الغلاف الجوي ونوعية الهواء

الغلاف الجوي:
يحيط بالكرة الارضيه غلاف جوي ( أو ما يسمى بالهواء) يتكون أساسا من غازي النيتروجين والأكسجين. ويمتد هذا الغلاف الجوي إلى عدة مئات من الكيلو مترات فوق سطح الأرض وتقل كثافته بالارتفاع إلى درجه كبيره.

ويتكون الغلاف الجوي من ثلاثة طبقات رئيسيه تتداخل في بعضها مما يجعل الفصل بينها تقريبا وهذه الطبقات هي:
1 - التروبوسفير أو الطبقة تحدث معظم التغيرات الجوية التي نلمسها يوميا وتقل فيها درجات الحرارة مع الارتفاع وهي الطبقة التي تحتوي على معظم بخار الماء والأكسجين وثاني أكسيد الكربون وتتركز فيها أنشطة الإنسان.

2 - الاستراتوسفير وهي الطبقة التي تعلو التربوسفير وتمتد من ارتفاع 21 إلى 80 كيلو متر تقريبا فوق سطح الأرض. وتتميز هذه الطبقة بخلوها من التقلبات المختلفة أو العواصف. و يوجد بها حزام يعرف بطبقة الأوزون التي تحمي سطح الأرض من مخاطر ا لأشعه فوق البنفسجية (انظر فيما بعد).
3- الايونوسفير وهي الطبقة التي تعلو الاستراتوسفير من ارتفاع 80 كيلومتر تقريبا وحتى 360 كيلومتر أو أكثر وتتميز تلك الطبقة بخفة غازاتها ويسود فيها غاز الهيدروجين والهليوم .
يتكون الهواء في طبقته السفلية من عدة غازات بالاضافه إلى بخار الماء وبعض الجسيمات الدقيقة (الاتربه و الرذاذ ) . والهواء الجاف غير الملوث يتكون من78% غاز نيتروجين و 21% أكسجين وحوالي 0.9% غاز ارجون والبقية عبارة عن تركيزات شحيحة من غازات ثاني أكسيد الكربون والنيون و الهليوم والهيدروجين و الميثان وغيرها . بالاضافه إلى هذا يحتوي الهواء على نسب مختلفة من بخار الماء نتيجة التبخر من السطوح المائية و من التربة ومن النباتات ، تكون مرتفعه في المناطق الرطبة الاستوائية وأيضا في المناطق الساحلية ) وتقل كلما اتجهنا إلى المناطق القطبية كذلك تتعلق في الهواء كميات هائلة من الغبار (الاتربه) التي قد توجد بصوره مرئية للعين ، ويختلف وجودها من منطقه إلى أخرى ، فتزداد بالقرب من المناطق الصحراوية ، خاصة في مواسم معينه (مثل الخماسين )، كما يكثر الغبار في الطبقات السفلى من الهواء عنه في الطبقات العليا.
ولقد احتفظ الهواء المحيط بالكره الارضيه بتركيبه ثابتا بالرغم من النشاطات الحيوية التي تجري على سطح الأرض. فالإنسان، و كذلك الحيوان، يستهلك الأكسجين بعملياته الحيوية، ويعطي ثاني أكسيد الكربون. ولكن النبات يستعمل ثاني أكسيد الكربون في عمليات التمثيل ( أو البناء ) الضوئي فيحتفظ لنفسه بالكربون ويعيد إلى الهواء غاز الأكسجين ، فإذا زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء فان الفائض يذوب في المسطحات المائية - البحار والمحيطات ، ويتفاعل مع أملاح الكالسيوم الذائبة فيها ، ومن ثم يترسب في صورة كربونات كالسيوم ( التي تكون الأحجار الجيرية ) . هذه التفاعلات الطبيعية - التي تعرف بالدورات الجيوكيمايئيه - أدت إلى وجود حالة من التوازن احتفظ معها الهواء بتركيبه ثابتا على مر الأزمان ، ولكن منذ أن عرف الإنسان النار واستخدم مصادر الطاقة المختلفة ومع الثورة الصناعية بدأت كميات هائلة من الغازات والمواد المختلفة تنبعث في الهواء محدثه معها خللا متزايدا في هذا التوازن.
تلوث الهواء :
تلوث الهواء هو الحالة التي يكون فيها الهواء محتويا على مواد بتركيزات تعتبر ضاره بصحة الإنسان أو بمكونات بيئته . وتنقسم مصادر تلوث الهواء إلى قسمين : الأول ، المصادر الطبيعية ( مثل الغازات والاتربه الناتجة من ثورات البراكين ومن حرائق الغابات والاتربه الناتجة من العواصف ) وهذه المصادر عاده ما تكون محدودة في مناطق معينه تحكمها العوامل الجغرافية والجيولوجية ، ويعد التلوث من هذه المصادر متقطعاً أو موسمياً . أما المصدر الثاني من مصادر تلوث الهواء فهو نتيجة لأنشطه الإنسان على سطح الأرض فاستخدام الوقود في ألصناعه ووسائل النقل وتوليد الكهرباء وغيرها من الأنشطة يؤدي إلى انبعاث غازات مختلفة وجسيمات دقيقه إلى الهواء . وهذا النوع من التلوث مستمر باستمرار أنشطة الإنسان ومنتشر بانتشارها على سطح الأرض في التجمعات السكانية . وهو التلوث الذي يثير الاهتمام والقلق حيث أن مكوناته وكمياته أصبحت متنوعة وكبيره بدرجه أحدثت خللا ملحوظا في التركيب الطبيعي للهواء .

ــ أهم ملوثات الهواء :
أهم ملوثات الهواء الشائعة هي اكاسيد الكبريت والنيتروجين و الجسيمات العالقة ( مثل الاتربه و الدخان ورذاذ المركبات الكيميائية المختلفة ) وأول أكسيد الكربون والهيدروكربونات وجميع هذه الملوثات تنتج أساسا من احتراق الوقود الحفري ( الفحم والبترول والغاز الطبيعي ) وكذلك من حرق الخشب و المخلفات الزراعية ( مثل حطب القطن والذرة وغيرها ) . وتختلف كميات الملوثة المنبعثة طبقا لنوع الوقود وظروف حرقه. ولقد أوضحت دراسات متعددة أن الدول الصناعية ( دول أمريكا الشمالية وغرب أوروبا و اليابان مجموعه دول منظمة التعاون الاقتصادي و الإنمائي ) تنتج اكبر كميات من ملوثات الهواء تليها دول شرق أوروبا و روسيا . ويعتبر قطاع الصناعة ( بما في ذلك توليد الكهرباء ) القطاع الرئيسي المسبب لتلوث الهواء. يليه قطاع النقل ثم قطاع ألزراعه ( جدول 1 و 2 ).

