معركة وادي المخازن معركة صليبية أوروبيَّة جرت فوق أرض عربية مغربيَّة، هددت كيان الأشراف السَّعديين في الصَّميم، بقاء أو فناء.
احتل البرتغاليون سبته، فأغراهم ذلك باحتلال المغرب العربي كلَّه، لينفذوا من خلاله إلى الصحراء الكبرى بسهولة، وبالتالي إلى قلب القارة الإفريقية البكر، ولتحقيق هذه الآمال، حشدت أُوربا برعاية الفاتيكان جيشًا، ضمَّ البرتغالي والإسباني والألماني والإيطالي، وسار بقيادة ملك البرتغال الشاب، ونزل على الأرض المغربيَّة، واتجه إلى نهر وادي المخازن قرب القصر الكبير، يحمل صليبًا، يريد رفعه فوق أرض اصطبغت بالإسلام إلى الأبد، منذ موسى بن نصير، وطارق بن زياد، وعقبة بن نافع.
جاء الأوروبيون ونفوسهم شحنت حقدًا، وقلوبهم ملئت تعصُّبًا، يرون أن السماء لن تفتح أبوابها إلا لمن آمن بيسوع ربًّا مصلوبًا. وعلى الرغم من أن المغاربة المسلمين واجهوا في معركة وادي المخازن، أعظم إمبراطورية على وجه الأرض بلا منازع آنذاك، مع دعم أوروبي كبير، إلاّ أن النصر كان إلى جانبهم، فوضعوا بذلك حدًا فاصلاً لأطماع أوربا الصَّليبية بديار الإسلام، وأوقفوا موجات الزَّّحف الصَّليبي.
سبب المعركة
تربع (سبستيان) عام 1557م على عرش إمبراطورية البرتغال التي يمتد نفوذها على سواحل إفريقية وآسية وأمريكية، فتطلع إلى استخلاص الأماكن المقدسة المسيحية في المشرق من يد المسلمين، فاتصل بخاله ملك أسبانيا فيليب الثاني ملك إسبانيا يدعوه للمشاركة بجزء_من صليبية جديدة على المغرب العربي كي لا تعيد الدولة السعدية بمعاونة العثمانيين الكرّة على الأندلس.
وكان من حكامهم محمد المتوكل على الله وكان فظاً مستبداً ظالماً قتل اثنين من إخوته عند وصوله إلى الحكم، وأمر بسجن آخر، فكرهته الرعية، فرأى عمه عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه، فأضمر المتوكل الفتك بعميه عبد الملك وأحمد ففرا منه مستنجدين بالعثمانيين، الذين كتبوا إلى واليهم على الجزائر ليبعث مع عبد الملك خمسة آلاف من عسكر الترك يدخلون معه أرض المغرب الأقصى ليعيدوا له الحكم الذي سلبه منه المتوكل.
وعندما دخل عبد الملك المغرب مع الأتراك، انتصر في معركة قرب مدينة فاس، وفر المتوكل من المعركة، ودخل عبد الملك فاس سنة 983هـ وولى عليها أخاه أحمد، ثم ضم مراكش، ففر المتوكل إلى جبال السوس، فلاحقته جيوش عمه حتى فر إلى سبتة، ثم دخل طنجة مستصرخاً بملك البرتغال سبستيان، بعد أن رفض ملك أسبانيا معونته.
أراد ملك البرتغال الشاب محو ما وصم به عرش البرتغال خلال فترة حكم أبيه من الضعف والتخاذل، كما أراد أن يعلي شأنه بين ملوك أوروبا فجاءته الفرصة باستنصار المتوكل به على عميه وبن جلدته، مقابل أن يتنازل له عن جميع شواطئ المغرب.
استعان سبستيان بخاله ملك أسبانيا فوعده أن يمده بالمراكب والعساكر ما يملك به مدينة العرائش لأنه يعتقد أنها تعدل *سائر مراسي المغرب، ثم أمده بعشرين ألفاً من عسكر الأسبان، وكان سبستيان قد عبأ معه اثني عشر ألفاً من البرتغال، كما أرسل إليه الايطاليون ثلاثة آلاف، ومثلها من الألمان وغيرهم عددا ًكثيراً، وبعث إليه البابا بأربعة آلاف أخرى، وبألف وخمس مائة من الخيل، واثني عشر مدفعا ً، وجمع سبستيان نحو ألف مركب ليحمل هذه الجموع إلى العدوة المغربية. وقد حذر ملك أسبانيا ابن أخته عاقبة التوغل في أرض المغرب ولكنه لم يلتفت لذلك.
