المقدمة :
إن الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره, وأعوذ بالله العظيم من شر نفسي وسيء عملي, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا ورسولنا وحبيبنا محمداً "صلى الله عليه وسلم" إمام المتقين, أما بعد:
إن الربا محرم في جميع الرسالات السماوية, والله تبارك وتعالى لا يحرم إلا خبيثاً, وقد استباحه اليهود وحدهم في معاملة غيرهم كما قال تعالى:وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) ]النساء: 116[.
وقد ورث هذه الرذيلة عنهم العرب قبل الإسلام, وجاء الإسلام ليؤكد حرمة الربا ويشدد في تحريمه بنصوص بينة قاطعة في القرآن والسنة.
ولا شك أن موضوع الربا, وأضراره وآثاره الخطيرة جديرة بالعناية, ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه, لأن من تعامل بالربا فهو محارب الله وللرسول "صلى الله عليه وسلم".
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي ولمن أراد مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا وبينت أضراره, وآثاره على الفرد والمجتمع.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلاث أبواب وخاتمة على النحو التالي:
الباب الأول: الربا قبل الإسلام واشتمل على فصول
الفصل الأول: تعريف الربا لغةً وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا ويشمل :
الفصل الأول: تحريم الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- تعريفه وحكمه.
ب- أسرار تحريم ربا الفضل.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ- تعريفه
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص
الفصل الرابع: ربا اليد.
الفصل الخامس: ربا القرض.
الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة
الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون. وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر.
الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره.
الباب السادس: عقوبات المتعاملين بالربا.
الخاتمة.
الفصل الأول: تعريف الربا: لغة، وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
أ- الربا في اللغة:
معناه الزيادة والنمو قال الله تبارك وتعالى: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) ]الحج:5[. أي زادت ونمت.
وقال تعالى: أنت تكون أمة هي أربى من أمة) ]النحل:92[. أي أكثر عدداً.
وأصل الربا الزيادة إما في نفس الشيء وإما مقابلة كدرهم بدرهمين, ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً.
ب- تعريف الربا شرعاً:
هي الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة.
لا شك أن اليهود لهم حيل، وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها، ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام. ومن تلك الحيل الباطلة، احتيالهم لأكل الربا وقد نهاهم الله عنه وحرَّمه عليهم.
قال الله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً، وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ) ]النساء 161,160[.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: ”إن الله قد نهاهم – أي اليهود – عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل“ ]تفسير ابن كثير 1/584[.
وقد صرف اليهود النص المحرِّم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا؛ فجعلوه جائزاً لا بأس به.
يقول أحد ربانييهم واسمه راب: ”عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه – غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه“ ]الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص31.[
فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية
لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله– بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: ”كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“ ]جامع البيان في تفسير آي القرآن 3/67[.
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين، وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً. وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل. فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوله إلى السّنِّ التي فوق سنه من تلك الأنعام التي هي دين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضَى، جعلها حقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه ] انظر جامع البيان في تفسير آي القرآن 4/59، وفتح القدير للشوكاني 1/294، وموطأ الإمام مالك 2/672، وشرحه للزرقاني 3/324[.
فهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}] آل عمران: 130[.
فالربا في الجاهلية كان يُعدّ – كما ذكرت آنفاً – من الأرباح التي يحصل عليها ربّ المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر، أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدّى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغيّر فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقّر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون. ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدعي الإسلام، وتدعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله...! فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر الله وينفذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدعي الإسلام فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونحذره من هذا الجرم الكبير: إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الفصل الأول: تحريم الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- تعريفه وحكمه.
ب- أسرار تحريم ربا الفضل.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ- تعريفه.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: ربا اليد.
الفصل الخامس: ربا القرض.
لقد بدت رحمة الله تعالى لعباده في رسالة الإسلام في وجوه عدة, منها التدرج في التشريع, فقد جاء الإسلام والعرب الذين اختارهم الله تعالى لحمل رسالته يكرهون كل ما يقيد حريتهم ويحدد من شهواتهم, وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة سيئة, وغرائز متنوعة لا يستطيعون التحول عنها دفعة واحدة, فاقتضت حكمة الله العليم الخبير ألا يفاجأوا بالتكاليف, وفي التحريم وفي المنع جملة, فتثقل بها كواهلهم, وتنفر منها نفوسهم, فلذلك سلك بهم مسلك الأناة والتدرج ليهيئ النفوس للقبول, فأنزل القرآن منجماً مدة ثلاث وعشرين عاماً, فبعد أن رسّخ العقيدة في النفوس للقبول, وردت الأحكام شيئاً فشيئاً, ليكون السابق من الأحكام معداً للنفوس ومهيأً لقبول اللاحق, وخاصّة حينما يكون الأمر بصدد محاربة بعض الرذائل التي تأصّلت في النفوس, وتوارثتها الأجيال خلفاً عن سلف, في أحقاب متطاولة.
فالإسلام في معالجته لهذه الأمراض المزمنة لا يأخذها بالعنف والمفاجأة, بل يتلطّف بالسير بها إلى الصلاح على مراحل مترتبة, متصاعدة, حتى يصل بها إلى الغاية المنشودة.
ومن هذه الرذائل والعادات التي كانت متأصلة في النفوس, وحاربها الإسلام وقضى عليها تدريجياً, شرب الخمر, وأكل الربا.
فلم يكن تحريم الربا في القرآن الكريم مفاجأة على دفعة واحدة, ولكنّه كان تدريجياً على مراحل أربع, كما حصل بالنسبة لتحريم الخمر.
فلقد ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة في شأن الربا:
1. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}]البقرة:275[.
2. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ]البقرة:278/279[.
3. وقال عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُواْ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} ]الروم:39[.
4. وعن جابر رضي الله عنه قال: ”لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“]مسلم 3/1218 برقم 1597[.
5. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا“]البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313.[
6. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ”الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“]البخاري مع الفتح 5/393 برقم 2015، ومسلم برقم 89[.
7. عن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: ”ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات“]سنن أبي داود 3/244 برقم 3334[.
8. وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر“]البخاري مع الفتح 4/426 برقم 2228[.
9. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: ”إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله“]أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37[.
أ- تعريفه وحكمه:
هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر. كمبادلة صاع تمر جيد بصاعين من الرديء. أو بيع درهم بدرهمين.
وقد ثبتت حرمته في السنة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم :
"الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواء بسواء, يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".
"لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين".
والحكمة من تحريمه هي: اشتماله على زيادة بغير عوض. والتعامل بمثل هذا النوع من الربا نادر الحصول في أيامنا.
ب- أسرار تحريم ربا البيوع (ربا الفضل):
أبرز العلماء في بحثهم تحريم ربا البيوع (الذي أسموه ربا الفضل) حكمة هامة ترجع إلى سد ذرائع ربا الديون, لكن جاءت الأبحاث الاقتصادية تبين لتحريم هذا النوع من الربا حكماً وهي حكم جليلة تلفت النظر لإعجاز هذه الشريعة ودقة أحكامها ونلخص أهم هذه الأسرار فيما يلي:
·سد ذرائع الربا, وأحكام الغلق أما كل حيلة قد تسلك للتوصل إلى الربا, تطبيقاً للقاعدة الشرعية الجليلة (سد الذرائع) وهي مما امتازت به هذه الشريعة, حيث جاءت كاملة محكمة في تشريعها فلا تحرم شيئاً إلا وتسد منافذ الوصول إليه.
وبهذا الاعتبار فإن تحريم هذا الربا (ربا الفضل) يشتمل على الحكم السابقة لتحريم الربا, إضافة لأمور أخرى نذكر منها بعضاً فيما يلي.
·حماية عامة المسلمين الذين يذهب ربا الفضل بقيمة سلعهم الحقيقية, بسبب جهلهم بقيم السلع السوقية لكل نوع, وبسبب تفضيل كل واحد من المستهلكين نوعاً معيناً.
·إذا باع شخص شيئاً بجنسه مؤجلاً فهو بمثابة دين للمشتري, ويجب عليه مراعاة أحكام الديون في هذه الصورة,حتى لا يظلم أحد الطرفين الآخر, مثل أن يعطيه رديئاً ويشترط عليه أن يرد إليه جيداً, أو يعطي في زمان رخصه ويشترط أن يرد إليه في زمن غلائه.
·إذا بيع جنس بآخر نساءً أي مؤجلاً, فإنه قد يلحق أحد الطرفين غبن كبير نتيجة للتقلبات المفاجئة في أسعار هذه السلع, أم البيع بالذهب أو الفضة مؤجلاً فيرجع أساساً إلى ثبات قيمتها وقيمة النقود وبهذا الاعتبار أصبح النقد قادراً على قياس الدفع المؤجل.
·القصد من منع التفرق قبل التقابض هو إنجاز عملية التبادل بالسرعة التي تؤمن الطرفين من التقلبات أو المفاجئات, ومن خبر السوق بصفة عامة وسوق أوراق النقد بصفة خاصة أدرك لذلك حكماً كثيرة.
·إصباغ صفة التجانس على الذهب والفضة, وهي صفة يلزم توفرها في النقود والذهب والفضة خلقاً ثمنين, فلذلك جعل كل واحد منهما مع جنسه شيئاً واحداً في القيمة إذا تساوت الكمية, ولذلك ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين جميع أحوال أي منهما عندما يبادل بجنسه من مضروب, ومنقوش, وجيد ورديء, وصحيح ومكسر,وحلي وتبر....... فتحقق ببذلك التجانس.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه:
لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1. الربا ظلم والله حرم الظلم.
2. قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.
3. الربا فيه غبن.
4. المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.
5. الربا مضاد لمنهج الله تعالى.
أ- تعريفه: هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مؤجلاً مع زيادة في أحد العوضين بسبب الأجل.
مثاله: إعطاء شخص لآخر ألف دينا ليرده بعد عام ألفاً ومائة.
وهذا النوع من الربا هو أشهر أنواعه وأكثرها شيوعاً قديماً وحديثاً. فهو الربا الذي كان العرب في الجاهلية يتعاملون به, وهو الربا الذي أنشئت على أساسه المصارف الربوية ويمثل المحور الرئيس لمعاملاتها.
فجميع السلف, أو القروض التي تقدمها المصارف الربوية إلى أجل مقابل الفائدة السنوية كسبعة في المائة أو نحو ذلك تمثل صورة من صور ربا النسيئة المحرم.
وهو محرم بنص القرآن, فجميع الآيات القرآنية التي تحدثت عن تحريم الربا المراد بذلك هو ربا النسيئة وهو ربا الجاهلية.
والحكمة من تحريمه: هي ما فيه من استغلال للمحتاجين وإرهاق لهم وقطع لعوامل الرفق والرحمة بين الناس, ونزع لفضيلة التعاون والتناصر بينهم.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من نصوص:
لا شك أن ربا النسيئة لا خلاف في تحريمه بين الأمة جمعاء، إنما الخلاف في ربا الفضل بين الصحابة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل.
أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت له: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا في النسيئة“.]مسلم 3/1217 برقم 1596، وانظر: شرح النووي 11/25[.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا إنما الربا في النسيئة“.]البخاري 3/31 برقم 2178 ورقم 2179، ولفظ البخاري (لا ربا إلا في النسيئة) وانظر الفتح 4/381، ومسلم 3/1218، وشرح النووي 11/24.[
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة ابن زيد ”إنما الربا في النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض، متفاضلا حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً، وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه.
وأما حديث أسامة ”لا ربا إلا في النسيئة“ فقال قائلون: بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“.]شرح النووي 11/25[.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ”اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد. فقيل: منسوخ. لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدّم. والله أعلم“.]فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/382[.
