجنيق على أهل الطائف.([105]) يقول الإمام ابن قيم الجوزي: أنه يخلص من غزوة الطائف أحكام منها: «جواز نصب المنجنيق على الكفار ورميهم به وإن أفضى إلى قتل من لم يقاتل من النساء والذرية».([106])ومن المعروف أن قذائف المنجنيق «قد تصيب وتقتل غير المحاربين من النساء والأطفال والشيوخ والرهبان في صوامعهم، والحيوانات والأشجار». يقول الصنعاني: أن ذلك فيه دليل علي أنه «يجوز قتل الكفار إذا تحصنوا بالمنجنيق، ويقاس عليه غيره من المدافع ونحوها».([107])
المبحث الثالث
جواز خدع الحرب وحظر الغدر
للحرب تكتيكاتها ومكايدها، كما أن لها حيلها التي يعرفها من درب الحرب وسلك سبلها.
وقد أجازت السنة النبوية المشرفة حيل الحرب، لكنها حرمت الغدر تماماً لما فيه من انتهاك لحقوق الإنسان، حتى ولو كان من الأعداء.
أ) جواز اللجوء إلي حيل وخدع الحرب:
نشير إلي الوضع في القانون الدولي، ثم في السنة النبوية:
1- في القانون الدولي:في القانون الدولي ليس هناك ما يمنع من استخدام خدع الحرب. ولعل خير نص يقرر ذلك هو المادة 37/ 2 من البروتوكول الإضافي رقم (1) لعام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي قررت:«خدع الحرب ليست محظورة. وتعتبر من خدع الحرب الأفعال التي لا تُعّدُّ من أفعال الغدر لأنها لا تستثير ثقة الخصم في الحماية التي يقررها القانون الدولي، والتي تهدف إلى تضليل الخصم أو استدراجه إلى المخاطرة ولكنها لا تخل بأية قاعدة من قواعد ذلك القانون التي تطبق في النزاع المسلح».
وقد ذكر نفس النص كأمثلة علي أفعال تشكل خدع الحرب، ما يلي:
- استخدام أساليب التمويه والإيهام.
- عمليات التضليل.
- ترويج المعلومات الخاطئة.
كذلك نصت اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 1907) في المادة 24 علي أنه:
«يجوز اللجوء إلى خدع الحرب والوسائل اللازمة لجمع المعلومات عن العدو والميدان».
2- في السنة النبوية:
استخدام القرآن لفظة يخادعون خصوصاً في قوله تعالي:
- )يُخَادِعـُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمـَنُوا وَمَا يَخْدَعُـونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُـرُونَ ((البقرة2/9).
وفي السنة النبوية المشرفة، اللجوء إلي خدع الحرب مباح إذ الحرب خدعة، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلي ذلك يجوز القيام بكل ما يخدع العدو، كالمناورات الخادعة، والتحرك الإستراتيجي، والتورية والتمويه، والهجوم الكاذب، ورفع درجات الاستعداد ... إلخ. ومن ثم يجوز للقائد المسلم اتخاذ أية خدعة لهزيمة العدو ودحره.
وقد علق فقهاء المسلمين علي قوله (صلى الله عليه وسلم) «الحرب خدعة» تعليقات سديدة، منها أنه (صلى الله عليه وسلم): «يريد أنها بالمكر والخديعة».([108]) وأن في الحديث: «إباحة الخداع في الحرب، وإن كان محظوراً في غيرها».([109]) كما أن فيه دليل علي أنه: «لا بأس للمجاهد أن يخادع قرنه في حالة القتال، وأن ذلك لا يكون غدراً منه».([110])
وهناك تطبيقات عملية كثيرة لخدع الحرب في السنة النبوية، منها:
- أنه كان (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد غزوة ورى بغيرها. يقول ابن جماعة:
«يستحب للسلطان إذا أراد غزاة أن يوري بغيرها؛ اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولأن ذلك من مكايد الحروب، إلا إذا دعت الحاجة إلى إظهاره لبعد الشقة وكلفة ذلك السفر ونحو ذلك».([111])
- ومن خدع الحرب أن ينشئ إليهم كتباً وأجوبة مزورة وأخباراً مدلسة، ويكتب على السهام ويرمي بها إليهم، ويبث في عسكرهم، ما ينفعه فعله، "وكل ذلك وردت به السنة".([112])
- من ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم):«إذا أكثبوكم([113])، فارموهم واستبقوا نبلكم».فقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه يجب أن يكون العدو في مرمى الرمي لكي يمكن إصابته، لأن فعل غير ذلك فيه فقدان للسلاح، وعدم تحقيق أي هدف عسكري.