جدول (1) : توزيع ملوثات الهواء في العالم ( 1992) ( بالمليون طن )
الملوثات الدول النامية شرق أوروبا وروسيا الدول الصناعية
-----------------------------------------------------------------------
ثاني أكسيد الكبريت 20 1.29 39.9
اكاسيد نيتروجين 16.4 15 36.4
الجسيمات العالقة 29 15 13
أول أكسيد الكربون 32 20 125

جدول (2) : توزيع ملوثات الهواء طبقا للقطاعات المختلفة ( 1992) ( بالمليون طن )

الملوثات ألصناعه ألزراعه النقل
------------------------------------------------------------------
ثاني أكسيد الكربون 3500 1200 1050
اكاسيد الكبريت 89 2 3
اكاسيد النيتروجين 30 7 29
الجسيمات العالقة 23 20 7
الهيدروكربونات 26 ---- 21
أول أكسيد الكربون ---- ---- 106

وبالاضافه إلى ملوثات الهواء الشائعة كشفت البحوث العلمية خلال العقدين الماضيين عن انبعاث مئات من المركبات الكيميائية غير العضوية والعضوية في تركيزات شحيحة في الهواء نتيجة أنشطة الإنسان المختلفة . فقد وجدت 261 ماده في الهواء في أمريكا وغيرها من الدول الصناعية بعضها شديد التفاعل مع مركبات أخرى. كذلك لوحظت زيادة تركيزات بعض المركبات في مناطق معينه نتيجة استخدامها . فمثلا وجدت تركيزات عاليه من المبيدات في الهواء في المناطق المجاورة للحقول الزراعية التي يجري رشها بالمبيدات كذلك وجدت تركيزات عاليه من النحاس و الزئبقي بجوار مناطق تعدين هذه المواد. ومن القضايا التي حظيت باهتمام كبير زيادة تركيزات الرصاص في الهواء نتيجة لاستخدام بعض مركباته كإضافات للبنزين لتحسين أداء موتورات السيارات . وقد وجد إن 80-90 % من الرصاص الموجود في الهواء نتج من احتراق البنزين المحتوى على الرصاص.

ــ آثار تلوث الهواء:
يختلف مصير ملوثات الهواء المنبعثة من مكان إلى أخر طبقا للظروف الجوية السائدة حول مصادر التلوث. ففي بعض الأماكن قد تساعد سرعة الرياح على حمل الملوثات إلى مسافات بعيده - وبالتالي إلى تخفيف تركيزاتها - وفي أماكن أخرى قد لا يحدث هذا . ولذا فان التركيزات النهائية للملوثات المختلفة في الهواء لا تتوقف فقط على الكميات المنبعثة ولكن أيضا على الظروف الجوية المحلية . بالاضافه إلى ذلك غالبا ما تحدث عدة تفاعلات طبيعيه وكيميائيه بين هذه الملوثات . مما قد يزيد أو يخفف من حدة أثاره فمثلا تتفاعل اكاسيد النيتروجين مع الهيدروكربونات في وجود ضوء الشمس تحت ظروف جوية خاصة ، غالبا ما تحدث في فصل الصيف لتنتج عددا من المركبات الكيميائية السامة مثل نبرات البيروكسي استلي وغاز الأوزون . وتؤدي هذه المواد مختلطة بالجسيمات العالقة والملوثات الأخرى إلى تكوين ما يعرف بالضباب ألدخاني ( غالبا ما يكون لونه مائلا إلى اللون البني ) وتحدث فترات الضباب ألدخاني بصوره عارضه في بعض المدن المزدحمة بالسيارات مثل لوس انجلوس ونيويورك ولندن ومدينه المكسيك وأثينا وغيرها . ومن أشهر هذه الفترات العارضة تلك التي حدثت في لندن عامي 1952 و 1962 وفي نيويورك في أعوام 1953 و 1963 و 1966 وفي غرب أوروبا عام 1985.

وتكون الآثارالصحيه لتلوث الهواء واضحة للغاية عندما يكون تلوث الهواء شديد ففي ضباب لندن ألدخاني الذي حدث عام 1952 مات حوالي 4000 شخص نتيجة التعرض لتركيزات عاليه من اكاسيد الكبريت والجسيمات العالقة في الهواء . وفي يناير 1985 حدثت نوبة تلوث هواء كثيف في أوروبا الغربية كان من نتائجها إصابة عدد كبير من الأطفال بانخفاض في قدرة وظائف الرئتين، استمر حوالي أسبوعين بعد زوال نوبة تلوث الهواء التي استمرت خمسة أيام.

ولحماية صحة الإنسان وضعت منظمة الصحة العالمية حدودا "إرشاديه " لملوثات الهواء الرئيسية لا يجب تعديها ( جدول 3 ). وهذه الحدود " إرشاديه " لأننا ما زلنا لا نعرف الكثير عن آثار بعض الملوثات. فبالرغم من إن معلوماتنا عن مخاطر الجرعات العالية من الملوثات التقليدية قد تقدمت كثيرا خلال العقدين الماضيين ما زالت معلوماتنا عن مخاطر الجرعات المنخفضة من هذه الملوثات محدودة للغاية ، خاصة آثارا لجرعات الصغيرة التي يتعرض لها الإنسان لفترات طويلة ( 20 أو 30 سنه مثلا ) بما في ذلك الآثارالسرطانيه واحتمال حدوث تشوهات في الاجنه وغيرها من الإمراض. وتجري منظمة الصحة العالمية - وكذلك الدول المتقدمة - مراجعات دوريه لهذه الحدود الارشاديه كلما توفرت معلومات أدق عن الآثارالصحيه للملوثات المختلفة .
- ثاني أكسيد الكبريت : لا يجب التعرض لأكثر من 125 ميكروجرام/متر مكعب لمدة 24ساعة.
لا يجب التعرض لأكثر من50 ميكروجرام / متر مكعب لمدة عام.
- أكسيد الني تريك : لا يجب التعرض لأكثر من 150 ميكروجرام/متر مكعب لمدة 24ساعه.
- الأوزون : لا يجب التعرض لأكثر من 120 ميكروجرام/متر مكعب لمدة 8 ساعات.
- الرصاص : لا يجب التعرض لأكثر من 1 ميكروجرام /متر مكعب لمدة عام .
- أول أكسيد الكربون: لا يجب التعرض لأكثر من 30 مليجرام / متر مكعب لمدة ساعة .
لا يجب التعرض لأكثر من 10 مليجرام / متر مكعب لمدة 8 ساعات.
- الجسيمات العالقة : لا يجب التعرض لأكثر من 120 ميكروجرام / متر مكعب لمدة 24 ساعة.
لا يجب التعرض لأكثر من 75 ميكروجرام / متر مكعب لمدة عام.
( الميكروجرام = 0.000001 من الجرام والمليجرام = 0.001 من الجرام )

وتجدر الاشارة هنا إلى أن عملية تقييم الآثارالصحيه لتلوث الهواء هي عمليه تقريبية إذ من النادر أن يتعرض الإنسان لملوث واحد على حده ( قد يحدث هذا في بيئة العمل إذا ما تعرض الإنسان لفترات قصيرة لأبخرة إحدى الغازات مثلا ) . إنما يتعرض الإنسان في الهواء الخارجي ليجمع الملوثات في نفس الوقت . وكما سبق أن ذكرنا فان هذه الملوثات يتفاعل بعضها مع البعض الأخر مما قد يزيد أو يقلل من أثارها الصحية ، ويوضح جدول (4) أهم الآثارالصحيه لملوثات الهواء.