فاتّضح مما تقدّم تحريم: ربا الفضل، وربا النسيئة فلا إشكال في ذلك ولله الحمد.
تعريفه: هو بيع أو مبادلة الربوي بجنسه أو بغير جنسه مع تأخير قبض أحد البدلين أو كليهما عن مجلس العقد.
مثاله: مبادلة القمح أو الشعير بالتمر مع تأخير قبض أحد البدلين أو كليهما.
ومنه أيضاً صرف النقود بجنسها أو بغير جنسها مع تأخير التقابض لأحدهما أو كليهما كصرف عدد من الدنانير بالدولار أو قطعة نقد من فئة العشرين بدنانير من فئة الدينار الواحد ففي جميع هذه الحالات يشترط التقابض في مجلس العقد فإذا تأخر القبض لأحدهما أو كليهما وقع المتبادلان في الربا.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (الذهب بالذهب ...يداً بيد, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا زيادة بينهما ولا نظرة). فقوله (ولا نظرة) يدل على اشتراط التقابض في المجلس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز). فقوله (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) يدل على اشتراط التقابض في المجلس.
ويتعلق بهذا النوع من الربا مسألة نفيسة هي حكم بيع حلي الذهب نسيئةً وهو ما يعرف عند الناس ببيع وشراء الذهب بالتقسيط.
تعريفه: هو كل قرض جر نفعاً مشروطاً, كمن يقرض شخصاً ألفاً لطباعة كتابه بشرط أن يرد الألف وخمسين نسخة من الكتاب زيادة.
والأصل في ذلك تحريمه المأثور والمعقول: أما من المأثور فما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في باب: قرض جر نفعا. عن ابن سيرين قال: استقرض رجل من رجل خمسمائة دينار على أن يفقره ظهر فرسه (أي بشرط رد المبلغ وركوب ظهر الفرس زيادةً) فقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما أصبت من ظهر فرس فهو ربا. والأثر أخرجه البهيقي بطرق مختلفة.
وعن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم أنهم نهوا عن قرض جر نفعاً.
ومثل هذه الآثار قد يكون لها حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما من المعقول: فلأن عقد القرض عقد إرفاق (أي إحسان) وقربة فإذا شرط فيه منفعة كان الشرط مخالفاً لمقتضى العقد, ومعلوم أن الشرط المخالف لمقتضى العقد شرط باطل, فيبطل الشرط ويصلح العقد, ولأنه لما شرط فيه نفع للمقرض كان بمنزلة أنه باع ما اقرضه بما يزيد عليه من جنسه ولذلك اعتبره بعض الفقهاء كالرملي من الشافعية من ربا الفضل.
ولا يستدل على حرم ربا القرض بخبر: كل قرض جر نفعا فهو ربا لأن هذا الخبر ليس له إسناد صحيح ولا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في المغني لابن قدامة رحمه الله: (كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف, قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادةً أو هدية فاسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك يكون ربا).
أم المنفعة التي تجعل عقد القرض المشتمل عليها أحد أنواع الربا فيشترط فيها ما يلي:
· أن تكون مادية: كما في المثال السابق في التعريف, أم المنفعة المعنوية كالشكر والذكر الحسن في عقد القرض فلا تجعله الربا.
· أن تكون مشروطة: فالمنفعة الغير مشروطة التي هي من باب حسن القضاء فلا تخرجه من القرض إلى الربا.
· أن تكون خاصة: فالمنفعة المشتركة في جمعيات القروض الحسنة لا تؤثر في مشروعية عقد القرض وتبقى المعاملة في دائرة القرض الحسن.
والمراد بجمعيات القروض الحسنة هي أن يتفق مجموعة من الأشخاص على تشكيل جمعية تعاونية يدفع بموجب هذا الاتفاق كل مشترك مبلغاً متساوياً من المال على أساس القرض الحسن, بحيث يعطى مجموع القروض لأحدهم كل شهر. فمثل هذه الجمعيات مباحة شرعاً لأن منفعة الاستقراض فيها عامة وليس خاصة.
الفصل الأول: ما يجوز فيه التفاضل والنساء.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
أ جواز التفاضل إذا انتفت العلة:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”أجمع العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً، ومؤجلاً؛ وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير، وغيره من المكيل.
وأجمعوا كذلك على أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يداً بيد؛ كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا“.]شرح النووي ببعض التصرف 11/9[.
ب جواز التفاضل في غير المكيلات، والموزونات:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب بيع العبد، والحيوان بالحيوان نسيئة).] البخاري 3/41، وانظر: الفتح 4/419[.
قلت: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فذهب الجمهور من علماء الأمة إلى الجواز واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، فعنه رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي، قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم قال: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ابتع علينا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذ هذا البعث“ قال: فكنت أبتاع البعير بالقلوصين والثلاث من إبل الصدقة إلى محلها. حتى نفذ ذلك البعث قال: فلما حلت الصدقة أداها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.] مسند الإمام أحمد 2/216، وانظر سنن أبي داود 3/250 برقم 3357[.
وعن جابر رضي الله عنه قال: جاء عبد فبايع النبي صلّى الله عليه وسلّم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”بعنيه“ فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحداً بعد، حتى يسأله (أعبد هو)؟ ]مسلم 3/1225 برقم 1602، وانظر: شرح النووي 11/39[.
وهذا فيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة، وهذا مجمع عليه إذا بيع نقداً، وكذا حكم سائر الحيوانات.] انظر: شرح النووي 11/39[.
فإن باع عبداً بعبدين، أو بعيراً ببعيرين إلى أجل فالراجح الجواز كما سبق. وهذا هو مذهب الشافعي والجمهور.] انظر: شرح النووي 11/39[.
فظهر مما تقدم أن الراجح في بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً، ونسيئة هو الجواز. والآثار عن بعض الصحابة والتابعين تدلّ على جواز ذلك. قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه:
1 ”اشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة“ ]مكان بين مكة والمدينة معروف بالربذة[.
2 واشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين، أعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غداً رهواً إن شاء الله.
3 وقال ابن عباس: ”قد يكون البعير خير من البعيرين“.
4 وقال ابن المسيب: ”لا ربا في البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل“ ]انظر صحيح البخاري 3/41، والفتح 4/419 فكل هذه الآثار هناك[.
أ المراطلة:
المراطلة: مفاعلة من الرطل.
وهي عرفاً: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضلة وزناً.]انظر شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/284[.
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ”الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق مراطلة.
إنه لا بأس بذلك؛ أن يأخذ أحد عشر ديناراً بعشرة دنانير، يداً بيد؛ إذا كان وزن الذهبين سواء عيناً بعين، وإن تفاضل العدد، والدراهم أيضاً في ذلك بمنزلة الدنانير“.]موطأ الإمام مالك 2/638[.
فعلى هذا فالمعتبر في بيع الذهب بالذهب، وبيع الورق بالورق هو الوزن لا العدد. فلو كان عند رجل عشر قطع من الذهب ثم باعها بخمس قطع من الذهب، والوزن لعشر القطع يساوي وزن خمس القطع، فهذا جائز وهذا ما قصده الإمام مالك بالمراطلة.
ب الصرف:
لا شك أن الصرف مما يحتاج إليه الناس، لتحويل العملات من عملة إلى عملة أخرى، فلما كان الأمر كذلك لم يغفله الإسلام؛ بل أوضحه للناس، الجائز منه وغير الجائز.
عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم. قال طلحة بن عبيد الله – وهو عند عمر بن الخطاب – أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك، فقال عمر ابن الخطاب: كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الورق بالذهب ربا إلا هاء، وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء، وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء، وهاء“.]البخاري 3/30 برقم 2174، والموطأ 3/636، ومسلم 3/1210 برقم 1586[.
قال الإمام النووي رحمه الله: ”قال العلماء: ومعناه التقابض ففيه اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي إذا اتفقا في علة الربا. سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب، أم اختلف كذهب بفضة، ونبّه صلّى الله عليه وسلّم بمختلف الجنس على متفقه... وأما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عندما أراد أن يصارف صاحب الذهب، فيأخذ الذهب ويؤخّر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم، فإنما قاله؛ لأنه ظن جوازه كسائر المبيعات وما كان بلغه حكم المسألة، فأبلغه إياه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة“.]شرح النووي 11/13[.
وعن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً بنسيئة إلى الموسم، أو إلى الحج، فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصلح قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك عليّ أحد. فأتيت البراء بن عازب فسألته. فقال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، ونحن نبيع هذا البيع، فقال: ”ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا“ وائت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته، فسألته، فقال مثل ذلك.]البخاري 3/31 برقم 2180، 2181، ومسلم 3/1212 برقم 1589[.
قال البخاري رحمه الله (باب بيع الذهب بالورق يداً بيد) ثم ذكر حديث أبي بكرة رضي الله عنه ”نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء. وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا“.]البخاري 3/31 برقم 2182[.
وروى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً“.]البخاري 3/31 برقم 2180، 2181، وانظر شرح الموطأ للزرقاني 3/282[.
ومن الأحاديث السابقة اتضح لنا ما يأتي:
1 أن صرف الفضة بالفضة، والذهب بالذهب جائز. على أن يكون الصرف مثلاً بمثل، وسواءً بسواء، ويكون ذلك يداً بيد أثناء وقت المصارفة.
2 أن صرف الذهب بالفضة، والفضة بالذهب جائز، على أن يكون الصرف يداً بيد في وقت المصارفة، أما المفاضلة بين الذهب والفضة بحيث يكون الذهب أكثر من الفضة وزناً، أو الفضة أكثر من الذهب وزناً فلا مانع من ذلك، لكن بشرط أن يكون يداً بيد في لحظة المصارفة.
3 أن شراء وبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو الذهب بالفضة، أو الفضة بالذهب، لا يجوز الدين في ذلك مطلقاً، فلو أراد شخص أن يصرف من المصرف عملة من الذهب بعملة من الذهب، وسلّم أحدهما عملته والآخر أجل تسليم عملته إلى أجل فهذا لا يجوز، لأنه فقد شرط المقابضة يداً بيد. وكذلك الفضة بالفضة والذهب بالفضة والعكس كل ذلك لا يجوز فيه الدين مطلقاً.
لا شك أن المسلم دائماً ينبغي أن يكون حريصاً على التزام أمور الشرع كلها، فيعمل الواجبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، ويأخذ بالمستحبات، ويأخذ ويترك من المباحات على حسب حاله، وحاجته، ويبتعد عن الشبهات، لعلمه بأن الشبهات تؤدي إلى المحرمات.
عن النعمان بن بشير قال: (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول – وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه -: ”إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيها، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب“.]البخاري 1/19 برقم 52، ومسلم 3/1219 برقم 1599[.
قال الإمام النووي رحمه الله: ”أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث: ”الأعمال بالنية“,وحديث ”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه“.]موطأ الإمام مالك 3/903[.
وقال أبو داود: الإسلام يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة، وحديث: ”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“.]البخاري 1/9 برقم 13، ومسلم 1/67 برقم 45[.
وقيل حديث: ”ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس“.]سنن ابن ماجه 2/1374 برقم 4102، قال النووي: رواه ابن ماجه بأسانيد حسنة، انظر شرح النووي 11/28[.
قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلّى الله عليه وسلّم نبه فيه على إصلاح المطعم، والمشرب، والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية دينه، وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل: بالحمى. ثم بيّن أهمّ الأمور وهو مراعاة القلب... فبيّن صلّى الله عليه وسلّم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الحلال بيّن والحرام بيّن“ فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
حلال بيّن واضح. لا يخفى حله كالخبز، والعسل...
