تفسير تحليلي لقول الله تعالى : ﴿ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ ] البقرة 195[. 2
الجزء الثاني
- وعن زيد بن أسلم في قول الله : ﴿ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ : وذلك أن رجالاً كانوا يخرجون في بعوث - يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم - بغير نفقة ، فإما أن يقطع بهم ، وإما كانوا عيالاً ، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ، ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش ، أو من المشي ، وقال لمن بيده فضل: ﴿ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ .
القول الثالث : أن المراد بقوله : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ أي : لا تتركوا الجهاد في سبيل الله ، فترك الجهاد هو التهلكة .
ذكر من قال ذلك :
- عن أسلم أبي عمران قال : غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، قال: فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما ، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة ، قال : فحمل رجل منا على العدو ، فقال الناس : مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة ، قال أبو أيوب الأنصاري : إنما تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه ، إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا بيننا معشر الأنصار خفيًا من رسول الله : إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه ، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله الخبر من السماء ﴿ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ الآية. فالإلقـاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد .
قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية .
- ( وفي رواية أخرى ) : فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه ، وكثر ناصروه ، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرًا من رسول الله : إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به ، فقال : ﴿ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها ، فأمرنا بالغزو ، فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله .
القول الرابع : أن المراد : ترك التوبة من الذنوب ، واليأس من رحمة الله ، وذلك كالرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ، ولا فائدة في التوبة ، فييأس من الله ، وينهمك بعد ذلك في المعاصي .
ذكر من قال ذلك :
- عن البراء بن عازب قال : هو الرجل يصيب الذنوب فيلقي بيده إلى التهلكة ، يقول : لا توبة لي .
وعنه أيضًا قال : هو الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر الله له .
- وعن أبي إسحاق قال سمعت البراء وسأله رجل فقال : يا أبا عمارة أرأيت قول الله ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ أهو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل ، قال : لا ولكنه الرجل يعمل بالمعاصي ثم يلقي بيده ولا يتوب .
- وعن النعمان بن بشير في قوله : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ أن يذنب الرجل الذنب فيقول : لا يُغفر لي ، فأنزل الله : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ .
- وعن عَبيدة السلماني : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ قال : القنوط .
وعنه أيضًا قال : هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ، يقول لا توبة لي ، فيلقي بيده .
القول الخامس : أن الآية تعم جميع ما سبق ذكره .
- قال ابن جرير الطبري : " والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله ﴿ وأنفقوا في سبيل الله ﴾ وسبيله طريقه الذي شرعه لعباده ، وأوضحه لهم ، ومعنى ذلك : وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي ، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، فقال : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وذلك مثل ، والعرب تقول للمستسلم للأمر : أعطى فلان بيديه ، وكذلك يقال للممكِّن من نفسه مما أريد به : أعطى بيديه .
فمعنى قوله : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ : ولا تستسلموا للهلكة فتعطوها أزمتكم فتهلكوا ، والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه مستسلم للهلكة بتركه أداء فرض الله عليه في ماله ... ، وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف منه ملقٍ بيديه إلى التهلكة ؛ لأن الله قـد نهى عن ذلك فقال: ﴿ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ﴾ ، وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم في حال وجوب ذلك عليه في حال حاجة المسلمين إليه مضيع فرضًا ملقٍ بيده إلى التهلكة .
فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئًا دون شيء ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا ، والاستسلام للهلكة وهي العذاب بترك ما لزمنا من فرائضه ، فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكره الله منا مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه . غير أن الأمر وإن كان كذلك فإن الأغلب من تأويل الآية : وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي ... عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ قال: التهلكة عذاب الله .
قال أبو جعفر : فيكون ذلك إعلاما منه لهم بعد أمره إياهم بالنفقة ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله من العقوبة في المعاد " (1).
- وقال الشيخ السعدي : " الإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين :
ترك ما أُمر به العبد ، إذا كان تركه موجباً أو مقارباً لهلاك البدن أو الروح .
وفعل ما هو سبب مـوصل إلى تلف النفس أو الـروح . فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة ... " (2).
] أقـوال أخـرى في معنى قوله ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ [(3) :
وقيل : لا تمسكوا عن النفقة على الضعفاء ، فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا .
وقيل : إن معنى الآية : لا تمسكوا أموالكم فيرثها منكم غيركم فتهلكوا بحرمان منفعة أموالكم .
وقيل المراد : النهي عن إحباط ثواب النفقة بالرياء والسمعة والمن ، والمعنى : أنفقوا في سبيل الله ولا تبطلوا ثواب ذلك بالرياء والمن ، فهو كقوله تعالى : ﴿ ولا تبطلوا أعمالكم ﴾ .
وقيل : هو نهي عن الإسراف بإنفاق كل المال !
وقيل: لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يعني : لا تنفقوا من حرام فيرد عليكم فتهلكوا . وعن عكرمة قال : ﴿ لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ قال : لا تيمموا الخبيث منه
تنفقون .
وقيل : هو التقحم في العدو بلا نكاية ، قاله أبو القاسم البلخي .
- أقـوال المفسرين في قـوله تعالى : ﴿ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ :
القول الأول : أحسنوا في الإنفاق في سبيل الله .
القول الثاني : أن المعنى : أحسنوا أداء الفرائض ، وامتثلوا ما أمركم الله به .
عن أبي إسحاق عن رجل من الصحابة في قوله: ﴿ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ قال: أداء الفرائض .
القول الثالث : معناه : أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم .
عن عكرمة : ﴿ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ قال : أحسنوا الظن بالله يبركم . القول الرابع : أحسنوا بالعَود على المحتاج .
قال ابن زيد في قوله : ﴿ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ﴾ عودوا على من ليس في يده شيء .
القول الخامس : أن الآية تعم جميع ما ذُكر .
قال ابن جرير الطبري : " يعني جل ثناؤه بقوله : ﴿ وأحسنوا ﴾ أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي ، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من معاصي ، ومن الإنفاق في سبيلي ، وعود القوي منكم على الضعيف ذي الخلة ، فإني أحب المحسنين في ذلك " (1).
وقال أبو حيان: " الأَولى حمله على طلب الإحسان من غير تقييدٍ بمفعول معين" (2).
وقال السعدي:" هذا يشمل جميع أنواع الإحسان ، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء ، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم ، ويدخل فيه الإحسان بالجاه بالشفاعات ونحو ذلك ، ويدخل في ذلك الإحسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتعليم العلم النافع ، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم ، وإزالة شدتهم، وعيادة مرضاهم ، وتشييع جنائزهم ، وإرشاد ضالهم ، وإعانة من يعمل عملا ً، والعمل لمن لا يحسن العمل ، ونحو ذلك مما هو من الإحسان الذي أمر الله به ، ويدخل في الإحسان أيضاً الإحسان في عبادة الله تعالى " (1) .
- وفي قوله تعالى: ﴿ إن الله يحب المحسنين ﴾ تحريضٌ على الإحسان ، وترغيبٌ فيه.
وفيها إثباتٌ لصفة المحبة لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته .
مسألـة :
اختلف أهل العلم في انغماس الرجل في وسط العدو أثناء الحرب، وحمله عليهم وحده:
فعن أبي إسحاق قال : قلت للبراء بن عازب : يا أبا عمارة الرجل يلقى ألفًا من العدو فيحمل عليهم وإنما هو وحده ، أيكون ممن قال ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ فقال : لا ، ليقاتل حتى يقتل ، قال الله لنبيه : ﴿ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ﴾ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الأسود أنهم حاصروا دمشق فأسرع رجل إلى العدو وحده ، فعاب ذلك عليه المسلمون ، ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل إليه فرده فقال : قال الله : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ (2) .
- فقال طائفة من أهل العلم : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة ، وكان لله بنية خالصة ، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة .
- وقيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ؛ لأن مقصوده واحد منهم ، وذلك بين في قوله تعالى : ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ﴾ .
- وقال بعض المالكية : إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل، ولكن سينكي نكاية ، أو سيبلي ، أو يؤثر أثرًا ينتفع به المسلمون فجائز أيضًا .
وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرًا محتسبًا ، قال : فلك الجنة . فانغمس في العدو حتى قتل . رواه أحمد ومسلم .
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال : من يردهم عنا وله الجنة ، أو هو رفيقي في الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم رهقوه أيضا فقال : من يردهم عنا وله الجنة ، أو هو رفيقي في الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنصفنا أصحابنا .
وقال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة ، أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ؛ لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين .
فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعة فلا يبعد جوازه ،
ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه ، وإن كان قصده إرهاب العدو ، وليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه ، وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ﴾ الآية ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه .
وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أنه متى رجا نفعًا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهـداء ، قـال الله تعـالى: ﴿ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ﴾ (1) .