- ومن خدع الحرب التي مارسها (صلى الله عليه وسلم) أن يقيم رجلاً يوم لقاء العدو بمكانه من قلب الجيش ويلبس الإمام لامتة ويلبس هو لامة الإمام حياطة للإمام حتى لا يعرف فيقصد. مثال ذلك يوم أحد فقد لبس كعب بن مالك لامة النبي (صلى الله عليه وسلم) ولبس النبي (صلى الله عليه وسلم) لامته، ويومها جرح كعب بن مالك أحد عشر جرحاً.([114])
- ومن ذلك أن نعيم بن مسعود أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة».([115])
- ومن ذلك لجوء النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى التجسس كوسيلة لجمع معلومات عن العدو.([116])
- ومن ذلك أيضاً الكذب إذ يجوز للمقاتل أن يلجأ إلى الكذب إذا كان ذلك ضرورياً: لصيانة أسرار الجيش، أو لتضليل استطلاع العدو، أو لنصب كمين للعدو، أو لإنقاذ نفسه أو كتيبته ... إلخ.
وقد رخصت السنة النبوية الكذب أثناء الحرب:
فعن أم كلثوم بنت عقبة قالت: لم أسمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يرخص في شيء من الكذب مما تقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. رواه أحمد ومسلم وأبو داود. يقول الإمام الطحاوي: "عقلنا به أن الكلام الذي يراد به للحرب هو الكلام الذي يكون ظاهره معنى يخيف أهل الحرب وإن كان باطنه مما يريد به المتكلمون خلاف ذلك وإذا كان ذلك كذلك في الحرب (عقلنا) أن المرخص فيه في الآثار المتقدمة في هذا الباب هو المعني بعينه لا ما سواه وإذا كان ذلك كذلك في الحرب كان الذي يصلح به قلب زوجته هو هذا المعنى أيضاً لا الكذب".([117])
ولا شك أن مشروعية تلك الخدع السابق ذكرها، ترجع إلى أمرين:
الأول – أن سلوك المتحاربين جرى على اتباعها منذ غابر الأزمان.
والثاني – أنها لا تشكل نقضاً لعهد أو غدراً بخصم، وإنما هي تأتيه من حيث لا يحتسب.
ب) حظر اللجوء إلى الغدر([118]) بالعدو:
1- في القانون الدولي([119]):
استقرت قواعد القانون الدولي على حظر الغدر وقت الحروب، ويعتبر ذلك من المبادئ الأساسية التي يجب على المحاربين مراعاتها.
وهكذا إذا كانت اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 1907) تنص في المادة 24 على أنه: "يجوز اللجوء إلى خدع الحرب والوسائل اللازمة لجمع المعلومات عن العدو والميدان"، فإن المادة 23/ب تنص على أنه من المحظور: "قتل أو جرح أفراد من الدولة المعادية أو الجيش المعادي باللجوء إلى الغدر".
وقد نصت المادة 37 من البروتوكول الإضافي رقم 1 لعام 1977 على ذلك بقولها:"يحظر قتل الخصم أو إصابته أو أسره باللجوء إلى الغدر. وتعتبر من قبيل الغدر تلك الأفعال التي تستثير ثقة الخصم مع تعمد خيانة هذه الثقة وتدفع الخصم على الاعتقاد بأن له الحق في أو أن عليه التزاماً بمنح الحماية طبقاً لقواعد القانون الدولي التي تطبق في النزاعات المسلحة. وتعتبر الأفعال الآتية أمثلة على الغدر:
( أ ) التظاهر بنية التفاوض تحت علم الهدنة أو الاستسلام.
(ب) التظاهر بعجز من جروح أو مرض.
(جـ) التظاهر بوضع المدني غير المقاتل.
( د ) التظاهر بوضع يكفل الحماية وذلك باستخدام شارات أو علامات أو أزياء محايدة خاصة بالأمم المتحدة أو بإحدى الدول الحامية أو بغيرها من الدول التي ليست طرفاً في النزاع".
2- في السنة النبوية:
جاءت السنة النبوية لتحرم تحريماً قطعياً الغدر، بالنظر لآثاره المدمرة على حقوق الإنسان، ولو كان من الأعداء، لذلك قيل: "الغدر حرام باتفاق، سواء كان في حق المسلم أو الذمي".([120])
دليل ذلك من السنة النبوية المشرفة قوله (صلى الله عليه وسلم)، «قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره».([121])
- «أربع خلال من كن فيه كان منافقاً خالصا: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها».([122])
- أن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان»([123])
- كذلك جاء في وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المقاتلين:
«سيروا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا ولا تغدروا ...».