وأما الحرام البيّن فكالخمر، والخنزير، والكذب...
وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل، ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها، بنصّ أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك...).] شرح النووي ببعض التصرف 11/28[.
وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم:
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية.
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية.
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها.
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى.
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق.
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً.
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين.
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية.
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها.
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية.
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك.
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية.
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية.
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية.
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى.
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة.
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي.
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية:
صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نصه على النحو الآتي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدّم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرّر ما يلي:
أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سرّ مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرّر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسياً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي:
( أ ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئة أو يداً بيد.
(ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يداً بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثاً: وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعاً: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات.
والله أعلم: وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، جمع محمد المسند، 2/379-380.[
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية:
س: عندي كمية من أكياس الأرز وهو بمستودع لنا ويأتي إليّ أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عداً في محله فهل في هذه الطريقة إثم أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
ج: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا. الربا المغلظ الجامع بين التأخير والفضل، أي بين ربا الفضل وربا النسيئة، وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة. وأحياناً يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا من الدراهم، العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل، ثم يأتيان على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ الإسلام ابن تيمية: الحيلة الثلاثية، وهي بلا شك حيلة على الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، فهي حرام ومن كبائر الذنوب، وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه، بل إن التحايل عليه يزيده خبثاً ويزيده إثماً، ولهذا ذُكِرَ عن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين قال: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، وصدق رحمه الله، فإن المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلال. ]فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/382[.
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها
س: ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي في مكانها وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكاً لها وقد قبضها لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم، لحكيم بن حزام: ”لا تبع ما ليس عندك“، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ”لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك“ رواه الخمسة بإسناد صحيح، وهكذا الذي يشتريها، ليس له بيعها حتى يقبضها أيضاً للحديثين المذكورين.
ولِمَا رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.] أبو داود 3/282، برقم 3499، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/668[.
وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ”لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبتاعون جزافاً – يعني الطعام – يُضْرَبون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم“ ] البخاري 3/30، برقم 2131[، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.] فتاوى إسلامية 2/383-384[.
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى:
س: أريد أن أشتري عشرة آلاف دولار أمريكي من شخص معين بسعر 40 ألف ريال سعودي، وسيكون التسديد على أقساط شهرية، كل قسط ألف ريال، وأريد أن أبيع هذه الدولارات في السوق بسعر 37.500 ألف ريال، فما الحكم في ذلك علماً بأنني محتاج لهذه النقود؟
ج: الحكم في هذا هو التحريم، فيحرم على الإنسان إذا صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إلا بعد قبض العوضين، وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض الثاني الذي هو قيمة الدولارات، وعلى هذا فيكون فاسداً وباطلاً، فإذا كان قد نفذ الآن فإن الواجب على هذا الذي أخذ الدولارات أن يسددها دولارات، ولا يجوز أن يبني على العقد الأول، لأنه فاسد، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق“.]فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/386، والحديث أخرجه البخاري برقم 456[.
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق
س: رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات، فيأتي إليه شخص معه ذهب مستعمل فيشتريه منه وتعرف قيمته بالريالات، وقبل دفع القيمة في المكان والزمان، يشتري منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهباً جديداً، وتعرف قيمته، ويدفع المشتري الباقي عليه، فهل هذا جائز أم أنه لا بد من تسليم قيمة الأول كاملة إلى البائع ثم يسلم البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو من غيرها؟
ج: في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب المستعمل، ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء يشتري ممن باع عليه ذهباً جديداً أو من غيره، وإن اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى لا يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس الربوي بجيده متفاضلاً، لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب (جيد) فقال: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: ”لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً“، ولأن المقاصة في مثل هذا البيع ولو كانت في زمان ومكان البيع، قد تؤدي إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، وذلك محرم، لما روى مسلم رحمه الله تعالى عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“. وفي رواية عن ابن سعيد: ”فمن زاد أو استزاد فقد أربا، الآخذ والمعطي سواء“.]فتاوى إسلامية 2/389، والحديث تقدم تخريجه ص34[.
س: ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة ثم وَزَنَها وقال إن ثمنها 1500 ريال واشتريت منه حلي جديد بمبلغ 1800 ريال هل يجوز أن أدفع له 300 ريال فقط (الفرق) أم آخذ 1500 ريال ثم أعطيه 1800 ريال مجتمعة؟
ج: لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل سواء بسواء وزناً بوزن يداً بيد بنص النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة ولو اختلف نوع الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الاختلاف وهكذا الفضة بالفضة.
والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب بذهب، ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العمل الورقية ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته من الذهب بسعره من الفضة أو العملة الورقية يداً بيد؛ لأن العملة الورقية منزَّلة منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها.
أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود كالسيارات والأمتعة والسكر ونحو ذلك فلا حرج في التفرق قبل القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية والورقية وبين هذه الأشياء المذكورة وأشباهها.
ولا بد من إيضاح الأجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}.] سورة البقرة، الآية: 282[.
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً:
س: إنسان أخذ مني مصاغ ذهب، وثمن المصاغ ألف ريال، وقلت له لا يجوز إلا نقداً، وقال سلفني ألف ريال، وسلفته الألف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟
ج: لا يجوز لأنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين، عقد سلف وعقد بيع، وهو ممنوع أيضاً.] فتاوى إسلامية 2/390[.
س: إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات من الذهب ولَمّا وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه لا يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه لا يجوز لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إلا جزء من القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثلاً وقال لي أترك الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل الدراهم وأستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه حتى يحضر لاستلامه أم يلزمني أن ألغني العقد وهو إن حضر فهو كسائر المشترين وإلا فلا شيء بيننا؟
ج: لا يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه حتى يأتي بالدراهم، بل لم يتم العقد تخلصاً من ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية الدراهم ابتدأتما عقداً جديداً يتم في مجلسه التقابض بينكما.] فتاوى إسلامية 2/353[.
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين:
س: أنا من سكان الكويت، وعندنا شركات مساهمة خاصة بالأعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول، ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد عائلته، فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه الشركات.
ج: يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا، فإن كان تعاملها بالربا فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع، وكذلك لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأن عقود التأمين مشتملة على الغرر والجهالة والربا، والعقود المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرمة في الشريعة الإسلامية.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/392[.
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية:
صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي الإسلامي الآتي نصه:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب عام 1406ه إلى يوم السبت 29 رجب 1406ه قد نظر في موضوع تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل عنها، وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيسي المجلس.
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع.
وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً.
وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي مستحيل؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد، ومما جاء في القرار كذلك أنه:
أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله عنه من التعامل بالربا أخذاً وعطاء، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور.
ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح إلى قيام المصارف الإسلامية بديلاً شرعياً للمصارف الربوية. ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل الأقطار الإسلامية وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.
ثالثًا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل والخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا.
خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم (مودع المال) لنفسه أو لأحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنما من باب التطهر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز الاستمرار في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/393[.
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها
س: ما الحكم الشرعي في كل من:
1 الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة.
2 المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟
3 الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟
4 الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟
5 صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟
ج: لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة؛ لأن كل ذلك من الربا الصريح.
ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ]البقرة: 275[. ويقول سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات} ] البقرة: 276[. ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ] البقرة: 278[. ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ]البقرة: 280[. ينبه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدين ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم.
أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ] المائدة: 2[.
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ”لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“. وقال: ”هم سواء“. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة، ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية.
نسأل الله أن يمنّ على الجميع بالهداية وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه.] فتاوى إسلامية، 2/397[.
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية:
س: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول فهل يجوز ذلك أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
ج: لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لِمَا في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله للضرورة، والله سبحانه يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ]الأنعام: 119[، ومتى وجد بنكاً إسلاميّاً أو محلاًّ أميناً ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه لم يجز له الإيداع في البنك الربوي.] فتاوى إسلامية، 2/397[.
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك:
س: ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث يصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟
ج: لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها لكونها بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء لقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}]المائدة: 2[.
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ”لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ رواه الإمام مسلم في صحيحه] مسلم 3/1218 برقم 1597[، وليس لك إلا رأس مالك.
ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية، والتحذير منها، والتوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك، لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} ]البقرة: 275، 276[. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}]البقرة: 278، 279[.ولِمَا تقدّم من الحديث الشريف ]فتاوى إسلامية، 2/399-400[.
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية:
س: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
ج: لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه، أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال بل ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”لعن آكل الربا وموكله وشاهديه“ وكاتبه وقال: ”هم سواء“]مسلم 3/1218 برقم 1597[] فتاوى إسلامية 2/401[.
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية:
س: بعض البنوك تعطي أرباحاً بالمبالغ التي توضع لديها من قبل المودعين، ونحن لا ندري حكم هذه الفوائد هل هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة الإسلامية؟
ج: أولاً: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا. ولا يحلّ له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربوية، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق عامة ونحو ذلك.
ثانياً: يبحث عن محل لا يتعامل بالربا ولو دكاناً ويوضع المبلغ فيه على طريق التجارة، مضاربة، على أن يكون ذلك جزءاً مشاعاً معلوماً من الربح كالثلث مثلاً، أو بوضع المبلغ فيه أمانة بدون فائدة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]فتاوى إسلامية 2/404[.
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية:
س: المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟
ج: يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره، لأنه ربا وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]فتاوى إسلامية 2/412[.
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى:
س: أقرضني أخي في الله (حسن. م) ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقداً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض – وهي سنة – ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته.
فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا؟ لا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا؟
ج: ليس للمقرض (حسن. م) سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن خيار الناس أحسنهم قضاء“. رواه مسلم في صحيحه ]مسلم برقم 1600[، وأخرجه البخاري بلفظ: ”إن من خيار الناس أحسنهم قضاء“.]البخاري برقم 2306[.
أما العقد المذكور فلا عمل عليه ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلّت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً.]فتاوى إسلامية 2/414[.
س: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500 جنيه مصري، وقد أرسلت له مبلغ 2000 دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً، ويرغب حالياً في سداد الدين، علماً بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حالياً 1800 دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800 جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300 جنيه مصري)؟
ج: الواجب أن يردّ عليك ما اقترضته دولارات، لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء“]أبو داود 3/250، برقم 3345، والنسائي في كتاب البيوع، الباب رقم 50، 52[، فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به.]فتاوي إسلامية 2/414-415[.
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة:
س: رجل اقترض مالاً من رجل لكن المقرض اشترط أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ، يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها، والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يرجع المدين المال كاملاً كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده، ما حكم الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟
ج: إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه، وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}]البقرة: 195[. فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب، وبالنسبة للمقترض جائز مباح.
وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استسلف من رجل بَكراً وردّ خيراً منه، وإذا كان هذا العقد أي القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحول إلى عقد معاوضة وربح، أعني الربح المادي الدنيوي؛ لأنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع والمعاوضات، ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر: بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة، أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض، فإنه في الصورتين يكون بيعاً حراماً ورباً، لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لتغليب جانب الإرفاق.
وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد خرج بالقرض عن موضوع الإرفاق فيكون حراماً.
والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا، وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضاً ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع؛ لأن ذلك جر منفعة إلى المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان.]فتاوى إسلامية 2/415-416[.
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وبعد..
