المقاومة المغربية موحا أوحمو الزياني

يعد موحا أوحمو الزياني من أهم أبطال المقاومة في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر إلى جانب محمد الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي وعسو أبسلام؛ لما أظهره من بسالة بادية للعيان في تاريخ القرن العشرين، وشجاعة قل نظيرها في العديد من الحروب الحامية الوطيس و المعارك المظفرة التي سحق فيها الغزاة سحقا شديدا وأذاقهم فيها هزائم نكراء.
وقد اشتهر موحا أو حمو الزياني بنضاله المستميت في المعركة الشهيرة التي أباد فيها الكثير من قوات الجيش الفرنسي في الأطلس المتوسط قرب مدينة خنيفرة، وتسمى هذه الواقعة بمعركة لهري التي وقعت سنة 1914م، بعد أن حاصر الفرنسيون مخيم قائد قبائل زيان من جميع النواحي قصد القضاء عليه بصفة نهائية. وقد سببت مناوشات موحا أوحمو وحروبه المتتالية ضد الغزاة في تأخير غزو الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي لسنوات عدة إلى غاية استشهاد الزعيم في سنة 1921م.
هذا، وقد سبب موحا أوحمو الزياني لفرنسا المحتلة خسائر فادحة في العتاد والأرواح لمدة ست سنوات من المعارك والحروب التي أبلى فيها الزيانيون البلاء الحسن بفضل حنكة وخبرة البطل المجاهد موحا أوحمو الزياني.
إذا، من هو موحا أو حمو الزياني؟ وماهي أهم التطورات التي مرت منها مقاومته الباسلة في تحدي المستعمر الأجنبي الفرنسي؟ وماهي الخطوات التي انبنى عليها سيناريو معركة لهري ونتائجها المباشرة وغير المباشرة؟ وما مصير مقاومة موحا أو حمو الزياني؟
من هو موحا أو حمو الزياني؟
من المعلوم أن موحا أو حمو من مواليد سنة 1877م، وكان قائدا مخزنيا على قبائل زيان منذ1887م بمدينة خنيفرة التي اتخذها مقرا لمقاومته الشرسة ضد العدو الفرنسي منذ سنة 1914م. ، وكون جيشا مدربا على المقاتلة والتحدي والصمود والوقوف في وجه الأعداء العتاة من الغزاة الأجانب، وتحالف مع القبائل الأمازيغية المجاورة في الأطلسين: الكبير والصغير للوقوف في وجه القوات الفرنسية التي أرادت إخضاع الأطلس المتوسط للتحكم في طرق المواصلات واستنزاف خيرات المنطقة وتطويقها لفرض الأمن قصد استكمال مسلسل الاحتلال واستعمار باقي المناطق المغربية التي لم يتم احتلالها بعد.
ومن المعروف تاريخيا أن زوجته يطو هي التي حولت زوجها موحا أوحمو من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل مقاوم شهم يدافع عن حرمات قبائل زيان باستماتة استشهادية ونبل كبير منقطع النظير.
هذا، وقد استمرت مقاومة موحا أوحمو الزياني مدة ست سنوات من 1914م إلى 1920م، ليستشهد البطل المقاوم في معركة "أزلاغن تزمورت" ضد الجنرال "بوميرو" يوم 27 مارس 1921م، ويدفن بعد ذلك في مقابر " تاملاكت".
وقد اشتهر موحا أو حمو الزياني بمعركة لهري الشهيرة التي أذاق فيها العدو الفرنسي شر هزيمة، وسحق فيها معظم قواته المحنكة بفنون الحرب وقواده المعروفين بدراية التخطيط العسكري. ومن ثم، سيصبح موحا أو حمو الزياني دائما من أهم أبطال المقاومة ، ومن أهم الرجال الشجعان والمجاهدين البواسل الذين يفتخر بهم التاريخ المغربي الحديث والمعاصر، وسيبقى علما منتصبا في صفحات البطولة والمقاومة يتذكره الماضي والحاضر والمستقبل.
تعتبر معركة لهري الملحمية من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون الأمازيغيون ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم،والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها.
ولايمكن الحديث في الحقيقة عن المقاوم البطل موحا أوحمو الزياني إلا في ارتباط وثيق مع هذه المعركة التي سجلت معالم وجوده بدماء حمراء في صفحات التاريخ الحديث و المعاصر في القرن العشرين الميلادي.

بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة.
ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..."
ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم.
وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي.
هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة.
ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين".
وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ القصف شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر.
هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني.
غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها."
بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل الأمازيغية المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين.
وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم الأمازيغي موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية.
نتائــج المعركة:
حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل الأمازيغية المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولاسيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " كيوم " Guillaumeأحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"•
وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل(قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات(colonels) والقبطانات (capitains) والفسيانات(officiers)، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان (بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم".
وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث، فحصلوا على 3مدافع كبيرة و10مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
خاتمة:
وعليه، سيبقى موحا أوحمو الزياني من أهم أعتى أبطال المقاومة الأمازيغية في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر بفضل معاركه المظفرة التي خاضها ضد الفرنسيين الذين حاولوا تسخير المغرب لصالحهم واستغلال ثرواته طمعا وجشعا، وطمس الهوية البربرية بمسخها وتشويهها، والإساءة إلى حرمات الأمازيغيين وأعراضهم، والمس بشخصيتهم الدينية المبنية على حب الإسلام وتقديس الجهاد في سبيل الله، وزعزعة ثقتهم عن طريق خلق الفتن والإحن بمحاولة فصلهم عن إخوانهم العرب.
بيد أن أمازيغ جبال الأطلس المتوسط، استطاعوا أن يصدوا المحتل وأن يلقنوه درسا في الصمود والتحدي وخاصة في المعركة الشهيرة التي كانت بمثابة نقطة سوداء في تاريخ فرنسا بالمغرب وهي معركة لهري التي اندلعت في سنة 1914م، وأودت بالكثير من الغزاة الفرنسيين، وأخرت احتلال المغرب من قبل المستعمر الفرنسي لسنوات عدة إلى أن استشهد موحا أو حمو الزياني سنة 1921م.لكن المقاومة المسلحة المغربية وإن توقفت مع بداية الثلاثينيات، فإن مقاومة أخرى ستنطلق شرارتها وهي المقاومة السلمية التي تأجج أوارها مع الحركة الوطنية، والتي سيسفر عنها ثورة الملك والشعب وظهور جيش التحرير في سنوات الخمسين ليحصل المغرب بعد ذلك على استقلاله سنة 1956م.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها