الإشهار و دو ره على المستهلك

الإشهار و الحق في الإختيار
إن تعدد السلع والخدمات الذي تتميز به الأسواق في نظام الاقتصاد الحر لا يمنح للمستهلك حرية حقيقية لاختيار السلعة أو الخدمة المناسبة والملاءمة كما قد يبدو ظاهريا . ومرد ذلك راجع إلى الإشهارات القوية وغير الموضوعية التي تصاحب عرض تلك السلع والخدمات في الأسواق ، والتي تمارس ضغطا قويا على إرادة المستهلك وتسلب منه القدرة على التروي والتفكير ، كما تحجب عنه المعلومات والمعطيات الحقيقية عن جوهر المادة أو الخدمة .
وهكذا ترى المستهلك يندفع بفعل قوة الإشهار كما هو ممارس في مجتمعات اليوم لاستهلاك مادة من المواد أو خدمة من الخدمات، متوهما احتياجه لها وضرورته إليها ، وواثقا في قدراته المالية لاقتنائها ، فإذا به يكتشف بعد حين زيف ما توهم وخلاف ما صور له ، لأن تلك المادة أو الخدمة التي صورت له ضرورية ليست كذلك وأنه بإمكانه الاستغناء عنها، وأن العديد من الخصائص المعلنه في إشهارها لا تتوفر حقيقة في المادة أو الخدمة المستهلكة ، أو يمكن أن تتوفر بعد الزيادة في الأداء أو بشروط أخرى لم تعلن في الإشهار أو أعلنت في مكان من الإعلان لا يكاد يرى أو بخط لا يكاد يقرأ ولو باستعمال المجهر ، أو قيلت أو صورت بطريقة لا تسمح بالانتباه إليها والوقوف عندها .
إن أهم الخصائص وأعقد الشروط والمصاريف الحقيقة والكاملة لاتذكر في الإشهارات والإعلانات . وهذه مسألة خطيرة من شأنها أن تضلل المستهلك وتحجب عنه المعلومات والمعطيات الرئيسة التي تحيط بعملية التعاقد من أجل الاستهلاك . مما يجعل المستهلك في حاجة إلى مستشار قانوني متمرس يجلس بجانبه أثناء التفاوض المؤدي إلى هذا التعاقد!
إن إجراء الإشهار بهذه الأساليب يؤثر على إرادة المستهلك واختياره ، فتأتي إرادته مشوبة بكل عيوب الإرادة من غلط وتدليس وغبن وإكراه ..
إن العديد من المواد أو الخدمات التي نأتي إليها بعد مرورنا بإشهار لها نفاجأ أثناء التعاقد بشأنها أو بداية الاستفادة منها بالعديد من الشروط المجحفة أو العلاوات والزيادات غير المتوقعة في الثمن القابل لها . وهذا كله راجع إلى الطرق التي يجري بها الإشهار والأساليب التي يوظفها ، ليس من أجل التعريف الموضوعي بالمادة أو بالخدمة ، وإنما فقط من أجل الدفع بالمستهلك إلى مجرد الاستهلاك وحثه على الشراء !
ومن الناحية القانونية يعرف موضوع الإشهار في علاقته بحماية المستهلك فراغا تشريعيا واضحا ، حاول مشروع قانون حماية المستهلك أن يسد بعض جوانبه في بابه الرابع المخصص لـ "ممارسات تجارية " حيث عنون الفرع الأول من هذا الباب بـ "الإشهار " . وفي هذا السياق اعتبر الفصل 18 من المشروع ممنوعا كل إشهار قام بأية طريقة من الطرق بتغليط الأشخاص الذين يتوجه إليهم ، وأدى هذا التغليط إلى التأثير على سلوكهم . غير أن هذا الفصل لم يبين كيفية إعمال مسؤولية القائم على هذا الإشهار التغليطي ونطاق مسؤوليته وطبيعتها ، ثم وهذا الأهم كيفية مساعدة الأشخاص الذين وقعوا ضحية هذا الإشهار التغليطي ، خاصة وأن الأمر يتعلق بمشروع قانون لحماية المستهلك وليس بمدونة للتجارة أو قانون للأعمال . ثم إن المشروع لم يفصل في الأساليب الممارسة حاليا في العديد من الإشهارات ولم يفرض قواعد وأخلاقيات واضحة ومحددة يعمل بها في هذا المجال . ثم انتقل المشروع في الفصل 19 إلى نوع خاص من وهو الإشهار المقاِرن . وعرفه بأنه كل إشهار يجري مقارنة بين مواد أو خدمات ، إما بذكر أو بتمثيل علامة الصنع أو العلامة التجارية أو الخدماتية للغير ، وإما بذكر أو تمثيل الاسم التجاري أو السمة التجارية للغير . ولا يسمح بهذا النوع من الإشهار إلا إذا كان قانونيا وحقيقيا ولا يوقع المستهلك في الغلط . ويتعين أن ينحصر هذا الإشهار في مقارنة موضوعية لا ترد إلا على الخصائص الرئيسة والمتحقق منها للمواد والخدمات من نفس الطبيعة والمتوفرة في السوق . ولا ينبغي للإشهار المقارن أن يرتكز على آراء وتقديرات فردية أو جماعية . كما لا ينبغي للإعلانات الإشهارية من هذا النوع أن تنتقد بسوء نية العلامات الأخرى أو توقع في خلط بينها (الفصل 20) .
وفي انتظار خروج مشروع قانون حماية المستهلك هذا إلى حيز التطبيق ، وغياب أدوات قانونية آنية فعالة لحماية المستهلك من الإشهار التغليطي والتضليلي يبقى دور جمعيات حماية المستهلك فعالا في التقليل من مضار هذا الإشهار . وذلك عن طريق توعية وتبصير المستهلكين وتزويدهم بالمعطيات الصحيحة والموضوعية , حتى
يأتي سلوك المستهلك وقراره الاستهلاكي سليما وملائما لحاجياته وقدراته . فالغاية المنشودة هنا هي العمل على ملاءمة السلوك الاستهلاكي للأفراد والأسر للحاجيات والقدرات . كما يتمثل دور جمعيات حماية المستهلك
في هذا الإطار في معاونة الأفراد على ولوج السبل القضائية في مواجهة كل إشهار لم يحترم الشروط القانونية وأوقع المستهلك في غلط دفعه إلى التعاقد .
وأخيرا ينبغي إعطاء الحق لجمعيات حماية المستهلك في إشهار ما تراه مناسبا لتوعية المستهلك وإعلان ما تراه مفيدا له في صحته وجيبه .