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام، والمقيد برقم 1100 في 28/7/1400ه ونصّه:
لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك، حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامناً حسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد) وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه، ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع)، فوقعنا في حيرة من أمرنا، وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترناً بالأدلة الشرعية، فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لِمَا بلغنا عنكم من العلم والتقوى والورع، لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترناً بالأدلة الشرعية، هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان؟
وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضدّ الحوادث، والتأمين على الحياة، وما رأي الشرع في مثل هذه العقود؟
وأجابت بما يلي:
أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز؛ لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة، والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثانياً: التأمين التجاري حرام لِمَا يأتي:
1 عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش، لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً، وذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم النهي عن بيع الغرر ]أخرجه مسلم برقم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه[. رواه مسلم.
2 عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة، لِمَا فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}]المائدة:90[.
3 عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما محرّم بالنّصّ والإجماع.
4 عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلّى الله عليه وسلّم رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل“. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ابن حبان.
وليس التأمين من ذلك ولا شبيهاً به فكان محرماً.
5 عقد التأمين في أخذ مال الغير بلا مقابل هو أخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرّم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.
6 في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن، على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية، مع العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتاباً مناسباً في الموضوع نرشدكم إليه.
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة لا يجوز لأدلة، منها:
1 فيه ربا؛ لأن الفائدة تعطى في بعض أنواعه – وهو التأمين على الحياة – لأنها تتضمن التزام المؤمن بأن يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافاً إلى ذلك فائدته الربوية، فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ الكثير.
2 التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل.
3 يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لأنه عقد معلق على خطر، فتارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنىً.
4 التأمين فيه غرر وجهالة.
5 التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام، وذلك أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الآخر الخسائر التي حصلت، ويترتب على ذلك نزاع ومشاكل، ومرافعات قضائية.
6 لا ضرورة تدعو إلى التأمين، فقد شرع الله الصدقات في الإسلام، وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين والغارمين، والحكومة الإسلامية مسؤولة عن رعاياها.
إن الإسلام الحنيف لم يحرم شيئاً على المسلمين إلا إذا غلب ضرره على نفعه, بل إذا تساوى ضرر الشيء مع نفعه حرمته, لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع. وإن للربا أضرار كثيرة تغلب على منفعته, وهي تشمل سائر نواحي الحياة.
أ- من أضرار الربا الخلقية والاجتماعية:
· ظلم صاحب المال المقرض للمقترض, فإن أخذ الربا ظلم بنص القرآن الكريم, مهما كانت حالة المقترض أو جنسه أو دينه, قال الله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).
· إن الربا يطبع نفوس المرابين بطابع الأثرة والأنانية, وعبادة المال والتكالب على جمعه, ويقتل في نفوسهم الشفقة والرحمة للفقراء والمحتاجين.
· إن الربا يؤدي إلى عدم وجود القرض الحسن بين أفراد المجتمع, مما يسيء إلى روح التعاون بين أفراده, وبالتالي يسيء إلى الروابط والعلاقات العائلية والاجتماعية, فتصبح العلاقة بين الناس علاقة مادية بحتة, وليست علاقة إنسانية تعاونية.
ب – من أضرار الربا الاقتصادية:
· يزيد فقر المقترضين الفقراء فقراً إلى فقرهم, وهلاكاً إلى هلاكهم, فكل فقير يقع في شرك المرابين لا يكاد يتخلص من الدين طوال حياته, وقد ينتقل الدين إلى ورثته, وقد يؤدي به الدين إلى بيع بيته الذي يؤويه مع عياله , فتصبح حالته المادية أسوأ مما كانت عليه قبل القرض.
· يجعل المال متداولا بين طائفة خاصة من المجتمع, ويقسم المجتمع إلى طبقات, طبقة أغنياء مرفهين منعمين, وطبقة عاملين كادحين منتجين, وطبقة فقراء محرومين.
· إن تسهيل القروض الاستهلاكية بفائدة من قبل البنوك شجع الكثيرين على الإسراف وعدم الادخار, لأن المسرف إذا كان يرى من يقرضه بالفائدة في أي وقت فإنه لا يراعي عن الإنفاق على شهواته ورفاهيته ولا يحسب حساب المستقبل ليدخر في حاضره ما يحتاج إليه في قابله.
ج - أضرار الربا الإنتاجي:
· غلاء أسعار السلع التي ينتجها المقرض, إذ يضيف المنتج أو المستورد فائدة القرض إلى رأس مال السلعة التي يشتريها المستهلكون, فكأن المجتمع لا المنتج ولا المستورد هو الذي يدفع الفائدة الربوية, فالظلم في القرض الإنتاجي أشمل وأعم من القرض الاستهلاكي.
· إذا تقلصت دورة الرخاء, أو إذا نقص الطلب على السلعة المنتجة بسبب ارتفاع ثمنها نتيجة لإضافة الفائدة الربوية يبقى فائض من المنتجات بغير تصريف, وهذا الفائض له عواقبه الوخيمة, إذ قد يؤدي إلى تخفيض أجر العمال أو الاستغناء عن بعضهم.
· يمنع الأغنياء من الاشتغال بالمكاسب, وذلك لأن صاحب المال إذا تمكن بواسطة وضع ماله في البنوك من الحصول على الفائدة الربوية, لم يغامر في تجارة أو صناعة, فيعيش عالة على غيره.
والمجتمع الصالح هو الذي يكون كل فرد من أفراده عضواً عاملاً منتجاً فيه.
العقوبات الناتجة عن التعامل بالربا منها ما يكون جماعياً ومنها ما يكون فردياً.
والعقوبات الفردية منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في الآخرة.
أما العقوبات الجماعية, فإن انتشار التعامل بالربا يف المجتمع بين أعداد كبيرة من أفراده وبناء اقتصاد البلد على الربا يجر على المجتمع الويلات لأن أهله قد عرضوا أنفسهم لحرب من الله ورسوله, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)]البقرة: 278، 279[.
فالمجتمع الذي يتعامل أهله بالربا مجتمع مغضوب عليه من قبل الله عز وجل وتظهر ثمار الغضب الرباني فيه بصور متعددة كارتفاع الأسعار, وانتشار الفقر ومحق البركة من المال,وتسليط الأعداء, وتفشي الجرائم كالسرقة والقتل, وضعف الثقة والاضطراب,وعدم الاستقرار المعيشي والنفسي وانقطاع المعروف بين الناس فلا يقرض أحد أحداً ولا يواسيه إلا بالربا وغير ذلك.
أما العقوبات الفردية, فبالإضافة إلى ما يلحق الفرد من آثار العقوبات الجماعية بصفته أحد أفراد المجتمع فإن من يتعامل بالربا يعاقب عقوبات خاصة وهي على نوعين: عقوبات دنيوية وعقوبات أخروية.
أما العقوبات الدنيوية فأهمها:
· محق المال : فإن المال الربوي وإن كثر فإن مصيره إلى الزوال والفناء, وإن مآل أصحابه الفقر والذل. لقوله تبارك وتعالى: (يمحق الله الربا).
· نكد العيش المتمثل بعدم الاستقرار النفسي والاضطراب الأسري وتعثر أسباب الكسب من التجارة أو الصناعة أو الزراعة.
· إن من يتعامل بالربا مرتكب كبير وهو في نظر الشرع الشريف فاسق, ساقط العدالة, وقد يؤدي أكل الربا والتعامل به إلى كفر صاحبه إن استحله أو سوء الخاتمة إن هو واظب على أكله ولم يتب.
وأما العقوبات الأخروية فأهمها:
· الفضيحة والخزي يوم القيامة, فإن من يأكل الربا يبعث يوم القيامة وقد انتفخ بطنه لا يستطيع أن يمشي مع الناس إلى أرض المحشر لثقل بطنه فهو يمشي لكنه كلما قام سقط. فيجمع الله عليه عذابين عذاب السقوط على الأرض, وعذاب لفح النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر. قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ]البقرة: 275، 276[.
· العذاب في جنهم, لأن من يتعامل بالربا مرتكب كبير من الكبائر وعليه من الإثم ما يستحق بسببه الدخول في جهنم وأخذ نصيبه من العذاب. (وذلك إن لم يتب قبل موته وتحسن توبته).قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون, واتقوا النار التي أعدت للكافرين).
وهو من السبع الموبقات, والمتعامل به ملعون من قبل الله تبارك وتعالى كما تقدم.
ولما روي: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه), (الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام).
أعد هذا البحث بعد التّحرّي، والعناية، على قدر المستطاع، والموضوع له أهمية كبيرة، وجدير بالعناية من الباحثين والعلماء المخلصين، وما ذلك إلا لأن الربا آفة خطيرة على الأمة الإسلامية؛ لأن الربا مضاد لمنهج الله تعالى فيجب على جميع المسلمين التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ففيهما الخير كله، وفيهما سعادة البشرية – لمن تمسّك بهما وعمل بما فيهما من أحكام وتوجيهات – في الدنيا والآخرة.
أما بالنسبة لهذا البحث المتواضع فقد بذلت فيه جهداً طيباً إن شاء الله تعالى، ومن نتائج هذا البحث استعراض بعض المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حرّم الله تعالى عليه ومنها:
1 الوقوف على الأدلة القطعية في تحريم الربا، وأن من خالف هذه النصوص فقد أذن الله بمحاربته سبحانه وتعالى، ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟
2 ذكر موقف اليهود من الربا عندما حرمه الله عليهم، فاحتالوا بشتى الحيل، حتى أكلوا الربا مجاهرة، وخداعاً لله، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.
3 الوقوف على عادات الجاهلية قبل الإسلام، وأنهم كانوا في حالة يرثى لها، من تكالب على المال، ولو كان طريقه محرماً وضارّاً. كما وقفنا على فساد عقولهم، وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها.
4 إن الإسلام عندما حرّم الربا فإنه لم يترك البشرية بدون تعويض عنه، بل أحلّ البيع، وجميع أنواع المضاربات المشروعة، التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، والبركة، والسعادة.
5 إن آكل الربا ملعون، ومطرود من رحمة ربه تعالى، كما دلّت على ذلك السنة الصحيحة.
6 الوقوف على أنواع الربا، وأنه ينقسم إلى قسمين: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكلاهما محرّم بالكتاب والسنة والإجماع.
7 جواز بيع الحيوان بالحيوان، وجواز التفاضل، والنساء في الطعام غير المكيل، والموزون، وغير الذهب والفضة.
8 عدم جواز الدين في الصرف، بل لا بد من المقابضة الحالة بين المتصارفين، وكذلك بيع الذهب بالفضة ديناً أو الفضة بالذهب ديناً إلى أجل.. وهذا أمر لا يجوز لوجود الأدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك.
9 عدم جواز بيع ما يسمى (بمد عجوة) وهذا الاسم معروف عند الفقهاء.
10 بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة، وقد وقع فيه أكثر أهل هذا العصر، إلا من عصم الله.
11 استعراض بعض النصوص التي تأمر بالابتعاد عن الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، وأن الجسد كله تابع للقلب؛ فبصلاح القلب تصلح جميع الأعضاء وبفساده تفسد كلها.
12 الوقوف على مضار الربا وآثاره، ومفاسده، وأنه لا صلاح ولا سعادة ونجاة ولا خلاص إلا باتباع المنهج الإسلامي في جميع شئون الحياة.
13 تحذير المسلمين من المعاملة بالربا، أو إيداع الفائض من أموالهم في بنوك دول الكفر، التي تستفيد من هذا الفائض، أو تستخدمه ضدّ المسلمين.
14 تبيين بعض محاسن الإسلام، وأنه دين السعادة، والهداية ودين الرحمة والعطف، والتراحم بين المسلمين، وقد مثلتهم السنة في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً“]البخاري 1/122، برقم 481، ومسلم 4/1999، برقم 2585[فهذا فضل عظيم امتن الله به على المسلمين المخلصين الصادقين في إسلامهم.