مسيرة الجيشين إلى وادي المخازن
الجيش البرتغالي : أبحرت السفن الصليبية من ميناء لشبونة باتجاه المغرب يوم 24 يونيو 1578م، وأقامت في لاكوس بضعة أيام، ثم توجهت إلى قادس وأقامت أسبوعاً كاملاً، ثم رست بطنجة، وفيها لقي سبستيان حليفه المتوكل، ثم تابعت السفن سيرها إلى أصيلا، وأقام سبستيان بطنجة يوماً واحداً، ثم لحق بجيشه.
الجيش المغربي : كانت الصرخة في كل أنحاء المغرب : (أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله)
فتجمعت الجموع الشعبية وتشوقت للنصر أو الشهادة، وكتب عبد الملك من مراكش إلى سبستيان:
(إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك، وجوازك العدوة، فإن ثبت إلى أن نقدم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع، وإلا فأنت كلب بن كلب)
فلما بلغه الكتاب غضب واستشار أصحابه فأشاروا عليه أن يتقدم، ويملك تطاوين والعرائش والقصر، ويجمع ما فيها من العدة ويتقوى بما فيها من الذخائر، ولكن سبستيان تريث رغم إشارة رجاله، وكتب عبد الملك إلى أخيه أحمد أن يخرج بجند فاس وما حولها ويتهيأ للقتال، وهكذا سار أهل مراكش وجنوبي المغرب بقيادة عبد الملك وسار أخوه أحمد بأهل فاس وما حولها، وكان اللقاء قرب محلة القصر الكبير.
قوى الطرفين :
الجيش البرتغالي : 125000 مقاتل وما يلزمهم من المعدات، وأقل ما قيل في عددهم ثمانون ألفاً، وكان منهم 20000 أسباني ،3000 ألماني، 7000 إيطالي، مع ألوف الخيل، وأكثر من أربعين مدفعاً، بقيادة الملك الشاب سبستيان، وكان معهم المتوكل بشرذمة تتراوح ما بين 300-6000على الأكثر.
الجيش المغربي : بقيادة عبد الملك المعتصم بالله، المغاربة المسلمون 40000مجاهد، يملكون تفوقاً في الخيل، مدافعهم أربعة وثلاثون مدفعاً فقط، لكن معنوياتهم عالية ؛ لأنهم غلبوا البرتغاليين من قبل وانتزعوا منهم ثغوراً، وهم يعلمون أن نتيجة المعركة يتوقف عليها مصير بلادهم، ولأن القوى الشعبية كانت موجودة في المعركة وكان لها أثرها في شحذ الهمم ورفع المعنويات متمثلة في الشيوخ والعلماء.
قبيل المعركة
اختار عبد الملك القصر الكبير مقراً لقيادته، وخصص من يراقب سبستيان وجيشه بدقة، ثم كتب إلى سبستيان مستدرجاً له : (إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي) فنصحه المتوكل ورجاله أن لا يترك أصيلة الساحلية ليبقى على اتصال بالمؤن والعتاد والبحر، ولكنه رفض النصيحة فتحرك قاصدا ًا لقصر الكبير حتى وصل جسر وادي المخازن حيث خيم قبالة الجيش المغربي، وفي جنح الليل أر عبد الملك أخاه أحمد المنصور في كتيبة من الجيش أن ينسف قنطرة جسر وادي المخازن، فالوادي لا معبر له سوى هذه القنطرة.
وتواجه الجيشان بالمدفعيتين، وبعدهما الرماة المشاة، وعلى المجنبتين الفرسان، ولدى الجيش المسلم قوى شعبية متطوعة بالإضافة لكوكبة احتياطية من الفرسان ستنقض في الوقت المناسب.
المعركة
في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ الموافق 4 أغسطس 1578م وقف السلطان عبد الملك يحرض الجيش على القتال، ولم يأل القسس والرهبان جهداً في إثارة حماس جند أوروبا مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحروب.