وهكذا تعتبر السنة النبوية المشرفة الغدر من المحرمات، التي لا تقبل أي استثناء.([124])
وهناك أمثلة عديدة تخص الغدر:
- فمن الغدر المشهور في العهد النبوي ما حدث يوم الرجيع. فقد أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أهل مكة بعض أصحابه مع قوم منهم. فخرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع (ماء لهذيل بناحية الحجاز) غدروا بهم. ويهجو حسان الذين غدروا بأصحاب الرجيع بقوله:
إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
قوم تواصوا بأكل الجار بينهـم فالكلب والقرد والإنسان مثلان
لو ينطق التيس يوماً قام يخطبهم وكان ذا شرف فيهم وذا شان. ([125])
- من المعروف أن هرقل سأل أبا سفيان عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) العديد من الأسئلة، منها قوله له: فهل يغدر؟ قال : "لا ونحن في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها".
وقد علق هرقل على ذلك بقوله:"وكذلك الرسل لا تغدر".([126])
- ومن ذلك حديث معاوية، فإنه كان بينه وبين الروم عهد فكان يشير نحو بلادهم كأنه يقول: حتى نفي بالعهد ثم نغير عليهم يعني أن العهد كان إلى مدة، ففي آخر المدة سار إليهم ليقرب منهم حتى يغير عليهم مع انقضاء المدة. قال: وإذا شيخ يقول: الله أكبر؛ وفاء لا غدر، وكان هذا الشيخ عمرو بن عنبسة السلمي. تبين له بما قال أن في صنعه معنى الغدر، لأنهم لا يعلمون أنهم يدنون منهم يريد غارتهم، وإنما يظنون أنه يدنو منهم للأمان. فقال معاوية: ما قوله: وفاء لا غدر: قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: أيما رجل بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء. يقول الإمام السرخسي: "وفي هذا دليل وجوب التحرز عما يشبه الغدر صورة ومعنى، والله الموفق".([127])
خاتــمة
يتضح مما تقدم أن قواعد معاملة ضحايا الحروب من الأعداء، في السنة النبوية زاخرة، وهي بها عامرة، كما أن السنة النبوية شاملة لقيم حضارية استقرت فقط في العلاقات الدولية المعاصرة منذ ما لا يزيد على قرنين، مع أنها في السنة موجودة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
يقول شوقي، مخاطباً النبي (صلى الله عليه وسلم):
علمتهم كل شيء يجهلون به حتى القتال وما فيه من الذمـم
دعوتهم لجهاد فيه سـؤددهم والحرب أس نظام الكون والأمم
لولاه لم نر للدولات في زمن ما طال من عمد أو قر من دعم
ويتحدث العامري عن حروب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بقوله أن من خلفه في اعتناق المهم من أمر السياسة والملك:
"متى أحسن غرضه منه، واقتدى في جميع ما يتعاطاه بسنته: فهو لا محالة يصير إمام أهل زمانه، ومفخرة لكافة أعقابه، بل يصير رحمة للعالمين، وحجة للبشر، وأسوة حسنة، وقدوة حميدة".([128])
لذلك فإن أهم ما يوصى به، في هذا الخصوص:
1- ضرورة الالتزام بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم بخصوص معاملة ضحايا الحروب، احتراماً لآدمية الإنسان وكرامته، ولو كان عدواً. هذه الكرامة التي أكدها قوله تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ((الأعراف: 70). وعمومية الآية تعني أن الإنسان يجب المحافظة على كرامته: مسلماً كان أو غير مسلم، صديقاً كان أم عدواً.
2- عدم اللجوء إلى الغدر لأنه محرم في الإسلام، حتى أثناء الحرب، مع جواز اللجوء إلى حيل وخدع الحرب.
3- التعامل بإنسانية مبدأ من المبادئ الراسخة في الشريعة الإسلامية وفقاً لما ورد في السنة.الا أنه أثناء المعركة يمكن استخدام كل ما هو لازم لقهر العدو، في حدود القواعد الشرعية المقررة في الكتاب والسنة النبوية المشرفة. ولا جرم أن ذلك من أثره اللازم اقامة التوازن بين مقتضيات الحرب والاعتبارات الانسانية فى العمليات القتالية.
(1) راجع: Ahmed Abou-el-wafa: Public international law, Dar Al-Nahda al-Arabia,
انظر أيضاً: النظرية العامة للقانون الدولي الإنساني، د. أحمد أبو الوفا، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، ص 16 – 20.
(1) سبب الحديث – كما في مسلم – قال العباس: شهدت مع النبي (صلي الله عليه وسلم) يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث فلم نفارقه وهو عليها كالمتطاول إلي قتالهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)/ الآن، فذكره. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبليغه لم تسمع من أحد قبله (صلى الله عليه وسلم).
(ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي: البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، مطبعة مصر، القاهرة، 1985، ج2 ص127، حديث رقم 875).
وقيل أن الحديث قاله (صلي الله عليه وسلم) في غزوة هوازن (راجع ابن كثير: صفوة السيرة النبوية، المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، القاهرة، 1422 - 2002، ج 3،ص279).
(2) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفي صادق الرافعي، القاهرة، ص363.
المجازات النبوية، الشريف الرضي، البابي الحلبي، القاهرة، 1387 – 1967، ص46 – 47).
(1) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي، المرجع السابق، ج1، ص239، 462.
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 89 ؛ الثعالبي : الاقتباس من القرآن الكريم، دار الوفاء، المنصورة، 1992،ج 1 ، ص 78.
(2) حضارة العرب، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000، مقدمة الكتاب.محمد رشيد رضا: الوحي المحمدي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1421 - 2000،ص 280.
(3) صفوة السيرة النبوية، ابن كثير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1422 – 2002، ج3، ص239-244.
السيرة النبوية، ابن هشام، المرجع السابق، ج 2، ص 406 – 407.
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 8، حديث رقم 4280 ؛ كتاب تخريج الدلالات السمعية علي ما كان في عهد رسول الله (صلي الله عليه وسلم) من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، العلامة الخزاعي التلمساني، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1415 – 1995، ص359 – 360.
(2) عقبة بن نافع أو فاتح إفريقية، علي الجمبلاطي وعبد المنعم قنديل، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الإمام الصنعاني، القاهرة، 1416 – 1996، ص55.
(3) الموطأ للإمام مالك، كتاب الجهاد، رقم 11، ص 278؛ سبل السلام ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، 1408هـ، ج4 ص95 – 97.
(1) الموطأ للإمام مالك ، كتاب الجهاد، حديث رقم 8 ، ص 277؛ كتاب المنتقى شرح موطأ الإمام مالك بن أنس، الإمام الباجي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية، القاهرة، ج3، ص166.
(2) نيل الأوطار، الشوكاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 – 1983، ج7، ص239 – 240، باب استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى، حديث رقم 1-3 ؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المنار، القاهرة، 1419 – 1999، ج6، ص86 – 89، حديث رقم 2883 .
(2) كتاب تخريج الدلالات السمعية علي ما كان في عهد رسول الله (صلي الله عليه وسلم) من الحرف الصنائع والعمالات الشرعية، الخزاعي التلمساني، المرجع السابق، ص673؛ الشيخ عبدالحي الكناني: نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، دار الكتاب العربي، بيروت، ج1، ص453 – 454.
(1) راجع «الوسيط في القانون الدولي»، د. أحمد أبو الوفا، دار النهضة العربية، القاهرة 2004، ص693 وما بعدها. انظر أيضاً النظرية العامة للقانون الدولي الإنساني، د. أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص 77 – 79.
(4) كتاب المعلم بفوائد مسلم، المازري، المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، القاهرة، 1419 – 1996، ج2، ص126، 129.
(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، ط دار التراث، ج4، ص50، باب الجهاد رقم 17، أخرجه أبوداود، 3 / 88 ، باب في قتل النساء، حديث رقم 2670.
(2) شرح السنة، البغوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412 – 1992، ج5، ص574؛ كتاب المعلم بفوائد مسلم، الإمام المازي، المرجع السابق، ج2، ص129.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 6، حديث رقم 3014 – 3015؛ صفوة السيرة النبوية، ابن كثير، المرجع السابق، ج3، ص282؛ صحيح مسلم بشرح النووي، المرجع السابق، ج12، ص47 – 49؛ سبل السلام، الصنعاني، المرجع السابق،ج4، ص94 – 97.
(3) المقرر من كتاب الاختيار لتعليل المختار، عبد الله بن مودود الموصلي الحنفي، الإدارة العامة للمعاهد الأزهرية، القاهرة، 1397- 1977، ص314.
(6) المرجع السابق، صحيح مسلم بشرح النووي، ج12، ص50؛ الإمام ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري، المرجع السابق، ج6، ص156.
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1402 – 1982، ج6، ص110؛ سبل السلام، الصنعاني، ج4، ص102، كتاب الجهاد، حديث رقم 14؛ أيضاً نيل الأوطار، الشوكاني، ج7، ص247 – 248، باب الكف عن قصد النساء والصبيان، حديث رقم 1-6 .
(3) بل يقول ابن الطلاع: ومنع قتل النساء والشيوخ الذين لا يشتركون في القتال: «أمر متفق عليه عند جميع العلماء ولا يعرف له خلاف»، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن الطلاع (أبو عبدالله محمد بن فرج المالكي): تحقيق د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط ثانية، 1402 – 1982، ص660.