15 ذكر أسباب تحريم الربا، وأن الله عز وجل له الحكمة البالغة، ومعرفة الحكمة من الأحكام الشرعية لسنا ملزمين بمعرفتها ولله الحمد. فإن عرفنا الحكمة في بعض الأمور فزيادة علم وخير، وإن لم نعرف عملنا بما أمرنا ربنا، وانتهينا عمّا نهانا سبحانه ونقول: سمعنا وأطعنا، وربنا هو الحكيم فيما شرع، الخبير بذلك سبحانه وتعالى.
16 بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية.
17 عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل.
18 بيان حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد ودفع الفرق وأنه لا يجوز.
19 عدم جواز التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
20 عدم جواز بيع أسهم البنوك ولا شرائها، لأنها بيع نقود بنقود.
21 عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة.
22 تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة، لما في ذلك من الغرر، والجهالة، وأكل أموال الناس بالباطل.
وختاماً أسأل الله العلي العظيم أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن يزيد من قرأ هذا الكتاب، أو نشره، أو طبعه، علماً وهدى، وتوفيقاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا جهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره, وأعوذ بالله العظيم من شر نفسي وسيء عملي, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا ورسولنا وحبيبنا محمداً "صلى الله عليه وسلم" إمام المتقين, أما بعد:
إن الربا محرم في جميع الرسالات السماوية, والله تبارك وتعالى لا يحرم إلا خبيثاً, وقد استباحه اليهود وحدهم في معاملة غيرهم كما قال تعالى:وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) ]النساء: 116[.
وقد ورث هذه الرذيلة عنهم العرب قبل الإسلام, وجاء الإسلام ليؤكد حرمة الربا ويشدد في تحريمه بنصوص بينة قاطعة في القرآن والسنة.
ولا شك أن موضوع الربا, وأضراره وآثاره الخطيرة جديرة بالعناية, ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه, لأن من تعامل بالربا فهو محارب الله وللرسول "صلى الله عليه وسلم".
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي ولمن أراد مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا وبينت أضراره, وآثاره على الفرد والمجتمع.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلاث أبواب وخاتمة على النحو التالي:
الباب الأول: الربا قبل الإسلام واشتمل على فصول
الفصل الأول: تعريف الربا لغةً وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا ويشمل :
الفصل الأول: تحريم الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- تعريفه وحكمه.
ب- أسرار تحريم ربا الفضل.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ- تعريفه
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص
الفصل الرابع: ربا اليد.
الفصل الخامس: ربا القرض.
الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة
الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون. وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر.
الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره.
الباب السادس: عقوبات المتعاملين بالربا.
الخاتمة.
___________
_____
الباب الأول
الباب الأول
الربا قبل الإسلام
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعاً
معناه الزيادة والنمو قال الله تبارك وتعالى: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) ]الحج:5[. أي زادت ونمت.
وقال تعالى: أنت تكون أمة هي أربى من أمة) ]النحل:92[. أي أكثر عدداً.
وأصل الربا الزيادة إما في نفس الشيء وإما مقابلة كدرهم بدرهمين, ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً.
ب- تعريف الربا شرعاً:
هي الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود
قال الله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً، وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ) ]النساء 161,160[.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: ”إن الله قد نهاهم – أي اليهود – عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل“ ]تفسير ابن كثير 1/584[.
وقد صرف اليهود النص المحرِّم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا؛ فجعلوه جائزاً لا بأس به.
يقول أحد ربانييهم واسمه راب: ”عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه – غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه“ ]الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص31.[
فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية
لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله– بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: ”كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“ ]جامع البيان في تفسير آي القرآن 3/67[.
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين، وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً. وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل. فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوله إلى السّنِّ التي فوق سنه من تلك الأنعام التي هي دين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضَى، جعلها حقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه ] انظر جامع البيان في تفسير آي القرآن 4/59، وفتح القدير للشوكاني 1/294، وموطأ الإمام مالك 2/672، وشرحه للزرقاني 3/324[.
فهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}] آل عمران: 130[.
فالربا في الجاهلية كان يُعدّ – كما ذكرت آنفاً – من الأرباح التي يحصل عليها ربّ المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر، أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدّى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغيّر فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقّر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون. ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدعي الإسلام، وتدعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله...! فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر الله وينفذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدعي الإسلام فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونحذره من هذا الجرم الكبير: إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الباب الثاني
موقف الإسلام من الربا
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- تعريفه وحكمه.
ب- أسرار تحريم ربا الفضل.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ- تعريفه.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: ربا اليد.
الفصل الخامس: ربا القرض.
الفصل الأول: تحريم الربا
فالإسلام في معالجته لهذه الأمراض المزمنة لا يأخذها بالعنف والمفاجأة, بل يتلطّف بالسير بها إلى الصلاح على مراحل مترتبة, متصاعدة, حتى يصل بها إلى الغاية المنشودة.
ومن هذه الرذائل والعادات التي كانت متأصلة في النفوس, وحاربها الإسلام وقضى عليها تدريجياً, شرب الخمر, وأكل الربا.
فلم يكن تحريم الربا في القرآن الكريم مفاجأة على دفعة واحدة, ولكنّه كان تدريجياً على مراحل أربع, كما حصل بالنسبة لتحريم الخمر.
فلقد ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة في شأن الربا:
1. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}]البقرة:275[.
2. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ]البقرة:278/279[.
3. وقال عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُواْ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} ]الروم:39[.
4. وعن جابر رضي الله عنه قال: ”لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“]مسلم 3/1218 برقم 1597[.
5. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا“]البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313.[
6. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ”الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“]البخاري مع الفتح 5/393 برقم 2015، ومسلم برقم 89[.
7. عن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: ”ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات“]سنن أبي داود 3/244 برقم 3334[.
8. وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر“]البخاري مع الفتح 4/426 برقم 2228[.
9. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: ”إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله“]أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37[.
الفصل الثاني: ربا الفضل
هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر. كمبادلة صاع تمر جيد بصاعين من الرديء. أو بيع درهم بدرهمين.
وقد ثبتت حرمته في السنة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم :
"الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواء بسواء, يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".
"لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين".
والحكمة من تحريمه هي: اشتماله على زيادة بغير عوض. والتعامل بمثل هذا النوع من الربا نادر الحصول في أيامنا.
ب- أسرار تحريم ربا البيوع (ربا الفضل):
أبرز العلماء في بحثهم تحريم ربا البيوع (الذي أسموه ربا الفضل) حكمة هامة ترجع إلى سد ذرائع ربا الديون, لكن جاءت الأبحاث الاقتصادية تبين لتحريم هذا النوع من الربا حكماً وهي حكم جليلة تلفت النظر لإعجاز هذه الشريعة ودقة أحكامها ونلخص أهم هذه الأسرار فيما يلي:
·سد ذرائع الربا, وأحكام الغلق أما كل حيلة قد تسلك للتوصل إلى الربا, تطبيقاً للقاعدة الشرعية الجليلة (سد الذرائع) وهي مما امتازت به هذه الشريعة, حيث جاءت كاملة محكمة في تشريعها فلا تحرم شيئاً إلا وتسد منافذ الوصول إليه.
وبهذا الاعتبار فإن تحريم هذا الربا (ربا الفضل) يشتمل على الحكم السابقة لتحريم الربا, إضافة لأمور أخرى نذكر منها بعضاً فيما يلي.
·حماية عامة المسلمين الذين يذهب ربا الفضل بقيمة سلعهم الحقيقية, بسبب جهلهم بقيم السلع السوقية لكل نوع, وبسبب تفضيل كل واحد من المستهلكين نوعاً معيناً.
·إذا باع شخص شيئاً بجنسه مؤجلاً فهو بمثابة دين للمشتري, ويجب عليه مراعاة أحكام الديون في هذه الصورة,حتى لا يظلم أحد الطرفين الآخر, مثل أن يعطيه رديئاً ويشترط عليه أن يرد إليه جيداً, أو يعطي في زمان رخصه ويشترط أن يرد إليه في زمن غلائه.
·إذا بيع جنس بآخر نساءً أي مؤجلاً, فإنه قد يلحق أحد الطرفين غبن كبير نتيجة للتقلبات المفاجئة في أسعار هذه السلع, أم البيع بالذهب أو الفضة مؤجلاً فيرجع أساساً إلى ثبات قيمتها وقيمة النقود وبهذا الاعتبار أصبح النقد قادراً على قياس الدفع المؤجل.
·القصد من منع التفرق قبل التقابض هو إنجاز عملية التبادل بالسرعة التي تؤمن الطرفين من التقلبات أو المفاجئات, ومن خبر السوق بصفة عامة وسوق أوراق النقد بصفة خاصة أدرك لذلك حكماً كثيرة.
·إصباغ صفة التجانس على الذهب والفضة, وهي صفة يلزم توفرها في النقود والذهب والفضة خلقاً ثمنين, فلذلك جعل كل واحد منهما مع جنسه شيئاً واحداً في القيمة إذا تساوت الكمية, ولذلك ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين جميع أحوال أي منهما عندما يبادل بجنسه من مضروب, ومنقوش, وجيد ورديء, وصحيح ومكسر,وحلي وتبر....... فتحقق ببذلك التجانس.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه:
لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1. الربا ظلم والله حرم الظلم.
2. قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.
3. الربا فيه غبن.
4. المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.
5. الربا مضاد لمنهج الله تعالى.
الفصل الثالث: ربا النسيئة
مثاله: إعطاء شخص لآخر ألف دينا ليرده بعد عام ألفاً ومائة.
وهذا النوع من الربا هو أشهر أنواعه وأكثرها شيوعاً قديماً وحديثاً. فهو الربا الذي كان العرب في الجاهلية يتعاملون به, وهو الربا الذي أنشئت على أساسه المصارف الربوية ويمثل المحور الرئيس لمعاملاتها.
فجميع السلف, أو القروض التي تقدمها المصارف الربوية إلى أجل مقابل الفائدة السنوية كسبعة في المائة أو نحو ذلك تمثل صورة من صور ربا النسيئة المحرم.
وهو محرم بنص القرآن, فجميع الآيات القرآنية التي تحدثت عن تحريم الربا المراد بذلك هو ربا النسيئة وهو ربا الجاهلية.
والحكمة من تحريمه: هي ما فيه من استغلال للمحتاجين وإرهاق لهم وقطع لعوامل الرفق والرحمة بين الناس, ونزع لفضيلة التعاون والتناصر بينهم.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من نصوص:
لا شك أن ربا النسيئة لا خلاف في تحريمه بين الأمة جمعاء، إنما الخلاف في ربا الفضل بين الصحابة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل.
أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت له: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا في النسيئة“.]مسلم 3/1217 برقم 1596، وانظر: شرح النووي 11/25[.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا إنما الربا في النسيئة“.]البخاري 3/31 برقم 2178 ورقم 2179، ولفظ البخاري (لا ربا إلا في النسيئة) وانظر الفتح 4/381، ومسلم 3/1218، وشرح النووي 11/24.[
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة ابن زيد ”إنما الربا في النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض، متفاضلا حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً، وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه.
وأما حديث أسامة ”لا ربا إلا في النسيئة“ فقال قائلون: بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“.]شرح النووي 11/25[.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ”اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد. فقيل: منسوخ. لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدّم. والله أعلم“.]فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/382[.
فاتّضح مما تقدّم تحريم: ربا الفضل، وربا النسيئة فلا إشكال في ذلك ولله الحمد.