- ولقد بين رصد وتعيين ملوثات الهواء في المدن الكبرى في العالم الحقائق التالية :
1- تحسنت نوعية الهواء في معظم مدن الدول المتقدمة خلال العقدين الماضيين لانخفاض متوسط تركيزات ثاني أكسيد الكبريت والجسيمات العالقة في الهواء نتيجة لتنفيذ عدة إجراءات مثل الإجراءات التشريعية وتنويع مصادر الطاقة ورفع كفاءة استخدامها واستخدام تكنولوجيات مختلفة للحد من انبعاث الملوثات . وتعتبر مدن طوكيو ، فرنكفورت ، ولندن من المدن التي تحسنت فيها حالة الهواء .

2- انخفض متوسط تركيز الرصاص في الهواء في معظم مدن أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان واستراليا نتيجة منع أو الحد من استخدام البنزين المحتوى على الرصاص .

وتعتبر الولايات المتحدة الامريكيه رائده في هذا المجال ، ففي الفترة من 1976 إلى 1987 انخفض محتوى الرصاص في عادم السيارات بنسبة 87% . ولقد تحققت نتائج مشابهه في بعض دول غرب أوروبا مؤخرا.

3- ازدادت حدة تلوث الهواء في معظم مدن الدول النامية منذ بداية السبعينيات نتيجة لزيادة استخدام الوقود ونتيجة لعدم اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من هذا التلوث .

ويقدر انه يوجد أكثر من1000 مليون شخص في المناطق الحضرية يتعرضون لمستويات غير صحية من ملوثات الهواء ، حوالي 90% منهم في الدول النامية وتعتبر بايجنج ( بكين) ومدينة المكسيك وسيول و القاهرة وبانجو و بومباي وكراتشي وجاكرتا ومانيلا من أكثر المناطق الحضرية تلوثا في العالم طبقا لمسح حالة الهواء فيها عام 1990 .

و لقد تفاقمت حالة تلوث الهواء في مدن الدول النامية نتيجة عدم الإنفاق على مكافحة التلوث فما زالت بعض الحكومات تعتبر إن هذا الإنفاق نوع من الرفاهية والخدمات لا يتحمله اقتصادها ، وهذا منطق يجانب الصواب فالإنفاق على حماية البيئة هو استثمار له عائد اقتصادي واجتماعي هام ولقد أوضحت دراسات مختلفة هذا الاتجاه نذكر منها المثالين التاليين :

1- وجد في دراسة في إحدى مدن الهند أن تكاليف المرض الناجم عن تعرض سكان المدينة للتلوث نتيجة عادم السيارات هي حوالي 37 مليون دولار في العام ، ووجد انه بعد خفض الملوثات في عادم السيارات بنسبة 50% انخفضت تكاليف المرض إلى حوالي 15 مليون دولار في العام . إي أن إجمالي فقط.ئد المادي من جراء ذلك كان حوالي 22 مليون دولار في العام في حين إن التكاليف الاجماليه لخفض عادم السيارات كانت 1.3 مليون دولار فقط. هذا إلى جنب الفوائد الاجتماعية والانتاجيه المختلفة من جراء خفض نسبة المرض من التلوث بعادم السيارات .

2- في الولايات المتحدة الامريكيه وجد أن العائد المادي من خفض الرصاص في البنزين بلغ6210 مليون دولار عام 1992 نتيجة الوقر في الرعاية الطبية للأطفال و الكبار الذين كانوا يمرضون بسبب التعرض إلى الهواء الملوث بالرصاص . فقد أدى خفض الرصاص في البنزين إلى تحسن ملحوظ في صحة الأطفال وكذلك إلى تحسن ملحوظ في الاصابه بضغط الدم ومضاعفاته لدى الكبار، كما تبع خفض الرصاص خفض ملوثات اخرى في عادم السيارات ، وبالتالي خفض أثارها على صحة الإنسان . ولقد بلغت التكاليف الاضافيه لإنتاج البنزين الخالي من الرصاص في عام 1992 حوالي 441 مليون دولاراي أن العائد الصافي من خفض الرصاص في البنزين كان 5769 مليون دولار في ذلك العام .

ــ تلوث الهواء داخلا المباني (الهواء الداخلي):
تلوث الهواء ليس قاصرا على الهواء الخارجي وإنما يحدث أيضا في الهواء الداخلي . وتلوث الهواء الداخلي معروف منذ عصور ما قبل التاريخ واستمر كجزء من واقع حياة الناس - خاصة الذين يعيشون في مناطق فقيرة - والذين يستخدمون الفحم والحطب والخشب و المخلفات الزراعية والحيوانية كوقود. ولكن لم تسلط الأضواء على التلوث الداخلي إلا في نهاية السبعينيات ، عندما بدأت الشكوى تتزايد في الولايات المتحدة الامريكيه من إعراض مرضيه مختلفة تحدث داخل المباني ، مثل تهيج العين والأنف و الحنجرة والإرهاق والصداع والدوار وغير ذلك مما أطلق عليه منذ الثمانينات الأعراض المرضية المتزامنة للمباني . وقد وجد أن هذه الإعراض مرتبطة بالمباني المحكمة الغلق والتي لا يمكن فتح نوافذها ( لترشيد الطاقة ) وبينت الدراسات ارتفاع تركيزات ملوثات مختلفة داخل هذه المباني منها دخان السجائر والغبار والمواد الكيماوية المنبعثة من السجاد الصناعي والدهانات وغيرها ( مثل الفورمالدهايد ) بجانب الملوثات الناتجة من حرق الوقود للإغراض المنزلية و مشتقات غاز الرادون المنبعثة من بعض مواد البناء وغيرها . ولقد وجدت تركيزات مماثله في المباني ألحديثه المغلقة في عدد من الدول النامية ( لتكييف الهواء بداخلها ) . بالاضافه إلى هذا أوضحت منظمة الصحة العالمية أن كثير من المواد الميكروبي ولوجيه الملوثة للهواء توجد في البيئة الداخلية .


جدول ( 4): آثار ملوثات الهواء

اكاسيد الكبريت - ضيق التنفس - إمراض الشعب الهوائية - خفض مناعة الجسم -
واكاسيد النيتروجين إمراض مزمنة بالرئتين .
- إتلاف وتآكل المواد خاصة ألابنيه والآثارالمشيده من الحجر الجيري
و الرخام.
- الأضرار بنمو بعض النباتات .

الجسيمات العالقة - تسبب الجسيمات التي يتنفسها الإنسان في زيادة الحساسية والربو
وغيرها من الإمراض الصدرية .

أول أكسيد الكربون - يحد من قابليه حمل الدم للأكسجين وبذا قد يسبب إضرارا بخلايا المخ
أو الاختناق كما يؤثر في الدورة الدموية والجهاز العصبي .

الهيدروكربونات - إمراض صدريه مختلفة .
الضباب ألدخاني(خاصة - التهابات العين - الربو - التأثير على وظائف الرئتين و القلب.
الأوزون السطحي) - الإضرار ببعض النباتات .

الرصاص - إمراض الكلى والجهاز العصبي ويؤثر خاصة في الأطفال ( يؤدي إلى زيادة
التخلف العقلي والتشنجات و نوبات التغيرات السلوكية ... الخ ).

وتشمل هذه المواد فطريات العفن و الفيروسات و البكتيريا وحبوب اللقاح و الجراثيم ( تزداد تركيزات هذه المواد الميكروبي ولوجيه في المنازل القديمة في الإحياء الفقيرة أو العشوائية ). ولقد بينت دراسات مختلفة إن تركيزات ملوثات الهواء الداخلي أكثر منها في الهواء الخارجي في مدن كثيرة ( خاصة أول أكسيد الكربون والفورمالدهايد والرادون والغبار الدقيق والمواد البكتريولوجيه)، ويرجع هذا أساسا إلى سوء التهوية والى تركيز مصادر الانبعاث في حيز صغير.

ولقد أوضحت دراسات حديثه إن تعرض النساء و الأطفال لتلوث الهواء الداخلي - خاصة في المناطق الريفية التي يستخدم فيها الخشب والحطب و المخلفات الزراعية كوقود - قد أدى إلى ارتفاع ملحوظ في الاصابه بامراض العين والأنف والانسداد الرئوي المزمن والسرطان الأنفي ألبلعومي .
ويصاب الأطفال عند تعرضهم لمثل هذا التلوث بالتهابات الشعب والالتهابات الرئوية الحادة بسبب إضعاف أجهزتهم التنفسية ( يتنفس الإنسان البالغ حوالي 13متر مكعب من الهواء يوميا في حين يحتاج الطفل خاصة في سنوات عمره الأولى إلى كميات اكبر من الهواء تقدر بحوالي 26 متر مكعب من الهواء يوميا .وبذا يكون الأطفال الصغار أكثر حساسية لملوثات الهواء الداخلي والخارجي على حد سواء) .
الإمطار الحمضية :
تتفاعل اكاسيد الكبريت والنتروجين المنبعثة من مصادر مختلفة مع بخار الماء في الجو لتتحول إلى أحماض ومركبات حمضيه ذائبة تبقى معلقه في الهواء حتى تتساقط مع مياه الإمطار مكونه ما يعرف بالإمطار الحمضية . وفي بعض المناطق التي لا تسقط فيها الإمطار تلتصق هذه المركبات الحمضية على سطح الاتربه العالقة في الهواء وتتساقط معها فيما يعرف بالترسيب الحمضي الجاف. و أحيانا يطلق تعبيرا " الترسيب الحمضي" على كل من الإمطار الحمضية وعلى الترسيب الجاف. ونظرا لان ملوثات الهواء قد تنتقل بفعل الرياح إلى مسافات بعيده وقد تعبر الحدود الوطنية إلى دول اخرى . أصبحت ظاهرة الإمطار الحمضية ظاهره بيئيه إقليميه ودوليه خاصة في أوروبا وشمال أمريكا و قد ثبت من رصد كيمياء الإمطار في مناطق واسعة من أمريكا الشمالية وأوروبا إن حمضي تصل إلى حوالي 10 إضعاف المستوى العادي . ولا تعتبرالامطار الحمضية مشكله في مناطق اخرى في العالم في الوقت الحالي بيد إن هناك دلائل على إن مناطق استوائيه معينه مثل جنوب شرقي البرازيل وجنوبي الصين وجنوب غربي الهند و زامبيا قد تواجه في المستقبل مشاكل تتعلق بالإمطار الحمضية إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية للتحضر و التصنيع حتى القرن الحادي و العشرين .
وبالرغم من أن الإمطار الحمضية ليست مشكله في مصر أو في الدول العربية ( لندرة الإمطار ) إلا أن الترسيب الحمضي الجاف يكون مشكله آخذه في الازدياد بزيادة تركيزات اكاسيد الكبريت و النيتروجين في الهواء . كما أن الضباب الحمضي الذي يتكون في الصباح الباكر في بعض دول الخليج العربي أصبح يشكل ظاهره ملموسة.

والتفاعلات التي تحدث في الهواء لتكوين الإمطار الحمضي غير مفهومه بالكامل. وبعض هذه التفاعلات لا تقتصر فقط على اكاسيد الكبريت و النيتروجين وإنما تحدث أيضا عملية غسيل لملوثات اخرى مختلفة في مياه الإمطار (وجدت في مياه الإمطار في بعض المناطق في أمريكا تركيزات مرتفعه من المبيدات والمركبات السلفونيه والفلزات الثقيلة ) . من ناحية اخرى وجد في مناطق كثيرة خاصة تلك المتاخمة للمناطق الصناعية أن الضباب (اوشبوره الصباح ) لها خواص حمضيه واضحة نتيجة تكوين رذاذ من المركبات الحمضية فيه .

ولهذه الإمطار الحمضية ( أو الترسيب الحمضي ) آثارسيئه . فلقد تأثرت البحيرات في أجزاء من المنطقة الاسكندنافيه وشمال شرقي الولايات المتحدة وجنوب شرقي كندا بالإمطار الحمضية بدرجات متفاوتة وفقدت بحيرات كثيرة ( ولا صيما في السويد والنرويج ) مواردها السمكية ، إما جزئيا أو كليا . كما تسببت الإمطار الحمضية في إذابة بعض الفلزات و المركبات من رواسب البحيرات مما أدى إلى ارتفاع نسبتها في المياه وإضرارها بنوعية المياه والإحياء المائية . وقد أدت الإمطار الحمضية وملوثات الهواء الأخرى إلى تدهور حالة الغابات خاصة في أوروبا وقدرت المساحة التي إصابتها الإضرار بحوالي 50 مليون هكتار من إجمال مساحة الغابات ، التي قدرت بحوالي 141 مليون هكتار .

وتمتد الآثارالضاره للإمطار الحمضية إلى المدن ، ويمكن مشاهدة هذه الآثار في كثير من العواصم الاوروبيه . ففي لندن يلاحظ تفتت بعض أحجار برج لندن ، وكنيسة "وستمن ستر أبي" كما يشاهد ذلك بشكل أوضح في كنيسة "سانت ببول" فقد بلغ عمق التآكل في بعض أحجارها الجيرية بضعة سنتمترات نتيجة التفاعل بين هذه الأحجار وغاز ثاني أكسيد الكبريت والإمطار الحمضية التي تسقط على المدن من حين لأخر . كذلك أثرت اكاسيد الكبريت في صوره إمطار حمضيه أو ترسيب جاف على الاكروبوليس في اليونان والكولوسيم في ايطاليا وتاج محل في الهند وأبو الهول في مصر ولحقت بسطوحها إضرار متزايدة خلال العقود القليلة الماضية بسبب تلوث الهواء - بعد أن صمدت ألاف السنين لعوامل التعرية الطبيعية . وقد فكرت بعض الدول في الستينات وبداية السبعينات في التخلص من مشكلات التلوث باكاسيد الكبريت والإمطار الحم مضيه بزيادة ارتفاع مداخن المصانع ومحطات توليد الكهرباء بحيث يمكن إطلاق غازاتها على ارتفاع كبير فوق السحب . وقد طبقت هذه ألاستراتيجيه في كندا والولايات المتحدة وانجلترا وبعض الدول الاوروبيه الأخرى ولكن هذه ألاستراتيجيه لم تنجح في خفض كميات الإمطار الحمضية وكل ما فعلته هذه المداخن العالية أنها دفعت بالغازات الحمضية إلى منطق اعلي في الجو ، وبالتالي أدت إلى سقوط الإمطار الحمضية فوق مناطق أكثر بعدا من ذي قبل ، ولقد أدى هذا إلى النزاع الذي نشا - خاصة بين دول شمال غربي أوروبا وانجلترا - فيما عرف بنزاع المداخن العالية في بداية السبعينات . فلقد وجد أن أكثر من 70% من ا كالسيد الكبريت التي ترسبت في صورة إمطار حمضيه على السويد والنرويج والدنمرك كان مصدرها المداخن العالية في انجلترا وألمانيا وغيرها . ولهذا السبب نجد إن الدول الاسكندنافيه هي الدول التي تزعمت وضع مشكلة الإمطار الحمضية على جدول إعمال مؤتمر ستوكهولم عام 1972 ، وهي الدول ألدافعه لبرامج التعاون للحد من الإمطار الحمضية .ولقد أثمرت هذه الجهود عن توقيع الاتفاقية الاوروبيه بشان تلوث الهواء طويل المدى العابر للحدود في عام 1979 وفي عام 1987 بدأ تنفيذ بروتوكول اتفاقية التحكم في انبعاث اكاسيد الكبريت حيث قضى بخفض معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكبريت بحوالي 30% على الأقل عن مستويات عام 1980 بحلول عام 1993 ، وفي عام 1988 وقع بروتوكول التحكم في انبعاث اكاسيد النيتروجين . ولقد تبنت بعض البلدان الاوروبيه التزامات ابعد مما يدعو إليه البروتوكولان . فقد تعهدت 9 بلدان على الأقل بتخفيض مستويات ثاني أكسيد الكبريت إلى اقل من نصف مستويات عام1980 بحلول عام 1995. كما التزمت النمسا و السويد وألمانيا بخفض مستويات انبعاث ثاني أكسيد الكبريت بمعدل الثلثين . وفيما يتعلق بأكسيد النيتروجين فان 12 من بلدان أوروبا الغربية وافقت على المضي ابعد من تجميد الانبعاث وخفضها بمعدل 30% بحلول عام 1998. ولقد أدت هذه الالتزامات إلى خفض ملحوظ في معدلات اكاسيد الكبريت كما ذكرنا من قبل .
تأثير التلوث على طبقة الأوزون :
الأوزون غاز سام يتكون الجزيء منه من ثلاثة ذرا من الأكسجين. ويوجد الأوزون في طبقتي الجو السفلي ( التروبوسفير ) والعليا ( الاستراتوسفير ) . ويتكون الأوزون في طبقات الجو القريبة من سطح الأرض نتيجة التفاعلات الكيميائية الضوئية بين الملوثات المنبعثة من وسائل النقل - خاصة بين اكاسيد النيتروجين والهيدروكدربونات - عندما يتكون الضباب ألدخاني الذي سبقا أن اشرنا إليه ، وفي هذه الحالة يعتبر الأوزون من الملوثات الخطرة على صحة الإنسان والإحياء الأخرى . خاصة النباتات.

أما في طبقات الجو العليا ( الاستراتوسفير ) فيتكون الأوزون من التفاعلات الطبيعية بين جزيئات الأكسجين وذرا التي تنتج من انشطار هذه الجزيئات بفعل الاشعه فوق البنفسجية . وفي نفس الوقت تتفكك جزيئات الأوزون إلى جزيئات وذرا من الأكسجين بامتصاص الاشعه فوق البنفسجية ذات الموجة الأطول والتي تعرف باسم الاشعه فوق البنفسجية ب . وهذه التفاعلات المستمرة توجد في حالة توازن - أي أن الأوزون يتكون و يتفتت بفعل الاشعه فوق البنفسجية بصوره طبيعيه متوازنة تحافظ على تركيزه في طبقات الجو العليا على ارتفاع بين 25 و 40 كيلو متر فيما يعرف بطبقة الأوزون وفيها لا يتعدى متوسط تركيز الأوزون أكثر من عشرة أجزاء في المليون حجما من الهواء.

وتعد طبقة الأوزون ضرورية لحماية الحياة على سطح الأرض فهي تعمل كمرشح طبيعي يمتص الاشعه فوق البنفسجية - ب التي تدمر الكثير من إشكال الحياة و تلحق إضرارا بالغه بصحة الإنسان .

ومع بداية السبعينيات بدأ الاهتمام بأثر بعض المركبات الكيميائية المنبعثه من نشاطات الانسان على طبقه الاوزون . فقد وجد ان اكاسيد النيتروجين تقوم بدور حافز يسرع من تفتت جزيئات الاوزون وبذا يخل من التوازن الطبيعي الذي اشرنا اليه عاليه . وفي عام 1974 وجد ايضا ان عددا من المركبات الكلوروفلوروكربون ( بعضها معروف صناعيا باسم الفريون ) تقوم بنفس الدور ولكن بقوه اكبر وتؤدي الى سرعة تفتت جزيئات الاوزون . ونظرا لزيادة انتاج هذه المركبات واستخدامها كمواد مذيبه وفي صناعة الايروصولات ( بخاخات المركبات المختلفه ) وكذلك كمواد سائله في معدات التبريد وتكييف الهواء ... الخ ، بدا القلق من ان تزايد انبعاث هذه المركبات في الهواء وصعودها الى الطبقات الجو العليا سوف يؤدي الى تآكل شديد في طبقة الاوزون . بالاضافه الى هذه المركبات وجد ان مركبات الهالون التي تستخدم في اطفاء الحرائق ورابع كلوريد الكربون وغيرها من مركبات الكلور والبروم لها ايضا تاثير حافزي في تدمير جزيئات الاوزون .

ومنذ حوالي عامين يثور جدل واسع بين العلماء حول نوعية وكمية المركبات الكيميائية المختلفه التي تصل لطبقة الاستراتوسفير والتي تؤثر فعلا في طبقة الاوزون . فهناك فريق يرى ان الكلور الناتج من استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون هو جزء يسير اذا ما قورن بالكلور الناتج من عمليات طبيعيه مختلفه (قدر البعض كمية الكلور المنبعث الى الهواء نتيجة التبخر الطبيعي لمياه البحر بحوالي 600 مليون طن سنويا والكلور الناتج من ثورات البراكين بحوالي 804 مليون طن سنويا وكل هذا في مقابل 750,000 طن من الكلور الناتج من استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون ) . وبالاضافه الى هذا هناك جدل حول دور العوادم الناتجه من الطائرات . التي تطير على ارتفاعات كبيره (اي على مقربه من طبقة الاستراتوسفير) والتي تحتوي على كميات كبيره من اكاسيد النيتروجين التي تقوم بدور حافز في تدمير جزيئات الاوزون .

من ناحيه اخرى ثار جدل واسع في السبعينيات حول آثار برنامج الفضاء الامريكي ( وغيره) على طبقة الاوزون حيث ان الوقود المستخدم في الصواريخ التي تحمل مركبات الفضاء هو من الوقود الصلب الذي ينتج عن احتراقه كميات كبيره من الملوثات المختلفه . ان كميات الكلور التي تصل الى الاستراتوسفير لا يمكن التقليل من شأنها وآثارها على طبقة الاوزون خاصه وان عدد رحلات المركبات الفضائيه يزيد عاما بعد عام لارسال اقمار صناعيه للاتصالات اوالاستكشاف ... الخ .

وفي دراسه حديثه اوضح فريق من العلماء ان القياسات التي اجريت في اسفل طبقة الاستراتوسفير في مايو 1993 اوضحت ان عملية تحطيم جزيئات غاز الاوزون تتوقف على التفاعلات بين عدد كبير من المركبات الموجوده ووجد ان شق ثاني اكسيد الهيدروجين مسئول عن 50% من تحطيم جزيئات الاوزون في حين ان الكلور مسئول عن 30% فقط وثاني اكسيد النيتروجين عن 20% الباقيه .

ــ هل تآكلت طبقة الاوزون فعلا ؟
بالرغم من التقدم العلمي الكبير في وسائل قياس الكميات الشحيحه من غاز الاوزون ما زال هناك تضارب واضح في نتائج الدراسات المختلفه المتعلقه بنقصالاوزون في طبقات الجو العليا . فقد اوضحت بعض الدراسات التي اجريت على نتائج الرصد في الفتره من 1969 الى 1988 انخفاض عمود الاوزون بحوالي 1.7-3% سنويا في نصف الكره الشمالي بين خطي عرض 30-64 شمالا . ولكن الدراسات الحديثة التي قامت بها وكالة الفضاء الامريكيه اوضحت ان عمود الاوزون يتناقص بحوالي 0.26% سنويا بين خطي عرض 65 شمالا و 65 جنوبا . ومؤخرا اوضحت عدة دراسات ان عملية قياس الاوزون يشوبها العديد من الاخطاء بسبب تداخل غازات اخرى-مثل اكاسيد الكبريت- في عمليات القياس وبذا وضعت علامات استفهام كبيره امام النتائج التي تقول ان عمود الاوزون قد تناقص على مستوى العالم .

من ناحية اخرى اظهرت عمليات رصد الاوزون في طبقات الجو العليا فوق القطب الجنوبي نقصا كبيرا في مستويات الاوزون. وقد وصف هذا النقص الذي اكتشف عام 1984 بأنه ثقب في طبقة الاوزون. ولقد بينت الدراسات ان متوسط النقص في عمود الاوزون يتراوح بين 30-40% على ارتفاع 15-20 كيلومتر فوق القطب الجنوبي . وقد تصل نسبة نقص الاوزون في بعض الارتفاعات الى 95% . واوضحت الدراسات ان هذا النقص في عمود الاوزون يحدث في فصل الربيع (سبتمبر-اكتوبر) ويتلاشى في الصيف (يناير- فبراير) .

و طبقا لبعض التوقعات العلميه فإنه اذا استمر نقص الاوزون في ربيع القطب الجنوبي بمعدلاته الحاليه فإن الاوزون قد يتلاشى كليا بحلول عام 2005 . من جهه اخرى اوضحت القياسات التي قامت بها مركبة الفضاء الروسيه ميتيور-3 ان مساحة ثقب الاوزون قد وصلت الى حوالي 24 مليون كيلومتر مربع فوق القطب الجنوبي عام 1994 . ويعزو البعض هذا الاتساع الى الظروف الجويه فوق القطب الجنوبي ( ازدياد البروده) والى ثورة بركان بيناتوبو عام 1991 في الفلبين والتي دفعت بكميات كبيره من الرماد واكاسيد الكبريت الى طبقات الجو العليا .

وهناك نظريات مختلفه لتفسير تكوين ثقب الاوزون ، بعضها يؤكد انها ظاهره جيوفيزيقيه طبيعيه بالدرجه الاولى (لان الثقب يتكون في فصل الربيع ويتلاشى في الصيف )، والبعض الاخر يؤكد انها نتيجة للتفاعل مع المركبات الكيميائيه المحتويه على الكلور والبروم ، وان التفاعلات تحدث في الشتاء بسبب البروده الشديده ومع حلول فصل الربيع يتضح نقص الاوزون ( يظهر ثقب الاوزون).

ــ آثار تآكل طبقة الاوزون على البيئه :
يؤدي انخفاض 1% في طبقة الاوزون الى زيادة الاشعه فوق البنفسجيه-ب التي تصل الى سطح الارض بنسبة 2%. وقد اثبتت الدراسات ان التعرض لمزيد من الاشعه فوق البنفسجيه يؤدي الى إحداث خلل في جهاز المناعة في جسم الانسان مما يزيد من حدوث واشتداد الاصابه بالامراض المعديه المختلفه كما يمكن ان تؤدي الزياده في مستويات الاشعه فوق البنفسجيه الى زيادةالاضرار التي تلحق بالعيون ولا سيما الاصابه بالمياه البيضاء . وقد يؤدي هذا الى زيادة عدد الاشخاص المصابين بالعمى بنحو 100000 شخص في السنه على مستوى العالم . وبالاضافه الى ذلك يتوقع ان يؤدي كل انخفاض بنسبة 1% في الاوزون الى ارتفاع في حالات الاصابه بسرطان الجلد يقدر بحوالي 3% ( اي زياده تقدر ب 50000 حاله كل عام على مستوى العالم ).

من جهه اخرى اثبتت التجارب المعمليه ان الزياده في مستويات الاشعه فوق البنفسجيه لها تأثيرات ضاره على عدد كبير من النباتات و من بينها بعض المحاصيل مثل الخضراوات وفول الصويا و القطن . وقد ينطوي هذا على آثار خطيره لانتاج الاغذيه في المناطق التي تعاني بالفعل نقصا في مواردها الغذائيه .