(5) يعرف الإمام الخطابي المثلة بأنها «تعذيب المقتول بقطع أعضائه وتشويه خلقـه قبل أن يقتل أو بعده وذلك مثل أن يجدع أنفه أو أذنه أو يفقأ عينه أو ما أشبه ذلك من أعضـائه» (معالم السنن، الخطابي، وهو شرح سنن أبو داود، المكتبـة العلمـية، بيروت، 1401 – 1981، ج 2، ص280).
(7) المنتقي من أخبار المصطفي، ج2، رقم 4641، ص876؛ سبل السلام، ج 4، ص 180، حديث رقم 11 (باب الصيد والذبائح).
(3) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي، المرجع السابق، جـ 3، ص 180، حديث رقم 1623؛ مغازي رسول الله، الواقدي، جماعة نشر الكتب القديمة، القاهرة، 1367-1948، ص 255؛ السيرة النبوية لابن هشام، المرجع السابق، جـ 2، ص 95-96؛ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، الإمام أبو بكر الحازمي الهمذاني، دار الرعي، حلب، 1403 – 1982، ص 297.
(1) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عزيز رضي الله عنه، قال الهيثمي إسناد حسن؛ راجع أيضاً ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي: البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، مكتبة مصر، القاهرة، حديث رقم 226 (باب الهمزة مع السين المهملة).
(2) راجع تفصيلات أكثر في المواد 21 – 108، في: «اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949». اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف، 1995، ص 104-145.
(1) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي، المرجع السابق، ج1 ص131، حديث رقم 226 (أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عزيز رضي الله عنه)؛ السيرة النبوية لابن هشام، ج 1، ص 645.
(2) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي، المرجع السابق، ج1 ص 131.
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الإمام ابن حجر العسقلاني، دار المنار، القاهرة، 1419 – 1999، ج6، ص154، رقم 3008 (باب الكسوة للأسارى).
(1) فعن النبي (صلى الله عليه وسلم): «عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل».
يقول الإمام البغوي:«فيه دليل على جواز الاستيثاق من الأسير الكافر بالرباط، والغل والقيد إذا خيف انفلاته، ولم يؤمن شره»، راجع شرح السنة، الإمام البغوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412 – 1992، جـ5، ص 593.وعن أبي هريرة: قال بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) خيلا فجاءت برجل فربطوه بسارية من سواري المسجد، في هذا دليل «جواز ربط الأسير بالمسجد، وإن كان كافراً». سبل السلام، الصنعاني، المرجع السابق، ج 1، ص 299.
ومنذ عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتم حراسة الأساري، فعن أسلم الأنصاري قال: جعلني النبي (صلى الله عليه وسلم) على أساري بني قريظة (راجع أمثلة أخرى في نظام الحكومة المدنية المسمى التراتيب الإدارية، الشيخ عبد الحي الكتابي، المرجع السابق، ج 1، ص 312).
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، المرجع السابق، ج 6، ص 163، ابن قيم الجوزي: زاد المعاد في هدي خير العباد، المرجع السابق، ج 3، ص 215.
(2) معالم السنن، الإمام الخطابي، وهو شرح سنن أبي داود، المكتبة العلمية، بيروت، 1401 – 1981، جـ 2، ص 289.
(4) انظر عرضاً لكل الآراء المذكورة هنا في د. أحمد أبو الوفا: كتاب الإعلام بقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية في شريعة الإسلام، ج 10: الحرب في الشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1421-2001، ص 219-220.
(5) أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام ابن الطلاع، دار الوعي، حلب، 1402 - 1982، ص 39 (ذكره الخطابي).
(6) عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وسلم) خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فقال ماذا عندك ياثمامة؟ قال عندي يا محمد خيرأن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم علي شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حتي كان بعد الغد، فقال ما عندك ياثمامة؟ قال عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حتي كان بعد الغد، فقال ما عندك ياثمامة؟ قال عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حتي كان بعد الغد، فقال ما عندك =
= ياثمامة؟ قال عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أطلقوا ثمامة، فانطلق إلي نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان علي الأرض أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا تري؟ فبشره رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل صبوت؟ فقال لا، ولكني أسلمت مع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ولا والله لا تأتيكم من ثمامة حبة حنطة حتي يأذن فيها رسول الله (صلي الله عليه وسلم) «متفق عليه».
نيل الأوطار، الشوكاني، المرجع السابق، ج7، ص301 – 302، باب المن والفداء في حق الأسارى، حديث رقم 3؛ صحيح مسلم بشرح النووي، ج12، ص86 – 89.
(1) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الدمشقي الحنفي، المرجع السابق، ج3، ص7، حديث رقم 1181.
«أسرنا النبي (صلي الله عليه وسلم) يوم حنين، فبينما هو يميز الرجال والنساء، إذ وثبت فوقفت بين يديه وأنشدته:
امنن علينا رسول الله في حـرم فإنك المرء نرجــوه وننتظر
امنن علي نسوة قد كنت ترضعها يا أرجح الناس علماً حين يختبر
إنا لنشكر للنعمـا إذا كفـرت وعندنا بعد هدا اليوم مدخـر
فذكرته حين نشأ في هوازن وأرضعوه؛ فقال عليه الصلاة والسلام: أما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لله ولكم. فقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله فردت الأنصار ما كان في أيديها من الذراري والأموال.(العقد الفريد دار الكتب العلمية، ابن عبدربه، بيروت، 1404 – 1983، جـ6، ص129).
(3) رد علي هذا الإتجاه الإمام الخطابي بقوله:
«التخصيص في أحكام الشريعة لا يكون إلا بدليل والنبي (صلي الله عليه وسلم) إذا حكم بحكم في زمانه كان ذلك سنة وشريعة في سائر الأزمان وقد قال سبحانه: )فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتي إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء(. الآية. وهذا خطاب لجماعة الأمة كلهم ليس فيه تخصيص للنبي (صلي الله عليه وسلم) وإنما كان فعله إمتثالاً للآية، وإما الذين اعتلوا به من تقوية الكفر فإن الإمام إذا رأي أن يعطي كافراً عطية يستمليه بها إلي الإسلام كان ذلك جائزاً وإن كان في ذلك تقوية لهم فكذلك هذا. وقد أعطي النبي (صلي الله عليه وسلم) رجلاً من الكفار غنماً بين جبلين. حدثناه ابن الأعرابي حدثنا عبدالرحمن بن منصور الحارثي جدثنا عبدالرحمن بن يحي ين سعيد العذري عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه، قال جاء رجل من العرب إلي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فسأله شيئاً بين جبلين فكتب له بها فأسلم ثم أتي قومه فقال جئتكم من عند رجل يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة» (معالم السنن، الإمام الخطابي، المرجع السابق، ج2، ص290).
(3) راجع أيضاً الأسس التي قام عليها تشريع الجهاد في الإسلام، حليم السيد عبدالله الصعيدي، رسالة دكتوراة كلية الشريعة والقانون، القاهرة 1403 – 1983، ص252. ومما يؤيد ذلك أنه لا يجوز تعذيب الأسير لإكراهه علي الإدلاء بمعلومات. فقد سئل مالك أيعذب الأسير إن رجي أن يدل علي عورة العدو؟ فقال: ما سمعت بذلك، راجع معالم الدولة الإسلامية، د. محمد سلام مدكور، مكتبة الفلاح، الكويت، 1403 – 1983، ص218.
(4) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الدمشقي، المرجع السابق، ج3، ص34 ، 181، حديث رقم 1251، 1626.
(1) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الدمشقي، المرجع السابق، ج3، ص237، حديث رقم 1788.
(1) نذكر لك النص باللغة الإنجليزية:
"The High contracting parties and the parties to the conflict shall facilitate in every possible way the reunion of families dispersed as a result of armed conflicts" (article 74).
«والحديث دليل علي بطلان هذا البيع، ودل علي تحريم التفريق كما دل عليه الحديث الأول إلا أن الأول دل علي التفريق بأي وجه من الوجوه وهذا الحديث نص في تحريمه بالبيع، وألحقوا به تحريم التفريق بسائر الإنشاءات، كالهبة والنذر وهو ما كان بإختيار المفرق، وأما التفريق بالقسمة فليس باختياره فإن سبب الملك قهري وهو الميراث».
(المرجع السابق، ص 496)
(3) المنتقي من أخبار المصطفي، مجد الدين بن تيمية الحراني، المكتبة التجارية الكبري، القاهرة، جـ2، ص326.
(2) دليل ذلك:"عن سلمة بن الأكوع، قال: خرجنا مع أبي بكر أمره علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فغزونا فزارة، قال: فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر، فعرسنا، فلما صلينا الصبح، أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من قتلنا. قال: ثم نظرت إلى عنق من الناس، فيه الذرية والنساء، نحو الجبل، وأنا أعدو في إثرهم، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم، فوقع بينهم وبين الجبل. قال: فجئت بهم أسوقهم، إلى أبو بكر، وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدام، ومعها ابنة لها من أحسن العرب. قال: فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوباً، حتى قدمت المدينة.