قال ابن العربي المالكي : " والصحيح عندي جوازه ؛ لأن فيه أربعة أوجه :
الأول: طلب الشهادة . الثاني: وجود النكاية . الثالث: تجرية المسلمين عليهم . الرابع: ضعف نفوسهم ليروا أن هذا صُنع واحدٍ ، فما ظنك بالجميع " (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالةٍ له بعنوان: قاعدة في الانغماس في العدو :
" هذه المسألة هي في: "الرجل أو الطائفة يقاتل منهم أكثر من ضعفيهم إذا كان في قتالهم منفعة للدين، وقد غلب على ظنهم أنهم يقتلون".
- كالرجل: يحمل وحده على صف الكفار ويدخل فيهم .
ويسمي العلماء ذلك : " الانغماس في العدو " فإنه يغيب فيهم كالشيء ينغمس فيما يغمره . - وكذلك الرجل: يقتل بعض رؤساء الكفار بين أصحابه ، مثل أن يثب عليه جهرة إذا اختلسه، ويرى أنه يقتله ، ويقتل بعد ذلك .
- والرجل: ينهزم أصحابه فيقاتل وحده ، أو هو وطائفة معه العدو وفي ذلك نكاية في العدو، ولكن يظنون أنهم يقتلون . - فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ، وليس في ذلك إلا خلافًا شاذًا " (3) .
ويقول أيضاً :
" فإن قيل: قد قال الله تعالى ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ وإذا قاتل الرجل في موضع فغلب على ظنه أنه يقتل فقد ألقى بيده إلى التهلكة.
[قيل]:تأويل الآية على هذا غلط . ولهذا ما زال الصحابة والأئمة ينكرون على من يتأول الآية على ذلك كما ذكرنا: أن رجلا حمل وحده على العدو فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة. فقال عمر بن الخطاب: كلا ولكنه ممن قال الله فيه: ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ﴾ .
وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمس في العدو ملقيًا بيده إلى التهلكة ... ، ضد ما يتوهمه هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه ، فإنهم يتأولون الآية على ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله .
والآية إنما هي أمر بالجهاد في سبيل الله ، ونهي عما يصد عنه ...
وأيضا: فإن التهلكة والهلاك لا يكون إلا بترك ما أمر الله به أو فعل ما نهى الله عنه.
فإذا ترك العباد الذي أُمروا به، واشتغلوا عنه بما يصدهم عنه ؛ من عمارة الدنيا هلكوا في دنياهم بالذل وقهر العدو لهم، واستيلائه على نفوسهم وذراريهم وأموالهم، ورده لهم عن دينهم، وعجزهم حينئذ عن العمل بالدين، بل وعن عمارة الدنيا وفتور هممهم عن الدين، بل وفساد عقائدهم فيه ... فإن كل أمة لا تقاتل فإنها تهلك هلاكًا عظيمًا باستيلاء العدو عليها وتسلطه على النفوس والأموال .
وترك الجهاد يوجب الهلاك في الدنيا كما يشهده الناس ، وأما في الآخرة فلهم عذاب النار.
فمن قال قوله: ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ يراد به الشهادة في سبيل الله فقد افترى على الله بهتانا عظيما !!
وهذا الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنه أنه يقتل قسمان:
أحدهما: أن يكون هو طالب للعدو، فهذا الذي ذكرناه .
والثاني: أن يكون العدو قد طلبه، وقتاله قتال اضطرار، فهذا أولى وأوكد ، ويكون قتال هذا: دفعًا عن نفسه وماله وأهله ودينه " (1) .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه/ أحمد بن عبد العزيز الخنين .
(1) جامع البيان ( 3/ 324-325 ) .
(2) تيسير الكريم الرحمن ( ص 90 ) .
(3) ينظر : الجامع للقرطبي ( 3/259 - 260) ، البحر المحيط لأبي حيان ( 2/ 251-252 ) .
(1) جامع البيان ( 3/ 327 ) .
(2) البحر المحيط ( 2/ 253 ) .
(1) تيسير الكريم الرحمن ( ص 90 ) .
(2) الدر المنثور ( 2/ 325) .
(1) ينظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 3/ 260- 262).
(2) أحكام القرآن ( 1/116 ) .
(3) قاعدة في الانغماس في العدو ( ص 20- 23 ) .
(1) المرجع السابق ( ص 60- 67 ) باختصار وتصرف .
تعليقات
إرسال تعليق