الفصل الرابع: ربا اليد
مثاله: مبادلة القمح أو الشعير بالتمر مع تأخير قبض أحد البدلين أو كليهما.
ومنه أيضاً صرف النقود بجنسها أو بغير جنسها مع تأخير التقابض لأحدهما أو كليهما كصرف عدد من الدنانير بالدولار أو قطعة نقد من فئة العشرين بدنانير من فئة الدينار الواحد ففي جميع هذه الحالات يشترط التقابض في مجلس العقد فإذا تأخر القبض لأحدهما أو كليهما وقع المتبادلان في الربا.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (الذهب بالذهب ...يداً بيد, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا زيادة بينهما ولا نظرة). فقوله (ولا نظرة) يدل على اشتراط التقابض في المجلس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز). فقوله (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) يدل على اشتراط التقابض في المجلس.
ويتعلق بهذا النوع من الربا مسألة نفيسة هي حكم بيع حلي الذهب نسيئةً وهو ما يعرف عند الناس ببيع وشراء الذهب بالتقسيط.
الفصل الخامس: ربا القرض
والأصل في ذلك تحريمه المأثور والمعقول: أما من المأثور فما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في باب: قرض جر نفعا. عن ابن سيرين قال: استقرض رجل من رجل خمسمائة دينار على أن يفقره ظهر فرسه (أي بشرط رد المبلغ وركوب ظهر الفرس زيادةً) فقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما أصبت من ظهر فرس فهو ربا. والأثر أخرجه البهيقي بطرق مختلفة.
وعن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم أنهم نهوا عن قرض جر نفعاً.
ومثل هذه الآثار قد يكون لها حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما من المعقول: فلأن عقد القرض عقد إرفاق (أي إحسان) وقربة فإذا شرط فيه منفعة كان الشرط مخالفاً لمقتضى العقد, ومعلوم أن الشرط المخالف لمقتضى العقد شرط باطل, فيبطل الشرط ويصلح العقد, ولأنه لما شرط فيه نفع للمقرض كان بمنزلة أنه باع ما اقرضه بما يزيد عليه من جنسه ولذلك اعتبره بعض الفقهاء كالرملي من الشافعية من ربا الفضل.
ولا يستدل على حرم ربا القرض بخبر: كل قرض جر نفعا فهو ربا لأن هذا الخبر ليس له إسناد صحيح ولا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في المغني لابن قدامة رحمه الله: (كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف, قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادةً أو هدية فاسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك يكون ربا).
أم المنفعة التي تجعل عقد القرض المشتمل عليها أحد أنواع الربا فيشترط فيها ما يلي:
· أن تكون مادية: كما في المثال السابق في التعريف, أم المنفعة المعنوية كالشكر والذكر الحسن في عقد القرض فلا تجعله الربا.
· أن تكون مشروطة: فالمنفعة الغير مشروطة التي هي من باب حسن القضاء فلا تخرجه من القرض إلى الربا.
· أن تكون خاصة: فالمنفعة المشتركة في جمعيات القروض الحسنة لا تؤثر في مشروعية عقد القرض وتبقى المعاملة في دائرة القرض الحسن.
والمراد بجمعيات القروض الحسنة هي أن يتفق مجموعة من الأشخاص على تشكيل جمعية تعاونية يدفع بموجب هذا الاتفاق كل مشترك مبلغاً متساوياً من المال على أساس القرض الحسن, بحيث يعطى مجموع القروض لأحدهم كل شهر. فمثل هذه الجمعيات مباحة شرعاً لأن منفعة الاستقراض فيها عامة وليس خاصة.
الباب الثالث
ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الفصل الأول: ما يجوز فيه التفاضل والنساء
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”أجمع العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً، ومؤجلاً؛ وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير، وغيره من المكيل.
وأجمعوا كذلك على أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يداً بيد؛ كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا“.]شرح النووي ببعض التصرف 11/9[.
ب جواز التفاضل في غير المكيلات، والموزونات:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب بيع العبد، والحيوان بالحيوان نسيئة).] البخاري 3/41، وانظر: الفتح 4/419[.
قلت: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فذهب الجمهور من علماء الأمة إلى الجواز واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، فعنه رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي، قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم قال: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ابتع علينا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذ هذا البعث“ قال: فكنت أبتاع البعير بالقلوصين والثلاث من إبل الصدقة إلى محلها. حتى نفذ ذلك البعث قال: فلما حلت الصدقة أداها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.] مسند الإمام أحمد 2/216، وانظر سنن أبي داود 3/250 برقم 3357[.
وعن جابر رضي الله عنه قال: جاء عبد فبايع النبي صلّى الله عليه وسلّم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”بعنيه“ فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحداً بعد، حتى يسأله (أعبد هو)؟ ]مسلم 3/1225 برقم 1602، وانظر: شرح النووي 11/39[.
وهذا فيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة، وهذا مجمع عليه إذا بيع نقداً، وكذا حكم سائر الحيوانات.] انظر: شرح النووي 11/39[.
فإن باع عبداً بعبدين، أو بعيراً ببعيرين إلى أجل فالراجح الجواز كما سبق. وهذا هو مذهب الشافعي والجمهور.] انظر: شرح النووي 11/39[.
فظهر مما تقدم أن الراجح في بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً، ونسيئة هو الجواز. والآثار عن بعض الصحابة والتابعين تدلّ على جواز ذلك. قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه:
1 ”اشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة“ ]مكان بين مكة والمدينة معروف بالربذة[.
2 واشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين، أعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غداً رهواً إن شاء الله.
3 وقال ابن عباس: ”قد يكون البعير خير من البعيرين“.
4 وقال ابن المسيب: ”لا ربا في البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل“ ]انظر صحيح البخاري 3/41، والفتح 4/419 فكل هذه الآثار هناك[.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه
المراطلة: مفاعلة من الرطل.
وهي عرفاً: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضلة وزناً.]انظر شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/284[.
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ”الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق مراطلة.
إنه لا بأس بذلك؛ أن يأخذ أحد عشر ديناراً بعشرة دنانير، يداً بيد؛ إذا كان وزن الذهبين سواء عيناً بعين، وإن تفاضل العدد، والدراهم أيضاً في ذلك بمنزلة الدنانير“.]موطأ الإمام مالك 2/638[.
فعلى هذا فالمعتبر في بيع الذهب بالذهب، وبيع الورق بالورق هو الوزن لا العدد. فلو كان عند رجل عشر قطع من الذهب ثم باعها بخمس قطع من الذهب، والوزن لعشر القطع يساوي وزن خمس القطع، فهذا جائز وهذا ما قصده الإمام مالك بالمراطلة.
ب الصرف:
لا شك أن الصرف مما يحتاج إليه الناس، لتحويل العملات من عملة إلى عملة أخرى، فلما كان الأمر كذلك لم يغفله الإسلام؛ بل أوضحه للناس، الجائز منه وغير الجائز.
عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم. قال طلحة بن عبيد الله – وهو عند عمر بن الخطاب – أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك، فقال عمر ابن الخطاب: كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الورق بالذهب ربا إلا هاء، وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء، وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء، وهاء“.]البخاري 3/30 برقم 2174، والموطأ 3/636، ومسلم 3/1210 برقم 1586[.
قال الإمام النووي رحمه الله: ”قال العلماء: ومعناه التقابض ففيه اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي إذا اتفقا في علة الربا. سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب، أم اختلف كذهب بفضة، ونبّه صلّى الله عليه وسلّم بمختلف الجنس على متفقه... وأما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عندما أراد أن يصارف صاحب الذهب، فيأخذ الذهب ويؤخّر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم، فإنما قاله؛ لأنه ظن جوازه كسائر المبيعات وما كان بلغه حكم المسألة، فأبلغه إياه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة“.]شرح النووي 11/13[.
وعن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً بنسيئة إلى الموسم، أو إلى الحج، فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصلح قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك عليّ أحد. فأتيت البراء بن عازب فسألته. فقال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، ونحن نبيع هذا البيع، فقال: ”ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا“ وائت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته، فسألته، فقال مثل ذلك.]البخاري 3/31 برقم 2180، 2181، ومسلم 3/1212 برقم 1589[.
قال البخاري رحمه الله (باب بيع الذهب بالورق يداً بيد) ثم ذكر حديث أبي بكرة رضي الله عنه ”نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء. وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا“.]البخاري 3/31 برقم 2182[.
وروى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً“.]البخاري 3/31 برقم 2180، 2181، وانظر شرح الموطأ للزرقاني 3/282[.
ومن الأحاديث السابقة اتضح لنا ما يأتي:
1 أن صرف الفضة بالفضة، والذهب بالذهب جائز. على أن يكون الصرف مثلاً بمثل، وسواءً بسواء، ويكون ذلك يداً بيد أثناء وقت المصارفة.
2 أن صرف الذهب بالفضة، والفضة بالذهب جائز، على أن يكون الصرف يداً بيد في وقت المصارفة، أما المفاضلة بين الذهب والفضة بحيث يكون الذهب أكثر من الفضة وزناً، أو الفضة أكثر من الذهب وزناً فلا مانع من ذلك، لكن بشرط أن يكون يداً بيد في لحظة المصارفة.
3 أن شراء وبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو الذهب بالفضة، أو الفضة بالذهب، لا يجوز الدين في ذلك مطلقاً، فلو أراد شخص أن يصرف من المصرف عملة من الذهب بعملة من الذهب، وسلّم أحدهما عملته والآخر أجل تسليم عملته إلى أجل فهذا لا يجوز، لأنه فقد شرط المقابضة يداً بيد. وكذلك الفضة بالفضة والذهب بالفضة والعكس كل ذلك لا يجوز فيه الدين مطلقاً.
الفصل الثالث: الحث عن الابتعاد عن الشبهات
عن النعمان بن بشير قال: (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول – وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه -: ”إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيها، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب“.]البخاري 1/19 برقم 52، ومسلم 3/1219 برقم 1599[.
قال الإمام النووي رحمه الله: ”أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث: ”الأعمال بالنية“,وحديث ”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه“.]موطأ الإمام مالك 3/903[.
وقال أبو داود: الإسلام يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة، وحديث: ”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“.]البخاري 1/9 برقم 13، ومسلم 1/67 برقم 45[.
وقيل حديث: ”ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس“.]سنن ابن ماجه 2/1374 برقم 4102، قال النووي: رواه ابن ماجه بأسانيد حسنة، انظر شرح النووي 11/28[.
قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلّى الله عليه وسلّم نبه فيه على إصلاح المطعم، والمشرب، والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية دينه، وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل: بالحمى. ثم بيّن أهمّ الأمور وهو مراعاة القلب... فبيّن صلّى الله عليه وسلّم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الحلال بيّن والحرام بيّن“ فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
حلال بيّن واضح. لا يخفى حله كالخبز، والعسل...
وأما الحرام البيّن فكالخمر، والخنزير، والكذب...
وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل، ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها، بنصّ أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك...).] شرح النووي ببعض التصرف 11/28[.
وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم:
عمدة الدين عندنا كلمات
مسندات من قول خير البرية
اترك الشبهات، وازهد، ودع
ما ليس يعنيك، واعملن بنية
نسأل الله أن يعصمنا مما يغضبه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
مسندات من قول خير البرية
اترك الشبهات، وازهد، ودع
ما ليس يعنيك، واعملن بنية
نسأل الله أن يعصمنا مما يغضبه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
الباب الرابع
فتاوى في مسائل من الربا المعاصر
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية.
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها.
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى.
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق.
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً.
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين.
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية.
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها.
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية.
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك.
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية.
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية.
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية.
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى.
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة.
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي.