ثم بت، فلم أكشف لها ثوباً. فلقيني النبي (صلى الله عليه وسلم) في السوق، فقال لي "يا سلمة، هب لي المرأة، فقلت: يا رسول الله، لقد أعجبتني: وما كشفت لها ثوباً، فسكت وتركني، حتى إذا كان من الغد، لقيني في السوق، فقال: "يا سلمة، هب لي المرأة، لله أبوك" فقلت: هي لك يا رسول الله، قال: فبعث بها إلى أهل مكة، وفي أيديهم أسارى من المسلمين، ففداهم بتلك المرأة. رواه أحمد ومسلم وأبو داود".
وهو حجة في جواز التفريق بعد البلوغ، وجواز تقديم القبول بصيغة الطلب على الإيجاب في الهبة ونحوها. وفيه أن ما ملكه المسلمون من الرقيق. يجوز رده إلى الكفار في الفداء.
(المنتقى من أخبار المصطفى، مجد الدين بن تيمية الحراني، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، ج 2 ، ص 327).
(3) المغني والشرح الكبير، ابن قدامه، ج 10، ص 468 – 471: البهوتي: كشاف القناع عن متن الإقناع، ج 3، ص 57 – 58.
(1) راجع على التوالي المواد 17، 20، 13، 66، 120 – 122، 129 – 131، 137، 139 من اتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949: انظر أيضاً المادة 34 من البروتوكول الأول (1977).
(2) الموطأ للإمام مالك، كتاب الجهاد، ص 290، حديث رقم 50. يقول الإمام الباجي بخصوص هذه الحادثة:
"وذلك أنه لما اشتد على المسلمين حفر القبور يوم أحد لكثرة القتلى وكان قد بلغ منهم التعب والنصب وروي أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لهم احفروا وأعمقوا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآناً فعلى هذا يجوز مثل هذا للضرورة قال مالك وإلا فالسنة أن يدفن كل واحد منهم في قبر وإنما يقدم في القبر أفضلهم وهو من كان أكثرهم قرآناً في ذلك الوقت فيجعل مما يلي القبلة ثم يجعل غيره بعد ذلك مما يليه وهذا يقتضي تفضيل النبي (صلى الله عليه وسلم) لأهل القرآن وحض أصحابه على الاستكثار من أخذه". المنتقى، الإمام الباجي، المرجع السابق، ج 3، ص 225.
(4) تحقيق صفوت السقا، مكتبة ربيع، مسند الإمام أبو حنيفة، حلب 1382 – 1962، ص 155، المبسوط للسرخسي، دار المعرفة، بيروت، ج 10، ص 22.
(1) إخلاص الناوي، المقري، تحقيق الشيخ عبد العزيز زلط، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1421 – 2000، ج 4، ص 216 – 217.
ويذكر الإمام الطحاوي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) طلب من أحد أصحابه أن يأتيه برأس رجل تزوج امرأة أبيه من بعده. وعن عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال" أتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برأس الأسود العنسي الكذاب.
ونحن نعتقد 0 والله أعلم – أن ذلك لا يناقض ما ذكرناه من كراهة حمل رؤوس قتلى الأعداء، لأن الحادثتين تتعلقان بأشخاص لم يتم قتلهم أثناء الحرب. يقول الإمام الطحاوي (بخصوص العنسي الكذاب):
وإذا كان اتيانهم به إليه من اليمن ليقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على نصر الله عز وجل إياه عليه وعلى كفاية المسلمين شأنه.
وكان كتاب الله عز وجل قد دل على شيء من هذا بقوله : «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» إلى قوله تعالى «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» وبقوله في آية المحاربين «أن يقتلوا أن يصلبوا» وكان ذلك عندنا والله أعلم ليشتهر في الناس إقامة إنكار الله إياهم عليهم فكان مثل إظهار رؤوس من قتل على ما فعل عليه المحمول رؤوسهم في الآثار التي رويناها في ذلك ليقف الناس على النكال الذي نزل بهم".
(مشكل الآثار، الطحاوي، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1333، ج 4، ص 106 – 107).
(2) يقول الإمام الطحاوي أن كراهية أبي بكر لذلك قد يحتمل أن يكون لمعنى قد وقف عليه في ذلك يعني عن ذلك الفعل فقد كان لرأيه التوفيق وكان مثل هذا من بعد يرجع فيه إلى رأي الآئمة الذين يحدث مثل هذا في أيامهم فيفعلون في ذلك ما يرونه صواباً وما يرونه من حاجة المسلمين إِليه من استغنائهم به عنه.
(مشكل الآثار، الإمام الطحاوي، المرجع السابق، ج 4، ص 108).