وانطلقت عشرات الطلقات النارية من الطرفين كليهما إيذاناً ببدء المعركة، وبرغم تدهور صحة السلطان عبد الملك الذي رافقه المرض وهو في طريقه من مراكش إلى القصر الكبير خرج بنفسه ليرد الهجوم الأول، ولكن المرض غالبه فغلبه فعاد إلى محفته، وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ومات وهو واضع سبابته على فمه مشيراً أن يكتموا الأمر حتى يتم النصر، ولا يضطربوا، وكذلك كان فلم يطلع على وفاته إلا حاجبه وأخوه أحمد المنصور، وصار حاجبه يقول للجند : (السلطان يأمر فلاناً أن يذهب إلى موضع كذا، وفلاناً أن يلزم الراية، وفلاناً يتقدم، وفلاناً يتأخر)، وفي رواية : إن المتوكل دس السم لعمه عبد الملك قبل اللقاء ليموت في المعركة فتقنع الفتنة في معسكر المغاربة.
ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وأوقدت النار في بارود البرتغاليين، واتجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم أيضاً فلم يقف البرتغاليون لقوة الصدمة، فتهالك قسم منهم صرعى، وولى الباقون الأدبار قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن، فإذا هي أثر بعد عين، نسفها المسلمون، فارتموا بالنهر، فغرق من غرق، وأسر من أسر، وقتل من قتل.
وصرع سبستيان وألوف من حوله بعد أن أبدى صموداً وشجاعة تذكر، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن، ووجدت جثته طافية على الماء، فسلخ وملئ تبناً وطيف به في أرجاء المغرب حتى تمزق وتفسخ.
دامت المعركة أربع ساعات وثلث الساعة، ، بل لمعنويات عالية، ونفوس شعرت بالمسؤولية، ولخطة مدروسة مقررة محكمة.
معركة الملوك الثلاثة
وتنجلي المعركة عن نصر خالد في تاريخ الإسلام، لقي في هذه المعركة ثلاثة ملوك حتفهم هم عبد المالك وسباستيان والمتوكل؛ ولذا عرفت بمعركة الملوك الثلاثة، وفقدت البرتغال في هذه الساعات ملكها وجيشها ورجال دولتها، ولم يبق من العائلة المالكة إلا شخص واحد، فاستغل فيليب الثاني ملك أسبانيا الفرصة وضم البرتغال إلى تاجه سنة (988هـ= 1580م)، وورث أحمد المنصور العرش السعدي في فاس.
أسباب النصر
- آلام المسلمين من سقوط غر ناطة وضياع الأندلس ومحاكم التفتيش جراح لم تندمل بعد، وهي ماثلة أمامهم.
- الخطة المحكمة المرسومة بدقة، واستدراج الخصم لميدان تجول فيه الخيول وتصول، مع قطع طرق تموينه وإمداده، ثم نسف القنطرة الوحيدة على نهر وادي المخازن.
- المشاركة الفعالة للقوى الشعبية بقيادة العلماء والشيوخ، مليئة بالإيمان وحب الشهادة وبروح عالية لتحقيق النصر حتى قاتل البعض بالمناجل والعصي.
- تفوق المدفعية المغربية على مدفعية الجيش البرتغالي مع مهارة في التصويب والدقة.
- وكانت خيل المسلمين أكثر من خيل النصارى ويلائمها السهل الذي انتقاه السلطان للمعركة.
- وكان سبستيان في جانب ومستشاروه وكبار رجالاته في جانب آخر.
نتائج المعركةبعد موت سباستيان ملك البرتغال ضم الإسبان البرتغال لبلادهم، وبدأ البرتغاليون يقولون أن سباستيان لم يمت وسيعود للحكم وستستقل البرتغال، وتحول أمل عودته لظاهرة مرضية اسمها السباستيانيزم، ومع مر السنين بدأ المحتالون يأتون للبرتغال من كل الأنحاء الكل يقول أنا سباستيان. من ناحية أخرى تأكدت لمغرب هيبته الدولية، وأصبحت القوى الأوروبية والأجنبية تخشى المواجهة المباشرة مع الجيش المغربي لقرون عدة حافظ فيها المغرب على استقلاله إلى غاية معركة لالة مغنية المعركة تُسمى معركة إيسلي التي وقعت سنة 1844 والتي إنهزم فيها جيش مولاى عبد الرحمن السلطان المغربي آنذاك أمام الجيش الفرنسي بقيادة الماريشال بوجو التي حاول فيها المغرب تحرير [الجزائر] من الاستعمار الفرنسي وإنهزم فيها الجيش المغربي مما أدى إلى فرض معاهدة الحماية عليه سنة 1912م.
تعليقات
إرسال تعليق