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية:
صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نصه على النحو الآتي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدّم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرّر ما يلي:
أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سرّ مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرّر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسياً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي:
( أ ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئة أو يداً بيد.
(ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يداً بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثاً: وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعاً: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات.
والله أعلم: وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، جمع محمد المسند، 2/379-380.[
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية:
س: عندي كمية من أكياس الأرز وهو بمستودع لنا ويأتي إليّ أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عداً في محله فهل في هذه الطريقة إثم أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
ج: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا. الربا المغلظ الجامع بين التأخير والفضل، أي بين ربا الفضل وربا النسيئة، وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة. وأحياناً يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا من الدراهم، العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل، ثم يأتيان على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ الإسلام ابن تيمية: الحيلة الثلاثية، وهي بلا شك حيلة على الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، فهي حرام ومن كبائر الذنوب، وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه، بل إن التحايل عليه يزيده خبثاً ويزيده إثماً، ولهذا ذُكِرَ عن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين قال: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، وصدق رحمه الله، فإن المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلال. ]فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/382[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
س: ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي في مكانها وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكاً لها وقد قبضها لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم، لحكيم بن حزام: ”لا تبع ما ليس عندك“، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ”لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك“ رواه الخمسة بإسناد صحيح، وهكذا الذي يشتريها، ليس له بيعها حتى يقبضها أيضاً للحديثين المذكورين.
ولِمَا رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.] أبو داود 3/282، برقم 3499، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/668[.
وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ”لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبتاعون جزافاً – يعني الطعام – يُضْرَبون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم“ ] البخاري 3/30، برقم 2131[، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.] فتاوى إسلامية 2/383-384[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى:
س: أريد أن أشتري عشرة آلاف دولار أمريكي من شخص معين بسعر 40 ألف ريال سعودي، وسيكون التسديد على أقساط شهرية، كل قسط ألف ريال، وأريد أن أبيع هذه الدولارات في السوق بسعر 37.500 ألف ريال، فما الحكم في ذلك علماً بأنني محتاج لهذه النقود؟
ج: الحكم في هذا هو التحريم، فيحرم على الإنسان إذا صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إلا بعد قبض العوضين، وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض الثاني الذي هو قيمة الدولارات، وعلى هذا فيكون فاسداً وباطلاً، فإذا كان قد نفذ الآن فإن الواجب على هذا الذي أخذ الدولارات أن يسددها دولارات، ولا يجوز أن يبني على العقد الأول، لأنه فاسد، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق“.]فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/386، والحديث أخرجه البخاري برقم 456[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق
س: رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات، فيأتي إليه شخص معه ذهب مستعمل فيشتريه منه وتعرف قيمته بالريالات، وقبل دفع القيمة في المكان والزمان، يشتري منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهباً جديداً، وتعرف قيمته، ويدفع المشتري الباقي عليه، فهل هذا جائز أم أنه لا بد من تسليم قيمة الأول كاملة إلى البائع ثم يسلم البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو من غيرها؟
ج: في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب المستعمل، ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء يشتري ممن باع عليه ذهباً جديداً أو من غيره، وإن اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى لا يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس الربوي بجيده متفاضلاً، لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب (جيد) فقال: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: ”لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً“، ولأن المقاصة في مثل هذا البيع ولو كانت في زمان ومكان البيع، قد تؤدي إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، وذلك محرم، لما روى مسلم رحمه الله تعالى عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“. وفي رواية عن ابن سعيد: ”فمن زاد أو استزاد فقد أربا، الآخذ والمعطي سواء“.]فتاوى إسلامية 2/389، والحديث تقدم تخريجه ص34[.
اللجنة الدائمة
س: ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة ثم وَزَنَها وقال إن ثمنها 1500 ريال واشتريت منه حلي جديد بمبلغ 1800 ريال هل يجوز أن أدفع له 300 ريال فقط (الفرق) أم آخذ 1500 ريال ثم أعطيه 1800 ريال مجتمعة؟
ج: لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل سواء بسواء وزناً بوزن يداً بيد بنص النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة ولو اختلف نوع الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الاختلاف وهكذا الفضة بالفضة.
والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب بذهب، ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العمل الورقية ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته من الذهب بسعره من الفضة أو العملة الورقية يداً بيد؛ لأن العملة الورقية منزَّلة منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها.
أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود كالسيارات والأمتعة والسكر ونحو ذلك فلا حرج في التفرق قبل القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية والورقية وبين هذه الأشياء المذكورة وأشباهها.
ولا بد من إيضاح الأجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}.] سورة البقرة، الآية: 282[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
س: إنسان أخذ مني مصاغ ذهب، وثمن المصاغ ألف ريال، وقلت له لا يجوز إلا نقداً، وقال سلفني ألف ريال، وسلفته الألف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟
ج: لا يجوز لأنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين، عقد سلف وعقد بيع، وهو ممنوع أيضاً.] فتاوى إسلامية 2/390[.
اللجنة الدائمة
س: إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات من الذهب ولَمّا وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه لا يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه لا يجوز لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إلا جزء من القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثلاً وقال لي أترك الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل الدراهم وأستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه حتى يحضر لاستلامه أم يلزمني أن ألغني العقد وهو إن حضر فهو كسائر المشترين وإلا فلا شيء بيننا؟
ج: لا يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه حتى يأتي بالدراهم، بل لم يتم العقد تخلصاً من ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية الدراهم ابتدأتما عقداً جديداً يتم في مجلسه التقابض بينكما.] فتاوى إسلامية 2/353[.
اللجنة الدائمة
س: أنا من سكان الكويت، وعندنا شركات مساهمة خاصة بالأعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول، ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد عائلته، فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه الشركات.
ج: يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا، فإن كان تعاملها بالربا فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع، وكذلك لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأن عقود التأمين مشتملة على الغرر والجهالة والربا، والعقود المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرمة في الشريعة الإسلامية.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/392[.
اللجنة الدائمة
صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي الإسلامي الآتي نصه:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب عام 1406ه إلى يوم السبت 29 رجب 1406ه قد نظر في موضوع تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل عنها، وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيسي المجلس.
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع.
وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً.
وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي مستحيل؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد، ومما جاء في القرار كذلك أنه:
أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله عنه من التعامل بالربا أخذاً وعطاء، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور.
ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح إلى قيام المصارف الإسلامية بديلاً شرعياً للمصارف الربوية. ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل الأقطار الإسلامية وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.
ثالثًا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل والخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا.
خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم (مودع المال) لنفسه أو لأحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنما من باب التطهر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز الاستمرار في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/393[.
مجلة الدعوة، 1037
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها
س: ما الحكم الشرعي في كل من:
1 الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة.
2 المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟
3 الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟
4 الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟
5 صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟
ج: لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة؛ لأن كل ذلك من الربا الصريح.
ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ]البقرة: 275[. ويقول سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات} ] البقرة: 276[. ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ] البقرة: 278[. ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ]البقرة: 280[. ينبه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدين ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم.
أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ] المائدة: 2[.
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ”لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“. وقال: ”هم سواء“. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة، ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية.
نسأل الله أن يمنّ على الجميع بالهداية وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه.] فتاوى إسلامية، 2/397[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
س: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول فهل يجوز ذلك أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
ج: لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لِمَا في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله للضرورة، والله سبحانه يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ]الأنعام: 119[، ومتى وجد بنكاً إسلاميّاً أو محلاًّ أميناً ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه لم يجز له الإيداع في البنك الربوي.] فتاوى إسلامية، 2/397[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك:
س: ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث يصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟
ج: لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها لكونها بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء لقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}]المائدة: 2[.
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ”لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ رواه الإمام مسلم في صحيحه] مسلم 3/1218 برقم 1597[، وليس لك إلا رأس مالك.
ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية، والتحذير منها، والتوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك، لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} ]البقرة: 275، 276[. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}]البقرة: 278، 279[.ولِمَا تقدّم من الحديث الشريف ]فتاوى إسلامية، 2/399-400[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
س: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
ج: لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه، أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال بل ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”لعن آكل الربا وموكله وشاهديه“ وكاتبه وقال: ”هم سواء“]مسلم 3/1218 برقم 1597[] فتاوى إسلامية 2/401[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
س: بعض البنوك تعطي أرباحاً بالمبالغ التي توضع لديها من قبل المودعين، ونحن لا ندري حكم هذه الفوائد هل هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة الإسلامية؟
ج: أولاً: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا. ولا يحلّ له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربوية، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق عامة ونحو ذلك.
ثانياً: يبحث عن محل لا يتعامل بالربا ولو دكاناً ويوضع المبلغ فيه على طريق التجارة، مضاربة، على أن يكون ذلك جزءاً مشاعاً معلوماً من الربح كالثلث مثلاً، أو بوضع المبلغ فيه أمانة بدون فائدة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]فتاوى إسلامية 2/404[.
اللجنة الدائمة
س: المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟
ج: يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره، لأنه ربا وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]فتاوى إسلامية 2/412[.
اللجنة الدائمة
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى:
س: أقرضني أخي في الله (حسن. م) ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقداً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض – وهي سنة – ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته.
فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا؟ لا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا؟
ج: ليس للمقرض (حسن. م) سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن خيار الناس أحسنهم قضاء“. رواه مسلم في صحيحه ]مسلم برقم 1600[، وأخرجه البخاري بلفظ: ”إن من خيار الناس أحسنهم قضاء“.]البخاري برقم 2306[.
أما العقد المذكور فلا عمل عليه ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلّت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً.]فتاوى إسلامية 2/414[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
س: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500 جنيه مصري، وقد أرسلت له مبلغ 2000 دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً، ويرغب حالياً في سداد الدين، علماً بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حالياً 1800 دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800 جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300 جنيه مصري)؟
ج: الواجب أن يردّ عليك ما اقترضته دولارات، لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء“]أبو داود 3/250، برقم 3345، والنسائي في كتاب البيوع، الباب رقم 50، 52[، فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به.]فتاوي إسلامية 2/414-415[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة:
س: رجل اقترض مالاً من رجل لكن المقرض اشترط أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ، يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها، والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يرجع المدين المال كاملاً كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده، ما حكم الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟
ج: إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه، وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}]البقرة: 195[. فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب، وبالنسبة للمقترض جائز مباح.
وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استسلف من رجل بَكراً وردّ خيراً منه، وإذا كان هذا العقد أي القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحول إلى عقد معاوضة وربح، أعني الربح المادي الدنيوي؛ لأنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع والمعاوضات، ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر: بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة، أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض، فإنه في الصورتين يكون بيعاً حراماً ورباً، لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لتغليب جانب الإرفاق.
وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد خرج بالقرض عن موضوع الإرفاق فيكون حراماً.
والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا، وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضاً ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع؛ لأن ذلك جر منفعة إلى المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان.]فتاوى إسلامية 2/415-416[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وبعد..
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام، والمقيد برقم 1100 في 28/7/1400ه ونصّه:
لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك، حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامناً حسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد) وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه، ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع)، فوقعنا في حيرة من أمرنا، وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترناً بالأدلة الشرعية، فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لِمَا بلغنا عنكم من العلم والتقوى والورع، لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترناً بالأدلة الشرعية، هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان؟
وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضدّ الحوادث، والتأمين على الحياة، وما رأي الشرع في مثل هذه العقود؟
وأجابت بما يلي:
أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز؛ لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة، والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثانياً: التأمين التجاري حرام لِمَا يأتي:
1 عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش، لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً، وذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم النهي عن بيع الغرر ]أخرجه مسلم برقم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه[. رواه مسلم.