(3) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، ابن حمزة الحسيني الدمشقي، ج 1، المرجع السابق، ص 69 – 70، حديث رقم 88.
Ahmed ABOU-EL-WAFA: Public International Law, Dar Al-Nahda Al-Arabia, Cairo, 1422 – 2002, pp. 652 – 653.
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري، المرجع السابق، ج 6، حديث رقم 2955. راجع أيضاً الأحاديث مذكورة في مجد الدين بن تيمية الحراني: المنتقى من أخبار المصطفى، المرجع السابق، ج 2، ص 761 – 762.
(2) نيل الأوطار، الإمام الشوكاني ، جـ 7،باب لزوم طاعة الجيش لأميرهم ما لم يأمر بمعصية، حديث رقم 4 ص 229 – 230.
(3) قال فقهاء المسلمين أنه "يحرم الرمي بالنبل المسموم ... وكره مالك أن يسم النبل والرماح ويرمى بها العدو وقال ما كان هذا فيما مضى وعلل ذلك خشية أن يعاد إلينا" كتاب مواهب الجليل، لشرح مختصر خليل، الإمام الحطاب، مطبعة السعادة، القاهرة، 1328هـ، جـ 3، ص 352).
(1) قيل نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أن يلقى السم في بلاد المشركين".
وسائل الشيعة على تحصيل مسائل الشريعة، الحر العاملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، جـ11، ص 46.
(2) راجع مقدمة كتاب أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، خير الدين التونسي، تحقيق معن زيادة، دار الطليعة، بيروت، 1978، ص 114.
(3) يقول البغوي:"الحذف: رميك الحصاة، أو النواة بين إبهامك والسبابة، أو تجعل لها مخذفة من خشب".شرح السنة، البغوي، المرجع السابق، ج5، ص 451.
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، نفس المرجع، ج13، ص106، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، نفس المرجع، ج9، ص714.
(1) نيل الأوطار، الشوكاني، المرجع السابق، ج7، ص245، باب جواز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق، حديث رقم 2.
(1) تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، ابن جماعة، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم، دار الثقافة، الدوحة، 1408 – 1988، ص 159. انظر أيضاً فتح الباري شرح صحيح البخاري، المرجع السابق، ج 6، حديث رقم 2947.
(3) شرح كتاب السير الكبير للإمام الشيباني، المرجع السابق، ج 1، ص 58 – 59. وأكثبك الشيء: إذا أمكنك من نفسه (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروز أبادي، المرجع السابق، ج4، ص336).
(5) صفوة السيرة النبوية، ابن كثير، المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، القاهرة، 1422 – 2002،ج3، صـ89-91؛ السيرة النبوية، ابن هشام، المرجع السابق، ج2، صـ229 – 239.
(6) من ذلك ما حدث في وقعة بدر حيث أرسل (صلى الله عليه وسلم) بسبس للتجسس على أبي سفيان، راجع أمثلة أخرى في نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، الشيخ عبد الحي الكتاني، المرجع السابق، ج1، صـ 360-363.
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 6، حديث رقم 3031؛ مشكل الآثار، الطحاوي، المرجع السابق، جـ 4، ص 89 – 90. حري بالذكر أن حديث "الحرب خدعة" يخصص حديثاً آخر روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال: المؤمن غر (أي ليس بذي مكر وهو ضد الخب) كريم، والفاجر خب لئيم".
الأدب المفرد، الإمام البخاري، مكتبة الآداب، القاهرة، 1979، صـ125.
(2) الغدر هو "ضد الوفاء" (تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين، الإمام الشوكاني، مكتبة الإيمان، المنصورة، ص 234).
كذلك قيل: "والغدر هو نقض العهد وترك الوفاء للمشركين وغيرهم وذلك مما لا خلاف في المنع منه" (كتاب المنتقى شرح موطأ الإمام مالك بن أنس، الإمام الباجي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية، جـ3، ص171).
(5) بخصوص قوله (صلى الله عليه وسلم)، لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة، يقول ابن دقيق العيد أن الحديث: فيه تعظيم الغدر وذلك في الحروب كل اغتيال ممنوع شرعاً إما لتقدم أمان أو ما يشبهه أو وجوب ما تقدم الدعوة حيث تجب أو يقال بوجوبها ... وقد عوقب الغادر بالفضيحة العظمى وقد يكون ذلك من باب مقابلة الذنب بما يناسب ضده في العقوبة فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره فعوقب بنقيضه وهو شهرته على رؤوس الأشهاد".
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ابن دقيق العيد، جـ 4، ص 235.
تعليقات
إرسال تعليق