الاكتئاب Depression
معظمنا يختبر مشاعر الاكتئاب في فترة من فترات حياته وهي عبارة عن الشعور بالحزن واليأس والتشاؤم وفقدان الاهتمام بالحياة ، وهذا ما نسميه بالكآبة أو الاكتئاب .
لحسن الحظ تكون هذه التجربة في أكثرية الحالات مرحلية وعابرة وتحصل كتجاوب طبيعي مع حادثة معينة مثل موت أحد الأقرباء الحميمين ، لكن الاكتئاب يبقى اعتلالا شائعا يؤثر في شخص واحد بين كل عشرة رجال وشخص واحد بين كل عشر نساء .
وما يجعل الاكتئاب صعب المعالجة والتحمل واعتلالا جديا هو الحيرة التي يسببها ، والألم النفسي الناتج عن الاكتئاب رغم أنه حقيقي لكنه ليس ناتجا عن أسباب عضوية ، ورغم وجود المعاناة النفسية لكن يمكن تسكينها بعدة وسائل ، ورغم ذلك فإن الأبحاث العلمية تنجح شيئا فشيئا في إزالة الضباب الذي يحيط بموضوع الاكتئاب ويكتشف أطباء النفس اليوم أن جذور الاكتئاب لا تقع في الاضطرابات العاطفية بل في خلل في التوازن البيوكيميائي ، فلقد وجد مثلا أن بعض أنواع الاكتئاب يمكن تشخيصها ببساطة بدراسة حالات عدم الانتظام في لويحات الدم عند المريض وهي عبارة عن أجزاء أو شطائر خليوية محاطة بغشاء والتي تنفصل عن خلايا كبيرة في نخاع العظم وتساعد الدم على التجلط ، وما يوجد على سطح هذه اللويحات هو مادة معقدة تسمى سيروتونين serotonin التي تعمل على تضييق الأوعية الدموية الصغيرة في موضع النزف مما يخفض كمية الدم المفقود نتيجة للنزف .
وهذه المادة موجودة أيضا في الدماغ حيث تعمل كناقل للرسائل العصبية وضبط المزاج إلى جانب عدة وظائف أخرى .
وغالبا ما يسمى السيروتونين بأنه جزيء الاكتئاب لأن بعض الأشخاص المرضى بالاكتئاب لا يملكون كمية كافية من هذه المادة في أدمغتهم ولقد أظهرت الابحاث ان هذا النقص يرفق بانخفاض في مواقع استلام السيروتونين في الدماغ التي هي مواقع التصاق هذه المادة بلويحات الدم وقد تصل الكمية الإجمالية لمادة سيروتونين عند بعض مرضى الاكتئاب إلى ما بين 30 إلى 40 بالمئة أدنى من المعدل ، وبسبب هذه المستويات المنخفضة التي تحصل أيضا عندما لا يكون الشخص مكتئبا فإن اختبار لويحات الدم عند المريض يمكن أن يساهم ليس فقط في تحديد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب بل أيضا الأشخاص الذين من المحتمل إصابتهم بالاكتئاب .
ويؤمن بعض الباحثين ان ميول الانتحار عند مرضى الاكتئاب يمكن اكتشافها باختبار السائل الشوكي أو النخاعي spinal fluid عند المريض وهو سائل تنتجه مادة سيروتونين نفسها .
وهؤلاء الباحثون يسندون هذه النظرية إلى تفسير سيغموند فرويد للانتحار بأنه عمل عنف موجه ضد الذات ويظنون أيضا أن المرضى المكتئبين الذين نفذوا عدة محاولات انتحار يعانون من نقص في هذا السائل الشوكي مما يشير أيضا إلى نقص في مادة سيروتونين عندهم .
ولقد أدت هذه الأبحاث إلى تطوير أدوية مصممة خصيصا لمواجهة النقص في مادة سيروتونين عند مرضى الاكتئاب لكن هذه الأدوية لا تعطي مجموعة كاملة من الأجابات عن مسألة مرضى الاكتئاب ومع نمو ترسانة الأدوية المضادة للاكتئاب تبرز مسببات مختلفة للاعتلال بحيث يتطلب كل منها علاجا مختلفا .
ولقد اكتشفت الأبحاث العلمية التي أجريت في الثمانينات أن النوع ذاته من المولد المضاد للكريات البيضاء ( ) وهو بروتين في الدم ينتجه جهاز المناعة في الجسد ، يظهر ضمن مجموعات عنقودية تشير إلى أنه منقول وراثيا ، وإذا حصل انحراف في هذا المولد المضاد عما هو مفترض وراثيا فإن أصحاب هذا الانحراف يصابون بالاكتئاب .
وقد يشير ذلك إلى أن الجينات أو المورثات الخاصة بالاكتئاب متصلة خليويا ( من ناحية الصبغيات أو الكروموزوم ) بالمولد المضاد وبالتالي تتم وراثتهما معا ، أو قد تنتقل جينات الجينات الخاصة بالمولد المضاد وحدها من أحد الوالدين إلى الطفل مما يساهم في حصول خلل في التوازن الكيميائي عنده قد يؤدي لاحقا إلى إصابته بالاكتئاب .
تعليقات
إرسال تعليق