2 عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة، لِمَا فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}]المائدة:90[.
3 عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما محرّم بالنّصّ والإجماع.
4 عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلّى الله عليه وسلّم رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل“. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ابن حبان.
وليس التأمين من ذلك ولا شبيهاً به فكان محرماً.
5 عقد التأمين في أخذ مال الغير بلا مقابل هو أخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرّم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.
6 في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن، على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية، مع العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتاباً مناسباً في الموضوع نرشدكم إليه.
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة لا يجوز لأدلة، منها:
1 فيه ربا؛ لأن الفائدة تعطى في بعض أنواعه – وهو التأمين على الحياة – لأنها تتضمن التزام المؤمن بأن يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافاً إلى ذلك فائدته الربوية، فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ الكثير.
2 التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل.
3 يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لأنه عقد معلق على خطر، فتارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنىً.
4 التأمين فيه غرر وجهالة.
5 التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام، وذلك أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الآخر الخسائر التي حصلت، ويترتب على ذلك نزاع ومشاكل، ومرافعات قضائية.
6 لا ضرورة تدعو إلى التأمين، فقد شرع الله الصدقات في الإسلام، وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين والغارمين، والحكومة الإسلامية مسؤولة عن رعاياها.
الباب الخامس
أضرار الربا
أ- من أضرار الربا الخلقية والاجتماعية:
· ظلم صاحب المال المقرض للمقترض, فإن أخذ الربا ظلم بنص القرآن الكريم, مهما كانت حالة المقترض أو جنسه أو دينه, قال الله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).
· إن الربا يطبع نفوس المرابين بطابع الأثرة والأنانية, وعبادة المال والتكالب على جمعه, ويقتل في نفوسهم الشفقة والرحمة للفقراء والمحتاجين.
· إن الربا يؤدي إلى عدم وجود القرض الحسن بين أفراد المجتمع, مما يسيء إلى روح التعاون بين أفراده, وبالتالي يسيء إلى الروابط والعلاقات العائلية والاجتماعية, فتصبح العلاقة بين الناس علاقة مادية بحتة, وليست علاقة إنسانية تعاونية.
ب – من أضرار الربا الاقتصادية:
· يزيد فقر المقترضين الفقراء فقراً إلى فقرهم, وهلاكاً إلى هلاكهم, فكل فقير يقع في شرك المرابين لا يكاد يتخلص من الدين طوال حياته, وقد ينتقل الدين إلى ورثته, وقد يؤدي به الدين إلى بيع بيته الذي يؤويه مع عياله , فتصبح حالته المادية أسوأ مما كانت عليه قبل القرض.
· يجعل المال متداولا بين طائفة خاصة من المجتمع, ويقسم المجتمع إلى طبقات, طبقة أغنياء مرفهين منعمين, وطبقة عاملين كادحين منتجين, وطبقة فقراء محرومين.
· إن تسهيل القروض الاستهلاكية بفائدة من قبل البنوك شجع الكثيرين على الإسراف وعدم الادخار, لأن المسرف إذا كان يرى من يقرضه بالفائدة في أي وقت فإنه لا يراعي عن الإنفاق على شهواته ورفاهيته ولا يحسب حساب المستقبل ليدخر في حاضره ما يحتاج إليه في قابله.
ج - أضرار الربا الإنتاجي:
· غلاء أسعار السلع التي ينتجها المقرض, إذ يضيف المنتج أو المستورد فائدة القرض إلى رأس مال السلعة التي يشتريها المستهلكون, فكأن المجتمع لا المنتج ولا المستورد هو الذي يدفع الفائدة الربوية, فالظلم في القرض الإنتاجي أشمل وأعم من القرض الاستهلاكي.
· إذا تقلصت دورة الرخاء, أو إذا نقص الطلب على السلعة المنتجة بسبب ارتفاع ثمنها نتيجة لإضافة الفائدة الربوية يبقى فائض من المنتجات بغير تصريف, وهذا الفائض له عواقبه الوخيمة, إذ قد يؤدي إلى تخفيض أجر العمال أو الاستغناء عن بعضهم.
· يمنع الأغنياء من الاشتغال بالمكاسب, وذلك لأن صاحب المال إذا تمكن بواسطة وضع ماله في البنوك من الحصول على الفائدة الربوية, لم يغامر في تجارة أو صناعة, فيعيش عالة على غيره.
والمجتمع الصالح هو الذي يكون كل فرد من أفراده عضواً عاملاً منتجاً فيه.
الباب السادس
عقوبات المتعاملين بالربا
والعقوبات الفردية منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في الآخرة.
أما العقوبات الجماعية, فإن انتشار التعامل بالربا يف المجتمع بين أعداد كبيرة من أفراده وبناء اقتصاد البلد على الربا يجر على المجتمع الويلات لأن أهله قد عرضوا أنفسهم لحرب من الله ورسوله, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)]البقرة: 278، 279[.
فالمجتمع الذي يتعامل أهله بالربا مجتمع مغضوب عليه من قبل الله عز وجل وتظهر ثمار الغضب الرباني فيه بصور متعددة كارتفاع الأسعار, وانتشار الفقر ومحق البركة من المال,وتسليط الأعداء, وتفشي الجرائم كالسرقة والقتل, وضعف الثقة والاضطراب,وعدم الاستقرار المعيشي والنفسي وانقطاع المعروف بين الناس فلا يقرض أحد أحداً ولا يواسيه إلا بالربا وغير ذلك.
أما العقوبات الفردية, فبالإضافة إلى ما يلحق الفرد من آثار العقوبات الجماعية بصفته أحد أفراد المجتمع فإن من يتعامل بالربا يعاقب عقوبات خاصة وهي على نوعين: عقوبات دنيوية وعقوبات أخروية.
أما العقوبات الدنيوية فأهمها:
· محق المال : فإن المال الربوي وإن كثر فإن مصيره إلى الزوال والفناء, وإن مآل أصحابه الفقر والذل. لقوله تبارك وتعالى: (يمحق الله الربا).
· نكد العيش المتمثل بعدم الاستقرار النفسي والاضطراب الأسري وتعثر أسباب الكسب من التجارة أو الصناعة أو الزراعة.
· إن من يتعامل بالربا مرتكب كبير وهو في نظر الشرع الشريف فاسق, ساقط العدالة, وقد يؤدي أكل الربا والتعامل به إلى كفر صاحبه إن استحله أو سوء الخاتمة إن هو واظب على أكله ولم يتب.
وأما العقوبات الأخروية فأهمها:
· الفضيحة والخزي يوم القيامة, فإن من يأكل الربا يبعث يوم القيامة وقد انتفخ بطنه لا يستطيع أن يمشي مع الناس إلى أرض المحشر لثقل بطنه فهو يمشي لكنه كلما قام سقط. فيجمع الله عليه عذابين عذاب السقوط على الأرض, وعذاب لفح النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر. قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ]البقرة: 275، 276[.
· العذاب في جنهم, لأن من يتعامل بالربا مرتكب كبير من الكبائر وعليه من الإثم ما يستحق بسببه الدخول في جهنم وأخذ نصيبه من العذاب. (وذلك إن لم يتب قبل موته وتحسن توبته).قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون, واتقوا النار التي أعدت للكافرين).
وهو من السبع الموبقات, والمتعامل به ملعون من قبل الله تبارك وتعالى كما تقدم.
ولما روي: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه), (الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام).
الخاتمة والنتائج
أما بالنسبة لهذا البحث المتواضع فقد بذلت فيه جهداً طيباً إن شاء الله تعالى، ومن نتائج هذا البحث استعراض بعض المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حرّم الله تعالى عليه ومنها:
1 الوقوف على الأدلة القطعية في تحريم الربا، وأن من خالف هذه النصوص فقد أذن الله بمحاربته سبحانه وتعالى، ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟
2 ذكر موقف اليهود من الربا عندما حرمه الله عليهم، فاحتالوا بشتى الحيل، حتى أكلوا الربا مجاهرة، وخداعاً لله، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.
3 الوقوف على عادات الجاهلية قبل الإسلام، وأنهم كانوا في حالة يرثى لها، من تكالب على المال، ولو كان طريقه محرماً وضارّاً. كما وقفنا على فساد عقولهم، وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها.
4 إن الإسلام عندما حرّم الربا فإنه لم يترك البشرية بدون تعويض عنه، بل أحلّ البيع، وجميع أنواع المضاربات المشروعة، التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، والبركة، والسعادة.
5 إن آكل الربا ملعون، ومطرود من رحمة ربه تعالى، كما دلّت على ذلك السنة الصحيحة.
6 الوقوف على أنواع الربا، وأنه ينقسم إلى قسمين: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكلاهما محرّم بالكتاب والسنة والإجماع.
7 جواز بيع الحيوان بالحيوان، وجواز التفاضل، والنساء في الطعام غير المكيل، والموزون، وغير الذهب والفضة.
8 عدم جواز الدين في الصرف، بل لا بد من المقابضة الحالة بين المتصارفين، وكذلك بيع الذهب بالفضة ديناً أو الفضة بالذهب ديناً إلى أجل.. وهذا أمر لا يجوز لوجود الأدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك.
9 عدم جواز بيع ما يسمى (بمد عجوة) وهذا الاسم معروف عند الفقهاء.
10 بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة، وقد وقع فيه أكثر أهل هذا العصر، إلا من عصم الله.
11 استعراض بعض النصوص التي تأمر بالابتعاد عن الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، وأن الجسد كله تابع للقلب؛ فبصلاح القلب تصلح جميع الأعضاء وبفساده تفسد كلها.
12 الوقوف على مضار الربا وآثاره، ومفاسده، وأنه لا صلاح ولا سعادة ونجاة ولا خلاص إلا باتباع المنهج الإسلامي في جميع شئون الحياة.
13 تحذير المسلمين من المعاملة بالربا، أو إيداع الفائض من أموالهم في بنوك دول الكفر، التي تستفيد من هذا الفائض، أو تستخدمه ضدّ المسلمين.
14 تبيين بعض محاسن الإسلام، وأنه دين السعادة، والهداية ودين الرحمة والعطف، والتراحم بين المسلمين، وقد مثلتهم السنة في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً“]البخاري 1/122، برقم 481، ومسلم 4/1999، برقم 2585[فهذا فضل عظيم امتن الله به على المسلمين المخلصين الصادقين في إسلامهم.
15 ذكر أسباب تحريم الربا، وأن الله عز وجل له الحكمة البالغة، ومعرفة الحكمة من الأحكام الشرعية لسنا ملزمين بمعرفتها ولله الحمد. فإن عرفنا الحكمة في بعض الأمور فزيادة علم وخير، وإن لم نعرف عملنا بما أمرنا ربنا، وانتهينا عمّا نهانا سبحانه ونقول: سمعنا وأطعنا، وربنا هو الحكيم فيما شرع، الخبير بذلك سبحانه وتعالى.
16 بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية.
17 عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل.
18 بيان حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد ودفع الفرق وأنه لا يجوز.
19 عدم جواز التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
20 عدم جواز بيع أسهم البنوك ولا شرائها، لأنها بيع نقود بنقود.
21 عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة.
22 تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة، لما في ذلك من الغرر، والجهالة، وأكل أموال الناس بالباطل.
وختاماً أسأل الله العلي العظيم أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن يزيد من قرأ هذا الكتاب، أو نشره، أو طبعه، علماً وهدى، وتوفيقاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا جهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تعليقات
إرسال تعليق