ــ الاجراء الوقائي :
في ضوء هذه المعلومات عن احتمال حدوث تآكل في طبقة الاوزون اتخذ المجتمع الدولي إجراءا وقائيا بوضع اتفاقية فيينا لحماية طبقة الاوزون عام 1985 . التي تنص على تبادل المعلومات والبحوث ونتائج الرصد لحماية صحة الانسان والبيئه من الآثار السلبيه التي قد تنتج عن تآكل طبقة الاوزون . وفي عام 1987 تم التوقيع على بروتوكول مونتريال الذي وضع جدولا زمنيا للخفض من إنتاج واستهلاك مركبات الكلوروفلوروكربون والهالون التي تحفز من تآكل طبقة الاوزون . وفي عام 1990 تم تعديل بروتوكول مونتريال لمنع انتاج واستهلاك هذه المركبات بحلول عام 2000 ووضع جدول زمني لمنع انتاج واستهلاك مركبات اخرى مثل رابع كلوريد الكربون . كما ادرجت جيمع البدائل المؤقته لمركبات الكلوروفلوروكربون في قائمة منفصله بحيث يمنع استخدامها خلال الفتره من عام 2020 الى عام 2040 وفي نهاية عام 1992 اتفقت الدول على الاسراع في منع انتاج واستخدام جميع هذه المركبات قبل عام 2000 . ولكن في عام 1993 اعدت بعض الدول الاوروبيه قائمة بإستخدامات ضروريه ترى انه لا يمكن الاستغناء فيها عن بعض مركبات الكلوروفلوروكربون (مثل بعض الرذاذات لعلاج حالات الربو) او عن الهالونات ( بعض اجهزة الاطفاء على الطائرات او في القطارات ). تطالب هذه الطول بإستثناء هذه الاستخدامات من المنع الذي نص عليه بروتوكول مونتريال . ولكن في الاجتماع الاخير لدول بروتوكول مونتريال الذي عقد في اكتوبر 499w تمت الموافقه على ثلاثة إستثناءات فقط : الاستخدام في رذاذ ادوية الربو ، معايره بعض الاجهزه ، وعمليات تنظيف اجهزة مركبات الفضاء .
احتمالات تغير المناخ :
لا تصل اشعة الشمس التي تسقط على الغلاف الجوي كلها الى سطح الارض اذ ينعكس حوال 25% من هذه الاشعه الى الفضاء ويمتص حوالي 23% اخرى في الغلاف الجوي نفسه . وهذا معناه ان 52% فقط من اشعة الشمس تخترق الغلاف الجوي لتصل الى سطح الارض . ومن هذه النسبة الاخيره نجد ان 6% ينعكس عائدا الى الفضاء بينما يمتص الباقي (46%) في سطح الارض ومياه البحار ليدفنها وتشع هذه الاسطح الدافئه بدورها الطاقه الحراريه التي اكسبتها على شكل اشعه تحت حمراء ذات موجات طويله . ونظارا لأن الهواء يحتوي على بعض الغازات تركيزات شحيحه ( مثل ثاني اكسيد الكربون والميثان وبخار الماء) من خواصها عدم السماح بنفاذ الاشعه تحت الحمراء فإن هذا يؤدي الى احتباس هذه الاشعه داخل الغلاف الجوي وتعرف هذه الظاهره بإسم " الاحتباس الحراري" او الاثر الصوبي ولولاه لانخفضت درجة حرارة سطح الارض بمقدار 33 درجه مئويه عن مستواها الحالي - اي هبطت الى دون تجمد المياه - ولأصبحت الحياة على سطح الارض مستحيله

ويعد غاز ثاني اكسيد الكربون هو غاز الاحتباس الحراري الرئيسي . و تتوقف تركيزاته في الهواء على الكميات المنبعثه من نشاطات الانسان خاصه من احتراق الوقود الحفري ( الفحم و البترول والغاز الطبيعي) ومن ازالة النباتات خاصه الغابات الاستوائيه التي تعتبر مخزنا هائلا للكربون . كما تتوقف تركيزات ثاني اكسيد الكربون في الهواء على معدلات ازالته وامتصاصه في البحار وفي الغطاء النباتي على سطح الارض فيما يعرف بالدوره الجيوكيميائيه للكربون - والتي تحدث توازنا في تركيزات الكربون في الهواء .

ولقد اوضحت الدراسات المختلفه ان هذا التوازن قد اختل نتيجة لنشاط الانسان المتزايد. ففي عصر ما قبل الصناعة (عام 1750-1800) كان تركيز غاز ثاني اكسيد الكربون في الهواء حوالي 280 جزءا في المليون حجما . اما الان فيقدر هذا الركيز بحوالي 353 جزءا في المليون ، اي ارتفع بحوالي 25%. وتتزايد تركيزاته بمعدل يقدر بحوالي 0.5% سنويا .

وبالاضافه الى غاز ثاني اكسيد الكربون وجد ان هناك عددا من الغازات الاخرى لها خصائص الاحتباس الحراري واهم هذه الغازات هي الميثان الذي يتكون من تفاعلات ميكروبيه في حقول الارز وتربية الحيوانات المجتره ومن حرق الكتله الحيويه (الاشجار والنباتات ومخلفات الحيوانات ) . وبالاضافه الى الميثان هناك غاز اكسيد النيتروز ( يتكون ايضا من تفاعلات ميكروبيه تحدث في المياه و التربه) ومجموعة غازات الكلوروفلوروكربون ( التي تتسبب في تآكل طبقة الاوزون وسبق الاشاره اليها عاليه ) واخيرا غاز الاوزون الذي يتكون في طبقات الجو السفلى .

وحيث انه من المتعذر اجراء دراسه مباشره للتأثير الناجم عن تراكم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي فقد وضعت خلال العقدين الماضيين طائفه من النماذج الرياضيه للتنبؤ بما قد يحدث . ولقد اوضحت النماذج الحديثه انه لو تضاعفت تركيزات غاز ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي عن معدلها في عصر ما قبل الصناعه فإن هذا سيؤدي الى رفع درجة الحراره على سطح الارض بمتوسط يتراوح بين 15-45 درجه مئويه خلال المائة عام القادمه . وبينت دراسة فريق الخبراء الحكومي الدولي عام 1990 انه اذا استمر انبعاث غازات الاحتباس الحراري بمعدالتها الحاليه فمن المحتمل ان ترتفع درجة حرارة العالم من 2-5 درجات مئويه في عضون القرن المقبل ( الاحتمال الاكبر هو 3 درجات مئويه ).

وقد اثار عدد متزايد من العلماء الشك في صلاحية النماذج التي استخدمت لتقديرها ارتفاعات درجات الحراره ،حيث ان معظمها قد تجاهل الاثار المترتبه على وجود بخار الماء و الغبار واكاسيد الكبريت في الهواء ، فكل منها له اثره على رفع او خفض درجات الحراره . فمثلا في اعقاب ثورة بركان بيناتوبو في الفلبين عام 1991 تكون حول الارض حزام عريض من الغبار الناعم ورذاذ حامض الكبريتيك وغطى هذا الحزام نحو 40% من سطح الارض . وقدرت الدراسات العمليه انه نتيجة لذلك سوف تنخفض درجة حرارة الجو بمعدل 0.5 درجه مئويه لمدة تتراوح من عامين الى خمسة اعوام والواقع ان درجات الحراره سجلت انخفاضا بمثل هذا المعدل منذ عام 1992 . وبالاضافه الى ذلك ذكر بعض العلماء ان النماذج التي استخدمت حتى الان تجاهلت بعض الظواهر الطبيعيه . فمثلا هناك تغيرات في الحراره ومعدلات سقوط الامطار تحدث في بعض المناطق نتيجة للتغيرات في نشاط الشمس خلال دورة الشمس التي تستمر عاده ما يقرب من 11 عاما . وفي دراسة حديثه قدمت للمؤتمر العربي للطاقه الذي عقد عام 1994 ذكر ممثل المجموعه الاوروبيه ان التوقعات هي ان ترتفع درجة حرارة الجو بحوالي 1.5 درجه مئويه فقط وليس 3 درجات كما بينت دراسة فريق الخبراء الحكومي التي سبق الاشاره اليها . ولقد كشفت دراسة جديده اجريت في جامعة كولورادو الامريكيه ان تركيزات اول اكسيد الكربون والميثان واكسيد النيتروز قد انخفضت منذ عام 1992 ( وهي غازات احتباس حراري ) . اما ثاني اكسيد الكربون فقد استقرت تركيزاته عند مستوى عام 1992 .

ــ ماذا اذا ارتفعت درجة حرارة الجو ؟
تتوافراليوم ادله توضح ان ارتفاع درجة حرارة الجو وما سيصحبه من تغيرات مناخيه سيكون له اثر كبير على النظم البيئيه على سطح الارض ، يرى البعض انها قد تكون مفيده ويرى البعض الاخر انها ستكون ضاره . فمثلا بينما قد تزيد انتاجية بعض الغابات والمحاصيل فإن البعض الاخر قد تتدهور انتاجيته . كذلك بينما قد تزيد الامطار في بعض المناطق في العالم فإنها قد تشح في بعض المناطق الاخرى - خاصه في المناطق القاحله و شبه القاحله - مسببه مشاكل كبيره في موارد المياه .

بالاضافه الى ذلك يقول البعض ان ارتفاع درجات الحراره في العالم سيعجل بإرتفاع سطح البحر (حوالي 20 سم بحلول عام 2030 و 65 سم في نهاية القرن المقبل ) وان هذا الارتفاع سيغرق بعض الجزر المنخفضه والمناطق الساحليه وسيؤدي الى تشريد الملايين من البشر والى خسائر اقتصاديه واجتماعيه فادحه . ففي الهند مثلا قدر ان حوالي 5700 كيلومتر مربع من المناطق الساحليه سوف تتعرض للغرق مما سيؤدي الى هجرة 7.1 مليون شخص والى خسائر ماديه قدرت بحوالي 50 بليون دولار. وفي فيتنام قدرت الخسائر التي قد تنجم عن ارتفاع سطح البحر بحلول عام 2070 بحوالي 2 بليون دولار . في حين ان البعض الاخر يقول ان ما سيحدث هو انخفاض في سطح البحر واحتمال لعصر جليدي جديد .
ــ هل تغير مناخ العالم فعلا ؟
ذكرنا من قبل ان تركيزات غاز ثاني اكسيد الكربون ( غاز الاحتباس الحراري الرئيسي) قد ارتفعت من 280 جزء في المليون الى 353 جزء في المليون فهل ادى هذا الى ارتفاع في حرارة الجو ؟

تشير التحليلات التفصيليه لدرجات الحراره خلال المائة سنه الماضيه الى ان متوسط درجة حرارة العالم قد ارتفع من 0.3 الى 0.6 درجة مئويه وان هذا يتفق مع نتائج النماذج الرياضيه التي استخدمت لتحليل زيادة ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي . ولكن يجمع العملاء على ان هذه الزياده هي في حدود التغيرات الطبيعيه . التي تحدث للمناخ وبذا لا يمكن اعتبارها زيادة حقيقيه خاصه وان التحليل المفصل لدرجات الحراره خلال المائة سنه الاخيره يوضح انه كانت هناك فترات انخفضت فيها الحراره عن معدلاتها (من 1950-1960 - 1965 - 1975 مثلا).

ــ الاجراء الوقائي :
كإجراء وقائي تم التوقيع اثناء مؤتمر قمة الارض في ريودي جانيرو 1992 على معاهدة المناخ الدوليه التي بمقتضاها تعمل الدول - اختياريا - على خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري ، خاصه ثاني اكسيد الكربون ، بحلول عام 2000 ، الى مستويات عام 1990 ولقد بدأت بالفعل بعض الدول المتقدمه في ترشيد استخدام الطاقه الحفريه ( خاصه الفحم والبترول ) ، واقترحت دول اخرى فرض ضريبة سمية باسم ضربية الكربون على استهلاك البترول ، ولكن اثارت هذه الضريبه جدلا واسعا بالنسبه لآثارها الاقتصاديه البعيدة المدى ، خاصه على الدول المنتجه للبترول ، لأن موضوع احتمال ارتفاع درجة حرارة الجو ما زال غير مؤكدا .
وفي دراسة حديثة لوكالة الطاقه الدوليه ذكر ان ضريبة الكربون ليست الطريقه المثلى للحد من انبعاث ثاني اكسيد الكربون وان الطريقه العمليه هي رفع كفاءة استخدام الطاقه (ترشيد استخدام الطاقه). فالطريقه الاخيره يمكن ان تؤدي الى تثبيت تركيزات ثاني اكسيد الكربون عند مستوياته عام 1990 بحلول عام 2010 ، وقالت وكالة الطاقه انه حتى لو فرضت ضريبة قدرها 36 دولار على برميل النفط ( يدورالجدل حاليا حول ضريبة قدرها 10 دولار على البرميل ) فإن هذا سوف يؤدي الى زيادة نسبة ثاني اكسيد الكربون في الهواء بمعدل 36% عن مستواه في عام 1990 بحلول عام 2010 ، وتجدر هنا الاشاره الى ان الدول الصناعيه ( امريكا الشماليه / الاتحاد السوفيتي سابقا / غرب اوروبا / اليابان / استراليا ) التي يبلغ تعداد سكانها 20% من سكان العالم هي اكبر منتج لغاز ثاني اكسيد الكربون ( 59% من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون في العالم ) وتتصدر الولايات المتحده الامريكيه هذه الدول بنسبة قدرها 23%.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الأنساق العامة: إمكانية توظيفها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية

ملخص الأدب مدرسة الإحياء و البعث (الاتباعية - الكلاسيكية الجديدة)

السيميائية :أصولها ومناهجها ومصطلحاتها