الاستعمال التعسفي للإشهـار : الإشهار الكاذب
في المغرب وفي غياب نص خاص , تظل بعض مقتضيات القانون الجنائي , والفصل 10 من قانون زجر الغش ل1984.
أما على مستوى القانون الفرنسي فحسب قانون 1973 فإن الإشهار الكاذب يعتبر جنحة، ولتحققه يلزم توفر عنصرين :
· وجود إشهار : أيا كان نوعه أو الوسيلة المستعملة (جرائد ,تلفاز. . . ) أو المشهر أو الجمهور الموجه إليهم .
· أن يكون هذا الإشهار كاذبا.
وهنا يأتي الفصل 1 – 121 ليعاقب ليس فقط الإشهار المكذوب صراحة . أي ذلك الذي يخالف شكله حقيقة , مثلا : إشهار سلعة بخصائص معينة في حين يفاجأ المستهلك بسلعة أخرى , بل و الإشهار الذي هو في جزء منه حقيقي , إلا انه من شأنه أن يضلل اختيار المستهلك , ويجعله يتعاقد عن جهالة و غلط .
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الاجتهاد القضائي الفرنسي يأخذ بعين الرحمة و الاعتدال , الإشهار المبالغ فيه , ما دام أنه لا يتلاعب برضا المستهلكين , وليس من شأنه أن يؤدي بهم إلى الخطأ في التقدير , إذ يمكن في هذه الحالة اعتباره تدليس مقبول تقتضيه الحاجات التجارية .
ويطرح التساؤل الآتي : كيف يمكن الحكم على إشهار معين أنه يوقع المستهلك في الغلط ؟ أيجب الرجوع في هذه الحالة إلى المعيار التقليدي " أب الأسرة الصالح " لقياس مدى قدرة المتلقي على مقاومة الإشهار , حسب الفقيه : ( ) , اعتبار المستهلك كاب أسرة عاقل من شانه أن يفرغ قانون الاستهلاك من ماهيته الحمائية لأن المستهلك أضعف من ذلك , فهو بحكم جهله غير قادر أن يحل شفرة الإشهار , وما يحمل في طيا ته من خديعة وكذب لذلك حسب الكاتب , يجب الرجوع إلى نمط " المستهلك الوسطي " حسب نوع الفئة المخاطبة .

الحماية القانونية ضد الإشهار في عقود الاستهلاك من خلال مقتضيات مقترح القانون المتعلق بإخبار وحماية المستهلك :ينظم المقترح قانون المغربي لحماية المستهلك قواعد الإشهار في الفصول 15,16,17,18,19 . هذه النصوص تكرس مسؤولية المهني المدنية و الجنائية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها